(عوالم) الخرطوم رفيقات كوتشوك هانم.. أين ذهبن؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

(عوالم) الخرطوم رفيقات كوتشوك هانم.. أين ذهبن؟

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

المتتبع للتاريخ الاجتماعي لفن الغناء والموسيقى في السودان يلفت انتباهه ما ورد في كتاب أحمد أحمد سيد أحمد، ذلك الكتاب المجهول الذي اكتشفه الدكتور عبدالعظيم رمضان بمحض الصدفة في سوق الكتب القديمة بسور الأزبكية بالقاهرة، وكان الكتاب في الأصل رسالة ماجستير تناقش (تاريخ الخرطوم تحت الحكم المصري 1820- 1885)؛ ولم يستطع أحد، حتى الآن، كشف هوية سيد أحمد ما إذا كان مصرياً آم سودانيًا.
قدم الكتاب للقارئ في السودان ومصر الدكتور عبدالعظيم رمضان بعد أن قامت الهيئة المصرية للكتاب بطبعه في 2000 ضمن سلسلة (تاريخ المصريين).
حوى الكتاب فقرات مهمة عن حضور راقصات مجتمع الخرطوم آنذاك، ممَّن يطلق عليهن (العوالم)، حيث يقول الكاتب: "... ومن ملامح مجتمع الخرطوم أن ليلة من لياليه لايمكن أن تمر دون أن تحييها فرق (العوالم)، وقد زاد عددهن في الخرطوم منذ عهد الخديوي عباس باشا الذي طرد من القاهرة للخرطوم الكثير منهن، وكانت فرق (العوالم) تقدم عروضها واغنياتها التي تتنوع بين التركي والمصري والأسباني والسوداني، وأحياناً الحبشي"، ويقول الكتاب أن هذه الفرق كانت "تحضر بمصاحبة العازفين وتقدم أيضا فواصل هزلية". هذه الأشاره تحفز لإلقاء نظرة على عهد الخديوي عباس (1 يوليو 1813 - 13 يوليو 1854).
سيقف المتتبع أمام سؤال مُلح لفهم أسباب قدوم (العوالم) للخرطوم في ذلك الوقت، ولماذا طردهن الخديوي عباس, حتى عثرت على شخصية (كوتشوك هانم العالمة)، أو (وردة هانم)، وقد كانت أحدى محظيات الخديوي عباس باشا وعشيقته، وهي واحدة من (عوالم) مصر الشهيرات في تلك الحقبة اللائى حُكي عن مدى جمالها وبراعتها في الرقص، ونالت شهرة واسعة، حتى كُلف بها الخديوي واتخذها محظية مقربة له.. وتقول قصص التاريخ الخديوي عباس كان يغدق على كوتشوك هانم الهدايا، ويوليها عنايته الخاصة، لكنه، في أحدى المرات، وجد (نارجيلة) فاخرة كان قد أهداها إليها بحوزة أحد ضباطه، وشكَّ في أن ثمة علاقة تربط بين كوتشوك هانم وهذا الضابط؛ في حين أن رويات أخرى تقول إن كوتشوك هانم باعت النارجيلة لسد حاجة مالية.. المهم في الأمر هنا أن الخديوي عباس قام بطرد (الغوازي) و(العوالم) و(الغياش- المخنثون من الرجال الذين يمارسون الرقص) إلى منطقتي (إسنا وقنا) في صعيد مصر الجواني، وذلك بدعوى تطهير العاصمة منهم تحت تهم نشرهم للرزيلة والفاحشة في القاهرة؛ بل أن ثمة من يذهب إلى أبعد من ذلك، ويشير إلى أن الخديوي عباس أمر بأغراق الآخرين في النيل، لكن أحدًا لم يثبت هذه الوقائع في مدونة التاريخ المصري، وثمة آراء أخرى تقول إن الخديوي عباس كان متأثرًا بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب الأولى في الحجاز، وأن غضبته على العوالم والغوازي والغياش كانت تحت تأثير الاتجاهات الدينية، بجانب وجهة نظر تاريخية أخرى تقول إن مصر في ذلك الوقت، وقد كانت تطمح إلى أن تكون حركة التحديث التي قادها محمد علي باشا شبيهة بدول أوروبا؛ فكانت السلطة وقتها في أن يأتي الأوروبيون إلى مصر لمضاهاة ومقارنة وتيرة تطورها وماوصلت إليه في البناء الحضاري والمادي؛ بحيث أنها أصبحت شبيهة بأوروبا ودولها، لكن أولئك القادمون من أوروبا، من مثقفين وكتَّاب، يفترض منهم اطلاع الرأي العام في أوروبا وحكوماتها بنظيرتهم مصر في الشرق العربي كانوا سرعان ما يشيحون بنظرهم عن بنيات التحديث والعمارة، وتجذبهم مصر الشرقية القديمة بعوالمها وغوازيها وطقوسها الشرقية، ولعلَّ ذلك يعود إلى أن مخيَّلة الأوربيين ومغامريهم كانت تأتي من هناك على ذلك الأثر الذي فعلته فيهم ترجمة أنطوان جالان المستشرق الفرنسي لألف ليلة وليلة التي تبعتها ترجمات إنجليزية وألمانية لاحقة، وشغفت أذهان المثقفين الأوربيين وقتها فكرة الشرق الساحر والغرائبي.
الفقرات التي حواها كتاب أحمد سيد أحمد حول تاريخ الخرطوم تؤكد أن عددًا كبيرًا من (العوالم) والغياش قد تم نفيهم إلأى الخرطوم، ومن الأشياء المهمة أن اسم كوتشوك هانم دخل إلى فضاء الأدب العالمي عن طريق الكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير صاحب رواية (مدام بوفاري) الذي وقع في حُبِّ كاوتشوك، وكتب إلى عشيقته الكاتبة لويز كوليه عن كاوتشوك هانم, ويبدو أن جوستاف فلوبير لم يعترف بحبِّه لكاوتشوك؛ حيث كان يشكِّل حالة نموذجية لفكرة التقسيم بين الوجدان والوعي التي تسيَّدت بناء الأطار الأيدلوجي للخطاب الاستشراقى الذي يبدو فيه الشرق عالماً غارقاً في اللذة والغرائبية؛ إذ يكتب لعشيقته الفرنسية حتى يهدئ من غيرتها واتهامه له بالخيانة قائلاً بعد أن مارس الجنس مع كوتشوك: "إن الجنس هنا ليس كما نعرفه نحن هناك مرتبطاً بالعاطفة وأن المرأة الشرقية خالية القلب، لافرق عندها بين رجل وآخر ولاهم لها غير النارجيلة والكحل وحمام تختلف إليه".
هذه الرؤية الاستشراقية ووضع الشرق العربي الإسلامي كمكان للغرائبي والمختلف والسحري كانت أحدى محفِّزات الخيال للكثير من أدباء وكتَّاب الغرب ورحالته؛ وللأسف، إننا هنا في السودان تسود حالة من الشغف كلما تمَّت ترجمة لأحد كتب الرحالة أو الإداريين في السودان، وربما يعود ذلك إلى أن تلك الفترات المعتمة والغائبة عن حركة التدوين والكتابة؛ فأوكلنا أمر فهمها ومعرفتها (للخواجات)، وهو أمر لا يقلِّل أبدًا من القيمة التاريخية لما كتبوه؛ لكنني ألاحظ أن فرز آلية الذهن الاسشراقي لهذه الأعمال والكتابات لم نأخذ بها في فحص تلك المدونات، وواحدة من أسباب إعجابنا بتلك الكتابات هو أننا، أيضاً، ولفترة طويلة، تعاملنا مع المرويات الشفاهية أو التاريخ الشفاهي بقدر كبير من الحذر، أو حتى التقليل من شأنه، وكأنه لايمثل تاريخنا الحقيقي.. لقد رأينا فيه، فقط، أمجاد قبائل ومآثر مصنوعة لأبطال وكرامات أولياء صالحين، بينما، للحق، يشكل التاريخ الشفاهي أحد أهم مصادر تاريخنا الوطني, وهنا لابد أن أشير إلى الكتاب الذي حقَّقه ريتشارد هيل (على تخوم العام الإسلامي) وقيل إنه تسجيل لرحلة قام بها رحالان، فرنسي وإيطالي، في العشرينات من القرن الثامن عشر.. هنالك نوع من النمط الغرائبي والسحري الذي أشرنا إليه، خصوصًا فيما يتعلق بسيرة الأميرة (نصرة بت عدلان)، وهنالك مشهد (غابة مارنجان) حين وجد الكاتبان (الرحالة) أنفسهما، بعد مسيرة تيه، داخل الغابة، وفي لحظه مفاجئة وسحرية وجدا نفسيهما أمام شاطئ هادئ ومئات البنات يسبحن عاريات ويضحكن بسعادة. أجزم أن هذه الصورة سقطت من خلفية حكايت أحداث (ألف ليلة وليلة)؛ فهناك قصة شبيهة بهذا الحدث. واستطرادًا فقد فعلت الطبعات الأولى للكتاب في أوروبا حين صدرت الحكايات في القرن السابع عشر في فرنسا وترجمت إلى الألمانية والإنجليزية؛ فعلت فعلها في جماعات الأدباء والكتَّاب، ووجهت نظرهم نحو الشرق، وكان ذلك بمثابة وجهة للهرب النفسي والروحي من مجتمع يدخل العصر الرأسمالي المادي بكل قسوته!
لن أذهب بعيداً لقول بتأثُّر بعض كتَّابنا بهذه الذاكرة الاستشراقية التي دوَّنت تاريخنا، لكنني عثرت على بعض كتابات الدكتور أبكر آدم إسماعيل الذي يتحدث عن ضرورة الالتفات (لاقتصاد الدعارة) الذي اعتمدت عليه طبقة الجلابة في تحقيق تراكم ثرواتها التاريخية في السودان؛ ففي كتابه الصادر عن (مشروع الفكر الديمقراطي- القراءة من أجل التغيير) بعنوان (الديمقراطية والهوية) يشير أبكر إلى ضرورة أن يأتي باحثون شجعان لسبر غور اقتصاد الدعارة في السودان، ومع وأنني لست هنا في مقام النفي أو الإثبات لوجود مشروعية بحثية في ذلك من عدمها، لكنني، حتمًا، أحمل قناعة قوية في أن كتاب الرحالة، الفرنسي والإيطالي، الذي حقَّقه (هيل) كان أحد مراجع د. أبكر آدم إسماعيل التي اعتمد عليها في تأسيس هذا الرأي، وربما لايجد د. أبكر، وكثيرون من كتابنا ومفكرينا، إشكالاً كبيرًا في الاعتماد على تلك النصوص كمراجع تعينهم للنظر في تاريخ السودان؛ لكن حري بالقول، هنا، إن المصادر نفسها والأخذ بها هي موضوع منهج وموقع يشتبك كلياً مع نظام الخطاب الأيدلوجي، ويتعاضد وينخرط فيه خطاب الاستشراق مع المطامح الفكرية والبحثية، ولا يجد فيها كتابنا حرجاً في أخذ نظام التفكير الاستشراقي طازجاً، وإضافته دون مسائلة إلى منهج النظر للتاريخ الذي يرغب في تحليل سياقتنا التاريخية والاجتماعية، وهو يقترح نقلًا أعمى لنفس أدواتها من أجل قراءة وتحليل الواقع وإثبات وجهة نظره، ربما هي واقع الأمر سياسية تخص الراهن أكثر من كونها مبحث تاريخ علمي, لكن هذا لايمنعنا، بالطبع، من انتشال المصدر نفسه واخضاعه لسؤال المجال الموضوعي الذي أسس عليه كتابته ودعاها لتفسير الراهن من التاريخي,
رفيقات كوتشوك هانم في الخرطوم الذين نفاهن عباس باشا يبدو أن وجودهن آنذاك كان ضاجاً في مجتمع الخرطوم، كما وصفهن أحمد سيد أحمد في الكتاب، والحديث بأنهن كنَّ يتغنين بأغاني سودانية أيضاً سيعود بنا إلى الأغنية السودانية الحديثة الآن، وإلى فجر بزوغها عشية زواج التاجر العمرابي في العشرينات، حينما أحجم (الطمبارة) عن الغناء خلف الفنان محمد أحمد سرور في الواقعة الشهيرة المعروفة باضراب الطمبارة، والتغيير الذي حدث في شكل أدائها وتركها لشكل التنغيم الحلقي بالكورس المصاحب للمغني.. ثمة سؤال مهمّ سيطرح: هل قفزت الأغنية السودانية من ذاكرة (العوالم) بلا أثر من تلك المرحلة ونسيتها؟
فرضيتان مهمتان هنا تعيدان تأسيس أسئلة مهمة نحو ذلك التاريخ القريب، والفرضيان تحتاجان لكثير من البحث. الأولى هي أن العوالم والغياش والغوازي لم يتم أغراقهم في النيل، كما أشيع في التاريخ المصري عن تلك الفترة، بل تم نفيهم إلى الخرطوم، وقد أشار سيد أحمد في كتابه إلى واقعة النفي تلك. أما الثانية، فيبدو أن الإمام المهدي، في تحريمه للغناء، كان الشكل الشرعي المقابل لمفهوم التحريم في الذهن الديني المهدوي، كان يعني شكل الغناء الذي هيمن في الفترة التركية، والذي مورس من قبل (العوالم، مصريات وسودانيات وإثيوبيات تعلمن لاحقاً على أيديهن، أي غناء المعازف)، ولم يكن الدوباوي والحومبي والشاشاي، والأشكال الأخرى للغناء السوداني المعروفة، تدخل في نطاق هذا التحريم المهدوي، باعتبار أن المغني نفسه لم يكن له دور مستقل خارج بنية نظام الجماعة الثقافي والطقوسي، وكان الغناء لصيقًا بانماط العمل الجماعي، وكانت فترة الحقيبة لم تكن الفترة التي تغيَّر فيها شكل الغناء فقط، ولكن هي بداية ظهور المغني المستقل بـ(العدَّاد) كوظيفة اجتماعية ترفيهية، وقد قيل إن مغني كبوشية محمد ود الفكي كان قد اعتزل الغناء بسبب انسياق المغنين وراء المقابل المادي، وعبَّر شكل الغناء الجديد عن نشاط العمل الاجتماعي والجماعي الذي كان يمثله (الطمبارة) بطريقة أدائهم المنتمية لنمط رعوي، القيمة فيه الرمزية والمادية للماشية والأبل؛ فكان الطمبارة وكأنهم حالة من أغاني الرعاة، لم يعد بأمكان مدينة (مابعد الاستعمار) التي تبحث عن تمييز هويتها الحضرية والمدنية الاجتماعية الجديدة أن تستصحبهم في تطورها ذاك.
الأشارة إلى الغناء في الفترة المهدية نجده بشكل أوضح في كتاب د. بقيع بدوي (أشغال الإبرة في أمدرمان) حيث أنها تطرقت لمجموعة من أغاني الفترة المهدية، والطريف أن هذه الأغاني كانت تدخل قادة المهدية في نظمها، رغم مسار الأغنية الغزلي، وذلك حتى تتحاشى سطوة المهدية وسلطتها.
جاء فتح الخرطوم عام 1885 وانتهت حقبة الحكم التركي ووفق التقسيم الديني المهدوي لدار الإسلام ودار الكفار.. تقول الروايات إن كثير من نساء الخرطوم وقتها تم سبيهن وتزويجهن من أنصار المهدي، لكن ثمة سؤال هنا: أين ذهبن رفيقات كوتشوك هانم (الأميرة الصغيرة) كما يعنى أسمها بالتركية، وسط تلك الأحداث؟
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]

سلام يا حاتم الياس،


وشكراً يا زولاً لطيف بالحَيْل في عرض وجهة نظرك الصميمة.

رأيتُ (لا أن أكون باحثاً شُجاعاً ولا شيتّيْن :roll: ) أن أدلو بدلوي في اسم "كوتشوك هانم" .. الاسم بس (وَحاتك!) وليس توثيق اقتصادها وما التهمت من "سرور"، فالكاوتشوك، كـ لفظة، كثيراً ما كانت ترد في كُتُب الأدب البوليسي المصري، وأعني "الألغاز" كمُرادف للنّعال البلاستيكية، وربما المطّاطية. والكاوتشوك في أغلب اللسان المصري، هو إطار السيّارة وقد ينزلق ليسع تعريفه حتى إطارات الدرّاجة؛ وربما ينزلق أكثر إلى تحت حتى يصل عجلات الحنطور. ولكنّك تقول: إن ال "كوتشوك" في اللغة التركية - زمان الخديوي عباس لعلّه - يأتي بمعنى الصغيرة، وبالطبع، فلفظة "الهانم" هي بمعنى "الأميرة" في التّركية. ها هنا تقارب الصِّغَر مع المطّاط الموطوء أحذية خفيفة رخيصة (لكنّها بالطبع، لن تحصِّل ال "تموت تخلّليْ" حتى لو كسّرت راسا، يا عملات بوتفليقة :wink: )*

من ناحية أغرق قليلاً، فقد استوقفتني فَقرتك التالية: (( لن أذهب بعيداً لقول بتأثُّر بعض كتَّابنا بهذه الذاكرة الاستشراقية التي دوَّنت تاريخنا، لكنني عثرت على بعض كتابات الدكتور أبكر آدم إسماعيل الذي يتحدث عن ضرورة الالتفات (لاقتصاد الدعارة) الذي اعتمدت عليه طبقة الجلابة في تحقيق تراكم ثرواتها التاريخية في السودان؛ ففي كتابه الصادر عن (مشروع الفكر الديمقراطي- القراءة من أجل التغيير) بعنوان (الديمقراطية والهوية) يشير أبكر إلى ضرورة أن يأتي باحثون شجعان لسبر غور اقتصاد الدعارة في السودان، ومع وأنني لست هنا في مقام النفي أو الإثبات لوجود مشروعية بحثية في ذلك من عدمها، لكنني، حتمًا، أحمل قناعة قوية في أن كتاب الرحالة، الفرنسي والإيطالي، الذي حقَّقه (هيل) كان أحد مراجع د. أبكر آدم إسماعيل التي اعتمد عليها في تأسيس هذا الرأي، .... ))

فهلّا صببتَ عليها بعضَ سَرْد؟ ولك دعائي أن يُكرمك في الدّارين؛ لا سيما وأن عرضَك لفكرتك كأنما يؤزّني أزّاً كي ما أرى أنّ الأخ الباحث د. أبكر آدم، غير معنيّ البَتّة بأي (اقتصاد طهارة) ينمي إلى معرفة بالجلاّبة (جلّابته براهو)؛ إنّما يُعوِّل - كباحث غير شُجاع ربما - أن يقوم باحث شجاع من الأمة السودانية المتّحدة، ويُكفكف جلاّبيّته حــَــدّ الإبط، ثم يقول لنا مَ الحكاية بالضبط يا شباب ..؟! أما حكاية المؤلف المجهول هذا، وبهذه الطريقة البحثية العضيرة، فقد يُثبّط عزيمة حتى الباحث الشجاع، ناهيك عن باحثين يفتقرون للشداعة اللازمة - بالضرورة - لنجر الدلائل لإسناد الرؤى الفاشية راهناً (تأرخة مُنْحَدَر الجلاّبة مثلاً) حتى يستدل عليها الناس الديمقراطيين الحاليين قبل أن يطلّنا صباح التحوّل الديمقراطي، فيصبح العوس البحثي (ما يحتاج شجاعة ولا براعة ذاتو).

مع التحايا









ــــــــــــــــــــــــــــــ
* زار الرئيس الجزائري السودان، فاصطحبه النائب الأول إلى قاعة الصداقة لملمّة هناك، سبقها أو اختتمها إنشاد غنائي (ويعجبوك!) حيث أدّت المجموعة: أرض الخير أفريقيا مكانك .. زمان النور والعزّة زمانك .. إلخ,,, فسأل الرئيس الزائر، النائب القاعد: مين يغنّي هذه الأغنية الوطنية؟ قال له: الفنان السوداني الكاشف، ردّ بسُرعة: الكلمات ممتازة لكن دا الفنان لا يحصِّل وردي لو كسّر راسو :lol: (من الناقل!: كان وردي أيّاميها حيّاً، والكاشف طبعا مات بالسبعينيات) رحمهم الله تعالى، ورحم بوتفليقة..!
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »


قصة أشهر «عاملة جنس» عرفتها مصر: طويلة وبيضاء وعيناها واسعتان وكتب عنها أدباء العالم
أحمد حمدي
24مايو,2015

بهدوء وخبرة، ترجل شاب مصري وسط حواري وأزقة مدينة إسنا بالأقصر، يتبعه شابان أجنبيان. كان الشهر الثالث من عام 1850. ها قد وصل الثلاثي إلى ضالتهم، بيت صغير أمامه ساحة صغيرة، عبرها الثلاثي سريعًا وصعدا سلمًا ضيقًا، وما أن لمحت عيناهما آخره ظهرت هي. «كشبح، وقفت والشمس خلفها والسماء الزرقاء الصافية ببنطالها الوردي وحجابها البنفسجي الشفاف»، تتطلع إلى الأجنبيين.
لم يعرفاها، لكنها كانت الأشهر في المنطقة. من قادهما إليها لم يكن سوى مندوبًا، وقفا ينظران إليها ويستنشقان عطرها الفواح. كانت طويلة ومليئة بالشباب والحيوية، تفوح منها رائحة زيت الترابنتين الجميلة، فيما حمل ذراعها الأيمن بطوله وشمًا باللون الأزرق، فتلك المرأة التي جذبت عيون الفرنسيين لم تكن سوى «كاوتشوك هانم»، أشهر راقصة تعري في تاريخ مصر، أما الفرنسيين أنفسهم فلم يكونا سوى اثنين من أشهر الكتاب الفرنسيين، جوستاف فلوبيرت وماكسيم دو كامب.

كوتشوك هانم
كان اسمها يعني بالتركية «الأميرة الصغيرة» أو «سيدة الرقص»، وكانت تقضي سنوات النفي في إسنا كمعظم الغوازي في هذا التوقيت بأمر الوالي محمد على باشا، كما ذكر في كتاب Flaubert: A Life by Geoffrey Wall، إلا أن «كاوتشوك هانم» لم تكن غازية عادية أو مقدمة متعة محرمة كغيرها، بل كانت ملهمة للغرب أكثر من أي شيء آخر، بفضل ليلة خلدها «فلوبيرت».
«كانت كائنا طويلا ورائعا، أبيض من النساء العرب، جلدها ناعم، عيناها سود وكبيرتان جدًا، حاجباها سود أيضًا، أنفها ضيق، عريضة الكفيين، ترتدي طربوك كبير، مزين في أعلاه بالذهب، وفي وسط الذهب قطعة حجر خضراء. شعرها الأسود المجعد الذي كان أثقل من أن يتم تسريحه انقسم بين الجانبين ليتم تجميعه مجددًا في الخلف، أما على رقبتها، علقت عقد ثلاثي مصنوع من قطع كبيرة من الذهب الغير منقوش»..

هكذا يصفها «فلوبيرت» في لحظة مقابلتها، في كتابه Voyage en Egypte.



لويس فلوبيرت

صعد الفرنسيين ليقفا وجهًا لوجه مع «كاوتشوك هانم»، لتبادر هي بتعطير أيديهما بماء الورد، قبل أن تصحبهما إلى غرفة غلب عليها اللون الأبيض، احتوت على أريكتين ونافذتين، إحداهما تطل على المدينة.
التفتت «كاوتشوك هانم» في هدوء إلى الثنائي قبل أن تلقي عليهما سؤالها: «هل تريدان أن تمتعا أنفسكما؟»، سريعًا وافق «دو كامب» واصطحبها إلى غرفة في الطابق الأول، وما أن عاد «دو كامب» ذهب معها «فلوبيرت» بدوره.
مر الوقت ووصلت الفرقة الموسيقية، تلك التي تكونت من اثنين فقط، رجل بعصابة سوداء على إحدى عيناه وطفل صغير، حملا رباباتهما وبدءا في العزف، وبدأت «كاوتشوك» في الرقص.
كان رقصها عنيف كالركل في المؤخرة، ترفع نفسها على قدم ثم تريحها وترفع الأخرى، كان رائعًا، الحركات تقوم بها بخفة، شاهدت تلك الرقصة مصورة على فازات يونانية قديمة»، يروي «فلوبيرت»، متابعًا وصفه للحظات رقصها: «أمسكت كاوتشوك بطربوش لديها، وهي تلعب به، حركة فاتنة، تضع الطربوش على حجرها، مسنود على فخذها الأيسر، وتهبط بكوعها الأيسر بينما ترفع فخذها إلى أعلى، وتفتح أصابعها لتلمس على الطربوش، وتحرك يدها اليمني لتتناسب مع إيقاع الموسيقى، ثم تميل برأسها إلى الخلف، يأخذ وجهها ملامح ونظرات جادة، ويميل وسطها إلى الخلف بعض الشيء.

الغوازي في القرن التاسع عشر

عاد الثلاثي إلى منزل «كاوتشوك»، ومعهما الفرقة الموسيقية، وانضم إليهم بعض النساء الآخريات. وقررت «كاوتشوك» أن ترقص لهما رقصة النحلة، إلا أن الرجل والطفل اللذان تكونت منهما الفرقة الموسيقية لم يكن لهما أن يشاهداها، فتم تعصيب أعين الصبي بشال أسود، فيما تم تعصيب أعين الرجل الكبير بجزء من عمامته الزرقاء.
رقصت «كاوتشوك» قليلًا، وبدا أنها ليست متحمسة بشكل كبير للرقص، وتعرت قطعة بقطعة، وتقوم فكرة الرقصة على أن نحلة تدخل إلى ملابسها، لتبدأ في التعري وخلع قطعة وراء الأخرى، فيما تحتفظ في الأخير بشال فقط تمثل أنها تحاول تغطي به نفسها، قبل أن تلقي به هو الآخر وتنتهي الرقصة. ومع انتهاء رقصتها ارتدت ملابسها قبل أن ترفع العصابات من على أعين العازفين.
لم تعبأ كوتشوك كثيرًا بأننا عدنا لننام تلك الليلة في منزلها، رغم أن اللصوص يأتون في بعض الأوقات حين يسمعون عن وجود أجانب في المكان. ذهب الحراس ليناموا في غرفة بين المطبخ وغرفة المتعة. خادمتها، التي ستقضي الليلة في نفس الغرفة مع الحراس، كانت عبدة عباسية اسمها زينب، بجرح دائري على ذراعيها، يبدو كعلامة»، يروي فلوبيرت.
ذهب «فلوبيرت» وكوتشوك للنوم معًا في غرفتها، «كانت تريد أن تبقى على حافة السرير، كان جسمها مغطى بالعرق وكان باردًا، نامت ويدها في يدي، وأصابعنا متشابكة، كانت تشخر، وعكس الضوء الضئيل الذي وصلنا من شعلة اللمبة مشكلًا مثلثا على جبهتها، وبدأت تكح فوضعت عبائتي فوق غطائها.
كان يسمع الحراس يتهامسون في الغرفة المجاورة، نظر إليها وهي نائمة فيما جالت بخاطره لياليه في باريس، كم من النساء شاهد وهن ينامون، وكم من الليالي قضاها هو مستيقظًا، كان يفكر ويتسلى في قتل تلك الحشرات التي وجدها في الفراش وعلى الحائط، كان الحزن يزحف إلى قلبه، وتركه هو ليغرق فيه.
ويكمل هو حكاية ليلة خلدت بائعة الهوى في قلبه وكتاباته: «استلقيت نصف نائمًا وأصابعي تمسك بعقدها، كما لو أنني أحاول منعها من الهرب إذا استيقظت، فكرت في جوديث وهولوفيرن، كم سيكون شعور رائع للذات في أن تبقى متأكدًا من ترك ذكرى خلفك حين ترحل، أن تعرف أنها تعتبرك أفضل من الآخرين، أنك ستبقى في قلبها.
استيقظت «كاوتشوك» الساعة الثالثة إلا الربع صباحًا، مليئة بالحنان، حسبما روى «فلوبيرت»، كانت أيديهما لا تزال متشابكتان، «كنا نحب بعضنا، أو هكذا آمنت أنا». فجأة شم الاثنان رائحة دخان شيشة، فذهبت «كاوتشوك» للحديث مع مساعدها «يوسف»، فيما خرج الكاتب الفرنسي إلى الشارع ليلقي نظرة على النجوم التي لمعت بشدة. عادت «كاوتشوك» تحمل وعاء مليء بالفحم المشتعل، وجلست لساعة تدفيء نفسها بجواره، قبل أن تعود إلى السرير لتنام، قبل أن يودعا بعضهما في الصباح.
تركت تلك الليلة بالغ الأثر على الكاتب الفرنسي، فكتب في مذكراته الشخصية التي نشرت عام 1910، حسب كتاب Debating Orientalism، «كانت جذابة وساحرة، وكان بيننا إعجاب شديد». كما كان لصديقه الفرنسي الشاعر لويس بويه رسالة ضمن كثير من الرسائل الأخرى لاحقًا قال فيها إن «لياليه مع كاوتشوك هانم تذكره بلياليه في باريس، وأنه حزين لفراقها.
ولم يتوقف «فلوبيرت» عند ذلك، بل استلهم من شخصيتها في روايتيه Herodias وTemptation of Saint Anthony، حيث خلق في الروايتين شخصية الراقصة التي تؤدي رقصتي السالومي وملكة شيبة، أما الأهم فأنها ترقص رقصة النحلة، تلك التي اشتهرت بها «كاوتشوك هانم.
وحتى صديقه «بويه» نفسه فقد تأثر بخطاباته عن تلك المرأة، ليكتب قصيدة حملت اسم «تذكار كاوتشوك هانم»، مستلهمًا إياها من رسائل صديقه.
أما شهرة «كاوتشوك هانم» فلم تتوقف عند «فلوبيرت»، ففي نفس العام الذي حضر فيه الفرنسي إلى مصر بل وفي نفس الشهر، حضر أيضًا الكاتب الأمريكي جورج ويليام كيرتس، حيث أعجب كثيرًا برقصات «كاوتشوك هانم»، وتأثر بها بدوره وكتب عنها.
وقد اختلفت الروايات حول جنسية «كاوتشوك هانم»،البعض يؤكد مصريتها، فيما قال «فلوبيرت» أنها تنحدر من دمشق، أما الرواية الثالثة فتنسبها إلى تركيا. كذلك أيضًا قيل إنها كانت عشيقة الخديو عباس، وأنها لم تبق في إسنا لفترة طويلة، بل أرسلت إلى هناك فقط كنوع من العقاب المؤقت، قبل أن تعود إلى القاهرة، حسب كتاب Before They Were Belly، Dancers: European Accounts of Female Entertainers in Egypt 1760-1870، للكاتبة كاثرين فرايسر. وقد بحث عنها العديد من الكتاب في تلك الآونة، واشتهرت بشدة.
وفي تأريخ الكاتبة ويندي بونافينتورا لسيرة «كاوتشوك هانم»، روى أن عشيقة «فلوبيرت» السابقة، الصحفية الفرنسية لويز كوليه، كانت تتجنب الذهاب إلى إسنا، لكنها سألت عن «كاوتشوك» حين زارت مصر عام 1864، كإحدى أعضاء الوفد الفرنسي الذي حضر للاحفال بافتتاح قناة السويس، لتجدها كـ«المومياء الحية.
ومن غير المعلوم كم كان عمرها حين قابلها «فلوبيرت» عام 1850، فيما رجحت «فرايسر» في كتابها أن تكون قد ولدت عام 1823، حضرت إلى القاهرة في عمر الـ17، وتم إرسالها إلى إسنا عام 1849، وعادت إلى القاهرة في أواخر عام 1850، ليكن عمرها حين قابلت الكاتب الفرنسي في حدود الـ27 أو أكثر.

الصحفية لويز كوليه، عشيقة فلوبيرت السابقة

وتقول «فرايسر» إن نجاح«كاوتشوك هانم» في الرقص ربما استمر إلى ما بعد 1850، حتى أصبح لها سمعة واسم بل وتحولت إلى أسطورة، مدللة على ذلك برواية للرحالة الروسي أدريفيسكي، بعد 34 عامًا من مقابلة الراقصة للكاتب الفرنسي «فلوبيرت»، حيث كان يحضر حفل راقص في قرية بقرب أسيوط، يحضره أيضًا المحافظ، الذي أشار إلى أفضل الراقصات قائلًا: «كاوتشوك هانم»، وبينما لا يعتقد أن تلك الراقصة كانت هي بالفعل «كاوتشوك هانم»، إلا أن الموقف يوضح مدى شهرتها.
هل أتت شهرتها من الرقص؟»، السؤال طرحته «فرايسر» في كتابها، وأجابت عليه بلسان عدد ممن شاهدوا «كاوتشوك» ترقص، أولهم «فلوبيرت» نفسه، الذي قال إن رقص «عزيزة أسوان أفضل من كاوتشوك.
ومع كل تلك التكهنات والتحليلات تبقى «كاوتشوك» هانم لغزًا حير كثير من المؤرخين والكتاب، عن سر شخصية صاحبة رقصة «النحلة»، التي جعلتها تخلد في الأدب العالمي إلى الأبد.





اhttps://lite.almasryalyoum.com/extra/55555
لمصدر
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

اسبولدينق و س بيسويك
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

Sex, Bondage & the Market: the emergence of Prostitution in Northern Sudan (1750 – 1950)
J. Spaulding & S. Beswick

هذا عرض وتلخيص لقليل مما ورد في مقال نشره جاي اسبولدينق واستفني بيسويك عن تاريخ البغاء في شمال السودان بين عامي 1750 – 1950م في العدد الخامس من الدورية الأكاديمية الأميريكية "مجلة تاريخ الممارسة الجنسية (الجنسانية) Journal of the History of Sexuality " والصادر في عام 1995م عن دار نشر جامعة تكساس. ويعمل بروفيسور جاي اسبوليندق الأمريكي الجنسية الآن أستاذا للتاريخ في جامعة كين بولاية نيو جيرسي، وله عدد كبير من المقالات والكتب عن السودان (خاصة الدولة السنارية). وتعمل الدكتورة استافني بيسويك أستاذة مشاركة في علم التاريخ بجامعة بول بولاية انديانا الأميريكية، ولها عدد من المقالات والكتب عن أوضاع المرأة وعن الرق في جنوب السودان.

ويدور المقال حول دور اقتصاديات السوق وعلاقات رأس المال في تاريخ البغاء في مختلف المجتمعات السودانية منذ عام 1750م (أي في عهد الدولة السنارية "السلطنة الزرقاء") وحتى منتصف القرن العشرين، وعلاقة ذلك بالتأثير الأجنبي وبالاسترقاق لبعض الأثنيات. ففي مجال التأثير الأجنبي يذكر المؤلفان مثلا نفي محمد على باشا لبعض الراقصات المصريات للسودان، ومرافقتهن للجيش المصري/التركي في غزوه للسودان، ومن ثم استقرارهن بالبلاد وتقديمهن لخدماتهن لعلية القوم من المواطنين والأجانب. وأعتمد المؤلفان في هذه النقطة على عدة مصادر ذكرت أن هؤلاء الراقصات قد طردن عام 1822م من حامية الجيش الغازي في دنقلا العرضي بواسطة القائد التركي (الذي أشيع أنه شاذ جنسيا)!

كذلك أورد المؤلفان عددا من المراجع التي تحدثت عن تاريخ مدينة الخرطوم في عهد التركية (السابقة) وعن مناطق سكنية معزولة/ غيتو ghettos كانت توجد بها بيوت للبغاء يديرها رجال ونساء من شمال وغرب السودان، وكانت النساء في الغالب من المسترقات، بيد أنه كانت هنالك أيضا نساء سودانيات غير مسترقات (حرائر) مارسن تلك المهنة تحت ضغوط الظروف الاقتصادية الصعبة في سنوات الحكم المصري – التركي الأولى. وذكر أيضا أن ذلك الحكم الغازي سمح وصرح لجنوده في قليل من الحالات باغتصاب وخطف من يرغبون من النساء في القرى الواقعة على النيل، وإجبارهن على ممارسة البغاء والتكسب من وراء ذلك، وعدم إرجاعهن لأهلهن إلا بعد دفع فدية مقدرة. ولا يخفى صعوبة عيش أولئك النسوة بصورة عادية مرة أخرى في وسط مجتمعهن القديم بعد ما عانينه في غضون الفترة التي خطفن فيها، وقد يغدو البغاء هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لهن للعيش. وأورد المؤلفان ما ذكر في كتاب حرره بول سانتي وريتشارد هيل عن "الأوربيون في السودان" من أمثلة لبعض أولئك النساء، منهن واحدة اسمها عائشة كانت تسكن بمدينة تقع على شاطيء النيل الغربي، فأسترقها الجيش المصري – التركي الغازي وبعث بها – مع ابنتها آمنة - لمصر حيث أجبرت على ممارسة البغاء حينا من الدهر إلى أن أعتقت فآبت مع ابنتها لمدينتها القديمة حيث افتتحت البنت بيتا للبغاء يرتاده "علية القوم". وخلص مؤلفا المقال الذي نستعرضه إلى أن أمر البغاء في تلك الفترة عند أولئك النساء وغيرهن أمر معقد تتداخل فيه عوامل العنف والاسترقاق والتهجير والفرص المتخيلة (المفترضة) في الحياة.

وما أن انتصف ذلك القرن حتى صارت غالب المدن، بل وحتى القرى التي تمر بها الطرق السفرية تقبل(مع بعض الحذر والتستر) بوجود بيوت للبغاء تديرها نساء، وتقدم خدماتها من طعام وشراب وغير ذلك للمسافرين العابرين. وعرفت المدن الكبيرة أحياء معلومة (red -light districts) بها بيوت بغاء تعمل فيها نساء حرائر ومسترقات.

كانت عشرون عاما من الحكم المصري التركي الاستعماري كافية لإيجاد نوع مميز أو طبقة من النساء في كثير من مدن السودان كن يحيين خارج البناء المجتمعي للعائلة، ويعشن على ما يكسبنه من مال نظير تقديم خدمات جنسية لطالبيها. وكانت بعض هؤلاء النسوة من المسترقات (قانونا) وكان بعضهن الآخر (من الناحية القانونية على الأقل) غير مسترقات. غير أن هؤلاء النسوة كن يشكلن في نظر الدولة معضلة وخطرا متعاظما للنظام الاجتماعي القائم ، وذلك لأن دخول البلاد لعهد "اقتصاد السوق Market economy" كان قد "حرر" هؤلاء النسوة من صور الاعتماد التقليدي المعتادة على الرجال. ولجأت الحكومة في مواجهة ذلك الخطر المتمدد إلى اتخاذ إجراءات عديدة منيت جميعها بالفشل الذريع. وكان من أمثلة تلك الإجراءات ما أصدره أحمد باشا الشاملي (لعله هو أحمد باشا جركس (أبو ودان) مؤسس مدينة كسلا، وحاكم السودان بين عامي 1838 – 1843م) بعد أن لاحظ أن الأسواق مليئة بالنساء اللواتي يؤثرن البغاء على الزواج والبقاء تحت قيود الزواج، أصدر أمرا بضرورة تزويج كل امرأة غير متزوجة، وأصدر أيضا أمرا بتقليل المهور ومصاريف الزواج الأخرى، وبعث بعماله لمراقبة تنفيذ الأمرين. وبعد مرور بعض الشهور أصدر حاكم الخرطوم، بحسب ما أورده بروفسيور ريتشارد هيل في كتابه Frontiers of Islam أمرا إضافيا يحرم الختان الفرعوني، وأبطل التقليد المعتاد والذي كانت تطالب بموجبه الزوجة (المختونة فرعونيا) بعلها بمبلغ مالي نظير "إعادة فتح" الندبة التي تسد مهبلها بعد الولادة.

انتزع المهدويون الحكم من الأتراك في عام 1881م وحكموا معظم مناطق السودان لمدة سبعة عشر عاما، وحافظوا في غضون تلك السنوات على ذات النظرة والسياسة التي كان يتبعها سلفهم. ومارس الخليفة عبد الله بعد عام 1885م أكبر عملية لتجميع وإعادة توزيع الزوجات، مما يذكر بما كان يفعله سلاطين الفونج في سنار، وواصل أيضا في اتباع السياسة التي وضعها أسلافه من الحكام الترك (والفونج أيضا) بفرض الزواج جبريا على النساء. بيد أن ما كان يميز ما فعله الخليفة في هذا الصدد هو ذلك الاضطراب والخلخلة العنيفة التي أحدثها في المجتمع العادي باسم الإسلام وخدمة مثله وتعاليمه، فقد جند آلاف الشباب لحروبه الداخلية والخارجية، وجلب كثيرا من سكان الأرياف لعاصمته أمدرمان حتى تضخم عدد سكانها فقارب بحسب بعض التقديرات 250 - 400 ألف نسمة كان ثلاثة أرباعهم من النساء. وكان من نتائج ذلك الاختلال في أعداد الذكور والإناث، والالتزام بتنفيذ أمر تزويج الفتيات أن فشا تعدد الزوجات بصورة متسلسلة خاصة بين جنود الخليفة. وكان هنالك أيضا بعض الخاسرين جراء تلك الإجراءات، منهم تجار الرقيق والذين كانوا يستخدمون المسترقات في البغاء وصنع وبيع المريسة، فقد كسدت تجارتهم واضطروا لإطلاق سراحهن ليكسبن عيشهن بأي طريقة يعرفنها، شريطة دفع جعل معلوم لهم (لعله من المستبعد تماما أن تكون صناعة الخمور البلدية وبيعها علنا من الأمور التي يتساهل فيها الخليفة ورجاله، لذا فإن النقطة الأخيرة المذكورة قد لا تكون دقيقة تماما).

ونتيجة لسياسات الخليفة (المعلومة) أصابت البلاد مجاعة عظيمة (مجاعة سنة 1306 هجرية الموافقة لعامي 1888 – 1889م)، وكانت نساء المدن أكثر الناس تضررا في تلك المجاعة. وكان من جراء تلك الكارثة أن هجرت كثير من النساء في أمدرمان (وغيرها من المدن) الرجال و"تحررن" من قيود سادتهن (والذين انشغلوا بأنفسهم)، وسحن في الأرض بحثا عن لقمة العيش والتي وجدنها في البغاء. ضرب المؤلفان هنا مثلا بامرأة اسمها حسينة جلبت لأمدرمان كخادم مسترقة، وزوجت قسرا لأحد الأوربيين في أم درمان وكان اسمه شارلس نيوفيلد. وعندما حبس الخليفة عبد الله زوجها في السجن لم تجد حسينة ما تعول به نفسها فامتهنت السرقة، وسمع بذلك زوجها فطلقها وتركها تجابه مصيرها بنفسها. وبعد مرور عدد من السنوات استرد نيوفيلد حريته فغادر أم درمان في طريقه لمصر، وشاءت الأقدار أن يمر بمدينة بربر فإذا به يصادف مطلقته حسينة تعمل بغيا في تلك المدينة. يزعم المؤلفان أنه في بداية القرن العشرين كانت هنالك العديد من النساء مثل حسينة في كل مكان بالسودان، اضطررن اِضطرارا لاتخاذ البغاء حرفة من أجل البقاء على قيد الحياة.

خصص المؤلفان بابا منفصلا لمناقشة أمر البغاء في السودان في غضون سنوات الاستعمار الثاني (1898 – 1956م)، وناقشا في استفاضة الآثار والتغييرات التي تركها نظام الحكم الجديد فيما يخص أمور النظام الاجتماعي والثقافة والقيم والزواج وبقية المؤسسات الاجتماعية الأخرى. وكان من إفرازات تلك التغيرات ارتفاع تكاليف الزواج (المدبر في الغالب من قبل الأم أو الأب أو العائلة مجتمعة) عند أبناء العائلات "المحترمة". وهنا برزت عند هؤلاء الحاجة لإشباع رغباتهم الجنسية خارج إطار الزوجية، في إطار ما أسماه المؤلفان "القيم العربية – الإسلامية البرجوازية المهيمنة" والتي سجل السويدي تور نوردناشتام في كتابه "الأخلاق السودانية" الصادر في عام 1968م أنها "تفرض قيودا صارمة على السلوك والنشاط الجنسي للأنثى، وتعرف شرف العائلة بمدى عفة نسائها وبعدهن عن اقتراف المعاصي". بيد أن المجتمع السوداني يدرك (ويتغاضى عن) أن الشباب من الذكور يغشى دور البغاء، وقد لا تنقطع زياراته تلك بعد الزواج أو عند كبر السن.
نشأ كذلك طلب محدود (ولكنه مرن resilient) للجنس التجاري مجهول الهوية anonymous commercial sex من الرجال الذين لديهم ميول شاذة (سواء مثلية الجنس أو للجنسين) والذين لم يعودوا يجدون ذات القبول النسبي الذي كان موجودا في المجتمع في غضون سنوات الحكم المصري – التركي. كذلك كان هنالك طلب (صغير الحجم والتأثير) عند الجنود السودانيين والمصريين والموظفين الأجانب على الخدمات التي توفرها بيوت البغاء.

ونشأت كذلك مع مرور أعوام القرن العشرين الأولى طبقة سودانية وسطى، وبدأت المرأة السودانية تتحرر/ تتخلى بالتدريج عن دورها التقليدي في الانتاج الزراعي، وبدأت تلك الطبقة المتوسطة تؤمن بأن المرأة "المحترمة" ينبغي أن لا تعمل خارج أسوار بيتها، وبدأت الروابط القوية التي كانت تشد أفراد العائلة الممتدة في التراخي تحت تأثير التحديث، وانحصرت العائلة في "ذوي القربى" الأقربين، وبدأت النساء في فقدان الحماية التقليدية والرعاية التي كانت تقدم لجداتهن نظير انتمائهن – ولمدى الحياة- لتلك العائلة الممتدة. ولم يعد الزواج لامرأة القرن العشرين أمرا حتميا ومضمونا، فثلث الزيجات تنتهي عادة بالطلاق (وهو سهل نسبيا للرجل المسلم)، خاصة إن كان للزوجة ضرات أخريات. وهنالك ما هو أسوأ من الطلاق، ألا وهو الهجر، والذي حاق بكثير من النساء السودانيات واللواتي هجرهن أزواجهم من المصريين والأتراك مع بداية الحكم الثنائي. وكان هنالك أيضا التحرر التدريجي للمسترقات السودانيات في السنوات بين 1900 – 1940م، ودخول الرجال إلى "سوق العمل الاستعماري" والذي أدخل النساء في طور من "الإهمال الاجتماعي "social limbo خاصة وأن النساء اللواتي حررن من العبودية والنساء اللواتي هجرنهن أزواجهم لم يكن قد تلقين أي نوع من التعليم. لم يكن هنالك أمام أولئك النسوة من مفر غير الاتجاه نحو مهنة البغاء للبقاء على قيد الحياة.

كان الاستعمار حذرا جدا عند تعامله مع "مؤسسة البغاء"، وذلك لخشيته من إثارة مشاعر الغضب أو الاحتجاج عند من يحكمهم من المسلمين، وكان ينظر للبغاء من منظور طبي محض بالنسبة لجنوده وموظفيه، وخوفا من تفشي الأمراض المنقولة جنسيا بينهم كان هؤلاء ينصحون بالامتناع التام عن ممارسة الجنس، وكان يصدر للمومسات اللواتي يقدمن خدمات جنسية لجنوده وموظفيه تصاريح خاصة ويطلب منهن الخضوع لكشف طبي منتظم. بيد أن كل هذا كان على الورق ولم يعر أحدا لتنفيذه بالا.

أصدرت الحكومة في عام 1905م مرسوما ضد "التشرد" يشمل من ضمن ما يشمل تحريم ارتداء ملابس الجنس الآخر، وتجريم البغاء والتكسب منه. وأنشأ كذلك معسكرات تدريب يرسل إليها العطالى (ومنهم البغايا) لمساعدتهم/ لمساعدتهن في إيجاد مهن ووظائف يتعيشون منها. بيد أن التكلفة العالية لتلك المعسكرات أجبرت الحكومة بعد وقت قصير على التخلي عن ذلك البرنامج.

توضح احصائيات الشرطة في الخرطوم بحري أنه بين عامي 1923 – 1925م تم اعتقال 2714 شخصا بتهمة الدعارة، وكان معظمهم (تحديدا 2159) من الرجال المتهمين بممارسة الشذوذ الجنسي. وكذلك نظمت الحكومة أعمال دور البغاء وبيئتها بطريق غير مباشر بتنظيم بيع وشراء المشروبات الكحولية. ولعل هذه الإجراءات تشير إلى أن الحكومة كانت تتقبل البغاء كأمر واقع لابد من التعايش معه، خاصة بعد أن انتشرت دوره في المدن والقرى.

وبعد الحرب العالمية الثانية أخذت مؤسسات البغاء تتخذ لها مناح ومعان ثقافية جديدة. فبعد انتشار الأندية الثقافية والفئوية والتي كانت تتنوع بحسب الأعراق والمهن والمكانة الاجتماعية غدت بيوت البغاء (والأنادي) هي المؤسسة البديلة لتلك الأندية للساخطين والفضوليين ومن لف لفهم، إذ ليس فيها تفرقة أو قيود عرقية أو ثقافية أو مهنية. وكانت هنالك أيضا صالة للموسيقي (كابريه) اسمها "صالون غوردون للموسيقى" تشابه بعض كابريهات القاهرة البائسة، ولم تكن سمعتها فوق الشبهات، إذ كانت تستقدم راقصات (بيض) من بلدان مختلفة من شرق وجنوب أوربا مرة كل شهرين، وكان الأثرياء من المواطنين والأجانب يتسابقون على "استضافة" و"مرافقة" واحدة أو أكثر من هؤلاء الراقصات في خلال فترة إقامتها في الخرطوم نظير أجر يتفق عليه مع إدارة الصالة. ولعل تلك الصالة كانت المكان الوحيد المتوفر بالسودان في تلك السنوات لرجل أسود للالتقاء بامرأة بيضاء نظير أجر.

تناول المؤلفان أيضا تاريخ وتطور الأنادي وبيوت البغاء في مديرية النيل الأزرق عقب سنوات الركود العظيم الاقتصادي الذي ضرب العالم في الثلاثينات، وكيف أن تلك الأنادي والبيوت (والتي كان البريطانيون يطلقون عليها تندرا اسم Cat Houses) ترقت مع السنوات وصار يرتادها موظفو مشروع الجزيرة من السودانيين، ومن الأجانب أيضا الذين كانوا يعانون من الوحدة والعزلة ويتوقون لـ" تواصل بشري". كانت تلك البيوت لبعضهم أيضا مكانا لتناول الطعام وشرب الجعة وتبادل الأخبار والغيبة والتعرف على أشخاص جدد (سودانيين وأجانب) في إطار اجتماعي طليق ليس به حواجز، وللأنس بمختلف ضروبه، أي أنها كانت كما عبر عن ذلك موظف بريطاني "نادي متكامل"!

أتاحت أجواء تلك البيوت الحرية في التعامل مع البريطاني بندية وثقة، فقد حدث ذات مرة أن تقدمت إحدى العاهرات بشكوى ضد أحد زبائنها من الموظفين البريطانيين واتهمته بسرقة شيئ من ممتلكاتها، وفي المحكمة أدين الموظف بما أتهم به وفصل من عمله وأبعد خارج السودان. وهنالك أيضا قصة الموظف البريطاني والذي اتخذ له صديقة (دائمة) من السودانيات العاملات في المهنة التي نحن بصددها، ولكنه هجرها فجأة وبعد ثلاثة سنوات من الصحبة بعد قدوم زوجته من بريطانيا. تقدمت المرأة السودانية بشكوى ضد صديقها السابق مطالبة إياه بتعويض مادي، وكان أن حكمت المحكمة لصالحها وأمرته بدفع ما طلبت من تعويض (بمعدل ثلاثة جنيهات في كل شهر). يجب ملاحظة أنه لا يتصور أبدا أن تقدم امرأة سودانية "محترمة" على التقدم بمثل ما ورد في مثل تلك الحالات القضائية.

كذلك فتح الاتصال بين بيوت البغاء والبريطانيين مجالات مهن جديدة للنساء لم تكن مطروقة من قبل. فمع توسع المؤسسات العلاجية في السودان في سنوات الاستعمار الأخيرة ازداد الطلب على خدمات الممرضات، وكان غالب السودانيين يستهجنون عمل المرأة ممرضة لتعارضه – بحسب قولهم – مع الإسلام، والذي يمنع اختلاط الجنسين. وجد البريطانيون في النساء اللواتي كن يمتهن تلك المهنة في السابق رغبة وقدرة على العمل كممرضات مجيدات (أعتمد المؤلفان في هذا الجزء على ما أورده دكتور أحمد بيومي في كتابه "تاريخ الخدمات الصحية في السودان" والصادر بنيروبي في عام 1979م، وكتاب الاكسندر كروكوشانك عن "المغامرات الطبية في جنوب السودان" والصادر عام 1962م).

أختتم المؤلفان مقالهما بذكر ظروف الحرب في بداية الخمسينيات بين الأثيوبيين والأرتريين، والتي نتج عنها دخول عدد كبير من اللاجئين من نساء البلدين إلى شرق السودان، وعن امتهان هؤلاء النسوة مهنة البغاء كوسيلة لكسب العيش. وظفرت هؤلاء النسوة بنسبة مقدرة من "سوق العمل" في هذا المجال. وكانت لكثير من النساء اللواتي اضطررن للعمل في هذه المهنة أحاسيس وطنية عميقة مضادة للمستعمر، حتى أنهن قد رفضن يوم استقلال السودان واليوم الذي يليه (1 و2 يناير 1956م) تقديم أي نوع من الخدمات لزبائنهن من الرجال البيض!
[email protected]
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »


طه جعفر الخليفة استعرض هذا الكتاب في سودانيزاونلاين وقد نقلت الجزء الخاص بالبغاء
المصدر:
https://sudaneseonline.com/board/93/msg/ ... 49866.html

هذه المساهمة نقلا( بتصرف محدود و غير مخل ) عن كتاب تاريخ مدينة الخرطوم تحت الحكم المصري 1820 – 1885 تاليف الدكتور محمد احمد سيداحمد. وهي رسالة دكتوراة نال بها الاخير هذه الاجازة من جامعة جامعة القاهرة تحت اشراف الدكتورين محمد فؤاد شكري و الدكتور محمد انيس في عام 1963 هذا الكتاب من سلسلة تاريخ المصربن الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب و هو الكتاب رقم 185 .


مجتمع الخرطوم هو الفصل الخامس .
البغاء و اللواط في الخرطوم :
ص293 الي 295و من مظاهر حياة الانطلاق ازدحام البيوت بالجواري و انتشار البغاء بشكل لا مثيل له في مكان اخر علي سطح الارض . فتجارة البغاء تجارة رائجة و هي تقوم علي شراء بعض ذوي المال من جميع الطبقات للجواريس و حملهن علي البغاء او الرقص علي تؤدي الجارية الي سيدها مبلغا معلوما في الشهر الي جانب قيامها بشئونها المعيشية و معظم اقامة هؤلاء المومسات في سلامة الباشا و فريق الترس و تعرف بيوتهن بالاندايات او بيوت المريسة حيث تسير التجارة جنبا الي جنب مع الرقص و الشرب و لبعضهن رواكيب في سوق الشمس او حجرات خاصة افردها لهن اسيادهن في منازلهم كما يشاهد بعضهن و هن يتجولن طوال النهار في الاسواق و المقاهي . و هن من الحبشيات و الزنجيات و قليل منهمن من المصريات و اقل القليل من بنات العرب ( الكتاب يقول السودانيات فعلي الارجح انه يقصد بنات العرب و الا دلت كلمة زنجيات علي الرقيق المستجلب من دول الجوار الافريقي ) و هن في العادة صغار سن ذوات جمال ملحوظ .
اللواط في الخرطوم اكثر رواجا من البغاء علي حد قول ليجان . (المرجع Power,F: letters from Khartoum written during the Siege London1885) ) ففي السوق و الميادين العامة تشاهد الجماعة من اللواطيين في ملابس النساء و الكحل في عيونهم و الخضاب في اكغخم يقودهم رئيس منهم بلا لحية و هم يصوبون نظراتهم السافلة هنا و هناك بحثا عن صيد. لم يكن المال في كثير من الاحيان الدافع الي اتخاذ تلك الصناعة ففي سنة 1860 كان رئيس اللواطيين شابا قويا في العشرين من العمر من اسرة طيبة يمكن اعتبارها من احسن العائلات البرجوازية في المدينة و هي من …… ملوك صناعة الذهب و الفضة ( امتنعت عن ذكر الاسم منعا للحرج ) .
و من ملامح مجتمع الخرطوم ان ليلة من لياليه لا يمكن ان تمر دون ان تحييها جماعة من العوالم و قد زاد عددهم في عهد عباس باشا .و تدعي هذه الجماعات لاحياء حفلات الزواج و الولادة و الطهور او الترحيب بضيف عزيز و كذلك في المناسبات القومية ( لم اعرف ما هي ؟ )و تعمل هذه الجماعات تحت امرة متعهدين ينظمون الشئون المالية للجماعة . و كانت الغوازي الزنجيات يرقصن مرتديات الرحط و المصريات فيرتدين السترات الحريرية ة البنطلونات الوردية الواسعة انواع الرقص التي تقدم منها المصري و الاسباني و الاثيوبي و الاغاني كانت مصرية او سودانية او حبشية . و تقام هذه الحفلات في افنية البيوت او الساحات امامها و في مكان الحفل توضع العناقريب التي يضجع عليها المدعوون في ثلاث جوانب و في الجانب الرابع مسرع الغناء و الرقص .
و المدينة رغم هذا الضجيج كانت خالية من الفنادق . الفقراء غير ذوي صلات القربي بسكان الخرطوم كانوا ينزلون في بيت الاضياف المعروف بسبيل عبده افندي الذي كان فناء كبيرا به بئر و بعض الحجرات .
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]

أهااااااا
وُ بعــَــدَيْن؟ :oops:


يعني الحكاية حكاية " عــَــنْــزَة ولو طارَت ذاتو :roll:





ــــــــــــــــــــــــــ
ُوُكيف .. كيف الشورى يآآآعبدالله .. من ال بي فريقــنا اتدّلّى ..؟!
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]


بالأمس ال قريب دا، قرأتُ مقالاً بصفحة الرأي في صحيفة "الســوداني" عنوَنه كاتبه أخونا حاتم الياس بـ " القضاء في السـودان"، وكان مقالا ..! لولا أن أخانا حاتم، وقع شُكراً فظيعاً في القضاء وبعض قُدامى القُضاة حتى كاد يُدميهما تعكيرا ..! في ذات الآن الذي تضجّر فيه أخونا حاتم، مُتسائلاً: كيف يعني؟ كيف..؟ يقوم القُضاء بإلغاء أحكام عتيقة ..؟ حيث سطّر في مقالِه الفقرة التالية .. ( ظلّ القضاء السوداني يحتفظ بتقاليد متينة في تقديم قُضاة مدربين بالخبرة الاجتماعية والذكاء في تحسس المناخ العام السياسي برصانته وهرجه، لكن هنالك بعض الأحكام في الفترة السابقة التي ألغتها المحاكم الأعلى تثير التساؤل. هل ثمة تناقض اعترى ذلك الموروث القضائي الغني الذي,,,,إلخ) فاستغربتُ لأخي الأستاذ حاتم، كيف لا يُنضج مقاله و "يُوَرِّينا" داير يقول شنو؟

اتّا آآآآ حاتم، معانا وللّا ما تغشانا؟ :roll:











ـــــــــــــــــــــــــــ
لا تتضمّن هذه المداخلة أيَّ "رغبة جُوّانية" في أن يأتي أخونا حاتم لبوسته هذه الذي وقف في العَتَبَة :P
أضف رد جديد