المألــوف والشعــري في قصيــدة (مشّاؤون في أزاء عرّافين)

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
أسامة الخواض
مشاركات: 962
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:15 pm
اتصال:

المألــوف والشعــري في قصيــدة (مشّاؤون في أزاء عرّافين)

مشاركة بواسطة أسامة الخواض »

دورة النص بين المألـــوف والشعــــري في قصيـــدة (مشاؤون في أزياء عرافين ) لـ (أسامة الخواض )

دكتور عبد القادر جبار ( العراق )

يظهر النص موضع الدراسة والتحليل أن الشاعر ( اسامة الخواض ) يكتب قصيدة التفعيلة ولأننا لم ندرس تجربة الشاعر في مجمل نتاجه الإبداعي وجدنا من المناسب تحليل واحدة من قصائده الموزونة التي يمكن أن تمثل تلك التجربة ، ووقع الاختيار على قصيدة (مشاؤون في ازياء عرافين ) وهي قصيدة من ( البحر الكامل ) ، ويمتاز هذا البحر بايقاعه الطويل الهادئ في الانشاد والتنغيم وهذه المزية جعلت النص ينساب هادئاً في القراءة متوازياً أو متوازناً مع حركة العلاقات الداخلية لأنساقه التي تجمع بين الحكمة والشعر .

ففي الاطار العام تحاول القصيدة استثمار البعد الفلسفي في النظرة الى العالم من خلال لغة الشعر ، فالمشاؤون مصطلح يمكن إحالته إلى إتجاه فلسفي قديم بوصفه يمثل مدرسة في الفلسفة اليونانية استندت في افكارها إلى طروحات الفيلسوف الاغريقي (أرسطو) ، وكان هدفها اكتشاف الحلول للمسائل العلمية والفلسفية التي بدأها ارسطو في معاينة الجمال والادب وحركة العالم ، ولسنا بصدد تحليل هذا الموضوع ولكن الاشارة اليه ضرورية لمعرفة اتجاهات النص ، وإذا ما بدأنا من العنوان نجد أنه هو الآخر يرتبط بالبعدين الفلسفي والشعري معاً ، الامر الذي يؤكد البعد الفكري الكامن في القصيدة ، لكن هذا البعد سرعان ما يتنحى لصالح الشعري في سيرورة النص .

فمنذ المقطع الاول من النص تتجه اللغة بقوة الى الشعرية التي تبدا في المقطع الاتي (وضعوا حقائبهم أمام الباب \وافترشوا حصير السرد \واجترعوا على مهل مريستهم \ لم تبق في قعر الدنان \سوى خثارة سهدهم)
في هذا المقطع الافتتاحي تتناوب لغة الشعر مع اللغة الواصفة ، وهذا التناوب يجعل الوصف لغة موضحة للغة الشعر أي أن لغة الشعر لا تبرز في نسق النص إلاّ من خلال لغة واصفة ، وهذا المراوحة والمناوبة في لغة النص تهدف إلى تأكيد الشعر من خلال تلقي اللغة الواصفة التي تسبق الشعر ، وهي حركة في اسلوب النص هدفها دفع الشعر إلى المتلقي بقوة المقاربة مع غير الشعر وتتشكل هذه الحركة في النص على النحو الآتي :

وضعوا حقائبهم \ لغة واصفة
افترشوا حصير السرد \ شعر
في هذه العلاقة وضع سياق للسرد (حصيرة ) وهي لغة لا تنتمي إلى السياق المألوف الواقعي ، ثم يليها سياق آخر:
( واجترعوا على مهل مريستهم ) \ لغة واصفة
( لم تبق في قعر الدنان \ سوى خثارة سهدهم ) \ لغة شعر
ففي ( خثارة سهدهم ) ، ترتفع اللغة إلى الشعر ، وعلى أساس هذا التناوب تتضح شعرية النص من خلال علاقات السياق التي تنفلت من المألوف في سياق محدد لتصل إلى مرحلة رسم صورة جديدة للعالم في لغة النص ولكن هذا التناوب ينقطع باستمرار النص بالارتفاع باللغة إلى الشعر كما يتضح ذلك في حركة النص الثانية :
نفضوا غبار الريب من ورق الهدايا \ نبشوا السرائر والسراديب العميقة \ علهم يجدوا رفات حنينهم … وتتضح هنا لغة الشعر من خلال العلاقات الاتية : نفضوا غبار الريب /نبشوا السرائر/ رفات الحنين ، لقد اعتمد النص في هذه الحركة على دمج لغة الوصف بلغة الشعر الأمر الذي حقق ارتفاعاً واضحاً بلغة القصيدة والوصول الى منطقة الشعر، إذ استطاع النص أن يبني صورة على اساس علاقة المحسوس بالملموس ، والواقعي بالمجرد ، وهذه العلاقات اسست دورة النص ومنحته بعدا فلسفياً وشعريا.

ويمكن القول أن الدورة بدأت من فعل ( وضع الحقائب ) أي من مفتتح النص ، وعملية وضع الحقائب تشير ضمناً إلى حالة الاستقرار ونهاية الرحلة وهذا الاستنتاج يتجه بنا الى الاقرار بأن النص بدأ من النهاية (مآل الرحلة ) ، لذلك إذا ما قاربنا الفعل (و ضعوا) بالعنوان وحركة النص نجده يعاكس العلاقة التي تضمنها العنوان في فعل المشائين الذي يتمدد في القصيدة بأفعال وتحولات مختلفة لأن معظم الأنساق تبدأ بحركة كما في الافعال الآتية : (افترشوا، اجترعوا ، نفضوا ، نبشوا ….. الخ ) الامر الذي يشير الى حركية النص المستمرة على الرغم من ان المفتتح أشار الى مايمكن وصفه بالسكون في ( وضعوا) ، ودورة النص في هذ القصيدة تعمل على وفق العلاقات الاتية :

سكون بعد حركةXحركة بعد سكون ، وموضع السكون هنا هوالجسد أمّا الحركة فموضعها الروح ولاتتحقق إلاّ بعد فعل ( الشراب ) . في السكون الحقيقة مغيبة \ في الحركة عملية بحث عن الحقيقة . أي أن النص يرتكز على عملية بحث عن المضاع في الواقع ، ويمكن اعتماد الترسيمة الآتية للمقطعين الأول والثاني من النص:
»» حركة من اجل البحث عن الحقيقة بعد افتراق عن الواقع في لحظة السكر (الانتشاء ) .
»»» سكون بعد حركة واستعداد للرحيل بعد واقع لا يستطيع الاجابة عن أسئلة الروح . هذه الدورة النصية تعتمد على الحقائب بانفتاح مدلولاتها على الاحتمالات المختلفة فهي التي ترزم الافكار والاحلام والمشاعر والاسئلة مثلما ترزم العناصر المادية المحمولة في الرحيل وبين المادي والروحي تبدو الحقائب حاملة لصفتي الاستقرار والرحيل معاً ، لهذا فأن الحركة الثالثة من النص تبرز التجلي الروحي بشكل أوضح : بسطوا على شرفات شهقتهم \ مراثيهم \لأسراب القطا البري \ مشاؤون في أزياء عرافين ، والقطا نوع من الطيور التي تمتاز بالحركة المستمرة ، لذلك كان ربط القطا بالمشائين يؤكد حركة النص حتى بعد أن تم بسط المراثي ، وهذه الثنائية في العلاقة بين حركة القطا وبسط المراثي تختصر علاقات النص التي تشير الى حركة الروح حتى في لحظة السكون ، وهذا المركز النصي هييأ للحركة الرابعة من القصيدة التي تقول فيها : مشاؤون في أزياء عرافين \ لم تهب النجوم \ لهم سلافة حدسها الكوني ، وفي هذه الحركة التي تحاكي عنوان القصيدة يعزز النص العلاقة بين العرافين والنجوم التي تعد الأداة الرئيسة لعملهم في إشارة الى البحث عن الحقائق خارج العالم المحيط القريب أو البحث عن الابداع في فضاءات أوسع من الأرض ، في هذا المقطع يتجلى الموقف من حركة المشائين بشكل أوضح فالبحث عن المستقر لا يكمن في وضع الحقائب في المكان لأن الروح لا تهدأ ولا تستقر وغالباً ما تكبلها الجدران ، وهذا الوضوح شكل انتقالاً جديدا في حركة النص قوامه المقاربة بين الحركة في الواقع والحركة في الروح وعلى النحو الآتي :

مشاؤون في الأشواك \ مشاؤون في الأشواق \ قصاصون للأعماق \حلابون نساجون للكتمان \ لوّاهون للزمكان .. وهنا يضغط النص على قارئه عبر الصفات التي يصدرها الى القارئ بشأن (المشائين ) ، \ ( مشاؤون ، قصاصون ، حلابون ، لوّاهون ) وعلى الرغم من تكرار الصفات إلاّ أن النص يرتفع الى منطقة الشعر في العلاقات الآتية :

مشاؤون في الاشواق ، وهي صورة أعقبت علاقة مألوفة \ مشاوؤون في الاشواك . لكن النص استثمر علاقة الأشواق بالأشواك في التوازي شبه التطابقي ليرتفع بالنسقين إلى منطقة الشعر ، أما العلاقة الأخرى فهي : قصاصون للأعماق \ حلابون نساجون للكتمان .
وفي ختام القصيدة تعود حركة التوالي بين المألوف والشعري مرة أخرى مذكرة بحركة الافتتاح يقول النص فيها : واتكأوا على الأشواق \ علاقة شعرية
وانكسروا كما العشاق \ علاقة مألوفة
وانتظروا ملاكاً سوف يهبط جالباً مفتاح شهقتهم \ (مفتاح شهقتهم ) علاقة شعرية
تقترح الحقائب نخب أوبتها \ علاقة تفاعل بين المألوف والشعري .

إن خلاصة دورة النص تحاول الإجابة عن ماهية هؤلاء المشائين ، هل هم من البشر العاديين من العرافين من المبدعين من ملائكة السماء ؟ ومن أين جاؤوا ؟ من التاريخ أم من الاسطورة أم من الأرض أم السماء؟ في هذه الأسئلة تكمن تأويلات النص وانفتاحها على دلالات مختلفة وقراءات متعددة ، ولكن في كل الأحوال يشير المفتتح الى أنهم جاؤوا منمكان آخرغيرالذي وضعوا حقائبهم فيه ، في حين يشيرالختام الى انتظارهم الملائكة لمعرفة حقيقة وجودهم ، لكي يرزموا الحقائب مرة اخرى لرحلة جديدة
، وقد اقترح النص في ضوء ذلك امكنة متصورة لوجودهم منها ( التاريخ ، السماء ، الارض البعيدة ،….. الخ) خاصة وأن الدورة النصية افتتحت الاستقرار بفعل الهرب من الواقع عبر فعل (النشوة ) في الروح، ثم انفتحت على رحلة التعريف بماهية المشائين وصولا الى الخاتمة التي اوضحت المال الذي وصلوا اليه وهو ( الفشل ) أو عبث المحاولة.

وهذه الرحلة السيزقية في النص توشحت بشعرية عالية وبتقنية بلاغية واسلوبية قادرة على شد القارئ وذلك من خلال انتظام الايقاع و وانقطاع وظهور القافية التي تبرز بين الحين والاخر معززة موسيقى القصيدة ، فضلا على بنية التوازي ، فالقصيدة لم تعتمد القافية المنتظمة ولكن استعمالها اتضح في المواضع الاتية : ( الاشواق والاعماق ) وكان استعمال القافية مقترنا بنية التوازي في ( الاشواك والاشواق ) وهي علاقات فيها من الجمال ما يشد القارئ اليها ويثير انتباهه في ادخال بنية التوازي مقدمة للقافية ( فالأشواك ) هي التي سبقت (الاشواق والاعماق ) لتمهد الى قبول القافية وتوقظ التلقي ،من خلال التناسب الصوتي الذي جمع هذه المفردات الثلاثة ، وكانت العلاقة بين ( حنينهم وشهقتهم ) علاقة تناسب دلالي وصوتي من خلال التعبير النمطي الذي يربط الحنين بالشهقة ، كما كان المقطع الاخير أكثر المقاطع التي عبرت عن الرؤية الفلسفية في القصيدة ، ويمثل هذه المقطع أيضاحا وبيانا مهما في رسالتها من مفردة (الز مكان) ولو ان الشاعر أبدل الزمكان بمفردة اخرى تدل عليه لكان انسياب الشعرية في القصيدة، أعمق واكثر أثراً في القارئ
[b]
أسامة

أقسم بأن غبار منافيك نجوم

فهنيئاً لك،

وهنيئاً لي

لمعانك.

لك حبي.



16\3\2003

القاهرة.

**********************************
http://www.ahewar.org/m.asp?i=4975
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

مرحباً بالعودة إلى هنا، من بعد طول غياب، يا رفيقنا القديم أسامة. ملاحظة بسيطة: أظن أن الناقد قصد أن يكتب، في بداية الفقرة الأخيرة من مقاله، و"هذه الرِّحلة السيزيفيَّة" (من سيزيف الأسطورة الإغريقية المعروف) وليس "وهذه الرحلة السيزقية"،غير أن خطأ حدث في الطباعة فحول العبارة الأولى إلى العبارة الأخيرة الغير صائبة، بالنظر غلى محتوى المقال الدائر، عموماً، حول تجربة العبث المعيشي الغالبة على خبيبِ السَّير الإنساني (وليس "الرِّحلة الإنسانية") لـ"أولئك المشَّائين".
أضف رد جديد