و " مدرسة الخرطوم" نسخة الشارقة..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شرح العميل ما زي أكل الجنزبيل

مشاركة بواسطة حسن موسى »



17

"شرح العميل ما زي أكل الجنزبيل"
ـ
مثل سوداني [من تلفيقي]ـ

ـ
أثناء بحثي في سيرة البروفسير علي مزروعي استرعى انتباهي مقطع منشور على صفحة ويكيبيديا فيه إحتفاء ظاهر بصورة المثقف الإفريقي الملبّك بالألقاب الأكاديمية و المهنية و الجوائز الأدبية و الأوسمة السياسية ، الذي تتنازع عليه مؤسسات التعليم العالي المرموقة في الولايات.يقول مكتوب ويكيبيديا
« ..
« درّس مزروعي في جامعة ميتشيغان حتى عام 1989 حيث أخذ تفرغا لمدة سنتين ليدرس في زمالة"ألبيرت شفايتزربروفيسارشيب"
Albert Schweitzer professorship at SUNY
في "بينغهامتون".و قد كان فراق مزروعي لجامعة ميتشيغان حدثا لا يقل تشويقا عن مفارقته من جامعة ماكريري..ـ[هامش عن سيرة حدث ماكريري]،ـ أعلن مزروعي استقالته من جامعة ميتشيغان
في 29 مايو 1991. في تلك اللحظة انفجر خصام طفحت أصداءه في وسائل الأعلام بين جامعة ميتشيغان و
SUNY
فقد كانت كل مؤسسة تحرص على بقاء مزروعي فيها، و قدمت سوني لمزروعي خمسمئة الف دولار تشتمل على راتب قدرة مئة و خمسة ألف دولار [ ببمقارنة مع راتبه الذي بلغ 71،500 دولار الذي كان يتلقاه من جامعة ميتشيغان].ـفضلا عن بنود صرف لثلاثة أساتذة من إختيار مزروعي و ثلاثة مساعدي تدريس من الخريجين و سكرتاريا و نفقات سفر.وكان رد فعل جامعة ميتشغان أن زايدت على هذا المبلغ لكن مزروعي كان قد اتخذ قراره بالبقاء في سوني و أعلن أنه لم يقتنع بالتزام جامعة ميتشيغان الجاد بمباحث العلوم السياسية في العالم الثالث.ـو قد بلغت المنازعة بين المؤسستين أن كل من حاكم ميتشيغان جيمس بلانشارد و حاكم نيويورك ماريو كيومو اتصلا هاتفيا بمزروعي لإقناعه بالبقاء في جامعتي ولايتيهما.. و قد أثارت هذه القضية التساؤلات حول رواتب و مكافآت الأساتذة الجامعيين و الوزن الإعلامي للبروفسير الجامعي. »
من يتأمل في هذه الحكاية لا يمكن أن يتفادى التساؤل عن دوافع حكام الولايتين الأمريكيتين في التنافس على إرضاء هذا الباحث الأنثروبولوجي الإفريقاني و أمريكا عامرة بعشرات البحاث الموهوبين المتمرسين في مجال الدراسات الأنثروبولوجية الإفريقية.
أظن،غير آثم، أن، وراء حكاية الإمتيازات المالية التي يتنافس حكام ولايتي ميتشيغان و نيويورك في إغداقها على الأستاذ الناجح، تنطرح قراءة أخرى لوضعية هذا المثقف الإفريقي الذي يمثل في المشهد الأمريكي المعرقن كنوع من شاهد من أهلها، و لو شئت قل :" شاهد ملك" لا على الأفارقة فحسب،[ الأفارقة يطيروا]، و إنما على جملة مواطنيهم الأمريكان السود المعرفين في قاموس السياسة الأمريكية كـ "آفروأميريكان".ــ فهذا المزروعي الهميم لا يتوانى في إنفاق طاقته و علمه و بأسه الرمزي كإفريقي مثقف كان رئيسالـ "جمعية الدراسات الإفريقية" في الولايات المتحدةـ
African Studies Association (USA)

ثم كأسود و مسلم عمل لفترة في مجلس "منظمة المسلمين الأمريكان" بواشنطون
American Muslim Council, Washington, D.C.

و كباحث أنثروبولوجي عمل لفترة كنائب رئيس لـ "جمعية العلوم السياسية الدولية"ـ
International Political Science Association
[ و كـ "خبير" في "البنك الدولي"ـ
World Bank

الرابط
https://en.wikipedia.org/wiki/Ali_Mazrui

. مزروعي لا يتوانى في الإلحاح على تلاميذه الأمريكان الموصوفين بكونهم " آفروأميريكان" بمقولات " الهوية الإفريقية" و " الأصالة الثقافية الإفريقية" و غير ذلك من ترهات الجمالية العرقية التي تكرس الأمريكيين سود البشرة كمستودع سامي لقيم إفريقية متوهمة لا علاقة لها بشروط واقع إجتماعي يتقاسمه هؤلاء السود الأمريكيون مع مواطنيهم بيض البشرة. ـ
و عناية المؤسسة السياسية الأمريكية بالمثقفين الأفارقة لا تنج من شبهة الإنتهاز السياسي البالغ الإلتواء في إطار الخطاب الموجه لفئة الأمريكيين السود.ـ
و هو خطاب مجحف ـ من جهة أولى ـ في حق الأفارقة لأنه يختزل إشكاليات القارة الإفريقية بشعوبها و ثقافاتها المتعددة لحدود السعة السياسية للإشكالية العرقية الضيقة التي اخترعتها الطبقة الوسطى الأمريكية البيضاء المحافظة لتنتفع بها في تسويغ إمتيازاتها المادية و الرمزية بذريعة الإختلاف الثقافي و العرقي. و من جهة ثانية ،فالخطاب الموجه لفئة الـ "آفروأميريكان" مجحف في حق المواطنين الأمريكان سود البشرة لأنه يصادر حقهم الرمزي في الإنتماء الكامل للهوية الوطنية الأمريكية.من واقع كون توصيفهم بصفة الـ " آفرو أميريكان" يصون في خاطر من يستخدمونه شبهة الدخيل المتطفل على الجماعة الوطنية الأمريكية المزعومة بيضاء..فلا أحد يوصف الأمريكان من أصل أوروبي بصفة ال" أوروأميريكان".و في هذا المنظور يمكن عقلنة الإحتفاء الإعلامي الكبير الذي حظيت به التظاهرة الفنأفريقانية الكبرى التي نظمتها الأنثروبولوجية الأمريكية "سوزان فوغل"[1991] تحت عنوان " آفريكا إكسبلورز"،
Africa Explores
و التظاهرة التي احتوت على أكبر معرض في تاريخ الولايات للفنانين الأفارقة المعاصرين تجنبت عن قصد مسبّق عرض آثار الفنانين من شمال إفريقيا، على إضمار عرقي بكون أهل شمال إفريقيا ليسوا أفارقة خلّص، بقرينة اللون، كما تجنبت المجموعات الإفريقية المتأثرة بالإسلام أو بالمسيحية على إضمار آيديولوجي ينفي عن الإسلام و المسيحية صفة الديانات الإفريقية الأصيلة. و هكذا فبركت فوغل لمواطنيها الأمريكان صورة لإفريقيا سوداء خالصة الزنوجة، أي بدون إثيوبيا بدون السودان و بدون مصر و بدون بلدان المغرب . الشمال إفريقي .أنظر نصي " من اخترع الأفارقة؟" على الرابط :ـ

https://sudan-forall.org/plasticart_naqd.html
ـ

من يتأمل في الطريقة المجحفة التي يتعامل بها عملاء دوائر رأس المال الأوروأمريكية [مارتان، فوغل، جان كلير ومزروعي إلخ]، مع الأفارقة أو مع جملة الأشخاص غير الأوروبيي يخلص إلى أن هؤلاء الناس لا يجهلون شيئا عن الشروط الواقعية التي يتم فيها إنتاج الفن المعاصر غير الأوروبي ، لكنهم في الحقيقة ، حقيقة " المهمة" السياسية المناط بهم تنفيذها، مضطرون للإشاحة عن الواقع الذي يتم ضمنه إنتاج الفن المعاصر في المجتمعات غير الأوروبية، و ذلك حتى يتسنى لهم استكمال بنية الإستبعاد الثقافي لغير الأوروبيين عن دائرة المبادرة الحضارية المعاصرة.و أعني بـ "المبادرة الحضارية المعاصرة " كل الجهد الإنساني المعاصر الرامي لإصلاح حال المجتمع الدولي بصيانة مبادئ الديموقراطية و العدالة الإجتماعية. و من هذا الباب الذي فتحه مزروعي و فوغل و آخرين، يدخل ساحة الفن المعاصر جيل جديد من منظمي التظاهرات الفنأفريقانية في العالم الأوروأمريكي. جيل أفارقة العولمة الذين يرفعون نسبهم للدياسبورا بنت الغول الأفريقاني و العنقاء الأوروأمريكية. و يتكاثرون شعوبا و قبائل ، يقتطعون الإقطاعيات و يدفعون الفنانين المعاصرين من إفريقيا في متاهات الهويولوجيا العرقية التي ما أنزل الله بها من سلطان. ـ.
هؤلاء الناس الذين بنوا " بيوت الخبرة" العالمية في شرح العنقريب الإفريقي صاروا أكثر أهمية من المبدعين الأفارقة رغم أن عددهم محدود بمحدودية أرض الفنأفريقانية الضيقة التي يتقاسمونها. هؤلاء الناس هم شكل جديد من أشكال العمالة الثقافية مدفوعة الأجر من طرف مخدّميهم في دوائر رأس المال الأوروأمريكي ، و لا جناح و لا حزن لأن أرزاق الناس بيد الله. لكن الجناح يدركنا حين يتجاوزون مهمتهم التقنية كوسطاء تكنوقراط، ليرفعوا شعار إنقاذ أهل القارة من سوء التنمية و الأمية و التخلف. الجناح يحصل حين نقرأ مزاعمهم الأدبية التي تدعي التضامن مع أهاليهم الرازحين تحت نير تحالف قوى رأس المال المعولم مع دوائر الرجوع السياسي في مجتمعات إفريقيا... و قد اخترعوا لمهنتهم الجديدة مصطلحا يليق بقدر الإلتواء المفهومي الذي يلفها.و قد قلت في مطلع مقالي السابق أن
« 
" "هؤلاء الناس" لا يوصفون أنفسهم بصفة " العملاء" لكنهم يستخدمون عبارة ألطف و أشد فتكا في نفس الوقت هي « القيّم»أو صاحب القوامة المفهومية و الإدارية و المالية على الفنان و على المعرض. فمنظم المعارض في رطانتهم هو الـ " كيوريتار» :ـ
Curator
و ترجمتها المتوفرة ـحاليا ـ في العربية:ـ هي " القيّم"،[ من القوامة و صاحبها هو قيّم المعرض أو قيّم المشروع الفني].
و سواء أخذنا العبارة في معنى الـ " قوميسير
ـ
Cmmmissaire
أو في معنى » «  الأمين »،أو الـ " كونسيرفاتور"ـ
Conservateur
أو في معنى الـ "كيوريت"ـ
curate
في مدلولها الاصلي في الإنجليزية، الذي يدل على رجل الدين المدني الذي يساعد القس في أداء مهامه في الكنيسة .ـ
أو في معنى ال" كيوريتار".ـ
Curator
الإنجليزية التي تدل على الشخص الراشد الذي يعتني بالطفل القاصر أو يتولّى أمر الشخص من ذوي العاهات. مثلما تدل على قيّم المعرض في الغاليري أو في المتحف ـ"  
. و قد صارت القوامة على الفنانين اليوم من بين الصناعات المستحدثة التي تتطور و تتخلق في ثنايا عالم الفن المعاصر. وفي كل حال تلتقي معاني القوامة عند علاقة الوصي و الفنان القاصر التي تفترض أن الوصي يملك شفرة فهم الفنان و يفسر أسباب عمله للجمهور.ـ.
و في خاطر القوم صارت القوامة على الفنانين صنعة لا يُستغنى عنها، لأن القيم يملك مفاتيح العلاقة بين الفنان و جمهوره و بين الفنان و رعاته , و وضعية الوسيط بين النقائض تمنح القيّم حظوة الحَكَم بين أطراف العلاقة المركبة التي تصنع تاريخ الفن بين الفنانين و جمهورهم و رعاتهم.ـ فالقيم الذي ينظم تظاهرة فنية تجمع عدة فنانين يصبح بالضرورة أكثر أهمية من اي واحد من الفنانين الذين اختارهم لمعرضه.و هو وحده، لا شريك له، يملك سلطة تقديم و/أو تأخير زيد أو عبيد من الفنانين حسب تصوره الشخصي للمرامي الجمالية و السياسية لمعرضه.و في هذا المشهد، مشهد التراتب السلطوي يبيح القيم لنفسه أن يسدي النصح للفنان في خصوص ماينبغي و ما لا ينبغي عليه عمله، مثلما يبيح لنفسه عرض عمل الفنان حسب الطريقة التي يراها هو ، مثلما يبيح لنفسه وضع عدد من الفنانين معا على زعم أنهم يمثلون فئة مفهومية يعرفها القيم وحده،دون مراعاة لوجهة نظر الفنانين موضوع التصنيف.و هكذا ينمسخ القيّم بالتدريج لنوع من فنان خامته الفنانين و أعمالهم و مكان و زمان العرض و أداته السلطة التي خولها إياه الراعي الواقف على رقابة تحقق اجندته السرية و المعلنة من وراء الكواليس.ـ
و تحت شروط الفقر و البؤس المادي الذي يعانيه الفنانون الأفارقة المقيمون في القارة الإفريقية ، فإن أي قيّم أوروأمريكي يفد عليهم من الخارج هو بمثابة المسيح المنقذ الذي يملك ، بجرة قلم، أن يرفعهم لدائرة الضوء في مؤسسات العرض الأوروأمريكية.لهذا السبب فمن الصعب ـ و لو شئت قل: "من الحماقة"ـ أن يقوم الفنان الإفريقي الشاب المقيم في كمبالا أو في الخرطوم أو في باماكو أو الرباط بالإعتراض على الطريقة التي قرّر القيّم الأوروأمريكي أن يعرض بها عمله في حواضر أوروبا أو أمريكا.بل أن العدد المتنامي من الفنانين الأفارقة الذين تمكنوا، في النهاية، من تطوير حساسية مفهومية تتيح لهم عقلنة موقف المداهنة الجمالية الواعية بالنسبة للشروط التي يطرحها القيّم الأوروأمريكي، إنما يؤكد على واقع الهيمنة الآيديولوجية الأوروأمريكية على الافارقة[ و قيل على جملة المبدعين غير الأوروبيين] المتحركين في أرض الفن.و في مشهد الهيمنة ينخرط الفنان الإفريقي ، عن طواعية،في ثنايا سوء الفهم الإرادي الوافد في متاع القيم الأوروأمريكي.و هو سوء فهم يشمل تفاصيل صناعة الفنان الإفريقي مثلما يشمل عموميات الثقافة الإفريقية.ـ
سأعود
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في السبت إبريل 29, 2017 9:31 am، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شبهات حول الهوية

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا ياسر

نص " شبهات حول الهوية" موجود على هذا الرابط

https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... e8b44bab27

و شكرا على عنايتك
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الديموقراطية و التنمية ،القسمة الضيزى

مشاركة بواسطة حسن موسى »




الديموقراطية و التنمية
القسمة الضيزى
في الكتاب الجماعي،" ملهمات الحداثة، دراسات في الثقافة كتنمية في إفريقيا"، و الذي يضم مساهمات نخبة من " خبراء" الثقافة الإفريقية الذين سعوا لإقناع الجهات " الغربية" [إقرأ : "الأمريكية"]، المانحة للعون المادي المفترض فيه النهوض التنموي بمجتمعات إفريقيا، تبدأ كل مساهمة و تنتهي بضرورة إعلاء شأن الثقافة كرافعة ذات أولوية في تنمية مجتمعات القارة الإفريقية.لكن الثقافة التي يعقد القوم عندها آمال التنمية في إفريقيا تبقى في حدود التعريف الجزئي للثقافة الذي يحصرها في أشكال التعبير الجمالي من آداب و فنون، [ يعني بالعربي كدا : "سياسة" سَكّو، نو، "نيت"، "مي يو»..]، ربما لأن السياسة ، كممارسة ثقافية، تفتح الباب لريح النقد في موضوع الديموقراطية كأساس ضروري لأي تنمية إجتماعية في إفريقيا أو في غيرها،كون الديموقراطية تشرعن الخصومة و تقننها و تيسر الحوار الفكري بين الفرقاء و تؤسس للشفافية و الرقابة الشعبية في أداء الأجهزة السياسية و الإدارية.و قد صارت ثقافة الديموقراطية في القارة الإفريقية بمثابة " تابو" مستديم، مجرد التنويه به يعكنن مزاج سادة سادة إفريقيا الجدد، و أعني بـ " سادة سادة إفريقيا " جملة غيلان رأس المال المعولم و سعاليه التي تتواطأ مع طغاة البلدان الإفريقية ، تدعمهم ضد شعوبهم و تتقاسم معهم غنيمة سوء التنمية الإفريقية في صمت مدو. "الديموقراطية ترف لا تطيقه إفريقيا"، كما جرت قولة شهيرة لـ "جاك شيراك"، رئيس وزراء فرنسا في مطلع التسعينيات..في هذا ،المشهد، مشهد تغييب الديموقراطية من آفاق التنمية الإفريقية، يحتفي الـ "خبراء" من كل مشرب و مأكلة ،بالثقافة الإفريقية [ إقرأ: بالتعبير الجمالي للأفارقة ] كمدخل للتنمية الإجتماعية، و قد فيهم من يتجاسر و يستغني عن التنمية الإجتماعية بـ "التنمية الثقافية"، كما كان نظام جعفر نميري في سودان السبعينيات يستغني عن التنمية بعرض صورها في معارض التنمية العاصمية" معرض الثورة الزراعية" و " الثورة الصناعية" و " الثورة التعليمية" و الأجر على الله .ـ

و في مقدمة " ملهمات الحداثة" يحيي محررا الكتاب رؤية الدكتورة "ألبرتا آرثرز "لقضية التنمية، كما عبرت عنها في مؤتمر البنك الدولي لعام 1992، المنعقد تحت عنوان"الثقافة و التنمية في إفريقيا جنوب الصحراء". و الدكتورة "آرثرز"، أستاذة الأدب الإنجليزي في جامة "هارفارد" سابقا و مديرة شعبة الآداب و الفنون في «روكفلر فاونديشن» ، هي أيضا بين خبراء البنك الدولي في موضوع التنمية الثقافية. و رؤيتها التي يتبناها كل المساهمين في الكتاب بدون استثناء، هي أيضا رؤية البنك الدولي التي يمكن تلخيصها بضرورة العمل على تثبيت الثقافة كأساس للتنمية الإجتماعية.و في هذا المشهد وردت كلمة الدكتورة آرثرز في ختام مقدمة صلاح حسن و فيليب آلتباك. :ـ
« 
صار جليا أن هناك مهمة معرفية كبيرة أمامنا، و أن هناك جهد مشترك كبير لا بد من إنجازه
، بين المحترفين الأفارقة و المحترفين الآخرين، و بين الشعوب الإفريقية و الشعوب الأخرى....في مجال الإنتاج الثقافي،...فالمؤرخون و الفنانون و المراقبون الثقافيون و المنظرون و العلماء الإجتماع و الكتاب، يقفون كلهم على قدم المساواة.إنهم يقتسمون العالم و لا يجتزئونه فيستغني فيه كل بنصيبه منه.و الحدود التي بينهم مسامية تسرّب التأثيرات المتبادلة وإنتقالتها في إتجاهين. و في هذا المعني فهناك تناقض مثير للإهتمام بين مصطلح " ثقافة" ومصطلح " تنمية".و رغم أننا درجنا على اعتبار التنمية تتوجه من الشمال نحو الجنوب، ينبغي علينا ان نفكر بالثقافة على نحو مختلف.فهي تتحرك في إتجاهات عديدة. إنها تستعصي على التوقعات و لا تذهب في إتجاه واحد".ـ و على أثر "آرثرز" يذهب صلاح حسن في مساهمته، الواردة في الكتاب تحت عنوان :ـ
The Modernist Experience in African Art,Toward a Critical Understanding


يذهب إلى الدعوة لأن يستعيد الأفارقة مبحث الفن الإفريقي من الغربيين.و يقول :ـ
« .. »
"إلى يومنا هذا، فإن دراسات الفن الإفريقي بقيت، بشكل غالب،مباحث غربية.إن الدراسات في الفن الإفريقي ظلت في إسار الحساسية الغربية و بقيت تعبر عن ردة فعل الجماليات الغربية أزاء الثقافة البصرية الإفريقية." [ص 39].ـ
و ضمن التوصيات التي يتوجه بها صلاح حسن للجهات المانحة فهو يؤكد على أن " الحاجة لتشجيع البحث و التدريب في مجال الفنون البصرية في القارة يجب أن يكون أولوية .و هناك الكثير الذي ينتظر الإنجاز في هذا المجال.و على كل حال تبقى غايتي النهائية هي تشجيع البحث و التوثيق و التنظير بواسطة الأفارقة في حقل ظل لعهد طويل تحت سيطرة غربية.فهذا سيمكن المزيد من الأفارقة من أن يتولوا أمر الخطاب الذي يعالج تاريخهم و ثقافتهم و فنونهم.و إذا قبلنا بتحرير المعرفة كخطوة نحو التحرر الحقيقي، فإن الإستجابة الضرورية تبدأ من هنا. و هذا يمكن تحقيقه عبر وسائل شتى.و الأمثلة في بناء مؤسسات فنية تلتزم بمباحث الفنون البصرية الإفريقية و تشجيع نشر الدوريات و المطبوعات الأخرى التي تركز على هذا الحقل."[ص57].ـ

هذه الدعوة لـ " قسمة العالم بالتساوي بين الافارقة و الآخرين"
« They share the world »
و التي تتبناها "آرثرز" ، تبدو كتنويع أمريكي لـ "قسمة الإكزوتية" التي طرحها "جان هيوبير مارتان" صاحب معرض " سحرة الأرض"[1989] و معرض"قسمة الإكزوتية" [2000].فقد طرح " مارتان" فكرة المساواة التامة بين الثقافات و قرر عليها أن كل ثقافة هي بالضرورة "مُؤَثْنَنَة"[من "إثنية »] و"مؤكزتة"[من "إكزوتية"] بالنسبة للثقافات المغايرة، و ذلك ليسوّغ عرض نتاج ثقافة الأبوريجين الأوستراليين أو ثقافة الأفارقة أو ثقافة هنود أمريكا على قدم المساواة في معرض واحد مع نتاج الثقافات الأوروبية المعاصرة.ـ هذه المساواة التي تسوّغ عكس إتجاه المبادرة الثقافية من الجنوب ناحية الشمال ،"هي فكرة قديمة عزيزة على "ميشيل ليريس"، الأب غير الشرعي للفن الأفريقي المعاصر. وكان" ليريس" قد أطلق ما يمكن أن نطلق عليه مفهوم "النظر الراجع" لمعالجة الوضعية المذنبة للباحث الاثنولوجي المبعوث إلى المستعمرات من قبل مؤسسات السوق الرأسمالي. وفي خصوص علاقة الباحث الاثنولوجي بالدولة الاستعمارية يقول "ليريس" في كتابه "خمس دراسات في الاثنولوجيا" "مهمتنا الاثنولوجية ما هي إلا تكليف من طرف الدولة. ونحن آخر من يتبرّأ من عواقب السياسات التي تمارسها الدولة وممثلوها على هذه المجتمعات التي اخترناها نحن كموضوع للدراسة »ـ"..
يقول "ليريس" "اذا نظرنا للاثنوغرافيا كأحد العلوم التي ينبغي أن تساهم في تأسيس فكرة انسانية حقيقية، فنحن، بلا شك، نصاب بالحسرة على كون هذا العلم الاثنوغرافي يبقى آحادي الجانب. أعني أنه اذا كانت هناك اثنوغرافيا غربية تدرس ثقافات الشعوب الأخرى فان العكس غير موجود ".."و من وجهة نظر معرفية فهناك نوع من اختلال في التوازن يزيّـف منظور البحث ويؤمّن على ميلنا الاستعلائي. وهكذا تجد حضارتنا نفسها بعيدا عن متناول الفحص والدراسة الذين يمكن أن تباشرهما تجاهها هذه المجتمعات التي نجعل منها موضوعا لبحثنا ».ـ
وهكذا يبدو أمر "ليريس" في حقيقته أمر اصلاح طموح، اصلاح مزدوج يستهدف صيانة الكفاءة المنهجية للعلم الاثنولوجي مثلما يستهدف صيانة الكرامة الانسانية لطرفي الظاهرة الاثنولوجية. و في هذا المشهد يطرح "ليريس" مفهوم "قسمة العلم الاثنوغرافي" بالتساوي بين الفرقاء. وذلك في مطلع الخمسينات كما يشهد بذلك خطابه أمام "جمعية العاملين العلميين، قسم العلوم الإنسانية" والمعنون "الاثنوغرافيا أمام الاستعمار".
و فكرة "القسمة" العادلة في مشهد "ليريس" تقوم على "أن يتم تدريب باحثين اثنوغرافيين في البلدان المستعمـَرة و اتاحة الفرصة لهم كي يبعثوا عندنا في أوروبا ليدرسوا ويبحثوا في أساليب حيواتنا". لكن "ليريس" الشاعر الألمعي والمناضل التقدمي المعادي للاستعمار [الـ "واقع من السما سبع مرات"]، أدرى بأن الأمر، أمر القسمة العادلة، ليس بالبساطة التي يبدو عليها، كون مجمل العلائق بين المستعمِـرين والمستعمَرين تبقى ملغومة بواقع الهيمنة وأحكامه. ولذلك فهو يقول مستدركا "المشكلة هي أن هؤلاء البحّاث سيعملون وفق المناهج التي علمناهم إياها وأن الاثنوغرافيا التي سينتجونها تبقى أسيرة نظرتنا ومناهجنا"
Leiris pp. 106-111

Michel Leiris, Cinq Etudes d’Ethnologie, Paris, Denoël/Gonthier, 1969, p.87

أنظر نصي"من إخترع الأفارقة؟[5]،على الرابط :ـ
https://sudan-forall.org/sections/plasti ... usa06.html

لكن "صلاح حسن"و " مارتان" و "آرثرز"يتجاهلان واقع المنازعة الطبقية المعولمة التي تتحكم في ميزان علاقة القوى بين الشمال الصناعي المهيمن و الجنوب الزراعي الرعوي المقهور.هذا الواقع يكذب قسمة الثقافة كما يكذب قسمة العالم في الجذور و في التفاصيل، لأن معظم القوامين الأوروأمريكيين ومخدّموهم في دوائر راس المال المعولم يحتكرون حق هندسة قسمة العالم و يعرفون منهجها و غاياتها بدون أي شراكة ممن هم خارج طائفة أهل الحظوة الطبقية.و في هذا السياق، فالأفارقة ـ و غير الأوروبيين عموما ـ بحكم موقفهم في خانة الضعفاء ـ ليسوا في موقف يسمح لهم بنقد أو بمعارضة الفضاء المعرقن الذي يهيئه لهم القوامون الأوروأمريكيون في محافل الثقافة العالمية، مثل المؤتمرات و المهرجانات و المعارض إلخ..ـ
وفكرة "عرقنة" الثقافة الأوروبية تسوّغ لـ "مارتان" تأسيس مفهوم المساواة بين كافة الثقافات بلا استثناء، على طموح إنساني نبيل فحواه تحقيق وحدة الأعراق والثقافات المتعددة سعيا إلى اليوتوبيا العالمية [وقيل "العولمية"]. وفي هذا الأفق تكتسب كل ثقافة مشروعيتها من رغبتها في الاندغام في اليوتوبيا الأوروبية، تحت رعاية أوروبا، التي، باسم حظوتها التاريخية الموروثة من عهد الاستعمار، ترى نفسها بشكل طبيعي كصاحبة المبادرة[اقرأ "مالكة المبادرة"] ومن ثمّ فهي تعطي نفسها حق احتكار إدارة المشروع الطوباويي وتعريف
الشروط التي يتحقق على هديها.
"و ذلك تحت رعاية مؤسسات رأس المال المعولم التي تتحكم فيها بلدان دول حلف الأطلسي من شاكلة " البنك الدولي" و " صندوق النق الدولي " و خلافه. ـ




و بيكاسو الـ " توريرو" الزنجي

قلت في مقالتي[ التاسعة] أعلاه أن " جان هيوبير مارتان"، القيّم على معرض " سحرة الأرض"، حين دعاني للمشاركة في معرضه الثاني " قسمة الإكزوتية"، نصحني بالعناية بهويتي الثقافية و التحسب من مخاطر النزعة التحديثية في الفن.و ذلك ـ كما جرت عبارته ـ لأن " تبني الموقف الحداثي في التعبير يمكن أن يعتبر تقدما يعارض الظلامية و الجمود المفهومي القديم، لكن الموقف الحداثي يملك أيضا أن يعتبر فقدانا للهوية و إمتثالا للهيمنة الثقافية و , السياسية و الإقتصادية للغرب". [في خطابه بتاريخ 8 مارس 1999].و قد أوقعتني نصيحته في حرج، كوني ـ رغم مناهضتي المزمنة للمنظور الإكزوتي للفن غير الأوروبي ـ كنت راغبا في المساهمة في هذا المعرض المهم. و ذلك، من جهة أولى، لأن معرض "قسمة الإكزوتية" يمثـُل كنموذج للمناهجية[ ميثودولوجي] المعارضية الأوروبية التي خلّقت فضاء العرض بحيث يشمل الفنانين غير الأوروبيين في نوع من " رزيرف هندي" يضمن ـ في نفس الوقت ـ استبعادهم من فضاء الفن الأوروبي المزعوم " مين ستريم آرت"[ ترجم: "الفن الرسمي"].و عليه فالفنان غير الأوروبي الذي لا يقبل بمكانه في " رزيرف الفن الإكزوتي" يجد نفسه ،في " الزاوية العمياء"، خارج حقل النظر الذي يتحكم فيه الأوروبيون..أمام هذه الوضعية لا يتبقى لي سوى هامش مناورة ضيق يعوّل على قابلية الجمهور الأوروبي الواعي بالحدود العرقية في النهج الإكزوتي ، على إختراق غشاء الجمالية العرقية حتى يتمكن من الوصول للمضامين الإنسانية في عملي، و من جهة ثانية ،كنت أعوّل أيضا على تعاطف «مارتان»، القيّم الرئيس، الذي كان يعرف عملي منذ سنوات،كنت أعوّل على سماحته المناهجية في "تهريب" عملي لمساحة العرض في هذا المعرض الضخم، لكن خاب ظني و رفض قيّما العرض التنفيذيين [ « تيري برات " و "تيري راسباي"] عرض أعمالي.و أظن ـ غير آثم، أنني لست سوى واحد بين فنانيين كثيرين غير أوروبيين ، تضطرهم ملابسات تنظيم فضاء العرض الأوروبي للقبول بشروط قيّمي المعارض الأوروبيين.و في مقدمتها شرط الإمتثال للتعريف الهويولوجي للآخر.و لعل أقدم حالات مرض "الإمتثال الهويولوجوي" [ وعفوكم حتى أجد عبارة أفضل] في مشهد الفن الأوروبي هي حالة سيدنا "بابلو رويز بيكاسو" كرم الله وجهه ،الذي دأب سدنة فضاء النظر الأوروبي الحداثي على إحالته لهوية اسبانية إكزوتية خارجة من تلافيف الخيال الأكزوتي للطبقة الوسطى الفرنسية لمطلع القرن العشرين. فـ «هؤلاء الناس» الذين منحتهم الثورة الصناعية حظوة النظر المتعالي على إسبانيا، ككيان قرونوسطوي نصراني بدائي، لم يقبلوا بيكاسو كفنان حديث يمارس الرسم على منهج البحث و التجريب ،[كما بول كلي و موندريان و كاندنسكي و ماتيس ]، و إنما اختزلوه لصورة الإسباني البدائي الـ «توريرو» [ مصارع الثيران] الذي يباشر مشكلات الإبداع كما يواجه الـ " توريرو" الثور الهائج في حلبة المصارعة فيموت أو يقتل موضوعه،لكن بيكاسوا عمّر قرنا من الزمان يمارس فنه في هامش إبداعي مستضيق يحاصره حرس النظر النقدي المعرقن.و قد انسحبت صورة الـ " توريرو"ـ فيما وراء مقام الفن ـ لمقام السيرة الشخصية لبيكاسو، بالذات في جهة علاقاته العاطفية مع النساء اللواتي ارتبطن به.[ و في هذ الصدد أنظر كتاب مولانا «جون بيرجر»، صعود و سقوط بيكاسو [1965]، الذي هو، في نظري الضعيف ، من أقوى النصوص النقدية التي عالجت سيرة بيكاسو ، كفنان حديث مستوحش و محاصر بالإلتباسات المفهومية، ضمن سياق تناقض المصالح الطبقية في أوروبا مطلع القرن العشرين.ـ
John Berger,Success and failure of Picasso,
Penguin Books,1965 .ـ
و قد قبل بيكاسو دور الفنان الإكزوتي البدائي و لبّى مطلب انتليجنسيا الطبقة الوسطى الفرنسية على أكمل وجه حتى أن بحثه عن الروح البدائي انتهى به لمعقل البدائية الأصيلة في ذلك الجغب المعتم في الجمالية العرقية الأوروبية، و الذي صار يعرف بالـ «آر نيغر»،أو" الفن الزنجي"ـ
Art Nègre
على ذريعة هذا "الفن الزنجي" ، ميد إن باريس ، سعت مؤسسة القوامة الفرنسية، في مطلع القرن العشرين، لتسويغ إكتشافات بيكاسو التشكيلية البالغة التنوع ،كمجرد إحتمال في البدائية الزنجية، و ثبّت القوم في أدبيات بيكاسو أصل تيار "التكعيبية" في فن النحت الزنجي.ـ" أها، و من ديك و عيك"، إنفرض بيكاسو في مشهد الفن الإفريقي الحديث كنوع من أب غير شرعي لأجيال التشكيليين الأفارقة، [بل و أجيال الفنانين الزنوج من كل القارات]، الذين صاروا يشرعنون استقرارهم في مشهد الفن الحديث على نسَب "البدائوية" [ بريميتيفيزم] الإسبانية الحنيفة و الأجر على الله..و "قميص عامر" البدائي، الذي خاطوه في مشغل العرقية الفرنسية و فرضوه على بيكاسو ، حتى ارتضاه لنفسه، صار عملة رائجة في سوق الجمالية العرقية، حتى أن بيكاسو نفسه جاد به على الفنان الكوبي "ويفريدو لام »في واحدة من شطحاته البدائوية الرعناء، حكاها " جان لوي بودرا"في كتابه" لام الخلاسي »ـ"
(Lam Métis,Edition Dapper, 2OO1),(p.75).

، في جلسة ضمت بيكاسو مع "لام" و "ميشيل ليريس" ،قال بيكاسو لـ «ميشيل ليريس»، عرّاب الفن الزنجي الفرنسي حينذاك،:" يا "ليريس"، علّم «لام» الفن الزنجي".ـ
فقال "ليريس" أنه اصطحب "لام "و طوّف به على محلات الأناتيك و العاديات الباريسية ليريه الأقنعة و المنحوتات الزنجية التي تحمل ملامح الفن الزنجي، و التي شغف بها نفر من فناني مطلع القرن في باريس.و قولة بيكاسو الرهيبة تكشف عن كون « الفن الزنجي» يملك أن يصبح موضوعا للتعلّم، و هي قولة يمكن أن يستنتج منها أن الناس ـ على إختلاف أصولهم العرقية و الثقافية ، يستطيعون « تعلُّم» الفن الزنجي. لكن واقع الفن الزنجي في نسخة باريس يكشف عن كون فرص « تعلّم» الفن الزنجي تبقى مقتصرة على الوافدين من خارج حدود حضارة الحداثة الأوروبية.مثل «لام» الإفريقي و «بيكاسو» الإسباني و »جوزيفين بيكر » الآفروأمريكية التي كانت تدهن جلدها «الأبيض» بالسواد حتى تبدو لجمهورها في صورة الإفريقية "الأصيلة"..ـ
وبيكاسو لم يكن يخفي محبته الكبيرة لـ " ويفريدو لام"، بل كان بطريقة ما يعتبره إمتدادا لشخصه.كما جرت عبارته الرهيبة لـ "لام":ـ
لم يخب ظني فيك أبدا،فأنت رسام حقيقي، و لذلك قلت ،من أول لقاء بيننا، أنك تذكرني بشخصي ". [ الرابط :ـ
https://fr.wikipedia.org/wiki/Wifredo_Lam
ـ
حماس بيكاسو الكبير لـ "لام" يجد تفسيره في كون الرجل لم ير في "لام" سوى الفنان الإفريقي البدائي الوافد من الدغل الإفريقي.و ذلك من اللحظة التي عرف فيها أن "لام" ينحدر من أم كوبية سوداء و أب كوبي صيني الأصل.طبعا اب "لام" الصيني لا يعني بيكاسو في شيء ، مثلما أن أم "باراك أوباما" البيضاء لم تكن تعني أنصار أوباما و خصومه الأمريكان في شيئ،فالجميع نظروا لأوباما كأسود و انتحلوا له هوية الزنوجة و نأوا به عن صفته الواقعية كمواطن أمريكي من أب إفريقي "أسود" و أم أمريكية "بيضاء".، ربما لأن الشخص الهجين في خاطر القوم هو زنجي بالضرورة، ضرورة النظر العرقي الذي يصنف الناس حسب مواقعهم من اللون الأبيض، و يتعامل مع الشخص الهجين كتجسيد لإنحطاط مزعوم بصفاء مزعوم للعنصر الأبيض.و في هذا المشهد يمكنني أن أستطرد بأن نسب الصلحي العربي، أيضا، لم يعد يعني قوّامي معرضه في الـ"تيت مودرن" في شيئ.ـ
حين عُرض عمل الصلحي في صالات متحف الـ "تيت مودرن" اللندنية،2013، نظم القوّامون الفنأفريقيون إلى جانبه معرضا لفنان إفريقي معاصر من "بنين" [ ميشاك قابا]ـ
Meschac Gaba (Benin)
و معرض "قابا" كان بمناسبة إقتناء متحف الـ" تيت مودرن" لتأثيث "قابا" الموصوف بـ "متحف الفن الإفريقي المعاصر"ـ و قد كان "قابا قد وعد بإهداء عمله لمتحف التيت مودرن.و قد قام المصرف النيجيري الصاعد "جي تي بي"
G.T.B.
بدفع قيمة " الهدية " للفنان،في إطار إتفاقية تعاون مشترك بين المتحف البريطاني و المصرف النيجيري.[ للإستزادة في موضوع التعاون بين المصرف و المتحف أنظر الرابط
https://gtbank.com/corporate-citizenship ... artnership

ـ ]ـ"
و " جي تي بي" تدل على " قارانتي ترست بانك"و هو مصرف نيجيري تأسس في مطلع التسعينيات و في أقل من عشرة سنوات صار من أكبر المصارف الإفريقية. بل هو اليوم بين المؤسسات المصرفية المهمة في بريطانيا..
https://en.wikipedia.org/wiki/Guaranty_Trust_Bank

و قد نجانب الدقة لو قلنا أن مصرف الجي تي بي النيجيري إكتشف وحده المنافع المتكنزة في رعاية الفن الإفريقي المعاصر،و في صدارتها تبييض وجه المؤسسة المالية من شبهات الدنس الديني المرتبطة بتجارة المال في خاطر النفسية الدينية [النصرانية و المسلمة] السائدة، مثلما فيها أنسنة المؤسسة المالية النيجيرية التي تتضخم في مجتمع يوغل في الفقر و سوء التنمية.مصرف التي جي بي سار على درب الرعاية الفنية الواسع الذي عبّده له غيلان رأس المال المعولم في العالم الأوروأمريكي، قبل إكتشاف الفن الإفريقي المعاصر بعشرات السنين، و قبل أن يتنبه سادة إفريقيا الجدد لأن الفن يمكن أن ينفعهم في شيء.ـو الـ" روكفلر فاونديشن" و "فورد فاونديشن" و "موبيل أويل فاونديشن" و شل فاونديشن " و تويوتا فاونديشن"و " توتال فاونديشن" و"داعش فاونديشن"[ " القاعدة فاونديشن"سابقا] و غيرها من مؤسسات رعاية الثقافة الإنسانية الناشطة في مشهد الفن العالمي، ما هي سوى الطرف الظاهر من آيس بيرغ "العلاقة المحرّمة" بين عالم المال و عالم الفن .
..

لو نظرت في سيرة بعض معارض الفن الإفريقي المعاصر الكبيرة ،التي تم تنظيمها في أوروبا و أمريكا في العقود الأخيرة ،لفهمت بسهولة ما الذي يحفز هذا الراعي أو ذاك لصرف الأموال في دعم معارض الفن الإفريقي المعاصر بينما مجال نشاطه بعيد كل البعد عن محافل الثقافة الجمالية.ـ فمعرض " آفريكا ريميكس"الذي يعتبر أضخم تظاهرة فنية تعرض الفن الإفريقي المعاصر في العقود الثلاثة الماضية،ما كان له أن يقام ما لم تتضافر عليه مؤسسات الرعاية الكبيرة من وزن شركة "إي.أون"التي تبيع الكهرباء و الغاز في بريطانيا و شركة "توتال" للبترول الفرنسية، وغيرهاـ "
« e.on », »Total »,


أما معرض " النظر في إتجاهين"ـ
Looking Both Ways
الذي نظمه " متحف الفن الإفريقي بنيويورك"
Museum for African Art
فقد تعهدت برعايته مؤسسة " ألتريا"الأمريكيةالتابعة لمجموعة شركات"ألتريا قروب

Altria Group, Inc.
و التي كان اسمها في السابق[ قبل 2003] مجموعة شركات فيليب موريس
Philip Morris Companies Inc
أكبر شركات إنتاج و تسويق التبغ في العالم . ـ
و حسب مركز الشفافية في العمل العام
Center for Public Integrity
فقد أنفقت أ"لتريا"بين 1998 و 2004 مبلغ 101 مليون دولار على جماعات الضغط للتأثير على سياسة الولايات المتحدة بصدد التبغ.و هذا الجهد المالي يجعل من لوبي "ألتريا" ثاني أكثر اللوبيات نشاطا في الولايات المتحدة.و من بين مناشط مجموعات الضغط التابعة لـ " ألتريا » نجد تحالف تقدم الساوند سايانس، الـ
The Advancement of Sound Science Coalition
التي نشطت كجماعة ضغط علمية لتفنيد حجج مؤسسة« الإتفاق العلمي» حول تأثير الإنسان على التحولات المناخية
scientific consensus on anthropogenic climate change.
.
و قد يتساءل الناس عما يجعل شركة"ألتريا"للسجائر تهتم بالفن الإفريقي المعاصر؟
لا أستبعد أن يكون لـ "ألتريا" خططا لتسويق تبغها وسط الأفارقة في المستقبل البعيد، لكن إهتمام "ألتريا" الراهن بالفن الإفريقي المعاصر و دعمها لمتحف يعمل من أجل الفن الإفريقي يبدو كمحاولة لتجميل وجه الشركةالتي تسوق منتجا سيئ السمعة [ سرطان الرئة و الحلق] وسط الأمريكان و الأوروبيين.و إختيار "ألتريا" للفن الإفريقي المعاصر يمكن فهمه بالطبيعة المستجدة لهذا الفن الذي لا يعرفه أحد، بما يجعل من الفن الإفريقي المعاصر أرضا بكر يمكن لألتريا أن تنال فضل تقديمه و إحتكار صورة المحسن الأكبر بين جمهور الفن الإفريقي في العالم الأوروأمريكي.

و قد بلغ الأمر بالحكومات، في المجتمعات الأوروأمريكية حد سن القوانين المالية التي تمنح إعفاءات ضريبية و تسهيلات إجرائية و جمركية كثيرة للمؤسسات التجارية التي ترعى الفنون، ربما لأن الجميع تنبهوا لحقيقة الممارسة الفنية كمكون هام في تدعيم الـ"سوفت باور"[ السلطة
الناعمة؟] التي لا يستغني عنها أي ضالع في صراع السلطة و الثروة في العالم المعاصر.ـ

.[ للإستزادة في موضوع الإعفاءات الضريبية لمدة خمسة سنوات، التي تمنحها الدولة الفرنسية للمؤسسات التجارية و للأفراد الذين يشترون الأعمال الفنية من الفنانين الأحياء و يتعهدون بعرضها في محل عام لخمس سنوات. انظر الرابط
https://www.legifrance.gouv.fr/affichCo ... e=20080212

].ـ

و هذه فولة تفيض عن سعة مكيالنا الراهن الذي نباشر به تأثير مؤسسات رعاية الفن الإفريقي المعاصر على تطور فن الأفارقة. و هو موضوع طويل متشعب الأطراف يستحق أن نخصص له مبحثا مستقلا..ـ

سأعود
محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »

سلام للكل

السؤال الذى شيبنى.. ماذا يستفيد الغرب من تطور افريقيا الثقافى والعلمى؟
طبعا الجنة ووجه الله والحور العين.. دى كلها ما واردة.
Freedom for us and for all others
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الجنة و وجه الله و الحور العين، نسخة الغرب

مشاركة بواسطة حسن موسى »




كتب محمد عثمان أبو الريش



"السؤال الذى شيبنى.. ماذا يستفيد الغرب من تطور افريقيا الثقافى والعلمى؟
طبعا الجنة ووجه الله والحور العين.. دى كلها ما واردة. »ـ

سلام و نيخاو يا محمد عثمان
و الله متابع دريبات المناقشات العويصة التي فتحتها أمامنا في خيوطك الأخيرة ، مثل خيط "حرب الآثار" الفرعونية السودانية بين مصر و قطر ، ثم خيط "حرب حلايب" و ما كان من أمر السيادة الوطنية السودانية التي تسوّغ عليها يا صديق ـ حسب ما فهمت ـ التحالف مع نظام الصيارفة الإسلامجية في الخرطوم ضد نظام الصيارفة العلمانجية في القاهرة، يعني ما فضل ليك إلا " حرب مياه النيل" و "حرب الفواكه المصرية الملغومة بفيروس الإيدز"،أو " حرب تجارة أعضاء السودانيين في مستشفيات مصر إلى آخر الحروب الغبية التي تترصدنا في ثنايا جيوبوليتيك الشرق الأوسط ،[إقرأ "الشرق الأهبل" و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه].. فترفق بنا يا صديق ينوبك ثواب و أجر من عنده .أقول :خيوطك جبارة لكن و الله "شهرين سجن ما فاضين"، و زحمة المشاغل تجعلني أكتفي بموقف المسوّف الذي "يراعي ساكت" حتى يفتح الله علي بفجوة في حائط الأولويات المتراكمة ليل نهار فأنفذ منها إليها.و أنا أتوقف هنا ـ في عجلة من عجلات الشيطان إياها، عند سؤالك في دوافع الغرب[ترجم : منظومة دول حلف شمال الأطلسي، "ناتو" أو العالم الأوروأمريكي و يمكن أن تضيف عليها الصين و روسيا و اليابان و غيرهم من المجتمعات المصنعة التي لا تستغني عن بترول الأفارقة و غازهم الطبيعي و ثرواتهم المعدنية والزراعية و الحيوانية و مواردهم البشرية و منافعهم الإستراتيجية التي لا تحصى]. أقول : أتوقف عند سؤالك عن عناية " الغرب" بتطور إفريقيا الثقافي و العلمي الذي هو في عمق مناقشتنا التي تتوسل لعقلنة إشكالية الثقافة و التنمية في مجتمعاتنا بوسيلة النظر النقدي في ظاهرة الفن الإفريقي المعاصر الذي يقوم عليه قوّاموا "الغرب" البواسل بينما الأفارقة مشغولين بحروباتهم الرعناء. طبعا " الغرب" لا يطمع في " الجنة و وجه الله و الحور العين" و أنت أدرى .. " الغرب" يطمح لدمج مجتمعاتنا في آلية السوق الرأسمالي بشكل نهائي حتى يتسنى للقلة المهيمنة ـ بجاه رأس المال أن تواصل مراكمة الإمتيازات المادية و الرمزية على حساب ال99 في المئة من سكان العالم. و هو لا يتورع عن استخدام القوة المادية [الجيوش] و القوة الرمزية الـ " ناعمة"، [ سوفت باور] ، بسبيل بلوغ الهيمنة الشاملة على المجتمع العالمي.طبعا كل هذه التفاكير فايتة أضانك من زمان ، لكني يا صديق بصدد الكيفية التي يمنهج بها القوم فعاليات الـ " سوفت باور" في مشهد الفن المعاصر الذي ينوبنا منه حظ الـ " فنأفريقانية" المريبة التي ألبسونها إياها كما يُلبَّس المجنون قميص الـ "كاميزول" الذي يمنع الحركة. و لا بد أنك لاحظت أن هذا الخيط الذي بدأ في تفاصيل حركة التشكيل السودانية التي تخص ظاهرة فنية محلية مثل "مدرسة الخرطوم" قد تطور لتفاصيل حركة "الفن الإفريقي المعاصر" التي تتخلق في مشهد العولمة الذي يمسك بأزمّة الفوضى فيه حرس رأس المال الذين هم أبعد ما يكونون عن هموم الأفارقة و أولوياتهم الحياتية .و غاية مكاتيبي هي تمليك الناس مفاتيح فهم هذه العلاقة المركبة المتخلقة بين المحلي و العولمي، و هي شغلانة عامرة بالمزالق و أنواع التلاف المفهومي.ـ.
غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة و يولي الأصلح و كذا..
سأعود. ـ
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

رسالة لسيدريك فانسان

مشاركة بواسطة حسن موسى »



//////
رسالة إلى " سيدريك فانسان"
إيميل بتاريخ 4 فبراير 2004

سيدريك فانسان" باحث ،[دكتوراة في أنثروبولوجيا الفن المعاصر]، يعمل بالتدريس في مدرسة الدراسات العليا في العلوم" الإجتماعية بباريس
EHESS
و في مدرسة الفنون و التصميم بـ "تولون
Toulon
"
هذه الرسالة طرف من مراسلات حول الفن الإفريقي المعاصر، ظلت ممتدة من 2001 حتى اليوم.و لو تسنى لي براح فسابذل ترجمتها العربية هنا حتى تعم الفائدة. .

…...................................


عزيزي سيدريك
شكرا على ملاحظاتك الشيقة في موضوع إلتباسات العلاقة بين الفنانين و القوامين.و أظننا نحتاج للكثير من العبر حتى نعرض التركيب الكبير لهذه العلاقة التي تعكّر مشهد العلاقة التقليدية للفنان والـ" كيوريتور". و هي علاقة صارت ـ مع كل معرض جديد ـ موضوعا للإختراع من طرف
القوامين أكثر مما هي عليه في طرف الفنانين .ـ
لاحظت، منذ فترة،أن من يتحدثون عن علاقة القوامين و الفنانين في فرنسا، يستخدمون عبارة كيوريتور"، [في رسمها الإنجليزي] :ـ"
« curator »
أكثر من عبارة "قوميسيرالمعرض" :ـ
« Commissaire d’exposition »
و لا أدري إن كان هذا الميل ينفهم بسطوة التعبيرات الإنجليزية في الخطاب الثقافي الفرنسي أم هو تعبير في طبيعة علاقة القوى التي تجمع القوّام و الفنان، في زمان صار البعض يزعمون فيه أن مركز الفنان صار في متناول الجميع، أو كما جرت عبارة للفنان الجنوب إفريقي "كنديل جير" »صار هناك فنانون أكثر مما يلزم ".ـ [أنظر جير في كتالوغ معرض "النظر في إتجاهين" و مجلة "تيليراما" عدد 27 سبتمبر 2002].ـ
Kendell Geers dans le cataolgue de Looking Both Wyas et le Télérama du 27 Septembre 2002
أقول قولي هذا و أنا مدرك أني لا أملك الوقت الكافي و لا الأدوات اللغوية المناسبة للخوض في التفاكير التي يستدعيها المصطلح لكني لمست في عبارة «كيوريتور» أنها تسوّغ لمن يتلبّسها نوعا من سلطة مادية و معنوية على الأشخاص الذين يقعون في طائلة عنايته.ـ بينما الـ «قوميسير» تحيل صاحبها لمقام التكليف الإداري، لأن الـ "قوميسير" هو، المُكلّف و المأمور و المنظّم أو المنسّق المُعين من قبل سلطة أعلى ليتولى تنظيم التبادل بين أكثر من جهة..يقول المعجم الفرنسي [ روبير ] أن الـ"كيوريتور"
Le curateur
عبارة ذات محمول قانوني تعرّف الشخص المكلف بالوصاية على القاصر أو الشخص مختل العقل وإدارة شؤونه و رعاية مصالحه.
« la personne qui a la charge d’assister un mineur émancipé dans certains actes, d’administrer les biens ou de veiller aux intérêts d’ue autre personne – spécialement : « Curateur à la personne d’un aliéné » (Petit Robert)..
و يحضرني تعريف طريف للممثل أطلقه مخرج سينمائي معاصر للممثل [ أظنه لارس فون تريار]، قال فيه " الممثل هو مثل أنبوب اللون، تعصره فيخرج اللون من رأسه .و أظن أن الفنان المعاصر انمسخ لأنبوب لون في يد القيّم الذي صار فنانا. ذلك أن القيّم الذي ينظم معرضا لفنان فرد، يجد نفسه بالضرورة في علاقة ثنائي متكافئ الأطراف. داخل هذه العلاقة فالقيّم يفاوض و يحاور نديده.لكن نفس القيّم، حين ينظم معرضا جماعيا فهو ينمسخ ـ بجاه السلطة الإدارية التي يخوّلها إياه الراعي ـ إلى نوع من حكم يتعالى على جملة الفنانين موضوع تنظيمه.إنه كما الإله الصغير،لا شريك له ، و من علياء حظوته يملك ـ لو شاء ـ أن يعلن نفسه فنانا خامته الفنانين المتوفرين طوع بنانه، دون أن يتجاسر أي منهم على انتقاده بخلط الأدوار. و اليوم حين أتأمل في مواقف عدد من القوّامين المعاصرين أجدهم مرتاحين في وضعية الفنان.بل هم فنانون حقيقيون بحكم إنفرادهم بالسلطة داخل فضاء العرض. و في هذا المشهد فقد صارت القوامة على المعارض عند البعض نوعا فنيا جديدا يتقدم مقنعا بقناع "الفن الإفريقي ؟" زهيد الثمن. لقد صار في إمكان القوامين اليوم أن يصنعوا الفنانين و أن يعرفوا لهم فئاتهم المفهومية و موضوعاتهم و مهامهم و شروط ممارساتهم.بل هم يملكون ـ حسب الميزانية ـ أن يجتذبوا النقاد و المؤرخين الذين يقبلون " اللعبة"، و في الغالب يقبل الجميع "اللعبة" [ و لا أستثني شخصي] و الرزق على الله. و وسط هذا البازار الكبير لا أحد يسائل المشروعية الفكرية و الأخلاقية و السياسية التي يسوّغ عليها قوّاموا الفن المعاصرين صفة منظمي العالم التي انتحلوها لذواتهم . ـ
لكن إن كان القيّم يخلق الفنان من عدم [ تقريبا] فمن يخلق القيّم؟.ـ
يقول المثل الفنأفريقاني غير المعروف :ـ
Enwezor knows better !
[ ]ــ
«  أوكيوي إنويزور"، لمن يجهلونه ،هو منظم معارض نيجيري،ولد في شرقي نيجيريا 1963 و سافر إلى نيويورك في 1983 ليدرس العلوم السياسية في «  جيسي سيتي ستيت كوليج »،له كتابات نقدية في الفن و الأدب.و هو ـ مع صلاح حسن و شيكا أوكيكي ـ من مؤسسي مجلة
NKA
"إنكا"للفن الإفريقي المعاصر و فنون الدياسبورا" التي كانت تصدر عن "مركز أفريكانا" بجامعة كورنيل.[ نيويورك].ـ،
و قد اختارته لجنة معرض "دوكيومنتا" الألمانية ليقوم على معرض «دوكيومنتا 11» في عام 2002، بعدها نظم عددا من التظاهرات و البيناليات المهمة مثل بينالي البندقية لعام 2015
و إنويزور يمثل اليوم كمنظم المعارض الإفريقية الأكثر شهرة في مشهد الفن المعولم.ـ
][
"
في المحاورة مع "ديريك كونراد موراي
Derek Conrad Murray
التي نشرت في مجلة "إنكا"رقم 18، عام 2003
NKA N°18, 2003)
يجيب "أوكووي إنويزور" على التساؤلات حول علاقته مع رعاة الـ "دوكيومنتا 11 »[و هم بين مؤسسات تجارية كبيرة من وزن شركة الإتصالات "تيليكوم" و "فولكسواجن"ـ
(Telekom et Volkswagen)
و يحاجج ـ بطريقة" لننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب" ـ لكن خصومه مثل " مايكل كيميلمان" و"بليك قوبنيك"،ـ
Michael Kimmelman , Blake Gopnik
يؤاخذونه على كون معرض الدوكيومنتا 11 صار أدخل في نوع "التمرد الأنيق"أو"التمرد الذي ترعاه الدولة"ـ
و نقدهما الاساسي يتركز على التناقض بين المزاعم التحررية الثورية لمشروع يهدف للتغيير الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي و الدعم المالي للمشروع الذي يأتي من مؤسسات و شركات هي في قلب النظام الإقتصادي الرأسمالي المذنب.و فوق ذلك يزايد نقاد إنويزور عليه بكونه جاحد بنعمه اليد التي تطعمه .ـ
ماذا يقول إنويزور؟
«ليت العالم كان بمثل هذه البساطة »
" لا نحن سذّج و لا نحن أغبياء ، وعندما يتعلق الأمر بحقيقة إنجاز مشروع في ضخامة الدوكيومنتا فلا بد من التساؤل : من أين يأتي المال إن لم يكن من الدولة و البيوتات التجارية الراعية؟لنكن واقعيين.فنحن نحيا في العالم الواقعي. و السؤال هو : »أنظرواإلى ما استطعنا إنجازه ».من جهة، هم يشتكون من أن المعرض سياسي و من الجهة الأخرى، فهم يشتكون من كون الدعم المالي للمعرض يأتي من طرف الرعاة التجاريين.و هذا حديث لا معنى له. »ـ
(NKA N°18, 2003)
و انويزور محق لكن نقاده محقون أيضا حين يشيرون لغياب المعنى في هذه الشراكة الغريبة بين الأضداد : من جهة جماعة " المحسنين الخيرين "[ بما فيهم من قوّامين و فنانين]، مقابل جماعة الـ " أشرار" المكونة من رجال الدولة الإمبريالية و الرعاة الأثرياء الرأسماليين. و ليس هناك حكمة أنجع من حكمة الحكاية الإفريقية المعروفة ـ [ في ظلمة الليل الإفريقي البهيم فكل حكمة ناجعة هي إفريقية بالضرورة]. و هاكها ـ إن لم تكن قد سمعتهاـ
 :ـ قالوا أن أهل قرية عهدوا إلى أحكمهم و أسنهم مهمة القضاء بين الناس، و الحقوا بخدمته شابا توسموا فيه الفطنة و علو الهمة ليساعده.و في أول قضية وجد القاضي الجديد نفسه أمام رجل يدافع عن حقه ببلاغة نافذة حازت إعجابه. فما كان من القاضي إلا أن عقب على مرافعته بقوله :ـ "يابني فعلا أنت على حق ».لكن الطرف الثاني في القضية دفع بمرافعة سديدة أنفذ في بلاغتها و حسن منطقها،و لم يملك القاضي إلا أن يقول له :ـ "فعلا يا بني أنت أيضا على حق ». و هنا سارع مساعد القاضي و احتج : ـ "لكن يا مولاي القاضي لا يعقل أن يكونا، كلاهما على حق ".فالتفت القاضي العجوز نحو مساعده و قال له : ـ "فعلا يابني أنت أيضا على حق". . ـ
. و هكذا ، فإنويزر، الذي يعرف أن نفقات إقامة معرض في ضخامة الدوكيومينتا لا يمكن أن تخرج من جيوب الفنانين الثوريين الراغبين في تغيير العالم و إنقاذه من فساد رأس المال. يعرف أيضا أنه يمكن أن يطلب المال من الرأسماليين لتمويل معرض ضخم للفنانين الثوريين الفقراء الذين يتوعدون العالم بالتغيير على نفقة الأغنياء المذنبين.ـ
ترى ما الذي يحفز أثرياء العالم عل الإنخراط في مغامرة الإلتباس المفهومي التي يعرضها عليهم إنويزور؟ طبعا نحن الفنانون الفقراء نتمنى لو أن الإمبرياليين صاروا كلهم نمورا من ورق، ونحلم لو أن الأثرياء تبلّدوا وفقدوا المقدرة على تمييز مصالحهم، أو قل أدركهم وباء الإنتحار أو أنهم ماتوا من الإكتئاب و الإحساس بالإثم من جراء مراكمة الأموال التي يقال أنها لا تصنع السعادة و غير ذلك من كلام الشعراء. لكن إنويزور يراهن على حصانين يجريان في إتجاهين متعاكسين.فهو، من جهة أولى ، يعوّل على فطنة المستثمرين الأثرياء الذين يعرفون أن قيامهم بعرض الفنانين المعاصرين ـ و لو كانوا من أشد الناس تطرفا في ثوريتهم ـ هو عمل بلا مخاطرة سياسية حقيقية، لأن صفة " الثورية" في الفن، صارت اليوم ماركة تجارية[ "ليبل" و "لوغو"] مثل غيرها من علامات التجارة المفهومية التي يدبر شؤونها سدنة صناعة الثقافة المعولمة. فضلا عن كون الفن المعاصر نفسه ، كممارسة مقتصرة على الفصيل المحدود من أهل الحظوة الثقافية البورجوازية، هو ،في نهاية التحليل، لا يلمس القطاعات الشعبية الواسعة التي يمكن أن يحفزها الوعي الثوري على التمرد و تهديد مصالح القلة المهيمنة على مقدرات العالم. و من جهة ثانية فإنويزور يراهن على الإستثمار العاطفي البدائي لجمهور فني أقعدته الهزائم الرمزية الكبيرة لفترة ما بعد الحرب الباردة في وهدة اليأس الآيديولوجي فزهد في حلم التغيير الثوري الذي راج في القرن العشرين وأصبح يتحرى العزاء في الشرارات الثورية المعقّمة التي تضيئ أركان المعارض المعولمة الكبيرة التي تدفع نفقاتها دوائر رأس المال متعددة الجنسيات.في هذه المعارض الـ " ثورية" الفارهة يقف إينويزور و شركاه في موقف كهنة الديانة المعولمة الجديدة ، وذلك على حد المدلول الديني النصراني القديم لعبارة الـ "كيوريتور" الذي يعرف الشخص الذي يساعد القس أو الكاهن في إنجاز شعائر العبادة.ـ
و هكذا فـإنويزور أبعد ما يكون عن حال الجاحد الذي يعض اليد التي تحسن إليه، لأنه عارف أن هذه اليد لا تمنح إلا ما عزمت هي على منحه من فتات، و على أساس "طلب" هي التي تعرّفه من واقع إحتياجها. ذلك أنها يد مهيمنة تضبط " العرض" كما تضبط " الطلب" في نفس الوقت.إنويزور الذي يعرف كل هذا ينحني و يلتقط" قشرة الموزة المعفنة" و يأكلها و هو حامد شاكر لكرم رعاته الأماجد [ أنظر أحاجي موز الفنأفريقانية في الخيط" حسن موسى في معرض آفريكا ريميكس"، على الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... f864871d19
]
و بعدها يلتفت ناحية جمهور المعرض و يخاطبه بقوله : » لنكن واقعيين" ، بيضة في اليد اليوم أفضل من دجاجة موعودة في الغد . [ هذا مثل مغربي حقيقي].و لا يملك الجمهور إلا أن يصفق معجبا بقدرات ههذا الحاوي الذي تمكن من تجميع هذا العدد الكبير من الفنانين غير الأوروبيين و عرض أعمالهم في تظاهرة عالمية في أهمية الـ " دوكيومنتا 11 ».ـ
و من جهة أخرى تبقى حجة منتقدي إنويزور ، على بساطتها الكبيرة، صالحة بعناد غريب.فهؤلاء القوم هم ثوريون و طوباويون ورومانسيون لا يقيمون إعتبارا لمعطيات الواقع الموضوعي و خلافه،[ في "وخلافه" يمكن إدراج صفة " و عنصريون" ، بالنسبة لبعضهم، ممن نوّهوا بالأصل العرقي لشخص إنويزور بأسلوب يفتقر للبراءة]، فضلا عن كون صعود إنويزور، الأسود الإفريقي،الذي يظل في نظر الكثيرين شخصا غريبا على عالم الفن ـ[ أظنه وفد من مجال الدراسات الإقتصادية للتحقق]،لإدارة الدوكيومنتا مازال يدهش أو/و يستفز الكثيرين.ـ
المهم يازول، أظن أن حجة منتقدي إنويزور الـ "ثوريين" صالحة لأنك لا يمكن أن تكون ثوريا و رأسماليا في نفس الوقت.فما العمل؟إن النتيجة المنطقية للموقف الأخلاقي المزعوم هي إدانة كل التظاهرات الفنية التي ترعاها المؤسسات الرأسمالية العابرة للجنسيات و الدول الإمبريالية.و هذا الموقف يعني إدانة مجمل التظاهرات الفنية للقرون الماضية بذريعة كونها تظاهرات فنية استبعدت المضطهدين و الثوريين لأنها تمت في حضن آيديولوجيا الطبقة البورجوازية المهيمنة.مشكلة هذا التحليل هي في كونه يزكي ـ في الغالب بلا نقد ـكل أطروحات الهامش أو ثقافة " تحت الأرض"[أندرغراوند"].أو " الثقافة المضادة" بوصفها فنا " بديلا"[ ألتيرناتيف"]، أو " ضد"[ كاونتر] «  الفن الأصلي"، أو " الفن الرسمي" الذي تتبناه آيديولوجيا الطبقة المهيمنة.مشكلة هذا الفن " المضاد" هي في كونه يعرّف نفسه بالنسبة لـ " الفن الرسمي". و هكذا تخلص " الطليعة"لأن تصير "مؤخرة" لأن الطموح السري لكل حركة طليعية هو أن تحتل محل الفن الرسمي و تنتحل لنفسها الإعتراف الذي يتمتع به.و في هذا المشهد أتساءل عما حفز هؤلاء النقاد " النزهاء"لزيارة معرض الـ "دوكيومنتا11 «؟.و ما هي الصحف التي كلفتهم بتغطية الحدث؟و بمناسبة الصحف، هل هناك صحيفة تملك أن تفلت عن طوائل سلطات رأس المال في عالمنا؟هل هناك فرقة ناجية من رقابة " بيغ بروذر" القائم على سوق النشر و الأعلام العالمي؟.ـ
لقد قلت أعلاه بأن كل من طرفي هذه المنازعة على حق و على غيره في آن.لكني أنا بدوري " على حق".كيف؟لأن كل تاريخ الفن المعاصر فالت بالضرورة عن منطق الحق و الباطل لأنه ظل يتخلق خارج منطقة العقلانية الأخلاقية.و لتفهم هذا التاريخ يلزمنا تفحّصه من ناحية سوسيولوجيا السلطة، لأن قابلية السلطة على البقاء تتخلق خلال إعادة إنتاجها للبدائل المواتية لإستمراريتها و القمينة بإعتراض سبيل البدائل الحقيقية التي قد تتمخض عنها حركة المجتمع في واقع الصراع الطبقي .و اليوم نجدنا أزاء سلطة معولمة تخترع ثقافتها الخاصة و تسميها "الثقافة" مثلما تخترع ثورتها الخاصة و تسميها " الثورة".و في نظري فتاريخ الفن["الإفريقي؟"] المعاصر هو في حقيقته تاريخ السلطة المعولمة حين تتملك فضاء الفن الـ "إفريقي" المعاصر باعتباره واحدة من روافع الهيمنة الثقافية.هذه السلطة الثقافية المعولمة هي التي تعرّف ما هو فن و ما هو " لافن"أو ما هو " ضد الفن". السلطة الثقافية المعولمة تبتلع كل شيئ و تجتر الـ " بدائل" الثقافية حسب أولويات بقاءها.ـ
ما العمل؟ و كيف الخروج من هذه المتاهة و نحن لا نملك سوى الخرائط الزائفة التي فبركتها لنا السلطة المعولمة؟ هل نهجر الفن حسب ما عرفته لنا سلطات العولمة؟أو نهجر الفن في مبدأه جملة و تفصيلا؟و هل بالإمكان هجران الفن فعلا؟ و هل الأزمة الأخلاقية المعاصرة التي تلغم الفن المعاصر هي فرصة أمام الفنانين الذين مازالوا يعتقدون في الفن كوسيلة خلاص ؟أم هي بشائر هزيمة خرافة"الفن" [ على نهج الهزائم الحضارية الكبيرة التي انتظمت تاريخ الإنسانية مثل هزيمة خرافة السحر و هزيمة خرافة الدين و هزيمة خرافة الثورة إلخ] ؟ مندري؟ لكني زاهد في موقف الإختيار الجبري بين إنويزور الذي يستجدي مال الدوكيومنتا من جهة و نقاده الذين يكتبون في صحف " وول ستريت" من الجهة المعاكسة.و سأظل أبحث عن "دريب قش" مغاير.ـ
سيدريك، ما زال هناك الكثير من الأسئلة في موضوع الأزمة الأخلاقية التي تعصف بالفن[ الإفريقي؟] المعاصر و أظن أن من الجور أن ننتظر الإجابة من طرف الفنانين وحدهم، مثلما أظن أن من الجور أن ننتظر من الأفارقة وحدهم ان يقدموا الإجابات الناجعات لأسئلة الأزمة الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية المركبة التي تعصف بمجتمعات القارة .ذلك أن كل هذه الأسئلة المعقدة المتشعبة تتجاوز حدود الفن المعاصر مثلما هي تتجاوز حدود القارة الإفريقية.و مثلما يحلم الأوروبيون بوحدة أوروبية فالأفارقة أيضا يحلمون بـ " الولايات الإفريقية المتحدة" و هم على يقين من أن حلمهم لن يتحقق بدون عون سخي من طرف الإتحاد الأوروبي.طبعا لا يخطر ببال الأوروبيين ، و هم فين في غمرة إنشغالهم بالحلم [أو الكابوس؟] الذي تجسده وحدة أوروبا، لا يخطر ببالهم أن وحدتهم الأوروبية لا يمكن أن تتحقق بدون تضامن الأفارقة مع الحلم الأوروبي.و يوم يتسنى للأوروبيين أن يعوا هذه البداهة، بداعة صناعة التضامن بين الشعوب، ربما أمكن لنا أن نخوض في سيرة الأزمة الأخلاقية للفن [ الإفريقي؟] المعاصر.
مع خالص الود
حسن
4فبراير2004
محمد عثمان أبو الريش
مشاركات: 1026
اشترك في: الجمعة مايو 13, 2005 1:36 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد عثمان أبو الريش »


سلام يا حسن
ااسف ان كانت كتاباتى خالية من الرفق.. وكنت وما زلت اعتقد ان للمجتهد أجر إن أخطأ وأجران إن أصاب.. ,أكيد سوف اراجع هذه المقولة ثم أتصرف وفق النتيجة.
Freedom for us and for all others
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و "مدرسة كمالا"..

مشاركة بواسطة حسن موسى »




و " مدرسة كمالا"ـ

قلت في خيطي عن استاذتنا كمالا اسحق أن سماحة كمالا الجمالية ألهمتها المحافظة على موقع وسطي يجعلها على مسافة شبه متساوية من جملة الفرقاء المتنازعين في ساحة التشكيل السوداني.بل هي تمثل اليوم ، عبر كتابات و تعليقات الكثيرين على معرضها و على شخصيتها، كما لو كانت مخلّصة يسوعية بعثت بها العناية لتخلص التشكيليين السودانيين من شقاقاتهم المتناسلة عفو الخاطر. لكن الوقوف في موقف " السماحة المفهومية " يملك في بعض الحالات، بالذات في مثل حالة كمالا التشكيلية الواقفة بين فئات الخرطوميين و الكريستاليين و الإسلامانيين و الماركسيين و الهلمجرّاوين ،يملك أن يموّه، تحت غشاء المجاملات السودانية المألوفة، إما كيدا عاليا في فنون البقاء ،أو لا مبالاة غامرة تجاه كل الهرج و المرج الدائر من حولها بينما هي عاكفة على حكّ و جوهها العديدة مستغنية بها عن سواها. و أعرّج ـ هنا ـ على سيرة كمالا بناءا على الإضاءات النقدية العديدة التي صاحبت مساهمتها في معرض «  مدرسة الخرطوم » الشارقي.ــ

في معرض "مدرسة الخرطوم" الذي نظمته "مؤسسة الشارقة للفنون" في 2016 و أشرف عليه الصديق صلاح حسن الجرّق عرضت كمالا مجموعة من أعمالها " الحروفية الإسلامية" كقرينة على إنتماء مزعوم لتيار " مدرسة الخرطوم" في نفس الوقت الذي عرضت فيه "ندوة في مكعبات زجاجية" كقرينة على إنتماء مزعوم آخر للمدرسة " الكريستالية".و أنا أستبعد " الإنتماء" المزعوم" تجاه تيار "مدرسة الخرطوم" مثلما أستبعد الإنتماء الـ "مدعوم" تجاه تيار " المدرسة الكريستالية"، لأني لا أصدق أنتماء كمالا لمدرسة الخرطوم أو لمدرسة الكريستاليين أو لأي مدرسة أخرى. و ربما ساغ لي عقلنة موقف كمالا ،التي ارتضت صفة " الفنانة الكريستالية"ـ و لو شئت قل مع القائلين:"الفنانة التي أسست المدرسة الكريستالية" مثلما ارتضت ، في السابق، صفة فنانة " مدرسة الخرطوم » من باب «  البحر لا يبالي بالزيادة و لا بالنقصان"، و شرحها أن كمالا لا تبالي باي صفة يوصفونها
طالما الرزق جاري و الأجر على الله، و ذلكم موقف يمكن أن نطلق عليه «  مدرسة كمالا ».و ذلك لأني أعتقد أن كمالا ، في وحشتها المفهومية الكبيرة،آثرت السلامة ، مرة مع رهط " مدرسة الخرطوم" و مرة مع رهط الكريستاليين. و موقف إيثار السلامة عندها يكشف عن التعقيد الكبير الذي يلف تجربتها. فكمالا وجدت نفسها ،من جهة أولى ، جهة ناس مدرسة الخرطوم،، وجدت نفسها في محيط مفهومي يهيمن عليه غيلان "مدرسة الخرطوم" المدعومين من طرف السلطات السياسية المحلية مثلما هم مدعومون من طرف السلطات الثقافية الدولية.و في هذا المشهد فهي لم تغامر بمواجهة رواد "مدرسة الخرطوم" في الأرض التي يتكشف لها فيها الحد المفهومي لمدرسة الخرطوم كخيار وطنوي و ذكوري بطرياركي ، و هو الحد الذي تبدأ فيه تجربتها الفنية المغايرة كفنانة طورت عملها المتفرّد باستقلال عن المزاعم الجمالية العربية الإفريقية التي يدافع عنها سدنة " مدرسة الخرطوم" . و من الجهة الثانية ، جهة " الكريستاليين" فكمالا انتهزت سانحة نادرة تمثلت في دعوة تلاميذها الشباب الذين هيّأوا لها مخرجا مشرّفا من ضيق "مدرسة الخرطوم" التي فقدت كل جاذبيتها المفهومية و السياسية تحت حركة النقد التي تمت في السبعينيات و التي ساهم فيها أعضاء المدرسة الكريستالية بشكل غير مباشر.و في نفس الوقت لم يكن بوسع كمالا ، "أستاذتنا"،الإقتراب من حركة عصابة "العصاة" التي جمعتنا ـ نحن تلاميذ كمالا في قسم التلوين ـ مع بولا و هاشم صالح و باردوس و اب سفة و الباقر و النور حمد و محمود عمر و علاء الدين الجزولي و كوثر إبراهيم و أحمد البشير الماحي و عمر الأمين، و بابكر كنديو و أحمد سيد أحمد و خلف الله عبود و دار السلام عبد الرحيم.ربما لأن حركتنا كانت موصومة سياسيا بقربها ، الحقيقي أو المزعوم ، من حزب الشيوعيين السودانيين. و هي وصمة كانت ، في الزمان " النميروي"،، مما ينفـّر "العقلاء" عن الإنخراط في دروب التهلكة السياسية الأكيدة.و أذكر أن بولا كان ـ في ثرثراتنا ـ يشبّه إنخراط كمالا في «مدرسة الخرطوم» بـ "عربية الفرملة" التي تتبع القطار الذي يسحبها بدون إرادة مستقلة.ذلك أن كمالا لم تبد حماسا حقيقيا للإنتماء لمدرسة الخرطوم مثلما هي لم تنف أبدا إنخراطها في "مدرسة الخرطوم" حين يوصّفها آخرون بهذا الإنتماء. لكن يبدو أن كمالا "الكريستالية" وجدت ضالتها في درب " الكريستالية" الذي جرجرها إليه محمد شداد و نايلة الطيب و الدرديري فقبلت أن تمهر " البيان الكريستالي" باسمها و راق لها أن تغمر تلاميذها بنوع من أمومة تقريبية، مفهومية و تقنية، جعلت منها فنانة كريستالية قبل ظهور الكريستالية نفسها.أو كما عبرت ، أكثر من مرة ،بأن لوحتها " ندوة في مكعبات زجاجية" تجد اصلها في تجربة تأملاتها لإنعكاسات وجوه النساء على زجاج مترو الأنفاق اللندني حينما كانت طالبة تدرس الفنون في الكلية الملكية في لندن في سنوات الستينيات. و رغم أن معظم طلبة قسم التلوين من تلاميذ كمالا ،لا يجهلون أن لوحتها «  ندوة في مكعبات زجاجية » قد نفذت في منتصف السبعينيات , ـ كان ما نخاف الكضب ـ في الفترة التي سايرت فيها كمالا تيار الكريستالية الوليد، إلا أن هذه اللوحة صارت ـ بقدرة قادر ـ نوعا من الأثر التأسيسي للمدرسة الكريستالية.و ذلك بجاه الأدب الجائر المتأخر الذي صاحب معرضها الإستعادي في «  مؤسسة الشارقة للفنون » و الذي عمّده صلاح حسن تحت عنوان :ـ "نساء في مكعبات زجاجية" ،[ و أحيانا "نساء في مكعبات بلورية »]. ترى ما الذي حفـّز صلاح حسن لتسويغ صورة كمالا كـ «عرّابة» للكريستالية و تقديمها على الأشخاص الحقيقيين الذين تخلقت الكريستالية بجهودهم [ محمد شداد ونايلة الطيب و الدرديري محمد فضل]؟ ، مندري؟. و ربما أمكن تفهم حركة صلاح حسن، قيّم المعرض، من زاوية توافقها مع مشروعه الرئيسي المتمثل في بعث «مدرسة الخرطوم» ضمن مشهد الفن المعولم كإحتمال سوداني للفن الإفريقاني المعاصر.و في إطار مدرسة الخرطوم يستحوذ صلاح على أداة مفهومية تتيح له تنظيم الفنانين السودانيين ضمن فئات مفهومية توافق هواه . و صلاح أدرى بكون الهوى يفقد مشروعيته الفكرية حين تكذبه معطيات الواقع الإجتماعي الذي تمخضت عنه الفئات المفهومية لفن السودانيين.و هذه الفولة ـ فولة هوى صلاح حسن، تستحق أن نفرد لها مقاما مستقلا بذاته سيما و صاحبنا ماثل بيننا كأحد أعمدة الفن الإفريقاني و فنون الدياسبورا الإفريقية الذين لا يمكن تجاهل مساهماتهم المفهومية الجليلة في تخليق ذهنية جيل بحاله من دارسي الفن الإفريقي المعاصر... و كذا.

و قد حيرني العنوان الذي صدّر به الصديق عيسى الحلو المقابلة التي أجراها مع كمالا بمناسبة معرضها في " مركز شبرين" فكتب " كمالا و مدرستها الكريستالية" [1 ]ـ
و عيسى، رغم أنه من مثقفي الخرطوم الذين عاصروا و تابعوا دقائق حركة التشكيليين السودانيين في العقود الأربعة الأخيرة ، إلا أنه في هذه المقابلة فضّل أسلوب " قص و الصق" على مساءلة مسلمات التيار الغالب و كفى الله المؤمنين شر القتال.و إذا كان عيسى الحلو يبيح لنفسه الحديث عن " كمالا و مدرستها الكريستالية" فلا جناح على محرري الصحف الشرقأوسطية الذين ينسبون لكمالا أنها " ابتدعت" و " أنشأت" و " أسست" المدرسة الكريستالية. أو كما جاء في مقال صحيفة " الخليج" :ـ"

" تحدثت كمالا إسحق عن أسلوبها في العمل الفني بوصفها واحدة من أبرز الفنانين والرسامين ورواد الحداثة في السودان، وهي التي امتد تأثيرها كمعلمة إلى جيل من الفنانين السودانيين الشباب، وكرائدة لواحدة من الحركات الفنية المفاهيمية المهمة والمعروفة باسم المدرسة "الكريستالية" التي أنشأتها بالتعاون مع عدد من طلابها السابقين " . [ 2]ـ-


أو كما جاء في " الإتحاد" :ـ
« معرض «نساء في مكعبات بلورية» للفنانة كمالا إسحق، وهي من أوائل الفنانات السودانيات التي تعلمت في إنجلترا ودرست فيها فنون الجداريات، وفي السبعينيات ابتدعت مدرسة جديدة هي المدرسة الكريستالية.  »[3][.ـ.

و تبدو كمالا ، في هذا المشهد الغميس،مشهد الناس الذين يجودون عليها بمتاع مفهومي لا يدرون اصله،تبدو كمن " صحا من نومه و لقى كومه" فـ "كفّنت الميتة" السهلة و مسحت خشمها و حمدت ربها.و المشكلة ـ في نظري الضعيف ـ تتلخص في أن المتاع المفهومي المجاني الذي حمله إليها صلاح حسن ينطوي على هدية مسمومة غير قابلة للهضم في منظور المنهج الجمالي الذي يميز عملها الفني كرسامة تمكنت عبر السنين من بناء صناعة حرفية متميزة ،
Craftsmanship
،هي صناعة التشكيلية اليدياء التي ينهض الرسم عندها كممارسة عملية، الصورة فيها هي حاصل جهد حرفي حقيقي مضمونه المفاوضة المركبة المستديمة بين نظر الرسام و يده و أداته و مسنده . و قراءة سريعة للأدب الكريستالي المبذول في وسائل الأعلام تجعل القارئ يلمس التناقض بين مبدأ "توفير الجهد"و إزدراء «الصناعة الحرفية» [ مقابل إعلاء شأن الرؤيا الفلسفية للأثر] من جهة، و المنهج اليدوي الذي تباشر عليه كمالا صناعتها المميزة ، من الجهة الأخرى.ـو هنا ينهض تساؤل مزعج:ـ لماذا قبلت كمالا بمثل هذه الهدية المسمومة؟ مندري؟..و أظن ـ آثما ـ أن هناك أكثر من طريقة لتفهم موقف كمالا :فمن المحتمل أن كمالا بأدبها و بكرم روحها السوداني الجم ـ ذلك الأدب الذي يجعل السودانيين " يدخلون في أضافرينهم" ـ قد قررت ابتلاع الهدية المفهومية المسمومة ا،لتي حملها إليها منظموا المعرض ملفوفة في غلاف الإلتباسات المفهومية ،لأن رفضها يعني فركشة المحفل الخليجي المنصوب بكرم حاتمي غير مسبوق في سجل التشكيل السوداني. و من المحتمل أيضا أن كمالا لم تنتبه للتلبيس المفهومي الجائر الذي يترصدها في ثنايا الرؤية الكريستالية للفن لأنها رأت أن المحفل بالنسبة لها هو فرصة ،لا تتكرر كل يوم، فرصة تتيح لها أن تعرض عملها في فترينة خليجية مرموقة مبذولة للجمهور العربي و غير العربي في فضاء العولمة الخليجية، و بعد داك " اللي في الألب في الألب" و كل شاة بين الشياه المعنية بهذه المنازعة، [شاة الجمهور و شاة الفنان و شاة القيّم]، تظل معلقة من عصبتها.ذلك أن منازعتنا تتجاوز كمالا و مدارسها مثلما تتجاوز معرض الشارقة لتعانق اسئلة جيوبوليتيك الفن الحديث في سودان العولمة الحار الجاف المتلاف
سأعودــ
هامش


[1 ]
.[ الرأي العام 27 يناير 2015]،
[2]ـ
See more at:
https://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/ ... AuZot.dpuf

[3]ـ
،ـانظر الرابط
https://www.alittihad.ae/details.php?id= ... ticle=full


...........
......
أضف رد جديد