غادرنا عبد القُدُّوس الخاتم بجسده فحسب

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

غادرنا عبد القُدُّوس الخاتم بجسده فحسب

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

توفي، بعد منتصف ليل أمس بقليل، الناقد الأدبي، الكاتب والمحرر الثقافي عبد القُدُّوس الخاتم.

عبد القدوس فقد كبير.

العزاء لأسرته، زملائه، تلاميذه ومحبيه.



عن الراحل، نقلاً عن صفحة مامون التلب في الفيسبك:


ولد في منتصف أربعينات القرن الماضي، درس بالمؤتمر الثانوية، ونال درجة البكالاريوس في علم الاقتصاد الاجتماعي من كلية وسط لندن عام 1981م. وتمهيدي ماجستير اقتصاد من كلية بيربك بجامعة لندن، وعمل لمدّة طويلة بوزارة الثقافة والملحقية الثقافية بلندن. له اهتمامات بالفن التشكيلي والموسيقى. صدر له كتاب (مقالات نقدية) طبعة أولى 1977م، وطبعة ثانية 2010م عن مركز عبد الكريم ميرغني. وكتاب جديد بعنوان (مراجعات في الثقافة السودانية) تحت الطبع. نال عدة جوائز تقديرية من ضمنها جائزة مهرجان الثقافة الأول في السبعينيات، وجائزة الملكية الفكرية الدولية من سويسرا عام 2008م، وتكريم جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي 2009م حيث سيقوم المركز بطباعة كتابه الجديد بعد أن طبع (مقالات نقدية للمرة الثانية).
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »




عبد القدُوس الخاتم

خير من يتحدث عن عبد القدوس الخاتم هو " دكتور حسن محمد موسى " ، فقد كان له أثر في إصدار صفحة ألوان الفن التي كانت تصدر في صفحتين أسبوعياً من إبداع " دكتور حسن محمد موسى "وبعض أصدقائه . وذلك في احدى صحافة " 25 مايو" ، في منتصف السبعينات . وقد نقلت عني تلك الصفحة موضوع " السيميوتكا والتشكيل " . واستأذنت حسن موسي أن يُكتب اسمي أحرفاً فقط ، وهي حيطة أمنية ، لأن الكاتب المُستقل والحرّ ، رقم لا تعرفه إحصاءات العامة والسياسيين !.
تحية طيبة لك أيها القصاص .




عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

خبر محزن. مضي قبله صنوه ونديده عبدالهادي الصديق، قبل سنوات ليست بقليلة، ولم يعر أحد إلتفاتا.. رحمهما الله، كانا قد أثريا حياتنا الثقافوية

في زمن مضي. ليت الكاتب الممتاز محمد أبو جودة، عضو هذا المنبر ،يواصل ما بدأه في منبر آخر حول الراحل- عبدالقدوس - هنا، في هذا المنبر ،كذلك. شكراً لك عادل، تعازي لك، وللشقليني .
الفكر الديني ضعيف، لذا فإنه يلجأ الي العنف عندما تشتد عليه قوة المنطق، حيث لايجد منطقاً يدافع به، ومن ثم يلجأ الي العنف.( ... )
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

الناقد والمثقف السوداني عبدالقدوس الخاتم إلى الرحاب العلية

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

حُبّاً وَ كرامة، عزيزي عادل الســنوسي ..

وأحرّ تعازيّ لكم جميعاً في فقدنا مَنْ فقدنا .. الكاتب المثقف والناقد الحصيف عبدالقدوس الخاتم .. له الرحمة


[align=justify]

النّاقد السوداني المثقف عبدالقدوس الخاتم إلى الرّحاب العَليّة..

أسأل الله تعالى، له القبول والرحمة والمغفرة وحُسن مآب، فقد تُوُفّـِيَ في أوّل أيام عيد الفطر المبارك، الأحد، أول شوال1438ه الموافق 25 يونيو2017 عبدالقدوس الخاتم؛ وكان من كِبار المُساهمين في حقل النقد الأدبي السوداني. كتَب عدداً من المقالات النقدية في الأدب السـوداني، ونشرها أوّلاً ببحر سبعينيّات القرن العشرين، بالخرطوم؛ وهي مقالات مائزة، اتّسمتْ بنصوع موهبته الفنية في حقل النقد الأدبي (الثقافي) السوداني. ثم شاءَ القدرُ له، من بعد، أن يُغادر السودان (مُغترباً) إلى أوروبا، ومنها مباشرةً إلى إحدى دُوَل الخليج العربي. ليعود بعد فترة غياب امتدّت إلى ما يُقارِب رُبع قرنٍ من الزمان لعلّها.

في مارس 2010 تكرّم مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي – أمدرمان، بإعادة نشر تلك المقالات، في كتابٍ بعنوان "مقالات نقدية" قدّم له الناقد، الكاتب، المؤلِّف بنفسه/ المرحوم عبدالقدوس الخاتم، تغمّده الله برحمته؛ وكتب توطئة أفاد فيها بأنّه سعيدٌ بنشر مقالاته النقدية، وممتنٌّ لمركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، في اضطلاعه بهذا العمل. كذلك فقد أفاد، بأنّه سيدَع مقالاته على حالتها الأولى، بعُجرِها وبُجرها؛ مُضيفاً: (وقد يرى البعضُ فيها شططاً أحياناً، ولكنّها ثمرة الشباب)..إهـ .. ثم وَقّعَ بذيلِ التوطئة اسمَهُ وتاريخ ومكان كتابته: أمدرمان 2009م.

لكم أأمل أن أرفق امتناني بامتنان المرحوم، وأتقدّم بوافر آي الثناء لمركز عبدالكريم ميرغني الثقافي – أمدرمان؛ على اضطلاعهم بهذا النشر الثقافي الرائد، والوطني في آن؛ إعلاءً لِقِيَم التنوير ونشراً لفضائل العِلم والمعرفة بين السودانيين. في ظلّ جانبٍ رسميٍّ خامدٍ قاتِم..! لم يُبرِز يوماً – ولو – أدنى اهتمامٍ بنشر المعرفة والتنوير بين الناس، هُموا في حاجّة ماسَّة إليهما، هذا إن لم يكن أكثر خام هذا الخمود، مدعاةٌ لإغلاق منافذ الفكر، وإطفاءٌ لشموع الضوء؛ ذاك الذي بزغ في وطننا من قديم. ثم لمّا لم يجد اهتماماً من أُولي الأمر الثقافي بالوطن، تبدّد سريعاً في الهوى الغلّاب. أو يكاد أن يتبدّد في شِعاب أودية التفالحات السياسية والثقافية والفنّـِية والرياضية والصحافية والـفضائية الفضوائية السّائدة، تلك التي أشاعتْ في البلاد من أدناها لأقصاها، ثقافات غريبات دار، بل قل غريبة وجهٍ ويدٍ و لِسان، ظلّت تُعين الشرور علينا، وتمنعنا أن نتنفّس "هواء" هُويّتنا المفَضّلة عند غالب شعبنا. ذلك أننا لم نرعَ للنقد والنُّقّاد فينا، إلّا ولا ذِماما.

كتب المرحوم الناقد، عبدالقدوس، رؤاه النقدية الرصينة، ولا تخلو من حَرارةٍ لها وَهَج، حول العديد من النماذج الإبداعية لأكابر مُبدعي الأدب السوداني، تلك الأيّام، في حقوله المتعددة من شِعر، قصة، دراسات أدبية إلخ,,, وقد حَمَل مِشكاةٍ له أشبه بــــــ" الماشـَّة " مُسَلــّـِــطاً حراراتها المُنضِجَة على بعض أعيان المنتوج الإبداعي. لاؤلئك الذين رأى أنهم - فيها - قد أخطأوا النّجعَة، أو ضَلّوا الطريق أو ربما أساءوا الصِّـنْعَة. ذلك مع احتفاظِه ذات الآن، بذائقة إبداعية مُتَميّـِــزَة، تسمو بالعدل فتجهر بالحقّ، لا تخشى فيه لومة فاضٍ قاضي..! وَ تمكّنه ألّا يتمادى في الإقرار وسريعاً، متى ما كان للمبدع ال منقود بعضَ أعيانِ منتوجِــه، فتحاً إبداعياً يسمو بالذّائقة الأدبية العامّة، ثم يكون له ما وراءه من مُجتَنَىً يصُبُّ في بحر العموم.

النقدُ، من ثقافي لأدبي، هو عِلمٌ وَ فنٌّ وموهبةٌ وصقلٌ ضروريٌّ جداً. في سيرورة المجتمعات إلى مراقي المعرفة الحاضّة، إلى بلوغ الحقّ والخير والجمال. وقد ارتبط العِلم النقديّ في قديم نشأتِه بالحِدَّة النظرية والتطبيقية. ذلك أنه يقوم على الفحص والاختبار؛ بل ويتوسّل بالتقويم والتقييم. ثم يمنح إجازاته في المُنتَهَى، للمنتوج الإبداعي الجيّد وَ القابل للزيادة والنّماء، ويمنع ذات الشهادات عن المنتوج الإبداعي الضعيف المرزوء..! يدحضه ويُفنّد نواقصه حتى لا يؤذي الناس فيزيد من حالة التـّـَــوَهان.

وحيث أن ذيّاك التعاطي الثقافي في حقل النقد الأدبي والثقافي عموماً، يتمُّ وِفقاً لقواعد وتقنيات مُتَّفَق عليها من جانب شريحة قطاعية كبيرة، فقد ازدحم حقلُ النقد بالمعارك وتكاثرت فيه زعازع الخصومات بين المبدع والناقد، وأحياناً بين أنصار هذا ومُحَالفِي ذاك. وقد لا نستغرب طبيعية التعارك في مجال العمل النقدي..! إذا ما تذكّرنا خلافية فيلسوفـَـيـْن حكيمين إغريقيِّين كــ "أرسطو" الذي يقول بــارتباط الشـِّعرِ بالبهجَة والإنشراح؛ بينما لا يرى فيه "أفلاطون" إلّا كونِه دَنَساً وأكاذيب لا نفعٌ فيها. وبصرف النظر عن تنازعات تلاميذ الحكيمين في ذاك العهد الموغل في القِدَم، إلّا أنّ القارة العجوز أوروبا قد شهِدت انقساماً في عدد من بلاطات حُكمها وتياراتها السياسية، الإمبراطورية في عهدها القديم حوالَى القرن السادس عشر الميلادي، جرّاء الاختلاف الأرسطو- أفلاطــونيّ حول طبيعة الشـِّعــر (وأعظِم به من إبداعٍ يهزّ العروش!) أو على الأقل، على هَديِ عُلالةِ نارِه؛ من اختلافٍ رؤيويٍّ سحيق.

ختاماً، ومع ثنائي الكبير على جهود الأخ الصديق، الصادق عبدالله، ولفيفٍ من الأصدقاء الزملاء بمنبر عام سودانيزأونلاين، ينعون ويؤبِّنون الراحل عبد القدوس الخاتم، بل ويحيّون ذِكراه بنشرِ البعض من مُساهماته النقدية الرّصينة في تأتٍّ هُمام، فإنني لأرجو، بل وأعمل بمشيئة الله تعالى، ألّا يكون مقالي هذا في الترحّم على روح الفقيد الراحل، مقالاً فرداً، بل له توالٍ أعرِضُ فيها نقاطاً تعليقية على مُساهمات للناقد الذي رحل عن دُنيانا، في يوم عيد .. فاللهمّ يا إلاهنا القدّوس، ارحَم عبدك عبدالقدّوس، وتولّاه برحمتك ومغفرتك.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

من مامون التِّلب، من القُدُّوس الخاتِم بواسطة مامون التِّلب:



اقتباسات للناقد للراحل عبد القدوس الخاتم




في العام 2010م، إبّان تحريري لملف (سديم) الثقافي بصحيفة (الأخبار)، قمتُ بسلسلة زيارات لبيت الناقد الكبير الراحل عن دنيانا أوّل أيام العيد، الأستاذ عبد القدوس الخاتم، وقد ربطتنا صداقة عميقة وعاطفة إبّان إجرائنا لهذا الحوار المطوّل. كنّا نقضي ظهر يوم الجمعة معاً، ودار الحوار بمنهجٍ جميل، إذ جَمَع ما بين الاستطراد في الأسئلة والتمتّع بلغة الكاتب؛ كنتُ أكتب أسئلةً وهو يستغرق في تأمّلاته، وكنت أستمع وأدوّن في المرة الأولى، وكتبنا محاورنا وبدأنا، كنت آتي في الأسبوع الذي يليه لأجده قد كتَبَ ردوده على الورق، وبعد قراءتها نقوم بكتابة الأسئلة الجديدة. استمرَّ بنا الحال هكذا لسبعة جُمعٍ تخللتها أسابيع للراحة وحلّ مشكلات الحياة، ولطول الحوار وصعوبة نشره كاملاً في (الممر)، قررت أن أحرر مادّة مقتبسات من الحوار.
لقد فقدت الساحة الثقافيّة علماً حقّاً، وناقداً فذَّاً جريئاً وشجاعاً، ساهم بتميّز في الساحة النقدية السودانية في مجالات الآداب والفنون بدراسات وكتابات غاية في المُتعة ولامعة بأفكارٍ جديدةٍ تستحقّ الاستلهام اليوم. وقد قام مركز عبد الكريم ميرغني، مشكوراً، بطباعة أعماله في كتابٍ صدر قبل سنوات، وهو بين يدي القارئ في المكتبات اليوم. يجد القارئ النسخة الكاملة من هذا الحوار بين دفتي الكتاب.

م.ت



(1)

إذا سمحنا لأنفسنا بالتعميم، غير المخل، نقول أن الإبداع لا يمكن أن يستقيم أمره دون النقد، والعكس بالعكس، وإذا كنا نريد لثقافتنا أن توقظ الألوان النائمة في طيفها الواسع، وفي تعدديتها، فإن للنقد جادة واحدة، مهما تعددت المناهج، وهي جادة العقل الصافي كما هو وارد في مداخلات «كانط» الفلسفية. ولا يمكن التوصل إلى هذا العقل الصافي إلا بتوخي الموضوعية، خاصة في التفاصيل، وبانتفاء التحيز والأحكام المسبقة. وقد ينبري قائل ليشير إلى أن هذا مشروع طموح، يستهدف استنباط فلسفة جمالية لنقدنا.. ولم لا؟
يجب أن تخضع كل تلك الجهود للتقييم، وحبذا أن يكون متبادلاً بين المبدعين أنفسهم، وبذلك نكون قاعدة انطلاق قابلة للتوثيق، أولاً بأول، وبمثابرة وانتظام، لتتسرب روافدها في مجرى أدبنا المحلي والعربي حتى لا يتأتى يوم ننفق فيه العناء المضيع لنثبت أن المحجوب هو أول من كتب قصيدة التفعيلة وأن معاوية أول من استخدم تيار الوعي في القصة العربية الحديثة، وأن بدايات النقد الثقافي العربي قد تجلت في كتابات محمد عشري الصديق قبل أن يظهر نقاد ثقافيون كبار كعبد الله الغذامي، وأن المجذوب كان من أفضل شعراء العرب الكلاسيكيين في نهاية الأربعينيات، وقد فطن إلى ذلك الشاعر اليمني عبد الله البردوني لمعرفته الشخصية به واطلاعه على بعض أعماله. ولكن هذا الشعر الرائع لم يُنشر إلا في أواخر الستينيات، وكانت مياه كثيرة قد جرت تحت الجسر. هذا الذهول التقييمي، علاوة على أزمة النشر، أفقدنا الكثير من حلقات الوصل والاتصا].

(2)

بَصَلة:

صام شعبنا وأفطر على بصلة، قدمناها له ولا يزال إلى اليوم يقشرها وهو يبكي. حتى الولاء والحب الذي كنا نمحضه صافياً نحو الوطن الأم تلاشى في غمرة السباق المحموم، أو كاد. تقول الشاعرة الآيرلنديّة كارول إندابي أن الأم أعدّت المائدة الحافلة بالطيبات لابنها، تقول في القصيدة:
(في عيد ميلادي أهداني ولدي بصلة، مُشيحاً بوجهه عن المائدة، واتّجه إلى غرفته ليلعب بأزرار التشات "Chat").
هذا هو التعبير الوافي لموقف المثقف من الشعب السوداني.
كان المثقف السوداني في براءته الأولى عدوّاً أو مستريباً في السلطة:
(يا واقفاً عند أبواب السلاطينِ
ارفق بنفسك من همٍّ وتحزينِ).
وكان هنالك مثقفون، رغم آلاتهم المظلمة، أدوا دورهم المتميّز في مقاومة الطغيان. أحمد العوّام الذي أعدمه غردون شنقاً، القاضي دشين (من كتاب الطبقات) الذي انفسخَ جلده، لأنه قال بحرمة زواج صوفيٍّ من أخت زوجته (جمع الأختين)، فكان الردّ المتصوّف بدعاءٍ: (الله يِفْسَخ جِلدَك). فانفسخ جلدُ القاضي. والحسين زهرا، الذي انتهى به المطاف إلى الرَجَّاف، فافترسته الأمراض الاستوائيّة. المثقّف، بطبعه، يعشقُ التجوال في فضاء الحرية ويودّ لو يحلق بعيداً في مرايا الشمس، ولكنّ زلازل السياسة جعلته يرى، ولا يرى. وأصبح كالعصفور الأحول؛ فبينما يظنّ أنه يُرفرف بعيداً عن قفص السلطة يجد نفسه داخله؛ يطير باتجاهه، أحولَ، يريد أن يتفاداه فيدخل فيه لقصورٍ في الرؤية والرؤيا. لذا، ومنذ العهد السناري، ما يلبث أن يدخل في زمرة (ومن وَجَدَ الإحسان قَيْداً تَقَيَّدا) كما قال المتنبي؛ أن يُمنح مالاً فيسقط في يد السلطة. منذ ذلك الزمن البعيد، توالت جماعات همُّها التمسّح باعتاب السلطات، وضجَّ رواقه بحاملي المباخر، ونافخي الأبواق، والأُلعُبانات، والقِرْدَاتيِّة، والمطبلاتية، ونُظِّمت المهرجانات الشعريّة التي تتغني بمناقبه، ويُسبّح بحمده ليل نهار؛ وحتّى مفاليت النّظم الذين يبيعون دينهم بدنياهم: (الليلُ ليلٌ، والنهار نهار، فاحكم فأنت الواحد القهّار) يُحوّلونه إلى إله (استغفر الله)؛ يلثمون يديه، ويحكّون له قفاه، ويتلمظون فتات موائده، وهو يُهمهم (شكراً شعبي.. شكراً شعبي): شعبه هُوَ! وبكلّ تواضع!
ثم ما لبثت أن تطورت هذه الأمراض الحداثية، مع وقع الأحداث الثقيلة، إلى أمراض مستعصية ناء تحت ثقلها المثقف، ومن أخطر هذه الأمراض: فقدان الحس التاريخي، وعقدة النقص المتمثلة في الاستلاب الثقافي والجمود النصِّي).

(3)

لا قيمة للماضي إن كان تبريرُ الحاضر هو همّه الأوحد:

لا بد من إعادة كتابة تاريخنا القديم والمعاصر، لإزالة ما ترسب فيه من شوائب القبلية، ولرصد المسكوت عنه (تاريخ ما أهمله التاريخ). لا قيمة للماضي إن كان تبريرُ الحاضر هو همّه الأوحد؛ واستدعاؤه للتقليل من شأن جرائم الحاضر بمقارنتها بـ(فظائع) الماضي، ونستدعيه، في ذات السانحة، لنُمَجِّد، من خلاله، إنجازات الحاضر الضئيلة، وهنا نقع في فخ الهتافيّة الفكريّة (أنا ابن من دانت الرؤوس له) وقد يكون القائل حلاقاً أو حجّاماً! (الحِجَامة بوصة تُركّب لسحب الدم الفاسد) هذا مجرّد تفكّه، فإن تكلمنا بطريقة جديّة نقول: معظم المؤرخين الأوربيين الجدد يجمعون على أن الضوء الذي يُنير طريق المؤرِّخ، في أقصى ما يتناوله من أبعاد الماضي، هو ضوء الاهتمام بأبعاد المستقبل؛ التاريخ الآن جزء من علم المستقبليات تماماً كعلم قراءة الوثائق؛ فقد مضى زمن التاريخ الذي يعرفه توينبي بأنه دائري (الأفعى التي تأكل ذنبها) وأنفق مئات الصفحات ليثبت هذه النظرية بمجلداته الضخمة (دراسة في التاريخ). لم يعد التاريخ رصداً تسلسلياً للأحداث، في تاريخ (العَجَلَة)، مثلاً، فالأهميّة لا تكمن في ذِكْرَ اسمِ مخترعها، وإنما في دراسة الكيفيّة التي غيّرت بها حياة الناس. للتوضيح فإنني أذكر حاكماً تركيّاً لُقِّبَ بـ(جُرَاب الفول)، لأنه كان بديناً لدرجة أن كَرشَهُ تتدفّق ذات اليمين وذات اليسار؛ حتَّى أن خادمَين وُظِّفا ليَرعيا تدفّق كرشه في الجهات، ولكن ليس ذلك هو المهم، ليس هو الأدعى للنقد والتفكّه، وإنما الكيفيّة التي أكَلَ بها قوت الشعب، وحقيقة أنه كان يُدخلُ القطط داخل سراويلهم ليدفعوا ضرائب الدولة؛ كيف عذّبهم وكيف أهانهم، هذا هو المهم، وليست سمنته وكرشه. بهذه التفاصيل تَجِبُ كتابةُ التاريخ، الكيفيّة التي تغيّرت بها حياة الناس؛ تغيّراتهم في معيشتهم، لبسهم، عسكريّتهم، أدبهم...إلخ.
علينا أن نحذر هنا، ونتوقّف، لنؤكد أننا نثمن جهود أساتذتنا الأجلاء من الأكاديميين، من أمثال (مكي شبيكة، مندور المهدي، معتصم علي الحاج، عباس إبراهيم علي، ميمونة ميرغني حمزة، محمد سعيد القدال، فدوى عبد الرحمن علي طه) على سبيل المثال، يجب أن نُثمّن جهودهم. ومع ذلك فقد بقيت الكثير من الوثائق البِكر داخل السودان (دار الوثائق، القباب، الأضرحة، المخطوطات الخاصّة). أغلب هذه الوثائق لم يتم تناولها، وبقيت الكثير من الوثائق في الجامعات والمكتبات الأجنبية (مكتبة جامعة أكسفورد ودرن بإنجلترا، والجامعات ومراكز البحث الأمريكية) وذلك شوط طويل، كيف سنقطعه؟! كذلك لا ننسى دور علماء الآثار، والذي يجب أن يُثمّن أيضاً (نجم الدين محمد شريف، أسامة عبد الرحمن النور، أحمد محمد حاكم). كذلك دور علماء اجتماع الثقافة أمثال مختار عجوبة وعبد الغفار محمد أحمد وغيرهم).

(4)

أصبحت أنامل الإنسان المبدعة شبيهة بنقّار الخَشَب:

لا بدّ من إعادة النظر في إشكالية الثقوب السوداء، التي تُعكّر سماء التواصل ما بين الأجيال، مما تسميه عالمة الاجتماع مارغريت ميد (الفجوة بين الأجيال – Generation Gab ) وهو شيءٌ طبيعيٌّ في الأحوال الطبيعيّة، لكننا نضخمها، وننفخُ فيها، من خلال آلية الأدلجة واغتيال الشخصيّة Personality assassination لأناس كان دورهم مشهوداً في تطور الفكر السوداني، واستبدالها بشخصيات أقلّ تأثيراً، مما يؤدي إلى تزييف الوعي، خاصّة لدى الأجيال الجديدة؛ فتسودها روح القطيع الأعمى، ومن ثمّ تفقد روح المبادرة، إلا ما كان منها مبتذلاً وميكانيكيّاً، ولا يهطل عليها الإبداع الخلاق إلا من (مواسير) ضيِّقة مثبتة في جمجمتها.
الأمر الثالث يتمثّل في علاقتنا الشائكة بالكمبيوتر، هذا الجهاز الذي قَلَبَ ظاهر حياتنا رأساً على عَقِب، ولم يمس جوهرها إلا مسّاً خفيفاً، بحيث اقتصر استخدامنا له على شيئين: التسلية (الشمارات) أو توظيفه سياسيّاً لغسل الأمخاخ. وأصبحت أنامل الإنسان المبدعة شبيهة بنقّار الخَشَب، أو طيور (هِتش كُوك) المرعبة، وسيلة مذهلة للحفر في أدمغتنا الليّنة، بحيث ندخلُ عالماً افتراضياً بديلاً للعالم الحقيقي، لا رجعة منه. ونظل رهن إشارة الأخ الأكبر بمفهوم (مزرعة الحيوان) لجورج أورويل.
إذن، لا بد من مراجعة شاملة لعلاقتنا بالحاسوب، وحتّى لا ينطلق ذلك الوحشُ من عقاله علينا القيام، لا بترويضه - كما نفعل أحياناً - ولا بتوجيهه - كما نحاول أن نفعل دائماً، والتوجيه دائماً هو الأخطر؛ لأننا، أن حشوناه بأوهام الساسة والإدارة الآيديولوجية، فُتحت لنا من بوّابات جهنم لتمحو الرسالة التي نهدف إلى إيصالها أو حجبها وساهم في ترويجها: كما فعلنا مع الكاتب (الآبق) سلمان رشدي في روايتيه (أطفال منتصف الليل) و(آيات شيطانيّة)، ولو كنّا ناقشناه بطريقة أكثر عقلانية لما وجدت الرواياتان هذا الذيوع المذهل. ومن البدهي أن الإنسان اخترع تقنية الكتابة وطوَّرها عبر الأزمان لسدّ النقص في الذاكرة الطبيعيّة، وطوّر كذلك مساند أمينة من اللوائح الغضارية والنحاسيّة حتّى الورق، مروراً بالأنصاب، وورق البردي والرقّ. كما انفصلت اللغة المكتوبة عن اللغة المنطوقة؛ وأصبحت نظاماً من الإشارات فأسَّست، بذلك، تاريخ الإنسانية بتدوين وقائعه، وساهمت في تنمية المخيلة عن طريق الأدب، ورغم المحاذير التي تثيرها بعض المواقع الإلكترونية، فعلينا ابتكار الحلول المتطوّرة لها. وعلى سبيل المثال فإن (العداء ضد الإسلام) يتطلب برنامجاً طويلاً. فالسفهاء من رسّامي الكاركاتير، والذي يصوّرون مقدّساتنا أبشع التصوير، لن يختفوا بمجرّد مقاطعة الجُبن أو اللحم المقدد من منتوجات بلدانهم. فلنترك حرية التعبير تأخذ مجراها المعقود. علينا نتذكر أن الذاكرة الإلكترونية امتداد وتوسعة للذاكرة الطبيعيّة وليس تغطيةً، لها بأي حالٍ من الأحوال، وأن النبع الأصلي هو العقل البشري وليس الدماغ المعلوماتي).

(5)

ظنِّي أن هنالك تاريخاً مُكمِّلاً للتاريخ الأكاديمي لم نلتفت إليه كثيراً بحجّة أنه يفتقر إلى الموضوعيّة، ومهما يكن، فهو يُشكّل خلفية مهمة للدراسات التاريخية والأكاديمية؛ أعني، اختصاراً، ذلك التاريخ الذي كتبه من عُرفوا باسم (المؤرخين الهُواة) أمثال محجوب عمر باشري والتيجاني عامر. وقد قلت قبل الآن أن لي وجهة نظرٍ قد تكون غريبة بعض الشيء، التاريخ الذي كتبه الهواة، حتّى مذكرات الساسة والإداريين، هي جزء مهمٌّ من كيمياء إعادة كتابة التاريخ، وأعني كُتباً مثل مذكرات بابكر بدري، و(جهاد في سبيل الله) لعلي المهدي، و(كتابات الشاطر بصيلي) و(السودان للسودانيين) و(مذكرات خضر حمد) وكتاب (رواد الفكر السوداني) لمحجوب باشري، مؤلفات التجاني عامر وكتاب (ملامح من المجتمع السوداني) لحسن نجيلة، وكتابات عصمت زلفو عن التاريخ العسكري للمهدية، وغيرها، هي كتابات تمثّل خلفية نابضة بالحياة يجب أن نستعين بها لكتابة تاريخنا المعاصر.
شيء آخر، قد يستهجنه البعض، وهو أن ما سطره الأجانب عن تاريخ السودان لا يتّسم، كلّه، بالتعصب والانحياز، إنني أزعم بأن كتاب (نعوم شقير) عن تاريخ السودان وجغرافيّته يتميّز بقدر معقول من الموضوعية والمحاولة المُخوّلة للانطلاق، كما يمكننا الإفادة، أيضاً، من كتاباتٍ أخرى لا تخلو من التربّص ونزعة الثأر الشخصي، مثل كتاب (السيف والنار في السودان) لسلاطين باشا، وما كتبه القس هردر وإبراهيم فوزي وغيرها، بعد تنقيتها من الشوائب، لا أن نرمي بها عرض الحائط؛ فهي تحتوي على الكثير من المسكوت عنه في تاريخنا. وعلينا أن لا ننسى المطبوع والمخطوط من مؤلفات مثل مؤلفات محمد عبد الرحيم وسليمان كشّة، وغيرهم من من وضعوا بصماتهم على سفر تاريخنا المعاصر وساهموا في إضاءة بعض جوانبه، مثل مؤلفات الدكتور منصور خالد (النخبة السودانية وإدمان الفشل) وكتابه Revolution of Dismay وكتاب (التمادي في نقض العهود) لأبيل ألير، و(السودان من اليأس إلى الأمل) لجوزيف لاقو. وقد يقول قائل إن بعض هؤلاء يشوب كتاباتهم شيء من المرارة تصيب الموضوعية في مقتل، وهذا لا يعتد به لأن المؤرّخ المغربل يستطيع وزن الغثِّ من الثمين، وأملنا كبير في المؤرخين الشبان الأكاديميين الذين سيخوضون غمار هذه التجربة الشائكة بعيداً عن (قام – سافر – تاه).
بدلاً من أن نجلس، مستسلمين، على خازوق تاريخنا المبتور الأطراف، ليخترق أعضائنا الحيويّة، وهو يشبه ذلك الخازوق التُّركي الذي كان يُساق إليه أهل البلقان كما صور فظائعه الكاتب اليوغسلافي إيفو أندردش، في رائعته (جسرٌ على نهر الديريدا). التاريخ الذي نُريد أن نكتبه هو التاريخ الذي سيعلمنا، ويعلّم أطفالنا، الوقوف في وجه الطغاة، المستبدين.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

مضى الزمن ولم أحس بمضي أكثر من سنتين على رحيله



صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

البركة فينا يا شقليني.

فتشت في قوقل عن صورة لفقيدنا. للأسف، وللغرابة، لم أعثر عليها. كما يبدو أنه قد سبقني في البحث عنها، قبل عامين، نبيل غالي، الذي لم يعثر على واحدة له كذلك، كما يؤكد مقاله هذا، الذي يرثي فيه عبد القدوس، كما يرثي قيم أو ميزات أخرى أوقدها رحيل فقيدنا:




لا أدعي أنني التقيته كثيراً، بل كانت مرات معدودة أقل من أصابع اليد الواحدة، بهرني ورفع حاجب الدهشة لديَّ، حينما طالعت كتابه النقدي الأول (مقالات نقدية)، الذي أصدرته إدارة النشر الثقافي في العام 1977 وكان الكاتب في مقتبل العمر، كما كنا مثله إلا قليلاً، وقد اقتفى في الكتاب أثر مقولة (ه. ل. منكن) في تنظيف غابة الإبداع من كل ما هو متهافت ورديء ويفتقد حرارة الفن، في وقت كانت حركتنا النقدية مصابة بهشاشة عظام لأنها كانت تتغذى من الادعاء والشللية. ذاك الكتاب تجد فيه حماسة مثقف يحمل (مشرطاً) يجريه على جسد عدد من الرموز الذين اتخذ بعض جمهور الكتاب والقراء منها – من الرموز- أبقاراً مقدسة. ذاك كتاب طرح فيه كاتبه أسئلة كبيرة ومهمة مازالت تنتظر من يستخرج عروق الذهب من صخورها، بعيداً.. بعيداً عن الاجترار؟! أتحدث هنا عن الناقد عبد القدوس الخاتم الذي كان ضمير حركتنا الثقافية في السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وكان رحيله قبل أيام فاجعة لمن عاصروه ومن اطلعوا على كتاباته. عبد القدوس ناقد أصيل والنُّقاد قليل في بلدي، كانت ثلة ترى في نقده غلظة وحدة، ليس من باب التشفي إنما بحثاً عن المثال الأفضل في الأدب والنقد، هذا النسر النقدي كان في غربة امتدت لعقدين من الزمان، حيث آب إلى الوطن في العام 2006م، بيد أنه عاد مكسور جناح أو مهيضه، إذ أنهك جسده داء لعين ولم يستطع أن يحلق عالياً، كما فعلها من قبل في فضاء النقد الأدبي السوداني. عاد عبد القدوس وجيل مطلع الألفية الثالثة جاهل بتوهج موقده النقدي وربما وصلته نتف مما سارت به رُكبان مبدعي ونقاد السبعينيات من القرن العشرين من السودانيين. عبد القدوس حط رحله في أم درمان وهو الذي خرج يطلب كسب العيش بعد أن ضاق به وطنه ولفترة (20) عاماً، ووجد الناس مازالوا يرددون (يانا نحنا) على الرغم من أن (المحن) قد فرقتهم. عاد إلى الوطن ليجد الناس يعزي بعضهم بعضاً، عاد الرجل وهو في أشد المعاناة متلفعاً بالصبر وقد تفرق الأصدقاء والأوفياء.. فلا اتحاد كتاب ولا اتحاد أدباء ولا رابطة أدبية ولا جماعات وجمعيات ثقافية وقفت معه في محنته، وثالثة الأثافي، ويا لها من أثافٍ وأسى وأسف، أن مؤسسات الدولة الثقافية الرسمية تقاصرت عن الوقوف معه، وكان مثله وبقامته النقدية الفارعة يُحتفى بعودته، بل يُمنح (منحة تفرغ) ليخرج ما هو كامن فيه من درر الكتابة ولكن.. على عتبة باب الرحيل ليس لنا إلا أن نردد ما قاله أبو حنيفة عن أبي يوسف القاضي: “لئن أُصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير”. رحل عبد القدوس الخاتم القامة والقيمة النقدية والثقافية ولم يترك وراءه سوى كتابين يتيمين، أحدهما سبق الإشارة إليه والآخر (مراجعات في الثقافة السودانية) الذي صدر في العام 2012 بمؤازرة من مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، والشاعر الصحافي محمد نجيب محمد علي، وفي مقدمته رثا عبد القدوس مقالات له ضاعت وأخرى ضاع نصفها. الخاتم ناقد (جواهرجي) كشف من خلال بصر وبصيرة نقدية ما هو حقيقي وما هو مزيف في الإبداع.. ما هو عيار (21) والذي ليس له (عيار). هذا الناقد كان حظه فقط من التأليف لا يتناسب مع حضوره النقدي طوال نصف قرن من الزمان تقريباً، ولعله شبيه في ذلك بالدكتور عبد المنعم تليمة وأمين الخولي. هذا الإقلال أضر بصاحبه نقدياً، كما أضر بالمشهد الثقافي مؤخراً، وكان في أشد الحاجة إليه، ونتساءل: أين ما أنجزه عبد القدوس الخاتم في الغربة أم كانت الغربة كـ(الهدام) الذي التهم من ضفاف سنوات عمره بما فيها من عنفوان ونضوج فكري؟! لا بد أن يكون قد كتب في تلك الأعوام العشرين كتابات نشر بعضها هناك وبعضها مازال (مخطوطات)، وخاصة أنه عمل في غربته بمؤسسة كبرى تُعنى بالنشر. كيف نستعيد هذا الإرث الكتابي؟ أما مقالاته التي نُشرت ولم يعثر عليها صاحبها، فيمكن اقتفاء آثارها بدار الوثائق القومية، ونحن إذ نكتب عنه هذه الكلمة المقتضبة، إنما نكتب عن نبل وأصالة فارس في ثقافتنا السودانية، ويا للأسى.. لو سألت العم (غوغل) عن صور مغنين ومغنيات شباب من ذوي (العاهات الغنائية)، لظهرت لك العديد من صورهم، ولكنه (نعني غوغل) ضنّ علينا بصورة واحدة مكتملة الملامح لناقدنا الفذ عبد القدوس الخاتم. وهذا زمان مهازل غوغل.. فتأملوا. ألا رحم الله عبد القدوس الخاتم بقدر ما له من بالغ أثر في خارطة النقد في الوطن، وبقدر ما أضاء في مسيرته بلا تحيز شللي أو حزبي أو جهوي أو عقائدي.

نبيل غالي-اليوم التالي

أضف رد جديد