المكروه في حديث المحبوب - بقلم: معتصم أقرع

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

المكروه في حديث المحبوب - بقلم: معتصم أقرع

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

المكروه في حديث المحبوب

بقلم: معتصم أقرع



أُصِبتُ بالحيرة العاطفية حين قرأت نعي الأستاذ المحبوب عبدالسلام البليغ لفاطمة أحمد إبراهيم. فقد أتى هذا النعي بلغة سخية وإحساس عميق وشف عن ناعي طيب القلب لين المعشر. في الجانب المشرق يمكن ملاحظة أدب الأستاذ المحبوب الجم وحسن خلقه مقارنة برفاقه في الحركة الإسلامية من أهل السيخ ولحس الكوع وبيوت الأشباح. ولا بد من الإشادة بـمحاولات الأستاذ المحبوب المستمرة للتواصل والتصادق مع ألوان الطيف السياسي المعادي لإخوانه ليساهم بذلك في خلق ثقافة تعايش بين أهل الآيدلوجيات المتناحرة في السودان، هذا التعايش الذي يحتاجه السودان بشدة وهو عنه بعيد كما قال محمد الأمين في زاد شجونه.

ولكن من الناحية الأخرى هناك عدة إشكالات تبرز في الجانب الأقل إشراقاً في حديث المحبوب في محبة فاطمة. فما معنى أن تحب فاطمة وتنتمي في نفس الوقت طوال حياتك للتنظيم الذي دعا في كل وقت لقتل من انتمى لحزب فاطمة وطرده من الخدمة المدنية والتضييق عليه في العيش ونعته بالكفر وفساد الأخلاق؟ وما معنى أن تحب فاطمة وتنتمي للحزب الذي دعا لطرد نواب حزب فاطمة من البرلمان ودعا لأبلسة هذا الحزب وبهته بالأكاذيب المحلية والمستوردة وإدخال الرعب الدائِم في قلب أعضاء وأصدقاء هذا الحزب؟

لاحظ الصحفي النابه المتميز علاء الدين محمود أن المحبوب بنى جل تزكيته لفاطمة علي صلاتها وتمسكها بشعائِر الإسلام. وهذا تعبير عن ذهنية إخوانية متمركزة دينياً لم تخرج بعد من ضيق الطائِفية إلى فضاء الوعي الوطني الذي يميز بين الغث والثمين حسب أدائهما في خدمة الشعب والمثل الوطنية العليا بغض النظر عن الانتماء الديني للفرد. فحديث المحبوب يشير إلى أنه لو لم تكن فاطمة من أهل الصلاة لكونها من أصول سودانية غير مسلمة كاهلنا في جبال النوبة أو كانت من أهل الصليب أو الكجور لما استحقت أن يُحتَفل بها بمثل سخاء المحبوب. وهذه لحظة المحبوب الإخوانية التي ترفض أن تموت رغم محاولاته الجادة للهروب من شرنقة الأخونة الفكرية للخروج إلى رحاب الوطن المتعالي على الاعتقاد الديني والعرقي والإثني والجندري. ولكن هيهات فالرمد الترابي الذي أصاب المحبوب في صباه اليافع داء عضال ليس من السهل تجاوزه بالأماني السهلة.

من ناحية أخرى يطرح نعي المحبوب الجميل لفاطمة إشكالية عبادة المشاهير بغض النظر عن المحتوى الإنساني والسياسي لحركتهم في الفضاء العام وسباب شهرتهم. في عهد هيمنة الإعلام الأمريكي المتعولم صارت الشهرة غاية ومبرر أخلاقي وشيك على بياض في حد ذاتها بغض النظر عن جذور هذه الشهرة. لذلك يتم الخلط على نفس القدم والساق بإنجيلينا جولي وكيم كرداشيان ومارتن لوثر كنج ونعوم شومسكي وبيونسي وبيرني ساندرز. في مثل هذا المناخ الفكري والنفسي تسعى السلطات السياسية والمالية والإعلامية لاحتضان المشاهير وسرقة بريقهم بغض النظر عن خلفيات شهرتهم المتباينة لتصير الشهرة هي المبرر الأخلاقي لوجودها .

نلاحظ تجليات آيدلوجيا الشهرة في السودان في عبادة الإنسان الكبير المشهور بغض النظر عن جذور هذا الكبر والشهرة. فمثلاً من أكثر الممارسات المثيرة للشفقة من قبل بعض المثقفين السودانييين الاحتفال بعبد الخالق محجوب وحسن الترابي من نفس الشخص وأحياناً في نفس النص. إن أي انسان يملك حداً أدني من الأمانة الفكرية لا يمكنه أن يحتفل بهذين الشخصين معاً. فأي شخص جاد أن اختار أحدهما كبطل لا بد له أن يختار الآخر كمشكلة. التفسير الوحيد للاحتفال بعبد الخالق وفاطمة والترابي في نفس الوقت هو أن المحتفِل والغ في حب الإنسان الكبير، المشهور السالط في تغاضي كامل عن القيم التي كرس لها هذا الإنسان السالط حياته ووجوده. فمن يحب أشخاص في درجة تناقض فاطمة والترابي في الحقيقة لا يحب إلا النجومية والسلطة المعنوية ولا تعنيه القيم التي ترتكز عليها هذه السلطة.

الإشكالية الأخيرة في كرم المحبوب تجاه فاطمة هي مرض الطفيلية الفكرية للإسلاميين الذين عجزوا عن ينتجوا فناناً أو مفكراً أو علماً واحداً في أي مجال يمكهنم الاقتداء به أو حتى يتيح لهم أن يتباهوا به. ازاء هذا العقم الجديب لم يعد في امكان الاسلاميين غير السطو علي مبدعي الشعب السوداني من أعدائهم الفكريين وسرقة رصيدهم المعنوي والتنصل عن حقيقة أن كل ممارسات الحركة الاسلامية في كل تاريخ وجودها سعت لقتل امكانية ميلاد مواهب علي شاكلة من حاول الاخوان لاحقا الإلتصاق بهم وسرقة بريقهم مثل فاطمة وعبد الخلق ووردي ومصطفى سيدأحمد وحميد والطيب صالح.

السوال الذي يفرض نفسه هو هل احتفال الإخوان برموز الإبداع الثقافي والفكري والسياسي السوداني نوع من التسامح السوداني الجميل الذي يبحث دا ئماً عما يجمعنا ويوحدنا، وهو كثير، أم هو نوع من السطو الطفيلي على التراث السوداني المجيد، بـهذه العقلية الطفيلية التي ميزت حركة الإخوان عبر العصور؟ وهل المحبوب وحسين خوجلي وغيرهم من المحتفلين بأهل الفن والثقافة والسياسة من الديمقراطىين والعلمانيين السودانيين هل هم أهل انفتاح إسلامي متسامح، أم هم كالدجاجة التي تكاكي في حوش الديمقراطية الإنسانية السودانية فقط كي تبيض في قفص االنيكروفيليا الترابية-البشيرية؟
أضف رد جديد