ما الذي كان، وما يزال، يجري داخل الحركة الشعبية - شمال؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مداخلة:




مستقلين .. شيوعيين .. الثنائية غير البناءة وأزمة المثقف السوداني

بقلم: كوكو موسى






إن المتابع من التقدميين واليساريين واللبراليين السودانيين لجزء كبير من النقاشات الدائرة في الأسافير هذه الأيام وفي الفترة السابقة لابد أن يكون قد أصيب بالإرهاق الفكري الغير خلاق الناتج عن المعركة الفكرية الدائرة حالياً بين الشيوعيين المخلصين للماركسية بشكلها الكلاسيكي وبين المستقلين المتعصبين لمنهج التحليل الثقافي وجدلية المركز والهامش، والمثقفين المتعاطفين مع كل من الفريقين هنا وهناك، ولكلٍ مبرارته وأدواته الفكرية التي تسوقه إلى نتيجة عقلانية لاغبار عليها. ولكن الغبار موجود! وإن لم يكن في الأدوات والنتائج، وهو كثيف يخنق الأنفاس، فهو يغطي حاملي الأدوات أنفسهم حتى لانكاد نتبيين وجوههم وماذا يرتدون. سنحاول هنا أن نوضح من أين أتى أصلاً هذا الغبار الذي يُعَفـﱢر أوجه وعيون الجميع فيجعلهم عمياناً وهم يحملون فؤوسهم ليحتطبوا ما يمكنهم من إشعال النور في معركة الإستنارة ليجدوا أن ما احتطبوه كان هو شعف منازلهم التي يحتمون تحتها، وأن هذا الشعف نفسه قد تم حرقه ليضيء الطريق للعدو.
أولاً وقبل كل شيء نريد أن نوضح أن الآراء والتحليلات الواردة هنا تندرج تحت طائلة الـ Nasty talk كما يقول فناني الراب Rap الأمريكيون (يستخدم الراب غالباً كأحد الأساليب لمعالجة القضاية الإجتماعية المؤلمة بطريقة صادمة من قبل الشرائح المضطهدة) ولهذا ستوفر على نفسك الكثير من العناء بعدم القراءة إذا كنت لا تحب حديث الجروح المفتوحة وتبكيتها، فسنحاول هنا أن نبكت هذه الجروح بإدعاء توافر النية الحسنة للمساهمة المتواضعة في معالجتها، وإيذاء الجرح أحياناً لا يعني أن المعالج يقصد الضرر.
طبعاً من المعروف أن السبب في إشعال هذه المعركة الفكرية هو إستقالة الفريق عبدالعزيز آدم الحلو في مارس الماضي من منصبه في الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، وما تبع ذلك من أحداث وتداعيات، فقد أصبح هذا من نافلة القول وحديثاً ممجوجاً، فلو نظرت لأي مقال أعلى هذا المقال بقليل أو أسفله في الصفحة الإلكترونية التي تقرؤها الآن ستجد مقالاً عن هذا الموضوع. ويعتقد الكثيرون أن الإستقالة كانت تكتيك سياسي شديد المكر من الفريق الحلو، رغم أن الجميع لم يسألوا أنفسهم لماذا لاقت إستقالته هذا التفاعل الغير مسبوق، هذا التفاعل مبرر بشيء واحد فقط وهو أنها قد لامست قضايا كانت تغلي عميقاً في نفوس قطاع كبير من (حركة الهامش) والمتعاطفين معهم، وحركة الهامش هذه (وتعرفون ماذا نقصد بالهامش!) والتي أصبح للكثير من المثقفين التقدميين بما فيهم أصدقاء الأمس القريب موقف واضح منها، حيث قد أدلى الجميع تقريباً بدلوهم، كانت من المحركات الرئيسة لهذه الإستقالة ولهذا فليس ما يهمنا ما إذا كان الحلو مكاراً فهذا شيء يخصه وضميره ولكن مايهمنا الحراك الناتج عن ما فعله. وكنقطة أخيرة في موضوع الإستقالة هذه فقد حاجج الكثيرون بأن من تآمرية الإستقالة أنه قد تم تقديمها إلى مجلس تحرير جبال النوبة وهو مجلس غير قومي لايمكن أن يكون مختصاً بقبول إستقالة نائب رئيس الحركة. وقطعاً هذا صحيح (ولايهمنا هنا التبريرات القانونية) ولكن مايغفل عنه البعض بأنه كيف سيقدم الحلو إستقالته لمجلس ورئاسة قومية ذكر هو نفسه في إستقالته أنه قد تم فقدان الثقة فيها مبدئياً وهذه أمانة في يده لايمكن أن يسلمها لمن لايثق فيه (ليس بالضرورة عدم ثقة شخصية) وكلنا يعلم من أين أتته هذه الأمانة فالمنصة التاريخية التي إنطلق منها نضال عبدالعزيز آدم الحلو داخل الحركة الشعبية هي منصة جبال النوبة وذلك لعدة مرات وليس مرة واحدة وليس بالضرورة أن تكون هذه ممارسة عنصرية، فلابد أن تكون هناك قاعدة ما Constituency للإنطلاق فالأشياء ليست مجردة تنطلق من الهواء كما يتخيل الكثيرون كما أنه ليس بالضرورة أن تنتمي عرقياً للقاعدة التي إنطلقت منها في مثل هذا السياق وإلا لكان الإنتخاب للبرلمانات مشروطاً بإنتماء عرقي للقاعدة الإنتخابية. ولهذا ففي ظل فقدان الثقة في المؤسسات القومية فلابد أن ترد الأمانة إلى أهلها الأولون وهي المنصة التي تم الإنطلاق منها وقد يبدو أيضاً أن هذا تراجعاً مؤسفاً للمشروع القومي. وهذا صحيح إلى حد بعيد أيضاً لمن ينظر للأمور من زاوية معينة. ولكن الخطأ هنا لا يمكن تحميله للمستوى القاعدي الذي تم رد الأمانة إليه. فالخطأ هنا يقع مباشرة على المستوى القومي (فالفشل هناك!) ففي جميع التنظيمات البشرية (سياسية، إقتصادية، إدارية... إلخ) لايمكن تحميل المسؤلية للمستويات الأدنى. وهنا رد الأمانة ليس مرتبطاً بقناعة المؤتمن الشخصية بحيثيات رد هذه الأمانة. ففي حالة الحلو مثلاً إذا ما أخذنا موضوع تقرير المصير كنموذج ليس بالضرورة أن يكون الحلو مقتنعاً به ولكن الإستقامة القيادية تحتم عليه ثلاثة أشياء لا ثالث لهما أولاً: في ظل مشروع السودان الجديد الوحدوي المتفق عليه فإنه لزاماً أن الحلو قد قام بمجهوداته قدر المستطاع لتوعية قواعده بتلافي هذا الخيار (رغم أنه ليس بالضروة أنه يعني الإنفصال لكن الخطر يظل كبيراً هنا). ثانياً: أنه قد فشل في هذا المجهود وأن القواعد مقتنعة بإدراج هذا الحق لأسباب عميقة ليس لديها علاقة بقدرات الحلو التوعوية، أسباب ألقينا عليها الضوء في مقالات سابقة، وسنحاول في هذا المقال كذلك. هنا تحتم الإستقامة والأمانة القيادية ودون إدخال الأجندة الشخصية أن يتم رفع هذا الخيار للمستوى القومي. ثالثاً: في حالة عدم تمكن الحلو من تنفيذ أي من الأمرين فلا يصبح أمامه إلا أن يتقدم بإستقالته لأنه في هكذا وضع أصبح ليس هنالك شيء ليقدمه وهذا ينطبق على المطالب الأخرى غير تقرير المصير، هكذا بكل بساطة!. وما ذكرناه من ممارسة في النقاط الثلاثة السابقة هو أمر غير متصور في العقلية السياسية السودانية والمرتفع الثقافي الذي تنحدر منه مما قاد إلى الفشل على المستوى القومي للحركة فقد كان لزاماً كذلك وبنفس الكيفية أن يقوم المستوى القومي بتوعية القواعد وإقناعها، ليس بالكلام القديم الذي لا يسمن ولايغني عن جوع، ولكن عن طريق تبني تحركات وإستراتيجيات وتكتيكات جديدة مقنعة. وفي حالة فشلها في هذا يجب عليها أن تقوم بتبني مطالب جميع القواعد من منطلق إنسانوي حقوقي بحت إذا كانت تدعي أنها حركة إنسانوية وليس تبني مطالب أغلبية متخيلة كانت أم حقيقية على حساب مطالب قواعد أخرى تعتبر أقليات أعياها النضال الوحدوي في نظرهم. ففقه الأقليات هذا هو ذاته الذي أدى إلى قيام الحركة الشعبية ومن قبلها حركة الأنيانيا وغيرها من الحركات المنتشرة الآن على أساس مناطقي وعرقي، وهذا نتاج منطقي لفشل التنظيمات السياسية السودانية يمينها ويسارها في جعل الصراع قومي تحس هذه القواعد إحساس حقيقي بقوميته.
وبما أننا إدعينا في المقدمة أعلاه بأن هناك غباراً، والذي ليس سوى سلوكيات ومفاهيم تمارس غالباً دون وعي كموروث ثقافي عتيق متجذر عميقاً، فسنحاول في ما يلي أن نلقي الضوء على بعض من هذه السلوكيات والمفاهيم التي تشوب تعاطي المثقفين السودانيين (بالضرورة أعني مثقفي اليسار وباقي التيارات اللبرالية) مع المشكل السوداني الأهم، وهو مشكل النزاع بين المركز والهامش، سواء رضي البعض بهذه التسمية أم لا، فلا بد أن نعطي لهذا المشكل إسماً لكي نسطيع أن نتحدث عنه، وقد رضي قطاع كبير من المثقفين السودانيين بهذا الإسم، وبالتالي أصبح هناك من يُعرفون بالمهمشين.
هؤلاء المهمشين، وفيهم القروي والحضري والمثقف ومتوسط المعرفة والجاهل والحكيم والأمي.. إلخ، لديهم زاوية للرؤية ينظرون بها للمثقفين المذكورين، ينتج عنها إنطباعات وأسئلة ربما تكون ساذجة، غبية، ذكية، عميقة، إنصرافية، أو خبيثة وربما شريرة! وهذا طبيعي. فبما أنهم بشر فبينهم جميع الصفات المذكورة. ولكن بما أنهم كذلك محل للفعل من قبل هؤلاء المثقفين، سواء كان فعلاً سياسياً أو ثقافياً، فمن حقهم أن يحصلوا على إجابات لكل الإسئلة التي تعتمل في صدورهم من المثقفين المعنيين. وبهذا فسنحاول أن نلقي الضوء ونخوض النقاش حول هذه الأسئلة والإنطباعات من وجهة نظر هذا المهمش. هذا المهمش الذي أنكر الكثيرون وجوده آيدلوجياً وقالوا أنه ليس سوى بوليتاريا ضل طريقه في الصراع الطبقي.
ولكي نسلط المزيد من التعريف على هذا المهمش، حتى لايكون هنالك خلط، فنحن نقصد به ذلك المهمش على أسس عرقية وثقافية ومناطقية. ذلك التهميش الذي أدى، ظاهرياً على الأقل، إلى إندلاع الحروب المستمرة منذ ما قبل الإستقلال إلى الآن. أما المثقف، المعني هنا، فهو مثقف المركز سواء إنتمى لهذا المركز عرقياً أو ثقافياً. والمركز نفسه، المعني هنا، هو المركز الذي يصدر منه التهميش تجاه الآخرين وهو مركز عربي مسلم ثقافياً، وليس بالضرورة عرقياً، ولهذا أصطلح عليه بالإسلاموعروبي. والعروبة تأخذ المرتبة الأولى في التراتيبية يليها الإسلام. ولكن هذا لايعني أن كل الأعراق تسرح وتمرح بحرية في هذا المركز بمجرد جهرها وتسليمها أنها عربية ومسلمة. فهناك معايير عرقية لا بد من التطابق معها أهمها اللون والشكل وللغة العربية كلغة أصلية واللكنة اللتي يتم بها تحدث هذه اللغة. فبالنسبة للون على قول الدكتور منصور خالد فلابد أن يكون هو اللون البُني الصحيح (وليس أي لون بُني) فهذ اللون في ثقافتنا يتدرج إلى أسفل غامقاً حتى يصبح أسوداً، فيقع صاحبه تحت طائلة (العب) ماراً بمرحلة (الفرِخ) واللذي هو أقل سواداً ويصعد إلى أعلى فاتحاً ماراً بمرحلة (الأصفراني) حتى يصبح أبيضاً فيقع صاحبه تحت طائلة (الحلبي) وليس حظه أكثر بكثير من حظ قرينه العب في الـ Equilibrium العرقي السوداني وإن كانت مساحة تحركه أفضل (الدكتور منصور خالد له وصف ممتع لموضوع العروبة الصحيحة في السودان في إحدى كتبه للأسف لا أذكر أي واحد بالضبط ولكن أعتقد أنه - السودان أهوال الحرب وطموحات السلام). كما أن هناك مجموعة ملامح معينة تدعم اللون فليس دائماً اللون البُني الصحيح يعني أنك عربياً وكذلك إذا تطابق اللون والملامح فقد تُسقط عنك اللغة واللكنة الحق العروبي. ولسبب ما لا ينطبق هذا على مجموعة القبائل النوبية (الدناقلة والمحس). وبالضرورة فإن هذا المركز هو مركز قابض على كل مناحي الحياة وليس السياسة فقط. والمثقف المقصود هو الذي يدعي إنعتاقه من ثقافة هذا المركز لصالح الثقافة الإنسانية المعاصرة..
هذا المثقف لديه سمات وسلوكيات ومفاهيم مشتركة حتى مع قرينه المثقف في أقصى اليمين، وبعضها بديهياً مشترك مع أقرانه من خارج المركز من مثقفي الهامش. ففي النهاية نحن جميعاً في العالم الثالث. وبالطبع هذا المثقف لم يأتي من الهواء فهو نتاج مؤسسات المركز. ومعروف في علم الإجتماع Sociology أن المؤسسة Institution وحدة إجتماعية، كالأسرة مثلاً، وهذه المؤسسات يمكن أن تكون رسمية وغير رسمية كالحكومة مثالاً للأولى والنظم الإجتماعية الصارمة شديدة التنظيم كالتراتيبية الطبقية أو العرقية أو السيطرة الذكورية الأبوية مثالاً للثانية. و المؤسسات الغير رسمية ذات قواعد ومعايير وتقاليد إجتماعية غير مكتوبة ولكنها تتبع بدقة ودون وعي حيث من تعريف المؤسسة أنها متجاوزة لوعي ومقاصد الأفراد. هذه المؤسسات نفسها تتكون من مؤسسات ووحدات إجتماعية أصغر منها (كالأسرة ثم الجيرة، الحي، المدينة، الدولة.. إلخ). وهذه المؤسسات تسلك سلوكاً ليس له علاقة بسلوك المؤسسات الأصغر المكونة لها. فكلما كبرت المؤسسة عكست سلوكاً يبتعد تماماً عن سلوك المؤسسات الصغرى المكونة لها وهو مايسمى علمياً بالـ Emergence وهي ظاهرة تنطبق على العلوم الطبيعية كذلك وهي ظاهرة مركزية في دراسة النظم المعقدة بما فيها ظاهرة الكائنات الحية العضوية (الحياة) ونشوئها من تفاعلات كيميائية. وهذا في حالة السودان مثلاً يفسر الذهول لدي الكثير من أفراد الهامش الذين عاشوا في المعاقل الجغرافية لثقافة المركز، خاصة لمن لم يعيشوا في القيتوهات (التجمعات السكنية لأهل الهامش)، بأن كيف يكون جيراني الطيبون والشهمين والنبيلون والمحترمين قبل كل هذا، يقومون بكل هذه الأفعال الشنيعة عندما يصل الأمر لمرحلة الدولة. وسوف نقفز فوق سمات هذه المؤسسات التي أنتجت المثقف الذي نتحدث عنه لضيق المساحة فقد يكون هذا في سانحة أخرى ونتحدث عن بعض سمات هذا المثقف نفسه.
من أهم هذه السمات هو تقديس المعرفة والشخصيات. وهذا ناتج عن التربية تحت مؤسسة الثقافة الدينية فتصبح هناك خانات جاهزة ليست صالحة للملء إلا مرة واحدة في كل مرة. فالشيوعي الملحد مثلاً فرغ هذه الخانات من القرآن والسنة والرسول ليحل محلها الماركسية والديلاكتيك وماركس، فيصبح هذا دينه الجديد بنفس درجة التعصب للدين القديم، ويصبح لا محل لمعارف جديدة إلا للإطلاع بغرض الرد على الخصوم الكفرة. وإذا كان ممكناً سيرد عليهم بالرصاص ليكفيه الله شر الإطلاع!! وبنفس الكيفية فإن المستقل إذا كان أنصارياً من قبل فسيفرغ خاناته من المذهب الأنصاري والصادق المهدي ليحل محلهما جدلية المركز والهامش ومنهج التحليل الثقافي وأبكر آدم إسماعيل ومحمد جلال هاشم وسيكون مستعداً لحمل نفس الحربة والكوكاب ليطعن بها مؤخرة كل شخص سيسجد لغير منهجه الجديد، وهكذا دواليك.
وبأثر لايقل عن الأثر السابق في التعامل مع المعارف والمفاهيم يأتي أثر مؤسسة التعليم الرسمي مسنوداً بقوة من مؤسسة الإعلام الرسمي والشعبي، حيث أن مؤسستي التعليم والإعلام هما الأداتان الخطيرتان لأي نقلة بشرية رئيسية في أي بلد أو حيز جغرافي بشري. وقد كرست هاتين المؤسستين لتعليم تلقيني صارم ذو توجهات معينة لامكان فيه للعقل الإنتقادي أو التأملي. وتصل الصرامة الآيدلوجية لهاتين المؤسستين في كثير من الحالات لتزوير الحقائق العلمية والبحثية بطريقة لا أخلاقية صارخة. وبالتأكيد فإن معظم المثقفين السودانيين لم ينجوا في تعليمهم وثقافتهم الأساسية من هذه المؤسسات، الأمر الذي أدى لشيوع ثقافة الأستاذ الملقن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه والكتاب المدرسي الذي من المستحيل أنه يحوي شيئاً غير الحقائق. فإنتقلت نفس هذه الممارسة إلى الأحزاب السودانية يمينها ويسارها بما فيها عقوبة الجلد (وقد شاهدت هذا بأم عيني). فيصبح هكذا مثقف من الصعب عليه أن يتصف بالمرونة الفكرية أو التسامح أو رؤية الأشياء من زوايا أخرى غير زاويته، ناهيك عن إنتقاد زاويته نفسها. فمعظم المثقفين السودانيين حصلوا على ثقافتهم عن طريق التوجيه من كادر أعلى في الرتبة الحزبية يوجههم لقراءة كتب أو الإطلاع على مادة معينة، بل وغالباً يتم تأليف كتيبات جاهزة في شكل ساندويتشات فكرية وثقافية للإطلاع السريع إختصاراً للزمن، فلا يعدو الأمر أن يكون تبديلاً للمدرسة بشكلها المعيب لدينا بالحزب. ولهذا يمكن أن نطلق على هكذا مثقف لقب المثقف المدرسي والذي بدل أن تكون المدرسة مدخلاً له للإنطلاق لآفاق العلم والمعرفة الحرة تكون هي محطته الأولى والأخيرة فلا ينفك من ربقتها إلا إلى اللحد.
كما أن هناك مفهوم التفوق العرقي المتجذر لا شعورياً لدي أعتى مدعي التحرر. وبما أن هناك دلائل واضحة تشير إلى هكذا تفوق، إلا أن له أسباب موضوعية نذكر بعضها هنا، أولها عامل اللغة. فالتفاعل في نواحي الحياة المختلفة للمركز بالنسبة للمهمش فإن اللغة تشكل عاملاً حاسماً يفوق تصور البعض. فمعروف أن اللغة هي حامل ثقافي، فلكي تبحر داخل ثقافة معينة وتتعامل داخلها بكل أريحية لابد أن تجيد لغتها بكل سكناتها ليتم التعامل معك كعضو كامل (أو شبه كامل)، وبالتالي تحصل على حصة كبيرة من الإمتيازات التي تمنحها الثقافة المعينة لأعضائها. فإجادة لغة (إنسان أمدرمان) مثلاً، وهي اللغة العربية الدارجة الرئيسية لثقافة الوسط والمركز، بطريقة صحيحة تضعك في مرتبة أعلى من الغير حتى لوكنت من الهامش وتمكنك من التواصل والتعامل بكفائة فلا تبدو غبياً. أما في النواحي الرسمية كالتعليم مثلاً، فإن اللغة العربية الفصحى مع لغة الوسط هما اللغة الرسمية للتعليم مما يُهيئ المسرح تماماً لتفوق إنسان المركز. أما في عهد التعليم باللغة الإنجليزية فلقد كانت الإنجليزية والعربية الفصحى ولغة الوسط هي لغة التعليم مما كان يضطر غالبية كبيرة من أهل الهامش خاصة الجنوبيين من إجادة لغتين غير لغتهم الأم وهو أمر مدهش وينم عن تفوق كما ذكر الدكتور منصور خالد من قبل (متعه الله بالصحة والعافية - نعيد ذكره لأنه علامة في دحض حجج المركز). وفي إعتقادي أن أكبر ضربة قامت بها الإنقاذ، ومن قبلها مايو، وقد تضرر منها الجميع هامشاً ومركزاً، هو تعريب التعليم وضعضعة مكانة اللغة الإنجليزية. فلو كانت ثورة الإنترنت قد أتت ووجدت التعليم كما كان أولاً، فصدقوني لاختلف المنظر كثيراً، فلن تصدقوا لأي درجة تشكل اللغة الإنجليزية حاجزاً للولوج إلى معارف ومفاهيم وثقافات أخرى. وذات صفوة المركز التي دمرت التعليم بشكله القديم تحرص تماماً أن ينال أبنائها تعليم إنجليزي رفيع المستوى داخل وخارج السودان؛ تعليم بعيد المنال عن الأغلبية، فلايصبح هناك مجالاً للمنافسة. وفي نفس سياق التفوق فإن إنسان المركز يملك شبكة إجتماعية فعالة منتشرة ومهيئة لإحتياجاته. كما أن الأوضاع الإقتصادية للمهمشين حيث مناط بهم أصلاً أن يكونوا قاعدة الهرم الإقتصادي في وسط ثقافة إقتصادية ريعية نهبوية للمركز (متسقة مع ثقافة مركزه الكبير هناك قديماً وحديثاً) تُدخل المهمشين في مايسمى بعقلية الندرة Scarcity mindset أو Scarcity tunnel وموضوع عقلية الندرة هذا نتاج مجهودات بحثية رائدة قام بها العالمان البروفسير Eldar Shafir من جامعة برينستون وزميله Sendhil من جامعة هارفرد قاما بتجميع مجهوداتهما في هذا الموضوع في كتاب يسمى (الندرة: لماذا الحصول على القليل جداً يعني الكثير) صدر في العام 2013م ، خلاصة أبحاثهما تتلخص في أن نفس الشخص يسجل معدلات ذكاء مختلفة طبقاً لحرمانه أو عدم حرمانه من شيء مهم لديه كالمال مثلاً. فبعد إجراء إختبارات مختلفة بعضها مصطنع وبعضها على أرض الواقع وفي أماكن مختلفة ولشرائح متنوعة ثبت أن الحرمان من المال أو الزمن مثالاً وليس حصراً أدى لإنخفاض معدلات الذكاء الـ IQ بمعدل عشرة درجات، وقد إتضح أن هذا الأمر يؤثر بصورة كبيرة في عملية إتخاذ القرارات لدي الفقراء حين ما يتعلق الأمر بإستراتيجيات الخروج من الفقر، حيث يتم التركيز على الحوائج اليومية (رزق اليوم باليوم)، كان من أهمية البحث أن تم تعيين أصحابه كمستشارين للرئيس الأمريكي السابق أوباما في مايتعلق بسياسات مكافحة الفقر. بالإضافة لما تم ذكره فإن الإرتباك الثقافي لإنسان الهامش الذي يأتي طازجاً إلى المركز قد تجعله يبدو مضحكاً لدي الكثيرين بنفس الكيفية التي يبدو بها إنسان المركز مضحكاً في الخليج حيث كل من عاش هناك يعرف أنه مادة ممتعة للتندر والضحك في التلفاز والشارع، وسيجد نفسه في نفس الوضع المربك في أوربا مثلاً ولكن دواعي الإحتشام الإنساني هناك تمنع من الضحك! ومما سبق ذكره يجب ألا يتخيل البعض أن المركز هو الخرطوم فقط فالمركز ينتقل بمؤسساته الرسمية والشعبية إلى الهامش نفسه ليهمش أفراده هناك وأحياناً عن طريق أفراد من الهامش نفسه معاد إنتاجهم بكفائة تثير الإعجاب في مؤسسات المركز.
ما سقناه من حديث في الفقرات السابقة يسلك بنا الدروب نحو بعض الأسئلة والإنطباعات والتي ذكرنا في المقدمة أننا سنتعرض لها من وجهة نظر المهمشين في الفقرات التالية.
هناك إنطباع بأن المثقف السوداني المعني يخجل من طبيعة الصراع المتخلِّفة ولهذا يصر على النقاء الصراعي الطبقي لهذا الصراع - إذا جاز التعبير - فالشواهد تقول أنه يريد أن يكون في مصاف واحد مع زميله الأوربي والآسيوي في القرن السابق والعربي الآن، وسابقاً أيضاً، فهو يربأ بنفسه عن طبيعة الصراعات في القارة الأفريقية ما تحت الصحراء وينكر إنه إمتداد لتلك الصراعات وكأني به يخوض حواراً مع زميله العربي والذي الصراع لديه متقدم أكثر منا فحواه (ويش لون هذا اللي تقولوه ويش هاي الخرابيط، صراع عرقي ومش عرقي، ما يصير هذا، يكفي فشلتونا قدام الربع) أو الشامي يقول له (ويش خَيو ما تِخجَلو، لك هيك يصير عندكو) أو حبيبنا المصري يقول له بعتاب (ليه كدة بس يابني، ما تؤلوش كدة عيب يابني، دي حاجات تعر مصر). ووضعنا هذا والذي هو كالرقراق (الرقراق في الدارجة السودانية هو ظل الشجر الذي تتخلله أشعة الشمس الحارقة) وعدم ثقتنا الثقافية هو في رأيي الذي أقعد بنا من أن نقدم شخصيات كتلك التي قدمتها دول أفريقية كنا أكبر منها حجماً في جميع النواحي كسنغور، نيريري، لومومبا، كينياتا، نكروما، وغيرهم، وكذلك الحبيب بورقيبة أو جمال عبدالناصر في شمال أفريقيا. رغم أنه إبان إستقلالنا كانت كل الأمم الأفريقية تتطلع إلينا كما قال المفكر الكيني الكبير علي مزروعي. وكانت القارة تعتقد أننا سنكون مارداً واقفاً حطم أغلاله ولن يوقفه شيء ولكننا أصرينا أن نحبو والأغلال في أعناقنا في إتجاه نعلمه جميعاً رغم أنه كان مقدراً لنا أن نكون أكبر بكثير مِن مَن حبونا نحوهم. كما أنه ليس بالضرورة أن تقع الصراعات ذات الخلفية الثقافية والعرقية فقط في دول شديدة التخلف مثل السودان فغالبية الصراعات التي أدت لتقسيم الدول هي من هذا النوع (مثال الهند وباكستان والإتحاد السوفيتي نفسه ويوغسلافيا السابقة وإرتريا وإثيوبيا والإستفتاءات الدورية التي تقوم في عدد من الدول المتقدمة وقبلها حركة الحقوق المدنية الأمريكية). ولهذا ففي الواقع على الأرض ليست كل الصراعات طبقية فالصراعات الطبقية غالباً لا تؤدي لتقسيم الدول. أما في حالتنا ليس كل المهمشين بوليتاريا وإن كانت هناك حدود وسقوفات توضع في عملية إحتياز الثروة. ولكن من لم يتم تهميشه في المال ووسائل الإنتاج سوف يتم تهميشه في نواحي أخرى كثيرة لا داعي لذكرها هنا. وبالتالي فهناك برجوازية وبوليتاريا في الجهتين ليست بالضرورة متحالفتين وكل في جهته يمارس نفس الممارسات التقليدية لكل طبقة. ورغم ذلك البرجوازية والبوليتاريا لكل جهة تصطف سوياً لتقاتل نفس التشكيل في الجهة المقابلة وهذا أمر نعيشه ونعرفه جميعاً. ونموذج الزغاوة وإن تم ذكره بكثرة ليس ببعيد فهي مجموعات تقريباً كلها ثائرة بأغلبية يجب أن تثير الريبة لمن لا يريدون أن يروا مايحدث على الأرض رغم أنها تُوصف دائماً بأنها من أغنى قبائل السودان، ولكنهم كلما إزدادوا غنى إكتشفوا أن البلد ليس معنياً بغناهم هذا وأن القواعد سارية كمسيرة الجمل والكلاب تنبح في مسيرة إستفزازية لم يصلح معها غير حمل السلاح. وما نتحدث عنه شديد الوضوح ولا يحتاج للكلام أصلاً. وهذا ما يفسر السخط الشديد من وجهة نظر الهامش تجاه كتابات مثقفين يُعتَز بهم جداً فتبدو لهم هذه الكتابات مع محاولات لي العنق الآيدلوجي كمن ينطح رأسه في الحائط بعناد وبطريقة مؤذية لصاحب هذا العناد أكثر من أي جهة أخرى. فيصبح الأمر كأن هناك مريضاً يحس بألم مضني في جانبه الأيسر بينما يصر عليه الطبيب بأن الألم في جانبه الأيمن، بل ويقرر بأنه سيفتح له هذا الجانب ليرى ما بداخله. وعند فرار المريض من المستشفى لينجو يطارده الطبيب إلى البيت ليقول له بأنك لم تحترمني فأنا طبيب كبير مختص في الجانب الأيمن ولا أستطيع أن أرى الجانب الأيسر!! وهذا في رأيي أمر مستفز للغاية وقد حدث مؤخراً حتى من كاتب كبير نكن له إحتراماً عميقاً كالدكتور حيدر إبراهيم، حيث أصدر مقالاً أدى لتراشق مؤسف جعله يصدر مقالاً ثانياً أقل توازناً من الأول ثم مقال ثالث إستشهد فيه بنظرية موت المؤلف في الأدب حيث يتم التعامل مع النص فقط. وأخشى أن يكون الدكتور قد مات فعلاً لدي قرائه من الهامش (قد أصبت أنا شخصياً كاتب هذه السطور بالإحباط من هكذا مقالات تصدر من هكذا قامة فقد كان هذا أمراً بعيد التصور، فأنا نفسي نتاج مؤسسات المركز أقدس الشخصيات!!). وقد جره هذا إلى مخاشنة جانبية مع الطيب مصطفى الذي حاول الترمم على الخلافات الأيدلوجية للإخوة في الإستنارة .. حقيقي ودون مهاترات لا تليق هذا الشخص ’’الطيب مصطفىʽʽ يذكرني بالضبع!
هل هناك مواثيق غير مكتوبة يتفق فيها المثقف المعني الذي يدعي الإنعتاق من ثقافة المركز (نعني الإنعتاق من الجوانب الثقافية الرجعية طبعاً) مع نفس هذا المركز. لقد كان للدكتور لام أكول أجاوين - نقتبس منه هنا رغم عدم شعبيته هو والدكتور رياك مشار لدي الهامش المحسوب للشمال لأسباب معروفة منذ نضال ما قبل إستقلال الجنوب وهي أسباب سارية حتى الآن. Strategic conflict - فالدكتور لام أكول في كتابه (الثورة الشعبية لتحرير السودان ـ ثورة أفريقية) تلميحات عن المواقف الغير إيجابية للقوى اليسارية وخصوصاً الحزب الشيوعي تجاه الحركة الشعبية الأم إبان إنضمامه إليها في الثمانينات رغم رفعها لشعارات ماركسية قحة في ذلك الوقت. وللذين لا يعرفون تاريخ الرجل بالمناسبة فقد كان نجماً سياسياً يسارياً معروفاً في الشمال قبل إنضمامه للحركة الشعبية رسمياً في العام 1986م بعد فترة من العمل السري، ومعروف عنه أنه شخص متوقد الذكاء ولهذا لا يمكن أن تكون ملاحظاته سطحية، وإحدى هذه الملاحظات والتي سنقوم بإيرادها هنا كانت في سياق فترة إنتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت بالنميري وهو يتحدث عن التجمع الوطني لإنقاذ البلاد والذي حوى كل القوى اليسارية وعن المجلس العسكري الإنتقالي. ونورد هنا الإقتباس حرفياً دون أي تدخل أو تعديل كما ورد في الصفحة رقم 289 من كتابه وهو كما يلي:- ’’رفض الجيش الشعبي لتحرير السودان التفاوض مع الجنرالات في الوقت الذي إعتبر نفسه حليفاً للتجمع. ولكن مهما تكن الفوارق بين المجموعتين إلا أنهم متفقون على موضوع سياسي رئيسي ولهم فيه فهم موحد ألا هو أن الجيش السوداني هو رمز الوحدة الوطنية وأنهم سوف لن يسمحوا بتدميره أو هزيمته. بكلمات أخرى فأن أي تعاون بين التجمع الوطني لإنقاذ البلاد مع الجيش الشعبي لتحرير السودان لابد أن يستبعد أي إنتصار حاسم للجيش الشعبي في ميدان المعركة على الجيش السوداني. قلة من الشماليين السودانيين يمكنهم المناقشة علناً عن قسوة ومجازر الجيش في الجنوب أو حتى الشك في مصداقية البيانات التي تصدر من الجيش عن الحرب. هذا ميثاق غير مكتوب يوحد شمال السودان. أدرك العقيد جون قرنق هذه الحقيقة بالطريقة الصعبة عند إستيلاء الجيش الشعبي على الكرمك في عام 1987م. حينها قامت الحكومة بإطلاق تصريحات من شأنها تأجيج الحرب وإثارة المشاعر العدوانية في الشمال، وتم مناشدة الجميع للمساعدة في الدفاع عن البلاد من «العدوان». بعد ذلك جمعت التبرعات المالية والمادية للمساهمة في تحرير الكرمك من دنس المتمردين. من ضمن الذين تم عرضهم بطريقة ملفتة في وسائل الإعلام السودانية وهم يقدمون التبرعات لهدف التطهير هذا كان السيد محمد إبراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي يحيط به رفيقاه الآخران واللذين كانا عضوين في الجمعية التأسيسية.ʽʽ إنتهى الإقتباس. وفي إقتباس آخر من الصفحة التالية ، صفحة 290 في نفس الموضوع : ’’لقد ظل الجيش على الدوام موالياً للحكومة الموجودة في السلطة، وهذا الأمر ليس مثار دهشة خاصة إذا علمنا أن سجله الوحيد في المعارك كان ومازال في الحقيقة هو الحرب في الجنوب فقط (أنسى عن الرحلات القصيرة إلى مصر والعراق)، وهو موضوع قلما يختلف عليه الشماليون.ʽʽ إنتهى الإقتباس. ما الذي يجعل الدكتور لامكول يحمل إنطباعاً كهذا؟ وهناك شائعات قوية بأن عدم وقوف القوى السياسية السودانية المختلفة مع هبة سبتمبر المفاجئة من العام 2013م حيث تخطى الشارع السوداني الأحزاب المتكلسة التي أخذتها الهبة هي والحكومة على حين غرة كان تواطئاً غير رسمي مع النظام مخافة الإنهيار التام الغير مسيطر عليه من قبل القوى السياسية المعارضة مما قد يؤدي إلى أن يملأ هذا الفراغ قوى الهامش وحركاته المسلحة. تم خذلان صبية وشباب وفتيات في عمر الزهور قدموا أرواحهم بالمئات رخيصة للإنتصار لكرامتهم وكانت صبيات المدارس تهتف في الجمهور الذي أنهكته الإنقاذ (شعب جعان لاكنو جبان). لقد لقن الشباب السوداني الغض ديناصورات الأحزاب درساً في الإقدام والتضحية لن ينسوه وسيظل وصمة عار في جبينهم أبد الدهر.
لماذا لا يطابق الشيوعي واليساري السوداني المخيلة التي في رؤوسنا منذ الصبا عن الشيوعي الأمثل من واقع ثورات التحرر العالمية والأفريقية وتورطه الكثيف في ثورات الريف بغض النظر عن إنتمائه لها عرقياً وإثنياً مع أن هناك نماذج طيبة مشرفة في السودان - لكنها لا تنم عن توجه يساري عام - رغم أن السودان من أكثر الدول بل أجدرها بأن ينطبق عليه هذا النوع من النضال، وبالطبع ليس مطالب من كل شيوعي أن يكون هكذا، فكلٌ حسب مقدرته وإمكانياته وظروفه. لكن الآية معكوسة في السودان مع عدم القول بأنه ليس هناك مجهودات في الريف ولكنها أيضاً ليست توجهاً عاماً فالمهمش بالشكل الذي عرفناه به عندما يأتي إلى المدن التي بها شكل الإنتاج الحديث يتم التسابق عليه من قبل القوى اليسارية ليصبح رصيداً بوليتارياً يتم التفاخر به. ولكن ذات المهمش عندما يتم قصفه وحرقه وسحله في مناطقه التي يأتي منها يتم إتهامه بأنه قد تورط في صراع عنصري متخلف مخجل لايجوز! وبالتالي لدي الكثيرين، حتى من اليسار، فهو يستحق مايحل به (وماعندنا ليك أي حاجة)، ورغم أن القليل من الإطلاع على أسس علم الإجتماع توضح أن ما يحدث من ثورات بالطريقة التي لا يحبها اليساريون السودانيين أمر لا مفر منه، ورغم أنه يفترض أن الأحزاب اليسارية أحزاب راديكالية في معتقداتها وقد جاءتها الراديكالية على طبق من ذهب. إلا أن سلوكها تجاه هذه الثورات غير متسق ومعتقداتها حتى لو إفترضنا أنها قد أسقطت العنف الثوري من أدبياتها. وهذا يقودنا إلى سؤال آخر وهو هل الأحزاب اليسارية في السودان غير راديكالية (نعني بالراديكالية هنا الإيمان بالتغيير الجذري عن طريق العنف الثوري) على غرار الأحزاب الشيوعية في أوربا الآن، وهل يصح هذا في مثل ظروفنا؟ بالتأكيد إن معظم أحزابنا اليسارية راديكالية والشواهد على ذلك كثيرة ولكنها مزدوجة المعايير فهي تدعي أنها غير راديكالية عندما يتعلق الأمر بثورات الهامش ولكن في حالة الإستيلاء على السلطة بالإنقلابات العسكرية في الشمال فهي راديكالية، وأكثرها إدعاءاً للوداعة وهجوماً على ثورة الهامش، كالبعث مثلاً، أكثرها تعطشاً لإحتياز السلطة راديكالياً إذا وجدت الفرصة. ولهذا فإن ثورات الهامش بالنسبة لهم ليست أكثر من نهر يجب توجيه مجراه ليروي قطنهم الذي سيغزلون به ثورة أحلامهم. وبالنسبة للمهمشين فهذه القوى ليست سوى الوجه الآخر للعملة إذا إفترضنا أن الوجه الأول هو جانب القوى اليمينية وهي عملة إستنفذها التضخم.
هل عدم الإتفاق الأيدلوجي الشكلي (واضح أن الإختلاف ليس جوهرياً) هو سبب التعاطي السلبي للتقدميين السودانيين مع الثورات التي إنطلقت من الهامش ناهيك عن الإنخراط الكلي فيها. فإذا إفترضنا أن كل الذي يقوله من يرون بوضوح أن هناك هامش ومركز بأن هناك خطاً تقع النقطة (ج) في آخره و (ب) في منتصفه و (أ) في بدايته وهدف الجميع الوصول إلى النقطة (ج) ويصر من لايؤمنون بوجود هامش ومركز بأن السباق يبدأ من النقطة (ب) بينما أصحاب الهامش والمركز يقولون لهم - لسع ياخونا فيكم الخير أرجعو ورا شوية السباق ده بادي من النقطة (أ) ولسع ما إتقدم للنقطة (ب) - والجميع واقفون في لا نقطة ولا يستطيعون التقدم لأي نقطة! منخرطين بحماس في حوار (تعال لي قدام وأرجع لي ورا) في حين أن النقطة (ج) واضحة للجميع فلماذا لا يتغاضى الجميع عن نقاطهم ويوحدوا جهودهم توحيداً حقيقياً نحو النقطة المرجوة. أم أن أصحاب النقطة (ب) ينتظرون كما في سباق التتابع أن يصلهم أصحاب النقطة (أ) وهم أهل الهامش ليسلموهم العصا أياها ليواصلوا هم الطريق إلى النقطة (ج)؟ في هذه الحالة أخشى أن لا يجدوا هذه النقطة في نهاية الخط وأن يجدوا خطاً ممتداً إلى ما لا نهاية.
نكتفي بهذا القدر من الأسئلة والإنطباعات مما يقودنا إلى النقطة الأخيرة وهي التبعات التي تترتب على ما ذكرناه عن هذا المثقف وأهمها فقدان الثقة الواسع في هذا المثقف من قبل الهامش والتي قد تؤدي إلى شرخ في الوجدان القومي السوداني قد لا يمكن لملمته بسهولة، وسيؤدي إلى ضياع مشروع هذا المثقف نفسه، وربما إستيقاظه متأخراً جداً، وليس هناك هامش عرقي يتأفف من شكل الصراع معه، فيجد نفسه مهمشاً هو ومعه هامش عرقي آخر جديد (الجزيرة أو النيل الأبيض مثلاً)، ونجده يكرر نفس المسرحية (ياخوانا عيب ماتقولوا كدة ده صراع طبقي ياخونا). لو كان صراعاً طبقياً فقط في جوهره لكان قد أدى لثورة رأسية (لا نعني الإنتفاضات على غرار أكتوبر و أبريل) وليس الثورات الأفقية التي إشتعلت مناطقياً وعرقياً في بداياتها على الأقل، ونأمل أن تجر معها باقي الفئات الواعية بغض النظر عن أعراقها ومناطقها والجارية منذ ما قبل الإستقلال وحتى الآن.
وإخيراً إسمحو لي أن أتحدث في ملحق صغير عن فزاعة الجنوب. فقد درج الجميع في اليسار واليمين على تخويف تململ الهامش الذي يتخذ مسارات قد تهدد الوحدة الوطنية بشكلها الحالي بفزاعة الجنوب وما آل إليه. والصراع في الجنوب ليس إثنياً مؤدلجاً ويأخذ طابع التوترات العرقية التقليدي في القارة الأفريقية والذي ينتهي غالباً بتبني ’’الثقافة الغربيةʽʽ وقيمها ولو جزئياً مباشرة دون عوائق أيدلوجية، وهو أمر حدث في معظم الدول الأفريقية، مما أدى لتجاوز الكثير منها لعقبات كبيرة في فترة وجيزة، وسجلت نماذج أثارت إعجاب جميع المراقبين. قد يعتقد البعض بأننا نلمح تلميحاً خبيثاً هنا، وهذا ليس تلميحاً، بل المقصود تماماً ما في مخيلتك! وهو أن الثقافة البدوية العربية الإسلامية ستعوق أي محاولات جادة للتقدم والنهضة. وحتى لا يُجن البعض فلا يعنينا هنا الإسلام والثقافة العربية بفهمها المجرد (مفاهيم وقيم العدل والتسامح والتكافل والإيثار.. إلخ)؛ ولكننا نقصد الثقافة المعروفة المطبقة على أرض الواقع عبر التاريخ منذ فجر دولة بني أمية إلى الآن. فالثقافة العربية هي ثقافة بشرية بها عيوب جوهرية مثلها ومثل أي ثقافة بشرية أخرى وقد أثرت هذه الثقافة في الممارسة الإسلامية على أرض الواقع عبر التاريخ وصولاً إلى ما نعيشه الآن في السودان كمثال فقط على الأرض في سياقنا هذا ومن إفرازاته أزمة الجنوب الحالية نفسها. فإذا لم تحدث مراجعات فكرية عميقة لهذه الثقافة فستظل سبباً للنزاع الأبدي في أي مكان حلت فيه. وعدم وجود آلية لفض أو تخفيف النزاعات متجذرة في الثقافة العربية ولكي لا يصدعنا البعض فلهم الإطلاع على كتابات الدكتور محمد عابد الجابري ومحاولته الرائدة في تحليل الثقافة العربية كبداية للمساهمة في مشروع نهضوي جديد لهذه الثقافة.
وفي الختام ففي سعينا لإيجاد الحكمة يجب أن نعي بأنه لا توجد حكمة واحدة تأخذ بناصية الحقيقة وأن هناك عدة أوجه لهذه الحقيقة تحتمل الماركسية وتحتمل منهج التحليل الثقافي وغيرها. فالحكمة تُؤخذ حتى ولو كانت من الشيطان (حكمة الإرادة الحرة)؛ فحتى الله لم يقمط الشيطان أن يكون حر الإرادة!! ولهذا لابد من محاولة إيجاد مقاربة جديدة للصراع تصطحب معها الجوانب الثقافية المتخلفة للنزاع وصولاً لنقطة الصراع الطبقي البحت. وسيكون هذا إنجازاً ضخماً يعني أننا قد نجحنا في خلق مجتمع قومي متماسك أصبح الصراع فيه حداثوياً يمكن أن يفتخر به المثقف السوداني! وبهذا تبقى لنا سؤال واحد وهو هل سيأتي اليوم الذي سيتكون فيه تيم الأحلام من الشيوعيين والمستقلين والقوى المستنيرة الأخرى ليعودوا بكأس دوري النور والظلام في هذه الرقعة من الكرة الأرضية التي تسمى بالسودان.. أم سنكتفي كلنا بكأس مانديلا؟!!


[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:





الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان-شمال ..تقويم المسار من الاتجاه الضار

(1 من 2)

بقلم: د. عمر مصطفى شركيان






في البدء كانت الاستقالة

في آذار (مارس) 2017م تقدَّم القائد عبد العزيز آدم الحلو باستقالة إلى مجلس التحرير الإقليمي في جبال النُّوبة – تناولت فيما تناولت – تغييب المؤسَّسيَّة، وغشاوة القرارات المصيريَّة، وفقدان المصداقيَّة، وعدم الرجوع إلى القاعدة والتفاوض باسمها، والقبول بسقف دنيا في هذا التفاوض. إذ أنَّ ما جاء في الاستقالة إيَّاها يعتبر من العناصر العضويَّة في أي تنظيم سياسي يهدف إلى بناء الهيكل التنظيمي والحراك السياسي والكفاح المسلَّح، وكذلك يسعى إلى تحديد أهداف التنظيم السياسيَّة ووسائل تحقيقها. وحين ظهرت الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في أيار (مايو) 1983م أخرجت للشَّعب السُّوداني المنيفستو وأذاعته في النَّاس، وذلك بعد شهرين فقط، أي في 31 تموز (يوليو)، حيث حدَّدت فيه الجذور التأريخيَّة للمسألة السُّودانيَّة، وجذور حركات التحرير في المناطق المتخلِّفة في السُّودان، وتكلَّمت عن الأنيايا، واتفاقيَّة أديس أبابا للسَّلام، والتفكيك والخرق السياسي لاتفاقيَّة أديس أبابا والأزمة السياسيَّة اللاحقة، والتفكيك والخرق العسكري لاتفاقيَّة أديس أبابا والأزمة العسكريَّة التي تلت، وتأسيس وأهداف الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، وإستراتيجيَّة تحويل وتوجيه الحركة الجنوبيَّة، ثمَّ أشارت الحركة في المنيفستو إيَّاه إلى الأعداء والأصدقاء الحقيقيين والمحتملين للحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان. وبعدئذٍ ختمت الحركة المنيفستو بالخلاصة وتطلُّعات المستقبل. وقد أقدم كل من القائد عبد العزيز آدم الحلو والدكتور أحمد عبد الرحمن سعيد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002م على ترجمة المنيفستو من الإنكليزيَّة إلى العربيَّة، واستهلا الترجمة العربيَّة بتقديم حتى تعم الفائدة، وبخاصة للذين لا يقرأون اللغة الإنكليزيَّة.
وفي مؤتمر الحركة الشعبيَّة التي انعقدت في شقدوم في 12 أذار (مارس) – نيسان (أبريل) 1994م برئاسة القائد يوسف كوة مكي تمَّ تطوير وسائل النِّضال لتشمل حق تقرير المصير لكل شعوب السُّودان الجديد المضطَّهَدة بعد تدمير السُّودان القديم، أو في أيَّة مفاوضات السَّلام مع حكومة الأمر الواقع في الخرطوم. ولتحقيق أهداف الحركة الشعبيَّة ذهب المؤتمر إيَّاه في تحديد وسائل النِّضال لتشمل الانتفاضة الشعبيَّة المسلَّحة كما كانت تقوم بها الحركة الشعبيَّة، ولا تزال، والانتفاضة الشعبيَّة بالتلاحم مع النِّضال المسلَّح والالتقاء بقوى المعارضة السُّودانيَّة الأخرى، والمفاوضات السلميَّة مع حكومة الأمر الواقع في الخرطوم تحت رعاية الوساطة الإقليميَّة والدوليَّة، والوسائل الديبلوماسيَّة بمساعدة وتنسيق مع القوى العالميَّة التي تناضل من أجل العدالة والسَّلام والدِّيمقراطيَّة وحقوق الإنسان، وفي سبيل الإنسانيَّة المشتركة، وأيَّة وسائل أخرى.
إزاء ذلك تحدَّثت استقالة الحلو عن الأولويات والضروريات وهي المنيفستو قبل الدستور، وتفعيل العمل الإعلامي، والاستعانة بالكوادر المؤهَّلة من أعضاء الحركة الشعبيَّة لتفعيل العمل في المكاتب الخارجيَّة. ومع ذلك، لم تغفل الاستقالة عن التطرُّق إلى الإرث التأريخي النِّضالي لشعب النُّوبة، وكيف استطاعوا بفضل بسالتهم وحنكتهم في الحفاظ على أنفسهم ككيان برغم من الظروف العصيبة التي مرَّت عليهم وألمَّت بهم، والفواجع التي وقعت عليهم من قبل الاستعمار وأعوانه.
على أيَّة حال، ففي بواكير نشوب الأزمة في قيادة الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان-شمال بعثنا – نحن ممثلي الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان-شمال في أوروبا – برسالة توسُّليَّة إلى أعضاء المجلس القيادي نحثَّهم فيها على احتواء المشكل بصورة جذريَّة لا استرضائيَّة، وذلك قبل أن يبلغ السَّيل الزُّبى وتصل القلوب الحناجر، ولكن لم نسمع منهم رداً، إلا من القائد عبد العزيز آدم الحلو. لم نكن بمندهشين حين لم نجد استجابة من الرئيس السَّابق ولا الأمين العام السَّابق، وبخاصة إذا كانا في الماضي وفي الحين نفسه لا يعيران آراء ومواقف نائب رئيس الحركة أي اعتبار؛ إذاً، فكيف يمكن أن يلتفتا إلى غيره. وقد تحادثنا مع أفراد من قيادة الحركة، وبذلنا ما وسعنا من الجهد لتدارك الموقف، ولكن دون جدوى.
وكذلك أسدى بعض أعضاء الحركة في الخرطوم نصائحاً لرئيس الحركة السَّابق عبر الصحف العامة، ولا نشك أدنى شك في أنَّه قد سمعها، أو قرأها، أو رآها. ونحن نخص بالذكر هنا النصيحة الثمينة التي قدَّمها القيادي بالحركة الشعبيَّة الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى بأنَّ على القائد مالك عقار أن يختار إما جبال النُّوبة وهي عماد الحركة الشعبيَّة، أو الانحياز إلى الأمين العام ياسر عرمان، واختار عقار الأخير وكان خياره هذا هو الطامة الكبرى، لأنَّه فضَّل أن يختار الجزء على الكل.
وقد أقرَّ الرَّفيقان عقار وعرمان بأنَّ استقالة الرفيق الحلو، التي دفع بها إلى مجلس التحرير الإقليمي في جبال النُّوبة، هي الثالثة من نوعها. إذاً، ما الذي كان مطلوباً في هذا الأمر؟ إنَّ التَّعامل مع استقالة القائد الحلو – شفاهة كانت أم كتابة – بالطريقة الاسترضائيَّة، التي تعني دفن الرؤوس في الرِّمال، والتي لئن اعتبرناها كانت بمثابة هفوة، وتعاملها مع الثانية دون التوغُّل في أعماق المشكل وحله حلاً جذريَّاً كان خطأً فادحاً. غير أنَّ تعاطيهم مع الاستقالة الثالثة كانت خطيئة مستعظمة كما سنبين بعد حين، والخطيئة على وزن فعيلة بصيغتها في المبالغة كانت مبالغة في التجاهل أو التحايل الذي تمَّ به التَّعامل مع الاستقالة الأخيرة، وذلك بالطريقة التي شهدناها إيَّاها، تجاهلاً لنائب الرئيس ومحاولة العبور إلى الشاطئ الآخر دون القبطان الرئيس في السفينة، حتى تمَّ أهدار الزمن الثمين، والمهلة المعطاة لحل الأزمة، مما اضطرَّ المجلسان الإقليميان الاضطرار كله إلى إصدار قرارات أخرى، وذلك بعد انتهاء المهلة المسموحة بها.
ومع ذلك، طفق رئيس الحركة يومئذٍ يتعلَّل بأسباب فنيَّة واهية بأنَّ الاستقالة لم تُقدَّم إلى المجلس القيادي، مع علمه مسبقاً بأنَّ ذلكم المجلس القيادي كان ناقصاً لم يكتمل نصابه بعد، حيث ظلَّت هناك ثمة مقاعد شاغرة منذ أمد مديد. وبما أنَّ مجلس التحرير الإقليمي في جبال النُّوبة – وكأعلى سلطة سياسيَّة في الإقليم في غياب مؤتمر الإقليم – من تأسيس القيادة نفسها، وهي بمثابة برلمان التحرير فهو، إذاً، مؤسسة تشريعيَّة وعلى رأسها الآن قاضي أُحيط علماً بفقه القانون الدستوري، وقد فسَّر المدَّعى العام لإقليم جبال النُّوبة (جنوب كردفان) – مولانا متوكِّل عثمان سلامات - دستوريَّة هذه القرارات في لقاء صحافي أجراه معه الصحافي يعقوب سليمان. غير أنَّ الحديث عن شرعيَّة القيادة السابقة بعد الذي جرى حديث يجافي الحقيقة، لأنَّ الشرعيَّة تأتي من الشَّعب أو من ممثلي الشَّعب وفقاً لأحكام الدستور، ولا تأتي من تكليف قيادي من الحركة الشعبيَّة الأم قبيل فك الارتباط العام 2011م، حيث تجاوزته الأحداث، وإنَّ ذلكم التكليف كان إلى حين انعقاد المؤتمر العام، ولكن لم يتم قيام المؤتمر إيَّاه لأسباب سوف نتطرَّق إليها في حينها، ولم يكن بمقدور النَّاس انتظار انعقاد هذا المؤتمر إلى الأبد. لذلك جاءت قرارات المجلس دستوريَّة، بل وثوريَّة لأنَّها لقيت استحساناً واسترضاءً وتأييداً من أهل السُّودان قاطبة، وفي ذلك استثناء لفئة قليلة من الذين يؤثرون العوراء على العيناء، ويسلكون مسالك الهلاك. ولكن لسنا بمندهشين، فالأقدار في بعض الأحايين تضع بعض النَّاس في مواقع ساخرة حين يسخر لهم القدر، ويلتبس عندهم الأمر. فعلى المرء أن يفعل دوماً ما هو صواب، وأن لا يُقبل على ما يمكن أن يكون حسناً في نظر الآخرين، فإنَّ ذلك ليدخل في فصل النِّفاق والرِّياء.
والشيء الذي فات على بعض الناس هو أنَّ القائد الحلو ممثل لشعب إقليم جبال النُّوبة أولاً، وثانياً لجماهير الحركة الشعبيَّة في السُّودان وخارجه قبل أن يكون ممثِّلاً للمجلس القيادي. ثالثاً، إنَّ الحلو حينما ألقى باستقالته المسبَّبة إلى مجلس التحرير الإقليمي في جبال النُّوبة وهو جسم تشريعي أراد أن يأخذ هذا الإجراء منحىً تشريعيَّاً دستوريَّاً بحيث يقرِّر أعضاء مجلس التحرير الإقليمي ماذا هم بها فاعلون، ومن ثمَّ اتِّخاذ الإجراءات التصويبيَّة الكفيلة بإنقاذ سفينة التحرير من الغرق المحتوم، أو المرسوم له لو لم تتدارك النَّاس الأمور قبل فوات الأوان. وكانت هذه القضايا الجوهريَّة هي هيكليَّة التنظيم، وأولويات التفاوض الإنساني والسياسي والأمني، وحق تقرير المصير كسقف أعلى للتفاوض ولا التنازل منه.
أما فيما يختص بمقترح تنازل القادة الثلاثة عن مواقعهم في قيادة الحركة، فقد قدَّم القائد الحلو أنموذجاً في هذا الشأن بتقديم استقالته ليست مرة، بل ثلاث مرات. وأعضاء مجلس تحرير جبال النُّوبة رفضوا استقالته، وجدَّدوا فيه الثقة ليكون قائداً لهم؛ لأنهم أحسوا بأنَّه ظلَّ يعبِّر عن قضاياهم بشكل حقيقي وصادق. فالشَّعب في الإقليمين والجيش الشَّعبي – ضباطاً وصف ضباط وجنوداً – وجماهير الحركة حتى في مناطق سيطرة الحكومة ودول ما وراء البحار هم الذين أعادوه إلى سدة القيادة، لأنَّهم لم يرضوا بغيره بديلاً. فلِمَ لم يُقبل الرفيقان عقار وعرمان على تقديم استقالتهما، فإذا رضي بهما الشَّعب والجيش الشَّعبي وأعادوهما إلى دفة القيادة فليكن هذا هو صوت الجماهير ورغبة جيشها الشَّعبي. غير أنَّ هذا الشيء لم يحدث، حيث أنَّ التَّنادي من قبل الرفيقين إيَّاهما بالذِّهاب ثلاثتهم فهذا من باب عليَّ وعلى أعدائي، أو فلتغرق روما وأهلها!

قالوا وقلنا


يا تُرى ماذا جرى بعد هذا الانفجار العظيم أو الطامة الكبرى؟ فبدلاً من بذل قصارى الجهد للالتقاء بالقائد الحلو ومعالجة القضايا مثار الاختلاف سافر القائدان عقار وعرمان إلى جبال النُّوبة، وذلك في استغياب لنائب الرئيس آنذاك – القائد الحلو – وعقدا اجتماعات وأصدرا بيانات وقرارات بما فيها تشكيل إدارات مدنيَّة جديدة في حين أنَّ هناك إدارات ومنظمَّات طوعيَّة موجودة أصلاً وتعمل على قُدم وساق، وبصورة مرضيَّة. كان هذا المنحى بمثابة تعقيد الأمور بدلاً من حلها، وبخاصة الأسلوب الموارب الذي استخدم في التعاطي مع الأزمة، والذي يعفُّ لساننا عن ذكره أو ترديده. ثمَّ كان هذا التجاهل التام لنائب رئيس الحركة هو الاستفزاز بعينه، ولا ريب في أنَّه لم يكن يرضي نائب الرئيس فحسب، بل لم يرضاه النُّوبة في جبال النُّوبة، وفي ربوع السُّودان، وفي أصقاع العالم الخارجي وأقاصي الدنيا. وإذا كان النُّوبة – في الماضي والحاضر والمستقبل – لم يكن ليرضون حتى بشيوخهم الذين أتوا بهم أن يفرضوا عليهم الوصايا من علٍ؛ ولم يستكينوا لجبروت وحملات التركيَّة-المصريَّة الاسترقاقيَّة (1821-186م)، ولم ينصاعوا للمهديَّة (1882-1898م)؛ ولم ينكسروا أمام الحكم الثنائي البريطاني-المصري (1898-1956م)، إلا بعد أن استأسد عليهم جنوداً من حامية شندي وبقايا الحملة التي قضت على ثورة السلطان علي دينار في دارفور، واستعانوا بالآلة الحربيَّة والطائرات؛ ثمَّ لم يقبلوا باستمرار ولاية إسماعيل خميس جلاب (2005-2007م)، ولا نيابة دانيال كودي أنجلو (2007-2009م)، فكيف ظنَّ القائدان عقار وعرمان أنَّهما بمقدورهما أن يفرضا على النُّوبة ما لا يرضونه. وشعب النُّوبة منذ أمدٍ بعيد امتلك حريَّة القرار وناصية القول، وإنَّا – والحمد لله – لفخورون بذلك، عسى أن يزدهم الله في ذلك قوة وتماسكاً.
ومنذ بزوغ العمليَّة التصحيحيَّة في الحركة الشعبيَّة لئلا يتم التجديف في البحر نحو الحجر، وفي سبيل تقويم المسار من الاتجاه الضار، قرأنا مقالات كثراً عما كتبه الكتَّاب في هذا المجال، فهناك من كتب مادحاً ما قام به مجلسا التحرير الإقليمي في جبال النُّوبة والنيل الأزرق؛ وهناك من ظلَّ قادحاً فيما ذهب إليه أعضاء المجلسين من قرارات. وفي كل ذلك أُعجبنا أشد الإعجاب بالمنطق والصوغ اللذين ذهب في سبيلهما أهل الهامش لسرد القضيَّة والتعاضد عليها. وفي خلال ثلاثة عقود من الزَّمان لم يبلغ أبناء النُّوبة قدراً من التعليم، والقلة القليلة التي استحوز على علم يسير يومئذٍ لم تجد حظاً في وسائل الإعلام في التعبير عما يعانيه أهلهم في الجبال، وفي مدن السُّودان المختلفة. وها هم الآن قد بلغوا قسطاً من المعارف، ونهلوا شأواً في العلوم بمجالاتها المختلفة بما فيها الإعلام، وشرعوا في المساحة الإعلاميَّة المتاحة لهم في الخارج – والتي لم يكن لهم بها حظ من قبل داخل البلاد – يعبِّرون عن آرائهم وحقوقهم المدنيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة بشيء من الإفصاح عظيم.
وقد لفتت انتباهنا وشدَّت حفيظتنا عدة مقالات نُشرت في الشبكة العنكبوتيَّة، كانت أولها للدكتور عبد السَّلام نور الدِّين بعنوان "لا تنخدع بالعبور إلى الضفة الأخرى". وفي الحق، نحن نشيد بمقال الدكتور عبد السَّلام نور الدِّين الذي كتب مقاله بعد أن نظر إلى القضية في صياغها السياسي والاجتماعي في إطار المركز القابض القاهر للثقافات والأثنيات الأخرى وحرمانهم من أوكسجين السلطة، وكعكة الثروة. وبأسلوبه الفلسفي أشار إلى أنَّه في نهاية الأمر سيتعامل النظام مع أصحاب البندقيَّة الطويلة، وليست الأصوات العالية دون حراك عسكري. أفلم يقل قائلهم – أي الرئيس البشير في وقت مضى – من أراد أن يصطرع السلطة عنَّا فليحمل السِّلاح وينازلنا، والحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان – شمال تحت قيادتها الجديدة برئاسة القائد الحلو مؤهَّلة لذلك. والدكتور عبد السَّلام نور الدِّين بصفته أحد أبناء كردفان كان صادقاً مع نفسه لأنَّه يعلم في أشد ما يكون العلم ما حاق بالمنطقة من ظلم أهل الحكم في الخرطوم؛ هذا الظلم الذي لم يفرِّق بين مواطني المنطقة عرباً ونوبة كانوا أم أيَّة مجموعة أثنيَّة أخرى مقيمة في كردفان. فيا أهل كردفان خاصة، وسكان الهامش عامة، تعالوا إلى كلمة سواء للتخلص من أصحاب الحكم وسدنتهم في الخرطوم، حتى تتم إعادة صياغة السُّودان على أسس العدالة والمساواة، وقيم احترام الإنسان لأخيه الإنسان، ونبذ التطرُّف بكل أنماطه.
أما مقال الدكتور حيدر إبراهيم علي الذي جاء بعنوان "خلافات الحركة الشعبيَّة: حرب الهامش ضد الهامش وتهافت شعار السُّودان الجديد" فإنَّنا نرى أنَّه لم يجانبه الصواب بتاتاً، وقد أتي شيئاً إدَّاً، حتى تناثرت السهام ينشنه يمنة ويسرة، لأنَّه أثار مياهاً راكدة، مما أثار حفيظة أهل الهامش وطفق الصَّامتون يتكلَّمون بغضب. وقد أعجبنا أيضاً مقال الدكتور صدِّيق أمبدة في مداخلته لتفنيد آراء الدكتور حيدر، وكتَّاب الأعمدة في الصحف "الخرطوميَّة"، وإذ نحن نعلم آراء الدكتور أمبدة الجريئة في الماضي حينما انبرى متحدِّياً عبد الرَّحيم حمدي في مثلَّثه. وفي الحق، لقد فكَّرنا مليَّاً لنجد تبريراً واحداً للذي دفع الدكتور حيدر إبراهيم علي أن يكتب ما كتبه ثمَّ ينشره، لكننا لم نهتد إلى ذلك سبيلاً. فنحن نعرف أنَّ ما كتبه الدكتور حيدر هو ما ظلَّ يردِّده الأعراب من أهل الشمال ومن غلاة المركز في جلساتهم الخاصة، وحين يخلون إلى أنفسهم، وبعد أن يلتفتوا يميناً ويساراً كالسارق الذي لا يريد أن يراه أحد. غير أنَّ القول الذي أتى به الدكتور حيدر كتابة واعتبره حواراً – ولئن لم نر في ذلك أي حوار – لم يناسب مقام الدكتور حيدر الذي عرفناه مؤسِّساً لمركز الدِّراسات السُّودانيَّة، وقد قدَّم المركز بحوثاً عديدة في قضايا السُّودان المختلفة، وقام بترجمان لأعمال أكاديميَّة وبحثيَّة في غاية الأهميَّة.
وقد أحسن كل من الأساتيذ فاروق عثمان والطيِّب الزين في الرَّد على الدكتور حيدر إبراهيم علي، ومحمد عثمان (دريج) الذي وصف "تهافت خطاب الهامش عند الدكتور حيدر إبراهيم علي ب"ترامبيَّة" بنكهة سودانيَّة"، وبولاد محمد حسن في الرَّد على ما ارتآه الدكتور حيدر من وجهة نظر، ومن ثمَّ قذف بها إلى الصحف لنشرها، دون التنبؤ بالعواقب، أو قد تنبأ بها، لكن ما نفخ به من روحه هو ما ظل كامناً في مخيلته ردحاً من الزَّمان. وبعدما انهالت عليه الهجمات اللاذعة من كل صوب، ردَّ بمقال آخر أفرغ فيه غضبه بعنوان "الكفاح العنصري المسلَّح ضد الحوار والعقلانيَّة"، ثمَّ أردف بمقال آخر كان أكثر غضباً من السابقين، لكنه وعد نفسه ب"نظرة إلى المستقبل" في إشارة إلى السعادة التي غمرته من "بشارة ياسر عرمان (الأمين العام السابق للحركة الشعبيَّة) بميلاد ثان للحركة"! وإنَّ صراع المركز والهامش لصراع ماثل في جميع المجتمعات التي فشلت حكوماتها في أعظم ما يكون الفشل في تحقيق العدالة الاجتماعيَّة والمساواة والتنمية والمشاركة السياسيَّة الفعليَّة بين المركز والتخوم. وكان أول ما نظَّر في مفهوم المركز والتخوم المهمَّشة هو البروفيسور الكيني علي مزروعي، ولفت إليه نظر الناس في السُّودان الدكتور جون قرنق في فكرة السُّودان الجديد، ثمَّ استخدمه الدكتور أبكر آدم إسماعيل في دراساته عن الواقع الماثل في السُّودان كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد جلال هاشم في ورقته عن "السُّودانوعروبيَّة، أو تحالف الهاربين: المشروع الثقافي لعبد الله علي إبراهيم في السُّودان" (دوريَّة "السُّودان للجميع" (Sudan For-all) الإلكترونيَّة، 16/8/2006م).
ومع ذلك، ارتأينا أن نقف عند نقطة واحدة هنا ذكرها الدكتور حيدر – فيما ذكر من أشياء، وهي الحديث المكرور عن الدكتور علي الحاج محمد، وما يدريك عن فساد طريق الإنقاذ الغربي، الذي قال عنه علي الحاج نفسه قولته الشهيرة "خلوها مستورة!"، ولعلَّ الدكتور علي الحاج كان يعني أنَّه إن أردتم فتح هذا الباب فلسوف تأتي الرِّياح بما لا تشتهي السفن، فكلهم فاسدون كانوا وما يزالون. إذ أنَّه كلما طفق أبناء الغرب يتحدَّثون عن استحقاقاتهم إلا وانبرى أحد من أبناء النيل الشمالي مشيراً بأصبعه إلى الدكتور علي الحاج. ولعلَّ مبارك الفاضل كان جريئاً في عنصريَّته البوَّاحة حين أشار إلى الدكتور علي الحاج في مطلع التسعينيَّات بأنَّ أحفاده من البرقو نزحوا إلى دارفور من تشاد، وقد تناسى – والتَّناسي هو تعمُّد النسيان – مبارك الفاضل نفسه بأنَّ أهله هو ذاته جاءوا إلى السُّودان من شبه الجزيرة العربيَّة على ظهور الإبل عن طريق شبه جزيرة سيناء، أو بالقوارب عبر البحر الأحمر، واستضافهم أهل السُّودان، ومن ثمَّ أخذوا يتعالون عليهم بأنَّهم من الأشراف "والبلد بلدنا ونحن أسيادها"! ومبارك الفاضل لم يكن يكتب السيرة الذاتيَّة أو يؤرِّخ للدكتور علي الحاج حتى يذكِّر النَّاس بمكان ميلاد أجداده وهجرتهم عبر الحدود، بل ألقى بهذه المعلومة في سبيل عنصرة بغيضة في مشكل سياسي دون أن يكون لهذه المعلومة مكان في الإعراب عنها. ففي اتجاهات السُّودان الأربعة نجد التَّداخل البشري، وليس هذا بمشكل، ولكن المصيبة الكبرى تكمن عند أهل الحكم في السُّودان، والذين فشلوا الفشل كله في إدارة التنوُّع الأثني والثقافي والدِّيني.
على أيٍّ، فقد اطَّلعنا على مقال الدكتور عمر القرَّاي في صحيفة "سودانايل" الإلكترونيَّة. إذ لم يسعفنا الحظ أن نلتقي بالدكتور القرَّاي أبداً، ولكن تيسَّر لنا الأمر في أن نطَّلع على مقالاته الكثر التي ينشرها في الصحف الإلكترونيَّة، وكذلك قرأنا له كتيباً بغلافه المخضر عن الجهاد. ومن هنا نستطيع أن نقول إن كان الكاتب القرَّاي قد كتب مستهجناً الحملات الجهاديَّة التي ظلَّ نظام "الإنقاذ" يقودها بوقودها النَّاس في جبال النُّوبة منذ فتوى قتال النُّوبة الصادرة من فقهاء السلطان في مدينة الأبيض في نيسان (أبريل) 1992م حتى اليوم، لكان قد أسدى منفعة كبرى وصنيعة عظيمة لأهل النُّوبة في الجبال.
بيد أنَّه فضَّل الاستعانة والاستغاثة بغثاثة ما تداولته وسائل الاتصال الاجتماعي للارتكاز عليه، والاستدلال به، ليقف في نهاية الأمر في الشاطئ الآخر مع فريق القائدين المعزولين. وقد تولى أمر الرَّد على نصائح القرَّاي الكاتب الصحافي عبد الغني بريش فيوف بمقال مستطال في الصحف الإلكترونيَّة. أما إن كانت هناك ثمة نقطة إيجابيَّة أتى بها الدكتور القرَّاي فهي استخدام نظام الخرطوم للسيِّد الصَّادق المهدي في تدمير عمل المعارضة في الخارج، وقد اعترف النظام نفسه في تسريب محضر الاجتماع الأمني يوم 18 حزيران (يونيو) 2017م، والذي ظهر إلى العامة أخيراً، حيث أورد المحضر إيَّاه في ذلكم الاجتماع – فيما أورد – بأنّهم "لا بدَّ من تأليب قوى نداء السُّودان عليه (أي الحلو) بواسطة الصَّادق المهدي، وإبراز عدم مصداقيَّة الحلو، والتحرُّك إقليميَّاً ودوليَّاً بأنَّه رافض للسَّلام،" والكلام هنا منسوب إلى الفريق أول بكري حسن صالح رئيس مجلس الوزراء. إزاء هذا كان على عقار وعرمان أن يفهما كيف يفكِّر سليل المهدي. فمنذ اجتماع الصَّادق المهدي بزعيم الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة الرَّاحل حسن عبد الله الترابي في جنيف العام 1999م، وهو بذلك مغرِّدٌ خارج حلقة التجمُّع الوطني الدِّيمقراطي، ثمَّ انسلاخه من التجمُّع الوطني ذاته وعودته إلى الخرطوم، وقال لرفاقه الذين تركهم وراء ظهره حينذاك إنَّه لذاهبٌ إلى الخرطوم لقيادة الانتفاضة الشعبيَّة (الجهاد المدني بلغته) من الدِّاخل. ومنذئذٍ بات الصَّادق ديبلوماسيَّاً شعبيَّاً للنِّظام الخرطومي. وها هو النِّظام الإنقاذي ما يزال قائماً، فمن ينتظر الانتفاضة المدنيَّة التي سيقودها السيِّد الصَّادق، وهو ممتطياً جواداً أبيضاَ، فسوف ينتظر دهوراً، ويحصد في نهاية الأمر ريحاً. ولعلَّ من يريد أن يعرف أين كان موقع السيِّد الصَّادق في فجر وضحى وعشيَّة الانتفاضة الشعبيَّة التي أطاحت بالرئيس الرَّاحل جعفر محمد نميري فعليه أن يقرأ مذكِّرات اللواء (م) جوزيف لاقو صفحة 445، وهو كتاب نشره مركز محمد عمر بشير للدِّراسات السُّودانيَّة في جامعة أم درمان الأهليَّة باللغة الإنكليزيَّة، واللواء لاقو من أولئك الذين لا يمضغون الكلام.
)Lagu, J. 2006. Sudan: Odyssey Through a State from Ruin to Hope. Omdurman: MOB Cetre for Sudanese Studies, Omdurman Ahlia University(
ذلكم هو السيِّد الصَّادق الصدِّيق عبد الرحمن محمد أحمد (المهدي)! فما أن وطئت قدماه أرض المعارضة في أيَّة بقعة كانت إلا وأن أضرَّ بالمعارضة الضرر العظيم.
وكذلك كان من ضمن ما قرأناه مقالاً لخالد التجاني النور، الذي جاء بعنوان "نهاية أيديولوجيا الحركيَّة السياسيَّة: ما بعد أفول مغامرتي المشروع الحضاري والسُّودان الجديد"، والذي فيه قارن وقارب بين الحركة الإسلاميَّة والحركة الشعبيَّة مستخدماً منهجاً تحليليَّاً وصفيَّاً، وتوصَّل الكاتب إيَّاه – فيما توصَّل – إلى أنَّ المآلات تشي بالنهاية الحتميَّة في كليهما. إذ أنَّ ثمة عناصراً قد فات على الكاتب ألا وهي أنَّ الحركة الإسلاميَّة قد ابتنت صرحها على أيديولوجيَّة دينيَّة سافرة، ولغة عنصريَّة مقيتة اللتين عبَّرت عنهما ب"المشروع الحضاري"، وفي ذلكم المشروع البعبع المروع استبعدت جل عناصر المجتمع السُّوداني، حتى أوشكت على استعبادهم، أو بات استعبادهم قاب قوسين أو أدنى. بيد أنَّ الحركة الشعبيَّة قد انتهجت في رؤيتها منهاج المواطنة بحيث تتساوى الناس في الحقوق والواجبات الدستوريَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بغض الطرف عن المعتقد التعبدي، أو لون البشرة، أو تجاعيد الوجه، أو نوع الشعر، أو أيَّة سمة من السِّمات الخلقيَّة التي اعتاد بعض طوائف النَّاس أن يميِّزوا بها بعضهم بعضاً بغير وجه وحق؛ ثمَّ شدَّدت الحركة الشعبيَّة – وما تزال تشدِّد – على أنَّ السُّودان الجديد الذي تصبو إليه، وتسعى سعياً سياسيَّاً وعسكريَّاً لتحقيقه هو السُّودان الدِّيمقراطي العلماني الموحَّد، ولو تعسَّر ذلك بفضل تعنُّت وتعسُّف نظام الحكم في الخرطوم فلكل إقليم – متى ما ارتضى أهله – أن يكون لهم الحق في تقرير مصيرهم.
وللحديث بقيَّة.


[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

خبر:



وفد الحركة الشعبية يختتم زيارته لجنوب افريقيا



إختتم وفد الحركة الشعبية زيارته لجنوب أفريقيا حيث إلتقى برئيس مجموعة المجتمع المدني لحماية الثورة، وهي منظمات مجتمع مدني تعمل بطريقة غير تقليدية لحماية القيم والمثل التي ناضل من أجلها شعب جنوب افريقيا، وقد وعدت هذه المجموعة بإستعدادها للعمل مع منظمات المجتمع المدني السوداني التي تعمل ضد نظام الإنقاذ والمؤتمر الوطني، كما خاطب رئيس الحركة الشعبية الجلسة الختامية للمؤتمر العام ال(14) للحزب الشيوعي في جنوب افريقيا، وهو أحد أطراف التحالف الحاكم، كاشفا طبيعة نظام الخرطوم وخطر الإسلام السياسي على وحدة إفريقيا وجرائم الحرب والإبادة التي تجري في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق، والدور الذي تقوم به تحالفات المعارضة في نداء السودان والجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني والقمع الذي تتعرض له الحركة الجماهيرية، كما التقى الوفد بوفود من آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وإلتقى الأمين العام للحركة الشعبية بأعضاء من لجنة العلاقات الخارجية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، كما التقى الوفد بعدد كبير من الناشطين والأكاديميين والمثقفين السودانيين بجنوب إفريقيا، وناقش معهم ضرورة المشاركة في دعم برنامج تجديد الحركة الشعبية ونقلها إلى مرحلة جديدة كحركة مفتوحة لجميع السودانيين دون تمييز إثني أو جغرافي.

وأكد الوفد إن أهم الدروس المستفادة من تجربة جنوب إفريقيا إن محاولات تقسيم القوى الوطنية والديمقراطية وقوى التغيير على أساس المركز والهامش وترك المعركة الرئيسية مع نظام الإنقاذ وتغليب التناقضات في صفوف المعارضة والإعلاء من شأنها الي الحد الذي يمنع إدراك المشتركات في المعركة ضد النظام وتوحيد الصف المعارض مضر بالعمل من أجل إسقاط النظام، ويطيل من معاناة الشعب السوداني في المدن والريف، و دعى الوفد قوى المعارضة للتغلب على الخلافات بين صفوفها والتركيز على مايجمعها والتنسيق في المعارك اليومية لبناء الثقة بين أطراف المعارضة وتطوير عملها للتقدم نحو إسقاط النظام، وأشاد الوفد بالإلتفاف الشعبي من المجتمعين المدني والسياسي حول قضية المناضلين من طلاب دارفور بجامعة بخت الرضا، وإن القضية تظل بين جميع الطلاب السودانيين ونظام الإنقاذ، وحذر من الأصوات التي تحاول إدخال مجتمع الدويم كجزء من نظام الإنقاذ، فهذا مجتمع له تاريخ طويل في التعامل الإنساني مع جميع السودانيين الذين درسوا في بخت الرضا، و دعى القوة الوطنية والديمقراطية والراغبين في التغيير للتصدي لنظام الإنقاذ الذي يستخدم العنصرية والإثنية كركن أساسي من أركان الحفاظ على نظامه.

مبارك أردول
الناطق الرسمي
الحركة الشعبية لتحرير السودان
21 يوليو 2017م
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:




بداية جديدة وميلاد ثان لرؤية السودان الجديد

بقلم اللواء/تلفون كوكو أبو جلحة






جاء في مقدمة كتاب الحريات والحقوق للكاتب مختار الأسدي أن الحكم على صحة أو صلاحية هذه النظرية أو خطأ وعدم صلاحية تلك ينبع من القدرة على إمكانية تطبيقها على أرض الواقع وقدرة دعاتها وأنصارها على ردم الهوة بين المفاهيم والمصاديق..أو بين الأقوال والأفعال..وتبقى كل الرؤى والأطروحات جميلة على ألسن أنصارها وعشاقها حتى تنفتح على الحياة..وتنتقل من النظرية إلى التطبيق..ومن الأحلام الوردية إلى الوجود..أو قل من الأطار النظري إلى الواقع العملي.
حقيقة إن ما دفعني لعرض مقدمة الكاتب مختار الأسدي هو لدحض ما قرأته عن ما كتبه أحد دعاة وعشاق رؤية السودان الجديد ياسر سعيد عرمان في الأول من يوليو 2017م ونقتبس منه الأتي:"إن هذه الرؤية شقت طريقها نحو الجموع وأستأثرت بأفئدة وقلوب الفقراء والمهمشين على تباين مواقعهم..نساءاً ورجالاً..وكذلك المثقفين..وقد حصدت هذه الرؤية نجاحات وخيبات عديدة..والآن تقف هذه الرؤية العظيمة في مفترق الطرق..شمالاً وجنوباً..وتواجه تحديات وصعوبات جمة ليست هي الأولى من نوعها ولن تكن الأخيرة..مثلما واجه الفكر الإنساني تحديات على مر الأزمنة..رؤية السودان أمام خيارين لا بد أن ينتصر أحدهما..فإما أن تصعد نحو ميلاد ثان يفتح أمامها أبواب التجديد والإنفتاح على الحقائق الجديدة على مستوى الممارسة والنظرية..أو يصيبها الجمود في عالم متغير على مدار الساعة..وإذا أراد أصدقاؤنا أو خصومنا أن يعلموا ماذا سنفعل؟؟فإننا بالقطع سنتجه مع كل الراغبين نحو بداية جديدة وميلاد ثان لرؤية السودان الجديد"..إنتهى الإقتباس.
وبالنظر لما جاء في مقال العاشق لرؤية السودان الجديد السيد/ياسر سعيد عرمان نجده خالي تماماً من جميع المطلوبات التي تجعل الرؤية ذات قيمة مادية..فمنذ إطلاق هذه الرؤية منذ ثمانينات القرن الماضي لم يثبت المؤلفون لهذه الرؤية أو عشاقها أي جدية نحو تنفيذ هذه الرؤية على أرض الواقع..بل العكس تماماً فالرؤية إعتمدت على الأقوال من دون الأفعال..فرؤية السودان الجديد حسب ما تم تلقينها لنا في كلية الدراسات العسكرية في إثيوبيا من ثمانينات القرن الماضي فهي رؤية كانت تسمو بنا نحو بحور الأحلام والسعادة..عالم يسود فيه العدالة والمساواة والشفافية في المحاسبة (محاسبة الضمير قبل محاسبة الآخرين)وتقديم الخدمات الأساسية للشعب من ربط القرى والأرياف بالمدن عبر تشييد شبكات الطرق المعبدة والمسفلتة..وتوسيع دائرة الخدمات الصحية من خلال بناء المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز لتوليد النساء الحوامل وتوسيع دائرة التعليم من المدن إلى الريف والقرى وكذلك إقامة شبكات المياه والكهرباء قرية قرية لنربط هذا في نهاية المطاف مع نظرية نقل المدن إلى الريف بدلاً من إنتقال المواطن من الريف إلى المدن..وكذلك إقامة برامج التنمية البشرية حيث يسيطر التخلف على 75% من مناطق سكان الهامش..وإقامة نظام يشيع فيه العدل والمساواة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المعتقدات بعيداً عن التمييز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الثقافة..فالرؤية كانت جذابة للغاية وتسري في الوجدان كسريان الخمر فى العقول..وتأسر وتسحر القلوب عند الإستماع إليها من منظرها.
إذاً لماذا ظلت هذه الرؤية الجذابة حبيسة هكذا على ألسن عشاقها وأنصارها من دون تنزيلها وتطبيقها على أرض الواقع - وخاصة عندما تهيأت لهم الفرصة المناسبة لنقل الرؤية من الأقوال إلى الأفعال..ومن الأحلام الوردية إلى الوجود الواقعي بعد توقيع السلام 2005م وحصول أنصارها وعشاقها على أموال خيالية هائلة..ملايين من العملات الصعبة والمحلية من أموال البترول وأموال المانحين؟؟!!
حقيقة والحق يُقال المشكلة لم تكن على الإطلاق فى الرؤية..ولكنها كانت ولا زالت فى هل يوجد اُمناء أكفاء قادرون مؤهلون لتوصيل هذه الرؤية إلى نهاياتها المنطقية المرتجاء؟؟!! تحاسبهم ضمائرهم قبل محاسبة الناس لهم؟!
الإجابة لا يوجد على الإطلاق مثل هذه الأصناف..لماذا لا يوجد؟؟ لأن 10% فقط من الثوار الذين رفعوا السلاح هم من رفعوه على بينة من أجل هدف واضح وظاهر هو تحرير شعب السودان من الظلم وإقامة دولة المساواة والعدالة والحرية وعدم التمييز العنصري بسبب اللون أو الدين أو اللغة أو الثقافة..أما البقية بنسبة ال 90% فهؤلاء أتوا إلى الحركة الشعبية بأهداف لا علاقة لها مع برنامج الحركة الشعبية المعلنة على الإطلاق..حيث أن منهم على سبيل المثال من أتاها هارباً من العدالة لجريمة إقترفها يعاقب عليها القانون..ومنهم من أتاها هارباً من أجهزة الأمن والإستخبارات لوقوعه تحت طائلة النشاطات المحظورة كالإنقلابات الفاشلة والتعامل بالمواد الممنوعة..ومنهم من آتاها من أجل الحصول على السلاح من أجل الدفاع عن نفسه وأمواله..ومنهم من أتاها بسبب أن زملائه قرروا السفر إلى الحركة الشعبية من أجل التسليح..والبقية أتوا إليها من أجل مآرب اُخرى..وكما أن بعض من الذين أتوها بعد توقيع السلام كانوا يمثلون قمة الإنتهازية الهدامة أصحاب المصالح الخاصة.
ولسوء الحظ فإن الـ 10% من الثوار الذين رفعوا السلاح على بينة وعلم من أجل هدف واضح وظاهر فإن أقل من 01% منهم فقط هم من حظوا بالتعيين فى حكومة الشراكة المرحلة الإنتقالية 2005م ـــ 2011م..لذلك كان أداء الذين تم تعيينهم فى حكومة الشراكة دون المستوى المطلوب بل وسيىء للغاية وفاشل فى الولايتين سواءاً على مستوى وزراء ووزراء دولة فى الحكومة الإتحادية..أو وزراء أو محافظين فى الحكومات الولائية..أو على مستوى الولاة ونوابهم فى الولايتين فكان أدائهم سيئاً للغاية بما فى ذلك الدستوريين وأعضاء البرلمان قومي وولاءي وقيادات الجيش الشعبي..فأنظر إليهم فى الولايتين!! ما هي إساهماتهم فى تثبيت رؤية السودان الجديد التى يتمسكون بها ويتحدثون عنها كثيراً ويمثلون الطرف المنظَر لهذه النظرية؟؟!! ما هي إسهاماتهم لتطبيق وتنزيل هذه الرؤية على أرض الواقع بدلاً من تعليقها فى أرض الخيال والأحلام الوردية والأماني؟! ما هي مساهماتهم فى ردم الهوة بين المفاهيم والمصاديق أو بين الأقوال والأفعال؟! ما هي مساهماتهم لنقل هذه الرؤية إلى التطبيق ومن الأحلام الوردية إلى الوجود الفعلى ؟!ما هي مساهماتهم لنقل هذه الرؤية من الآطار النظري إلى الواقع العملى؟!
الإجابة على هذه الأسئلة: لا توجد أي مساهمات إيجابية قدموها مقابل هذه الأسئلة على الإطلاق..بل عكس ذلك فلقد ظهروا للناس فى ثياب الكبرياء والاُبهة والطغيان والعجرفة والتعامل الخشن مع المريدين بالداخل..إلا لمن تبعهم من أصحاب المصالح الخاصة الرخيصة الآنية مثلهم..أما من كان صاحب رأي سديد من المريدين بالداخل فلم يستمعوا له بإعتبار أنه مصنف بالجبن لأنه لم يشاركهم فى النضال..فكانت النتيجة الطبيعية لمثل هذا الغرور الأعمى والطغيان هو الفشل الذريع والسقوط عند تجربة البداية 2005م ــــ 2011م..مع أن فُرص النجاح كانت متاحة ومهيأة بنسبة كبيرة..حيث أن غالبية الشعب السوداني قد ملَ هذا النظام وكان فى إنتظار من يخلصه منه..بالإضافة إلى أنهم كانوا قد حصلوا على أموال هائلة من أموال البترول وأموال المانحين..ففشلوا فى عكس هذه الأموال الهائلة الخيالية على شكل خدمات التي حاربنا من أجلها ووعدنا بها الشعب..مثل التعليم المياه الصحة الطرق والكهرباء بالإضافة للتنمية البشرية..ومع أن هذا الفشل الذريع والسقوط واضح وظاهر لم يكونوا اُمناء مع أنفسهم وشعبهم عند الإجابة على سؤال لماذا لم يقدموا الخدمات التي وعدنا بها الشعب من النضال ؟! فكان بعضهم يجيب بكل طغيان وعنجهية وغطرسة بدلاً من الإعتذار أن الشريك كان عنيد للغاية ولم يوفر الأموال المطلوبة للخدمات الخمسة..وكما أن المدة كانت قصيرة..وكأن للناس قنابير صمٌ بكمٌ لا يسمعون ولا يرون تهافتهم على شراء الأراضي عن طريق الإغراء لبناء البيوت الفاخرة مثنى وثلاث فى العاصمة وفى الولايات..وبهذه الإجابة العاجزة يكونوا قد سقطوا ووقعوا فى قاع الفشل والكذب..كيف تكون الفترة غير كافية وجلهم قد أمضوا ثمانية عشر شهراً فى مواقعهم قضوا نصفها فى جدل بيزنطي لا فائدة منه لشعب الولاية..وبعضهم قد أمضى بالتمام سنتين مثل عبد العزيز أدم الحلو..فكيف إستطاعوا أن يبنوا لأنفسهم بيوتاً فاخرة فى الولاية واُخرى فاخرة فى الخرطوم ومتاجر وعربات..وبعضهم إمتلك كميات كبيرة من الأبقار بينما قبل دخولهم للحركة الشعبية كانوا لا يملكون ولا نعجة..وبعضهم قام بإيجار منازل سكن فى الأحياء الراقية بمبالغ هائلة أدى إلى إرتفاع إيجار المنازل فى الخرطوم..وإذا قيمنا أدائه من خلال موقعه نجده يساوي صفر كبير لأن فاقد الشئ لا يعطيه.. فأين لهم بهذا الوقت الذي مكنهم من بناء منازل فى الولاية وفى العاصمة ولم يجدوه لبناء شفخانة أو مركز لتوليد النساء الحوامل أو مستشفى أو أبار مياه (مضخة) أو إصلاح طرق أو بناء مدرسة أو مجمع لفاقدي الأبوين أو مركز لخدمة اُسر الشهداء..فمن أين لهم بالوقت والمال الذي ساعدهم فى بناء بيوتهم الخاصة وإمتلاك كميات كبيرة جداً من البقر ولم يجدوا الوقت والمال المناسب لصرفها في خدمة الشعب الذي رفعنا السلاح من أجله؟؟ على جميع وزراء ووزراء دولة من الذين عملوا فى الحكومة الإتحادية والولائية من الولاة ونوابهم وأعضاء البرلمان قومي وولاءي وقيادات الجيش الشعبي فى الولايتين والمحافظين فى حكومة الشراكة 2005م ـــ 2011م يجب عليهم أن يجيبوا على السؤال أعلاه...يجب على الجميع كشف حساباتهم حتى نعرف أسباب فشل المرحلة الإنتقالية فى الولايتين؟؟!!
إنظروا إلى المتيم العاشق الولهان برؤية السودان الجديد السيد/ياسر سعيد عرمان اُنظروا إلى حاله قبل هروبه من العدالة من السودان الى الحركة الشعبية؟! ماذا كان يمتلك؟؟ ما هي أملاكه قبل هروبه من العدالة إلى الحركة الشعبية؟! واُنظروا إلى حاله وممتلكاته بعد هروبه إلى الحركة الشعبية؟! منازل فاخرة لا حصر لها..شركات تجارية بما فيها شركة طيران للنقل الجوي (جست فور يو)..ألم تلاحظوا معاكسة الرجل برنامج نقل الإغاثة إلى المحتاجين فى المنطقتين إلا من خلال شروطه التي تقضي بنقل الإغاثة من إثيوبيا ليرتب مع الدول المانحة إدخال شركته من ضمن الشركات التي ستنقل الإغاثة من إثيوبيا إلى جبال النوبة ومن إثيوبيا إلى النيل الأزرق حتى تدر عليه ملايين الدولارات في رصيده بينما الجوع يسحب من رصيد دماء النوبة وشعب النيل الأزرق في هذه المساومة القذرة!!
هذا هو حال وزراء الحكومة الإتحادية ووزراء الدولة والولاة ونوابهم والمحافظين وأعضاء البرلمان القومي والولائي وقيادات الجيش الشعبي فى الولايتين فى الفترة الإنتقالية 2005م ـــ 2011م..وهذا هو حال العاشق الولهان برؤية السودان الجديد ياسر سعيد عرمان فهل نوع شكل الناس ديل بقادرين على حمل رؤية السودان الجديد وتوصيلها إلى نهاياتها المنطقية المرتجاء لتنعكس على شعب السودان رخاءاً وسعادة وعدالة وحرية وخضرا؟!! أرجو من المهتمين الإجابة على هذا السؤال؟؟!!
نختم هذا المقال ونقول إن ما ختم به السيد/ ياسر سعيد عرمان مقاله المختصر هذا لا يعدوا من أن يكون مجرد فرفرة ديك مذبوح..وكان الأحرى به القبول بموت الرؤية بعز بدلاً من كثرة البتابت..لأنه يعلم علم اليقين الأسباب الأساسية التي أدت إلى الموت السريري لرؤية السودان الجديد..وكان عليه أن يكون صادقاً وأميناً وشجاعاً ولو مرة واحدة فى حياته وينعي موت هذه الرؤية نعياً صريحاً واضحاً بدلاً من التستر على الموت..وكان هذا بالضرورة سيفتح عليه باباً من الرحمة والتعاطف والتعاضد هو فى أمس الحاجة إليها فى هذه الظروف الصعبة التي يمر بها هو سوياً مع الرؤية من الأصدقاء والخصوم على السواء..لأن لا شماتة فى الموت فالجميع ميتون لا محال..ولكن سيكون لكل أسبابه للتعزية..فالأصدقاء سيقدمون له التعزية كموقف إنساني طبيعي..بينما الخصوم سيقدمون له التعزية من زاوية الراحة الأبدية من ياسر سعيد عرمان وخزعبلاته الوهمية لأنه بهذا سيقبر مع رؤية السودان الجديد إلى الأبد..فهو بدلاً من القبول بالموت الأبدي فهو يحاول مرة اُخرى بدأ خزعبلات جديدة يرفع من خلالها الروح المعنوية له هو وللغافلين والغافلات الذين ظلوا يتبعونه من زاوية المصالح الخاصة عندما كانوا يهتفون بإسمه ويطبلون ويحرقون البخور له وهو يؤسس فى الشركات المتعددة والمنازل الفاخرة والعيش الرغيد وكانوا لا يعرفون أن السيد/ ياسر سعيد عرمان يبني فى شخصه هو الديكتاتوري الأناني بناءاً حقيقياً على أرض الواقع..بينما كان يبني فى رؤية السودان الجديد بناءاً وهميا على أرض الخيال والأحلام الوردية..فكان يصرف على بناء شخصه من الأموال التي خصصتها الحركة الشعبية لنقل الرؤية من النظرية إلى الوجود ومن أرض الخيال إلى أرض الواقع..من أموال المانحين والأموال التي تبرع بها الأصدقاء للمساعدة فى تنفيذ رؤية السودان الجديد..وكان بلا شك سينعكس هذا على حياة ومعاش الناس على شكل خدمات عامة..ولكنه لم يفعل إلى أن أتته ريح صرصر من ثوار جبال النوبة الذين جمع ثرواته على حساب دمائهم حيث كان كالقراد الذي إمتص دماء شعب النوبة حتى أصبحوا كالهياكل النخرة..عليه نقول لياسر سعيد عرمان تو ليت فلقد إنقطع حبل الكذب لأن الإنسان يولد مرة واحدة ويموت مرة واحدة ويبعث مرة واحدة..فلا يوجد ما يُسمى ميلاد ثان بل توجد بداية جديدة يكون روادها جيل جديد بأفكار جديدة..جيل أمين رشيد كفء قادر مؤهل يخشى الله وغير فاسد مثلكم.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:




العنصرية ومعارك الطلاب السودانيين من دارفور والصوفية والتصالح مع المجتمع السوداني..

بقلم: ياسر عرمان





معركة الطلاب السودانيين من دارفور هي معركة محددة المعالم طرفاها كل الطلاب السودانيين من جهة ونظام الإنقاذ ومعظم إدارات الجامعات الفاسدة والمعينة من قبل النظام والوحدات الجهادية لطلاب المؤتمر الوطني في كل الجامعات، وهي جزء من آليات سيطرة المؤتمر الوطني على الحركة الطلابية في الجامعات، أما موضوع العنصرية فهو موضوع حقيقي ورئيسي في المجتمع السوداني وله جذوره التاريخية والثقافية والإقتصادية، ومن ضمنها إرث تجارة الرقيق ويجب النضال من أجل الوصول لمجتمع لا عنصري يحتفي بالوحدة في التنوع، وعلينا أن لا نخلط بين المعركتين وأن ننتصر للقضايا المباشرة التي طرحها الطلاب وإجبار النظام وإدارة جامعة بخت الرضا لإحقاق الحق والعدالة، غير ذلك سيخلط الأوراق لمصلحة النظام، وعلينا أن لا نقع في مثل هذا الخطأ كحركة سياسية ومدنية ذات تجربة يجب أن تعززها وسائل التواصل الاجتماعي ولا تنتقص منها، وعلينا أن ننتصر للخط الذي يدعم طلاب دارفور وقضيتهم بكافة الأشكال الممكنة في الداخل والخارج.

إنتشر الإسلام الصوفي على مدى تسعة قرون منذ إتفاق البقط في 641م، وكان للمجتمعات الإفريقية وظائف روحية يقوم بها الكجور والكهنة وغيرهم تصالحت معها الصوفية، والتي هي من تراب هذه الأرض، أما الإسلام السياسي والسلفية الحربية فهم زبد سيذهب جفاء ولا صلة له بأرضنا أو شعبنا.

الشيخ الياقوت رايات مطرزة بالنذور و ياقوت والمأس...

ماقام به الشيخ الياقوت وإبنه محمد لهو إمتداد لقيم الصوفية الأصيلة التي تسعى لخدمة الناس، والتي توحد ولا تفرق، وتجمع ولا تشتت، برآياتها المطرزة بالنذور وبقبابها وبأضرحة الصالحين الذين يجلبون المطر عند المحل وتلد النساء على بركاتهم بإذن من الله العليم، وهو إسلام السودان وإفريقيا الضارب في عمق الثقافات، قبل أن يلوث حياتنا عبدالحي يوسف ومحمد علي الجزولي، وقد أحى الشيخ الياقوت وإبنه سنن المتصوفة الذين يحتاجهم مجتمعنا اليوم في وجه السلفية الحربية المحمولة على أسنة البترودولار، فله منا التحية، إن الدين الحق هو الذي يقف مع الفقراء ويجمع الناس ولا يفرقهم، والتحية مرة أخرى له ولأهل قرية الياقوت جميعا.

والمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة، ولنحتفي بكل دياناتنا الأتية من السماء أو من الأرض معتقدات كريمة.


علم الدين عمر يوقع على دفاتر الرحيل

نشرت بالأمس ما كتبه الصديق العزيز أبوبكر الأمين عن علم الدين عمر الذي رحل خلسة عن عالمنا في مدينة (الكيب تاون)، وقبل ما يزيد عن نحو عام أمضيت أمسية جميلة مع علم الدين عمر في مدينة الكيب تاون بعد أن ساهم في تنظيم ندوة خاطبنا فيها السودانيين في تلك المدينة، وكان ذلك هو لقاءنا الأخير.
عرف علم الدين عمر بمواقفه الواضحة من نظام الإنقاذ الذي شرده مع آخرين كثر، وربطته علاقات وثيقة مع كافة القوى الوطنية والديمقراطية ومن ضمنها الحركة الشعبية، والعزاء لإسرته ولأهله ولأصدقائه .




المصدر:

https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-281486.htm
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

التالي هو التقرير الذي قدمته مؤسسة "مشروع كفاية" Enough Project في يوليو الماضي؛ وكان قد قام بإعداده كبير مستشاري المؤسسة، سليمان بلدو.
ولأنني جُوبهتُ بعراقيل تقنية لنشر التقرير كاملاً هنا (ولعلها عراقيل تتعلَّق بشروط حجم المادة)، فلم أجد بُدَّاً من أنشره على جزئين:





مشكلة تتعلق بالقيادة: التصدي لأزمة خطرة تتعرض لها الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في السودان

تقرير: سليمان بلدو






الملخَّص التنفيذي


تتزايد احتمالية إفضاء الانقسام السياسي الأخير المتفاقم داخل قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال (يشُار إليها فيما يلي باسم "حركة التحرير" أو "الحركة")* التي تسيطر على مناطق محدودة في ولايتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق (يشُار إليهما فيما يلي باسم "المنطقتين") إلى حدوث تغيير في قيادة الحركة.

ومن المسائل التي تبعث على القلق البالغ أن الانقسام السياسي قد أفضى بالفعل إلى اشتباكات عنيفة ذات طابع قبلي قوي بين وحدات الجناح المسلح للحركة (الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال) في أجزاء من ولاية النيل الأزرق السودانية التي تسيطر عليها الحركة وفي المخيمات التي تستضيف لاجئين من النيل الأزرق عبر الحدود في ولاية أعالي النيل في جنوب السودان.1 وقد تفاقمت التوترات القبلية القائمة من قبل بسبب الانقسامات الناشبة بين كبار قادة الحركة. ويعوق العجز القيادي الذي يشُار إليه على أنه يمث ل أحد أسباب الانقسام الحالي وأحد آثاره في الوقت ذاته - آليات الاستجابة للأزمة الداخلية والإنسانية إعاقة مباشرة، هذا بالإضافة إلى أن ذلك العجز يزيد منمخاطر اندلاع مزيد من الحروب الأهلية -، الأمر الذي يخلق فراغا قياديا مؤقتا خطيرا على الصعيدين الإقليمي والمحلي. ويدفع هذا الفراغ قادة المجتمع الموجودين في المناطق التي تسيطر عليها الحركة في ولاية النيل الأزرق ومخيمات اللاجئين إلى تنفيذ مبادراتهم سعيا إلى تهدئة الأنصار وطمأنة المجتمعات المجاورة الأخرى.

وفي 7 مارس 2017، استقال عبد العزيز الحلو، نائب رئيس الحركة. وأشار في استقالته - المقدمة إلى مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان - إلى عدم قدرة الحركة على تعديل واعتماد بيان ودستور وإستراتيجية تفاوض قائمة على الأوضاع الراهنة فضلا عن نقص مبين في الهياكل التنظيمية اللازمة. وقد أشار أيضا إلى استفحال عدم الثقة في رئيس الحركة مالك عقار والأمين العام ياسر عرمان واعترف الحلو بمسؤوليته عن الإخفاقات السابقة. ورفض مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان استقالة عبد العزيز الحلو، وأيد الإصلاحات التي أوصى بها، قام علي ضوء ذلك بعزل الأمين العام ياسر عرمان من منصبه ومن قيادة فريق الحركة المشارك في المفاوضات مع الحكومة السودانية. وبناءا على رفض استقالته، استمر عبد العزيز الحلو بممارسة دوره القيادي بهدوء من خلف الكواليس.

وفي الأسابيع التي أعقبت ذلك، دخلت الحركة في دوامة انحدار تدريجية. وفقد الجانبان الثقة في بعضهما البعض، نظ را لتحدى كل منهما شرعية الآخر في إصدار البيانات أو العمل نيابة عن الحركة، وعندما قرر مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان في 7 يونيو إقالة رئيس المجلس مالك عقار - فضلا عن إقالته قبل ذلك الأمين العام ياسر عرمان وتوليته عبد العزيز الحلو منصب رئيس الحركة الانتقالي - شكك مالك عقار في مدى قانونية هذه العملية وذلكم القرار الذي رفضه باعتباره "انقلابا" بدافع عرقي.2 ولم يقبل الحلو العرض الذي قدمه عقار الذي يفيد بتنحي الثلاثة معا وتكليف أكبر القادة المتبقين مناصابا بإدارة شؤون الحركة لحين عقد مؤتمر الهيئة العليا المعنية باتخاذ القرارات في الحركة، ألا وهو مؤتمر التحرير الوطني للحركة*. ولكن بدلا من ذلك، صرح الحلو بأنه سيقوم بتشكيل مجلس قيادة انتقالي يتخذ الإعدادات اللازمة لعقد المؤتمر الوطني للحركة، واتسعت رقعة الانقسام في القيادة نظرا لتجاهل كل مجموعة من القادة المجموعة الأخرى واستمرارها في إصدار البيانات والقرارات.

ومع تفاقم الصراع بين الجانبين، باتت بوادر تفحل الانقسامات أكثر وضوحا على صعيد المجتمع المحلي، واتسمت بعض الانقسامات بالعنف في شهري مايو ويونيو، كما أصبح الدعم القاعدي لقائد واحد على الأقل يعاني مزيدا من الانقسام.

وفضلا عن تأجيج التوترات القبلية داخل الجيش وبين الهيئات المؤسسية بها، فإن لأزمة قيادات الحركة العديد من الآثار السلبية الأخرى، بما في ذلك المخاطر المتمثلة فيما يلي:

• زيادة تقويض عملية السلام المزدوجة التي يشوبها الجمود بالفعل مع الحكومة السودانية، التي يقودها الفريق رفيع المستوى المعني بالتنفيذ التابع للاتحاد الأفريقي (AUHIP) ويرأس هذا الفريق رئيس جنوب أفريقيا السابق تابو إيمبيكي.
• صرف انتباه الحركة بعيدا عن الأزمات الإنسانية الخطيرة في بعض المناطق الخاضعة لسيطرتها 3، وقد أثبتت القيادة التي عرقلتها نزاعاتها الخاصة أنها غير قادرة على التفاوض بشأن إيصال الإمدادات الطبية والإنسانية ذات الحاجة الماسة إلى المحتاجين.
• تقويض وحدة المعارضة بشأن مواصلة عملية السلام الدائم والعادل والتحول الديمقراطي الحقيقي في السودان، وفي الواقع، فإن مأزق الحركة يشكل خطرا يسهم في تبديد ثقة الشعب في تحالف "نداء السودان" المكون من جماعات وحركات معارضة سياسية ومسلحة، التي تضطلع فيها الحركة بدور بارز حيث يعُزى إلى المشاركين بدرجة كبيرة الفضل في دمج التحالف معا، وهذا يشكك في قدرة "نداء السودان" على الصمود في وجه النظام وإنجاز مهمته في توجيه الدولة صوب عملية سلام عادل ودائم وتحول ديمقراطي.
• تقويض الحركة ذاتها واضعاف ولدور الذي تؤديه في الدفاع عن الفئات المحرومة في المناطق المهمشة وفي جميع أرجاء السودان.

هذا ويحُتمل أن تتصاعد التوترات القبلية التي نشبت في ولاية النيل الأزرق وفي مخيمات اللاجئين في جنوب السودان لتخرج عن سيطرة الحركة برمتها إذا لم يتم احتواء هذه التوترات بصورة مسؤولة، وفيما يتعلق بجميع هذه المخاطر، يتحتم على طرفي النزاع السياسي وحلفائهما في المعارضة السياسية السودانية والمجتمع الدولي تكريس اهتمام وموارد عاجلة أكثر مما خُصِص حتى الآن للتخفيف من حدة هذه الأزمة.

ويتعين على الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية ذات التأثير على المنطقة الضغط على كلا الطرفين لبذل أقصى ما في وسعهما لمواجهة المخاطر المترتبة على النزاع القائم بينهما. ولسوء الحظ، فإن العديد من جهود الوساطة التي بذلها حلفاء نداء السودان مع الحركة وبعض الشخصيات البارزة ومجموعات من المجتمع المدني وأعضائها في قطاع الشمال قد أخفقت في ردم هوة الخلافات بين الطرفين في النزاع. ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق بشأن الآليات المشتركة الرامية إلى التحضير لعقد دورة استثنائية للمؤتمر الوطني التابع للحركة الذي يعترف كل طرف من الطرفين على حدة بأن انعقاده ضروري لحل المسائل الدستورية والتنظيمية والإستراتيجية التي أبرزها عبد العزيز الحلو في خطاب استقالته. وبدلا من ذلك، فقد شرع كل جانب في التحضير للمؤتمر بشكل مستقل عن بعضهما البعض على النحو المبين أعلاه.

ومن جانبها، وجدت الحكومة السودانية في شلل الحركة ذريعة لمواصلة فرض الحصار الإنساني الذي واصلت فرضه على المناطق التي تسيطر عليها الحركة منذ استئناف النزاع المسلح في عام 2011. وقد طلبت الحكومة السودانية طائرات حربية ومدرعات من مورديها المعتادين للأسلحة وأشرفت على تخريج آلاف المقاتلين الجدد لقواتها شبه العسكرية، وهي قوات الدعم السريع سيئة السمعة. وقد أصبحت قوات الدعم السريع الآن جزءا من الجيش الوطني السوداني، وقد يكون ذلك استعدادا لاستئناف القتال مع الحركة بعد وقف الأعمال القتالية أحادية الجانب، الذي التزم به ك لا الجانبين إلى حد كبير، تدفع كلا منهما أسبابه الخاصة.

وستؤدي أزمة القيادة المفتوحة داخل الحركة إلى إطالة أمد معاناة سكان ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الذين وضعوا ثقتهم في الحركة لقيادة كفاحهم المستمر منذ عقود من أجل وضع حد للتهميش الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي عانوه على أيدي الحكومة السودانية. ومن شأن أزمة القيادة هذه أن تشكل عقبة رئيسية في سبيل تحقيق السلام والازدهار العادلين اللذين طالما سعى شعب هاتين المنطقتين لتحقيقهما ولم يتحقق حتى الآن.

ما ينُذِر بالسوء أن الصراعات بين قيادة الحركة قد استحالت مواجهات دامية بين مؤيدي الرئيس مالك عقار ومعارضيه في أجزاء من المناطق التي تسيطر عليها الحركة في النيل الأزرق وفي مخيمات اللاجئين المنتشرة عبر الحدود في جنوب السودان بدءا من ولاية النيل الأزرق. وقد لقي عشرات الأشخاص مصرعهم في هذه الاشتباكات 4. ومن الأمور الأخرى التي تبعث على القلق التقارير التي تفيد بوقوع حوادث ترهيب في جبال النوبة، التي تمثل قاعدة دعم عبد العزيز الحلو، على يد أولئك الذين يدعمونه ضد من يدعمون عرمان وعقار. وقد غادر بعض أعضاء الحركة المنطقة في وقت لاحق من حراء ذلك. وقد يؤدي التعثر الممتد لفترات طويلة الذي تشهده قيادة الحركة إلى تفاقم الوضع بخروجه عن سيطرة القادة، مما يزيد من معاناة السكان الذين كان ينبغي أن تقدم لهم الحركة الدعم والحماية.

وعلى الرغم من أن الوسطاء الإقليميين وداعميهم الدوليين في وضع لا يتيح لهم التوسط في الخلافات الداخلية في إطار طرف واحد في المفاوضات، إلا أنه يتعين عليهم الإعراب عن مخاوفهم بشأن المخاطر المرتبطة بهذه الانشقاقات إلى القادة المعنيين وإقناعهم بضرورة تفادي وقوع الأسوأ. ويجب على الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية أن تشارك بصورة بناءة، وألا تبقى على هامش هذا النزاع وأن تتجنب الوقوف في صف طرف دون الآخر. وينبغي لهذه الجهات أيضا أن تشجع بفعالية طرفي الحركة على الاتفاق على معالجة الوضع الإنساني المتردي في جنوب كردفان والنيل الأزرق وتخفيف المخاطرة الحقيقية الناجمة عن تصاعد النزاعات العرقية الناجمة عن خلافاتهما من خلال ترتيبات بناءة وتعاونية.

وفي نهاية المطاف، لا يمكن التوصل إلى حلول دائمة للصراع في المنطقتين دون موافقة الحكومة السودانية على إنهاء التهميش الاقتصادي والسياسي التاريخي للمناطق المهمشة بالسودان ومعاملة جميع مواطنيها على قدم المساواة. وتقل فرصة المعارضة التي تنهكها الانقسامات الداخلية في الضغط من أجل الحصول على تنازلات كبيرة من النظام الاستبدادي للرئيس عمر البشير.

نظرة عامة


أدت الانقسامات الواضحة على نحو متزايد بين كبار قادة الحركة الي شق صف الحركة التي كانت خلال السنوات الأخيرة بمثابة محور قوي لتحالف المعارضة المسلحة السودانية في المجال العسكري والسياسي في إطار من التماسك والتأهب والرهبة. وقد كانت الحركة أيضا ركيزة أساسية لمباحثات السلام مع الحكومة السودانية. وقد لاقت الحركة - التي لعبت دورا محوريا لسنوات في التنظيم والتفاوض تحقيقا لمصالح المعارضة مع الحكومة السودانية - انتقادات شتى باعتبار أنها قد قدمت تنازلات أكثر مما ينبغي أو غير كافية في هذه المفاوضات. وأي تشرذم داخل الحركة يمكن أن يصل صداه إلى حركة المعارضة السودانية المسلحة الأوسع نطاقا برمتها، وقد يؤثر بشدة على الجهود المنظمة التي تبذلها العديد من الجماعات المعارضة للحكومة السودانية التي تضافرت لتنسيق جهودها، إن لم يقوضها.

يذُكر أن رئيس جنوب أفريقيا السابق تابو إيمبيكي، رئيس فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى المعني بالتنفيذ، قد اجتمع في 24 أبريل 2017 في أديس أبابا بإثيوبيا مع وفد من الحركة تألف من الرئيس مالك عقار والأمين العام ياسر عرمان مع كبار مساعديهما.

وقد تغيب بشكل واضح عبد العزيز الحلو، نائب رئيس الحركة، وقائد شعب جبال النوبة في جنوب كردفان لفترة طويلة، عن هذا اللقاء وغيره من اللقاءات. وقد وضعت استقالة عبد العزيز الحلو من منصبه القيادي في أوائل مارس عملية السلام السودانية المتوقفة أصلا، والتي قادها فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى المعني بالتنفيذ، على مسار محفوف بالمخاطر.

وفي شهر مارس، صدر قرار عن اجتماع مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، وهو هيئة إقليمية تابعة لمؤسسات الحركة، بإبعاد الأمين العام ياسر عرمان عن ملف المفاوضات نيابة عن الحركة مع الحكومة السودانية. وقد كان من الملاحظ والمثير للجدل أن تصدر هيئة إقليمية قرارا بشأن أدوار القيادة الوطنية الأوسع نطاقا. وبعد ذلك، أقال مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان أيضا الرئيس مالك عقار، وعين عبد العزيز الحلو رئيسا للحركة خلفا له في يونيو، وأصدر قرارا بمنع كل من عقار وعرمان من العودة إلى الأقاليم التي تسيطر عليها الحركة في المنطقتين.

وفي ظل إنكار واضح للمؤشرات المنذرة بالخطر وبعكس ذلك، سعى الرئيس والأمين العام في بداية الأزمة إلى طمأنة الوسطاء الدوليين وأنصارهم المحليين - وسط تلك المجتمعات الموجودة في ولايتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق - وغيرهم في جميع أنحاء السودان - بأن النزاع يمكن معالجته في إطار أسرة الحركة. وعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن الحركة قد واصلت انجرافها إلى أزمة مفتوحة. وتواجه الحركة خطر الانقسام إذا لم تعالج القضايا التأسيسية والتنظيمية والإستراتيجية الملحة التي أثارها الحلو من خلال إجراء إصلاحات جذرية.

جدير بالذكر أن حدوث شلل سياسي أو انقسام رسمي للحركة - في أسوأ الظروف - من شأنه أن يؤدي إلى زيادة تعقيد الوضع السياسي والأمني الذي يبدو مستعصيا على الحل في السودان. ومن شأن الانقسامات القائمة في الحركة أن تؤدي إلى تفاقم الانقسامات والنزاعات الداخلية بين الفصائل المتناحرة بما يؤثر على ركائز حركة "نداء السودان" المعارضة بأسرها. ويشهد هذا التحالف اضطرابا مستمرا جراء المصادمات العامة بين أعضائه وهو الذي انطلق في ديسمبر من عام 2014 حاملا آمالا عريضة في توحيد صف المعارضة- متألفا من أحزاب سياسية وجماعات مجتمع مدني تطمح إلى التغيير الديمقراطي وحركات مسلحة تسعى هي الأخرى إلى التحول الديمقراطي في نظام الحكم، تكون فيه الحركة إحدى الجهات الفاعلةالأساسية.5

هذا وقد عبر كثير من المعلقين عن آمالهم في أن تتغلب حركة التحرير على انقساماتها الداخلية، وأن تبُدي إجراء إصلاحات جذرية إن أمكنها أن تصبح أكثر شمولية وتمثيلا. ومع ذلك، بينما بدت الأزمة في إحدى مراحلها متوجهة صوب انقسام رسمي للحركة، إلا أنه يبدو أثناء كتابة هذا التقرير أن فصيل الحلو قد هيمن على الوضع وفرض تغييرا فعليا في القيادة.

وبينما كانت تكشف هذه الأزمة عن وجهها، بدا الجانبان غافلين عن الحالة الإنسانية المتفاقمة التي أثرت على آلاف الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال.
وبسبب انقساماتهم فشلوا في معالجة مسألة وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر تضررا من نقص الأغذية.

وقد برزت هذه الانقسامات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال فور عقد الحكومة السودانية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم حوارا وطنيا منظم تنظيما جيدا ويهدف إلى تعزيز الوضع الراهن من سيطرتهما الكاملة بدلا من إرساء أسس الحوكمة الأصيلة والإصلاحات الأمنية الضرورية إذا ما أريد حل الأزمات السياسية المزمنة والحروب الأهلية في السودان. وأدى إطلاق "حكومة الوفاق الوطني" التي طال انتظارها في منتصف مايو 2017 إلى إكمال العملية، على الرغم من أن العديد من السودانيين يعتقدون أن تلك العملية ليست شرعية. إن سياسة النظام المتمثلة في وضع اللمسات الأخيرة على الحوار الوطني قبل إشراك جميع أصحاب المصلحة بصورة هادفة، قد تؤدي إلى تعطيل عملية التفاوض التي سعى فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى إلى تحقيقها. وفي الواقع، إن خارطة الطريق المؤدية إلى تحقيق حوار وطني أكثر شمولا هي ما تمثل نقطة الترسيخ لوساطة الاتحاد الأفريقي، وتوفر خارطة الطريق هذه الأساس لدعم المجتمع الدولي لعملية السلام. وفي الوقت الذي تظاهرت فيه الحكومة السودانية بالموافقة على هذه العملية سعت إلى تعزيز سيطرتها وفرض شروطها التي تنشدها على جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك أصحاب الوساطة. إن فشل فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى في مطلع عام 2016 في طلبه من الحكومة السودانية الوفاء بالالتزامات التي وقعت عليها خلال المفاوضات مع الجهات المعنية لتحالف نداء السودان، أعطى الانطباع بأن الوساطة قد أذعنت لأجندة الحكومة السودانية.6

ومع وجود هذه الاضطرابات بين الجهات الفاعلة السودانية، يبدو أن عملية الوساطة ذات المسارين التي تتسم ببطء حركتها لإنهاء الصراعات في المنطقتين من جهة، والصراع الدائر في دارفور من جهة أخرى تفقد ما لديها من طاقة ضئيلة تمكنت من الاحتفاظ بها بعد خوض 14 جولة من المحادثات التي أجريت منذ إطلاقها في عام 2012 ويضاف إلى ذلك أن النتائج لا تساوي حجم الجهود المبذولة. وقد تؤدي التوترات المتزايدة داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال إلى إخراج العملية عن مسارها بشكل دائم.

معلومات أساسية بشأن انقسامات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال

تنبع انقسامات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، المفصلة بشكل أكبر فيما يلي من شعور جماعات معينة بإحساس عميق بالتهميش فضلا عن التظلمات التي لم تحل بعد بشأن أوجه القصور في التمثيل والمشاركة في آليات صنع القرار الداخلية والخارجية للحركة. وتعزى هذه التظلمات وفقدان الثقة جزئيا إلى التطور غير الكامل وعدم كفاية أداء المؤسسات الشاملة التي صممت للاستجابة لهذه التوقعات بشأن المشاركة والتمثيل، وتعتبر في بعض الحالات مؤسسات أقل مصداقية وفعالية من المؤسسات المحلية. وقد كانت هناك أعمال مراقبة لصيقة ومناقشات محتدمة بشأن مدى كون الانقسامات داخل قيادات الحركة ذات طبيعة شخصية أو مرتبطة بالعلاقات مع الآخرين. ومع ذلك بدا تأثير هذه الانقسامات واحدا: حيث كان المدنيون في المناطق المتضررة هم الأكثر معاناة، ومن ناحية اخري تهدد هذه الانقسامات فرص إنهاء الصراعات على الصعيدين المحلي والوطني.

وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال تمثل القطاع الشمالي للحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها الجنوب والتي أسسها جون قرنق في عام 1983. وخلال الحرب الأهلية التي دامت 23 سنة بين عامي 1983 و 2005، عانت مناطقتا جنوب كردفان والنيل الأزرق بشدة من التهميش السياسي والاقتصادي حيث كانت هاتان المنطقتان من المناطق التي تحظى فيهما الحركة بتأييد كبير. وقد هُمشت هذه المناطق عندما كان السودان موحدا، وبعد انفصال جنوب السودان أيضا. كانت أيديولوجية جون قرنق المتمثلة في مفهوم "السودان الجديد" تستند على أساس استيعاب تنوع البلاد في سودان علماني وديمقراطي وموحد يقوم على حقوق المواطنة المتساوية. ولم تستقطب هذه الرؤية الأشخاص المهمشين والمحرومين من حقوقهم الموجودين في المناطق الحدودية السودانية وحسب، بل والكثير من السودانيين في المناطق الحضرية، مما خلق دائرة مناصرين كبيرة للحركة الشعبية لتحرير السودان، والمسماة لاحقا بالحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، والتي تجاوزت الانقسامات الإقليمية والعرقية الناجمة عن الحرب الأهلية.

وقد دفعت الانقسامات الداخلية الشديدة التي تشهدها الحركةالعديد من كبار كتاب الرأي السودانيين إلى القول بأن أيديولوجية "السودان الجديد" قد ولت إلى غير رجعة، أو من المحتمل تعرضها إلى تراجع شديد، بذات القدر الذي أدت فيه ثلاثة عقود من الحكم الفاسد الي القضاء على أيديولوجية السودان الأخرى المهيمنة، الحركة الإسلامية السودانية.7 وقد دفعت هذه الحجج ياسر عرمان إلى الرد بأن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال ما زالت حية ومزدهرة. وقد وعد بإحيائها من خلال تدشين حركة وطنية.8 وفي الوقت نفسه، استخدمت الحكومة السودانية حجة زوال أيديولوجية "السودان الجديد" للإصرار على أن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال لم تعد ذات جدوي بعد الآن.9 وهذا أمر متوقع، حيث إن أيديولوجية "السودان الجديد" تمثل تحديا حقيقيا منافسا للمشروع الوطني الشامل للحركة الإسلامية السودانية التي تسعى إلى توحيد السودان تحت هوية إسلامية وعربية من خلال برنامج أطلقت عليه اسم "المشروع الحضاري".

بداية مربع النص


الهياكل الإدارية للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال


كان الهدف من وراء تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال هو أن تؤدي الدور المنوط بالحركات الوطنية والذي يتجاوز الانقسامات ويمثل دوائر عريضة في مناطق عديدة. لذا وضعت الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال مجموعة من مؤسسات الحوكمة (هيئات، مبادئ، قواعد، وظائف، سياسات للإقرار) تغطي الحركة على المستوى القومي. ولدى الحركة أيضا مؤسسات إقليمية أصغر، في جنوب كردفان والنيل الأزرق، على غرار المؤسسات الأوسع نطاقا والأكثر امتدادا. وقد أعيق التطوير والتوظيف الكامل لهذه المؤسسات (المفصلة أدناه) لعدة سنوات نتيجة للصراع المسلح الجاري وفشل القادة في إعطاء الأولوية لتحقيق الديمقراطية في الحركة، كما أن الانقسامات السياسية العميقة بين القادة رفيعي المستوى في الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال قد زاد من تكسبح هذه المؤسسات.

يشير دستور الحركة لعام ٢٠١٣ إلى أن المؤتمر القومي هو الكيان السياسي والتنظيمي والتشريعي الأعلى فيها. وفي المقابل كُلف مجلس التحرير بممارسة كامل صلاحيات مؤتمر الحركة القومي في الفترات الفاصلة بين اجتماعاته، وتتضمن تلك الصلاحيات الإشراف على أداء مجلس قيادة الحركة وهياكلها الأخرى، فضلا عن اعتماد موازنة الحركة السنوية، ومساءلة أعضائها. ولم يوُظَّف مجلس التحرير توظيفا كاملا بسبب سفر أعضائه أو انشقاقهم أو افتقارهم إلى القدرات اللازمة أو موتهم فضلا عما تبع ذلك من استئناف الحرب في المنطقتين في عام 2011.

كُلِف مجلس القيادة التابع للحركة بتنفيذ سياسات الحركة وبرامجها وأنشطتها وفقا للأهداف والرؤية التي أعلنتها الحركة والواردة في دستورها. ويشرف مجلس القيادة على الأداء التنفيذي والسياسي والتنظيمي للحركة ويتولى أيضا مهمة تحديد التحالفات السياسية وضم الحركة إلى تلك التحالفات فضلا عن تمثيلها في الإجراءات السياسية والمفاوضات التي تجرى مع الأطراف الأخرى، بما في ذلك تلك الإجراءات والمفاوضات المتعلقة بعملية السلام.

إن إحدى المهام الرئيسة لمجلس القيادة هي إعادة تنظيم الحركة وتوحيد فروعها في ولايتيْ النيل الأزرق وجنوب كردفان مع الفروع الموجودة في ولايات السودان الأخرى. ومع ذلك، أفاد عضو بارز في الحركة بأن مجلس القيادة لم يجتمع سوى مرة واحدة فقط في السنوات الخمس الماضية.

هذا ولم يجُهز مجلس التحرير رفيع المستوى تجهيزا كاملا، ولم يجتمع مجلس القيادة العادي مؤخرا، مما أدى إلى حدوث انقسام في الهيكل القيادي للحركة، وهيئتها السياسية والتنظيمية والتشريعية العليا، فضلا عن فروعها المتنوعة واسعة الانتشار.

يقضي دستور الحركة بمحاكاة تلك الهيئات على المستوى الإقليمي من خلال تشكيل مؤتمر عام (هيئة تشريعية)، ومجلس تحرير إقليمي ومجلس قيادة لكل منطقة. كما يطالب دستور الحركة هذه الهيئات الإقليمية بتولي تكليفات الجهات الوطنية حسبما يلائم المستوى الإقليمي. وتفيد التقارير بأن مجالس التحرير الإقليمية الحالية للنيل الأزرق وجنوب كردفان قد عينوا هيئات مكلفة بإدارة شؤون كل منطقة. ولم تشُكل قط مجالس إقليمية مماثلة في بقية أقاليم السودان.10

وقد أدى انقسام القادة ومشكلات القدرات المؤسسية على الصعيدين القومي والإقليمي إلى اتساع الفجوة بين القرارات المتخذة من الحركة على المستوى الوطني وتلك المتخذة على المستوى الإقليمي وذلك بالإضافة إلى تشويه مصداقية القيادة الوطنية. وقد أدت هذه الفجوة الآخذة في الاتساع إلى زيادة الحاجة إلى الإصلاح المؤسسي وتحسين التمثيل الذي تراه كثير من العضوية عنصرا حيويا في سلامة الحركة وبقائها.

مربع نهاية النص


نشبت الأزمة الحالية في الحركة أمام الجميع عندما قدم عبد العزيز الحلو استقالته بتاريخ 7 مارس 2017 إلىمجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، بدلا من تقديمها إلى مجلس القيادة العام للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، مؤكدا من خلال ذلك الموقف انعدام شرعية ذلك الأخير من وجهة نظره.

وفي الأساس، أشار عبد العزيز الحلو بأصابع اللوم إلى كل من رئيس الحركة مالك عقار والأمين العام ياسر عرمان لفشلهما في الإشراف على اعتماد بيان رسمي للحركة وإقناعهما مجلس القيادة في اجتماع عام عقد في عام 2013 باقرار دستور للحركة في ظل غياب مبادئ التوجيه الأيديولوجي التي كان سينص عليها ذلك البيان. كما اتهم عبد العزيز الحلو كلا من ياسر عرمان ومالك عقار بالتقاعس عن تطوير الهياكل المؤسسية للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011. ووفقا لما ارتآه عبد العزيز الحلو، فإن ياسر عرمان ومالك عقار أساءا إدارة عملية التفاوض مع الحكومة السودانية من خلال إضعاف مطالب الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال.11

وأعرب عبد العزيز الحلو في استقالته عن سأمه من نكوص الحكومة السودانية عن الوفاء بالتزاماتها في اتفاقية سلام واحدة تلو أخرى. وأوصى بأن يدافع مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان عن تقرير المصير باعتباره حقا أصيلا لشعب النوبة في أي مفاوضات مستقبلية - على أن لا يكون ذلك سوى ملاذا أخيرا إذا لم تعترف الحكومة السودانية بحقوق المهمشين وتحترمها لتحقيق المساواة في المواطنة في السودان، والعدالة في توزيع الثروة الوطنية والتمثيل السياسي. ثمة صمام أمان آخر متمثل في قول عبد العزيز الحلو أيضا بأنه ينبغي على الحركة أن تصر على إبقاء جيشها لمدة 20 عا ما بعد أي اتفاق، حتى يتأكد شعب النوبة من امتثال الخرطوم لتطبيق الشروط الكاملة لأي اتفاق سلام جديد.

وأوضح عبد العزيز الحلو في مقابلة لاحقة أن دعوته إلى تقرير المصير تعني كما قال: "إن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال تدعو إلى الوحدة عن طواعية أو عن طريق الاختيار باعتباره مبدأ من المبادئ. وفي هذا السياق، فإن المطالبة بتقرير المصير هو حكم مشروط، سواء من أجل [تحقيق] سودان جديد موحد يتميز بالطابع العلماني والديمقراطية أو دون. ذلك خيار تقرير المصير. ولكن أولئك المتحيزون قد جردوا الحكم من شروطه، ليهاجموه خارج السياق... وللأسف إنهم كثر. حتى أن البعض منهم له علاقة بمشروع السودان الجديد".12

تحمل عبد العزيز الحلو بصفته عضوا في قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال نصيبا متساويا من المسؤولية [مع مالك عقار و ياسر عرمان] عن أوجه القصور التنظيمي الجسيم وعدم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن استراتيجية التفاوض الخاصة بالحركة. ومن المرجح أن يكون هذا الأمر الواقع سببا جزئيا في استقالته.

دفعت استقالة عبد العزيز الحلو المقدمة غيابيا إلى عقد مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان اجتماعا طارئا استمر نحو ثلاثة أسابيع (6 إلى 25 مارس). وقد صادق مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان في بيانه النهائي على حجج عبدالعزيز الحلو ورفض استقالته. وسحب مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان ثقته من الأمين العام ياسر عرمان وأقاله من قيادة فريق المفاوضات في الحركة، بالإضافة إلى أنه طالب أيضا بحق تقرير المصير لمنطقة جبال النوبة وهو الحق الذي دعا إليه عبد العزيز الحلو.13

دعا مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان إلى عقد جلسة طارئة للمؤتمر القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في غضون شهرين من أجل اعتماد بيان رسمي ودستور جديدين وانتخاب مجلس تحرير وطني جديد. وأشار عبد العزيز الحلو إلى أن الدافع لاستقالته يكمن في غياب الوثائق الإطارية والهيئات الإدارية أو عدم كفايتها، فضلا عن عدم ثقته بمالك عقار وياسر عرمان، على أنها الدافع لاستقالته.
ويبدو أن مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان قد انحاز تماما لجانب عبد العزيز الحلو.

وبحلول منتصف مارس، أكد رئيس الحركة مالك عقار لوسائل الإعلام أن نائبه قد استقال بالفعل.14 وفي 25 مارس، وصل ياسر عرمان ومالك عقار إلى كاودا، التي تعتبر عاصمة "المناطق المحررة" في منطقة جبال النوبة، برفقة أعضاء آخرين في مجلس القيادة الوطني المطعون فيه التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال. واجتمعوا مع رئيس أركان الجيش الشعبي التابع للحركة جقود مكوار، وغيره من كبار الضباط، والحكام المعينين من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

أصدر القادة بيانا تفصيليا في 3 أبريل يوثق نتائج اجتماعاتهم. وأكد البيان أن مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان هو هيئة إقليمية معينة ومكلفة بمناقشة شؤون المنطقة فقط وليس القضايا الوطنية، واعتبر قرارات المجلس - بما في ذلك إقالة الأمين العام ياسر عرمان - باطلة ولاغية. ومن المفارقات، أنه على الرغم من أن مجلس القيادة قد طعن في شرعية مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، اتفق ذلك المجلس مع القرار المحوري الرئيسي لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان: ويقضي هذا القرار بتأجيل حل المشكلات التنظيمية والاستراتيجية التي أثارتها استقالة عبد العزيز الحلو إلى موعد المؤتمر القومي الطارئ المقرر انعقاده في غضون بضعة أشهر.15

على الرغم من هذا الاتجاه الأولي المتخذ في حل المشكلات من خلال الحوار وتوافق الآراء، إلا أن الفصيلين سرعان ما نكص كل منهما على عقبيه، حيث أصر مالك عقار وياسر عرمان على أنهما القائدان الشرعيان، وينبغي اعتبار القرارات التي يتخذانها هي فقط قرارات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال. وعلى هذا الأساس، أعلن المجلس القيادي في بيانه الصادر في 3 أبريل أن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال ستشن حرب جديدة في دارفور.16 وسخر عبد العزيز الحلو في وقت لاحق من هذه الدعوة لحمل السلاح واعتبرها دليل على اِضْطِراب المجموعة، قائلا: "هذه دعاية في غير محلها لأن إشعال الحروب لا يتم من خلال البيانات الصحفية".17

أحداث متلاحقة تنذر بالسوء


أثارت هذه التطورات مجتمعة مخاوفا من وجود الحركة على شفا أزمة علنية. ومع ذلك، من الممكن أن تمثل أي أزمة فرصة أمام الحركة تمكنها من التصدي لمواطن الضعف ونقاط الضعف الهيكلي لمتابعة إحياء الحركة وتجديدها. وتشير عدة مؤشرات إلى أن التوصل إلى تسوية سلمية لأزمة القيادة الداخلية ما زال أمرا ممكنا، وذلك على النقيض مما حدث للحركة الشعبية لتحرير السودان الشقيقة في جنوب السودان، عندما طعن نائب الرئيس السابق رياك مشار في شرعية الرئيس سالفا كير.

أولا، استقال عبد العزيز الحلو بد لا من اللجوء إلى العنف بعد أن ذكر خلافاته مع أعضاء القيادة الآخرين في استقالته المقدمة إلى هيئة القيادة الجماعية. بيد أن خيارات عبد العزيز الحلو قد تكون محدودة نظرا إلى أنه لم يعد عضوا فعالا في الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال (الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال)، ولأنه كان يقيم خارج المناطق التابعة للحركة في السودان بعد أن ترك منصب رئيس أركان الجيش الشعبي لتحرير السودان - في عام 2015. ثانيا، بالرغم من أن عبد العزيز الحلو كان ينوي أن تظل استقالته أمرا سريا، فقد أدى تسربها إلى وسائل الإعلام توسيع دائرة الجدل، مما أجبر أعضاء آخرين من القيادة على الإعلان على الملأ عن نهجهم إزاء حل هذه القضايا.18 ثال ا، يبدو أن جميع القادة متفقون على أن الجلسة المخطط لها للمؤتمر القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال هي المكان الذي يمكن فيه مراجعة الوثائق التنظيمية وهياكل الحكم التابعة للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال ووضع اللمسات الأخيرة عليها.

على الرغم أن العوامل الثلاثة مجتمعة تشير إلى إمكانية التوصل إلى نتيجة سلمية، إلا أن هناك مؤشرات على تفاقم الأزمة مما يمكن أن يضع الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال على شفا الوقوع في الصراعات الداخلية مباشرة بصورة أكبر تساهم في إشعالها العوامل العرقية والإقليمية.

وفي محاولة مبكرة للحول دون الوصول إلى هذه النتيجة، أنشأ مجلس القيادة بقيادة مالك عقار بصورة منفردة لجان متعددة للتحضير للمؤتمر الوطني للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال. ومن ضمن هذه اللجان لجنة معنية بالمشكلات الدستورية والسياسية يرأسها مالك عقار، وقد كان من المقرر أن تستعرض تلك اللجنة المسودات القائمة لبيان الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال ودستور الحركة. كما أنشأ أي ضا لجنة لتدبير الموارد اللازمة للمؤتمر.19

وفي الوقت نفسه، أشارت التقارير إلى التحضيرات التي تتم في أبريل ومايو والتي يقودها عبد العزيز الحلو لتشكيل لجنته التحضيرية المستقلة المتعلقة لمؤتمر القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال. وقد قصر عبد العزيز الحلو تواصله على أقرب معاونيه منذ أن أثارت استقالته الأزمة، حيث عمل بهدوء لعقد جلسة متابعة لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، الذي عُقد في نهاية المطاف في 6 يونيو في " المناطق المحررة "في جبال النوبة، مرة أخرى في غياب عبدالعزيز الحلو. وشمل جدول أعمال الاجتماع تعيين "قيادة انتقالية" لتحل محل السلطة الثلاثية والمضي قدما في التحضيرات لجلسة المؤتمر القومي .20

ومع وجود أدلة على اتساع الخلاف الذي كان على وشك الظهور حينها وبجهد حثيث لإخفاء نطاقه، أرسل مالك عقار رسالة سرية بتاريخ 5 يونيو إلى الإدارة المدنية والقادة العسكريين للحركة في المنطقتين وإلى رؤساء المكاتب الخارجية للحركة، في محاولة واضحة منه لمنع نتائج اجتماع مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان المزمع عقده في الأيام التالية لمطلع يونيو. وقد حذر في ذلك الخطاب من أن عقد اجتماع آخر لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان سيكون غير مشروع، وقال إن ذلك من شأنه تمزيق الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال وجيشها (الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال).21 دعا الرئيس مالك عقار - متحدثا باسمه وباسم الأمين العام ياسر عرمان - نائب الرئيس عبد العزيز الحلو للانضمام إليهما في الإقرار بضرورة إنشاء فريق "قيادة انتقالي" من أجل التحضير لجلسة المؤتمر القومي العامة. وذكر مالك عقار أنه هو وياسر عرمان عرضا من جانبهما على رئيس الأركان أن يشغل منصب الرئيس وعلى ونائبه المعني بشؤون العمليات، أن يشغل منصب نائب الرئيس بصفتهما من كبار مسؤولي الحركة القادمين، كما ذكر أنهما قد عرضا على أحد الزعماء المدنيين بالحركة منصب الأمين العام، ولكن الثلاثة جميعا رفضوا، مشددين على أن تتولى القيادة تسوية خلافاتها بنفسها. ولن يتم المساس بأعضاء مجلس القيادة الآخرين، وفقا لاقتراح مالك عقار.

دحض خطاب مالك عقار الدعوة إلى حق تقرير المصير التي يؤيدها عبد العزيز الحلو من بين أشخاص آخرين لأنها - وفقا لما أفاد به - ستعمل على إطالة أمد الحرب وعزل المنطقتين عن الصراع الأعم الدائر من أجل التغيير الديمقراطي ولأنها تعد جزءا لا يتجزأ عن الصراع على الصعيد الوطني. ودعا خطاب مالك عقار إلى الحكم الذاتي باعتباره هدفا أكثر واقعية وقابلية للتحقيق بالنسبة للحركات، كما أنه أوضح مواقف فريق التفاوض بشأن مسألة دمج جيش الحركة والتي يعتبرها عملية تدريجية وينبغي أن تجري عقب التوصل إلى اتفاق سياسي، وعقب التأكد من الأدلة على تنفيذ الاتفاق السياسي بمرور الوقت.

ومع ذلك، أسفر اجتماع مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان المنعقد في 6 يونيو عن بيان نهائي لم يقتصر على عزل الرئيس مالك عقار وتولية عبد العزيز الحلو بد لا منه فحسب، بل منعه أيضا هو والأمين العام ياسر عرمان من الدخول إلى المناطق التي تسيطر عليها الحركة. وقد برر القراران رقم 3 و4 الصادران من مجلس تحرير جبال النوبة في 7 يونيو هذه التدابير وأرجعها إلى رفض الرئيس مالك عقار قبول قرارات المجلس السابقة والزعم بمسؤوليته عن نشوب القتال القبلي الذي وقع في ولاية النيل الأزرق وفي مخيمات اللاجئين في جنوب السودان.22

قبل عبد العزيز الحلو النتائج التي توصل إليها الاجتماع، ووصف دوره العام بأنه انتقالي في الفترة التي تسبق انعقاد المؤتمر القومي، حيث سيقوم بالتحضيرات اللازمة للمؤتمر.23 ولكي يخفف عبد العزيز الحلو من وطأة الأمر على أقرانه السابقين اعترف بمساهمتهم التاريخية في النضال وعرض عليهم بلباقة حضور المؤتمر العام وقال انه سيكون لهم الحق في الترشيح لتولي المناصب القيادية شأنهم شأن أي عضو آخر.24

كما هو متوقع، طعن الرئيس مالك عقار والأمين العام ياسر عرمان في موقف مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان لاتخاذ مثل هذه القرارات، ووصف الموضوع بأكمله على أنه مجرد انقلاب تحركه دوافع قبلية ضيقة. ومن الواضح أنهما صدما لمنعهما من الدخول إلى المنطقتين، وأشارا إلى أنهما سيناشد ان أعضاء الحركة الآخرين الموجودين في جميع أنحاء السودان الذين ما زالوا يؤمنون بقضية "السودان الجديد" للانضمام إليهما في إحياء الحركة لتحقيق هذا الهدف. وسرعان ما تلا ذلك حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتوفير قاعدة دعم أوسع لدعوتهما لرفض ما وصفاه بأنه انقلاب ولإحياء الحركة.


ملصق يعلن فيه الاستعداد لتدشين حركة جديدة وفقا لأيديولوجية السودان الجديد، بقيادة مالك عقار.

وفي تحليل مبكر للأزمة، توقع الباحث والمدون السوداني مجدي الجزولي أنه سيتم حسم مسألة الفجوة المتنامية في نهاية المطاف حسب الجهة التي سينحاز جيش الحركة إليها بدعمه.25 وعقب اجتماع لقادة الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال عُقد في 15 و 16 يونيو، أصدر رئيس أركان الجيش بيانا أيد فيه قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، واعترف بعبد العزيز الحلو رئيسا للحركة وقائدا عاما لجيشها،26 ودعا إلى عقد المؤتمر القومي للحركة في غضون شهر. ودعا البيان عبد العزيز الحلو للعودة - في غضون 10 أيام - إلى المركز العام للحركة في جبال النوبة، التي تعتبر الجبهة الأولى للجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال، لمعالجة الوضع على أرض الواقع واحتواء خطر اندلاع مزيد من العنف في ولاية النيل الأزرق.

وجاء في البيان الصادر في 18 يونيو والذي أصدره الرئيس مالك عقار ردا على قرار قادة الجيش الذي لا لبس فيه أن "النتائج الإيجابية" لاجتماعهم أهمها استمرار وحدة الجيش على الرغم من اضطراب القيادة السياسية. وصرح مالك عقار، بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن ياسر عرمان، إن "الجوانب السلبية" لاجتماع الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال تضمنت دعمه للانقلاب الذي قاده عبد العزيز الحلو، وتمكين منطقة جبال النوبة ضمنا من تقرير مستقبل الحركة، لإقصاء مناطق وفروع أخرى من الحركة.27

وتنص إحدى الفقرات الكبيرة من بيان مالك عقار الصادر في 18 يونيو على ما يلي "سنتواصل مع جميع الرفاق الرافضين للانقلاب للبدء في مسيرة جديدة لإعادة بناء حركة وفق رؤية السودان الجديد لكل السودانيات والسودانيين الراغبين في الانضمام". (سنتولى أيضا) إجراء مراجعة شاملة وكاملة وتقييم دقيق لتجربتنا وكذلك سبل نضالنا ..."28 وبالنسبة لمراقبي الحركة كان الغرض من اللغة الحذرة الإعداد لإطلاق حركة ستبقى بمنأى عن طلب تقرير المصير بل وقد تميل تلك الحركة إلى الاعتماد فقط على التحرك السياسي بدلا من الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها.

يشير بيان 18 يونيو الصادر عن مالك عقار إلى أنه تم حسم الانقسام بين القادة. ومن الواضح أن فقدان دعم جنرالات الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال في جبال النوبة، فضلا عن ضعف قبضتهم على الدوائر المحلية في النيل الأزرق، قد دفع جانب مالك عقار وياسر عرمان على ما يبدو إلى دراسة إمكانية إطلاق منصة سياسية. ويبدو أن النزاع قد تم حسمه لصالح عبد العزيز الحلو بحيث يتولى رئاسة الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال مؤقتا، وبالتالي السيطرة على العمليات التي تفضي إلى عقد المؤتمر القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال. ومع ذلك، فمن المقلق عدم واقعية الفترة الزمنية التي اقترحها كلا الجانبين كل على حدة لعقد المؤتمر القومي الذي يفترض فيه أن يقوم بحسم استراتيجياتهما المتضاربة إزاء الحركة بالإضافة إلى أن تلك الفترات الموعودة قد انتهت قبل انعقاد ذلك المؤتمر. وعلى سبيل المثال، فإن عقد الاجتماع في غضون شهر، كما طالب به القادة العسكريون الذين اجتمعوا في كاودا في منتصف يونيه، هو أمر غير واقعي بشكل واضح.

وبالإضافة إلى الأعمال التحضيرية اللوجستية والجوهرية، سيستلزم عقد المؤتمر القومي للحركة تمثي لا للدوائر الانتخابية المتعددة المنتشرة، ليس فقط من جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولكن أيضا من المجتمعات المحلية التي تعيش في دول المهجر وأولئك الذين يعيشون في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السودانية. ومن غير المرجح أن تسمح الحكومة السودانية لأعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، الذين يوجد العديد منهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، بحضور محفل سياسي تنظمه حركة معارضة مسلحة. وبالتالي، فإن أكبر عقبة تواجه الانعقاد هي كيف يمكن أن يكون "قوميا" بشكل حقيقي وأن يكون فيه تمثيل لمناديب من مناطق متعددة. ويزيد من تعقيد الأمر تلك المطالبة الواردة في البيان النهائي لاجتماعات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة بالحركة الشعبية الذي يدعو إلى التمثيل العادل لشعب النوبة مراعاة لتضحياتهم في تاريخ الصراع المسلح وعملياته.29

وإذا لم تحسم هذه المشكلات، فمن المتوقع أن يستمر تأجيل ميعاد المؤتمر، الأمر الذي لا يعوق فقط عملية السلام، بل سيعمل على إطالة معاناة المجتمعات المحلية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق التي بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والأمن.

الآثار المترتبة على أزمة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال

إن الانقسامات التي حدثت في صفوف قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال تخلق خطرا حقيقيا يتعلق بالاستقطاب العرقي والصراع الطائفي العنيف، وهو ما حدث بالفعل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة في ولاية النيل الأزرق وفي مخيمات اللاجئين الواقعة على الحدود في جنوب السودان، كما تعوق هذه الانقسامات الجهود الهادفة إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان الذين هم في أشد الحاجة إلى الدعم، فضلا عن تقويض احتمالات الحل السلمي للعديد من الصراعات في السودان (على الصعيدين المحلي والوطني) والتحول السلمي الديموقراطي بها؛ ومن ثم فإن هذه الانقسامات سوف تؤدي حال عدم التصدي لها إلى مزيد من التفاقم في الديناميات والمواقف العسكرية في مناطق الصراع في السودان. إن هذه الاتجاهات المثيرة للقلق تزيد من ضرورة وحتمية تصدي كافة الأطراف المعنية، وعلى رأسهم قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، لهذه الانقسامات.

مخاطر تصعيد المواجهات العرقية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال

تسببت الانقسامات التي وقعت في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في اندلاع أعمال عنف مميتة بين وحدات جيش الحركة في ولاية النيل الأزرق الداعمة للجهات المشاركة في الصراع. حيث وقع بالفعل قتالا مدفوعا بأسباب عرقية بين اللاجئين وذلك باستخدام الأسلحة التقليدية، وقد قتُلِ وأصيب في هذه المواجهات العشرات من الأشخاص بينما فرَّ الآلاف من المخيمات سعيا للحماية. وقد استمرت أعمال العنف بشكل متقطع طوال شهر يوليو ولم يتم احتوائها حتى وقت كتابة هذه الكلمات مع وجود احتمالات بالتصعيد إذا لم يتم التصدي لها. لا شك أن هذا الموقف الشديد الاضطراب يستدعي تدخلات عاجلة ومنسقة لكافة الأطراف المعنية لتغيير مجريات الاتجاهات الحالية.

إن التوترات العرقية التي كانت قابعة تحت السطح في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في ولاية النيل الأزرق وفي مخيمات اللاجئين الواقعة على الحدود في جنوب السودان قد انفجرت نتيجة للضغوط التي ولدتها انقسامات القيادات، ومن ثم فإن العديد من سكان المنطقة يواجهون صعوبات بالغة؛ كما أجبرتهم الحرب على النزوح من منازلهم. ومع انعدام احتمالات إحلال السلام على المستوى المحلي بحيث يتمكن هؤلاء السكان من العودة إلى حياتهم العادية، فإن الشعور باليأس يتزايد بينهم.
هذا وقد تصاعدت وتيرة الاضطرابات الاجتماعية نتيجة للتمييز القبلي الذي طالما مارسته الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، تحت قيادة عقار، في ولاية النيل الأزرق والذي تمثل في تضييق الاستفادة من الفرص والتمثيل فضلا عن التفرقة الشديدة عند التعيين في المناصب العليا في الهياكل المدنية والعسكرية.

ومع استمرار تفاقم الصراع بين الفصيلتين المتنازعتين في الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال الذي أدى بدوره إلى توقف الإجراءات الضرورية اللازمة لإدارة شؤون الحركة برمتها وتعريض مصالح سكان المناطق التي تقع تحت سيطرتها إلى المزيد من الضغوط، زادت وتيرة الاضطرابات القبلية.

أشارت التصريحات الصادرة من المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في النيل الأزرق إلى الهاوية التي يمكن السقوط فيها إثر تصاعد حدة التوتر إذا لم يتم احتواء النزاع بشكل عاجل، وكانت فصيلتي الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في ولاية النيل الأزرق قد تبادلتا بدءا من شهر مارس عددا من التصريحات المتضاربة، حيث يدعم ويعارض كلاهما مجلس قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال على المستوى المحلي بقيادة عقار، وبدأت الانشقاقات القائمة على أسس قبلية بين القادة العسكريين والقادة السياسيين الموالين لعقار والذين ينتمون إلى جماعة الانقسنا ومؤيدي القادة المنافسين المنتمين إلى مجموعات قبلية مختلفة ومنها جماعة الأودوك. لا شك أن هذه الانشقاقات سوف تزيد وتتعمق حال عدم التصدي لها والتعامل معها، وبالمقابل وردت تقارير تزعم وقوع أعمال استفزازية في جبال النوبة في حق بعض الأشخاص المشتبه فيهم أنهم يدعمون عقار وعرمان وهو ما أدى إلى فرار العديد من كوادر الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال من المنطقة.30

شهد معسكر دورو للاجئين من السودان، والواقع في جنوب السودان، اضطرابات عرقية متصاعدة على نحو منذر بالسوء مما أدى إلى وقوع مواجهات دامية كنتيجة مباشرة للمحاولات المتعددة لقوات الأمن الموالية للواء أحمد عمدة، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في الجبهة الثانية وابن أخت مالك عقار، والذي يعتقد الكثيرون بأنه يعمل بناءا على أوامر مالك عقار، لاعتقال السياسيين الذين أدلوا بتصريحات انتقدوا فيها ياسر عرمان وعبروا عن دعمهم لحق تقرير المصير في تصريحات أدلوا بها في وسائل الإعلام المحلية والإلكترونية في السودان والذين ينتمون لقبيلة الأودوك وأقليات أخري. وقد وقعت الحادثة الأولى في 6 مايو ووقعت الثانية في 22 مايو، هذا وبينما تم نزع فتيل المحاولة الأولى بسرعة إلا أن المحاولة الثانية قد أدت إلى اندلاع قتال عنيف بين الجنود المنشقين عن الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال، الذين كانوا يدافعون عن السياسيين الذين ينتمون لجماعة الأودوك، وقوات الأمن الموالية للقائد أحمد عمدة. تطورت المواجهات بين الجانبين إلى اشتباكات بين اللاجئين مع وقوع انقسامات قبلية بين صفوفهم، وقد استخدمت الأسلحة التقليدية في هذا القتال مما أدى إلى مقتل حوالي 35 لاجئ في مخيم دورو فقط.31 وفي الأسابيع التي تلت هذا القتال وقعت أعمال قتالية أخرى بصورة أكبر في مخيمات جندراسا وكايا ويوسف باتل والتي تسبب في وقوع أغلبها أشخاص يسعون إلى الثأر لقتلاهم في حوادث قتل سابقة من خلال العنف العشوائي. يتبين من احصائيات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المحدثة في مايو 2017، أن هذه المخيمات الأربعة تأوي 139.424 لاجئ، وفي أعقاب أعمال العنف بدأ اللاجئون في عزل أنفسهم في المخيمات بحسب هويتهم القبلية. أفادت تقارير شهود عيان أن الأشخاص المنتمين لجماعة الانقسنا تجمعوا في مخيم يوسف باتل (41.979) ومخيم كايا (25.828) ومخيم جندرسا (18.012) حيث تشكل بالفعل هذه القبيلة أغلبية سكان هذه المخيمات، وقد غادر المنتمون لقبيلة الانقسنا مخيم دورو (53.605) الذي يعد معقل للجماعات القبلية الأخرى.32

فر كثير من اللاجئين إلى الأحراش ولطلب حماية جيش جنوب السودان حفا ظا على سلامتهم،33 وفي 28 من مايو أصدر مكتب عقار بيانا يندد بالمعارضين الذين زعم البيان أنهم يسعون إلى تقويض وحدة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال من خلال استغلال النزعة القبلية والتحريض على حدوث انقسامات عرقية بين اللاجئين وجيش الحركة. وأضاف البيان، مته ما المعارضين بمحاولة القيام بانقلاب سياسي وعسكري، أن المحرضين قاموا بهذه الأعمال بدافع دعمهم لمطلب تقرير المصير الذي أعلن عنه مجلس تحرير جبال النوبة/جنوب كردفان في وقت سابق. كما اتهم البيان المعارضين بأنهم كانوا يقدمون عروضا للحكومة السودانية ساعين بذلك إلى الانفصال عن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال.34

على الرغم من عدم وفرة القدرات والموارد، إلا أنه من المطمئن أن تستجيب مجموعات المجتمع المدني المحلية والإدارة الأهلية بشكل مستقل للتعامل مع الموقف من خلال بدء حوارات مجتمعية وطرح مبادرات للسلام يبدو أنها قد غيرت مجريات الأمور التي كانت تتجه نحو وقوع مواجهات عرقية في المنطقة إلا أنها لم تنجح فيما يخص الاستقطاب والعزل العرقي؛ كما أن القرارات والرسائل الصادرة عن عقار وعمدة في أعقاب الأحداث تدعم الضغط من أجل تحقيق مصالحة أكثر من الاستمرار في تيار الاضطرابات الطائفية وانعدام الثقة.

دعا عقار إلى إنهاء العنف من خلال إصدار تصريح شديد اللهجة، بتاريخ 14 يونيو، وجهه إلى العسكريين في الحركة - والإدارة الأهلية والقادة المحليين ومجموعات المجتمع المدني. كما أنه كلف لجنة بقيادة زايد عيسى زايد، حاكم المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة في النيل الأزرق، بالتحقيق في أعمال العنف التي وقعت وتحديد مسؤولية مقاتلي الحركة المتورطين فيها وبتحديد الاحتياجات الإنسانية اللازمة لضحايا هذه الأحداث وتوفيرها.35 هذا وبينما ادعى القائد احمد عمدة أنه كان بإمكانه تحقيق النصر في ساحة المعركة إلا أنه، على الرغم من ذلك، قد عرض هدنة على الجنود والسياسيين المنشقين الذين كانت تحاربهم قواته وذلك في تصريح عام أدلى به في 22 يونيو. ووصف العمدة القتال الجاري بأنه "حرب عبثية" ودعا إلى المصالحة.36 إلا أن المعارضين قد زعموا أن هذا العرض بالتصالح لم يأت إلا بعد الانتصار العسكري الذي حققوه.

لم يتفاجأ المراقبون للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال باكتساب المواجهات في ولاية النيل الأزرق ومخيمات اللاجئين طابعا وبعدا قبليا، حيث إن إدارة الحركةج في النيل الأزرق تتميز بهيمنة العسكريين عليها، كما أن القادة السياسيين والمسلحين أصحاب النفوذ المنتمين إلى جماعات مختلفة لديهم هويات قبلية قوية بالإضافة إلى علاقات قوية مع أنصارهم الذين ينتمون إلى ذات الهويات؛ ومن ثم فإن هذه العلاقات يمكن أن يتم من خلالها عمليات الاستقطاب والتجنيد والحشد في فترات الاضطرابات بشكل سريع. هذا وتتسم منطقة النيل الأزرق بهياكل مدنية ضعيفة والتي كان من الممكن، لو كانت أقوى بعض الشيء، أن تساهم في الحد من مخاطر توسع أزمة القيادات وتحولها إلى صراع اثني مثلما حدث في مخيم دورو في أواخر مايو وأيضا الأحداث السابقة التي أشار إليها خطاب الرئيس عقار.

يبدو، في الوقت الراهن، أن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال قد نجحت في تفادي السيناريو الأسوأ والذي يتمثل في حدوث انفجار داخلي شبيها بذلك الذي عانت منه الحركة الشعبية لتحرير السودان الأصلية في جنوب السودان إثر الصراع على السلطة الذي اندلع بين القادة والذي أطلق شرارة موجات من القتل الجماعي المدفوع بأسباب عرقية وغيره من الجرائم الوحشية واسعة النطاق.

يبدو، حتى وقت كتابة هذه الكلمات، أن اللواء أحمد عمدة قد طرد خارج المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية في ولاية النيل الأزرق وقد ورد أنه متواجد حاليا في إقليم مابان في جنوب السودان. وكنتيجة لهذه السلسلة من الأحداث، يبدو أنه من غير المرجح موافقة قيادات الأودوك وغيرها من الجماعات على تولي عقار وأحمد عمدة قيادة الحركة بينما يبدو أن هناك مساندة قوية للحلو من قبل مجموعات مختلفة من الأنصار في جبال النوبة. ولا تتوافر في الوقت الراهن أي مؤشرات بشأن رد فعل عقار والعمدة نحو هذه الانتكاسات السياسية والعسكرية. استنادا على ردود أفعالهما تجاه المواجهات القبلية التي وقعت في شهر مايو، يبدو أنه من غير المرجح لجوئهما إلى الحشد للحصول على دعم جديد قائم على أسس قبلية، حيث إن هذا الأمر من شأنه تعميق الانقسامات التي وقعت بالفعل، في الوقت الذي يعد اتخاذ اجراءات سريعة هو الخطوة اللازمة لعلاج هذه الانشقاقات وطمأنة المجتمعات المحلية وفقا لما أعلنه بالفعل كل منهما على الملأ.

على صعيد آخر، يذكر أن الموالين للحلو في ولاية النيل الأزرق ينتمون إلى مجموعة كبيرة من الجماعات متعددة الأصول العرقية والانتماءات الدينية. هذا وعلى الرغم مما يبدو على الجماعات من الوحدة السياسية المتمثلة في رفضهم لقيادة عقار، إلا أنه يذكر أن العديد منهم لا يميل بدرجة كبيرة لدعم فكرة تقرير المصير باعتبارها هدفا لصراع الحركة في منطقتهم؛ بيد أن الجميع سيؤيد الحلول التي ستعالج نهائيا المسببات الأساسية للصراع وتضمن لهم التمتع بالمواطنة الكاملة التي تسعهم على تنوعهم واختلافهم.

إن الوضع الهش والمتوتر السائد في النيل الأزرق ومخيمات اللاجئين يمكن أن يؤدي إلى السقوط في هاوية استغلال الخرطوم في إطار سعيها الحثيث لإضعاف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال وخفض أهميتها السياسية وقدراتها العسكرية؛ كما أنه من المرجح أن تسعى الخرطوم لمهاجمة أضعف نقاط تشكيلات القوى الجديدة في الحركة الشعبية من خلال تدمير قاعدة دعم الحلو في النيل الأزرق. ويمكن للخرطوم القيام بهذا من خلال استغلال اختلاف دوافع وتوقعات الجماعات الموالية للحلو في النيل الأزرق، مما سيزيد من حدة الاضطرابات العرقية والانقسامات في المنطقة.

العواقب الإنسانية


إن الانقسامات في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال تؤثر أيضا بصورة مباشرة على الجهود اللازمة لتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان المحتاجين للدعم العاجل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة وفي المواقع القريبة منها.

في خضم هذه الاضطرابات السياسية أصدرت منظمة الإغاثة التابعة للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال المعروفة باسم الوكالة السودانية للإغاثة وإعادة التعمير في 11 مارس نداءا عاجلا للحصول على مساعدات غذائية لما يقرب من 21.000 من سكان ثلاث قرى في جبال النوبة. وطبقا للبيان فإن حوالي 40 في المائة من السكان تدنت بهم الأوضاع حتى وصلت إلى الاعتماد على أوراق وجذور الأشجار للبقاء أحياء وذلك إثر النقص الحاد في الغذاء الذي ترتب على انعدام سقوط الأمطار وتفاقم بسبب فرار سكان القرى من مساكنهم وحقولهم في مواجهة هجمات الحكومة المتكررة أثناء الموسم الزراعي السابق. وحيث إن هذه الأحداث قد وقعت قبل بداية موسم الأمطار فإن نقص الغذاء سوف يجعل "الفجوة الغذائية"-الفترة التي تمتد بين موسمي الزراعة (من يونيو وحتى سبتمبر) والحصاد (من نوفمبر وحتى مايو) - أطول بكثير من الفترة الاعتيادية وهو ما من شأنه زيادة ضعف وهشاشة أوضاع هؤلاء السكان.37

قدمت شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعات (FEWSNet) - وهي شبكة من الشركاء تطرح تحليلات وتحذيرات مبكرة بشأن انعدام الأمن الغذائي - تنبؤات على نفس القدر من السوء بشأن المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال للفترة من يونيو وحتى سبتمبر 2017، حيث ذكرت:
"بحلول مارس/أبريل 2017، تدهورت بالفعل نسب انعدام الأمن الغذائي بين النازحين داخليا والسكان الفقراء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال في جنوب كردفان وتدهورت حالة النازحين الجدد في أجزاء من جبل مرة في دارفور حتى وصلت إلى حد الأزمة (المرحلة 3 من تصنيف الأمن الغذائي المتكامل) ومن المرجح أن تستمر في التدهور لتصل إلى مرحلة الطوارئ (المرحلة 4 من تصنيف الأمن الغذائي المتكامل) بحلول مايو/يونيو وحتى سبتمبر 2017 إثر نزوح السكان والقيود المفروضة على الحركة والتدفقات التجارية ومحدودية فرص الاستفادة من أنشطة كسب العيش العادية."38

في ظل ما يبدو أنه تغافل من جهة فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان لهذه التحذيرات، توجهت الفصائل إلى مناقشة برنامج العمل الإنساني بصفته أحد النقاط التي تتعلق بشكل أساسي بالمفاوضات مع الحكومة السودانية وليس كونه موقفا يستلزم تدخلات استثنائية وعاجلة ميدانيا لإنقاذ أرواح هؤلاء السكان وتحسين الأوضاع المعيشية لهم وهو ما يعد مسؤولية الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال في المقام الأول.

عقب تقديم الحلو خطاب استقالته، خفض الحلو مستوى تواصله مع الإعلام والوسطاء، إلا أنه في 22 مارس نشرت العديد من الصحف والمواقع موافقة مجلس تحرير جبال النوبة والحلو على مقترح أمريكي يختص بالأعمال الإنسانية وكان ذلك المقترح قد نوقش باستفاضة (أنظر الملحق أدناه) وطلبهما إجراء تعديل عليه ليشمل وجود منفذ دخول في إحدى الدول المجاورة لغرض إجلاء الحالات الطبية الحرجة 39___وهو موقف يتطابق كليا مع موقف الفصيلة الأخرى.

في ظل غياب أي مؤشرات تدل على خلاف هذا، يبدو أن عقار وعرمان لم يناقشا مع مجلس تحرير جبال النوبة عند اجتماعهما به في أواخر مارس الآليات اللازمة للمضي قد ما في المقترح الإنساني وهو الأمر التي ذكر كل من الجانبين علي حدة أنه ضروري. لم يحظ عقار وعرمان بمساحة كبيرة للقيام بأي مناورات عندما سافرا إلى أديس أبابا في أواخر أبريل للتعهد ببعض الالتزامات الصارمة نيابة عن الحركة الشعبية برمتها بشان الإجراءات اللازمة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية الحرجة في المناطق الخاضعة لسيطرتها؛ وهو الأمر الذي اظهره خطابهما إلى فريق الاتحاد الإفريقي رفيع المستوى المعني بالتنفيذ خلال اجتماع شهر يوليو المشار إليه أدناه.

في خضم كافة هذه المعوقات والتعقيدات السياسية والتشغيلية ما زالت النتيجة كما هي دون تغيير: السكان في أمس الحاجة إلى الإمدادات الإنسانية إلا أنهم لا يتلقونها ومن ثم فهناك خطر الموت جوعا أو تأثرا بالأمراض التي يمكن الوقاية منها.40 كلما طالت مدة عرقلة الانقسامات السياسية للحركة الشعبية لفعاليتها التشغيلية كلما ارتفع مستوى خطر فقدان سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة لإيمانهم بقدرة الحركة على توفير احتياجاتهم العاجلة ودعمهم والدفاع بمصداقية عن مصالحهم.

تداعيات الموقف على مباحثات السلام بقيادة فريق الاتحاد الإفريقي رفيع المستوى المعني بالتنفيذ

إن الانقسامات بين قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال تقوض بشكل مباشر موقفها في مفاوضات السلام مع الحكومة السودانية كما أنها في الوقت ذاته تعقد مسألة قدرتها على تولي دورا قياديا في الدفاع عن مصالح عموم المعارضة المسلحة السودانية. الانشقاقات في صفوف الحركة الشعبية تمنح للحكومة السودانية غطاء وعذرا في التباطؤ بل وربما استغلال هذه الانقسامات لصالحها في عملية التفاوض التي لابد أن تكون كاملة وشاملة حتى تتمتع بفاعلية حقيقية.

في أعقاب زيارة عقار وعرمان في أواخر مارس إلى كاودا صرح مجلس تحرير جبال النوبة/جنوب كردفان أن الفصيلتان قد اتفقتا على "تجميد المفاوضات ...... لحين انتهاء ترتيب الشؤون الداخلية وانعقاد المؤتمر القومي الاستثنائي." كما أضاف المجلس أنه لن يعترف بأي اتفاقيات تبُرم خلال المباحثات قبل هذا الوقت.41

طالبت الحركة الشعبية، نتيجة لهذا الموقف المتأزم خلال اجتماعها في 24 أبريل في أديس أبابا مع الرئيس إيمبيكي، بتأجيل الدعوة إلى أي مفاوضات جديدة بين الحكومة والحركات السياسية والمسلحة المعارضة لها التي تتحالف تحت مظلة نداء السودان حتى شهر يوليو. وقد طالب قادة الحركة الشعبية بهذا التأجيل لمنح أنفسهم الوقت اللازم لمعالجة الانشقاقات الداخلية والسماح بمزيد من التشاور بين فريق الاتحاد الإفريقي رفيع المستوى المعني بالتنفيذ والتحالف المشترك لنداء السودان.42

عاد كل من مالك عقار وياسر عرمان إلى أديس أبابا في بداية شهر يوليو والتقيا في 4 من يوليو مع فريق الاتحاد الإفريقي رفيع المستوى والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان وجنوب السودان وغيره من مبعوثي السلام الآخرين الحاضرين للمؤتمر السنوي للاتحاد الإفريقي لرؤساء الدول. وقد صرح وفد عقار وعرمان في خطاب موجه إلى فريق الاتحاد الإفريقي وفي بيان عام أنهما قد اعتبرا المسار السياسي للمفاوضات مع الحكومة السودانية باطلا وملغيا نظرا لموقف الخرطوم من "الحوار الوطني" المنفرد والموجه؛ كما دعا وفد عقار وعرمان إلى عملية سياسية جديدة وأوضحها كذلك، وهذه العملية من شأنها أن تمثل الأساس للمضي قد ما في المفاوضات. وفي موقف يعكس المأزق الذي تعاني منه الحركة الشعبية وأنصارها الذين يتعين عليها احترامهم وحمايتهم كنتيجة للانقسامات التي وقعت بين صفوف الحركة، أقر كل من عقار وعرمان في خطابهما بضرورة استمرار المشاركة في المفاوضات الإنسانية، كما عرضا، في ضوء انقسامات القيادات، العودة إلى الطاولة إما في صورة وفد موحد للفصيلتين يمثل موقفا واحدا فيما يخص وصول المساعدات الإنسانية أو وفدين منفصلين إلا إنهما يمثلان موقفا واحدا أو وفدين منفصلين يمثل كل منهما موقفا منفصلا بشأن كيفية ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال.43

إلا أنه لم يكن واضحا ما إذا كان الفريق الذي يتزعمه مالك عقار قد ناقش بالفعل هذه الاقتراحات مع فريق الحلو قبل عرضها على فريق وسطاء الاتحاد الإفريقي أم لا. وعلى الصعيد الآخر، تشير التغطية الواسعة التي قدمها الوفد لوسائل الإعلام المحلية ومنصات الإنترنت حول اجتماعاته إلى أن مالك عقار وياسر عرمان سوف يسعيان إلى استغلال انفرادهما بإدارة التحالفات السياسية والتواصل مع الهيئات الأجنبية والمجتمع الدولي وعلاقاتهما مع وسائل الإعلام و التداخل مع جهات الوساطة ـــ وهي مسؤليات الحركة الشعبية التي احتكروها لأنفسهم ـــ بصفتها قوة استراتيجية كبيرة يمكن الانتفاع بها في عملية التدرج في العودة السياسية ضد الحلو. هذا ويتمتع الأخير بسمعة تعود إلى الحرب الأولى في ثمانينيات القرن الماضي وحتى خلال الصراع المسلح القائم حاليا بأنه يميل إلى العزلة وتكريس جهوده لبناء جيش الحركة والإدارة الأهلية والخدمات العامة على المستوى المحلي لا سيما في منطقة جبال النوبة في الوقت الذي يتفادى فيه الظهور في وسائل الإعلام والتفاعل مع الجهات الإقليمية والدولية. بيد أنه والمعسكر الذي يمثله لا يمكنهما تحمل عدم التعبير عن آرائهما أو الظهور على المستويين المحلي والدولي حيث إنهما قد تزعما عملية تغيير القيادات داخل الحركة.

وحسب ما تشير إليه هذه السلسة من الأحداث فإن الاختلافات التي وقعت في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بشأن الأهداف الاستراتيجية للصراع المسلح ووضع الحركة في المفاوضات قد أدت إلى تباطؤ حاد في عملية السلام ثنائية المسار المتعثرة بالفعل لا سيما عقب الدلالات المختلطة لزيارة أديس أبابا التي قام بها مالك عقار وياسر عرمان في يوليو في غياب أي تمثيل للمعسكر الآخر.

يبدو أن الأحداث تشير إلى أن رئيس مكتب اتصال فريق الاتحاد الإفريقي رفيع المستوى المعني بالتنفيذ في السودان كان على صواب حينما اقترح على وسائل الإعلام المحلية في بداية أزمة القيادات أن جهود الوساطة سوف تؤجل لحين انتهاء الحركة الشعبية من ترتيب صفوفها الداخلية قبل استئناف المحادثات.44 في أعقاب إعلان نتائج اجتماع مجلس تحرير جبال النوبة/جنوب كردفان بوقت وجيز، صرح وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور الأمر الذي كان جليا بالفعل حين قال "إن انقسام الحركة الشعبية إلى فصيلتين سوف يؤثر سلبيا على عملية المفاوضات حيث أن التفاوض مع حركة موحدة أفضل من التفاوض مع مجموعة منقسمة."45 وأيدت الحركات المسلحة والأطراف السياسية المتحالفة مع الحركة الشعبية تحت راية نداء السودان هذا الأمر في بيانات منفصلة.46

التداعيات العسكرية


إن انقسام القيادات في الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات وانعدام الثقة في الديناميات والأوضاع العسكرية الحالية في مناطق النزاع في السودان، حيث تخلق هذه الانقسامات الواقعة بين صفوف قادة الحركة الشعبية ضعفا عسكريا للمعارضة السودانية المسلحة برمتها، في الوقت الذي تسعى فيه فصائل المعارضة المسلحة المختلفة إلى تنسيق جهودها والاتحاد في مواجهة خصمها الأساسي: الحكومة السودانية.

إن الحرب الجارية في النيل الأزرق وولايات جنوب كردفان قد ظلت في حالة صمت غير معهود لمدة تقارب العام، باستثناء بعض الأحداث المنفصلة المتمثلة في بعض المناوشات المتبادلة بين الأطراف، ويعود السبب في ذلك بصفة رئيسية إلى التوقف أحادي الجانب للأعمال العدائية، هو وقف منفصل ولكنه يتسم بالتزامن في الوقت ذاته، والذي أعلنت عنه والتزمت به كل من الحكومة والحركة الشعبية كل حسب أسبابه.47 هذا وتدعي ما لهذا المناخ الهادئ الخادع فقد تبادلت الحكومة والحركة الشعبية والحركات في دارفور أسرى الحرب فيما بينهم مما يعكس استعدادا لتخفيف حدة الأوضاع في حالة وجود منافع متبادلة إثر القيام بذلك.48

في يناير 2017 جددت الحكومة السودانية إعلانها بوقف أحادي الجانب للأعمال العدائية لمدة ستة أشهر أخرى، وقد أعلن للمرة الأولى عن هذه التسوية في يونيو 2016، وهو ما أعقب قتالا عنيفا جرى في جنوب كردفان والنيل الأزرق التي حققت القوات الحكومية فيه بعض المكاسب.49 واستنادا إلى هذا فقد امتنعت الحكومة السودانية عن القيام باعتداء موسم الجفاف السنوي لعام 2016 مما منح السكان المحليين في النيل الأزرق وجنوب كردفان استراحة من الهجمات البرية؛50 بيد أن القوات الجوية السودانية قد استمرت في التحليق لي لا على ارتفاع منخفض فوق المنطقتين خلال فترات الهدوء هادفة بذلك إلى تذكير السكان بوجودها وبقصفها المميت لحقولهم وقراهم خلال الفترات القتالية السابقة. إن الآثار الترويعية لهذا القصف للأهداف المدنية يهدف بشكل واضح إلى تفتيت قدرة السكان المحليين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال على إطعام أنفسهم حيث إن الغارات قد استهدفت المزارع والماشية ومخازن الغذاء.51 كما ورد في بعض الأحداث الموثقة جيدا قيام القوات الجوية السودانية بقصف بعض المدارس والمستشفيات القليلة التي استمرت في تقديم خدماتها للسكان المقيمين في أماكن سيطرة الحركة الشعبية.52

في 2 يوليو مددت الحكومة السودانية مرة أخرى هذه الاتفاقية الأحادية.53 تهدف القيود الجديدة التي فرضتها الحكومة السودانية إلى إقناع إدارة ترامب برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان، والتي علقتها إدارة أوباما السابقة في يناير، بشكل دائم،54 إلا أن النظام السوداني يعمد إلى شراء الأسلحة التي لا تنتجها مؤسسة التصنيع الحربي لديه وهوما يتنافى مع السبب الجوهري لتعليق هذه العقوبات. حيث طلبت الحكومة السودانية من موسكو عدد 170 دبابة روسية طراز 72-T في سبتمبر 2016.55 كما طلبت الحكومة السودانية في فبراير 2017 عدد ست طائرات تدريب صينية نفاثة فئة 2000-FTC.56 وعقب مرور شهر أكدت الحكومة شرائها عدد 35 طائرات مقاتلة نفاثة من روسيا فئة 35-Sukhoi.57

وعلى صعيد آخر من الحشد العسكري، ترأس الرئيس السوداني عمر البشير تخريج دفعة من المقاتلين الجدد في 15 مايو 2017 تتضمن 11.428 جندي ينتمون إلى الميليشيات مسيئة السمعة المعروفة باسم قوات الدعم السريع (RSF) متعهدا في الكلمة التي ألقاها بالقضاء على المتمردين. هذا وبحسب بعض التقارير الإعلامية فإن قوات الدعم السريع قد جندت عدد 5.097 من المقاتلين الجديد المدربين في سنار في دارفور الشمالية ودارفور الجنوبية.58 وقد احتفى الرئيس البشير بما دعاه إنجازات قوات الدعم السريع في مكافحة التمرد والقضاء على الإتجار في البشر وتهريب المخدرات. كما أنه قد كلف قوات الدعم السريع بإنهاء الصراعات القبلية القائمة والتي تعد أحد النتائج المباشرة لسياسات الحكومة التي تعمل على تسليح وعسكرة القبائل.59 التزمت الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بوقف إطلاق النار أحادي الجانب الخاص بها هادفة بذلكعلى الأرجح إلى كسب بعض الدعم الدولي عقب موجات الغضب التي نتجت عن موقفها من المقترح الأمريكي الخاص بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لكل من المنطقتين. بيد أنه وعلى الرغم من الإشارات التي تعكس تخفيف حدة الموقف بين الطرفين على مدار الشهور القليلة الماضية، فمن المحتمل أن تتحين الحكومة السودانية الفرصة، آملة في رفع العقوبات الأمريكية بشكل دائم، للتجرؤ وشن هجوما كبيرا على معاقل الحركة الشعبية دون الخوف من أي ردود أفعال إزاء هذا الهجوم. وتحسبا لهذا الأمر، واصلت الحركة الشعبية تجنيد وتدريب مقاتلين جدد.60

بيد أنه على الرغم من الإغراء الذي تتعرض له الخرطوم لاستغلال الاضطرابات الحالية في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال لصالحها إلا أن التحركات العسكرية المستقبلية للحكومة ستظل على الأرجح أمرا مرتقبا مع تقدم المحادثات الحالية مع الحكومة الأمريكية حيث تسعى الخرطوم إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها بشكل دائم. كما سيستمر السودان على الأرجح في سعيه لإلغاء تصنيف الولايات المتحدة لها كدولة راعية للإرهاب وهي الخطوة التي من شأنها، من بين أمور أخرى، إلغاء حظر تصويت حكومة الولايات المتحدة لصالح تخفيف ديون السودان.

إن المنفعة المكتسبة للحكومة السودانية من وراء إلغاء تصنيفها كدولة راعية للإرهاب يمنح الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الإقليمية والدولية ميزة استثنائية لإقناع الخرطوم بالبحث عن حلول مستدامة للصراعات المميتة التي عانت منها البلاد لعقود طويلة وذلك من خلال التوصل إلى تسوية مع المعارضة المسلحة والمعارضة السياسية بدلا من تبني حلول عسكرية انتهازية وهو ما تبنته الحكومة باستمرار على مدار العقود الثلاثة المنصرمة. وتحقيقا لهذه الغاية، دعا مشروع كفاية (Enough Project)، في ملخص سياسة حديثة له، إلى بدء مسار تعاون جديد يركز على السلام وحقوق الإنسان وذلك في إطار العملية الحالية خماسية المسار للتعاون بين الولايات المتحدة والسودان والتي يترتب عليها إصدار قرار بشأن مستقبل العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان.61



--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال هي حركة معارضة مسلحة رئيسية في السودان تشكل جزءا من تحالف المعارضة السودانية المسلحة الأوسع نطاقا.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الجزء الثاني، أو الأخير، من تقرير مؤسسة "مشروع كفاية" Enough Project، الذي قام بإعداده سليمان بلدو:



الخاتمة

إن الانقسامات الحالية في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال قد تسببت في المواجهات القائمة على أساس قبلي بين لاجئي ولاية النيل الأزرق والتي قضى وأصيب فيها العشرات من الأشخاص بالإضافة إلى الآلاف الذين فروا بصورة مؤقتة من المخيمات خوفا على حياتهم. يذكر أنه حتى داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال هناك خطر وقوع انقسامات بسبب الأصول العرقية بين صفوف جيش الحركة حيث توجد وحدات قد قاتلت بعضها البعض فيما سبق بالإضافة إلى بعض الوحدات التي شاركت في هجمات ضد المدنيين. وتبرز هذه التطورات ضرورة تدخل جميع الأطراف المعنية بفاعلية لتخفيف حدة المخاطر التي يتعرض لها المدنيون إثر هذه الانقسامات وضمان اتحاد صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال وعودتهم إلى مهمتهم الشاقة التي تتمثل في المشاركة الفعالة في البحث عن تحول سلمي للصراعات في السودان فضلا عن التداول الديمقراطي للحكم في البلاد.

يمُكن للقيادات المتصارعة، عن طريق تدخلات الأطراف الفاعلة ونفوذ القيادات المنقسمة وأنصارهم، إدارة الاختلافات الداخلية بشكل بناء وبأساليب تجنب أنصار هذه القيادات أسوأ المخاطر المحتملة فضلا عن تفادي اهدار جهود تحول الصراع وإحلال الديموقراطية التي اسُتثمر فيها بالفعل الكثيرون من قادة الحركة كما معتبرا من الطاقة والجهد، حتى وإن لم تتم على أكمل وجه، طوال أفضل فترات حياتهم.

هذا وفي إطار السعي لتغيير التيارات الحالية وزيادة فرص الخروج من هذه الأزمة بنتائج إيجابية فإنه من الضروري القيام بالخطوات التالية:

إلى القيادات المنشقة:

· توجيه جميع القوات الخاضعة لقيادتكم إلى الوقف الفوري للعنف في كافة المناطق بما في ذلك جبال النوبة وولاية النيل الأزرق ومخيمات اللاجئين في جنوب السودان.
· بدء تحقيق فوري في الأحداث المبلغ عنها بشأن هجمات على مدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال لتحديد الأشخاص المسؤولين عن هذه الهجمات فضلا عن ضبط الجناة.
· السماح بإجراء تحقيقات مستقلة عن أوضاع حقوق الإنسان في ظل أعمال العنف المندلعة.
· السماح بوصول جهات المساعدات الإنسانية للمناطق الخاضعة لسيطرتكم بدون أي قيود وذلك لتقييم الاحتياجات اللازمة وتحديد آليات توصيل المساعدات إلى حالات الاحتياج القصوى بالتعاون مع الجهات المحلية.
· تسهيل عمل المبادرات المحلية لبناء السلام المجتمعي الذي ساهم بشكل مستقل في احتواء تصعيد أعمال العنف في مخيمات اللاجئين والمناطق الخاضعة للحركة الشعبيةفي النيل الأزرق والذي يساعد أيضا في الحفاظ على السلام الاجتماعي في جبال النوبة.

إلى الجهات المعنية بتناول القضايا السياسية الجوهرية:

ينبغي أن يهدف عقد المؤتمر القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، الساعي إلى معالجة القضايا الدستورية والمؤسسية التي تعد المسبب الرئيسي للاضطرابات التي وقعت مؤخرا، إلى الخروج بالنتائج التالية:

· إقرار بيان رسمي يحدد بوضوح رؤية ومهمة وأهداف الحركة الشعبية.
· الاتفاق على دستور معدل للحركة.
· إعادة بناء الهيئات الحاكمة للحركة الشعبية وتحديد ممثليها المعنيين.
· إقرار وثيقة أو بيان يحدد الإستراتيجيات والمنهجيات الخاصة بالقضايا المتعددة ويشمل ذلك قضيتي الحكم الذاتي وتقرير المصير.
· الاتفاق على إستراتيجية للمفاوضات الإنسانية.
· وأخيرا وليس آخرا التوجيه بإجراء تحقيق مستقل بشأن أعمال العنف المميتة التي وقعت عقب نشوب النزاع بين القيادات وضبط الأشخاص المسؤولين عن وقوع هذه الأعمال.

إلى الجهات المحلية والدولية:


· المشاركة البناءة مع الأطراف المتعددة للمجموعات المنقسمة وعدم الوقوف موقف المتفرج من هذه الأزمة.
· دعم الجهود المحلية لمجموعات المجتمع المدني الهادفة إلى إحلال السلام في المنطقتين.
· حث فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودانشمال على حل الخلافات بينهم بطريقة سلمية.
· النظر في تقديم دعم لوجيستي عند الطلب للسماح بعقد المؤتمر القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال في الوقت المحدد له.
· تشجيع القيادات التي تمثل و تستجيب للاهتمامات الأشمل للمجتمعات المحلية بل وتطرح المزيد منها.
· مساعدة الجهات الإنسانية المتواجدة في المنطقتين في التعامل مع الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان المتضررين من أعمال العنف التي وقعت مؤخرا ونقص الغذاء والمستلزمات الطبية.

الملحق: المقترحات والمفاوضات بشأن وصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقتين

يتمثل الهدف من المقترح الإنساني الذي قدمته الولايات المتحدة، والذي طرحه السفير دونالد بوث، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى السودان وجنوب السودان أثناء فترة إدارة أوباما، إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال للمرة الأولى في نوفمبر 2016 إلى تقديم حل للمفاوضات المتعثرة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال والتي حالت دون توقيع الطرفين على "مشروع اتفاقية وقف الأعمال العدائية" التي قدمها فريق الاتحاد الإفريقي رفيع المستوى المعني بالتنفيذ في 16 أغسطس 2016. هذا وفي أثناء المراحل المبكرة من المفاوضات أصرت الحركة الشعبية لتحرير السودان على دخول كافة المساعدات الإنسانية إلى مناطقها من الدول المجاورة أو عبر هذه الدول. وقد اعترضت الحكومة السودانية بشدة على هذا المقترح معتبرة أن مثل هذا الإجراء يعُد تعديا على سيادتها. إلا أن الضغوط التي مارسها مبعوثو الوساطة والسلام على الطرفين قد نجحت في إقناع الحركة الشعبية بالموافقة على تسلم 80% من المساعدات من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السودانية و20% من المساعدات من مدينة أسوسا التي تقع في دولة إثيوبيا المجاورة. وعلى الرغم من هذا التنازل رفضت الحكومة السودانية تخفيف حدة موقفها حيث اشترطت وصول هذه الإمدادات إلى موقع محدد داخل السودان لفحصها والموافقة عليها قبل توجهها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية. وحيث إن الطرفين قد عجزا عن التوصل لتسوية بشأن موقفهما فإن اتفاقية وقف الأعمال العدائية صارت مقيدة بسبب اختلافهما.

اشتمل المقترح الذي قدمه السفير بوث على أن تمثل الولايات المتحدة الأمريكية "طرفا ثالثا" يعمل على توصيل بعض الإمدادات الطبية، التي يتم تحديدها وفقا لتقييم الاحتياجات الذي قامت به منظمة الأمم المتحدة، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية مباشرة إلى المناطق الخاضعة للحركة الشعبية - شمال في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بمجرد موافقة الحركة والحكومة السودانية على اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي قدمها فريق الاتحاد الإفريقي رفيع المستوى والتوقيع عليها. هذا وقد حدد المقترح أي ضا ضرورة أن يتم توزيع الإمدادات والإشراف على عملية التدخل وتقييمها بمشاركة ممثلين عن السكان المتضررين.62

وفي اجتماعين عقدا في باريس في 16 و17 يناير وضما الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال ومبعوث الولايات المتحدة وفريقة وممثلي المساعدات الأمريكية ومبعوثي دول فرنسا والنرويج وبريطانيا للسلام في السودان أصرت الحركة الشعبية على سماح الحكومة السودانية باستخدام منفذ دخول في أسوسا بإثيوبيا لإجلاء الحالات الطبية الحرجة والسماح للقادة بالانتقال من المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، والمحاطة بمناطق تقع تحت سيطرة الحكومة السودانية، لحضور مباحثات السلام. ويتمثل مبرر الحركة الشعبية فيالإصرار على وجود منفذ دخول في أسوسا للإمدادات الإنسانية في رغبتها في عدم إحكام السودان سيطرته الكاملة على كافة المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة وذلك بسبب تاريخ الحكومة السودانية بشأن التلاعب بالمساعدات الغذائية في الماضي.63 وتحتج الحكومة السودانية من جانبها بأن الحركة الشعبية سوف تحول أي مساعدات غذائية لدعم قواتها، ومن ثم فإن وجود طرف ثالث يعمل على توزيع الإمدادات الطبية الحرجة والتطعيمات كان من المفترض أي يمثل ضمانا كافيا لتهدئة كافة مخاوف الطرفين إلا أن هذا لم يحدث بعد. وقد أصرت الحكومة السودانية طيلة الوقت أنها قد قبلت بالمقترح الأمريكي وأنه على الحركة الشعبية لتحرير السودان - لشمال الموافقة عليه دون اي شروط.64 وبهذا فإن القضية لا تزال متعثرة.

وعقب يومين من هذه النتيجة المخيبة للآمال لاجتماع باريس، وقبل يومين من انتهاء مدة انتداب السفير بوث، انتقد السيد السفير بشدة الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال في إحدى الفعاليات العامة في معهد السلام الأمريكي لما اعتبره رفضا من جانبهم للمقترح الأمريكي. حيث صرح قائلا "لقد أهُدرت فرصة عظيمة حقا للمضي قد ما في مفاوضات السلام ومساعدة الأناس الذين تزعم الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال أنه يقاتل من أجلهم، لذا، حتى وإن كنا نتمسك بالتزام الحكومة (السودانية) بتعهداتها نحو عملية السلام، فإنه يتعين علينا أيضا مطالبة المعارضة بتنحية الطموحات السياسية الشخصية جانبا ووضع شعوبهم على رأس أولوياتهم."65 ولقد أدت أشارة بوث إلى أن الطموحات السياسية الشخصية لقادة الحركة الشعبية قد تخطت احتياجات الأناس الذين تمثلهم الي دفع الحركة إلى إصدار رفض قوي لذلك الاتهام وتكرار استعدادها، الذي تم التعبير عنه للمرة الأولى في اجتماع باريس، للعمل مع إدارة ترامب للانتهاء من الاتفاقية الخاصة بالمساعدات الإنسانية.66

جرت جميع هذه النقاشات في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما، ومع استمرار تأخر إدارة ترامب في شغل المناصب الهامة في وزارة الخارجية الأمريكية، ومن بينها منصب المبعوث الخاص للمساعدة في إحياء عملية السلام المتعثرة في السودان وجنوب السودان، لم يتم استئناف هذه المباحثات إلا في أواخر أبريل تحت إشراف مدير مكتب المبعوث الخاص في أديس أبابا.67 وفي تصريح للمتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال لشؤون عملية السلام أشار السيد مبارك أردول إلى أن هذه الاجتماعات لم تكن حاسمة ونهائية حيث قال: "اتفق الطرفان على الاستمرار في المباحثات وتناول الموضوعات التي أثارتها الحركة بشكل عميق."68



الحواشي النهائية

1 نوبة ريبورتس، "Internal SPLM-N disputes affect Blue Nile and refugee camp"،"الصراعات الداخلية للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال تؤثر على ولاية النيل الأزرق ومخيمات اللاجئين" 1 يونيو 2017، متاح على الموقع الإلكتروني
راديو تمازج، /https://nubareports.org/sudan-insider-internal-splm-n-disputes-affect-blue-nile-refugee-camp اشتباك عنيف يسفر عن 20 قتيلا في مخيم جندراسا في" ،“,Violent brawl leaves 20 dead at Gendrasa camp in Maban” https://radiotamazuj.org/en/news/articl ... leaves-20- مابان ، 26 مايو 2017, متاح على الموقع الإلكتروني اللاجئون" ”Refugees flee from Maban due to communal violence“,آي راديو ;dead-at-gendrasa-camp-in-maban https://www.eyeradio.org/unhcr- يهربون من مابان بسبب العنف الطائفي" 31 مايو 2106, متاح على الموقع الإلكتروني ./violence-forced-refugees-flee-camps-maban
انشقاقات"( ”,SPLM-N RIFT: Agar rejects al-Hilu’s ‘coup’, renews calls for temporary leadership“ ,سودان تربيون 2
في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال: رفض عقار انقلاب عبد العزيز الحلو وتجديد دعوته لتشكيل قيادة مؤقتة،"(
..https://www.sudantribune.com/spip.php?article62684 يونيو 2017، متاح على الموقع الإلكتروني 9
3 تشمل التقارير الأخيرة التي تنطوي على تفاصيل هذه الظروف الإنسانية العاجلة والمتفاقمة ما يلي: كونسورتيوم السودان،
"2017 Human Rights Update: March - May" ("تقرير بالمستجدات المتعلقة بحقوق الإنسان: مارس - مايو 2017،") 29 يونيو 2017، متاح على الموقع الإلكتروني
https://www.sudanconsortium.org/darfur_c ... ns/reports

/2017/HR%20Update%20for%20MarchNo Control, No Choice’: Lack of Access to ‘“ ؛ هيومن رايتس ووتشMay%202017%20-%20FINAL.pdf
Reproductive Healthcare in Sudan’s Rebel-Held South Kordofan" ("لا خيار بدون سيطرة: عدم الحصول على خدمات الرعاية الصحية الإنجابية في جنوب كردفان التي يسيطر عليها المتمردون بالسودان،") 22 مايو 2017، متاح على الموقع
https://www.hrw.org/report/2017/05/22/n ... hoice/lack

-access-reproductive-healthcare- الإلكتروني South Kordofan and Blue Nile, the Sudanese border regions caught between " ،؛ يسرى عكاشةsudans-rebel-held
drought and war" ("جنوب كردفان والنيل الأزرق، الحدود السودانية بين مطرقة الجفاف وسندان الحرب،") مديا ديفرسفايد، 15 مايو 2017، متاح على الموقع الإلكتروني
https://mediadiversified.org/2017/05/15 ... rdofan-and

-blue-nile-the-sudanese-border-regions-caught-betweenReporting Period: " ،في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان (FSMU) وحدة مراقبة الأمن الغذائي/drought-and-war
April 2017: In South Kordofan, “Food security is worse than ever before, Households rely on extreme coping
strategies to survive" (فترة إعداد التقارير: أبريل 2017: في جنوب كردفان، "الأمن الغذائي أسوأ من أي وقت مضى، الأسر تعتمد على إستراتيجيات المواجهة العصيبة للغاية من أجل البقاء"،) محفوظ في ملف لدى حركة كفاية؛ وحدة التنسيق في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، "2017 SKBN CU Humanitarian Update" March " تقرير حول مستجدات الأوضاع الإنسانية صادر عن وحدة التنسيق في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق " مارس 2017، محفوظ في ملف لدى حركة كفاية.
وحدة مراقبة الأمن الغذائي في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، " In South Kordofan: ’Food security is worse than
ever before‘: Households rely on extreme coping strategies to survive،" )في جنوب كردفان: "الأمن الغذائي أسوأ من أي وقت مضى": تعتمد الأسر على إستراتيجيات المواجهة العصيبة للغاية من أجل البقاء"، أبريل 2017، محفوظ في ملف لدى حركة كفاية. يقدم مقتطف واحد فقط من هذا التقرير الأخير الخاص بوحدة مراقبة الأمن الغذائي لمحة تبين الحاجة الملحة بالتفاصيل: "إن انعدام الأمن الغذائي والمائي أمر رهيب، على حد قول المشاركين في المناقشة الجماعية المحورية، ومن المتوقع أن تتفاقم في غضون الأشهر السابقة لحصاد جبراكا في أغسطس. وقال أحد المديرين الذي يمثل أحد السكان المشردين داخليا في مقاطعة دالامي إنه "يرِد إلى مكاتبنا حوالي 150 إلى 200 شخص يوم يا لتسول الطعام". وقال مدير آخر في مقاطعة هيبان "لم ن ر قط مثل هذا الوضع [السيء من ناحية الأمن الغذائي]... لقد زاد نقص المياه من معاناة الشعب، والوضع الآن مُثير للشفقة بدرجة تفوق الوصف". وكانت آثار قلة المحاصيل وارتفاع الأسعار جلية في جميع أرجاء المنطقة، غير أنها كانت أشد وطأة في المناطق الواقعة خارج مراكز السكان الأساسية وبين المتشردين داخليا، وفي بعض المقاطعات، كانت هناك تقارير لسكان يجولون بحثا عن الثمار والجذور والأوراق البرية باعتبارها وسيلتهم الرئيسية للبقاء على قيد الحياة، وقد أبلغ القادة والإداريون المحليون أي ضا عن حدوث عدة حالات سوء تغذية، أسفر بعضها عن وفاة بعض الأطفال، وذلك على الرغم من عدم التأكيد على هذا من قبل وحدة مراقبة الأمن الغذائي، ويتوقع عدد كبير من المشاركين في المناقشة الجماعية المحورية وقوع


"كارثة" في غضون الأشهر القادمة وقد أشاروا أيضا إلى أن الجوع سيفضي إلى إصابة السكان بحالة من الاضطراب." (ص.
.5)
4 الوكالة السودانية للإغاثة وإعادة التعمير “Humanitarian Situation In Blue Nile,” ("الوضع الإنساني في النيل الأزرق")،
21 يونيو2017، محفوظ في ملف لدى حركة كفاية، الأمم المتحدة. المفوض السامي لشؤون اللاجئين، “ South Sudan
2017 Situation: Regional Update, 16-31 May,” )الوضع في جنوب السودان: تحديث إقليمي، 16-31 مايو عام 2017(ص
1، 2)، متاح على الموقع الإلكتروني
https://reliefweb.int/sites/reliefweb.in ... /resources

/UNHCR%20Regional%20Update%20on%20South%20Sudan
.20Situation%20-%2016-31%20May%202017.pdf%
5 يمثل حزب الأمة القومي الذي رأسه رئيس الوزراء السابق الصديق المهدي، وحزب المؤتمر السوداني، وتجمع من الأحزاب الأصغر حجما، بالإضافة إلى مبادرة المجتمع المدني الذراع السياسية لنداء السودان. وقد شمل تحالف نداء السودان - الذي انطلق في أديس أبابا في ديسمبر 2014 - تحت مظلته الجبهة الثورية السودانية، وهو تحالف تشكل في عام 2011 على يد الجماعات المسلحة التي عارضت الحكومة السودانية. وتتكون الجبهة الثورية السودانية من الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال وثلاث جماعات مسلحة أخرى من منطقة دارفور، هي: حركة العدالة والمساواة وحركة تحرير السودان/فصيلي منى مناوي وعبد الواحد النور (حركة تحرير السودان - منى مناوي وحركة تحرير السودان - عبد الواحد النور على التوالي). غير أن النزاعات الناشبة بين حركة التحرير وحركات دارفور المسلحة على القيادة التناوبية لجبهة الثورية السودانية قد أدت إلى ظهور فصيلين متنافسين تابعين للجبهة الثورية السودانية بداية من 2015، هما الجبهة الثورية السودانية - أ والجبهة الثورية السودانية - ب، ظلا كلاهما أعضاء في تحالف نداء السودان.
6 المجموعة الأولى للديمقراطية السودانية،“ A continuation of Failure: The AUHIP sign a Unilateral Road MapAgreement with the NCP,” "استمرار الفشل: وقع فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى اتفاقية خارطة طريق أحادية مع حزب المؤتمر الوطني"، في 22 مارس 2016، وهي متاحة على -https://www.democracyfirstgroup.org/a-continuation-of
./failure-the-auhip-sign-a-unilateral-road-map-agreement-with-the-ncp
7 انظر على سبيل المثال، خالد التيجاني النور (باللغة العربية)، “ ’:The end of the ideology of the ‘political movement
,21 إيلات، يونيو ”’’,The aftermath of the demise of the adventures of the ‘civilization project’ and the ‘new Sudan
2017, متاحة على منبر-الرأي/224-1-6-6-1-8-8-...3ية-ما-بعد-افول-مغامرتي-المشروع-الحضاري-و-السودان-الجديد-بقلم-
.https://www.sudanile.com/index.php/خالد-التجاني-النور
8 ياسر عرمان (باللغة العربية)، "نحو ميلاد ثاني لرؤية السودان الجديد"، حرية، 2 يوليو 2017، متاحة على
.https://www.hurriyatsudan.com/?p=225236
9 سودان تربيون، "مساعد الرئيس السوداني يقول أن مشروع السودان الجديد قد انتهى للأبد". 3 يوليو, 2017, متاحة على
.https://www.sudantribune.com/spip.php?article62901
10 مقابلات هاتفية أجراها مشروع كفاية مع أعضاء بارزين في الحركة، مارس - أبريل 2017.
11 يمكن الاطلاع على الترجمة الرسمية لاستقالة عبد العزيز الحلو على الرابط التالي خلال الرابط التالي:
.https://nubareports.org/file/2017/04/letter.pdf نائب رئيس الحركة الشعبية(”,Nuba Reports, “Q & A: SPLM/N Deputy Chairman, Commander Abdel-Aziz Hilu 12 لتحرير السودان- الشمال، القائد عبد العزيز حلو،( 10 أبريل 2017، يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي
https://nubareports.org/q-a-splm-n-depu ... aziz-hilu/. من المرجح أن تكون شروط عبد العزيز الحلو مستوحاة من الامتيازات التي حصل عليها جنوب السودان من الحكومة السودانية بموجب بروتوكول مشاكوس لعام 2002، الذي بدأ العملية التي أدت إلى إبرام اتفاق السلام الشامل في عام 2005. وكان بروتوكول مشاكوس اتفاقا على مبادئ عامة تتعلق بالحكومة والحوكمة من بينها حق جنوب السودان في تقرير المصير. بيد أن هناك شكوك بشأن ما إذا كانت الشروط التي كانت موجودة في مطلع القرن الحادي والعشرين والتي كانت سببا في إبرام بروتوكول مشاكوس ما زالت موجودة إلى الآن.
13 للمزيد من المعلومات حول هذه التطورات، تفضل بزيارة بقراءة المقال التالي، “ SPLM-N internal strife, the chance forrenewal,”(الصراع الداخلي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، فرصة التجديد)، 10 أبريل 2017، على نوبة ريبورتس
./https://nubareports.org/splm-n-internal-strife-the-chance-for-renewal : وذلك على الرابط التالي
14 سودان تربيون، “SPLM-N confirms resignation of its deputy chairman,” )الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال تؤكد استقالة نائب رئيسها،( 18 مارس 2017، يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي :
.https://www.sudantribune.com/spip.php?article61929

15 سودانايل (العربية)، "سودانايل تنشر نص البيان النهائي لاجتماعات المجلس القيادي القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان بجبال النوبة "، 3 أبريل 2017، يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي:
https://www.sudanile.com/index.php/الأخبار/98493-سودانايل-تنشر-نص-البيان-الختامي-لاجتماعات-المجلس-القيادي-القومي-للحركة-الشعبية-لتحرير-السودان-بجبال-النوبة-جنوب-كردفان.
16 المصدر السابق
17 Nuba Reports, “Q & A: SPLM-N Deputy Chairman, Commander Abdel-Aziz Hilu,”)نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال، القائد عبد العزيز الحلو،( 10 أبريل 2017،
18 ويبدو أن موقع الأخبار المستقل على شبكة الإنترنت "الجماهير" لديه مصادر موثوقة داخل مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، حيث استمر بعرض أخبار بشأن التطورات المتمخضة عن اجتماعه وقت حدوثها. كما أثبت موقع "سودان تربيون" الإخباري اليومي الذي يصدر باللغة الإنجليزية أنه مراقب للأوضاع يمكن التعويل عليه، حيث إنه ظل يقدم التقارير عنها دون انقطاع، كما فعل نوبة ريبورتس وراديو دبنقا. معظم تغطية هذه التطورات في وسائل الإعلام المحلية في السودان وغيرها من المواقع الإخبارية كانت تنقل معظم التقارير من هذه المنابر.
19 سودانايل (باللغة العربية)، "سودانايل تنشر نص البيان النهائي لاجتماعات المجلس القيادي القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان بجبال النوبة "، 3 أبريل 2017،
20 حوارات هاتفية مع أشخاص مقربين لكلا الجانبين، 5 مايو 2017.
21 نسخة إلكترونية تمت مشاركتها مع هذا المؤلف، 5 مايو 2017، في الملف.
22 مجلس تحرير إقليم جبال النوبة (باللغة العربية)، القراران 3 و 4،الصادران في 7 يونيو 2017، نسخ نشُرت عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
23 الهامش (باللغة العربية)، “ El-Hilu declares his acceptance of his nomination to SPLM-N Chair; outlines vision fornext period,”(الحلو يعلن قبوله التكليف برئاسة الحركة الشعبية وهذه هي رؤيته في المرحلة المقبلة)، 9 يونيو 2017، يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي https://www.alhamish.com/الحلو-يعلن-قبوله-بتكليف-رئاسة-الحركة-ا/.
24 El-Hilu: my mission is limited. Agar and Arman are combatants with contributions to ” ،الجماهير (باللغة العربية)
the movement( )الحلو مهمتي محدودة، وعقار وعرمان مناضلان ولهما إسهامات في الحركة( يونيو 9 2017 , يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي https://www.aljamaheer.net/2017/06/09/الحلو-مهمتي-محددة-و-عقار-و-عرمان-مناضل/.
25 حق الحركة",The right of the SPLM-N to self-determination,” StillSUDAN blog“ ،مجدي الجزولي (باللغة العربية)
الشعبية لتحرير السودان - الشمال في تقرير المصير"، مدونة ستيلسودان، 19 أبريل2017، يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط
.https://stillsudan.blogspot.ch/2017/?m=0 التالي
26 جاءتنا من مصادر موثوقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، البيان موجود في الملف.
27 بيان مالك عقار (باللغة العربية)، 18 يونيو 2017، محفوظ في ملف لدى حركة كفاية.
28 ترجمة غير رسمية لبيان مالك عقار، باللغة العربية، 18 يونيو 2017، محفوظ في ملف لدى حركة كفاية.
29 سودان فيو (باللغة العربية)، “The final communiqué of the NMLC meeting,” (البيان النهائي لاجتماعات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة بالحركة الشعبية) 25 مارس 2017 يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي https://sudanview.com/2017/03/25/البيان-الختامي-لاجتماعات-مجلس-تحرير-أ/.
30 مقابلات عبر الهاتف ومراقبة وتحليل مواقع التواصل الاجتماعي من جانب مشروع كفاية (Enough Project).
31 راديو تمازج، “Death toll rises to 35 in Maban fight”، ("ارتفاع حصيلة القتلى إلى 35 شخص في معركة مابان") 30
.https://radiotamazuj.org/en/news/articl ... aban-fight مايو 2017ـ متاح على
32 بيانات من داخل المخيمات التابعة للأمم المتحدة. المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، “ South Sudan situation, refugees inSouth Sudan,” ("الأوضاع في جنوب السودان، اللاجئين في جنوب السودان")، مايو 2017، متاح على
.https://data.unhcr.org/SouthSudan/region.php?id=25
33 المرجع السابق. 34 سودان تربيون، “SPLM-N accuses internal group of leading ‘political and military coup,’”، ("الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال تتهم جماعات داخلية بقيادة "انقلاب سياسي وعسكري"")، 28 مايو 2017، متاح على
.https://www.sudantribune.com/spip.php?article62587
35 سودان تربيون (صادر بالعربية)، "عقار يدعو إلى سد منافذ الأزمة القبلية في النيل الأزرق"، 14 يونيو 2017، متاح على
https://www.sudantribune.net/spip.php?if ... icle=17633

36 تم الحصول على البيان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي من مسؤولي الاتصالات في الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال، محفوظ في الملف.
37 نقص في الغذاء في كاو" (”,Food shortage in Kau and Warne-Nuba Mountains“ ,تضامن أبناء جبال النوبة في الخارجhttps://www.nubamountains.org/2017/03/11/famine-inkaow- ووارني في جبال النوبة")، 11 مارس 2017، متاح على
./nyaro-nuba-mountains
38 شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعات، “ Food Security Outlook Update: Food security continues to deteriorate inSouth Kordofan and Jebel Marra,”، "آخر توقعات الأمن الغذائي: استمرار تدهور الأمن الغذائي في جنوب كردفان وجبل
.https://www.fews.net/east-africa/sudan/f ... april-2017 مرة"، أبريل 2017، متاح على
39 الصيحة (صادر بالعربية)، "الحلو يوافق على المقترح الأمريكي للمساعدات بتعديلات"/ 22 مارس 2017، متاح على
.https://www.assayha.net/play.php?catsmktba=17625
40 (SKBNCU), “SKBN CU Humanitarian Update: February 2017,” pp. 2, 5, وحدة تنسيق جنوب كردفان ولنيل الأزرق
on file with Enough; )"تحديث وحدة تنسيق جنوب كردفان ولنيل الأزرق بشأن الأوضاع الإنسانية: فبراير 2017" الصفحات 2, 5، محفوظ في الملف لدى كفاية؛ South Kordofan Blue Nile Coordination Unit (SKBNCU), “SKBNCU
2017 Humanitarian Update: November 2016- January,”. وحدة تنسيق جنوب كردفان ولنيل الأزرق، "تحديث وحدة تنسيق جنوب كردفان ولنيل الأزرق بشأن الأوضاع الإنسانية: نوفمبر 2016- يناير 2017" صفحة 6، محفوظ في الملف لدى كفاية.
41 بيان صحفي للحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال وإقليم جبال النوبة/جنوب كردفان ومجلس التحرير الإقليمي في 10 أبريل 2017، محفوظ في ملف لدى المؤلف.
42 أكد مجلس تحرير الحركة الشعبية لتحرير السودان، جبال النوبة/جنوب كردفان هذا الموقف في بيان بتاريخ 6 أبريل 2017، محفوظ في ملف لدى المؤلف.
43 سودان تربيون، "قائد( ،”,Sudan Tribune, “SPLMN-Agar proposes to negotiate new framework for peace in Sudan ،2017 الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال عقار يعرض التفاوض بشأن إطار عمل جديد للسلام في السودان"، 5 يوليو .https://www.sudantribune.com/spip.php?article62913 متاح على
44 صوت الهامش )صادر بالعربية(، "مجلس التحرير الإقليمي لجبال النوبة: لا مفاوضات مع النظام قبل عقد المؤتمر الوطني." 45 سودان تربيون, “Government says SPLM-N rift affects efforts for peace in Sudan, as opposition calls to end it,”
)"الحكومة تصرح بأن الانشقاقات في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال تؤثر على جهود السلام في السودان، في الوقت الذي تطالب فيه المعارضة بإنهائها"(، 27 مارس 2017، متاح على
.https://www.sudantribune.com/spip.php?article62025
46 المرجع السابق. سودان تربيون, “ Government says SPLM-N rift affects efforts for peace in Sudan, as oppositioncalls to end it.”، )"الحكومة تصرح بأن الانشقاقات في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال تؤثر على جهود السلام في السودان، في الوقت الذي تطالب فيه المعارضة بإنهائها"( 47 نوبة ريبورتس، "SAF and SPLM-N trade ceasefire breach accusations"
"اتهامات خرق وقف اطلاق النار المتبادل بين القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال" 28 فبراير
./https://nubareports.org/sudan-inside-saf-and-spla-n-trade-ceasefire-breach-accusations متاح على 2017
48 ومن ثم فقد أطلقت الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال والحركات في دارفور في الشهور الأخيرة سراح العشرات من جنود الحكومة الذين اعتقلوا على مدار السنوات القليلة الماضية. هذا وقد دفعت عمليات التحرير هذه بالحكومة إلى التعجيل من إطلاق سراح بعض المقاتلين التابعين للحركات المسلحة في دارفور إلا أنها ما زال عليها إطلاق سراح بعض المقاتلين الكبار والكوادر في الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان وإلغاء أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم السودانية بحق قيادات هذه الحركة.
49 تمديد السودان ستة أشهر لمدة وقف إطلاق النار" 15 يناير" "Sudan extends ceasefire by six months" ،رويترزPolitics " ،انظر أيضا نوبة ريبورتس .https://af.reuters.com/article/sudanNews/idAFL5N1F50DZ متاح على ،2017 https://nubareports.org/sudan- سياسات وقف إطلاق النار" الصادر في 1 يوليو 2017، متاح على" ،"of a ceasefire ./insider-the-politics-of-a-ceasefire-nuba-refugees-consider-next-move-civil-society-facing-death-penalty
50 كونسورتيوم السودان، "Human Rights Update: مارس - مايو 2017"، 29 يونيو 2017، وحدة الإشراف على الأمن الغذائي )FSMU( في ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان، "فترة إعداد التقرير: 2017 April: في جنوب كردفان، "يزداد وضع الأمن الغذائي سو ءا من أي وقت مضى، حيث تعتمد الأسر على استراتيجيات التعايش والتكيف العصيبة للغاية للحفاظ على بقائها"، وحدة التنسيق في ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق، "2017 SKBN CU Humanitarian Update" March "تحديث وحدة التنسيق في ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق بشأن الأوضاع الإنسانية" مارس 2017، & Sudan ReliefRehabilitation Agency (SRRA) "الوكالة السودانية للإغاثة والتأهيل" "Humanitarian Situation In Blue Nile" "الأوضاع الإنسانية في النيل الأزرق" 21 يونيو 2017.
51 علامات" "Signs of War Resume in the Nuba Mountains" ،بالنسبة للحسابات الحديثة، انظر نوبة ريبورتسhttps://nubareports.org/signs-of-war-resume-in-the- استئناف الحرب في جبال النوبة"، 26 نوفمبر 2016، متاح على الصراع الذي طال أمده في" "Lingering conflict in the Nuba Mountains" ؛ نوبة ريبورتس/nuba-mountains
https://nubareports.org/sudan-insider-l ... -nuba-mts- جبال النوبة"، 9 أغسطس 2016، متاح علىSudan Call " ،؛ نوبة ريبورتس/peace-talks-in-addis-ababa-saudi-arabia-sudan-south-sudan-crisis-and-the-nuba-mts نداء السودان للإعداد لتوقيع خارطة طريق للسلام" "Prepare to Sign Peace Roadmap, Warplanes Fly in Nuba
https://nubareports.org/sudan-call-prepare-to-sign- والطيران الحربي يحلق فوق النوبة" 8 أغسطس 2016، متاح علىThe Sudanese government’s war of " "توم روديس" Tom Rhodes ؛/peace-roadmap-warplanes-fly-in-nuba Integrated حرب الاستنزاف التي تشنها الحكومة السودانية على جنوب كردفان"؛" "attrition in South Kordofan يوليو 2016، متاح على (IRIN)، 27 "شبكات المعلومات الإقليمية المتكاملة" Regional Information Networks
.https://www.irinnews.org/feature/2016/0 ... frontlines
52 Amnesty International, “Sudan: Don’t We Matter? Four Years of Unrelenting Attacks Against Civilians in منظمة العفو الدولية، السودان: ألسنا ذو أهمية؟ أربعة أعوام من الهجمات القاسية(:Sudan’s South Kordofan State” (London ضد المدنيين في ولاية جنوب كردفان السودانية( لندن: أغسطس 2015، متاح على
./https://www.amnesty.org/en/documents/afr54/2162/2015/en السودان تمدد" "Sudan extends ceasefire ahead of expected lifting of U.S. trade embargo" ،رويترز 53 فترة وقف إطلاق النار قبيل الرفع المتوقع للحظر التجاري الأمريكي المفروض عليها" 2 يوليو 2017، متاح على
.https://www.reuters.com/article/us-sudan ... 9N0TQ?il=0
54 عمل الأمر التنفيذي للرئيس أوباما الذي يسمح باتخاذ إجراء على ربط الرفع الدائم للعقوبات بتقييم مستوى التزام السودان بالشروط المحددة مسبقا في المسارات الخمسة التي اتفقت عليها مع حكومة الولايات المتحدة في النصف الثاني من 2016، على أن يتم تقديم هذا التقييم إلى الرئيس التالي لأوباما بحلول يوليو 2017. وتتمثل هذه المسارات فيما يلي: )1( التعاون في مكافحة الإرهاب؛ )2( التعاون في مواجهة جيش الرب للمقاومة )LRA(؛ )3( الالتزام بإنهاء الأعمال العدائية في مناطق الصراع في السودان؛ )4( إنهاء دعم جماعات المعارضة المسلحة في جنوب السودان؛ )5( توفير إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين.
55 )سبتمبر 2016، )المجال الجوي الدفاعي Defense Aerospace، "Sudan to get 170 Russian T-72 tanks" 21
"السودان بصدد الحصول على 170 دبابة روسية من طراز 21 "72-T سبتمبر 2016، متاح على-https://www.defense
.aerospace.com/articles-view/release/3/177245/sudan-to-soon-receive-170-russian-t_72-tanks.html
56 African Aerospace Online News Service، "Sudan orders six Chinese-made FTC-2000 trainer jets" 28 فبراير 2017، )خدمة الأخبار على الإنترنت للمجال الجوي الإفريقي( ، "السودان تطلب ست طائرات تدريب صينية نفاثة فئةhttps://www.africanaerospace.aero/sudan-orders-six-chinese-made-ftc- فبراير 2017، متاح على FTC-2000" 28
.trainer-jets.html-2000 السودان تشتري 35 طائرة مقاتلة" "Sudan buys 35 fighter jets from Russia" )أخبار اية بي اية( APA News 57 .https://apanews.net/en/news/sudan-buys-3 ... rom-russia نفاثة من روسيا" 28 مارس 2017، متاح على
58 التغيير، "تحتفل قوات الدعم السريع بتخرج 16.000 مقاتل في مايو"، 11 مايو 2017، متاح على https://www.altaghyeer.info/الدعم-السريع-الجنجويد-تحتفل-بتخريج-16-ا/.
59 سودان تربيون، "Sudanese president vows to crush rebellion soon" "الرئيس السوداني يتعهد بالقضاء على المتمردين
.https://www.sudantribune.com/spip.php?article62447 قري با"، 13 مايو 2017، متاح على
60 The SPLM-N insists on comprehensive peace, and says it is standing firm in the face of " ،سودان تربيون
conspiracies" "تصر الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال على إحلال السلام الشامل وتؤكد على صمودها في مواجهة المؤامرات" 17 أبريل 2017، متاح على
.https://www.sudantribune.net/spip.p hp?iframe&page=imprimable&id_article=17121

61 The case for a new policy framework :مشروع كفاية، "المسار المفقود(:The Enough Project, “The Missing TrackUnited States and Sudan” تقرير بشأن إطار عمل لسياسة جديدة بين الولايات المتحدة والسودان" )واشنطن( between the
.https://enoughproject.org/policy-briefs ... sing-track يونيو 2017(، متاح على :(Washington
62 “ Concept note for United States to provide direct humanitarian assistance to SPLM areas of control in SouthKordofan and Blue Nile states,” )مذكرة مفهوم للولايات المتحدة لتقديم مساعدة إنسانية مباشرة للمناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق( المستندات لدى مشروع كفاية.
63 سودان تربيون "SPLM-N denies rejection of U.S. humanitarian proposition" "الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال تنفي رفضها للمقترح الإنساني الأمريكي" 20 يناير 2017، متاح على:
.https://www.sudantribune.com/spip.php?article61442
64 سودان تربيون، "Sudan says SPLM-N must accept U.S. proposal without conditions" "السودان تؤكد على حتمية قبول الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال للمقترح الأمريكي دون أي شروط" 14 مارس 2017، متاح على
.https://www.sudantribune.com/spip.php?article61875
65 Sudan المبعوث الأمريكي الخاص يتحدث عن السودان وجنوب" U.S. Special Envoy Speaks on" ،معهد السلام الأمريكي يناير دونالد بوث حول ,and South Sudan, Am b Donald Booth on the U.S. Role in Seeking an End to Violenceالسفير https://www.usip.org/events/us-special-envoy-speaks- سعي واشنطن دي سي بوقف العنف" 27:50-28:11 متاح على .sudan-and-south-sudan
66 الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال" "PLM-N denies rejection of U.S. humanitarian proposition" ،سودان تربيون
تنفي رفض المقترح الإنساني الأمريكي." 67 سودان تربيون، "SPLM-N, U.S. officials discuss ways to reshape humanitarian proposal" "الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال والمسؤولون الأمريكيون يبحثون سبل إعادة تشكيل المقترح الإنساني" 28 أبريل 2017، متاح
.https://www.sudantribune.com/spip.php?i ... icle=62317 على
68 المصدر السابق



المصدر:

https://www.sudanile.com/index.php/%D8%A ... 8%AF%D9%88
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعقيب على حيدر إبراهيم:



حيدر إبراهيم: دي كليرك في طور التّكوين

بقلم: الوليد مادبو



إنّ رجلاً يقوم بدورٍ تنوء عن حمله مؤسّسات ثقافية كاملة وهو في العقد السّابع من عمره، دونما أدنى عون سواء ما يتلقّاه من بنيه - الذين هو حفيٌّ بهم - لحري أنْ تُقرأ مقالته بتأنٍ وأنْ يُمنح من الأعذار أنبلها قبل أنْ تُلقى في ساحته النّبال، بل وقبل أنْ يوسم بالعنصرية، التي لم يُتهم بها أكبر عتاة الطائفية (أو الإمبريالية الإسلامية).
لا يتوقّع من أحدنا أنْ يكون بارعاً في شتَّى المجالات، لكن المحري فيه؛ أنه إذا نوى الدّخول في حقل لا يلم به إلماماً كاملاً أنْ يتوخَّى الحذر قبل أنْ يُصدر أراءً فيها نوعاً من الجزومية. لقد دخل د.حيدر إبراهيم في مسألة تنظيمية مؤسّسية، وقبل أنْ يعطها حقّها في التفصيل قفز إلى إكليشيهات سياسية (جلَّابة/غرَّابة) واستعار أدوات مفاهيمية (مركز/هامش) جعلها تبدو كالتابوهات الفكِّرية، بل لقد بدأ حيدر وكأنه كان ينتظر هذه اللّحظة لينقض على أبناء الهامش ويتهمهم بالعنصرية المضادّة. علماً بأنّهم لم يفعلوا أكثر من إلغاء دور الوكيل واعتماد العنصر الأصيل في المُرافعة عن أهلهم وحقّهم في البقاء الكريم، الأمر الذي أفسده "الوسيط" حيناً من الدّهر.
إنّ د.حيدر إبراهيم سيسيولوجي وعالم اجتماع مَعنِيٌّ بتوجيه الثقافي للسّياسي، لكنه لم يدعِ خبرة في التنمية والتخطيط الاستراتيجي تعينه في الانتقال بسلاسة ويُسر بين السّياسي والتّنموي. لو أنّه كلّف نفسه مشقّة الإطلاع على كتابات جمعة كندا وعمر مصطفي شريكان وعطا البطحاني في شأن كردفان وجبال النُّوبة خاصّة لكفى نفسه المؤونة، ولأبعد عن نفسه المظنّة. لكنه لم يُوفَّق إذ استدلَّ بأمثلة جعلت القارئ يعتقد بأنّه تعمّد تناسي العوامل البنيوية والمؤسّسية التي أحدثت الخلل التّنموي المُريع الذي طال كل السودان والغرب منه خاصة رغم ثرائه، والذي قنّنت له من بعد عنصرية بغيضة، وهذا مثال من أمثلة توجيه السّياسي للثّقافي. فالحلُّ يكمن في الإقرار وليس الإنكار، ومن ثَمّ اتخاذ الخطوات العاجلة التي من شأنها أنْ تعالج الخطل قبل فوات الأمر. إنّ استدعاء آراء عبدالخالق رغم اتزانها وصحّتها، لا يجدي في هذه السّانحة، كما إنّ آراء الغلاة من أبناء الهامش لا تفيد في إجراء حوار ٍمثمر ٍ ومفيد.
إنّ صدفة تاريخية مُحدّدة هيأت لنُخْب من رقعة جغرافية معيّنة حقّ الريادة الفكرية والسّياسية، بل حتى الاقتصادية لا تجعل منه حقّاً قدسياً وإلهياً. بالمقابل إرباك هذه الهرمية بطريقة لا تُراعي التدرُّج، قد يجعل الأخيرة أكثر تمسكاً بميزاتها الاستراتيجية التي استفادت منها أقلية في الشّمال السّوداني النّيل وسطي، لكنها أعطت الأكثرية إحساساً بالنّبوغ.
إن ولوغ بعض "الغرَّابة" وشربهم من عرق "الغلابة" (العرقي السّياسي المعتق) لا يُغيِّر في مُعطيات هذا الواقع أيَّ شيء؛ فإنَّ منهم انتهازيين وأكثرهم منهزمين. كما إنّ الانحرافات السّلوكية والانزلاقات الأخلاقية للبعض الآخر (كأن يخمش أحدهم بعض الفتات) لا يمكن أنْ تُستخدم كمبرّر لإنكار واقع بنيوي ماثل ، ولا يحتاج إلى بصيرة. مثلاً، إنّ خزان الرصيرص يُوَلِّد كهرباء تَنْعم بها الخرطوم ويُحرم منها أهله. هل نحتاج كخبراء تنمية إلى كلام سياسي كثير كي نُقَوِّم هذا الأمر؟ إنّ الدّولة في خلال القرن ونصف الماضية أعطت "أولياءها" ميزات تفضيلية وخصّصت لهم أراضٍ في جبال النّوبة ما كان لهم أنْ ينالوها إلا بتآمرٍ على أصحابها الحقيقيين. هل يحتاج هذا الأمر إلى لجاج؟ إنّ الأعراب الذي قطنوا أراضي الفور والمساليت في العقديْن الماضييْن، هل يسمح أحد منَّا له ضمير باستبقائهم؟ إنّ السّلخانات التي تسعى الدّولة لتأسيسها في الشّمالية والتي أوكلت مهمة تأسيسها إلي شركة (زادنا)، هل هذا هو مكانها الاستراتيجي؟ إنّ قُرى الحلفاويين التي تغرق وآثارهم التي تَمّحي، هل هذا كله مُتَعَمَّد أمْ إنّه سوء تخطيط؟ أعتقد الاثنان معاً؛ بلادة وعدم اعتبار لدى الفئة الباغية لمفهوم المواطنة، إذ ما زالوا يلهثون هم وأولياء نعمتهم وراء وَهم الخلافة! ألم يأن لنا أن نفك ارتباطنا بالمشرق ونعي بأنه عبئاً كبيراً فنولي اهتمامنا بالشعوب السودانية ونيمم وجوهنا صوب الحزام السوداني؟ حتي متي والاستمرار في لعب دور السمسرة السياسية والاقتصادية؟ متي نولي أهمية للتنمية؟
إذن المشكلة مشكلة بؤس في التخطيط وعجز عن استحداث خطّة قومية تنموية، الأمر الذي أشار إليه د.حيدر إبراهيم بقوله أو تصنيفه للصراع بأنه صراع طبقي قد تأخذ تمثلاته أبعاداً جهوية أو عنصرية لكنه في الأصل صراع اقتصادي- اجتماعي، علماً بأنّ التّنمية أو الخطّة الاستراتيجية لا يمكن أنْ تُطوَّر؛ إلَّا وفق رؤية أخلاقية أشار إليها بعض من زملائنا الذين تكفّلوا بالردِّ على الدّكتور المُوقر والذين أشاروا بالتحديد؛ إلى أنّ عنصرية النُّخْب المركزية المتنفِّذة اليوم تَحول دون الوصول إلى هذه الغاية النّبيلة؛ خاصّة أنّ العنصري لا ينحاز إلى فئة اعتقاداً في تميُّزها إنّما تكلُّفاً يسعى فيه لنيل رضاها - وهي له ماقتة وعلى أسلوبه غاضبة لأنها تحسُّ ببساطة بأنّه سيورِّثها كارثة، طال الزمن أم قصر. كما إنه قد لا ُيؤمن في قرارة نفسه بتفوقه العرقي، لكنه - إذا ما نظرنا إلى حالة الطّلبة الدّارفوريين الذين هُجِّروا من بخت الرضا وحصروا في قرية الشيخ الياقوت، مثلاً - يسعى لتأمين موقفه الأمني والسّياسي. فدارفور تخيفهم وتخيفهم أكثر عندما تتوغَّل في الوعي الاجتماعي مستخدمة عمقها الوجداني والإنساني والسّوداني. إنها تنقل فعل المقاومة إلي "الدّاخل."
فلا يمكن للوالي أو غيره أن يتهاون معهم لأنها تعليمات التنظيم ولا يغير من الأمر شيء كونه دارفوري لأنه ببساطة مؤتمر وطني. هذا شأن المدجنين، فما بال الوطنيين؟ هل يعجز الناشطون المدنيون والرأسماليون الوطنيون عن توفير 120 الف جنيه مطلوبة لترحيل الطلاب؟ فيما يتداول الأكاديميون - المغتربين منهم خاصة - نكات عن قادة الانقاذ عبر الواتسب فإنهم يعجزون عن دفع 10 دولار قيمة اشتراك شهري لتشييد منصة للتفاكر العلمي في شأن الوطن. ذلك أن الشخصية الثقافية الاجتماعية شخصية تواكلية اتخذت من السياسية مشجباً عوض عن اتخاذها متكئاً أو وسيلة لتحقيق غاية أكبر (راجع مقالتي "الكابوس" في سودانيل عن الشخصية السودانية واشكالية النهضة القومية).
إنّ أُس المشكلة يكمن في الاستبداد. فالاضطهاد الذي تعرّض له د.حيدر إبراهيم (شايقي الأصل)، من إغلاق لمركزه ومصادرة لكتبه، هو من صنف الاضطهاد الذي يتعرّض له د. جمعة كندا (نوباوي الأصل). لكنَّا يجب أنْ نقرّ بأنّ الاستهداف لحيدر هو استهداف شخصي، استهداف لشخص مستنير يرون في أدواته خطراً عليهم، أما الاستهداف لكندا هو استهداف عرقي، استهداف لعرق ترى "العصابة المركزية" في تواجده خطراً عليهم، وفي زحفه اضمحلالاً لهُوِّيتهم. ينطبق الأمر على كافّة العرقيات الأخرى، الزّنجية منها خاصّة. والتي لا تكاد تري لها وجوداً في الكوادر الوسيطة للخدمة المدنية، وجوداً يتناسب مع نسبتها السكانية، دعك من تضحيتها ونضالها الوطني.
لقد سقطت كُلِّ اللافتات الأيديولوجية أو الشعارات السّياسية، مما أفقد الــ Hegemon (المُهيمن) حتى مجرّد قدرته على التمثيل. مثلاً، لأول مرّة لا يوجد في هيئة الأركان للجيش غرباوي واحد - أيُّ غرباوي - إنْ شاء الله واحد تافه أو رخيص كالذين تستعين بهم المؤسّسة الطّائفية في تسيير أعمالها اليومية، أعني بالتحديد حزب الأمّة، أو أولئك المردة-القردة (وما يليهم من فئات بشرية منقرضة أو آيلة للانقراض) الذين يستعين بهم المؤتمر الوطني أو الشعبي في الحفاظ علي رمزية مخجلة، رمزية لا تحتفي بالنّوعية إنّما تستند فقط علي أُسس لونية. هل يعني أنّ هؤلاء الأرجوزات (قادة هيئة الأركان الحاليين) ممثلين للجلَّابة؟ لا، فالجلَّابة قد شُرّدوا منذ اليوم الأول من كافّة قطاعات الخدمة المدنية، بل كانوا هم الأكثر تتضرُّراً بحكم تواجدهم الكثيف، لكنهم، أيّ هؤلاء، حتماً يمثِّلون أقصى مخاوفهم. إنّ هنالك تحالفاً غير مُعلن بين كافّة مؤسّساتهم الاجتماعية، السّياسية، والاقتصادية، والعسكرية، هو الذي هيأ للإنقاذ المُكوث طيلة هذه المدّة. الأدهى، تماهي النخب الحاكمة كاملاً مع أحط ما في الثقافة الشعبية (الكذب، الرياء، البوبار، الوهم، الغش، الكِبر، البذاءة، الدناءة، الاستنكاح، الكسل، الاتكالية، الجهل، الانانية، الشرف بترقيق الراء، الغرور، التملق، الحلف بالطلاق، البخل، الجبن، الاستهبال، العشوائية والسبهللية، العنصرية، الي أخره من الصفات الذميمة التي كنا نعير بها الغير، خاصة جيرانا وكل من خالفنا الرأي وقد أصبحت اليوم صفات ملازمة لنا لا تمر علي مناسبة فرح أو ترح الا وقد تجد كل هذه الصفات متواجدة وبكثرة في مكان واحد وقد تجدها كلها في شخص واحد فيوفر عليك مشقة البحث) ، بل التعويل علي ذلك.
لو أنّ فيهم دي كيلرك واحد، أي الجلابة (والمستجلبين الاخرين الذين انضموا مؤخرا الي المنظومة)، لقال لهم بالحرف: إنّ استمرارنا في هذا الاستهبال (أو الإنكار) سيفقدنا ميزات استراتيجية نلناها بمباركة الّلورد كتشنر، وإنّ محافظتنا عليها تستلزم ليس فقط التنازل، إنّما الإقرار بأنّ سوداناً جديداً يتشكَّل. وإنّ من مصلحتنا (فهم، أيّ أعضاء الليغ السّياسي، يفهمون لغة المصلحة)، وليس فقط واجبنا (كما يفعل الحزب القومي السّوداني) أنْ نصل إلى تسوية سلمية تحفظ لنا حقّنا وتعطي الآخرين حقوقهم. يمكن للدّكتور حيدر إبراهيم، مع بعض التعديل في طرحه، أنْ يقوم بهذه المهمّة التي فشل فيها الدّكتور عبدالله علي إبراهيم الذي استمرأ الأساليب الحلزونية (فهو يمجّد عبد الخالق ويقف علي نقيض موقفه ويمجّد الليبرالية والدّيمقراطية ويقف مع الإمبريالية الإسلامية في معسكرها) والسّيد الصّادق المهدي الذي آثر العافية وخَلد إلى الأرض، بعد أنْ أصبح من الصّعب عليه الاستمرار في دور الوكيل الذي لعبه هو وأسلافه، والذين استمدوا قيمتهم الاستراتيجية ونالوا حُظْيَة لدى النُّخْب المركزية عبر التّاريخ معتمدين على قدرتهم في تطويع الهامش مُستخدمين الدِّين. وها هي الفرصة تضيع عليهم جميعاً بعد أنْ انعتق الرّيف من أنواع الوصاية كافّة -الدِّينية منها والأيدولوجية. فهل تحسَّب المناضل ياسر عرمان لمثل هذا اليوم؟
(لم تكن فرصة د. حسن مكي للعب دور دي كليرك - رغم محاولته المتعدِّدة - بأفضل من فرصة أمين حسن عمر في كتابة الشّعر، فالإسلاميين السّودانيين لا يمكن أنْ ينجحوا في أيِّ عمل إبداعي لأنّهم قيّدوا العقل بالوجدان، ولا يمكن أنْ ينجحوا في أيِّ عملٍ رياديٍ وطني لأنّهم غير أخلاقيين وغير مبدأيين، باستثناء القلّة منهم مثل: د.الطيب زين العابدبن و د.خالد التيجاني و د.التيجاني عبدالقادر وآخرين يعلمهم الله ولا أعلمهم. وإلَّا، كيف نفسِّر وجود الشّعبي في حكم قد نعتوه بكافّة النّعوت وتوعدوه بأشدِّ ما توعَّد المولى عزّ وجلّ الكافرين والمنافقين في اليوم الموعود؟)
في سعيه لاستدعاء التاريخ، ولو بصورة خجلة، نسي حيدر أنّ ضحايا غرب السّودان من اضطهاد الخليفة وبطشه لا يقارنون بظلمه للشّمالية، وهذا ما تجهله كثيرٌ من النُّخْب النّيلية. لقد بدأت الخيانة في المهدية بقتل المهدي لأبناء المك آدم أمدبلو ومعهم بعض فقهاء الدِّين الذين شكَّكوا في مهديته، وهؤلاء أغلبهم من السّادة القادرية والسّمانية وأتباع الطريقة الإدريسية الذين لعبوا دوراً مفصلياً في إنجاح الثورة المهدية بتحقيق الانتصار في قدير، ولم تكتف القيادة التعيشية من بعد المتمهدي باغتيال القيادات القبلية - الكاريزمية منها خاصّة - بل عمدت إلى تصفيات عرقية شملت كُلَّ القبائل الدّارفورية، وتعمَّدت إذلال الرّزيقات المهرية نكاية في قادتهم الذين أعلنوا معارضتهم للدّولة الظّالمة، فقُتل من رعاياهم في نهاية الحملة ما لا يقلّ عن ألف عريس مربوطة في يده حريرة. ممّا دفع بأكثريتهم إلى الهجرة إلي تشاد. فالقضية ليس قضية جلَّابي ظالم (المهدي) أو غرباوي غاشم (الخليفة)، إنَّما هي قضية الاستبداد الذي يستحكم عندما يستشري الجهل والأمّية في شعب، وينسدّ أمامه الأفق فلا يكاد يرى الخلاص إلا مرتبطاً بأُسس غيبية، والازدهار مُقترناً بالفضيلة الدِّينية. مَن يتخيّل إننا، وبعد زهاء القرن، ما زلنا نواجه بنفس المعضلات، بل نفس المعضلة، وكأن الزمن لا معنى له في هذه العوالم الإفريقية السّودانية السّوداوية المظلمة الكالحة؟ لسنا مُطالبين بتقديم تعريف للسّياسة من منطلق إيماني، كما إنّا لسنا ملزمين إلي الالتزام بالعلمنة السّياسية (تحييد السياسة تجاه الاخلاق والدين) أو كما يقول محمد مجتهد شبستري الذي بين في كتابه (تأمُّلات في القراءة الإنسانية للدِّين) أن استبدال نظام الخلافة القديم بنظام سيادة الشعب لا يعني عدولا عن نظام سماوي مقدس، بل هو انتقال من نظام أرضي كلاسيكي (الخلافة) إلي نظام أرضي أخر يتسم بالحداثة والمعاصرة (سيادة الشعب) (ص.153).
وإذ اعتبرنا الإنقاذ مرآة للمهدية، فيجب أنْ نقول إنّ ما لحق من حيف بالنُّخْب النّيلية تمثّل في تشريدها من الخدمة المدنية، الجيش، واستهداف مراكز نفوذها الاقتصادي والسّياسي والاجتماعي، لم يلحق بها في أيِّ فترة من فتراتها. فالاستبداد لا يعرف التمييز بين غرباوي وجلَّابي، إنما التفصيل بين مَن يناسبه ومَن لا يناسبه. لقد أضعفت الإنقاذ نفسها وأصابت نفسها في مقتل من حيث تدري ولا تدري؛ باستبدالها العناصر الصّلبة (من بني جلدتها) بعناصر رخوة (من وَهم أيديولوجيتها). تماماً كما فعل ود تور شين. فقد استدعى كافّة القيادات القبلية (أهل الغرب خاصّة)، والتي أمعن في اضطهادها وكانت معتقلة آنذاك، للاشتراك في معركة كرري. فما كان منهم إلَّا أنْ استغلوا هذه السّانحة، التي تمثّلت في فكِّ القيد من تحت أرجلهم، للاستعداد للانسحاب بأهاليهم في الوقت المناسب من معركة خاسرة. لقد سقطت الدّولة أخلاقياً وفكرياً قبل أنْ تفشل عسكرياً وتنهزم مخلِّفة دماراً نفسياً ومادياً وخسران السّودان لثلاث أرباع كثافته السّكانية. فلن تُجدي المكابرة وهل يمكن المرافعة عن الدّولة الفاشلة بعد كُلِّ الدّمار والسّمعة السّيئة التي جابت أركان المعمورة يومئذ؟
لن يهنأ أهلنا في الرِّيف إلَّا باقتلاع دولة المركز، ومحاصرة رموزها، ومحاسبة عناصر الفساد فيها. لقد باتت الفرصة مُواتية أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، وإنَّ المعوّل علي الهامش في تجاوز تناقضاته الذاتية وتلك التي من صنع الانقاذ، كما العزم علي عقد تحالفاً يتجاوز ثنائية عرب وزرقة في دارفور ويمد أواصر الاخاء لأهلنا في كردفان - النُّوبة خاصة - لأنّهم أهل حزم وروية. بيد أنّه يلزم قيادتهم الحالية طرح نفسها كقيادة للسّودان وألا تقنع بالتقوقع الوجداني الحالي - فطرح مشروع "السّودان الكبير" منوط بوجود دعامة فكرية صلبة، أعتقد أنّ د.حيدر إبراهيم وأمثاله من الوطنيين يمكن أنْ يكونوا من داعميها إذا لم نقل مؤسِّسيها. عليه، يجب أنْ يُتخذ منهم شركاء وليس غرماء.
لقد استطاع قرنق بكاريزميته وثقافته وبراعته السّياسية أنْ يستقطب عددية نوعيَّة من النُّخْب النّيلية، إذ رأى في عقد التحالف الأخلاقي والفكري وسيلة لتجاوز الثُّنائيات المُخلّة، على الأقلّ من النّاحية التّنموية. بيد أنّ مَن خلفوه لم يقووا علي تفعيل ذاك الموروث فوقعوا في المحظور.
نحتاج أنْ نعمل على عقد هذا التحالف، الذي من دونه لن نستطيع بناء دولة سودانية حديثة، لكنه يجب أنْ لا يكون على الطّريقة النّرجسية أو الفهلوية التي ما زالت ترى في نُخْب الهامش قُصَّرَاً يجب التعامل معهم برفق (كما يفعل الصّادق المهدي وعبد الله إبراهيم)، أو كُفَّرَاً يجب التعامل معهم بعنف (كما تفعل الإنقاذ). يجب أنْ يعي أولئك وهؤلاء؛ أنّ الرّيف قد انعتق من الوصاية وأنّ جلَّ ما يمكن فعله هو تشجيع كُلّ مجموعة عرقية أو قبلية أو جهوية مناطقية على ترتيب أوضاعها ديمقراطياً، لأنّ التّصعيد المؤسّسي هو الذي ينتج أصلب العناصر وأنفعها للإنسانية.
سَرّني ما قام بها الزغاوة من عقد مؤتمرهم في الولايات المتحدة، فقبيلة فيها هذا الكم من العلماء يجب أنْ لا تترك لهلافيت يتولون أمرها ويسبّبوا لها ارتكاسة يتضرّر منها العامي قبل الأفندي. أتمنى أنْ يحذو البقارة والنُّوبة والنُّوبيون حذوهم، لا سيما الفور والمساليت الذين تفرّقوا أيدي سبأ بعد أنْ استثمرت النُّخْب الرخوة محنتهم، منها ما قنع بالدّونية ومنهم من رجع إلى مهجره غير قانع بما حاز من الدَّنية.
هذا هو واقع السّودان الذي يجب أنْ لا يتخطى، إذ إنّ الهيئات المدنية لم تكن غير غطاية لبناية تفتقر إلى بنية تحتية. يمكنا أنْ نرتقي تدريجياً من مستوى القبلية إلى مستوى تعزيز الرابطة المدنية، وأن نُرَّفِع الوعي القومي مستصحبين الموروث الثّقافي ومُتخطِّين منهجياً وأبستمولوجيا لمحدوديته الفكرية.
إنّ إغفال د.حيدر إبراهيم لبعض الحيثيات التّاريخية أو إهماله لبعض الأدوات المفاهيمية لا يجعل منه مُغْرِضاً أو مُبْغِضاً، لكنها الزّاوية المُعتمة (Blind Spot) في المرآة الجانبية لسيارة كثيرٍ من النُّخْب النّيلية. فها هو عمر الدّقير يكتب مرافعة رائعة عن حقِّ شعب السّودان في الكرامة والعيش الكريم بمناسبة اليوم المشؤوم، يذرف فيها الدّمع على ثلاثين ضابطاً أُعدموا لكنه يُسقِط من وعيه 300,000 دارفورياً أُبيدوا في أقلّ من 3 شهور، وما زالوا! هل يقدح هذا في وطينته؟ لا، لكنه يبرهن على ضرورة مراجعته لمفهوم القومية التي يدعو لها ومستوى امتداداتها، فكثيرٌ ممَن يتحدّثون عن القومية، يتحدّثون عنها وفي مخيلتهم السّودان الشّمالي النّيلي وسطي، وهذه إشكالية نفسية وثقافية وتربوية، لا يمكن التعامل معها عُنْفَوياً.
أزمع حيدر يوماً على إصدار كتاب (ستون عاماً على الاستقلال)، فاتصلت به مشيداً وداعماً وذكّرته بضرورة تضمين كتابات عن الهامش، خاصّة دارفور نسبة لما عانته من إبادة عرقية وضرب متعمَّد للهُوِّية. اعترف بأنَّ الأمر لم يفت عليه ورحّب بالفكرة، لكنه أقر بصعوبة إيجاد شخصا مناسبا نسبة لضيق الوقت فكان أنْ تبرعت بسد الخانة وشاركت معه بورقة علمية (دارفور: بنكرياس السياسة السودانية). هذا موقف أنبل من مواقف كثير من الدّارفوريين الذين يستكتبون للشأن الدّارفوري بعض رفقائهم الأيديولوجيين، لمجرّد أنّهم أكاديميون إخوانيون أو أمدرمانيون، وأنّ بعضهم لا يعرف عن دارفور إلَّا من سجّلته ذاكرته من بعض الرِحَل الجامعية، كي ينالوا رضاهم أو يبرهنوا على وفائهم.
هنالك موقفٌ آخرٌ يدلّل على أنّ الإحن بين أبناء الهامش ليس أقلُّ من تلكم بين أبناء الريف والهامش. أذكر أنني انضممت يوماً لوفد من الدّارفوريين كان من المفترض أنْ يلتقي بالسّفير الأمريكي، وذلك قبل عشر سنوات. جاءتني السّكرتيرة بعد فترة وهي مُحرجة وقالت لي: لقد طلب الوفد والذي كان أغلبيته من أبناء الفور من السّفير الّلقاء على انفراد وذلك لخصوصية الموضوع وضرورة مناقشتهم لبعض القضايا في سرّية. الطّريف في الأمر أنهم كانوا يرون في "الرجل الأبيض" حليفاً ونصيراً (وقد أثبتت الأيام مدي تواطؤ المجتمع الدولي متمثلا في منظماته المتهالكة مع النظام الحاكم، بل إن موظفيهم باتوا يتنافسون علي محطة الخرطوم لدسامة ما فيها من إغراءات) ، الأمر الأكثر طُرفة أنّهم لم يريدوا لواحد من أبناء القبائل العربية حضور المداولات، علماً بأنّ الخزي قد آتاهم من بين أيديهم ومن خلفهم.
اتَّصل بي أحد دكاترتهم الأجلاء من بعد معتذراً، قبلتُ عذره لكنني ذكّرته بأننا قد انضممنا إلي العمل المدني الدّارفوري ظنّاً منّا أن دارفور هي الحدّ الأدنى وأنّ الحدّ الأعلى هو الوطن؛ قلت له بالنص "أما وقد ركنتم إلي الحمية فلن تجدوا نصرة بلاي." وأنا أقول لأبناء الهامش إذا أردتم عقد تحالف سياسي وفكري يحاصر النُّخْب المُتهافتة كافّة، فإنّكم لن تجدوا أفضل من د.حيدر إبراهيم، فقط اعتبروه دي كليرك في طَور التكوين!

[email protected]


المصدر:

https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... 8%A8%D9%88
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الجزء الثاني والأخير من مقال شركيان:




الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان-شمال: تقويم المسار من الاتجاه الضار (2 من 2)

بقلم: د. عمر مصطفى شركيان





تنويه واعتذار


لقد ورد في المقال السَّابق اسم الدكتور عبد السَّلام نور الدِّين بأنَّه صاحب المقال "لا تنخدع بالعبور إلى الضفة الأخرى"، حيث أنَّ صاحب المقال إيَّاه هو عبد السَّلام نورين، ولكل منهما موقف من القضيَّة السُّودانيَّة. إذ نعتذر من هذا الخلط في الاسمين، ونرجو من الأخوين المعذرة والمغفرة من هذا الخطأ الذي لم يكن مقصوداً.


أما بعد، فقد ربطت الحركة الشعبيَّة في أيَّة مفاوضات سياسيَّة قادمة مع النظام الخرطومي بسقف، وهذا السقف حدَّدته جماهير إقليمي جبال النُّوبة والنيل الأزرق بحق تقرير المصير، والذي قد تعني نظماً مختلفة، وليس بالضروة الحتميَّة الانفصال كما يتخوَّف نظام الخرطوم وأشياعه، فقد يعني هذا الحق الحكم الذاتي، ولكن بجيشه الشَّعبي؛ وقد يعني النظام الفيديرالي كما في ألمانيا وليس المسخ "الإنقاذي" الممارس اليوم في السُّودان وبجيشه الشَّعبي أيضاً؛ وقد يعني اتحاد كونفيديرالي مثل النظام السويسري، وهذه الأنماط كلها ضروب من أضراب الوحدة وبجيشه الشَّعبي كذلك؛ أو الانفصال التام. والانفصال ليس بالضرورة أن يكون "مطابقاً لحق تقرير المصير، وهو ببساطة أن يكون لهذه المجموعات (الحق في) أن تقرِّر مصيرها بالدَّولة المركزيَّة، وتحدِّد شكل علاقتها بالمركز، وما يتم من مشاريع تنمويَّة وخدميَّة في المنطقة، وأن يقرِّروا مصيرهم في كلِّ ما يتصل بشؤونهم الخاصة، وهذا يقود إلى السُّودان الجديد، الذي يقوم على التعدُّد الثقافي والدِّيني، وكل إنسان حر في ممارسة عاداته وتقاليده وطريقة حياته، وأن تكون هناك ديمقراطيَّة،" والإيضاح هنا للدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى.
بيد أنَّ المطالبة بحق تقرير المصير في ذينك الإقليمين ليست بجديدة. فقد سبق أن تنادت شعوب هاتين المنطقتين بهذا الحق في مؤتمر عموم أبناء النُّوبة في كاودا في 2-5 كانون الأول (ديسمبر) 2002م، وفي مؤتمر الكرمك في 16-18 كانون الأول (ديسمبر) 2002م. إذاً، كل ما فعله القائد الحلو هو انحيازه إلى رأي الجماهير قديماً وحاليَّاً في المطالبة بهذا الحق في هذا الأمر. ثم ندلف إلى هؤلاء وأولئك الذين باتوا ينعتون الحركة الشعبيَّة اليوم بعدم القوميَّة بعد مطالبتها بحق تقرير المصير بما فيهم من كانوا في الحركة منذ الأزل، ونحن نعلم علم اليقين بأنَّ الحركة الأم قد طالبت في السابق بهذا الحق منذ إعلان المبادئ في نيروبي العام في أيار (مايو) 1994م وكانت حركة قوميَّة، فما الجديد اليوم إذاً؟ وكذلك يستطرد الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى قائلاً: "يجب أن يفهم الناس هذا الأمر على وجهه الصَّحيح، حق تقرير المصير جزء أصيل في منيفستو الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان، منذ أن كانت موحدة تحت قيادة الدكتور جون قرنق دي مبيور ومعه على نفس الدرجة من الأهميَّة رؤية السُّودان الجديد، وهذان كانا هدفين توأمين للحركة، ولا يمكن تفضيل واحد على الآخر." وقد أبنا ذلك في مستهل مقالنا هذا.
غير أنَّ الذين يرتأون بأنَّ الحركة الشعبيَّة تتحدَّد قوميتها بشخص معين أو أثنيَّة محدَّدة فهذا خطأ مبين. وفي هذه اللحظة الانعطافيَّة كان محمد قيسان محقاً حين كتب في صحيفة "نوبة تايمز" الإلكترونيَّة، وهو يضع التساؤلات في "هل للألوان دلالة رمزيَّة لإحداث تغيير؟"، واستطرد سائلاً: "هل أثنيَّة ولون (شخص) دالة على قوميَّة الحركة، ومشروع السُّودان الجديد لا يُقبَل إلا من خلال اللون والعرق؟ إذاً، قرنق كان (قد) امتلك عصا موسى السحريَّة، التي من خلالها هشَّ الاعتقاد الجازم بضرورة اللون كمفتاح قومي للوحدة؟" ثم أضاف محمد قيسان بأنَّ "مذكرة توقيعات الخمسين عضو من الحركة الشعبيَّة المناوئين لقيادة الحلو أعادت إلى الأذهان مذكرة كرام القوم، التي تبرَّأت من البطل علي عبد اللطيف ورفاقه في حركة اللواء الأبيض العام 1924م." وعقار وعرمان كمناضلين تأريخيين لا يتنكَّر أحد على كفاحهما الطويل فعليهما القبول بالوضع الجديد تحت القيادة الجديدة، لأنَّ كل ما حدث هو تغيير مواقع الثوَّار وفق الدستور، وليس بانقلاب في شيء كما أمسى يردِّده بعض النَّاس افتراء على الحق.
ومن هنا نود أن نشير ونقول إلى أولئك وهؤلاء الذين باتوا يلومون الحركة الشعبيَّة وقادتها حين اختار أهل الجنوب المضي في سبيلهم، واختاروا استقلالهم من السُّودان الشمالي العام 2011م، وقالوا فيهم ما لم يقله مالك في الخمر، هل كان بإمكان الدكتور قرنق أو خالفه سلفا كير أن يقرِّر بصوته الوحيد، أو حتى أصوات قادة الحركة الشعبيَّة كلهم أجمعين أكتعين، مصير شعب الجنوب في أن يبقى موحَّداً في كنف السُّودان القديم بكل سوءاته؟ علي أيَّة حال، فقد جاء الانفصال ووقع الفأس في الرأس، وبُعيد الانفصال حتى اليوم لم يتركوهم لوحدهم، ومثلهم كمثل البعل الذي طلَّقته بعلته، فأخذته الحسرة والحيرة والغيرة من جمالها ونسبها وحسبها، حتى شرع يسبُّ لها، ويسبِّب لها من المشكلات ما هي كثيرة مع زوجها الجديد، وفي عقر دارها الجديدة. ومع ذلك، نجد أنَّ كل من يأمل في الجديد، ويرنو إليه ببصر حديد، فالجديد دوماً مغري للمرء الذي يرتاده، حتى ولئن لم يبن آفاقه ولم يهتد إلى مراميه، عسى أن يجد فرجاً بعد الكرب الذي هو قابع فيه. مهما يكن من شيء، فالانفصال كان خيار الشَّعب في جنوب السُّودان، ولا قوة تستطيع أن تقف حائلاً ضد خيار الشُّعوب، فإذا اختار الشَّعب خياراً يوماً فلا بدَّ أن يستجيب القدر، لذلك كانت قرارات مجلسي التحرير في جبال النُّوبة والنيل الأزرق هي خيارات الشَّعبين في هذين الإقليمين.
ومنذ عودة العدائيَّات في ولايتي جنوب كردفان (جبال النٌّوبة) في حزيران (يونيو) 2011م والنيل الأزرق في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه نصحنا أهل الحكم نصحية نصوحاً، ومن منطلق الناصح الأمين، وفي تأليف ضخم (في النِّزاع السُّوداني: عثرات ومآلات بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق، مطابع أم بي جي العالميَّة، لندن، الطبعة الأولى، 2015م)، بأنَّه كلما طال أمد الحرب، واستغلظت معاناة أولئك الذين يحترقون بنيران محرقة الحرب الضروس، فإنَّ المحصلة النهائيَّة قد تجبر أهل النُّوبة وشعب النيل الأزرق إلى رفع سقف المطالب، وهذا ما حدث بالضبط والربط، وذلك لأنَّ أهل الحكم في الخرطوم قد انتقلوا بما كانوا يمارسونه مع أهل جنوب السُّودان منذ العام 1955م إلى أقاليم السُّودان المهمَّشة الأخرى في جبال النَّوبة (الجنوب الجديد) والنيل الأزرق ودارفور، لأنَّهم لم يعوا الدروس والعبر.
أيَّاً كان من أمر أهل الحل والعقد في الخرطوم، فظاهرة التهميش واقع ماثل لا ينكره إلى متناكر، وقد عزا أصحاب السلطة وأشياعهم هذا التهميش إلى الظروف التأريخيَّة (الاستعمار)، والبعد الجغرافي (بعد التخوم عن المركز)، ثمَّ ذهب آخرون إلى نعته بأنَّه صراع يأخذ طابعاً اقتصاديَّاً مادِّيَّاً (حروب الموارد)، ولكنَّهم دوماً يتجنَّبون ويتزاورون عن البعد الثقافي والأثني في الصِّراع لشيء في أنفسهم. فنحن نندهش من هؤلاء الماركسيين واليساريين السُّودانيين الذين ما فتأوا يقتصرون تحليلهم على واقع النِّزاع السُّوداني باستخدام "الحتميَّة الاقتصاديَّة" (Economic determinism) كعنصر وحيد لتحليل مشكل الهامش والمركز، وتجاوز المناهج الأخرى. فحين قامت السلطات السُّودانيَّة في الثمانينيَّات بما أسموه "الكشة"، اقتصر ذلك السلوك التجريمي العنصري على الأثنيات الإفريقيَّة، أو من كانوا تبدو عليهم ملامح غير عربيَّة. إذ كان ذلك ضرباً من الحرب الأثنيَّة-الثقافيَّة على شعوب السُّودان الأصلاء؛ فهل نغمض أعيننا ولا نسمِّي الأشياء بأسمائها! وحين اغتلظ البشير في القول، واستعار واستعان ببيت الشَّاعر العربي القديم أبي الطيِّب المتنبِّي في نزاعه مع أهل الجنوب قائلاً: "لا تشتري العبد إلا والعصا معه/ إنَّ العبيد لأنجاسٍ مناكيد"، لم نر في نزاع البشير مع أهل الجنوب يومذاك حول حقول البترول في الهجليج أنَّه اقتصر على الحتميَّة الاقتصاديَّة فحسب، بل أخذ طابعاً عنصريَّاً فائحاً يزكم الأنوف، وتعفُّ ألسنة العقلاء من ذكرها أو ترديدها. فنحن نرفض غلو قوميَّة على أخرى، أو سمو ثقافة على أخرى، فالثقافة أيَّة ثقافة اختراعات بشريَّة اجتهد العقل الإنساني في ابتكارها للتعامل مع الظاهرات البيئيَّة والحياة الاجتماعيَّة التي يحياها. فبالتعليم والعولمة والانسياب الثقافي الطوعي يمكن أن تتغيَّر المفاهيم المختلفة المرتبطة بهذه الثقافات لا قهراً واقتداراً.
فعلاج اختلال ميزان الثروة القوميَّة والسلطة السياسيَّة ينبغي مرافقتها بمخاطبة المشكل الثقافي والهُويَّة والجهويَّة (الهامش)، والنَّظر بعمق إلى الأسباب التي تدفع شعوباً بأسرها إلى المطالبة بحق تقرير المصير، وعلينا أن نذكِّر الماركسيين السُّودانيين بأنَّ ماركس نفسه كان من أنصار حق تقرير المصير للقوميات غير السوفيتيَّة. فقد أقرَّ ماركس بأنَّ أيَّة أمة تضطَّهد أخرى، فهي أمة غير حرَّة، وكان لينين يجادل بأنَّ الأمم المضطَّهَدة (بفتح الهاء) بواسطة الإمبرياليَّة فلها الحق في تقرير مصيرها. والإمبرياليَّة أو الاستعمار ليست بالضرورة أن تكون استعماراً خارجيَّاً، فهناك الاستعمار الداخلي كما حدث في جمهوريَّة جنوب إفريقيا في عهد الأبارتهيد (نظام الفصل العنصري)، أو كما مارسه الحكام التوتسويُّون على أثنيَّة الهوتو قبيل وأثناء الاستعمار البلجيكي في كل من رواندا وبوروندي، أو كما تشهده شعوب جبال النُّوبة والنيل الأزرق ودارفور وهو ليس بأقلِّ من الاستعمار الخارجي بشيء، بل أسوأ من عهد الاستعمار البريطاني-المصري، أو بالأحرى أن نقول ليست هناك ثمة مقارنة أو مقاربة. وفوق ذلك، كان منطق الاشتراكيين – بالطبع غير السُّودانيين – هو أنَّه يمكن تحقيق المساواة بإعطاء حق تقرير المصير إلى الأمم المضطَّهَدة، حتى يتَّحد العمال في الدول المضطَّهَدة مع الآخرين في الدولة المضطَّهِدة (بكسر الهاء). وفي ذلكم الزمان قارن لينين حق تقرير المصير بحق الطَّلاق في الوقت الذي فيه كان الطَّلاق أمراً صعباً عند المرأة المتزوِّجة. إذ قال لينين نحن نقف مع حق المرأة في فسخ الزواج، ليس لأنَّنا نرغب في فسخ كل الزيجات، ولكن لم تكد تسود المساواة بين النِّساء وأزواجهن، حيث ظلَّت النِّساء مرتبطات ببعولهن بعقد الاضطهاد.
ثمَّ نعود إلى أولئك وهؤلاء الذين وصفوا قرارات مجلس التحرير في إقليم جبال النُّوبة بالعنصريَّة، وإنَّ هذا لأمر عُجاب! فالعنصريُّون هم البيض الذين هاجروا من أوربا إلى القارة الأميريكيَّة، وبعد حين تمرَّدوا على التاج البريطاني، وأسمَّوا تمرُّدهم ذلك حرب الاستقلال، ولم يكن هذا بحرب الاستقلال في شيء إذا صحَّ التعبير موصولاً مستطرداً. فإنَّ كان قد انتفض أهل البلاد الأصلاء – أي الهنود الحمر – لكان قد صحَّ أن تُطلق على انتفاضتهم اسم حرب الاستقلال. أيَّاً كان من الأمر، فما أن آلت الأمور إلى هؤلاء البيض حتى شرعوا يمارسون عنصريَّة شنيعة ضد أصحاب الأرض الأصلاء من الهنود الحمر، وكان شعارهم "الهندي الحسن هو الهندي الميِّت" (The good Indian is the dead Indian)، وألقوا بأطفالهم في معسكرات بغرض محو ثقافتهم واستبدالها بثقافة الرَّجل الأبيض، وهذا ما مارسه نظام "الإنقاذ" مع شعب النُّوبة في التسعينيَّات من القرن المنقضي فيما أسموه "قرى السَّلام"! وما يزال غلاة البيض في الولايات المتحدة الأميريكيَّة الذين يطلقون على أنفسهم كو كلس كلان يمقتون السود إلى حد القتل. هؤلاء هم العنصريُّون!
وكذلك العنصريُّون هم البوير (المزارعون الهولنديُّون) وحفنة من الفرنسيين والألمان الذين جاءوا إلى جنوب إفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي، وحكموا الدولة، وأذلُّوا أهلها الأصلاء تقتيلاً وترهيباً زهاء الثلاثة قرون (1652-1990م) في نظام عنصري أثيم سماه العالم أيامئذٍ نظام "الأبارتيهيد" (أي سياسة الفصل العنصري). والعنصريُّون كذلك هم البيض من عتاة المجرمين والسجناء الذين كانت الإمبراطوريَّة البريطانيَّة تلقي بهم في أستراليا ونيوزيلاندا، وما أن نزلوا هذه الديار حتى أبادوا أهلها الأصلاء الأروما "الأبورجين". إذ كانوا يصطادونهم كأنَّهم حمرٌ مستنفرة بعد أن أهدروا إنسانيَّتهم، وداسوا على كرامتهم، وكأنَّهم لم يكونوا بشراً سوياً.
والعنصريُّون هم النازيين الهتلريين الذين كان ينتوي زعيمهم أدولف هتلر في القضاء على الأفارقة، ومن ثمَّ جعل القارة الإفريقيَّة مكاناً للتجارب النوويَّة؛ أما أسنان الأفارقة البيضاء الناصع البياض فكان هتلر يأمل في أن يستخدمها الألمان في صناعة الزراير. واليوم تتبدَّى العنصريَّة في أوروبا في الأحزاب اليمينيَّة المتطرفة في الحزب القومي البريطاني، وجماعة الدِّفاع الإنكليزيَّة، والمحاربة 18 في بريطانيا، والجبهة القوميَّة في فرنسا، واتِّحاد الشمال في إيطاليا، والنازيين الجدد وحزب "باقيدا" في ألمانيا، وحزب الحريَّة في هولندا. ولعلَّ كل هذه الأحزاب والجماعات ما هي إلا كيانات عنصريَّة يرى أعضاؤها أنَّ كافة مشكلات أوروبا سببها الأول والأخير هو المهاجرون واللاجئون، بما فيها مشكلات العطالة، وتزايد الجرائم، والإسكان والصحة وغيرها.
ثم ندلف إلى السُّودان. إنَّ من المعلوم أنَّ العنصريَّة صفة متلازمة يطلقها أهل السلطة في الخرطوم وأعوانهم على شعوب السُّودان الأصيلة كلما انتفضوا أو نهضوا يطالبون بحقوقهم الطبيعيَّة والدستوريَّة. إذاً، فالعنصريُّون في السُّودان هم الذين استمرأوا في إذلال غيرهم من أهل الجنوب وجبال النَّوبة والنيل الأزرق ودارفور، حيث كانوا يصطادونهم كالرَّقيق منذ اتفاقيَّة البقط الشؤوم العام 652م، ثم واصلوا ذلك في العهد التركي-المصري (1821-1885م)، وفي ظل الحكومة المهديَّة (1882-1898م). وفي هذا المجال نود أن نذكِّر الناس بأنَّنا عاكفون على دراسة "التركيَّة في كردفان"، وسنبرز دور التجَّار العرب الجلابة فيما نحو إليه، وفيما كانوا يفعلون بالنُّوبة، ومن بعد سيعلم الذين لا يعلمون، أو الذين يعلمون لكنهم ينكرون، أين كانت أجراس العنصريَّة تُقرع، وأين كانت أعلامهم ترفرف! والعنصريُّون الجدد هم أصحاب نظام "الإنقاذ"، الذين ما فتأوا يقذفون الأطفال والنِّساء والعجزة في جبال النُّوبة والنيل والأزرق ودارفور بالقنابل العنقوديَّة والبرميليَّة، والمدافع الثقيلة، والأسلحة الكيميائيَّة المحظورة دوليَّاً، ويغتصبون بناتهم وأمهاتهم دون أن ترمش لهم عين، أو يرق لهم السَّمع لأنين الثكلى، أو تستلطفهم دموع اليتامي. ثمَّ إنَّ العنصريين لهم أولئك الذين ينظرون إلى غيرهم بعين الحقد والبغضاء لا لشيء، بل لأنَّهم يطالبون بالقسمة العادلة لثروات البلاد القوميَّة، والسلطة السياسيَّة، والمساواة والعدالة في الحقوق والواجبات. والعنصري في السُّودان هو الذي يرى في غيره الدونيَّة ويذله إذلالاً، مستعيناً بحسب ونسب الأشراف ولئن كنا في شك مريب فيما هم فيه يزعمون. وقد تعلَّمنا في دروس الكيمياء حقيقة أزليَّة أنَّه حين يختلط عنصران كيميائيان فإنَّ الناتج حتماً لا يكون كأحدهما في شيء، بل يختلف تماماً في الخصائص والوظائف – فعلى سبيل المثال لا حصريَّاً – خذ غاز الكلور ومعدن البوتاسيوم يأتيك الخليط هجيناً ومِزاجاً بين هذا وذاك. فهذه الدّماء التي أسموها عربيَّة قد ذابت في أخرى إفريقيَّة وباتت المحصلة النهائيَّة غير عربيَّة.


خلاصة

أي تنظيم ثوري أو حزب سياسي لا بدَّ له أن يمر بمرحلة مخاض جديدة وقد تكون عسيرة، أو تجربة ثوريَّة أو سياسيَّة في مشواره النِّضالي، وبخاصة إذا طال أمد النِّضال، وقد تأخذ التجربة إيَّاها شكل الحراك السياسي العقيم مما يؤدِّي إلى التشظَّي، أو تجربة دمويَّة يتقاتل فيها الرِّفاق القدامى وأنصارهم حتى تأكل الثورة بنيها، أو أبيها (حال المؤتمر الوطني). وقد يتم التَّصالح والعودة إلى الوئام والسَّلام بين الرِّفاق. إذ يُحسب نجاح التنظيم في مقدرته على العبور إلى الشاطئ الآخر بأقلَّ الخسائر البشريَّة والماديَّة، وتجاوز الخلاف والالتقاء نحو الأهداف المشتركة، والوسائل المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف والوصول إلى مراميها. ومن هنا نستطيع أن نقول إنَّ الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في آب (أغسطس) 1991م، أو في آذار (مارس) 2017م قد استطاعت أن تعبر هذه التجربة بصورة دستوريَّة ديمقراطيَّة في الحال الأخيرة، برغم من الأحداث المؤسفة التي وقعت في النيل الأزرق وراح ضحيَّتها قادة عظام وأرواح عزيزة، عسى أن يتغَّمدهم الله بواسع رحمته التي وسعت كل شيء، لأنَّ دماءهم سوف لم تذهب سدى.
أما فيما يختص بالقرارات الأخيرة التي أصدرها الرئيس السَّابق للحركة الشعبيَّة، والتي موجبها أقال بعض أعضاء الحركة الشعبيَّة من مناصبهم كممثلين للحركة في المهاجر – بما فيهم شخصي الضعيف – فنحن نكتفي بالتسآل الملح التالي: كيف يكون المفصول فاصلاً! أو بأسلوب آخر، دلُّوني متى كان المعزول عازلاً؟ وأنَّى له من الصلاحيات القانونيَّة أو السلطات الدستوريَّة حتى يصدر مثل هذه القرارات.
مهما يكن من أمر، فحكام السُّودان القدامى والجدد – ويا لغرابة الدَّهشة – من عيِّنة المحاربين المفرطين في الاحتراب. وبطبيعة تفكيرهم المعتل لم يحاربوا يوماً أمماً أخرى، لكنَّهم أنفقوا جلَّ سنواتهم ومواردهم البشريَّة والماديَّة في محاربة مواطنيهم، وقد تمَّت تغذية هذه العادة الشاذة بالظروف السياسيَّة التي هي من صناعتهم. وحال السُّودان اليوم بعد انفصال الجنوب كمثل الجسم المعلول الذي تقضمه الجراثيم من الداخل، وجراثيم الفناء تبدأ من الداخل دوماً، وتنهشه الدول الأجنبيَّة من الخارج، فإن لم يتم إسعافه، بل وتُرِك المرض ينتشر في جميع أعضاء الجسد فحتماً سينهار الجسم حينما تتداعى الأشياء في المحصلة الحتميَّة، ولعلَّنا نخشى أن نصحو يوماً ولا نكاد نتعرَّف على ما كان يُسمَّى في الماضي القريب بالسُّودان. ففي هذه الحروب الداخليَّة التي لا طائل لها كان أهل الجنوب من أكثر القوميات السُّودانيَّة تأذِّياً منها، وجاء النُّوبة وشعب الفونج وأهل البجة، ثم تبعهم أهل دارفور، وذلك كله في بلد تكثر فيه القوانين، ولكن في غياب الاحتكام إلى القانون.
ففي خلاصة القول نستطيع أن نقول بعزم أكيد ها هم النُّوبة في طبعهم وطبيعتهم، أولي العزم كانوا وما يزالون، ويشهد العالم بأسره بهذه القيم النبيلة والرُّوح النضاليَّة، والتي تبدو منذ الوهلة الأولى وكأنَّها مغامرة رشيدة. حسناً، وإنَّا لترانا بالحديث عنهم ولسان حالنا يقول حين يختفي كثرٌ من كرويسوس السُّودان القديم، الذي أخذ البعض يقبِّل أقدامهم، ثمَّ يصبح في طي الكتمان كثرٌ من الساسة بعد سقوطهم من أعتاب القداسة، تنفلق أسماء هؤلاء المناضلين في جبال النُّوبة الذين وهبوا حيواتهم رخيصة بقلوب عظام، ونفس مرضيَّة، ودماء مهراقة، والذين جعلوا منطقة جبال النُّوبة كما هي، لتذكرهم الأجيال، ولكي تُدرَّس سيرهم ومسيراتهم للأطفال، الذين لا تزال أرواحهم غير المشكَّلة نائمة في أرحام القرون القادمة. إذاً، من ذا الذي يكون كرويسوس هذا الذي أشرنا إليه إيَّاه؟ كان كرويسوس ملك ليديا الإغريقيَّة (اليونانيَّة) والذي – حسبما قال الأب الرُّوحي للتأريخ هيرودوتُس (484-425 ق.م.) – حكم لمدة 14 عاماً منذ العام 570 ق. م. حتى هزيمته بواسطة الملك الفارسي سايرس العظيم العام 546 ق. م. وفي القرن الخامس الميلادي أمسى كرويسوس أيقونة أسطوريَّة، والذي ظلَّ تمثاله واقفاً خارج المحدَّدات التقليديَّة للتأريخ، وبات مضرب المثل في الثراء.
ومثل السلطنات العظيمة في دارفور، كان شعب الفونج في سنار على ضفاف النيل الأزرق قد أسَّسوا سلطنة عظيمة أيضاً استمرَّت زهاء الثلاثة قرون (1504-1821م)، وذلك بعد اتحاد شيوخ القبائل شمال الخرطوم والنيل الأزرق، وقد استمات جنودها نضالاً في وجه الغزو التركي-المصري العام 1821م. هذه السلطنة كانت جزءً من الحضارة الإفريقيَّة العريقة جنوب الصحراء، التي امتدَّت من الغرب في شكل سلطنات كانو وبرنو في امتداد نيجيريا والكميرون، وودَّاي في تشاد، وسلطنات غرب السُّودان في دارفور، وتقلي والمسبَّعات في كردفان، وسلطنة الفونج في سنار، ومملكة أكسوم في إثيوبيا، وممالك البجة في شرق السُّودان ومملكة كوش في شمال السُّودان. إذاً، شعوب بهذا الإرث التأريخي المعاصر يستوجب عليها تحويل هذا الإرث التليد إلى حركة حقوق مدنيَّة في الحراك الثقافي والنِّضال السياسي الدائرين اليوم فيما تبقى من السُّودان.

[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

التالي أول خطابٍ رسميٍّ لعبد العزيز الحلو، بعد التغييرات الهيكلية الأخيرة في قيادة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال:




خطاب الفريق عبد العزيز آدم الحلو
رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان–شمال أمام القيادات العسكرية والسياسية والمدنية لإقليم جبال النوبة/جنوب كردفان بحضور ممثلي منظمات المجتمع المدني والإدارات الأهلية




تحية الثورة والنضال للرفاق:

• رئيس هيئة الأركان ونوابه.
• الحاكم بالإنابة ونوابه وأعضاء حكومته.
• الأمين العام للحركة الشعبية بالإقليم ومساعديه.
• رئيس مجلس التحرير بالإقليم وأعضاء المجلس الموقر.
• ممثلو منظمات المجتمع المدني.
• الإدارة الأهلية.
• قادة الفرق والوحدات.

أحيي نضالاتكم وصمودكم كمهمشين في وجه مؤامرات الأقلية الحاكمة في الخرطوم طيلة الثلاثين عاماً الماضية. كما أحيي الوعي الثوري المتقدم الذي واجهتم وتجاوزتم به الأزمات المختلفة التي ضربت الحركة الشعبية-شمال منذ مارس 2017م، وقد تمكنتم من تفويت الفرصة على أعداء الحرية والتغيير وتمسكتم بوحدة الحركة كرؤية ومشروع وطني ووسيلة كفاح من أجل تحقيق السودان الجديد العلماني الديمقراطي القائم على أسس العدالة والمساواة والحرية.

وبما القضية المطروحة منذ 7 مارس 2017م في خطاب إستقالتي هي قضية سياسية في المقام الأول وتحتاج لقرار سياسي، لذلك قررنا أن نجتمع كممثلين لشعب جبال النوبة عسكريين ومدنيين أولاً، للإتفاق حول فكرة واحدة وقرار واحد. لأنه، وبالأساس فإن قضية شعب جبال النوبة والهامش عامة هي قضية سياسية. لذلك عندما تفاقمت الأزمة والظلم في 1983م، بدأ السياسيون التفكير جدياَ في كيفية مقاومة ظلم السودان القديم وقاموا بتأسيس الرؤية والبرنامج للنضال وبنوا الحركة الشعبية لتحرير السودان كتنظيم سياسي، وبعدها قامت الحركة الشعبية بإنشاء الجيش الشعبي كوسيلة عسكرية لمواجهة عنف المركز وهدم السودان القديم. وعندما قام الجيش الشعبي بتحرير الأراضي، وصار هناك مواطنون، تم إنشاء الإدارة المدنية في الأراضي المحررة لاحقاً، وبذلك صار التنظيم السياسي أو الحزب يمثل رأس الطائر وله جناحان عسكري ومدني يدفعانه في السير نحو غاياته وأهدافه، الحزب كرأس له ذراعان، الجيش والإدارة المدنية، وبتعاونهما والتنسيق بينهما والتعاضد يتمكن الشعب من تحرير نفسه. ولهذا نحن موجودون في هذه القاعة معاً ولأجل غاية محددة واحدة، هي الإتفاق على المخرج من الأزمة المفتعلة خاصةً وأن مجلس التحرير وخطاب كبار ضباط الجيش قد حسما المسألة بقرارات تاريخية واضحة فتحت الطريق للوحدة والسير الى الأمام.
حاول البعض خلال الأزمة، ومن أول يوم، صرف أنظار الناس عن جوهر الخلاف بيني وبين الرفيقين مالك وياسر بتصوير المسألة وكأنها إنقلاب على قيادة شرعية، ولكن كان ذلك جزءاً من مخطط لإختطاف الثورة والإنحراف بها عن مسارها الصحيح الذي يؤدي إلى التحرير والتحول الديمقراطي الكامل والوحدة العادلة والسلام الدائم. لذلك سأبدأ بشرح الأسباب التي دفعتني لتقديم الإستقالة في 7 مارس 2017م. وأؤكد لكم بأنه لا يوجد سبب واحد يدفع شخصين أو جماعتين للإختلاف أو الصراع هنا في جبال النوبة، أو هناك في النيل الأزرق، لأن جوهر الموضوع يتمثل في الإختلاف حول المباديء الخمسة لدمج الجيش الشعبي في الجيش السوداني أو الورقة التي قدمها رئيس وفد التفاوض السابق للوساطة في أغسطس 2016م، ودون مبرر أو مقدمات أو أسباب مقنعة، بل وقام بإيداعها لدى الوساطة لتمثل مرجعية للتفاوض في أي مفاوضات قادمة حول الترتيبات الأمنية ووقف إطلاق النار النهائي، وتلك المباديء الخمسة في أساسها هي عملية تهدف لتسريح الجيش الشعبي وتجريده من سلاحه، أي التخلص منه وبدون مقابل، أو قبل الحصول على إتفاقٍ سياسيٍّ مجزٍ يقود لإعادة هيكلة السلطة المركزية ووضع الأسس اللازمة للتحول الديمقراطي والسلام العادل.
وقد سبق أن شرحنا لكم في خطاب الإستقالة، بأنني إعترضت على ذلك، وطلبت من رئيس الحركة الشعبية وقتها أن يقوم بسحب ذلك الموقف التفاوضي حول الترتيبات الأمنية من الوساطة أو التبرؤ منه لأنه لا يمثل رأي الحركة الشعبية وغير متفقٌ عليه. ولكنه رفض سحبه بحجة أن الوفد التفاوضي قد حسم المسألة، ولا مجال لمناقشتها أو سحبها من الوساطة. وبما أن كل ذلك قد تم دون مشاورتي كواحد من الضباط التنفيذيين الثلاثة وكنائب لرئيس الحركة وممثل لشعب جبال النوبة في القيادة من جهة، وعدم إلتزام الرئيس والأمين العام بالشرط الذي وضعته لهما، وهو أن يتم تجميد التفاوض ووقف الإتصال بالحكومة أو الوساطة والمبعوثين الدوليين لحين صد الهجوم الصيفي، لنذهب بعدها معاً للشعب في يوليو ليقرر هو ما إذا كان يريد تسليم سلاحه والقبول بالخضوع لسيطرة سلطة الجبهة الإسلامية في ظل قوانين الشريعة أم لا؟! لا شك أن قوانين الشريعة تقوم على الجهاد والتفرقة بين الناس على أساس الدين والعرق والإبادة وإحتلال أراضيهم، أي لأوضاع أسوأ بكثير من الأوضاع التي دفعت يوسف كوة والكمولو لحمل السلاح في 1984م. قلت لهم يجب أن لا تقررا نيابة عن الشعب، فلنذهب للشعب ولكن الرفيقين لم يلتزما بنصيحتي، ولم يتوقفا يوماً واحداً، بل ذهبا إلى جنوب أفريقيا لمقابلة الرئيس أمبيكي، كما ذهبا لأثيوبيا لمقابلة المبعوث الأمريكي الأسبق، وذهب أحدهما إلى باريس في إندفاع محموم كان سيفضي لإتفاق هزيل لا محالة من وراء ظهر الشعب، وفي ظل غياب مجلس التحرير القومي الذي تم عرقلة بنائه أو تكملته عمداً، وعدم إكتمال عضوية المجلس القيادي لذات الأسباب، فقد قررت إعادة الأمانة للشعب وقدمت الإستقالة لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كرفان حتى يتسلم المسئولية، ويقوم بوقف تلك الخطة الرامية لتجريد الجيش الشعبي من سلاحه وإعادة الجماهير المناضلة إلى بيت الطاعة، وتحت ظل أسوأ سلطة فاشية في العالم، رئيسها مطلوب للجنائية الدولية، لإرتكابه جرائم إبادة وجرائم حرب ضد مواطنيه في دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق، والخرطوم - أي سلطة الجبهة القومية الإسلامية - التي صدر بحقها أكثر من 60 قرار إدانة من مجلس الأمن الدولي، وتسببت في فصل الجنوب بسبب تمسكها بمشروعها الآحادي الإقصائي، وهجَرت أكثر من 8 مليون سوداني، ونزَّحت نصف سكان البلد من مواطنهم الأصلية، وتعاني من العقوبات الإقتصادية الدولية ووضع إسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب ممارستها وتورطها في مثل تلك الأنشطة الإرهابية وضدنا في المقام الأول، بجانب جرائم غسيل الأموال والإتجار بالبشر والمساهمة في الهجرة غير الشرعية، بل التورط في بيع الشباب السوداني وزجهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كحرب اليمن ، ليبيا، الصومال وسوريا. وتسببت في أزمة إقتصادية وتضخم غير مسبوق حوَّل حياة المواطنين إلى جحيم بسبب الغلاء وشظف العيش وتفشي الأمراض القاتلة كالسرطان والفشل الكلوي. وسلَّحت الجبهة الإسلامية الجميع ليقتلوا بعضهم البعض، كما نشاهد الحروب الدائرة بين القبائل العربية في دارفور، كما بين التعايشة والسلامات، المسيرية والبني هلبه، المهرية وبني حسين، الرزيقات والمعاليا، والرزيقات والمسيرية بكردفان..إلخ، ناهيك عن حرب القبائل العربية ضد الزرقة على طول وإمتداد الجنوب الجديد في السودان المتبقي.
أولاً: أؤكد لكم، أن الخلاف كان ولا زال حول المباديء والقضايا المصيرية، وليس شخصياً، وإلا كيف نفهم أن يقوم كبير المفاوضين بتقديم التفاوض على الترتيبات الأمنية قبل الحصول على إتفاق سياسي يخاطب جذور الأزمة؟ هذا لم يحدث في التاريخ!
ثانياً: مرت ست سنوات والحركة مازالت تسير بدون منفستو يحدد الرؤية والمباديء والقيم التي توجه خطى الثورة وخطها السياسي وأهدافها النهائية.
ثالثاً: لماذا فشلت القيادة في بناء المؤسسات القومية، أو تكملتها حتى اليوم؟ لماذا تم إستعجال كتابة الدستور دون مرجعية فكرية، أو قبل الإتفاق على المنفستو؟ أين الأمانة العامة كمؤسسة؟ ولماذا الإصرار على الإجتهادات الفردية، وتجنب الإحتكام للمؤسسات؟ لماذا يقوم الأمين العام ببناء تنظيم موازٍ، أو تنظيم داخل التنظيم، كما يحدث في مناطق سيطرة الحكومة وفي دول المهجر؟ حيث قام بشق الطلاب والشباب والمرأة والولايات في الداخل، وتعيين ممثلين وأجسام دون مشاورة في بعض دول المهجر! لماذا الإكثار من اللقاءات التشاورية السرية الفردية مع عناصر النظام خارج المنابر العلنية الرسمية للتفاوض؟... إلخ
هذا إذا تركنا جانباً الإنحراف عن المسار بترديد شعارات تهدف لإفراغ مشروع السودان الجديد من مضمونه، مثال لذلك: السلام والطعام والمواطنة بلا تمييز... إلخ، وإرسال رسائل عبر وسائل الإعلام توحي بالتنازل عن حقوق الشعب وأهدافه على شاكلة: "لا نريد تقرير مصير، ولا نريد جيشين". كيف تصدر مثل هذه الرسائل من شخص مكلَّف بواسطة التنظيم للقيام بمهمة جليلة ككبير مفاوضين لتحقيق أهدافه في التحول الديمقراطي؟
طبعاً كان هذان الرفيقان يعملان منذ وقت ليس بالقصير في التمهيد لبرنامجهما وذلك من خلال الحديث عن أن المجتمع الدولي لا يقف مع الكفاح المسلح، وأن زمن الكفاح المسلح قد مضى مع الحرب الباردة، في تناقض مع حقيقة ماثلة للعيان، وهو أن هناك اليوم أكثر من 465 حركة مسلحة في العالم. بل يتحدثان زوراً عن أن هناك فتور من الحرب، وإن هذه الحرب خاسرة، لقتل الروح المعنوية عند المناضلين وتخذيلهم. وهذا الكلام بدأ الترويج له منذ 2014م، إذ يقولان إن المؤتمر الوطني لن يتخلى عن الشريعة الإسلامية وفي نفس الوقت لن يمنح حق تقرير المصير... إلخ. وكل ذلك في محاولة لغرس روح إنهزامية وسط الجيش والمواطنين للتسليم والقبول بالعودة للبقاء تحت الإستعمار وسلطة الإبادة والإغتصاب التيتتخذ من الخرطوم مركزاً ومنطلقاً.
ما يحدث ليس بجديد، يجب أن نذكر أنفسنا بالتحديات التي واجهت الحركة الشعبية الأم في تسعينات القرن الماضي ولم تستسلم، وكلكم تذكرون قيامة إنهيار نظام منقستو في 1991م، وما تلاه من إنشقاق الناصر في ذات العام، وحملات صيف العبور، والجبهة الإسلامية في أوج قوتها وعنفوانها وغطرستها، إضافة للحصار على جبال النوبة، وعدم إستلام ذخائر أو سلاح لمدة خمس سنوات ويزيد، كل ذلك ما فتَّ من عضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، وقد تمكنت من الصمود حتى حررت ثلث سكان السودان وأراضيه من هيمنة وإستعمار الخرطوم وساهمت في دمقرطة الأوضاع في الشمال عبر دستور 2005م، لولا تراجع الحركة الإسلامية وإنقلابها على الدستور وإعلانها الحرب على المنطقتين في 2011م. وأنتم تواصلون الآن نفس المشوار والمهام، لتحرير كامل التراب السوداني من أيدي الاقلية الفاشية المتسلطة القابعة في الخرطوم.
لذلك يجب أن نذكر أنفسنا الآن، بأننا لسنا دعاة حرب، بل ضحايا لحرب عنصرية فرضت علينا بواسطة المركز الظالم. كما أننا كمنطقة متأثرة بالحرب لسنا إستثناءاً في العالم حيث تدور رحى الحروب حولنا وفي كل مكان في الإقليم من جنوب السودان، تشاد، ليبيا، مصر، سوريا، الصومال، الكنغو، اليمن...إلخ. ويبدو للناظر وكأن الحرب هي سنة الحياة. لذلك لا يشعرنَ أحدكم بعقدة ذنب أو ملامة نفس خاصة وأننا فقط نتمسك بالدفاع عن حقوق وأراضي شعوبنا، بل أن ما نقوم به يمثل الموقف الصحيح في مقاومة الظلم والطغيان. نحمل السلاح دفاعاً عن الحق والحرية والسلام العادل. ليس سلاماً مفروضاً ومذلاً تحت شروط الظالمين، ولا طعاماً مراً من أيدي القتلة والمتسوِّلين.
كما يجب أن نذكر أنفسنا، بأن الكفاح المسلح في السودان ضرورة وليس خياراً، ذلك لأن الدولة السودانية ومنذ تأسيسها على يد المستعمر ظلت قائمة على مشروعية العنف، إعتماداً على الجيش السوداني الذي أسسه المستعمر الأجنبي وحدد دوره في القيام بقهر الوطنيين لمصلحة الإستعمار. وبعد الإستقلال الصوري تحول دور الجيش السوداني لحراسة جزء من المواطنين من الجزء الآخر، أي المهمشين.
ولذلك فإن دعوة الأمين العام السابق لوضع السلاح والتحول لحركة ديمقراطية سلمية مردودة، لأنه يفترض أن الناس متساوون في السودان أمام القانون والدولة، لكن الحقيقة أن هناك أولاد بلد ومهمشين، وأن كل الأنظمة المتعاقبة على السلطة في السودان تستخدم العنف بتمييز وتوجهه بإستمرار ضد الأفراد والقوميات المهمشة، ولا توجد مساواة في التعامل مع كل المواطنين. لا يوجد سبب واحد ليسلم الجيش الشعبي سلاحه للعدو.
الآن مرت 15 جولة تفاوضية، والمؤتمر الوطني يرفض الحل السلمي، ويعمل على فرض إرادته بقوة السلاح. وهذا نابع من عقلية المركز الإستعلائية والمستبدة. وكلكم تذكرون حديث البشير في القضارف، فبراير 2011م، عن رفضه للتنوع والتعدد الديني والإثني في السودان، وأن السودان دولة عربية إسلامية بعد يوم 9/7/2011م. وحديثه في المجلد، مايو 2011م، بأن المؤتمر الوطني سيحكم ولاية جنوب كردفان "وإذا رفضتم الجلاليب دي حتتقلب كاكي وصناديق الإقتراع حتتقلب صناديق ذخيرة وحنطاردكم جبل جبل وكركور كركور"، وقد كان، عندما هاجمنا في 6/6/2011م، رغم تزويره للإنتخابات وفوز مرشحه. ولكن الهجوم كان بغرض نزع السلاح من أيدي الجيش الشعبي لتكتمل الهيمنة. ويجب أن لا ننسى حديث البشير في الدمازين عن "الحشرة الشعبية". فكيف تتوقعون من هكذا رئيس أن يحقق عدالة في هذا البلد؟
نحن نحارب من أجل السودان الجديد، سودان علماني ديمقراطي موحد على أسس الحرية والعدالة والمساواة، رغم تعنت المركز وتضامن كل أطرافه المستفيدة من الإمتيازات التي وفرها لهم، وتمسكهم بما يسمونه بالثوابت القائمة على الإقصاء للآخر وتركيز السلطة والثروة في أيديهم، بل وتأييدهم المستتر لمشاريع الإبادة وإحتلال الأراضي.
وإنه في ظل فشل النخب التي تعاقبت على الحكم على مدى ستين عاماً من العمل على إنتاج مشروع وطني يؤسس لوحدة عادلة وسلام دائم، فإن حق تقرير المصير لكل الشعوب السودانية صار أمراً لازماً وحقاً إنسانياً وديمقراطياً، ونحن نعرف أن هذا الحق لا يتحقق بالأماني وإنما بالنضال لهزيمة المركز، وكل الظروف باتت مؤآتية لتفكيك المركز. وعندها يحق للجميع الإختيار ما بين الوحدة أو الإستقلال، لأننا كقوة ديمقراطية لا نريد أن يفرض أحد توجهاته على الآخر، مع إيماننا بجدوى الوحدة العادلة.
نقول هذا ونحن نعلم أن حكومة المؤتمر الوطني في أضعف حالاتها، فلا يمكننا أن نمد لها يد الإنقاذ بإتفاق هزيل يسلم لها سلاح الثوار حتى تواصل في مشاريعها الإجرامية وإنتهاكاتها لحقوق الإنسان.
يجب أن نتذكر، أن الآباء والقادة المؤسسين أبونا فليب، مبارك الماشا، ويوسف كوة عندما قرروا حمل السلاح لم تكن الأوضاع قد وصلت درجة من السوء كما نراها اليوم. نعم كان هناك تهميش بكل أشكاله وألوانه ضد النوبة وبقية المهمشين ولكن لم تصل لدرجة الإبادة وإحتلال الأراضي بالقوة. وأنه لولا قرار يوسف كوة وتنظيم الكمولو باللجوء للكفاح المسلح في 1984م، لكان مصير جبال النوبة مثل مصير دارفور اليوم، حيث هُجِّرت قبائلٌ وتم إحتلال أراضيها.
إن العالم كله يراقب، ويشيد بنجاحكم في التمرين الديمقراطي كشعوب مهمشة في جبال النوبة/جنوب كردفان والنيل الأزرق، ونجاحكم في إدارة الأزمة، بطريقة ديمقراطية وسلمية، رغم ما حدث في النيل الأزرق من أحداث مؤسفة، خاصة وأن حركات التحرر لا تتوفر لها الظروف كثيراً لممارسة الديمقراطية، ولكنكم برهنتم للعالم أجمع بأنكم تؤمنون بالقيم والمباديء التي تقاتلون من أجلها وأنكم تحاربون ضد الديكتاتورية، التسلط، والفاشية التي يمارسها المؤتمر الوطني، وأنكم عكس المؤتمر الوطني الحاكم تماماً، تطبقون هذه المباديء وقيم الديمقراطية في الأراضي التي تسيطرون عليها.
أشكركم على الثقة، وأقول: بأنني قبلت التكليف بقيادة مرحلة الإنتقال، لأنها جاءت بطلب منكم كمجلس تحرير وقيادة عسكرية، حتى إنعقاد المؤتمر الإستثنائي، وفي أقرب وقت، لتمكين الشعب من إختيار قيادة دائمة للتنظيم تتولى قيادة الثورة وتواصل النضال حتى التحرر الكامل. أنا قبلت التكليف كذلك، لأن الرفيق مالك لم يقبل بالثقة التي وضعتموها فيه لقيادة الإنتقال.
وعدي لكم، سأبذل قصارى جهدي، بالتعاون والتشاور معكم في كل المؤسسات القائمة، لتكوين اللجان الخاصة بكتابة الوثائق (المنفستو والدستور)، ولجان للتحضير للمؤتمر الإستثنائي وتكملة أو بناء الهياكل التي تقود لعقد المؤتمر الإستثنائي في مدة أقصاها أكتوبر. ستتم دعوة الرفاق مالك وياسر للمشاركة في المؤتمر وتقديم دفوعاتهم والترشح لأي من المواقع التي يريدونها في الهرم القيادي للحركة الشعبية.
أناشدكم بالتماسك والوحدة وتفويت الفرصة على المتربصين. ولنخرج جميعاً الآن بموقف موحد حول ما الذي نريد؟ وأطالبكم جميعاً بالتسامح والتعافي، والتركيز على التعاون لبلوغ الهدف، وعدم الإلتفات إلى ما يفرق بيننا. يتعين وضع مصلحة الشعب والأجيال القادمة في الأمام.

إس بي إل إي وييي
مساواة
عدالة
حرية
سودان جديد وييي

والنصر أكيد.

6 يوليو 2017
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

رسالتان، أو رسالة من جزئين، من ياسر عرمان إلى صحيفة "التيار":




عزيزي عطاف والأستاذ والصديق عثمان ميرغني


توقفت مدة طويلة عن إجراء حوارات مع الصحف التي تصدر في داخل السودان للظروف التي تعيشها صحافة الداخل والتي تحظى منا بالتعاطف وكامل التضامن، ومن بين صحف اخرى لدي تقدير خاص لصحيفة التيار، ولذا سأقدم لك إجابات مختصرة.
+ إنضممت للحزب الشيوعي في 1978م وكان عمري أنذاك (16) عاماً، ولأئحة الحزب لا تجيز إنضمامي له في هذه السن، ولكن المناضل الكبير والمحترف الثوري العظيم الراحل عبدالحميد علي، أخذ قرارا بضمي للحزب، لأن فرع الحزب الذي كنت أعمل به كان به عضوان، وكان يحتاج لشخص ثالث لإعتماده كفرع حزب، ولأن الراحل عبدالحميد علي منذ اللقاء الأول بيننا نشأت بيني وبينه علاقة إستمرت حتى رحيله، كان جوهرها الإحترام والتقدير، وهو مناضل يستحق شعبنا أن يتعرف عليه وعلى سيرته الطويلة التي أمضاها في خدمة الشعب.
+ قبل أن أجيب عن السؤال الثاني، لماذا إخترت أن يكون العنوان “خيارات عرمان” بدلا عن خيارات الحركة الشعبية، فقد أمضيت (31) عاما في الحركة الشعبية وخياراتي لا تنفصل عن خيارات الآلاف من أعضاء هذه الحركة العظيمة رغم ما تعرضت له من صعود وهبوط لازم كل الحركات الثورية في مختلف أنحاء العالم فقضايا تغيير المجتمعات مهمة بالغة الصعوبة وغير مستحيلة، وأجزم لك إن خياراتي ستكون دوما جزء من خيارات الحركة الشعبية وحركة التقدم والإستنارة والبحث عن سودان جديد رغم المصاعب والتعقيدات. تجدني مدرك للمحاولات الطويلة والمستمرة لإغتيال شخصيتي وخلق صورة ذهنية مغايرة لما أقوم به على مدى سنوات من أجهزة رسمية وغير رسمية وأحيانا بإسم العمل المعارض، ولكنني أثق في إن التاريخ والمستقبل سينصفاني فقد أتت إمرأة من اليابان البعيد لتنقب وتكتب عن زعيمنا الكبير علي عبداللطيف، الذي لم توثق له وسائل الإعلام ما قال وفعل الا في النذر اليسير، فإن الحياة منصفة ولو بعد حين.
+ لماذا آثرت الإنضمام للحركة الشعبية وفي أي عام تحديداً؟ لأسباب عديدة حينما كنا في بدايات مشوارنا في حركة الطلبة كان موضوع الجنوب قضية رئيسية، ثم تعرفت بعد ذلك على عدد من الطلبة الجنوبيين من ضمنهم الشهيد مشور أروك طون الضابط السابق في القوات المسلحة وقائد حامية حلايب، والأخ الأصغر للراحل أروك طون أروك أحد المؤسسين للحركة الشعبية، كذلك حينما أمضيت عاما في سجن كوبر على أيام جعفر نميري، في الفترة من مارس 1984م الي فبراير 1985م إلتقيت بعدد من المعتقلين الجنوبيين وإستمتعت في هذا العام بشكل منتظم لإذاعة الحركة الشعبية شدني إليها وجعلني أشد الرحال الي تلك الحركة إنحيازها ولاسيما الدكتور جون قرنق ديمبيور الي وحدة السودان على أسس جديدة وإنها حركة تقدمية تقف مع العدالة الإجتماعية ومع المهمشين نساءا كانوا أو عربا من الرشايدة، فإتصلت بمكتبها في الداخل وساعدني الراحل دكتور بيتر نيوت أستاذ القانون في جامعة الخرطوم انذاك، والأستاذ المحامي والصديق يوهانس يور أكول الذي تابع إجراءات سفري الي أديس أبابا، وعملت مع مكتب الحركة الشعبية في الداخل لفترة في عام 1986م وحاولنا مع آخرين إنشاء تنظيم في الداخل يسمى (جماعة الخبز والسلام والتحرر) وإنضم الي ذلك التنظيم عدد كبير من الناشطين، وكنا نرى بناء جناح سياسي في المدن للحركة الشعبية متأثرين بتجارب أمريكا اللاتينية، ولكن مكتب الحركة في الخرطوم تردد في قبول هذا الإقتراح، ووصلت الي أضخم معسكر للاجئين تواجد به أكثر من (200) ألف من الجنوبيين في (إتنغ) على الحدود الإثيوبية السودانية في منتصف يناير 1987م، وهو المعكسر الذي زاره الأستاذ والمبدع الكبير محمد وردي لاحقاً بإتصالات مباشرة أجريتها معه وتابعتها مع دينق الور والراحل القائد مارتن مانيل والدكتور جون قرنق.
+ لقائي الأول مع الدكتور جون قرنق كان في المدرسة السياسية التي تقع على أطراف مدينة قمبيلا في الحدود الإثيوبية، كان لقاءاً باهراً، في المرة الأولى أجرى معي مقابلة تجرى مع كل طلاب المدرسة السياسية تتضمن بيانات دقيقة عنهم، وكان ذلك بحضور سلفاكير وأروك طون أروك، بعد المقابلة طلب مني الدكتور جون قرنق الحضور مساءاً الي منزله لمزيد من الحوار، ذهبت إليه ودار بيننا حواراً مطولاً، ومنذ ذلك اللقاء إرتبطت بعلاقة وثيقة مع الدكتور جون قرنق تطورت على مدى السنوات حتى غيب الدكتور جون قرنق، والذي مازال حاضراً رغم بعد المسافة والطريق. وبذا قد أكون قد إستجبت لطلبك وأرجو أن تعفيني عن الإجابة لأي أسئلة اخرى لأنني أقوم بأداء بعض المهام التي ربما لن تسمح بإيصال الردود على اسئلتك في الوقت المناسب، واشكرك على الإهتمام وأرجو منك أن تهتم بمستقبل الحركة الشعبية أكثر من خيارات الأشخاص فنحن في هذا العالم في رحلة عابرة (Transit) وفي ضيافة هذه الأرض لنا موعد مع شعبنا هيهات ننسى الموعد، فنحن نحب هذه البلاد العظيمة شمالاً وجنوباً، ونحب محيطها أيضاً الذي يوصلنا الي الإنسانية جمعاء، وكنت دائماً أقول إن الحياة دون قضية لعنة، فالحياة جديرة بأن تعاش من أجل الآخرين، إن السودان اليوم يحتاج الي سلام عادل ومواطنة بلا تمييز وديمقراطية يصنعها الجميع، والنظام الحالي لا مستقبل له، وأنا أرنو بطرفي وذهني وطاقاتي لقيام (إتحاد سوداني) بين بلدين مستقلتين، السودان وجنوب السودان دون أن يفقد أي بلد إستقلاله وأن يضمهما في نفس الوقت (إتحاد سوداني) فالإتحاد السوداني واللواء الأبيض لهما صلة ما بدولتي السودان.
وشكراً لك أخي عطاف.

ياسر عرمان




المصدر:


https://www.hurriyatsudan.com/?p=226103

---------------------------------------------

الرسالة الثانية، أوالجزء الثاني (والأخير) من الرسالة:


الأخ عطاف

تحية طيبة


إلحاقاً لرسالتي الأولى وعلى الرغم من إكتافئ بالإجابة على السؤالين المطروحين، لكنني رايت أن أدلو بدلوي مع الآخرين في القضية الرئيسية التي طرحتها كموضوع للنقاش (خيارات ياسر عرمان)، فإذا كنت تسأل عن خياراتي (فجحا أولى بلحم توره)، وعلى الرغم من ضيق زمني وماذكرته في الرسالة الأولى حول الأوضاع التي تعيشها صحف الداخل لكن دعني أضيف الآتي :

بدأ لي العنوان الذي إخترته ربما حمل مضمون سلبي كأنما ما كان أمامنا هو خلفنا، وإن الخيارات تضائلت، وربما نكون قد دخلنا في مصيدة خصومنا، أو ربما قد وصلنا الي نهاية الطريق، هذا في محاولة لتفكيك العنوان، وإذا تجاوزنا الإشارات السلبية التي قد يضمرها البعض والشماتة التي يحملها خصومنا لنا ولم يتركوا مناسبة الا عبروا عنها، يمكنني القول إن ماجرى في الحركة الشعبية أمر مؤسف ويستوجب الإعتذار لأعضاء وأصدقاء الحركة، وكذلك المعالجة، وما كان ينبغي له أن يحدث في هذا التوقيت بالذات، غض النظر عن من هو المسؤل، وهو لا يفيد الا خصوم الحركة، وما أحدثه الإنقسام الحالي هو ما فشل أعداء الحركة الشعبية من إحداثه على مدى سبع سنوات مستخدمين كل مواردهم، إن الحركة الشعبية كانت في أفضل أوضاعها السياسية قبل إنقسامها وذلك لا يعني عدم وجود قضايا كانت تستحق المعالجة، ولكن ماجرى لن يؤدي الي إصلاح أو تطوير، بل هو تراجع وفي بعض جوانبه إستلف من برنامج خصوم الحركة، لكن السؤال يظل لماذا حدث ذلك وماهي الضمانات لعدم حدوثه في المستقبل؟ هذا ما نعمل على الإجابة عليه وبشكل جماعي من كل المهتمين إيجابياً بأمر الحركة الشعبية، وبالنسبة لي ولرفاقي سنبذل قصارى جهدنا ونستغل كل فرصة وسانحة لإعادة توحيد الحركة، وشخصي ورئيس الحركة على إستعداد للتنازل من مواقعنا من أجل وحدتها في إطار عملية سياسية صحيحة وديمقراطية، ولن نسعى لمواقع تنفيذية في المستقبل.

أما عن الخيارات فالذين يرون إننا في نهاية الطريق فليكن ذلك، فنحن في نهاية طريق وبداية طريق جديد، سنستفيد من تجارب الأمس لنشق طريقنا نحو المستقبل، وخيارات الثوريين والحركات الثورية كان خصومهم يرونها دائماً مستحيلة وغير ممكنة حتى تكون ممكنة، وأقول لك طالما كان هنالك ظلم وتهميش وحروب وأحداث كبيرة مثل إنفصال الجنوب وجرائم الحرب والإبادة والقهر الواسع للنساء والعطالة التي تضرب صفوف الشباب وإنهيار الريف والحرمان الذي تعانيه الأغلبية الساحقة من سكان المدن وهجرة ملايين الناس من الريف الي المدن في ظل إنعدام الخدمات وإنعدام فرص المواطنة المتساوية، وطالما يحكم السودان نظام مثل الإنقاذ فإن خيارات الثورة والثوريين والتغيير تظل واسعة ومشرعة الأبواب والنوافذ، وهي ليست بخيارات شخصية، فزمن الأفراد محدود في هذا العالم، بل هذه الخيارات تخص الملايين من الجوعى والفقراء، ونحن سنسير في وسط هؤلاء ونقدم مساهمتنا المتواضعة، ونحن اليوم أكثر خبرة من الأمس، وتظل القضية قضية شعب وليس أفراد، فقد ذهب رفاق عظام على رأسهم جون قرنق ويوسف كوة وعشرات القادة من القوى السياسية الآخرى والمجتمع المدني، ولم تغيب القضايا التي ناضلوا من أجلها، وتجد عيني وعقلي مصوبتان على فقراء المدن وثورات الريف، فالربط بين هاتين المجموعتين هو وحده الذي سيؤدي الي التغيير الجذري، كما إن الإضطهاد الإثني يجب أن يقوي صلة هاتين المجموعتين ولا يفرقهما، كما يعمل البعض من قصيري النظر.

أكتب إليك من جوهانسبيرج، وحينما أذهب في طرقات هذه المدينة غير الآمنة بحكم الفقر لا الفقراء، فإن جسمي يقشعر حينما أذكر النساء والرجال العظام الذين تجولوا في طرقاتها وحلموا بعالم جديد، ولتر سوسولو، أوليفر تامبو، مانديلا، موسس كوتاني، البرتينا سوسولو، جو اسلوفو، برايم فشر، كريس هاني، لقد كانوا فالحين وأصبحوا مثل أولياء الله الصالحين (الزول الفالح زي الولي الصالح)، ومع ذلك فإن حزبهم المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يبلغ عمره (١٠٥) عام في عين العاصفة، والتي تضربه بعنف من كل الإتجاهات، وقد إلتقيت الكثيرين من قياداته هذه الأيام والرفيق مالك عقار ووجدناهم ممتلئين بالأمل والثقة في المستقبل، إن العالم اليوم معظمه يمر بتراجع كبير في محتوى الإطروحات السياسية العظيمة والأحلام الكبيرة، وتتصدر أجندته أطروحات ضيقة الآفق، وتعاني بلدان الجنوب (العالم الثالث في بعض الروايات) من إستغلال بشع، ومع ذلك فإن حركة الإستنارة والتقدم ستأخذ مكانها اللأئق بها مستقبلا.

وإليك إجابة مباشرة عن خياراتي في المستقبل التي لا تنفصل عن خيارات أعضاء الحركة الشعبية والديمقراطيين والوطنيين والتقدميين والمستنيرين، فهي ليست خيارات فرد في مواجهة قضايا كبيرة بطبيعتها تستلزم جهد جماعي، وطوال الأعوام الماضية لم أوجاهها كفرد كما تعلم، وتجد ذهني وضميري السياسي مشدود ومنجذب إليها مثل جذبة (الدرويش)، وأولها المساهمة المتواضعة في تجديد رؤية السودان الجديد ونقلها الي مرحلة جديدة وميلاد جديد لهذه الرؤية العظيمة والهامة لمستقبل السودانين، آخذين في الإعتبار الأسس التي قأمت عليها، وإعمال منهج نقدي صارم مع كامل تجربتنا السابقة، وبإنفتاح تام على المستجدات والمتغيرات في الداخل والخارج، وطرح الأسئلة الجادة مثل لماذا لم تنجح الحركة في تحقيق أي من أهدافها السابقة في سودان علماني ديمقراطي موحد وجديد؟، والعبور من خلف الشعار وكليات الرؤية الي برنامج عملي يخاطب قضايا الناس الفعلية من (قفة الملاح) الي ديمقراطية الثروة والسلطة والثقافة، ويستوعب وسائل جديدة ويقدم برنامج يكون هو الأفضل في الصحة والتعليم والمياه والسكن والبيئة وإنصاف النساء وغيرها وبناء حركة حقوق مدنية تحريرية في الريف والمدن، والإنفتاح على كل القوى الديمقراطية وبناء كتلة تاريخية معها، والتعامل بجدية مع العمل السياسي والعمل السلمي الجماهيري على نحو أخص، إضافة الي تجربتنا الثرة في العمل المسلح .


والمساهمة الآخرى هي تجديد البنية التنظيمية للحركة وإنفتاحها للآخرين، وبناء تنظيم عضوي في كآفة أرجاء السودان، لا تحد من تقدمه قضايا الإثنية ويقدم حلول لتلك القضايا، ويستطيع المساهمة مع الآخرين في بناء الكتلة التاريخية، ومن ناحية آخرى فإننا نتطلع لبناء تحالف معارض يزيل دولة التمكين ويستمر ربما لمدة عشرة سنوات بعد إزالتها، وبالقطع سيضم هذا التحالف الأمة والإتحاديين والراغبين من الإسلاميين وغيرهم للإتفاق حول كيف يحكم السودان؟ وإزالة دولة التمكين لصالح دولة المواطنة، كما إنني محب لجنوب السودان بقدر محبتي لشمال السودان، لافرق لدي في الحب بين الشمال والجنوب، ونود أن نساهم كحركة وكأفراد بشكل مخلص مع الآخرين في ربط الشمال والجنوب إسترتيجياً، مع إحترام خيارات كلا الشعبين شمالاً وجنوباً. وهذه المهام تتطلب جهد جماعي وبمشاركة القواعد وهي ليست مهمة فردية.

كما يلزمني كتابة تجربتي للأجيال القادمة بسلبياتها وإيجابياتها، وكما ترى فإن الخيارات أمامي واسعة إذا أمد الله في أيامنا، وليس من بين هذه الخيارات القبول بنظام المؤتمر الوطني، فمعركتنا معه ستتواصل حتى يتحرر شعبنا ويحدث التغيير، وأزمة الحركة الشعبية الحالية لن يكون من بين خياراتنا القبول بنظام الإنقاذ أو حل جزئي، فنحن مع السلام العادل والشامل.


مع وافر الشكر والتقدير

مع تحياتي للصحفيات والصحفيين وعلى رأسم بهرام عبدالمنعم

ياسر عرمان




المصدر:


https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... 9%8A%D8%A9
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

أود أن أُنبِّه متابعي ومتابعات هذا الملف بأنني قمت بإلحاق الرسالة الأولى لـياسر عرمان، أو الجزء الأول من رسالته، إلى صحيفة "التيار"، إلى المادة السابقة (الجزء الأول من الرسالة). وسيلاحظ المتابع أو المتابعة أنني قصدت أن أورد الجزء الأول قبل الجزء الثاني من الرسالة، على الأقل بحسب الترتيب الذي نُشَرا بهما في مواقع أخرى (ولم أكن قد عثرت على الجزء الأول - بمساعدةٍ حاسمةٍ من صديقين - إلا قبل لحظات).
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقالٌ من أربعة أجزاء:




ماذا حدث و يحدث داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟

بقلم: ناصف بشير الأمين


(1)





اختار كاتب هذا المقال الا يكون طرفا في الحملات الإعلامية من الجانبين التي صاحبت الأزمة الداخلية للحركة الشعبية لتحرير السودان –شمال منذ تفجرها في بداية مارس 2017م. وذلك رغم قناعته، منذ اليوم الأول، بعدم قانونية قرارات مجلس تحرير أقليم جبال النوبة- جنوب كردفان القاضية بحل المجلس القيادي للحركة و إقالة رئيسها وأمينها العام من مواقعهما وتكليف نائب رئيس الحركة الفريق عبد العزيز آدم الحلو كرئيس جديد للحركة. وأختار بدلا من ذلك ان يدعم المبادرات الداخلية والصديقة التي هدفت الى إقناع طرفي الخلاف بضرورة الجلوس على طاولة الحوار من أجل الوصول الى حل تفاوضي ينهي الأزمة ويجنب الحركة و جيشها الإنقسام. إلا انه ونتيجة لحقيقة رفض نائب رئيس الحركة و المجموعة المؤيدة له كافة مبادرات التسوية السلمية (دون إستثناء) وكافة المبادرات والأفكار التي طرحها رئيس الحركة –التي ستناقش بالتفصيل لاحقا - والتي هدفت جميعها الى الوصول الى حل يحافظ على وحدة الحركة، بات واضحا لكل ذي عينين أن هذه المجموعة قد حسمت أمرها واتخذت قرارها النهائي بفرض قراراتها التي انتجت الأزمة كأمر واقع غير قابل لإعادة النظر، مهما كانت النتائج المترتبة عليه. على ضوء ذلك اصبحت كتابة هذه السطور بمثابة شهادة للتاريخ تفرضها مسؤلية الإنتماء للمشروع والمسؤلية الأخلاقية معا.


يعتبر الشهيد د. جون قرنق دي مبيور اهم قائد سياسي سوداني في مرحلة ما بعد الإستقلال قدم رؤية ذات مصداقية للبناء الوطني وإعادة هيكلة الدولة الكولونيالية الموروثة عن الإستعمار. في مواجهة واقع فشل النخبة التي خلفت المستعمر في مركز السلطة في صياغة مشروع بناء دولة وطنية ديمقراطية علمانية موحدة على أساس قاعدتي المواطنة وإحترام التنوع و تحقيق العدالة لإجتماعية، و سيادة سياسات التهميش والتمييزالمنهجي ضد غالبية السكان على أسس دينية اوإثنية اوثقافية اوإقليمية و تصاعد دورة العنف والإحتراب، طور الشهيد قرنق رؤية السودان الجديد كترياق مضاد للسودان القديم و علله، خطاباته و ممارساته. لقد جعلت الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت قيادة الشهيد قرنق أهدافها واضحة لقوى المركز، منذ إنطلاقتها في 1983م، بأن كفاحها ليس من أجل القفز الى السلطة، وإنما توحيد السودان على أسس جديدة و وضع حد للمظالم الإجتماعية العديدة في كل أنحاء السودان. لذلك بالنسبة لجون قرنق، لم يكن يوجد شيء إسمه "مشكلة الجنوب" وإنما هي مشكلة السودان ككل. مشروع بهذا الطموح الوطني العريض وبهذه الرؤية الراديكالية للتغيير التي تدعو لإعادة هيكلة الدولة السودانية لجهة إنهاء التهميش والتمييز لصالح حقوق المواطنة المتساوية، هو بالضرورة مشروع عالي الكلفة كفاحيا، بسبب كثرة الأعداء في المركز الذين يدافعون عن إمتيازاتهم التاريخية. لهذا السبب اصطدم المشروع في محطات كثيرة بتيارات داخل الحركة نفسها ترى في رؤية السودان الجديد حلما عالي الكلفة إن لم يكن مستحيلا تحقيقه، و إنها لا طاقة لها بعبء حمله، لذلك تستعيض عنه بالمطالبة بالإنفصال او الحكم الذاتي للمنطقة المعينة. في رأي د. منصور خالد، لم يكن ممكنا منذ البداية "توطين أجندة قرنق الوحدوية بدون حرب داخلية في صفوف الحركة بين أولئك المؤمنين بسودان جديد يقوم على أساس الوحدة من خلال التنوع و أولئك المؤمنين بفصل جنوب السودان: الذين وصفهم قرنق بالإنفصالين و الإنتهازين. بعد خروجه منتصرا في هذه الحرب الداخلية، واصل قرنق مهمة إعادة هيكلة حركته، التي نشأت في الأصل ذات إهتمام منحصر بالجنوب، لتكون حركة ذات مهام و رؤية قومية لتحويل السودان القديم الى سودان جديد و ليس تدميره." (د. منصور خالد: تناقض السودانين، ص 21& 22). لهذه الأسباب، وكما هو متوقع، لم يكن الشهيد قرنق و طرحه "مرحبا بهما وسط القيادات السياسية التقليدية معا في الجنوب و الشمال لأنهما سحبا الأراض من تحت أقدامهم." في الجنوب، يرى فرانسس دينق أن قرنق "قد ارتفع برؤية الجنوب والشمال ككل موحد الى مستوى لم يكن منظورا او يعتبر ممكنا من قبل، خاصة من قبل القيادات السياسية الجنوبية. و بدلا من أن يكون مصدر فخر للسياسين الجنوبيين، فإن صعود قرنق السياسي والفكري في قمة المشهد السياسي الوطني تم النظر اليه معا بشك و حسد... لأنه أعتبر مهددا لفصل الجنوب. في الجانب الآخر، رأى السياسيون التقلديون في الشمال في أجندة قرنق الوطنية مصدر زعزعة لما كان يفترض أنها حقائق بديهية، ليس فقط حول الهوية الوطنية، ولكن أيضا حول كيفية حكم السودان و إبقاءه موحدا"، (د. منصور خالد، نفس المصدر، ص 30). لذلك استمرت الحركة الشعبية ومنذ إنطلاقتها تحارب في جبهتين: ضد نخبة المركز و ضد التيار الإنفصالي داخلها. خلاصة، استمر تيار القوميين الجنوبيين متواجدا داخل الحركة الشعبية، خاصة بعد توحيد الحركة و عودة مجموعة الناصراليها، و ظلت هناك حالة تعايش صراعي بين التيارين: تيار السودان الجديد الذي يقف على رأسه الشهيد قرنق و تيار إنفصال جنوب السودان، وهو الصراع الذي حسم بعد رحيل الشهيد قرنق المبكر و المفاجيء لمصلحة التيار الإنفصالي وانتهي بإستقلال جنوب السودان. سقت هذه المقدمة الطويلة لحد ما لأن ما حدث ويحدث الآن داخل الحركة الشعبية – شمال يمكن النظر اليه من زاوية معينة كإمتداد لذلك الصراع الإنقسامي القديم/الجديد بين ذات التياريين.

ماذا حدث؟: وقائع أساسية


بدأت أزمة الحركة الشعبية –ش الحالية بتقديم نائب رئيس الحركة الفريق عبد العزيز آدم الحلو لإستقالته للمرة الثالثة خلال عامين أو يزيد. حسب ما ورد في بيان داخلي لرئيس الحركة الشعبية (5 يونيو 2017م)، كانت الإستقالة الأولى شفاهية قدمها نائب الرئيس لـ(١٢) من كبار ضباط الجيش الشعبي في جبال النوبة، ولم يقدمها للمجلس القيادي، وبعد إقناعه بسحبها إتفق مع تلك المجموعة على أن يتم (قتل الأمر في داخل ذلك الإجتماع)، وفي 13 يوليو 2016م تقدم نائب رئيس الحركة بإستقالته الثانية كتابة الي رئيس الحركة. في الإستقالتين، كان السبب الوحيد المذكور كمبرر للإستقالة هو إن نائب الرئيس لا ينتمي الي جبال النوبة إثنياً، ولذا يجب ترك الفرصة للمنتميين إثنياً للإقليم لإختيار نائب للرئيس من بينهم، وأن هذا المنصب من استحقاقاتهم. كان نائب الرئيس ينطلق عن قناعته التي عبر عنها في الإستقالة الثانية بالدور المتعاظم للإثنية في السياسة السودانية (انظر خطاب رئيس الحركة الصادربتاريخ 1 يوليو 2017م تحت عنوان: (Bewitching of the Liberation; Genesis of the SPLM/N Split of 2017 ). حسب بيان رئيس الحركة (5 يونيو 2017م)، تم نقاش مطول مع نائب الرئيس من قبل الرئيس والأمين العام، و تم الدفع بحجج عديدة لإقناعه بسحب إستقالته لأنها لاتتسق مع رؤية الحركة ومشروع السودان الجديد والعطاء الذي قدمه نائب الرئيس عبر السنوات، وقد إقتنع في النهاية بسحب إستقالته. الإ أن نائب رئيس الحركة عاد وقدم إستقالته الثالثة في 7 مارس 2017م، والتي حملت ذات السبب الوارد في الإستقالتين السابقتين، مع إضافة أسباب أخرى جديدة تضمنت إتهامات عديدة لرئيس الحركة و أمينها العام.

أوضح نائب الرئيس في خطاب إستقالته إن هناك خلاف بينه وبين رئيس الحركة و الأمين العام حول عدة قضايا شملت المنفستو والدستور و حول محتويات بعض المسودات التي اقترحت فيما يخص الوثيقتين؛ وبين نقاط الخلاف من وجهة نظره في هذا الخصوص. واضاف أنه يختلف معهما أيضا حول الموقف من قضية تقرير المصير و كذلك حول المؤسسية ويحملهما مسؤلية عدم إكمال عضوية المكتب السياسي/المجلس القيادي و عدم تكوين مجلس التحرير القومي و مكاتب الأمانة العامة للحركة. وجه خطاب الإستقالة أيضا اتهاما للأمين العام للحركة رئيس وفد التفاوض بأنه تجاوز تقاليد تكوين لجان التفاوض فى الحركة الشعبية منذ تأسيسها و عدم وضوح المعايير التى اعتمدها، و ركز الخطاب على ما اسماه عادة تخفيض سقف مطالب الحركة الشعبية فى المفاوضات و باستمرار دون مقابل أو تنازلات من جانب وفود الحكومة ...و الاختلاف حول المواقف التفاوضية و خاصة فى بند الترتيبات الأمنية، وأن التنازل فى الترتيبات الأمنية يعنى فى نظره تجريد الجيش الشعبى من سلاحه عبر وسيلة استيعابه فى جيش المؤتمر الوطنى، و إنهاء دوره كضامن لتنفيذ اى اتفاق...." و بناءا على ما تقدم خلص خطاب نائب رئيس الحركة الى انه توصل الى عدة قناعات أهمها:

" 1. لا استطيع العمل مع رئيس الحركة و أمينها العام كتيم واحد، لانعدام المصداقية لديهم، و تاكل عنصر الثقة بيننا. وأن هناك أشياء غامضة و لا أفهم كل دوافعهم؛

2. عدم اتفاق أبناء النوبة على تمثيلى لهم فى القيادة بسبب الإثنية، فتح الباب للرئيس و الأمين العام لتجاهل آرائي باستغلال بعض ضباط جبال النوبة من وراء ظهرى لخدمة اجندتهم و تمرير قرارات مصيرية خطيرة على مستقبل الثورة...كذلك مكن المؤتمر الوطنى من شق صفوف النوبة باستخدام هذا الكرت؛

3. تجربتي اثبتت أن البعض يلومنى دائما على أخطاء ارتكبها آخرون..."

وقد سبقت الإستقالة الدعوة لإجتماع مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان، والذي عينه نائب رئيس الحركة نفسه. وقد وردت – حسب البيان - قبل الإجتماع معلومات مفصلة أرسلها (جاتيكا أموجا) قمر دلمان والجاك محمود وعمار آمون قبل عدة أسابيع حول ما يريدون التوصل إليه في إجتماع مجلس التحريرالإقليمي لتغيير التركيبة القيادية للحركة وأهدافها المعلنة وموقفها التفاوضي. كذلك اشار بيان رئيس الحركة (1 يوليو 2017م) الى وقوع أعمال مهدت الطريق لما سيحدث لاحقا؛ حيث بدأت حملة جمع توقيعات في الإقليم تطالب بعزل الأمين العام للحركة من منصبه بحجة انه لاينتمي للمنطقتين، وذلك قبل ثلاث أشهر من تاريخ إجتماع مجلس التحرير الإقليمي. بعد الإطلاع على إستقالة نائب الرئيس، قام مجلس التحرير الإقليمي وفي رد فعل فوري بأصدار قرار ب (أ) حل وفد التفاوض وتكوين وفد جديد؛ (ب) سحب الثقة من الفريق/ ياسر سعيد عرمان كأمين عام للحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال؛ (ج) سحب ملفات التفاوض ، العلاقات الخارجية والتحالفات السياسية من الفريق/ ياسر سعيد عرمان. كان واضحا أن القرارات أيضا استهدفت وضع رئيس الحركة أمام خياري أما أن يباركها، رغم عدم صدورها عن جهة مختصة، وأما أن يواجه ذات مصير الأمين العام كما حدث لاحقا. بتاريخ 7 يونيو 2017م، أصدر مجلس التحرير الإقليمي قرارا إضافيا بحل المجلس القيادي للحركة، إقالة رئيس الحركة والأمين العام ومنعهما من دخول المناطق المحررة، وتعيين نائب الرئيس رئيسا للحركة. صدرت كل هذه القرارات دون الإستماع لوجهة نظر رئيس الحركة وأمينها العام و دون إتاحة الفرصة له حتى للرد على التهم المحددة التي و جهت له. في إجتماعة المنعقد بالمناطق المحررة (2 – 3 أبريل 2017م)، قرر المجلس القيادي للحركة الشعبية- ش إلغاء كآفة القرارات الصادرة من مجلس التحرير الإقليمي المتعلقة بالقضايا والمؤسسات القومية، وألا يترتب عليها أي أثر قانوني او سياسي."

أخطر ما حدث في هذه الأزمة هو النزاع المسلح ذو الطابع القبلي في النيل الأزرق. حوى بيان رئيس الحركة الصادر بتاريخ 5 يونيو 2017م إتهاما صريحا للفريق عبدالعزيز الحلو نائب رئيس الحركة بأنه، ومنذ تقديم إستقالته، حاول التعامل مع قبائل بعينها في النيل الازرق وعمل على الإتصال بالجنرال جوزيف تكه - كما اثبت ذلك الأخير في إجتماع المجلس القيادي للحركة - وحاول تحريض مجموعة الادك، وهي قبيلة مجاورة لحدود جنوب السودان وقع عليها ظلم تاريخي. و ذكر البيان أن قيادات الحركة الشعبية كانت لها حوارات مطولة مع قيادات الادك حول رؤية السودان الجديد وحول مطالب سابقة للقبيلة لتقرير المصير والانضمام لجنوب السودان. و أن نائب الرئيس إتصل بهذه المجموعة بعد تقديم إستقالته ذاكراً لهم إنه الآن يطالب بحق تقرير المصير و عليهم لذلك مساندته. و قد انتهت إتصالات نائب الرئيس، حسب البيان، الي إقتتال داخلي في النيل الأزرق راح ضحيته العشرات من مختلف الاطراف. ربما يجد هذا الإتهام سندا له في البيان الصادر من المجموعة المؤيدة للفريق عبد العزيز الحلو في النيل الأزرق بتاريخ 1 مايو 2017م. حسب ذلك البيان الصادر عن خطاب قبلي مبين؛ "فإن القيادة في الحركة الشعبية والجيش الشعبي تاريخيا تقوم على الثقل القبلي وتعداد المقاتلين، ففي النيل الأزرق كانت قبيلة الأدك هي أول قبيلة تمردت ضد النظام بدايات العام 1983م.... وبعدها تمرد مالك عقار في العام 1985م..." و حسب البيان فإنهم قبلوا في الماضي قيادة رئيس الحركة فقط نزولا على رغبة جون قرنق. ولنا أن نتساءل عن علاقة هذا الفهم الذي يربط تولي القيادة بالثقل القبلي برؤية السودان الجديد التي تزدحم بها الشعارات؟

الفريق عبد العزيز آدم الحلو يمثل دون شك أحد أعمدة الحركة الشعبية ورموزها، ولا يستطيع أحد أن يزاود على تاريخه الكفاحي الطويل في الحركة و أدواره العسكرية البطولية في قيادة المقاومة المسلحة في ميدان القتال في مواجهة مليشيات النظام. ولكن التطورات الأخيرة كشفت عن جوانب لم تكن مرئية من شخصية الرجل ولم تكن معلومة حتى للعديدين من قواعد الحركة الشعبية-ش. من ذلك أنه ظل لأكثر من عام يرفض حتى مجرد الجلوس و الحديث مع رفاقة في القيادة: الرئيس والأمين، و ذلك بعد أن قال للرئيس في اخر إجتماع بينهما في 22 اغسطس 2016م "أنه لم يعد يثق فيه." وأنه ظل معتكفا خارج السودان لحوالي عامين (أنظر بيان رئيس الحركة 1 يوليو 2017م). وإستمر يرفض بعد إنفجار الأزمة التي نحن بصددها كل النداءات والمبادرات التي قدمت من قبل الرئيس والأمين العام للحركة وكذلك أصدقاء الحركة في الداخل و الخارج والتي هدفت جميعها الى جلوس الطرفين حول طاولة الحواربغرض الوصول الى حل سلمي تفاوضي يحفظ و حدة الحركة وجيشها ويجنبهما الإنقسام. وأن السبب الوحيد لتقديم إستقالته في المرتين الأولى والثانية هو قناعته بأن للإثنية دور متعاظم في العمل السياسي وأن النوبة كإثنية غير ممثلين بما يكفي في القيادة، وإنه يريد، من خلال إستقالته، أن يفسح المجال لتمثيلهم. هذا مع العلم بأن المجلس القيادي حسب الدستور يمكن أن تصل عضويته الى 19 عضوا، وكان يمكن بالتالي إضافة أي عدد من الأعضاء من إقليم معين لضمان عدالة التمثيل في المجلس القيادي دون حاجة لأن يقدم الفريق الحلو إستقالته. حديث الفريق الحلو الداعي للإعتراف بالدور المتعاظم للإثنية في السياسية السودانية يثير أسئلة عديدة حول مدى إنسجام هذه الرؤية مع برنامج الحركة الشعبية – ش. هذه الدعوة يمكن أيضا ملاحظة صداها في البيان المشار اليه أعلاه، الصادر من المجموعة المؤيدة للفريق عبد العزيز الحلو في النيل الأزرق بتاريخ 1 مايو 2017م، والذي اعتبر صراحة أن "القيادة في الحركة الشعبية والجيش الشعبي تاريخيا تقوم على الثقل القبلي." و ذات الفهم يقف خلف خطوة مجلس التحرير الإقليمي لجبال النوبة – جنوب كردفان الذي اعطى نفسه بنفسه صلاحيات قومية لا يملكها (كما سنبين بتفصيل لاحقا) أصدر بموجبها قرارات بحل المجلس القيادي للحركة، و إعفاء الرئيس والأمين العام للحركة وتعين رئيس جديد لها. و مع الإعتراف بعدالة المطالبة بأن يعكس تمثيل إي إقليم في مؤسسات الحركة القيادية ثقله العددي النسبي، فإن هذا الإعتبار لاينبني بداهة على أسس أثنية، و إلا لشكل مصادرة للأسس المركزية لرؤية السودان الجديد العابرة للإثنيات والثقافات والأديان و الجهويات.

في رده على ما ورد في إستقالة الفريق عبد العزيز آدم الحلو، ابان الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية -ش (بيان داخلي 5 يونيو 2017م) انه و خلال عامين بذل الرئيس والأمين العام للحركة كافة الجهود لإحتواء الخلاف وتمت الدعوة لـ(١٧) إجتماعاً في الآراضي المحررة يضم المجلس القيادي وقيادة الجيش والوفد التفاوضي لإعطاء الفرصة لنائب الرئيس لطرح كل أرائه وإتخاذ الموقف الذي يراه قادة الحركة مجتمعين، ولكن نائب الرئيس رفض ذلك، و فضل البقاء خارج السودان على مدى عامين. فيما يخص الدعوة الي حق تقرير المصير، اعتبر ذات البيان أن "المطالبة بتقرير المصير ليست جزء من مشروع السودان الجديد، بل إن الإنفصال هو حد أدنى وأقل شأناً من مشروع السودان الجديد، ولم يطرح الشهيد الدكتور جون قرنق حق تقرير المصير الا في عام 1991م كمشروع للحفاظ على وجود القوميين الجنوبيين داخل الحركة الذين شد إنتباههم دعاوي مجموعة الناصر والتي من الناصر إنتهت في الخرطوم!!، وقد قمنا بمناقشات عديدة مع الرفيق عبدالعزيز الحلو منذ تأسيس الحركة الشعبية في 10 أبريل 2011م، وقد إعترض الرئيس والأمين العام على طرح حق تقرير المصير لأنه سيكون ضد سكان المنطقتين أولاً، وسيؤدي الي إهتزاز شامل في طرح فكرة السودان الجديد، وإنه ما عاد جاذباً بعد إنفصال الجنوب، وسيعزل الحركة الشعبية بإبعادها عن القوى الوطنية والديمقراطية وسيقسم الحركة الي جبال النوبة في إتجاه والنيل الأزرق في إتجاه...الخ (راجع البيان).

فيما يتعلق بالتفاوض والجيشين، جاء في ذات البيان أن وفد الحركة الشعبية المفاوض اوضح في أغسطس 2016م، ردا على مطالبات الوفد الحكومي، إن الترتيبات الأمنية النهائية تحتاج الي مبادئ، ودفع بمقترح الحركة الذي شمل خمسة مبادئ، وذكر إن ذلك لا ينتقص من حقها في طرح مبادئ آخرى لاحقا، وقدم الوفد التفاوضي النقاط الآتية:

الجيش الشعبي في الشمال سيتم إنصهاره عبر مراحل زمنية في جيش سوداني جديد تتم إعادة هيكلته وكذلك في المؤسسات الأمنية الآخرى والتي ستكون مهنية وغير مسيسة وتعكس تركيبة ومصالح المجتمع السوداني؛ كل المليشيات بمافي ذلك قوات الدعم السريع سيتم حلها؛ عملية إنصهار الجيش الشعبي عبر المراحل الزمنية في الجيش السوداني الجديد ستبدأ بعد الإنتهاء من تنفيذ الترتيبات السياسية الخاصة بالمنطقتين؛ عملية التسريع وإعادة الدمج المجتمعي ستشمل القوات من الطرفين؛ المبادئ الآخرى ستطور لاحقاً بواسطة الطرفين.

وأكدت الحركة الشعبية ان المؤتمر الوطني هو اكبر حزب مسلح، ولايمكن أن ينزع سلاح الاخرين الا اذا اتفق مع الآخرين على نزع سلاحه، وهو يسيطر على كل القطاع الامني بما فيه الجيش. عرضت هذه المبادئ قبل تقديمها على الرئيس ونائب الرئيس، وقبلهم على الوفد التفاوضي ، وحينما تم تقديمها إنسحب الفريق عماد عدوي، وقبل الوفد الحكومي بعدها بالرجوع لوثيقة وقف العدائيات كما هي دون الحديث عن مبادئ الترتيبات الأمنية النهائية. و اضاف البيان أن نائب رئيس الحركة يرى مع ذلك إنه قد تمت التضحية بالجيش الشعبي وقد أكد له خمسة من قادة الوفد التفاوضي ورئيس الحركة في إجتماع مشترك إن هذا غير صحيح، ولكنه أصر على رايه وهو يطالب بنقل تجربة الجنوب بحذافيرها... وان طرح الحركة الحالي لا يتخلى عن الجيش الشعبي بل إن عملية تنفيذ الإتفاق كمرحلة أولى وبناء جيش جديد كمرحلة ثانية ربما تاخذ في ظل الأوضاع الراهنة أكثر من (15) عام لإنجازها. اللافت للإنتباه، أن الجيش الشعبي الذي إستخدم كموضوع و رقة إتهام رئيسية (التضحية بالجيش) من قبل نائب الرئيس ضد رئيس الحركة وأمينها العام لم يكن طرفا في الأزمة و ظل طرفا محايدا، و لم تصدر عنه قرارات ذات صلة الا بعد إجتماع المجلس العسكري في 15-16 يونيو 2017م (راجع بيان إجتماع المجلس العسكري). و لعل ذلك يعود الى وجود رئيس هيئة أركان الجيش اللواء جقود مكوار و نوابه كأعضاء في المجلس القيادي للحركة وكذلك مشاركتهم في بعض جولات التفاوض الخاصة بوقف إطلاق العدائيات وبند الترتيبات الأمنية و لذلك هم على دراية كاملة بعدم صحة الإتهامات التي يسوقها نائب الرئيس و الخاصة بعقد الرئيس والأمين العام صفقات سرية للتضحية بالجيش. واضاف البيان: "وقد طرح على نائب الرئيس أن يتولى قيادة الوفد التفاوضي مرات عديدة من جانب رئيس الوفد التفاوضي ومن جانب رئيس الحركة، ورفض ذلك، وطلب منه كتابة الترتيبات الأمنية التي يراها، ولم يقم بذلك، وطلب منه مناقشة هذه القضية مع قيادات الحركة مجتمعة ولم يستجب لذلك." وفي بيان رئيس الحركة (1 يوليو2017م)، اوضح الرئيس انه اقترح على نائب الرئيس في إجتماع ضمهما مع وفد الحركة المفاوض في 16 أغسطس 2016م انه يمكن تطوير الورقة الخاصة بالترتيبات الأمنية او سحبها خاصة أنها ورقة مباديء عامة ورفضت من قبل الوفد الحكومي، وتقدم بإقتراح ثالث بأن يتم تجاوز الورقة كلية بعد رفضها وصياغة موقف تفاوضي جديد يخاطب النقاط الخمس، كذلك اقترح في ذات الإجتماع أن يتولى نائب الرئيس قيادة وفد التفاوض في وجود او عدم وجود الأمين العام، ولكن رفض نائب الرئيس الإقتراح واصر على ان يستمر الأمين العام في قيادة وفد التفاوض.

اعلن رئيس الحركة و الأمين العام كذلك رغبتهما وإستعدادهما للتنحي والتنازل طوعاً عن القيادة وتسليمها لجيل جديد من عضوية الحركة - حسب أقدمية المجلس القيادي الحالي - منذ سبتمبر ٢٠١٦م، وفي ٥ يونيو ٢٠١٧م أعلنا ذلك للرأي العام. وزادا على ذلك إلتزامهما بعدم الترشح لأي منصب تنفيذي في المستقبل، وقد كررا هذا الإعلان أكثر من مرة فيما بعد. وأكد بيان الفريق مالك عقار (1 يوليو 2017م) أن الفكرة نوقشت في أكتوبر 2016م، و تمت مناقشة النموذج الأمثل لإجراء تداول المسؤلية القيادية: "آخذين بعين الإعتبار حقائق و واقع الكفاح التحرري، قمنا بدراسة إيجابيات و سلبيات السيناريوهات التالية: (i) أن يتنحى ثلاثتنا معا و بشكل فوري ويتم تعيين قيادة جديدة. هذه الصيغة ربما تخلق نوعا من الإرباك في إنسياب إدارة الحركة و كذلك تثير تساؤلات من جانب الأعضاء و المتعاطفين، ولا تعطي وقتا كافيا للقيادة القادمة و كذلك المتنحية للتجهيز لتسليم وتسلم المهام والمسؤليات؛ (ii) تبادل ممرحل للسلطة خلال 18 شهرا، يبدأ بتنحي الأمين العام بعد 6 أشهر و تعين من يحل مكانه؛ ثم يتنحى نائب الرئيس بعد 12 شهرا ويعقبه الرئيس بعد 18 شهرا: هذا الخيار كان سيسمح بإعداد وتجهيزات مناسبة من جانب الطرفين و كان يمكن إنجازه على أكمل وجه." حسب البيان، تم تحديد المجموعة المختارة لتولى القيادة وتمت مناقشة الأمر معها وقبل المرشحون للقيادة الفكرة من حيث المبدأ، و لكن طلبوا منحهم بعض الوقت قبل بدء عملية التسليم و التسلم. وقد تم الإختيار حسب الأقدمية في ترتيب المجلس القيادي: أن يتولى رئيس هيئة الأركان الذي هو الشخص الرابع في قيادة الحركة الحالية منصب الرئيس، وأن يتولى نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات موقع نائب الرئيس، وأن يتولى نائب رئيس هيئة الأركان للإدارة رئاسة هيئة الأركان، وفي أكتوبر 2016م تمت مناقشة أنور الحاج ليتولي منصب الأمين العام. الصوت الوحيد الذي الذي أعترض على عملية التداول السلمي الداخلي و السلس للقيادة – حسب البيان - هو الفريق عبد العزيز الحلو، نائب الرئيس؛ كانت حجته إنه لم يحن الوقت بعد لطرح مقترح كهذا للنقاش. تم تأجيل الموضوع لهذا السبب لأجتماع المجلس القيادي و المؤتمر العام ليتم تنفيذه. وبعد إنفجار الأزمة كرر رئيس الحركة و الأمين العام التزامهما بالتنحي وإفساح المجال لجيل جديد لتولي قيادة الحركة، وطالبا نائب الرئيس أن يحذوا حذوهما، وطرحا ذلك كمخرج من الأزمة. في تقدير كاتب المقال المتواضع، ليس هناك ما هو أكثر و ضوحا من هذا الموقف في التعبير عن الزهد في الموقع والإستعداد الجدي وليس التكتيكي للتنحي من أجل الحفاظ على وحدة الحركة. لكن هذا العرض قوبل للأسف بالتجاهل من قبل نائب الرئيس وبالإستخفاف من قبل مجلس تحرير جبال النوبة-جنوب كردفان. تجاهل هذا العرض كشف عن حقيقة أجندة الطرف الآخر وعن أن هدفه و دوافعه الحقيقية ليست هي التجديد و الإصلاح التنظيمي و تدوال المسؤليات القيادية سلميا و تصعيد جيل جديد لقيادة الحركة الشعبية و المحافظة على وحدتها (كما تقول بذلك الشعارات)، وإنما إقصاء الرئيس و الأمين العام للحركة بشكل تام و نهائي من المشهد السياسي و التنظيمي وإنفراد نائب الرئيس بقيادة الحركة، و هو ما سماه الطرف الأول "إنقلابا."

بخصوص المنفستو، أوضح البيان (1 يوليو 2017م) انه تم تكوين سبعة مجموعات عمل لإعداد مسودات شملت المنفستو و قانون للحكم الذاتي...الخ، وكان الغرض هو انجاز وثيقة برنامج متكامل لعمل الحركة الشعبية. فرغت اللجان من إعداد المسودات المطلوبة ورفعتها للمجلس القيادي لإعتمادها. اعترض نائب الرئيس على أن تعتمد وثيقة البرنامج قبل إعتماد المنفستو. حسب بيان رئيس الحركة فإنه ارسل مسودة المنفستو بالأيميل لنائب الرئيس في 9 يونيو 2016م مع مسودة قانون الحكم الذاتي المقترح للمنطقتين و لكنه لم يتلق منه رد حتى تاريخه. عدم رد نائب الرئيس عطل مجمل خطه انجاز البرنامج المتكامل للحركة، وقد ابدى رئيس الحركة إستغرابه لإحتجاج نائب الرئيس على عدم وجود هذه الوثائق في خطاب إستقالته.

تعمدت سرد هذه الوقائع المطولة لحد ما لأهميتها في إبراز وجهة نظر رئيس الحركة و أمينها العام في مقابل الحجج و الإتهامات الواردة في إستقالة نائب الرئيس. وهذه الوقائع غيبت تماما ولم ترد الإشارة اليها في قرارات مجلس التحرير الأقليمي. وحسب بيان رئيس الحركة، فإن مجلس التحرير الإقليمي ليس فقط فشل في أن يقوم بمحاولة إستيضاح وجهة نظر الرئيس والأمين العام للحركة حول ما ورد في إستقالة نائب الرئيس من إتهامات ضدهما، قبل إصدار قراره، وإنما قصد تغيب وجهة نظرهما بشكل متعمد والإكتفاء بما ورد في خطاب إستقالة نائب الرئيس كأرضية لتسبيب قراراته. حسب البيان (1 يوليو 2017م)، اعد رئيس الحركة كلمة مسجلة مدتها 11 دقيقة لتذاع في الجلسة الإفتتاحية لإجتماعات مجلس التحرير الإقليمي، تحدث فيها عن ضرورة تركيز المجلس على الشؤون الإقليمية والمحافظة على الوحدة داخل الإقليم وعدم التطرق للقضايا القومية و تركها لإجتماع المجلس القيادي. كلمة رئيس الحركة سلمت لحاكم الإقليم بتاريخ 5 مارس 2017م الذي قام بتسليمها لعمار آمون - وهو ليس عضوا بالمجلس - بدلا من تسليمها لرئيس المجلس الإقليمي؛ والنتيجة تم إستبعاد كلمة رئيس الحركة عمدا ولم تقرأ لأعضاء المجلس. الإستبعاد المتعمد لسرد و إثبات هذه الوقائع الأساسية قاد لنتيجة كارثية اخرى صاحبت إدارة الأزمة، حيث فتح الباب على مصراعيه للإتهمات غير المؤسسة في الإعلام و وسائط التواصل الإجتماعي، خاصة من قبل القومين النوبة، والتي هدفت الى شيطنة و تخوين رئيس الحركة وأمينها العام بصورة غير مسبوقة.

بروز أصوات القوميين النوبة داخل و خارج الحركة الشعبية شكل أمرا لافتا ميز هذه الأزمة: بعضهم أبعد عن الحركة بسسب توجهاتهم المعادية لرؤية السودان الجديد. والمقصود هنا مجموعة من أبناء جبال النوبة ظلت تنادي بأن يتولى أبناء جبال النوبة قيادة الحركة وإبعاد العناصر من خارج الإقليم (خاصة الأمين العام)، وأن تعمل الحركة بشكل رئيسي على تحقيق مطالب سكان الإقليم وعلى رأسها حق تقرير المصير وأعطاءها الأولوية، و ذلك بسبب حجم التضحيات التي قدموها مقارنة بالأقاليم الأخرى وثقلهم العددي في عضوية الحركة والجيش الشعبي. في ظل غياب صوت نائب الرئيس شبه التام في الشهور التي اعقبت إستقالته، تولى القوميون النوبة ملء الفراغ وقيادة الحملة الإعلامية والتعبئة الإثنية ضد رئيس الحركة وأمينها العام في المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي. استهدف خطابهم بشكل خاص إغتيال شخصية الأمين العام للحركة وحشد التعبئة الإثنية ضده من خلال رسم بورتريه له يظهره ك"جلابي" عنصري و معادي لتطلعات أبناء جبال النوبة. كذلك اشتمل خطابهم تخوين رئيس الحركة وأمينها العام من خلال إتهامهم بعقد صفقات سرية مع النظام الحاكم تهدف الى بيع القضية و تصفية الجيش الشعبي. حديث القوميين النوبة عن رئيس الحركة وأمينها العام والإتهامات الموجهة للإثنين تذكرنا بالمبررات التي كان يستخدمها رياك مشار في تسعينات القرن الماضي لتبرير تحالفه مع النظام الحاكم ضد الحركة الشعبية، وذلك بالقول أن قرنق يشكل تهديدا لقبيلته "النوير" أكبر من حكومة الخرطوم.

نواصل.



المصدر:

https://www.sudantribune.net/%D9%85%D8%A ... 9%8A%D8%B1
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ماذا حدث ويحدث داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟

بقلم: ناصف بشير الأمين


(2)





يعتبر الشهيد د. جون قرنق دي مبيور اهم قائد سياسي سوداني في مرحلة ما بعد الإستقلال قدم رؤية ذات مصداقية للبناء الوطني وإعادة هيكلة الدولة الكولونيالية الموروثة عن الإستعمار. في مواجهة واقع فشل النخبة التي خلفت المستعمر في مركز السلطة في صياغة مشروع بناء دولة وطنية ديمقراطية علمانية موحدة على أساس قاعدتي المواطنة وإحترام التنوع و تحقيق العدالة لإجتماعية، و سيادة سياسات التهميش والتمييزالمنهجي ضد غالبية السكان على أسس دينية اوإثنية اوثقافية اوإقليمية و تصاعد دورة العنف والإحتراب، طور الشهيد قرنق رؤية السودان الجديد كترياق مضاد للسودان القديم و علله، خطاباته و ممارساته. لقد جعلت الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت قيادة الشهيد قرنق أهدافها واضحة لقوى المركز، منذ إنطلاقتها في 1983م، بأن كفاحها ليس من أجل القفز الى السلطة، وإنما توحيد السودان على أسس جديدة و وضع حد للمظالم الإجتماعية العديدة في كل أنحاء السودان. لذلك بالنسبة لجون قرنق، لم يكن يوجد شيء إسمه “مشكلة الجنوب” وإنما هي مشكلة السودان ككل. مشروع بهذا الطموح الوطني العريض وبهذه الرؤية الراديكالية للتغيير التي تدعو لإعادة هيكلة الدولة السودانية لجهة إنهاء التهميش والتمييز لصالح حقوق المواطنة المتساوية، هو بالضرورة مشروع عالي الكلفة كفاحيا، بسبب كثرة الأعداء في المركز الذين يدافعون عن إمتيازاتهم التاريخية. لهذا السبب اصطدم المشروع في محطات كثيرة بتيارات داخل الحركة نفسها ترى في رؤية السودان الجديد حلما عالي الكلفة إن لم يكن مستحيلا تحقيقه، و إنها لا طاقة لها بعبء حمله، لذلك تستعيض عنه بالمطالبة بالإنفصال او الحكم الذاتي للمنطقة المعينة. في رأي د. منصور خالد، لم يكن ممكنا منذ البداية؛ “توطين أجندة قرنق الوحدوية بدون حرب داخلية في صفوف الحركة بين أولئك المؤمنين بسودان جديد يقوم على أساس الوحدة من خلال التنوع و أولئك المؤمنين بفصل جنوب السودان: الذين وصفهم قرنق بالإنفصالين و الإنتهازين. بعد خروجه منتصرا في هذه الحرب الداخلية، واصل قرنق مهمة إعادة هيكلة حركته، التي نشأت في الأصل ذات إهتمام منحصر بالجنوب، لتكون حركة ذات مهام و رؤية قومية لتحويل السودان القديم الى سودان جديد و ليس تدميره.” (د. منصور خالد: تناقض السودانين، ص 21& 22). لهذه الأسباب، وكما هو متوقع، لم يكن الشهيد قرنق و طرحه “مرحبا بهما وسط القيادات السياسية التقليدية معا في الجنوب و الشمال لأنهما سحبا الأراض من تحت أقدامهم.” في الجنوب، يرى فرانسس دينق أن قرنق “قد ارتفع برؤية الجنوب والشمال ككل موحد الى مستوى لم يكن منظورا او يعتبر ممكنا من قبل، خاصة من قبل القيادات السياسية الجنوبية. و بدلا من أن يكون مصدر فخر للسياسين الجنوبيين، فإن صعود قرنق السياسي والفكري في قمة المشهد السياسي الوطني تم النظر اليه معا بشك و حسد… لأنه أعتبر مهددا لفصل الجنوب. في الجانب الآخر، رأى السياسيون التقلديون في الشمال في أجندة قرنق الوطنية مصدر زعزعة لما كان يفترض أنها حقائق بديهية، ليس فقط حول الهوية الوطنية، ولكن أيضا حول كيفية حكم السودان و إبقاءه موحدا”، (د. منصور خالد، نفس المصدر، ص 30). لذلك استمرت الحركة الشعبية ومنذ إنطلاقتها تحارب في جبهتين: ضد نخبة المركز و ضد التيار الإنفصالي داخلها. خلاصة، استمر تيار القوميين الجنوبيين متواجدا داخل الحركة الشعبية، خاصة بعد توحيد الحركة و عودة مجموعة الناصراليها، و ظلت هناك حالة تعايش صراعي بين التيارين: تيار السودان الجديد الذي يقف على رأسه الشهيد قرنق و تيار إنفصال جنوب السودان، وهو الصراع الذي حسم بعد رحيل الشهيد قرنق المبكر و المفاجيء لمصلحة التيار الإنفصالي وانتهي بإستقلال جنوب السودان. سقت هذه المقدمة الطويلة لحد ما لأن ما حدث ويحدث الآن داخل الحركة الشعبية – شمال يمكن النظر اليه من زاوية معينة كإمتداد لذلك الصراع الإنقسامي القديم/الجديد بين ذات التياريين.

مدى شرعية قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان

اختار نائب رئيس الحركة تقديم إستقالته الأخيرة في مارس 2017م لمجلس تحرير جبال النوبة- جنوب كردفان (المعين بواسطة المجلس القيادي)، بدلا من تقديمها للمجلس القيادي للحركة. و فسر الكثيرون تلك الخطوة بإعتبارها محاولة لضرب و تجاوز المؤسسة القيادية القائمة و التراتبية التنظيمية و محاولة لمنح صلاحيات قومية لمجلس إقليمي لا يمتلكها بطبيعته، وذلك بهدف اسباغ نوع من الشرعية على قراراته اللاحقة. من ناحية قانونية صرفة، قرارات مجلس تحرير جبال النوبة- جنوب كردفان غير دستورية، بسبب تتعارضها البائن مع نصوص دستور الحركة لعام 2013م، ومع الأعراف التنظيمية المستقرة، وذلك للأسباب الآتي توضيحها. تضمنت المادة 13 من الدستور نصا واضحا على أن البناء الهيكلي للحركة يتكون من: (أ) الأجهزة القومية (ب) الأجهزة الاقليمية (ب) أجهزة أخري متخصصة. المادة 14 من الدستور حددت الأجهزة القومية و هي: (أ) المؤتمر القومي؛ (ب) مجلس التحرير القومي؛ (ج) المجلس القيادي القومي. حسب نص المادة 14(2)(ت)، يكون لمجلس التحرير القومي المهام و الاختصاصات الآتية:
لحين انعقاد المؤتمر القومي، يقوم مجلس التحرير بمهام المؤتمر القومي و يكون أعلى جهاز سياسي و تنظيمي و تشريعي؛
الإشراف على أداء المجلس القيادي و الهياكل التنظيمية الأخرى لضمان أداء فاعل لهذه الهياكل؛
إجازة الموازنة السنوية للحركة؛
يشرف علي تنفيذ سياسيات و قرارات المؤتمر العام؛
يكون سلطة استئناف عند فقدان العضوية.
المادة 15 من الدستور حددت هياكل ومهام الأجهزة الإقليمية. حسب نص المادة 15، بنية الأجهزة الأقليمية تتطابق شكلا مع الأجهزة القومية وهي:
المؤتمر العام للإقليم؛
مجلس تحرير الاقليم؛
المجلس القيادى للإقليم.

أما مهام الأجهزة الإقليمية – وهي موضوع النزاع هنا، فالمتعارف عليه هو أن سلطات و صلاحيات الأجهزة الإقليمية تكون مقصورة بطبيعتها على حدود دوائر إختصاصها الإقليمية؛ وهو ذات ما نصت عليه المادة 15(5) من الدستور: “مهام الاجهزة الاقليمية هى نفس مهام الاجهزة القومية فيما يلى المستوى المعني.” منطوق نص المادة واضح وهو أن الأجهزة الإقليمية تمارس ذات المهام التي تمارسها الأجهزة القومية (والمنصوص عليها في المادة 14)، ولكن “فيما يلي المستوى المعني” والمقصود هنا المستوى الولائي. جرت محاولات متعسفة و مجانبة للصواب، في تقديري المتواضع (شملت للأسف بعض الزملاء القانونين)، لتفسير الدستور بطريقة تمنح مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان سلطة إصدار القرارات التي اصدرها، و ذلك بالإستناد تحديدا لنص المادة 15(5). هذه المحاولات التفسيرية البديعة قامت على الإكتفاء بإيراد صدر المادة: (مهام الاجهزة الاقليمية هى نفس مهام الاجهزة القومية)، مع بتر و إسقاط عجزها (فيما يلي المستوى المعني)، وذلك على طريقة (لا تقربوا الصلاة)، دون ذكر أي أسباب تسوغ هذا البتر والقطع! صياغة نص المادة 15(5) قصد بها تجنب التكرار والنص على ذات المهام المنصوص عليها في المادة 14 لكل جهاز قومي على إنفراد في المادة 15، وذلك لأن البنية التنظيمية التي خلقها ذلك الدستور متطابقة من حيث الشكل على المستويين القومي والإقليمي. فيما يتعلق بإعفاء رئيس الحركة ونائبه و الأمين العام على وجه التحديد، نجد أن المواد 20(ح)، 21(ح) و 22(ح) من الدستور قد جعلت سلطة إعفاء الرئيس اونائب الرئيس او الأمين العام من إختصاصات المؤتمر القومي العام دون غيره، وذلك بأغلبية ثلاثة أرباع جميع أعضاءه، في حالة انتهاك أو فقدان أيا من شروط أهلية أي واحد منهما. نصوص هذه المواد تحسم بشكل لا لبس الجدل حول الجهة المختصة بإعفاء الضباط القوميين الثلاثة. ينعقد هذا الإختصاص على سبيل الحصر لجهة واحدة وهي المؤتمر العام، ويمارس في حالة واحدة و هي فقدان الأهلية حسب شروطه المنصوص عليها في الدستور، و يتخذ القرار بنصاب عالي جدا و هو أغلبية ثلاثة أرباع جميع الأعضاء (وليس الحاضرين) وهو تشديد مقصود من الدستور.

هناك أسئلة قانونية أخرى تثيرها بعض المخالفات التي صاحبت الإجتماع الثاني لمجلس التحرير الإقليمي بتاريخ 6 يونيو 2017م. فالدعوة لهذا الإجتماع جاءت من الأمين العام للحركة الشعبية بالإقليم الأستاذ تجاني تمة الذي لا تربطة أي صلة بالمجلس وليس عضوا فيه، و ذلك بدل أن تأتي من رئيس المجلس السيد آدم كوكو كودي – الذي إختفى تماما بعد الإجتماع الأول وحل محله القاضي عمر رمبوي. و هناك أسئلة كثيرة حول أسباب إختفاء رئيس المجلس وعدم قيامه بالدعوة للإجتماع الثاني، و مدى قانونية مجيء الدعوة من الأمين العام للحركة بالإقليم. وحسب إفادات عدد من أعضاء المجلس، جاءت الدعوة للإجتماع يوم 4 يونيو قبل يومين فقط من تاريخ الإجتماع، وهي فترة غير كافية واضعين في الإعتبار ظروف الخريف و شهر رمضان و إتساع رقعة الإقليم و وعورة طرق المواصلات و الظروف الأمنية العامة. لذلك إنعكس ضيق وقت الدعوة و طريقتها في الحضور والذي كان غالبيته من مقاطعة واحدة بالإضافة لإعضاء المجلس اللذين تصادف وجودهم في كاودا؛ والنتيجة إن الحضور لم يتجاوز 24 من أعضاء المجلس البالغ عددهم حوالي 110 عضوا. وقد اشار بيان رئيس الحركة (3 أبريل 2017م) الى أن “هنالك مجموعة تعد على أصابع اليد من أعضاء المجلس قامت بإختطاف قرار المجلس، وبعضهم ليسوا بأعضاء في المجلس …” السؤال كيف ينعقد إجتماع تمت الدعوة له بهذه الطريقة وبعدد يقل بكثير عن النصاب القانوني لأتخاذ قرارات بخطورة إعفاء رئيس الحركة و أمينها العام وتعيين رئيس جديد لها؟ يثير ذلك سؤال دستوري أساسي حول مدى قانونية الإجتماع و مخرجاته و مدى تعبيرها عن إرادة المجلس نفسه الذي اتخذت القرارات في غياب الغالبية الساحقة من عضويته. هناك مشكلة دستورية أخرى لاتقل خطورة يثيرها قرار المجلس الإقليمي القاضي بحل المجلس القيادي للحركة. و حيث أن المجلس القيادي القومي هو الجسم القومي الأعلى الوحيد الموجود في تنظيم الحركة في ظل غياب مجلس التحرير القومي، فإن القرار يكون قد إستهدف حل الهيئة القيادية العلياء الوحيدة المتبقية التي يمكن فحص او إستئناف القرارات لديها للنظر في مدى دستوريتها و التقرير بشأن تأييدها او إلغاءها. و بذلك قصد المجلس الأقليمي أن تكون قراراته نهائية و غير قابلة عمليا للفحص او الطعن او الإستئناف لعدم وجود جهة يتم رفع الإستئناف لها.

من ناحية موضوعية تتعلق بمحتوى القرارات والأسباب التي انبت عليها، نجد أن مجلس التحرير الإقليمي قد إتخذ قرارته بالإستناد فقط الى ما ورد في إستقالة نائب الرئيس، دون الإستماع لوجهة نظر الطرف الآخر الذي وضع عمليا في خانة المتهم، او القيام بأي محاولة لإستجلاء ومعرفة وجهة نظر الطرف الآخر ورده على ما احتوته إستقالة نائب الرئيس من إتهامات. التفسير الوحيد الممكن لإكتفاء مجلس التحرير الإقليمي بما ورد في إستقالة الفريق الحلو من أسباب كأرضية ومبرر وحيد لقراراته ورفضه سماع الطرف الآخر هو أن نسبة كبيرة من الحاضرين من عضوية مجلس تحرير جبال النوبة – جنوب كردفان الذين شاركوا في إصدار تلك القرارات تتوفر لديهم ثقة شخصية أكبر تجاه نائب الرئيس مقارنة بالرئيس و الأمين العام، و يعطون لذلك مصداقية شبه مطلقة لما يصدر عنه. لكن ذلك يعتبر إجراءا معيبا يفتقد للحدود الدنيا من المهنية و الحياد والموضوعية. عند قيام مؤسسة ما بالفصل والتقرير في نزاع بين مؤسسات او أفراد يفترض فيها بداهة إالتزام الحياد والموضوعية، وأن تصدر قراراتها بعد تحري و تحقيق شامل شفاف و نزيه يأخذ في الإعتبار وجهتي نظر طرفي النزاع دون تحيز وأي وقائع ذات صلة، وإلا لكانت قراراتها معيبة لإفتقادها التسبيب الموضوعي و الوزن السليم للبينات. أقوال أحد طرفي النزاع لا تصلح بطبيعة الأشياء لأن يتم الإعتماد عليها وحدها دون غيرها كأرضية لإتخاذ القرارات من قبل المؤسسات، ولا يوجد ما يبرر تجاوز الأسس الإجرائية المعروفة وهي أعطاء الفرصة الكافية لسماع وجهات نظر جميع الأطراف المعنية، قبل إصدار أي قرار. خاصة إذا تعلق الأمر بقرارات خطيرة و مصيرية تتعلق بإقالة رئيس الحركة وأمينها العام وحل مجلسها القيادي. إذا و بالإضافة الى الإعتراض الإجرائي المبدئي حول عدم إختصاص مجلس التحرير الإقليمي بإصدار القرارات التي أصدرها للأسباب المذكورة أعلاه، فإن القرارات أيضا معيبة موضوعا من ناحية المضمون لصدورها بالإستناد لوجهة نظر طرف واحد دون الآخر.

نخلص الى أن مجلس التحرير الأقليمي لجبال النوبة – جنوب كردفان لا يملك سلطة إصدار القرارات التي إصدرها ولم تستند قراراته على تحقيق شامل محايد و شفاف يستوعب وجهتي نظر الطرفين المعنين، كذلك صاحبت إنعقاد إجتماع المجلس الثاني مخالفات إجرائية تتعلق بمصدر الدعوة للإجتماع وعدم إكتمال نصابه، لذلك فإن هذه القرارات مخالفة لدستور الحركة والأعراف التنظيمية المستقرة. من هنا يكتسب التكييف الوارد في خطاب رئيس الحركة لما حدث بأنه “إنقلاب” أساسا دستوريا. و ما الإنقلاب سوى فرض أمر واقع قسريا على مؤسسة ما، من خارج الأطر الشرعية و الدستورية القائمة. حاجج و جادل البعض بإن ما حدث يستند على الشرعية الثورية التي يبررها منطق الثورة و ظروف الكفاح المسلح، ولكن فات على هولاء أن هذا النوع من التبريرات يعني بالضبط الإعتراف بأن ما حدث يمثل إنقلابا، و يحاول توفير مبررات تشرعنه!

قرارات مجلس التحرير الإقليمي انطوت أيضا على قسوة و تشدد غير مبررين بحق رئيس الحركة و أمينها العام. لم تكتف القرارات بإقالة االرئيس و الأمين العام وإنما زادت عليه منعهما من دخول المناطق المحررة؛ السؤال اين يراد لهما أن يذهبا؟ هذا التشددغير المبرر يقدح أيضا في حياد وأهلية المجلس و يعطي الإنطباع للمراقب المحايد بالرغبة في التشفي والإنتقام. كان يتوجب على المجلس حتى وهو يصدر قرارا بإعفاء رئيس الحركة وأمينها العام ان يعاملهما بالتقدير والإحترام الواجبين وبالطريقة التي تحفظ كرامتهما كأفراد أولا، و تراعى مكانة والإحترام الواجب للموقع القيادي في هرم تنظيم الحركة والجيش الشعبي الذي يشغلانه، وكذلك بالنظر لتاريخهما الطويل ومساهماتهما الكبيرة في مسيرة الثورة لما يزيد عن 30 عاما. فات على أعضاء مجلس التحرير الإقليمي إنهم بذلك يرسون سابقة مفزعة للطريقة التي تعامل بها أهم حركة تحرير في البلاد رئيسها و أمينها العام. وأن صدور قرارت بهذه الدرجة من التشدد غير المبرر يرسل أيضا رسائل سالبة لأطراف عديدة تشمل أعضاء الحركة الشعبية في بقية الإقاليم والرأي العام.

في ظل غياب اي أساس دستوري، فإن حجج الثقل العددي و عظم التضحيات والمساهمات التي قدمها الإقليم للثورة التي جرى إستخدامها كمبررات لممارسة مجلس التحرير الإقليمي سلطات قومية وهو يصدر القرارات التي اصدرها، يمكن المحاججة بأنها –وبالإضافة الى إفتقادها الى أي أساس من الدستور – تتناقض جذريا مع أساسيات رؤية السودان الجديد، التي يشكل مبدأ حقوق المواطنة المتساوية دون أدنى تمييز حجر الزاوية فيها. إذا كانت الحركة الشعبية لا تمنح حقوق عضوية متساوية داخل تنظيماتها لكل عضويتها، فإنه لا يمكنها أن تدعو الى تحقيق دولة المواطنة المتساوية التي تقوم على أساس الانتماء المجرد للتراب الوطني دون غيره، ولا تتبع الخطوط الثقافية أو الدينية أو الإثنية أو الجهوية؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. لذلك فإن من يقاتل من أجل سودان جديد يتساوى فيه الناس جميعا على قاعدة حقوق المواطنة المتساوية دون تمييز، لا يمكن أن يقوم بخلق تراتبية داخلية جديدة و درجة عضوية مميزة لأعضاء الحركة في إقليم جبال النوبة – جنوب كردفان، دون غيرهم من الأعضاء في سائر أنحاء السودان، و يمنحهم دون غيرهم الكلمة النهائية غير القابلة للطعن و الإستئناف في التقرير في شئؤون الحركة الفكرية و السياسية والتنظيمية و عزل قيادتها. و كما ورد في بيان رئيس الحركة الشعبية (17 يونيو 2017م): “لايمكن القبول بالتهميش داخل مؤسسات المهمشين والتي في الأصل نشأت لإبطال كآفة أشكال التهميش.” السؤال الذي يثور: الا يشكل ذلك تكريسا لنوع من المركزية الجديدة؟

نواصل.



المصدر:

https://www.hurriyatsudan.com/?p=226485
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ماذا حدث ويحدث داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟

بقلم: ناصف بشير الأمين



(3)





أسباب أزمة الحركة الشعبية لتحرير السودان- ش

الخلفية العامة لأزمة الحركة الشعبية –ش هي الأزمة الوطنية العامة والشاملة سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا، والتي وصلت الى مدى غير مسبوق بعد 28 عاما من إنقلاب الجبهة الإسلامية. الإنقسامات الحزبية صارت نتيجة لذلك ظاهرة سياسية عامة شملت تقريبا كل الأحزاب السودانية الرئيسية، بما فيها الحزب الحاكم، و ذلك بسبب ظروف المقاومة و العمل السري في ظل غياب الديمقراطية والحريات العامة الذي ينعكس بدوره في غياب المؤتمرات و تضيق حيز الممارسة الديمقراطية الداخلية، يضاف الى ذلك سياسات التفتيت و الإختراق الأمني للأحزاب. هناك أيضا في الخلفية العامة حالة التشظي وتعميق الإنقسامات المجتمعية على أسس إثنية وثقافية و جهوية، التي استمرت سياسات النظام تعمل على إحداثها في النسيج الاجتماعي الوطني (سياسة فرق تسد). فيما يخص الحركة الشعبية – ش دون غيرها، هناك إشكالات ومصاعب تنظيمية داخل الحركة الشعبية لا يمكن إنكارها و يعترف بها طرفا الخلاف: أبرز تجلياتها هو غياب هياكل تنظيمية رئيسية كمجلس التحرير القومي والتنظيمات الولائية في مناطق سيطرة النظام، و الفشل في عقد المؤتمر العام للحركة و الذي ترتب عليه عدم إجازة وثائق مهمة كالمنفستو..الخ. و هي عوامل ساهمت دون شك في تأجيج الأزمة الحالية. لكن الملاحظ أنه جرى توظيف هذه الإشكالات التنظيمية بكثافة من قبل المعارضين لرئيس و أمين عام الحركة (مع تركيزخاص على الأخير) بإعتبارهما المسؤلين (دون غيرهما) عن هذا القصور الإداري والتنظيمي. لكن الموضوعية تقتضي هنا توضيح ثلاث نقاط هامة: أولا: مع الإقرار بوجود عوامل ذاتية، هناك عوامل موضوعية ساهمت دون شك في خلق هذا المشاكل التنظيمية والإدارية، أهمها تفجر الحرب الثانية في يونيو 2011م والتي اعقبت مباشرة فك الإرتباط مع تنظيم الحركة الشعبية في الجنوب. الحرب المفروضة من قبل النظام فرضت بدورها ترتيبا جديدا للأولويات وضعت المهام العسكرية الميدانية والأمنية و الإنسانية والسياسة – خاصة المفاوضات – أولا، كما أن الظروف الأمنية التي خلقتها الحرب اثرت أيضا سلبا على مهام الإصلاح التنظيمي وعلى رأسها عقد المؤتمر العام. وفي إستقالة نائب الرئيس الثانية، هناك إقرار صريح منه بأن ظروف الحرب تحول دون عقد المؤتمر العام وإختيار ممثلين لشعب النوبة عن طريق الإنتخاب؛ ثانيا: الجانب الذاتي في هذه الإشكالات التنظيمية تتحمل المسؤلية عنه قيادة الحركة بالتضامن والإنفراد و يشمل ذلك بالطبع نائب الرئيس والذي سبقت الإشارة الى انه مسؤول عن تعطيل مبادرات إصلاحية مهمة ذات صلة على رأسها مبادرة تنحي الضباط الثلاث و تسليم القيادة لجيل جديد من عضوية الحركة. و محاولات تحميل المسؤلية عن المشاكل التنظيمية و الإدارية للرئيس و الأمين العام للحركة وحدهما دون غيرهما وأحيانا للأمين العام وحده، التي برزت إعلاميا مؤخرا مع تفجر الأزمة، تفتقد للحدود الدنيا من الجدية و الموضوعية معا؛ ثالثا (وهو الأهم): هذه المشاكل التنظيمية و الإدارية ليست السبب الرئيسي للأزمة: الأزمة لسيت مجرد أزمة إدارية وإنما لها بعد يتعلق بأجندة أفراد ومجموعة معينة سعت لعمل (إنقلاب) يغير جذريا بنية القيادة و يقصي الرئيس و الأمين العام للحركة كلية من المشهد السياسي. كذلك الأزمة لها بعد فكري واضح عبرت عنه توجهات و منطلقات هذه المجموعة، و ظهر في مطالبها وشعاراتها و على رأسها المطالبة بحق تقرير المصير. في رأي كاتب هذه السطور، لو كانت هذه الأزمة محض أزمة إدارية تنحصر في الفشل التنظيمي و الإداري للقيادة – كما تزعم بعض الأصوات – لكانت قد انتهت في اللحظة التي وضع فيها الرئيس و الأمين العام عرضهما التنحي طوعا عن القيادة وتسليمها لجيل جديد من أعضاء الحركة، مع الإلتزام بعدم الترشح لأي منصب تنفيذي في المستقبل. و لكن تم تجاهل ذلك العرض السخي واستمرت الأزمة و جرى فرض واقع جديد على الأرض، لأن هناك ما يقبع وراء الأكمة. و في رأيي أن الأزمة ما تزال حتى كتابة هذه السطور، قابلة للحل اذا توفر الحرص على وحدة الحركة و حسن النوايا و إستعداد كل طرف لتحمل مسؤليته كاملة، و تراجع مجلس التحرير الإقليمي عن قراراته وقبل فكرة المضي قدما لمؤتمر عام ينتخب قيادة جديدة دون الضباط القوميين الثلاثة؛ هذا إذا كانت فعلا مجرد خلافات إدارية وتنظيمية تتعلق بكيفية إدارة التنظيم و ملفات التفاوض والعلاقات الخارجية، وليس لها أبعاد فكرية تتعلق بأهداف الحركة و أبعاد سلطوية تتعلق بسيطرة جناح معين وإقصاء جناح آخر.

الأبعاد الفكرية للأزمة:المطالبة بحق تقرير المصير لإقليم جبال النوبة – جنوب كردفان

ارتبط مفهوم حق تقرير المصير في شكله التقليدي بفكرة تمكين الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) من تقرير مصيرها والحصول على استقلالها الوطني و تكوين دولة مستقلة ذات سيادة. حتى وقت قريب، كان أغلب فقهاء القانون الدولي يرون أن مبدأ حق تقرير المصير ليس له أى محتوى قانوني محدد باعتباره نظرية سياسية وأخلاقية لا يوجد تعريف قانوني دقيق لها (أيان براونلي). إلا أنه و منذ 1945م، أدت التطورات التي شهدتها الأمم المتحدة إلى إحداث تغيير راديكالي في هذه النظرة؛ حيث تم النص على مبدأ الحقوق المتساوية وتقرير المصير للشعوب في المادتين 1 و 55 من ميثاق الأمم المتحدة، و من ثم أصبح الفقهاء يعترفون بشكل عام بأن تقرير المصير مبدأ و حق قانوني للشعوب، وأن الجانب العام والسياسي للمبدأ لا يفقده محتواه القانوني. وقد اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات أكدت على حق الشعوب في تقرير مصيرها أبرزها (القرار رقم 545 الصادر في 5/ فبراير/1952، القرار رقم 637 /1952م، والقرار رقم 2625 الصادر في 24/أكتوبر/1970، القـرار رقم 2955 /1972م، و القرار رقم 3070 الصادر في 30/ أكتوبر/ 1973م). كذلك ورد النص عليه في المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م. و كنتاج لهذه التطورات أصبح حق تقرير المصير معترف به كأحد قواعد القانون الدولي العامة.

مع ذلك ظل هناك جدال بين فقهاء القانون الدولي حول من يملك المطالبة بهذا الحق و حول ممارسة هذه الحق داخليا في إطار الدولة الواحدة؛ حيث يرى بعضهم أن تمديد هذا الحق للأقليات في الدول المستقلة يؤدي إلي عدم الاستقرار في المجتمع الدولي، وأكدوا على ضرورة التضييق على مجال حق تقرير المصير، واقتصاره على محتواه الكلاسيكي في التحرر من الإستعمار. مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقد في جنيف 1993م حاول أن يحسم هذه الخلافات فقدم تفسيرا لمفهوم تقرير المصير شمل حق التحرر من الاستعمار الخارجي، حق الحفاظ على الاستقلال، الحق في حل الدولة وتغيير شكلها وطبيعتها كما حصل في الاتحاد السوفييتي و تشيكوسلوفاكيا، الحق في الانسحاب أو الانفصال كما حدث في بنغلادش وارتيريا، الحق في توحيد البلاد المقسمة كما حدث في ألمانيا، الحق في حكم ذاتي لمجموعات محدده ومعرفه إقليميا كما هو شائع في الاثنيات واللغة في إطار كنفدرالي، حقوق الأقليات والمجموعات التي لها وجود سياسي وقانوني كبير يحظى بإعتراف، و حق المصير الداخلي في حرية اختيار شكل الحكومة، وبشكل أكثر وضوحا الشكل الديمقراطي مثال “هاييتي.” و يمكن القول بأن تقدير درجة التعامل مع حق تقرير المصير للأقليات وفي الدول المستقلة سيكون وفقا لتقدير درجة ديمقراطية النظام السياسي وشرعية تمثيله من جهة، ومن جهة أخرى، إلى مدى اعتماد المجموعات والأقليات المطالبة بحق تقرير المصير على مصداقية تاريخية تسند هذا المطلب. و هناك شروط أخرى إجرائية تتعلق بالظروف التي يمارس فيها الحق والتي يكفل فيها حرية التعبير و التنظيم بما يضمن ان نتائج الإستفتاء على ممارسة الحق تعبر فعلا عن الإرادة الحرة لمن يمارسونه.

سوف يكون هناك دون شك مجالا كبيرا جدا للخلاف و الإتفاق بين وجهات النظر المتباينة عند محاولة تطبيق هذا الإطار القانوني-النظري العام على المطالبة المعينة الخاصة بمنطقة جبال النوبة- جنوب كردفان؛ فيما يتعلق بوجود مجموعة إثنية واحدة متميزة و معرفة إقليميا، مقابل وجود حالة تعدد إثني، وكذلك مدى توفر شرط الوجود التاريخي لكيان سياسي و قانوني كبيريحظى بدرجة من الإعتراف الداخلي. بمعنى أن تكون له حدود جغرافية محددة و معروفة تاريخيا و معترف بها (كما كان حال جنوب السودان)…الخ. تجب الإشارة أيضا الى انه تم الإعتراف سودانيا بحق تقرير المصير لكل المناطق المطالبة به (وفق شروط معينه) في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية 1995م.

مع ذلك يظل الإعتراف بحق تقرير المصير للشعوب كحق إنساني شيء، وإعتماده كمنفستو للحركة الشعبية- ش، (عمليا) لصالح منطقة معينة، شيء آخر. طرحت الحركة الشعبية لتحرير السودان و منذ إنطلاقتها الأولى في عام 1983م نفسها كتنظيم قومي مفتوح لكل السودانيين يعمل من أجل تحقيق هدف قومي مركزي وهو إعادة هيكلة السودان القديم لصالح بناء السودان الجديد العلماني الديمقراطي الموحد. و هذا هو بالضبط ما شكل قطيعة تامة مع تراث حركات التمرد في الجنوب التي كانت تحصر أهدافها في المطالبة بأنفصال الجنوب. والظروف التي جعلت الحركة و قائدها د. جون قرنق تقبل تبنى المطالبة بحق تقرير المصير في بداية تسعينات القرن الماضي، تحت ضغط تيار القوميين الجنوبيين، والتي تمت الإشارة اليها في مقدمة هذا المقال معروفة. ومنذ ذلك الحين، رأى كثير من المحللين أن برنامج الحركة صار ينطوي على هدفين متناقضين: الدعوة للسودان الجديد و المطالبة بحق تقرير المصير. وإن هذا التناقض الفكري هو المسؤل الأول عن كل الأزمات السياسية والتنظيمة التي شهدتها الحركة فيما بعد. الرحيل السريع والمفاجيء للشهيد جون قرنق و التطورات التي اعقبته ادت الى تقوية تيار القوميين الجنوبيين ذي النزعة الإنفصالية والذي ينحصر إهتمامه في المطالبة بممارسة تقرير المصير من أجل فصل الجنوب كدولة مستقلة. بعد إستقلال جنوب السودان والإقتتال الأهلي الدامي الذي اعقبه، باتت الحركة الشعبية-ش مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإجراء تقيم شامل لتجربة إنفصال الجنوب التي اعقبت الإستفتاء على تقرير المصير ولإتفاقية السلام الشامل 2005م التي قادت اليه، بدل أن تمهد الطريق لبناء السودان الجديد، وتحديد نصيبها من المسؤلية. وكذلك توضيح موقفها الفكري من قضية وحدة السودان، وذلك قبل أن تنجرف لتبنى مطالبة جديدة بإستفتاء على تقرير مصير مواطني منطقة أخرى.

في خطاب إستقالته المقدم لمجلس التحرير الأقليمي بتاريخ 7 مارس 2017م، ذكر الفريق عبد العزيز آدم الحلو: “يجب التأكيد على أن الحركة الشعبية لتحرير السودان لا زالت تعمل من أجل بناء سودان علمانى ديمقراطى موحد على أسس العدالة و المساواة و الحرية. و إذا تعذر ذلك و تمسك المركز بثوابته المتمثلة فى تحكيم قوانين الشريعة الإسلامية و كل القوانين الأخرى التى تفرق بين السودانيين على أساس العرق و الدين و اللون و الثقافة و اللغة و استمرار الإبادة بشكليها الثقافى و الحسى، فإن شعب النوبة، قد سبق أن طالب بحق تقرير المصير فى مؤتمر كل النوبة فى عام 2002 عندما تأكد من أن الاتفاق الإطارى لمشاكوس لم يلغ الشريعة الإسلامية فى الشمال و الذى يمثل أداة الاضطهاد الأولى. و ذلك المطلب بحق تقرير المصير ليس منقصة أو عيب أو جريرة يقوم بها شعب مضطهد فى وطنه، بل هو حق ديموقراطي للشعوب و منصوص عليه فى كل المواثيق و المعاهدات الدولية و مورس بواسطة عشرات الشعوب… و هو أداة للتحرر حتى من المركزية الداخلية عندما تفقد عقلانيتها و تتحول لمستعمر كما تم فى حالة جنوب السودان.” اذا وفق خطاب الفريق عبد العزيز آدم الحلو، العمل من أجل بناء السودان الجديد – وبالتالي عدم المطالبة بممارسة تقرير المصير لشعب النوبة – مشروط بعدم تمسك المركز بثوابته المتمثلة في الشريعة و حروب الإبادة..الخ. السؤال هل هناك من يتوقع أن تتخلى نخبة المركز طوعا، يوما ما، عن مشروعها التمكيني و شعارات الشريعة وحروبها الجهادية؟ كذلك ورد في قرارات مجلس تحرير أقليم جبال النوبة –جنوب كردفان (6-25 مارس 2017م): “عند مداولة وثيقة القضايا الإستراتيجية إتخذ المجلس وبالأغلبية العظمى قرار إعتماد مطلب حق تقرير المصير لشعب الإقليم إستناداً على المبررات التالية…”

في بيانه بتاريخ 5 يونيو2017م، اورد الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية الأسباب العملية التي تعترض المطالبة بتقرير المصير للمنطقتين ومنها: الدعوة لتقرير المصير ليست جزء من مشروع السودان الجديد، بل إن الإنفصال هو حد أدنى وأقل شأناً من مشروع السودان الجديد، ولم يطرح الشهيد الدكتور جون قرنق حق تقرير المصير الا في عام 1991م كمشروع للحفاظ على وجود القوميين الجنوبيين داخل الحركة، وانه (رئيس الحركة) قام بمناقشات عديدة مع الرفيق عبدالعزيز الحلو منذ تأسيس الحركة الشعبية في 10 أبريل 2011م في هذا الخصوص، وقد إعترض الرئيس والأمين العام على طرح حق تقرير المصير لأنه سيكون ضد سكان المنطقتين أولاً، وسيؤدي الي إهتزاز شامل في طرح فكرة السودان الجديد، وإنه ما عاد جاذباً بعد إنفصال الجنوب، وسيعزل الحركة الشعبية بإبعادها عن القوى الوطنية والديمقراطية وسيقسم الحركة الي جبال النوبة في إتجاه والنيل الأزرق في إتجاه آخر إذ لا حدود جغرافية مشتركة بينهما. كذلك أضاف انه في النيل الأزرق السكان الأصليين لن يكونوا أغلبية وبالإستفتاء سيتنزع هذا الحق منهم، وفي جبال النوبة/ جنوب كردفان سيشعل فتنة في أوساط النوبة أنفسهم لاسيما ان الأعداد الكبيرة من النوبة أنفسهم من سكان المدن، والذين لديهم مصالح مرتبطة مع باقي سكان السودان، ثم إنه سيحرض القبائل العربية وآخرى غير العربية (الفلاتة والبرقو والتاما…الخ) في المنطقتين، وربما سيؤدي الي تعبئة ذات خطوط إثنية شبيهة لما حدث في دارفور، وسيبعد جميع أعضاء الحركة الحقيقيين الذين ينتمون الي خارج المنطقتين، وبعد تجربة الجنوب لن تجد الدعوة لحق تقرير المصير سند إقليمي ودولي، وقضية الجنوب ذات تاريخ مختلف ووقائع مختلفة عن قضية المنطقتين فيما يتعلق بالتأييد الإقليمي والدولي، و الإستفتاء في الجنوب لم يتشارك فيه أحد غير الجنوبيين بخلاف الوضع هنا..، وحدود المنطقتين الجغرافية ليست كحدود الجنوب وغير متفق عليها، والمطالبة بحق تقرير المصير ستطيل أمد الحرب مما يؤدي الي إرهاق المقاتلين في داخل المنطقتين، والحرب تحتاج أهداف واضحة وقاطعة، وهي ليست بنزهة. و في بيانه بتاريخ 9 يونيو 2017م، اوضح الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية – ش أن “حق تقرير المصير قضية تحتاج الي مناخ ديمقراطي ومناقشة واسعة داخل المنطقتين، موقفي والأمين العام وكثير من قادة وأعضاء الحركة أن نتمسك برؤية السودان الجديد ووحدة السودان على أسس جديدة دون المراوحة والتارجح بين حق تقرير المصير ووحدة السودان كما حدث في الماضي، وهذه هي أيضا إحدى قضايا الخلاف مع الرفيق عبدالعزيز آدم الحلو.”

وأضاف بيان 5 يونيو 2017م بأن قضية حق تقرير المصير يجب أن تطرح وتدرس بعناية وبموضوعية، ويقرر قادة الحركة في المنطقتين بعد ذلك ماذا يريدون؟ دون تهييج أو عواطف إنما بعقل وحسابات باردة، والتجارب من حولنا كثيرة، وأن رئيس الحركة والأمين العام يؤيدان الحكم الذاتي ، الذي يعطي أهل المنطقتين حق حكم أنفسهم بأنفسهم بمافي ذلك السلطات التشريعية في إطار سودان لا مركزي موحد، تحدد درجة لا مركزيته الأقاليم المختلفة، مع أخذ خصوصيات المنطقتين في الإعتبار ومعالجتها، وهذا لا يسقط حق المنطقتين في قضايا التغيير في كل السودان، بل والنضال من أجل ومع كآفة بنات وابناء السودان، وهذه هي رؤية السودان الجديد بعينها.

إذا المطالبة بحق تقرير المصير لإقليم جبال النوبة – جنوب كردفان التي وردت في إستقالة نائب رئيس الحركة الفريق عبد العزيز الحلو و تبنتها قرارات مجلس التحرير الإقليمي، جاءت دون أن تخضع هذه القضية المصيرية للدراسة والنقاش الكافي داخل مؤسسات الحركة الشعبية – ش، وحتى عندما نوقشت داخل القيادة رفضت من قبل الغالبية، وأنها طرحت بطريقة استهدفت فرضها كأمر واقع قبل عقد المؤتمر العام للحركة الذي تقرر عقده. فإذا كانت هناك رغبة جادة لعقد مؤتمر عام للحركة وكونت لجنة لإعداد مسودة منفستو ليجيزه ذلك المؤتمر، فلماذا يتم حسم قضية بحجم المطالبة بحق تقرير المصير ببيان يصدره مجلس إقليمي ولا تترك للمؤتمر العام؟ لا شك أن تبنى قضية تقرير المصير لإقليم جبال النوبة – جنوب كردفان وإعطاءها أولوية على تحقيق هدف السودان الجديد الموحد يغير طبيعة وهدف الكفاح المسلح، وكما جاء في بيان رئيس الحركة، فإنه أيضا يحول الجيش الشعبى لتحرير السودان الى جيش يقاتل لفصل جزء من البلاد. و سيؤدي ذلك أيضا الى تحويل الحركة الشعبية – شمال من حركة قومية تقود حركة المقاومة المدنية والمسلحة الهادفة الى أحداث التغيير و تحقيق التحول الديمقراطي الى حركة ذات نزعة إقليمية إثنية، مما سيؤدي الى عزل الحركة عن قوى التغيير في البلاد. لذلك لن يكون هناك مستفيد من هذه التحولات سوى نظام التمكين الإسلاموي الحاكم في الخرطوم. الذي لا جدال حوله، أن النظام استمر طوال تاريخه يعمل على تقزيم الحركة الشعبية وكافة حركات المقاومة المسلحة في الهامش من خلال دفعها بإتجاه أن تظل حركات إقليمية تنحصر أجندتها في المطالب الخاصة بأقاليمها ولا تتطور لحركات قومية تتبنى أي أجندة قومية تهدد المركز. لذلك ليس مستغربا أن يكون النظام أول من يرحب بأي طرح يأتي من قيادة الحركة الشعبية في هذا الإتجاه. وكان الشهيد جون قرنق برؤيته الثاقبة أول من أشار الى ذلك التناقض. فعندما طالبت حكومة الإنقاذ الدخول في مفاوضات مع الحركة الشعبية في الأسابيع الأولى التي اعقبت الإنقلاب ((لحل مشكلة الجنوب))، سجل الشهيد قرنق إعتراضه المبدئي على الإفتراض والزعم الضمني الزائف بأن البشير يتحدث نيابة عن كل السودان بينما يمثل قرنق الجنوب فقط، و ذلك في رسالة بثتها إذاعة الحركة الشعبية في 10 أغسطس 1989م، حيث ذكر قرنق: “يعتقد عمر البشير أنه القومي السوداني بينما نحن في الحركة الشعبية الجنوبيون، ووفقا لقناعته تلك فإن كل المطلوب هو أن يجلس مع جون قرنق الذي يمثل الجنوب بينما يمثل هو السودان.. وطرح قرنق سؤاله الساخر: هل كلف البشير ذاته عناء أن يطرح على نفسه السؤال حول الأسباب التي جعلته هو “السوداني” و جون قرنق “الجنوبي؟”” لقد بات واضحا لكل متابع وبعد 28 عاما من حروب الإبادة وفشل النظام في القضاء على المقاومة المسلحة و المدنية في الهامش، أن النظام يسعى ويعمل على دفع شعوب الهامش للمطالبة بالإنفصال، حتى لا يحدث تغيير في المركز “التمكيني”، بذات الأسباب والدوافع التي وقفت وراء فصل الجنوب: ((إستراتيجية مثلث حمدي)). و ما حدث و يحدث الآن لمواطني دارفور – على سبيل المثال – من إبادة و قتل على الهوية، وإغتصابات جماعية وإحتلال للأرض وتهجير قسري لسكانها الأصليين وإستهداف عنصري للطلاب في الجامعات وصل حد مهاجمة داخليات الطالبات في قلب العاصمة..الخ لا يمكن فهم ذلك إلا في إطار هذا السياسة الرسمية التي صممت لتعمل على دفعهم دفعا للمطالبة بتقرير المصير والإنفصال. إذا على كل طرف في هذه الأزمة أن يسائل نفسه بنفسه دون مداورة عن موقع و موقف توجهاته من إستراتيجية مثلث حمدي.

من الأسئلة الفكرية التي اثارتها الأزمة أيضا السؤال حول الموقف الفكري والسياسي للحركة من الدور المتعاظم للإثنية في السياسة السودانية الذى تم إيراده كسبب وحيد في إستقالتي نائب رئيس الحركة الأولى والثانية وسبب رئيسي في إستقالته الأخيرة. حديث الفريق عبد العزيز الحلو الداعي للإعتراف بالدور المتعاظم للإثنية في السياسية السودانية يثير أسئلة عديدة حول مدى إنسجام هذه الرؤية مع برنامج الحركة الشعبية – ش المعلن. أثننة السياسة السودانية واقع تم إنتاجه و تكريسه بفعل فاعل و ليس ظاهرة طبيعية كالمطر والجبال: النظام الحاكم هو الذي اعتمد سياسة العنصرية المؤسسية الرسمية التي تمارسها أجهزة الدولة و مسؤليها الكبار (مثال حديث الغرباوية)، و تعميق حدة الإنقسامات الإثنية في المجتمع وإستثمار الورقة الأثنية، خاصة بعد سقوط ورقة الدين والجهاد بعد فصل الجنوب، وحوجة النظام لدافع ايديولوجي لحشد المقاتلين في حرب الإبادة الثانية في دارفور “المسلمة”، فلم يجد غير إشعال الفتنة الإثنية والعرقية وتقسيم أهل الهامش الى عرب وزرقة، ليتولوا مهمة إبادة بعضهم بعضا، لأجل أن يبقى النظام مسيطرا على المركز. الورقة الإثنية ظل يستخدمها إعلام النظام الحاكم أيضا بكثافة ضد الحركة الشعبية – شمال نفسها بهدف ضرب وحدتها الداخلية، خصوصا في حملته ضد الأمين العام للحركة الذي كان إعلام النظام لا يمل من تكرار لازمة أنه لاينتمي للمنطقتين ولا يحق له بالتالي التحدث بإسمهما. الورقة الإثنية ظلت أيضا الورقة المفضلة والأثيرة لدى القوميين النوبة والذين لا تعنى السياسية عندهم شيئا اخر سوى الإثنية؛ و ظلوا يستخدمونها ضد نائب الرئيس نفسه كما ورد في خطاب إستقالته. على ضوء ذلك يثور السؤال حول موقع و دورالحركة الشعبية و برنامجها تجاه أثننة السياسة السودانية: هل تكافح من أجل فصل الإثنية عن السياسة كما هو موقفها من فصل الدين عن السياسة لصالح المواطنة المجردة المبنية فقط على الإنتماء للأرض، أم تعمل على الإعتراف بدور الإثنية السياسي و تكريسه؟ اعتقد أن الإجابة موجودة في رؤية السودان الجديد. و مع الإعتراف بعدالة المطالبة بأن يعكس تمثيل إي إقليم في مؤسسات الحركة القيادية ثقله العددي النسبي، فإن المعيار لذلك لاينبني بداهة على أسس أثنية، و إلا لشكل مصادرة للأسس المركزية لرؤية السودان الجديد العابرة للإثنيات والثقافات والأديان و الجهويات.

الأزمة اثارت أيضا سؤال الديمقراطية الداخلية في الحركة الشعبية-ش و تمتع جميع الأعضاء بحقوق عضوية وأصوات متساوية، و أنهم يحملون أسهما متساوية ولا وجود لدرجات عضوية ممتازة وأخرى عادية. الحجج التي قدمت كمبررات لقيام مجلس التحرير الإقليمي بإعطاء نفسه صلاحيات قومية تتجاوز إختصاصه الإقليمي وإصدار القرارات التي أصدرها، تطرح هذا السؤال بقوة. تركزت هذه الحجج حول الثقل العددي لأبناء الأقليم في الحركة والجيش الشعبي و سبقهم التاريخي و عظم التضحيات والمساهمات التي قدمها الإقليم للثورة. كل هذه المبررات – مع صحتها – لا تمنح أعضاء الحركة في إقليم جبال النوبة – جنوب كردفان، دون غيرهم من الأعضاء في سائر أنحاء السودان، الكلمة العلياء و النهائية في التقرير في شئؤون الحركة الفكرية و السياسية والتنظيمية و عزل قيادتها، وإلا صار هناك أعضاء درجة أولى و أعضاء من الدرجة الثانية. لذا حاجج البعض بأن هذه المبررات و المنطق الذي تقف عليه تتناقض جذريا مع أساسيات رؤية السودان الجديد، التي يشكل مبدأ حقوق المواطنة المتساوية دون أدنى تمييز حجر الزاوية فيها. إذا كانت الحركة الشعبية لا تمنح حقوق عضوية متساوية داخل تنظيماتها لكل عضويتها، فإنه لا يمكنها أن تدعو الى تحقيق المواطنة المتساوية وإزالة التمييز والتهميش؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. و كما ورد في بيان رئيس الحركة الشعبية (17 يونيو 2017م): “لايمكن القبول بالتهميش داخل مؤسسات المهمشين والتي في الأصل نشأت لإبطال كآفة أشكال التهميش.”

الأزمة اثارت أيضا سؤال صناعة القائد الفرد و خطر الإنزلاق للدكتاتورية. لم تتردد بيانات رئيس الحركة في وصف ما حدث بكونه إنقلابا، والإنقلاب بالتعريف هو فعل معادي بطبيعته للديمقراطية وحكم المؤسسات و منتج للدكتاتورية. يمكن النظر لحل القيادة الجماعية للضباط القوميين الثلاثة للحركة وهم المتقاربون تاريخا كفاحيا و عمرا و تجربة لصالح تنصيب و تفويض قائد فرد لا انداد له، بأنه صناعة لظاهرة القائد الأحد الفرد الذي تقابل كل أراءه بالسمع و الطاعة. واضح من قراءة الوثائق التي استعرضناها، أن العديد من آراء نائب الرئيس الخلافية كانت تمثل رأيا فرديا او رأي أقلية وسط عضوية المجلس القيادي، وكان يصر عليها مع ذلك. ولكن كان ذلك يدل على وجود رأي و رأي آخر و نوع من توازن القوى و الرقابة المتبادلة داخل مؤسسة القيادة: فالإختلافات ليست كلها محض شر مستطير ولكنها أمر طبيعي وأحيانا هي دليل حيوية و عافية. و كفاءة و قوة التنظيم أي تنظيم ليست في خلق حالة تنعدم فيها الإختلافات فهذا غير ممكن، وإنما هي في قدرته على إدارة هذه الخلافات بطريقة ديمقراطية، دون أن يحدث عطل في ماكينة التنظيم او إنقسام.

نواصل.



المصدر:


https://www.hurriyatsudan.com/?p=226627
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ماذا حدث و يحدث داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟

بقلم: ناصف بشير الأمين


(4)





خاتمة

في الجزء الأول من هذا المقال، قدمنا تلخيصا للوقائع و الأحداث الرئيسية لأزمة الحركة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وذلك بالإعتماد على الوثائق والبيانات الصادرة من طرفي الخلاف كمصادر أولية. بدأت هذه الأزمة بتقديم نائب رئيس الحركة الفريق عبد العزيز آدم الحلو لإستقالته للمرة الثالثة (خلال حوالي عامين) في 7 مارس 2017م. تضمن ذلك سردا لأسباب هذه الإستقلات حسب ما جاءت في خطابات الإستقالة و التي تضمنت أيضا إتهامات محددة لرئيس الحركة وأمينها العام وردت في خطاب في الإستقالة الثالثة. تناول الجزء الأول كذلك قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة – جنوب كردفان القاضية بإعفاء رئيس الحركة وأمينها العام من مواقعهما ومنعهما من دخول المناطق المحررة، وحل المجلس القيادي للحركة و تعين نائب الرئيس رئيسا للحركة. وتضمن أيضا رد رئيس الحركة وأمينها على ما ورد في إستقالة نائب الرئيس و التهم الموجهة اليهما ورؤيتهما لطبيعة الخلاف وأسبابه، وردهما على قرارات مجلس التحرير الإقليمي.

الجزء الثاني من المقال حاول الإجابة على سؤال مدى شرعية قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة. ركز هذا الجزء على القيام بتحليل قانوني لمدى دستورية تلك القرارات على ضوء نصوص دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان-ش لسنة 2013م والأعراف التنظيمية المستقرة. ابرز التحليل القانوني المسائل التي تدخل في، وتلك التي تخرج عن إختصاصات و صلاحيات مجالس التحرير الإقليمية المنشأة بموجب الدستور، وحدد الهيئة القومية المختصة بالتقرير في أمر إقالة رئيس الحركة ونائب الرئيس والأمين العام، وهي المؤتمر العام. كذلك امتد التحليل الى مضمون قرارات المجلس الإقليمي لفحص الإجراءات التي اتبعت في إصدارها ومدى إستنادها على تحقيق شامل محايد و شفاف يأخذ في الإعتبار وجهتي نظر الطرفين، و كذلك الشروط الإجرائية المتعلقة بمدى قانونية الدعوة لإجتماع المجلس الثاني و نصابه.

الجزء الثالث تناول بالتحليل السياق العام السياسي والإجتماعي و الإقتصادي للأزمة وأسبابها المباشرة. ابرز التحليل عامل الإشكالات والمصاعب التنظيمية و الإدارية الداخلية في تنظيم الحركة، و الأطراف المسؤلة عنها، ومدى مساهمتها في خلق الأزمة الحالية. جرى التركير في هذا الجزء التحليلي على إبراز الجوانب الفكرية المتصلة بأهداف الحركة و رؤيتها والتي تشكل موضوع الخلاف و المحرك الرئيسي في هذه الأزمة، وهي تشمل قضايا الإلتزام بوحدة السودان على أسس جديدة مقابل المطالبة بممارسة تقرير المصير، وقضايا الديمقراطية الداخلية والموقف من تصاعد دور الإثنية في السياسية السودانية، مع تركيز خاص على قضية حق تقرير المصير بجوانبه النظرية والتطبيقية.

الخلاصة

خلاصات هذه الدراسة يمكن تلخيصها في الآتي:

لم يتم النظر للخلاف بين رئيس الحركة وأمينها العام من جانب ونائب الرئيس من جانب آخر بإعتباره مجرد إختلاف طبيعي في وجهات النظر بين رفاق الكفاح؛ ولكن جرى النظر للخلاف من خلال عدسات نظرية المؤامرة وفي ظل الغبار والدخان الكثيف الذي يحجب الرؤية الموضوعية، والناتج عن مناخ الإستقطاب والشيطنة والتخوين والتعبئة الإثنية الذي عمل على تصعيده بشكل خاص تيار القوميين النوبة. فتم تصويره طبقا لذلك كصراع بين الخير والحق وملائكته والشر و الباطل و شياطينه، بين البطل المنقذ الذي سوف يأتي على حصانه المجنح فيهزم الأعداء بضربة سوط ويأتي بتقرير المصير للمنطقتين ويبقي على الجيشين ويبنى السودان الجديد العلماني ويملآ الأرض عدلا ولبنا وقمحا وعسلا، و في الجانب الآخر الخونة الذين باعوا القضية و الجيش الشعبي للعدو وقبضوا ثمنهما. هذه النظرة السريالية التي تذكرنا ببرنامج دقيقتي الكراهية المخصص “للخائن العميل” قولدنشتاين في رواية جورج أوريل 1984، يلخصها ما ورد في البيان الختامي لإجتماع القادة العسكريين والسياسيين والأدارات المدنية بإقليم جبال النوبة / جنوب كردفان، الصادر بتاريخ 7 يوليو 2017م، والذي نورد ما جاء فيه حرفيا: “التأكيد بما لا يدع مجالا للشك وفقاً للوثائق المتوفرة بأن الرئيس والامين العام السابقين المقالين، قد عقدوا صفقات سرية مع جهات معلومة بغرض التخلي عن حمل السلاح والجيش الشعبي لتحرير السودان، مما يعتبر خيانة للمشروع والرؤية والاهداف ودماء الشهداء.” كان و ما يزال معظم المراقبين المحايدين يتوقعون ان يخرج العقلاء رؤوسهم من ذلك الصندوق المعبأ بدخان التعبئة والإستقطاب الذي يحجب الرؤية المحايدة والموضوعية. وأن يفكروا و ينظروا خارج ذلك الصندق المفخخ ليروا طرفي الخلاف على حقيقتهم البشرية لا ملائكة ولا شياطين؛ ويروا الخلاف على حقيقته الموضوعية كخلاف في وجهات النظر حول قضايا محددة، قد يخطيء فيها أي طرف وقد يصيب. لربما كانوا قد وجدوا إجابات على الأسئلة المركزية التي تطرحها هذه الأزمة ومنها: هل ما حدث هو صراع بين أبطال و خونة، أم هو خلاف حول قضايا فكرية و سياسية و تنظيمية محددة؟ و هل ما حدث هو تصحيح للمسار أم إنقسام وصل درجة الإقتتال على أسس قبلية في النيل الأزرق؟ وهل الحركة الشعبية-ش أقوى حاليا بعد هذه القرارات أم اضعف؟ ولأمكن بالتالي إحتواء الخلاف وحقن الدماء ومنع الإنقسام و الحول دون منح أعداء الحركة الحقيقين نصرا مجانيا.

الواقع أن تهم الخيانة وعقد صفقات سرية مع النظام لتجريد الجيش الشعبي من سلاحه الموجهة لرئيس الحركة وأمينها العام، والتي وردت في إستقالة نائب الرئيس وإستند عليها مجلس التحرير الإقليمي كجزء رئيسي من حيثيات قراراته، تفتقد لأي أساس موضوعي، وهي تكشف عن أزمة الطرف الثاني الذي إعتمد على إستراتيجية التخوين وإغتيال الشخصية لتسهيل عملية إقصاء الأمين العام للحركة ثم الرئيس، و ذلك بدل طرح قضايا الخلاف الحقيقية بوضوح وشجاعة. في هذا الخصوص يتوجب إبراز الحقائق الآتية: أولا: ليس هناك إتفاق سري عقده وفد الحركة الشعبية –ش المفاوض او أيا من أعضاءه منفردا مع النظام، و لا يوجد غير وثائق المفاوضات المنشورة في الإعلام طوال جولات التفاوض، ولم يقدم نائب الرئيس و مؤيدوه أي دليل على هذا الإتهام الخطير، وهناك أعضاء في وفد التفاوض يقفون الآن مع نائب الرئيس؛ ثانيا: ما طرحه وفد الحركة الشعبية المفاوض في أغسطس 2016م، ردا على مطالبات الوفد الحكومي، كان عبارة عن مقترح إطار مباديء للترتيبات الأمنية وليس إتفاق، وإحتفظ الوفد بحقه في طرح مبادئ آخرى لاحقا، وعند طرح هذا المقترح بمبادئه الخمس الواردة في الجزء الأول من هذا المقال إنسحب الفريق عماد عدوي، وقبل الوفد الحكومي بعدها بالرجوع لوثيقة وقف العدائيات كما هي دون الحديث عن مباديء الترتيبات الأمنية النهائية. وهذه حقائق معلومة و منشورة و ملكت للرأي العام في وقتها. إذا الأمر لا يعدو كونه مقترح مباديء إطارية رفضه الوفد الحكومي؛ ثالثا: الجيش الشعبي الذي إستخدم كورقة وكموضوع لتهم الخيانة وتصفية الحسابات لم يكن طرفا في الأزمة و ظل محايدا، و لم تصدر عنه أي قرارات ذات صلة الا بعد إجتماع المجلس العسكري في 15-16 يونيو 2017م، و لعل سبب ذلك الموقف يعود لحقيقة وجود رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي اللواء جقود مكوار و نوابه كأعضاء في المجلس القيادي للحركة وكذلك كأعضاء في وفد التفاوض خاصة في جولات التفاوض الخاصة بوقف العدائيات وبند الترتيبات الأمنية، و لذلك هم على دراية كاملة بعدم صحة تلك الإتهامات الخاصة بعقد الرئيس والأمين العام للحركة صفقات سرية لتجريد الجيش الشعبي من سلاحه؛ رابعا: قراءة وثائق الأزمة تكشف أن رئيس الحركة و أمينها العام لم ينزلقا الى مجاراة الطرف الآخر في لعبة التخوين والشيطنة والشتائم، وإنما إختارا بدلا من ذلك العمل على إبراز الوقائع ونقاط الإختلاف بشيء من التفصيل و درجة من الموضوعية. الحركة الشعبية لم تكن إذا إستثناءا من طرق و مناهج أحزاب المركز التقليدية والحديثة في إدارة خلافاتها الداخلية التي لاتنتهي، فهي جميعا دون إستثناء تعتمد إستراتيجية الشيطنة والتخوين لإقصاء المختلفين، بدلا عن طرح قضايا الخلاف الحقيقية بطريقة شجاعة وعقلانية. لذلك في تقدير كاتب هذه السطور، أن اللجوء لأسلوب التخوين والتصعيد في هذا الجانب قصد به التغطية على قضايا الخلاف الأساسية.

من منظور قانوني، القرارات التي أصدرها مجلس تحرير إقليم جبال النوبة – جنوب كردفان بإعفاء رئيس الحركة وأمينها العام وتعيين رئيس جديد لها وحل مجلسها القيادي تعتبر غير دستورية، بسب تعارضها الواضح من نصوص الدستور والأعراف التنظيمية المستقرة. مجلس تحرير أقليم جبال النوبة – جنوب كردفان –وكذلك سائر مجالس التحرير الإقليمية – تنحصر سلطاته وصلاحياته، حسب المادة 15(5) من الدستور، في نطاق دائرة إختصاصه الإقليمي؛ لهذا السبب فإن المجلس الإقليمي لا يملك سلطة إصدار القرارات التي إصدرها، لأنها تتعلق بشئون قومية خارجة عن نطاق إختصاصه الإقليمي. و حسب نصوص المواد 20(ح)، 21(ح) و 22(ح) من دستور الحركة لسنة 2013م، ينعقد إختصاص إعفاء رئيس الحركة او نائب الرئيس او الأمين العام لجهة واحدة على سبيل الحصر وهي المؤتمر القومي العام، ويمارس في حالة واحدة و هي فقدان الأهلية حسب شروطه المنصوص عليها في الدستور، و يتخذ القرار بنصاب عالي جدا و هو أغلبية ثلاثة أرباع جميع الأعضاء (وليس الحاضرين) وهو تشديد مقصود من الدستور. إضافة لما تقدم، إستندت قرارات المجلس الإقليمي على ما ورد في إستقالة نائب الرئيس وحدها دون غيرها و لم تستند إلى تحقيق شامل محايد و شفاف يأخذ أيضا في الإعتبار وجهة نظر الطرف الآخر ورده على التهم الواردة في إستقالة نائب الرئيس، وهو يعتبر لذلك إجراءا معيبا، يطعن في قانونية القرارات من ناحية موضوعية، بسبب إفتقادها التسبيب الموضوعي و الوزن السليم للبينات والوقائع ذات الصلة. كذلك صاحبت إنعقاد إجتماع المجلس الثاني مخالفات إجرائية تتعلق بمصدر الدعوة للإجتماع وعدم إكتمال نصابه.

عدم دستورية قرارات مجلس التحرير الإقليمي يعطي التكييف الوارد في خطاب رئيس الحركة لما حدث بأنه “إنقلاب” أساسا دستوريا. و ما الإنقلاب سوى فرض أمر واقع قسريا على مؤسسة ما، من خارج الأطر الشرعية و الدستورية القائمة. التبريرات التي حاولت جاهدة أن توجد نوعا من الشرعية لهذه القرارات بالإستناد الى ما اسموه الشرعية الثورية التي يبررها منطق الثورة و ظروف الكفاح المسلح، تعزز هذا الرأي. يعزز هذا الرأي أيضا التشدد غير المبرر بحق رئيس الحركة و أمينها العام الذي انطوت عليه قرارات المجلس الإقليمي، التي لم تكتف بإقالة االرئيس و الأمين العام وإنما زادت عليه منعهما من دخول المناطق المحررة. ألا يتوجب على مجلس التحرير الإقليمي، حتى وهو يصدر قرارا بإعفاء رئيس الحركة وأمينها العام، ان يعاملهما بالتقدير والإحترام الواجبين وبالطريقة التي تحفظ كرامتهما كأفراد أولا، و تراعى مكانة والإحترام الواجب للموقع القيادي في هرم تنظيم الحركة والجيش الشعبي الذي يشغلانه، وتأخذ في الإعتبار تاريخهما الطويل ومساهماتهما الكبيرة في مسيرة الثورة لما يزيد عن 30 عاما؟ خاصة وأن رئيس الحركة و الأمين العام كانا قد ابديا رغبتهما في التنحي طواعية عن قيادة الحركة وإفساح المجال لجيل جديد ليتولي القيادة، منذ سبتمبر 2016م. لكن مقابلة ذلك العرض بالتجاهل والإستخفاف ومعاملة الإثنين بهذه الطريقة، لا يكشفان عن شيء سوى الرغبة في إقصاء الرئيس و الأمين العام للحركة بشكل تام و نهائي من المشهد السياسي و التنظيمي، وإنفراد مجموعة معينة بقيادة الحركة، و هل يعنى الإنقلاب شيئا آخر غير ذلك؟

مع الإعتراف بحق تقرير المصير كحق إنساني، الإ ان تبنيه والمطالبة به من قبل الحركة الشعبية-ش لإقليم جبال النوبة او المنطقتين يعترضه عدد من المصاعب التطبيقية والمخاطر والصعوبات العملية. سوف يؤدي طرح حق تقرير المصير الي إهتزاز شامل في طرح فكرة السودان الجديد، خاصة بعد إنفصال الجنوب، وسيعزل الحركة الشعبية عن القوى الوطنية والديمقراطية الساعية للتغيير والتحول الديمقراطي، وسوف يقسم الحركة الي جبال النوبة في إتجاه والنيل الأزرق في إتجاه آخر،لاسيما وأنه لا توجد حدود جغرافية مشتركة بينهما. يضاف الى ذلك واقع التنوع الإثني في المنطقتين و الخوف من أن تؤدي المطالبة بالحق الى فتنة ونزاعات إثنية شبيهة بما حدث ويحدث في دارفور. كذلك الخلافات المتوقعة في أوساط النوبة أنفسهم، آخذين في الإعتبار إن نسبة كبيرة جدا من شعب النوبة هم من سكان المدن الذين لديهم مصالح مرتبطة مع باقي سكان السودان، وسيبعد أعضاء الحركة الذين ينتمون الي خارج المنطقتين. يضاف الى ذلك أن حدود المنطقتين الجغرافية ليست كحدود الجنوب وغير متفق عليها. كذلك لا يتوقع أن تجد الدعوة لحق تقرير المصير سندا دوليا و إقليميا بعد تجربة الجنوب.

تبني قضية تقرير المصير وإعطاءها أولوية على تحقيق هدف السودان الجديد الموحد سوف يغير أيضا دون شك طبيعة وهدف الكفاح المسلح، وكما جاء في بيان رئيس الحركة، فإنه أيضا يحول الجيش الشعبى لتحرير السودان -ش الى جيش يقاتل لفصل جزء من البلاد. و سيؤدي ذلك أيضا الى تحويل الحركة الشعبية – شمال من حركة قومية تقود حركة المقاومة المدنية والمسلحة الهادفة الى أحداث التغيير و تحقيق التحول الديمقراطي الى حركة ذات نزعة إقليمية إثنية، مما سيؤدي الى عزل الحركة عن قوى التغيير في البلاد. المطالبة بحق تقرير المصير لإقليم جبال النوبة – جنوب كردفان التي وردت في إستقالة نائب رئيس الحركة الفريق عبد العزيز الحلو و تبنتها قرارات مجلس التحرير الإقليمي، جاءت أيضا دون أن تخضع هذه القضية المصيرية للدراسة والنقاش الكافي داخل مؤسسات الحركة الشعبية – ش، و طرحت بطريقة فوقية استهدفت فرضها كأمر واقع قبل إنعقاد المؤتمر العام للحركة.

رؤية السودان الجديد التي طورها الشهيد د. جون قرنق طرحت في الأصل كمضاد لسياسات الهوية والإثنية وتسيس الدين التي تتبناها تاريخيا قوى المركز التقليدية؛ وطرح في مواجهة ذلك الإعتراف بواقع التنوع الإثني والديني والثقافي في السودان وجعل المواطنة المرتبطة بالإنتماء المجرد للأرض أساسا للحقوق والواجبات دون تمييز. الأسئلة التي اثارتها الأزمة حول إعتراف الحركة بالدور المتعاظم للإثنية في السياسة السودانية، تثير بدورها السؤال عما إذا كانت تلك بمثابة دعوة لإعادة النظر في أساسيات رؤية الحركة. هذه الدعوة التي وردت في كل إستقالات نائب رئيس الحركة جاءت في سياق مطالبته بتمثيل أبناء جبال النوبة في القيادة وإنه إستقال من موقع نائب الرئيس – الذي لايستحقه حسب تعبيره- بغرض منح ذلك الموقع للنوبة. الا يثير ذلك سؤالا فقط من باب المنطق الصوري: كيف استحق نائب الرئيس الآن موقع الرئاسة إذا كان يرى أنه لا يستحق موقع نائب الرئيس؟ لكن فلنتجاوز هذا السؤال المنطقي لثانويته لفائدة التركيز على السؤال الرئيسي الذي نحن بصدده. المطالبة بعدالة تمثيل أي إقليم وذلك بأن يعكس تمثيله في مؤسسات الحركة القيادية ثقله العددي النسبي، مطالبة عادلة ومشروعة. ولكن عدالة التمثيل لا تتطلب إعترافا وتكريسا للدور الإثني في السياسية لأن المعيار لعدالة تمثيل الإقاليم او المكاتب الخارجية او غيرها من تنظيمات الحركة القاعدية لا ينبني بداهة على أسس أثنية، وإنما يتم على أساس عددي رياضي بحت. وهو لذلك نتيجة تتحقق اتوماتيكيا في حال تكونت المؤسسات القيادية كنتاج لإنتخابات ديمقراطية نزيهة من المؤتمرات القاعدية، دون حاجة لإثارة هذا النوع من الإسئلة. لكن نتائج التمثيل الديمقراطي العادل الذي يعكس الثقل العددي لايتطابق بالضرورة مع الخلفية او التركيبة الإثنية لإقليم ما مثلا. فقد تختار الغالبية ممثلا لها لا ينتمي للغالبية الإثنية في الإقليم، كما هي حالة نائب الرئيس نفسه، وهذه هي بداهات رؤية و مشروع السودان الجديد! السؤال الذي يفرض نفسه هنا؛ الا تشكل دعوة نائب الرئيس (مقرؤة مع المطالبة بتقرير المصير) تبنيا ل او تماهيا مع طرح القوميين النوبة الذين لا تعنى السياسية عندهم شيئا اخر سوى الإثنية؟ والذين تتعارض توجهاتهم الإنعزالية تعارضا واسعا مع رؤية السودان الجديد الموحد؟، والذين ظلوا يستخدمون الورقة الإثنية بطريقة إبتزازية ضد نائب الرئيس نفسه، كما ورد في خطاب إستقالته؟ الواقع أن القوميين النوبة هم الذين تولوا قيادة الحملة الإعلامية والتعبئة الإثنية ضد رئيس الحركة وأمينها العام خلال هذه الأزمة في المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي. استهدف خطابهم بشكل خاص إغتيال شخصية الأمين العام للحركة وتصعيد حالة الإستقطاب والتعبئة الإثنية ضده من خلال إنتاج صورة نمطية له “جلابي” معادي لتطلعات أبناء جبال النوبة، هذا بالإضافة الى خطاب الشيطنة والتخوين وتهم عقد الصفقات السرية مع النظام الحاكم التي تهدف الى بيع القضية و تصفية الجيش الشعبي..الخ! لذلك فإن المتوقع حسب المجرى الطبيعي للإمور- اذا حدث الأسوأ وتم تكريس الإنقسام في الحركة كأمر واقع لجهة بروز حركتين (وهو أمر ما يزال بالإمكان تجنبه)- فإن الساحة ستشهد سيطرة القوميين النوبة على الحركة الشعبية التي يقودها الفريق عبدالعزيز الحلو وما يترتب علي تلك السيطرة من نتائج و ذلك لثلاث أساب؛ أولا: لأن تيار الفريق الحلو قد تبنى عمليا أجندة هولاء القوميين كما اشرت والتي تتمحور أساسا حول المطالبة بتقرير المصير للإقليم؛ ثانيا: للدور المساند لنائب الرئيس الذي لعبوه خلال الأزمة؛ ثالثا: بسبب الفراغات التنظيمية القيادية و الوسيطة التي سيخلقها الإنقسام.

يلاحظ في خطاب نائب الرئيس و مؤيديه انهم يطرحون خطا يبدو متشددا، ولكن سرعان ما تتضح هشاشته عند فحصه نقديا، كما أوضحت النقاط الخمس السابقة. ظلت الحركة الشعبية لتحرير السودان تواجه على مدار سنوات الكفاح ضغوطا وحملات متعددة من الخصوم التاريخيين والجدد داخل السودان، وكذلك ضغوطا خارجية ضخمة لجهة التخلي عن رؤية السودان الجديد وحصر نفسها في المنطقتين، كل على حدا. المركز ظل تاريخيا يعمل على تقزيم حركات المقاومة في الهامش، ودفعها بإتجاه أن تظل حركات إقليمية، وليست حركات ذات توجهات قومية تهدد المركز. على سبيل المثال، في كل جولات التفاوض بين الحركة الشعبية –ش و النظام الحاكم، كان ممثلو النظام يصرون على انهم ليس لديهم تفويض لمناقشة القضايا القومية الخاصة بالتحول الديمقراطي، وأن تفويضهم يقتصر على مناقشة قضايا المنطقتين. القوميين النوبة – كحال نظرائهم القوميين الجنوبيين – عرفوا من خلال التجربة بإستعدادهم للمساومة مع النظام من أجل تحقيق مطالبهم الإقليمية، و بشكل لا يحدث أي تغيير في المركز أو يؤثر على سيطرة النظام على المركز او يمس ركائز النظام الأساسية، وذلك في ذات الوقت الذي يتغنون فيه بشعاراتهم التي تبدو متشددة. لهذا السبب ظل النظام طوال تاريخه أقرب لهذه المجموعات، وعلى إستعداد دائم لعقد صفقات معها. لذلك ليس مستغربا أن ينظر النظام بعين الرضا والإرتياح لتوجهات قيادة الحركة الشعبية-ش الجديدة، فهو الرابح الأكبر، و ربما الأوحد، من هذه التطورات في نهاية المطاف.

أخيرا وليس آخرا، أزمة الحركة الشعبية لتحرير السودان – ش، رغم جروحها العميقة وتحدياتها الكبيرة التي ناقشها المقال، يمكن تحويلها الى فرصة لإعادة بناء الحركة على أسس تجديدية منفتحة. من خلال التفهم العميق لأسباب و جذور الأزمة الفكرية و السياسية و التنظيمية، والتناقضات التي كشفت عنها، و المتغييرات الكثيرة المحيطة بالحركة الشعبية – ش محليا وأقليميا و دوليا، يمكن التقدم نحو إطلاق عملية تجديد حزبي شاملة، من خلال النقد الجذري لكافة الأطر النظرية والممارسات السابقة. بذلك وحدة يمكن أن تتحول الأزمة الى فرصة للتجديد وإعادة البناء التنظيمي، و”لتحرير” مانفستو التحرير نفسه من أي قيود او إرتهان إثني او إقليمي ومن أي نزعات إنفصالية، ليعود مشروعا لتحرير و توحيد كل السودان على أسس جديدة، كما كان حلم الشهيد د. جون قرنق في صفائه الأول. وبذلك يمكن أن تتجاوز الحركة وتنهي حالة الإنقسام الحقيقي وهو الإنقسام الفكري وتحقق الوحدة الفكرية الضرورية لأي حركة تغيير؛ او ما اسماه خطاب رئيس الحركة الشعبية “أن نتمسك برؤية السودان الجديد ووحدة السودان على أسس جديدة دون المراوحة والتأرجح بين حق تقرير المصير ووحدة السودان كما حدث في الماضي.” وكما جاء في خطاب الأمين العام للحركة (1 يوليو 2017م): “رؤية السودان الجديد أمام خيارين لابد أن ينتصر أحدهما، فأما أن تصعد نحو ميلاد ثاني يفتح أمامها أبواب التجديد والإنفتاح على الحقائق الجديدة على مستوى الممارسة والنظرية، وأن تستقي دروس جديدة من الممارسة والنتائج التي تمخضت عنها سلبا وإيجابا لتواصل تقدمها نحو الأمام، أو يصيبها الجمود في عالم متغير على مدار الساعة واليوم.”



المصدر:


https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... 9%8A%D9%86
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

منذ أن تم تعيينه رئيساً مؤقتاً للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال وقائداً عاماً لجيشها الشعبي:



الحلو يصدر أُولى القرارات التي تتضمَّن تغييرات هيكلية في قيادة الحركة والجيش




الجماهير: جنوب كردفان


أصدر، عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي، اليوم الثلاثاء، عددًا من القرارات، قضت بتعيين، جقود مكوار رئيس أركان الجيش، والفريق جوزيف تكه قائد الجبهة الثانية النيل الأزرق، في منصب نائب رئيس الحركة الشعبية، وشملت القرارات ترقية عدد من الضباط وقادة الفرق والوحدات في الرتب المختلفة إلى رتب أعلى.

وقضت القرارات بإعادة المفصولين من التنظيم السياسي أبرزهم الدكتور أبكر آدم إسماعيل.

وأفاد بيان صادر من أرنو نقوتلو لودي، الناطق الرسمي باسم الحـــركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال، اطلعت عليه "الجماهير"، إن الحلو أصدر جملة من القرارات، استناداً على التفويض الممنوح له بموجب قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة المسنوده بتأييد ممثلي شعب إقليم النيل الأزرق وإلتزاماً منه بتصحيح مسار الحركة الشعبية.

وقال أرنو، إن الحلو، قرر إجراء تعديلات في هيكل القيادة العليا للحركة الشعبية والجيش الشعبي، قضت بترقية اللواء جقود مكوار رئيس أركان الجيش واللواء جوزيف تكه قائد الجبهة الثانية النيل الأزرق إلى رتبة الفريق، وتعينهما في منصب نائب رئيس الحركة.

وشملت القرارات، بحسب أرنو، تعيين الفريق عزت كوكو أنجلو رئيساً لأركان الجيش، وثلاث ضبابط برتبة لواء هم (الجندي سليمان، يعقوب عثمان كالوكا إستيفن أحمد ديكور وسليمان جبونة محمد نواباً لرئيس الأركان.

وأضاف بيان الناطق الرسمي، إن القرارات تم بموجبها ترقية 24 من الضباط وقادة الفرق والوحدات في الرتب المختلفة إلى رتب أعلى وإجراء تعديلات في هيكل القيادة العليا للحركة الشعبية والجيش الشعبي.

وشملت قرارات رئيس الحركة إعادة العميد ياسر جعفر السنهوري، العميد رمضان حسن نمر، العميد أحمد بلقا أتيم، العميد الفقيد الراحل علي بندر السيسي، العميد محمود التجاني حامد، العميد الأمين النميري يوسف والرائد عمر عبدالرحمن آدم إلى صفوف الجيش الشعبي بذات راتبهم.

وأعلن الحلو عن تكوين لجان وآليات المؤتمر القومي الاستثنائي للحركة التي شملت اللجان التحضيرية ولجنة إعداد مسودة الدستور.

وقرر مجلس تحرير جبال النوبة، في السابع من يونيو الماضي، تنصيب الحلو رئيساً مؤقتاً للحركة، وإقالة رئيس الحركة مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان، ما فاقم حالة الانقسام التي تعيشها الحركة الشعبية منذ مارس الماضي.

ويقود مقاتلو الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال، تمرداً في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ يونيو 2011 ضد الحكومة المركزية في الخرطوم.




المصدر:

https://www.aljamaheer.net/2017/08/08/%D ... %84%D8%AD/
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



*
لم يأت الختام بعد ،

إن قضية السودان الجديد يبدو أنها قصة حلم ، تقاصُر عن التحقيق في السودان .
إن الرقعة الجغرافية السياسية ، هي التي عمّقت الخلافات ...



*
البشير يحتفي بانقلاب الحلو
مبارك أردول

في مطلع الأسبوع الجاري قام عمر البشير بزيارة رسمية إلى كادقلي عاصمة جنوب كردفان بعد إنقطاع دام لأكثر من خمسة أعوام، وفي زيارته المعلنة هذه المرة تحدث البشير بكل طمأنينة مع والي الولاية وقدموا خطابات حوت رسائل مباشرة الي الرفيق عبدالعزيز الحلو، كانت إحداها تتحدث عن السلام وأخرى تتحدث عن عروض لمناصب مقابل الأولى، مثل منصب والي لولاية جنوب كردفان، وسموا مباشرة الرفيق الحلو لهذا المنصب، جاء حديثهم إستجابة لما يطلبه المستمعون من القوميين النوبة والخط الذي طرحه الرفيق عبدالعزيز آدم الحلو بحصر مطالب الحركة الشعبية في جبال النوبة وجنوب كردفان، وهذا يعتبر إستجابة فعلية للأصوات التي كانت تعمل على تقزيم الحركة الشعبية، وقد إنتابتني الحيرة لأعلم من إستجاب لمن! لأن في الأصل هذه كانت مطالب الحكومة السودانية ظلت مطروحة منذ 2011م وذلك بحصر مطالب الحركة الشعبية في المنطقتين.

وبعيدا عن مناقشة والغور في تفاصيل الراهن السياسي الذي مر على الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشهور الماضية، الا إن الخطاب الذي صدح به مؤخرا نظام الإنقاذ (البشير وواليه اللواء أمن عيسى) في إحتفالية كادقلي الأخيرة وكذلك التصريحات التي تصدر من قيادات الإنقاذ مثل أمين حسن عمر لسودان تربيون (في أبريل المنصرم) وغيرها من تصريحات لم تأتي منفصلة ومنبتة عن ما حدث ويحدث، فقد جاء الخطاب قارئا للخطاب الذي على والمزاج الذي ظل يتصدر المشهد السياسي الداخلي للحركة فترة الأزمة والي الآن، فجاء مخاطبا لسقوفاته، وهو السقف الذي أعتبره مقزما (كما قلت أعلاه) للخطاب السياسي للحركة الشعبية الي المنطقة الواحدة(جبال النوبة)، ودون الذي كان يطرحه النظام نفسه، وهو مناقشة القضايا على أساس المنطقتين وفقط، بل رفضه وتعنته طيلة السبعة أعوام الماضية وفي ال(15) جولة تفاوضية من أن يستجيب للخطاب الذي كان يطرح آنذاك من قبل الحركة الشعبية ووفدها المفاوض بأن تخاطب وتعالج القضية من جذورها وبشكلها الشامل بادية بإصلاحات حقيقية وجوهرية من المركز بكل قطاعاته السياسية والاقتصادية والامنية...الخ، لتنعكس تلك الإصلاحات والمعالجات في مخاطبة قضايا وخصوصيات مناطق الصراع جبال النوبة/ جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق وغيرها من المناطق المهمشة وهذا سيخلق بالطبع السودان الجديد الذي يقوم على أساس المواطنة المتساوية والحرية والعدالة، فقد كانت تقول وبل في أول ورقة طرحتها للتفاوض كانت تتحدث عن كل منطقة على حدة وتقول بأن لديها إتصالات مباشرة مع القادة الميدانيين، وهذا ما أشار إليه والي جنوب كردفان حينما تحدث، وهذه خطة حكومية قديمة وجدت طريقها فيما حدث مؤخرا بجبال النوبة، ولكن بالنسبة لنا فاليقول الوالي اللواء (أمن) ما يقوله فلا يعنينا ذلك فنحن نعرف رفاقنا وزملائنا فهم مناضلين لا نريد أن يخبرنا الوالي (أمن) هذا عنهم ولن نخونهم كما فعل البعض مؤخرا!.

ومعروف أن الخطاب السياسي والخط التفاوضي الذي ظل يطرح في أروقة الحركة الشعبية منذ تأسيسها في 1983م بأن المشكلة ليست هي مشكلة الجنوب (سابقا) بل هل مشكلة السودان في الجنوب، وحاليا المشكلة ليست مشكلة جبال النوبة أو دارفور أو النيل الأزرق، بل مشكلة السودان تجلت آثارها ونتائجها في هذه المناطق، والمعالجات دوما تتمثل في مخاطبة جذور المشكلة وليست آثارها وتجلياتها.

والسقف الذي طرح مؤخرا في الأزمة التي مرت بها الحركة الشعبية خاصة عند الرفيق الحلو ومن دعموه، حصر نفسه في مخاطبة لقضية منطقة واحدة (مهما كانت مطالبه)، فقد حدد الرفيق الإطار والساس الذي ينطلق منه، وهي منطقة جبال النوبة، ولذلك قدم إستقالته الثالثة في مارس الماضي الي مجلس تحريرها، وخاطبهم فيها بأن مايحدث ويطرح حاليا ليس من أجل مصلحة قضية المنطقة، فخوفهم وأوصاهم وخون بقية زملائه، وذهب أبعد من ذلك بطرح سقوفات تفاوضية للمنطقة جعلها معيارا لما يجب النضال والتفاوض من أجل تحقيقه، ودون التطرق إلى حجية وواقعية ما طرحه فإن ذلك في النهاية يتمثل في أنه يخطاب منطقة واحدة حصر نفسه فيها، ولم يطرح نفسه ويتصدر الخطاب الذي يعالج قضايا السودان بشكلها الشامل والذي قلنا إنه مشروع لسودان جديد.

ولذا إستمال ذلك الخطاب القوميين من جبال النوبة الذين كانوا ومازال هذا الخطاب والخط هو خطابهم وصميم خطهم، وقد وجد الرفيق التأييد المطلق منهم في صراعه ضد رفاقه في قيادة الحركة الشعبية، وبالمقابل وجد هذا الخط السياسي والخطاب إرتياحا من قبل النظام، بحيث أنه فوق من أنه جاء تحت سقوفات ما يطرحه، فإنه أعفاه من مناقشة القضايا في المركز وعلى أساسها الشامل، و أعطاءه المشروعية في المركز ليقوم هو الآخر بمبادلة تلك المشروعية ليعطي الرفيق الحلو الولاية (جنوب كردفان)، وما نريد أن نشير إليه أيضا ونلفت إنتباه الجميع له هو أن خط القوميين النوبة متطابق مع خط الخرطوم، وإن زيارة البشير لكادقلي لم تأتي الا إحتفاءا بخط القوميين النوبة الذي لايشكل خطرا على نظام البشير، وقد تنفس الصعداء نتيجة الانقسام الذي أحدثه الانقلاب الأخير في الحركة الشعبية.

ولم يقول البشير خطابه ويغير لهجته هذه وكذلك الوالي عيسى أبكر من فراغ أو حماس إعتراهما نتيجة إعتلائهما المنصة، بل هو خطاب يعبر عن برنامج وسقف سياسي من الحكومة للرفيق الحلو، وللحركة الشعبية التي يقودها، فيجب قراءة ذلك بشكل سليم، بحيث أن قمة ما يطلب من سقف لحركة تطرح نفسها على مستوى منطقة أو إقليم (وأعطت إنطباع لذلك وبل إتخذت قرارات في سبيل ذلك) هو منصب الوالي أو الحاكم للمنطقة أو الولاية موضوع الحديث، أو سلطة إنتقالية في المركز لهذا الإقليم مثل إتفاقية أديس أبابا 1972م لجنوب السودان وإتفاقية الدوحة 2011م لدارفور (جوزيف لاقو وتجاني سيسي) وهذه السلطة تعتبر قمة قيادتها السياسية والتنفيذية، وهذا مريح بالنسبة للحكومة، لذلك أعلن رأس النظام إستعداده للسلام وصرح الوالي بأنه مستعد للتنازل من منصبه لصالح الرفيق الحلو مهرا لذلك، وفي المقابل لن يكون هنالك قضية تطرح لتهدد عرش السلطة في الخرطوم، وهذا هو السقف القديم الذي تم إستبعاد رواده من قيادة الحركة أو تم تقسيم الحركة الشعبية نتيجة ذلك، فالرفيق الحلو أمام خيارين إما توحيد الحركة الشعبية وفق برنامجها القديم الشامل والجذري وطرح والتمسك بمشروع السودان الجديد(وهو الأفضل) أو المضي قدما في الإستجابة لما يطرحه النظام كصدى مردود لما نادى به.

ولا نقول إن عروض النظام للرفيق الحلو جاءت نتاج مكافأة لأن ذلك يندرج تحت طائلة التخوين والإتهام الذي لا يسنده أدلة، فهذا نهج نبعد أنفسنا منه، بل جاء نتاج قراءة للخط والخطاب السياسي المطروح من قبله وكذلك القرارات التي إتخذت على أساس ذلك، وهي كانت قضية يتمناها المؤتمر الوطني أن تحدث منذ فترة وإستثمر سياسيا وأمنيا من أجلها وضخ خطاب سياسي وإثني كثير حولها محرضا وعمل على تقسيم الحركة الشعبية على الأساس المناطقي تارة والإثنية تارة أخرى، وفي المقابل عملت قيادة الحركة الشعبية متوحدة عكس ذلك في المرحلة الماضية بما فيها الرفيق الحلو نفسه وظلت تطرح الخط السياسي الشامل والجذري المعالج للأزمة بكل تجلياتها، الا أن التدهور الذي حدث بعد إستقالة الحلو والتي هي أخذت ذلك الخط وأسست عليه بشكل ممنهج داخل مؤسسات الحركة الشعبية هو الذي فتح شهية النظام للمضي قدما في ذلك، بل ذهب أكثر في عرض العروض المشجعة له، وقام بالتلويح بإمكانية التوصل إلى إتفاق بعد هذا، وبدء بعرض منصب الوالي كبداية وقد تصل العروض حتى مناصب عليا في القصر الجمهوري في الخرطوم، على أن تكون مجرد كراسي لا تغيير جوهري سيحدث ويطرأ في نظام الحكم يفكك دولة الحزب الواحد وينقل البلاد نحو التعددية السياسية والديموقراطية والعدالة، وكأن النضال كان من أجل الإلتحاق بالنظام وليس من أجل تغيير النظام والقوانين المؤسسة له.

فالنظام كان ومازال يتعامل بجدية ويدافع عن مركز السلطة ويتهم الحركة الشعبية بتجاهل قضية المنطقتين وتناول قضايا السودان بشكل شامل، جاء هذا نتيجة الربط المحكم الذي أحدثته الحركة الشعبية بين الإصلاحات في المنطقتين من جهة والمركز من جهة ثانية والحل الشامل من جهة ثالثة، ولذلك غبطة البشير الحالية في كادقلي مصدرها أن القضية حاليا أصبحت قضية جبال النوبة بمعزل عن القضايا الأخرى أعلاه، ومؤكد أن مايقوله البشير سيترجم في طاولة المفاوضات وسيتضح ذلك قريبا.

ويجدر بي أن أختم مقالتي هذه بالقول إن الخطاب السياسي المطروح من قبل الرفيق الحلو لن يؤدي إلى المعالجة الجذرية للمشكلة التي كان النضال من أجلها، وهو سقف مهما تبين أنه سقفا عالي الا أنه في الحقيقة سقف متدني ووضيع ويتبين ذلك للقارئ الحصيف والسياسي الواعي، فالسقف العالي يتثمل في الربط المحكم أعلاه وهو بالحقيقة تجسيد لمشروع السودان الجديد كبديل حقيقي لحكم البلاد لينعكس على مناطق النزاع وليس التقسيم ونهج التجزئة الذي سينتهي بمناصب ووظائف، ومهما قال إنه يسعى من أجل تقرير المصير للمنطقة فإنه بذلك يطرح خطاب متضعضع وفي مستوى منطقة محددة وترك المجال بالتالي للنظام في المركز وبقية السودان.

والنظام حسب ما أراه لن يرفض ويعلق على تقرير المصير ولن ينزعج منه في الوقت الراهن، بل سيترك ذلك يطرح ويساعد عليه من أجل إحكام الانقسام في صفوف الحركة الشعبية ويتأكد بأن يخلق تباعد بين الحركتين، بحيث يصعب توحدهما مجددا أو يتمكن من فرض العزلة على خط السودان الجديد الذي يطرح القضية بشكلها الشامل والجذري في صراع التيارات الداخلية (إذا إستطاع) لانه يعتبره المهدد الرئيسي له، وعندما يحين طرح مسألة تقرير المصير فإنه لن يمنحه لهم، بل سيقول بدوره حسنا هذه خطوة موفقة منكم بالقبول والنزول لمناقشة القضية على أساس المنطقة وهو ما كنا نريده، وشكرا جزيلا لذلك، ولكن لن نتفاوض من أجل تقرير المصير، فماذا لديكم غيره من مطالب فنحن مستعدين له من منصب الوالي أو الحاكم الي أخر (حتة)في الإقليم مع بعض المناصب في المركز، وهذا ما أعلن إستعداده مسبقا في إحتفالية كادقلي للتنازل عنه، والا فإنه سيستمر في الحرب على الحركة الشعبية (المنقسمة) والتي لن تكون كما كانت من قبل.


https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-282665.htm
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

شكراً جزيلاً، يا شقليني، على رفدك لهذا الخيط/الملف بمقال أردول، وهي وجهة نظر مهمة، لا سيَّما أنها صادرة عن مسؤول في إحدى طرفي الخلاف داخل الحركة.

ومرحباً بكل ما يأتي منك يا صديقي. وحقاً يحتاج هذا الخيط/الملف لأكثر من يدٍ، خصوصاً مثل يدك السخية والبصيرة هذي.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:




نائب الرئيس السابق للحركة الشعبية يعلن عن حركة جديدة: برنامجنا يظل وحدة الحركة وتجديدها




في مفارقة من مفارقات مسرح الرجل الواحد قام نائب الرئيس السابق عبدالعزيز آدم الحلو بإعلان هياكل سياسية وعسكرية لحركته الجديدة على طريقة (one man show) منصبا نفسه مرشدا أعلى دون الرجوع لأي مؤسسة أو قادة سياسيين أو عسكريين.
والذي يهمنا ليست هي القرارات، بل تأثير هذه القرارات على الحركة الشعبية وعلى منطقة جبال النوبة/جنوب كردفان كواحدة من أهم قلاع المقاومة ضد النظام، ونود أن نبدي الملاحظات الآتية:
1. أضر الإعلان عن الحركة الجديدة بالمبادرات المبذولة من قبل أصدقاء الحركة الشعبية الداخليين والإقليميين في محاولة لتوحيدها وخلق ظرف غير مؤاتى لوحدة الحركة الشعبية.
2. قيادة الحركة الشعبية الشرعية رفضت إتخاذ قرارات متعلقة بالهيكل والقيادة على أمل إعطاء فرصة لوحدة الحركة الشعبية، ولكن بصدور هذه القرارات من نائب الرئيس السابق فإن الخطوات التي تم تأجيلها سيتم الإعلان عنها، ويتحمل نائب الرئيس السابق إفشال كل المحاولات لتوحيد الحركة الشعبية، بمافي ذلك المحاولات الكبيرة التي بذلها عدد كبير من قادة الحركة الشعبية في جبال النوبة/جنوب كردفان.
3. الحركة الشعبية الحالية نشأت في 10 أبريل 2011م من إلتقاء ثلاثة أقسام هي جبال النوبة/ جنوب كردفان والنيل الأزرق والقطاع الشمالي، والقرارات الحالية هي تكريس لهيمنة شخص واحد في محاولة لإلغاء الثلاثة أقسام التي شكلت الحركة الشعبية.
4. حصلت تجاوزات كبيرة في الترقيات العسكرية والتعينات السياسية وتعينات رؤساء اللجان ستؤدي إلى تصعيد خلافات قبلية ومناطقية في جبال النوبة وهذا مضر بالنضال الطويل الذي خاضه شعب النوبة، ولا نريد أن نزيد في ذلك.
5. التعينات تشكل إستهتار كبير بالقطاع الشمالي وبالنيل الأزرق وأيضا بجبال النوبة وبقومية الحركة الشعبية لتحرير السودان.
6. غسل الرفيق عبدالعزيز الحلو يده عن كل القرارات التي شارك في إتخاذها في الستة سنوات الماضية بمافي ذلك لجأن المحاسبة التي كان هو الطرف الرئيسي والمبادر في الدعوة لتكوين بعضها، ومعلوم إنه قد أصر في إجتماع القيادة الثلاثية على فصل مجموعة الإصلاح نهائيا من الحركة الشعبية (ياسر -رمضان -بلقة)، وقد واجه ذلك إعتراض من الأمين العام، وكذلك كان المبادر في قضية (كمبال -امين - أبكر - خالد)، وقد قدم نائب الرئيس السابق تنويرا بعضمة لسانه لكل مؤسسات الحركة الشعبية في جبال النوبة ولبعض مكاتب الخارج في باريس مدافعا عن تلك القرارات، وهو أيضا المبادر الرئيسي في قضية الرفيق اللواء إسماعيل خميس جلاب، والتي إستعجل إتخاذ قرار بصددها مرارا وتكرارا على الرغم إن الرئيس والأمين العام كان من رأيهم إجراء مزيد من الحوار مع الرفيق اللواء إسماعيل خميس جلاب، وقدموا مقترحات في هذا الصدد، والسؤال لماذا أرجع عبدالعزيز آدم الحلو جميع المفصولين وأستثنى اللواء إسماعيل خميس جلاب؟ حتى إن بعضهم أصبحوا مقررين في اللجان دون الإشارة مطلقا لموضوع اللواء إسماعيل خميس جلاب! فهل القرار حول الرفيق اللواء إسماعيل خميس جلاب غير قابل للتصحيح بنفس القلم الذي صحح القرارات الآخرى؟
وكيف له من جهة ثانية يتنصل عن كل تلك دون حتى تكوين لجنة للنظر في تلك القرارات، وكأنما يريد أن يقول إن الفصل كانت قضية شخصية (أنا الذي فصلتهم وأنا الذي أعدتهم)، وقد عين خالد كودي قبل أن يلغى قرار فصله، كأنما الفصل كان حالة مزاجية!.
7. إتخذ نائب الرئيس السابق قرارات متعلقة بالمؤسسات السياسية والمدنية والعسكرية في جبال النوبة بغرض تهميش قادة ومجموعات في هذه المؤسسات، وهذا سيؤدي إلى تناقضات ستدفع ثمنها الحركة الشعبية لاحقا ولن يستفيد منها الا نظام الخرطوم، وهذا جانب مؤسف في تلك القرارات.
8. القرارات تمهد لعملية سياسية غير ديمقراطية بإسم المؤتمر الإستثنائي للحركة وهو عبارة عن إجتماع موسع يبصم على قرارات الرجل الواحد.
9. بالنسبة للمنفستو كان هنالك لجنة كلفتها قيادة الحركة الشعبية برئاسة الدكتور الواثق كمير وشارك فيها عدد من ممثلي حركات القوى الجديدة، وفرغت من عملها، وفوجئت قيادة الحركة الشعبية بإن الرفيق عبدالعزيز قد كون لجنة خاصة به كتب وثيقتها أبكر آدم إسماعيل، وكحل وسط إقترحت قيادة الحركة الشعبية دمج الوثيقتين لاسيما إن هنالك خلافات جوهرية متعلقة بالمنهج والرؤية السياسية والتحالفات وقضية حق تقرير المصير، وعرقل نائب الرئيس السابق الوصول لوثيقة موحدة مما أخر إيجازة المنفيستو حفاظا على وحدة قيادة الحركة الشعبية.
10. رئاسة اللجان وتكوينها تثير أسئلة عميقة حول توجهات نائب الرئيس السابق وإعتماده سياسة فرق تسد لتقسيم القبائل في جبال النوبة، وهذا خصم على وحدة الحركة الشعبية في جبال النوبة وفي السودان، وهو مضر بمستقبل الحركة الشعبية والسودان معا.
*خطواتنا نحو المستقبل*
1. تعكف قيادة الحركة الشعبية على كتابة وثيقة حول قضايا التجديد والبناء والطريق إلى الأمام، سوف يتم عرضها على أعضاء وكادر وقادة الحركة الشعبية لتقويمها وتطويرها وإعتمادها في إجتماع موسع سيضم ممثلين وقادة للحركة الشعبية من كافة أنحاء السودان لإعتماد طريق جديد في بناء الحركة الشعبية كحركة تحررية وطنية ديمقراطية.
2. تجري قيادة الحركة الشعبية إتصالات ومشاورات لإعلان هيكل قيادي إنتقالي مكتمل خلال شهر.
3. المبادرات الداخلية والإقليمية لتوحيد الحركة الشعبية سنأخذها بجدية ونبذل كل المجهودات التي من شأنها أن تؤدي لتوحيد الحركة الشعبية.


مبارك أردول
الناطق الرسمي
الحركة الشعبية لتحرير السودان
10 أغسطس 2017م




المصدر:

https://www.hurriyatsudan.com/?p=227259
أضف رد جديد