ما الذي كان، وما يزال، يجري داخل الحركة الشعبية - شمال؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:








أزمة الحركة الشعبية ..نظرة من موقع مستقل

بقلم: رشا عوض








مؤشرات الأزمة الراهنة في “الحركة الشعبية لتحرير السودان” ترجح احتمال الانقسام الحاد بكل أسف، وهذا لن يقتصر تأثيره على الحركة وجماهيرها فقط بل ستكون له تداعياته على مجمل الحراك السياسي في البلاد.

برزت الأزمة إلى السطح عندما تقدم نائب رئيس الحركة عبد العزيز آدم الحلو باستقالته “لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة”، وكانت استقالة مسببة عكست اختلافات من العيار الثقيل بين الحلو ورئيس الحركة مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان، كما عكست عدم اعتراف الحلو بشرعية مؤسسات الحركة القائمة ولذلك تقدم باستقالته إلى مجلس تحرير الإقليم الذي يمثل الثقل العسكري، وأوصل ذلك المجلس الأمور إلى مداها الأسبوع الماضي بعد ان أصدرقرارات بإقالة عقار وعرمان وحل “مجلس التحرير القومي” الذي يمثل كل ولايات السودان بما فيها المنطقتين، وعين عبد العزيز آدم الحلو رئيسا مكلفا بإدارة الحركة إلى حين انعقاد “المؤتمر العام” وواصل المجلس الإقليمي لجبال النوبة في إصدار القرارات السياسية والعسكرية بما في ذلك إقالة رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي جقود مكوار .

الاختلاف شامل ويتجاوز النواحي التنظيمية والبناء المؤسسي إلى المفاهيم والقضايا الاستراتيجية مثل الموقف التفاوضي و”رؤية السودان الجديد” التي ادعى كلا التيارين(تيار الحلو وتيار مالك- عرمان) امتلاكها واتهم الطرف الآخر بخيانتها، واخطر قضية مثار خلاف هي “حق تقرير المصير” الذي يتبناه تيار الحلو ويعارضه تيار عقار- عرمان.

إزاء الانقسام الحالي في “الحركة الشعبية لتحرير السودان” هناك قضايا رئيسة ومترابطة لا بد من بلورة رؤى واضحة بشأنها عبر حوار عميق أهمها قومية وديمقراطية الحركة الشعبية ، وحق تقرير المصير، فهذه القضايا لا تخص الحركة وحدها بل تتعداها للتأثير على مستقبل السودان ككل كما أثرت على ماضيه القريب، ورغم المناخ الاستقطابي الملتهب حاليا بين تياري الحلو من جهة، وعقار- عرمان من جهة أخرى، سأحاول في هذه السطور تناول تلك القضايا من موقع مستقل تماما عن التيارين المتصارعين.

قومية وديمقراطية الحركة الشعبية:

هناك عبارة يرددها تيار عقار – عرمان في مواجهة تيار الحلو وهي “عدم تقزيم الحركة الشعبية إلى حركة إثنية وإقليمية” باعتبار ان الإجراءات التي اتخذها مجلس تحرير جبال النوبة تصب في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى مفردة “الديمقراطية” التي تشهر في وجه ما يسمى “بانقلاب الحلو” والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هل كانت الحركة الشعبية حركة قومية وديمقراطية قبل التطورات الأخيرة؟

ادعاء ان مفارقة الحركة للقومية والديمقراطية بدأ بما فعله تيار الحلو مغالطة كبيرة، فرغم ان منفستو الحركة الشعبية لعام 1983 نص على “تحويل الحركة من حركة جنوبية الى حركة تحرير أصيلة لكل السودان” إلا أن ثنائية(شمالي، جنوبي) ظلت ملازمة للحركة في واقع الممارسة العملية منذ عهد الزعيم الراحل الدكتور جون قرنق رحمه الله، فحتى الشماليين الذين اختاروا القتال في صفوفها لم يتم دمجهم في الجيش الشعبي مع الجنوبيين بل كان لهم لواء منفصل اسمه”لواء السودان الجديد” بما يكرس هذه الثنائية، وكان هذا في فترة التسعينات، أي بعد أن فارقت الحركة التوجه الماركسي في منفستو 1983 الذي كان يرى جذر مشكلة السودان في مخلفات الاستعمار والرأسمالية التي انتجت دولا في القارة الأفريقية غير متوازنة تنمويا وتقسمها الفوارق الدينية والعرقية، وكان ذلك المنفستو يطرح مشكلة جنوب السودان كجزء من مشكلة المناطق المتخلفة في كامل القطر ويرى ان المناطق المتخلفة تنمويا في أقصى الشمال وفي دارفور وكردفان وشرق السودان تتساوى مع الجنوب في الظلم ويجب ان تتحالف القوى التقدمية في كل هذه المناطق مع القوى التقدمية في الجنوب، ونص المنفستو صراحة على أن من ضمن أعداء الحركة هم “الصفوة البرجوازية البيروقراطية الشمالية والجنوبية وقادة الأنانيا الرجعيون” أما حلفاءها فهم “العمال والمزارعون وتنظيماتهم الجماهيرية والطلاب والمثقفون والعناصر التقدمية في القوات النظامية” وهذا معناه أن الاصطفاف في ذلك الحين – من الناحية النظرية – كان على أسس فكرية وسياسية صرفة، إذ ان من ضمن الحلفاء شماليون ومن ضمن الأعداء جنوبيون!

ولكن تلك النظريات والأفكار لم تكن أساس التثقيف الفكري والتوعية والتعبئة السياسية ولم تكن بوصلة البناء التنظيمي والمؤسسي للحركة حتى أيام الراحل جون قرنق، والسبب في ذلك هو الوسيلة النضالية المعتمدة(الكفاح المسلح) الذي بطبيعته يفرض منهج التعبئة على أسس عرقية وجهوية خصوصا عندما ينطلق العمل المسلح من منطقة متخلفة تنمويا تفتقر إلى حد كبير جدا لمؤسسات الدولة الحديثة ومشاريعها الأمر الذي يقود إلى انعدام “الطبقة الوسطى” وغياب الخبرة التراكمية في العمل السياسي المدني واعتماد أي حشد سياسي على استنفار العرق والقبيلة كما هو حال جنوب السودان.

انسحبت الحركة الشعبية انسحابا غير معلن من “النهج الماركسي” بعد سقوط نظام منقستو في إثيوبيا الداعم الرئيس للحركة، و بروز “الهوس الجهادي” بقوة في الخرطوم، حيث توثقت علاقتها بالمؤسسات الكنسية كنوع من رد الفعل، كما أصبح عظم الظهر في تحالفاتها الدولية أمريكا والدول الغربية، أي معاقل الرأسمالية التي حمَّلها منفستو 1983 المسؤولية عن التنمية غير المتوازنة والتخلف في السودان وكل القارة الأفريقية، وتبعا لذلك أصبح مركز الثقل في خطاب الحركة هو “صراع الهوية” وسادت نبرة المظالم العرقية والجهوية مع غياب التفصيل في التدابير السياسية والاقتصادية والتنموية لإزالة هذه المظالم، والافتقار التام لأدوات العمل المنهجي والمؤسسي في ميدان الصراع السياسي مع “نظام القهر والتهميش” ممثلا في نظام الإنقاذ، وهذا الافتقار ظهر جليا في الفترة الانتقالية من 2005 -2011 م بعد توقيع اتفاقية نيفاشا التي لم تنجح إلا في فصل جنوب السودان، وقد برهنت مآلات هذه الاتفاقية على أن السقف الأعلى الذي تستطيع “الحركات المسلحة في السودان” الوصول إليه هو تقسيم البلاد وتكريس الدكتاتورية في كل من “السودان القديم” و”السودان الجديد المنفصل عنه”، والتفصيل في ذلك يطول، وقد أفردت له مقالة ستنشر لاحقا بعنوان”حروب السودان وأزمة الرؤية”.

من تجليات الأزمة المزمنة في الحركة بروز خطاب اختزالي تبسيطي يختزل الصراع السياسي في البلاد إلى صراع بين العرب والأفارقة، بين المسلمين وغير المسلمين، والفكرة التي افترشت لا وعي جماهير الحركة من “القوميات المهمشة” تبعا لذلك الخطاب هي ان الذين يمتلكون الحركة الشعبية بالأصالة وأصحاب الكلمة العليا فيها هم الجنوبيون قبل انفصال الجنوب، والنوبة بعد انفصال الجنوب لأنهم هم من يحملون السلاح، أما الشماليين ولا سيما من الشمال النيلي فهم مجرد “تمومة جرتق” شأنهم شأن الجنوبيين والنوبة في أحزاب الشمال غير القومية هي الأخرى! أوعلى أحسن الفروض شركاء من الدرجة الثانية!

هذا الخطاب المأزوم كان يحمل في طياته بذور انقسام حتمي، وكان يجب التصدي له إما بعملية تجنيد واسعة للشماليين في الجيش الشعبي وصولا إلى ثقل عسكري شمالي نوعي أو بناء حركة شعبية قوية في الشمال لها دور محسوس وملموس في منازلة النظام ولها ثقل سياسي واقتصادي وإعلامي نوعي ويكون بذلك الشماليين في الحركة من “حملة الأسهم النضالية” المرئية بالعين المجردة! عدا ذلك طبيعي جدا ان يكون هناك تهميش لا شعوري للمكون الشمالي في الحركة وهذا الخلل لن يعالجه ترديد قادة الحركة لاكلشيهات الدكتور جون قرنق حول التنوع التاريخي والمعاصر للسودان الذي يجب ان تعكسه دولة السودان الجديد.

لم تجتهد الحركة في انتاج خطاب فكري واضح ومفصل لمخاطبة هذه القضية المفصلية في دولة هشة وأمة تحت التكوين، أي قضية العلاقة بين مكونات الشعب السوداني وبلورة أسس واضحة للاصطفاف السياسي تنسجم مع بناء تنظيم مؤهل للمشاركة في بناء دولة ديمقراطية حديثة.

وهذا الإخفاق في بناء الحركة الشعبية كحركة قومية يتشارك المسؤولية عنه الزعيم الراحل جون قرنق وخلفاؤه الجنوبيون والشماليون، فجنوبيو الحركة قزموها إلى “حركة دينكاوية” وجنوبيوها الجدد قزموها إلى “حركة نوباوية”! وهذا التقزيم الأخير لم يدشنه تيار الحلو بل دشنه ياسر عرمان وأكمله الحلو!

فعرمان ظن – وبعض الظن إثم – ان الحركة الشعبية تكتسب قوميتها من وجوده هو شخصيا ليس كأمين عام فقط وإنما كحاكم عام لها! يتحكم فيها باستبداد غليظ وتقويض للمؤسسية والشفافية، وإقصاء ممنهج للقيادات القوية الفاعلة بما يتسق مع “المنهج العرماني” في القيادة القائم على الاتباع والإذعان التام للحاكم بأمره! وبلغ هذا المنهج من الشطط درجة ان أصبح شرط الترقي التنظيمي في الحركة الشعبية رهين لنوع العلاقة مع السيد عرمان لا لأي مؤهلات فكرية او سياسية أو سيرة نضالية كما تواترت شهادات أعضاء مخلصين في الحركة من مختلف القوميات والشماليون في الحركة في مقدمة من جأروا بالشكوى! لأنهم الأكثر تعرضا للتهميش والاقصاء العرماني الذي فسره الدكتور حيدر إبراهيم علي في مقالة منشورة بأن عرمان يتعمد إبعاد الشماليين المؤهلين من الحركة حفاظا على عنصر الندرة!

بعد ان ارتفعت الأصوات الاحتجاجية في وجه تسلط عرمان وانفراده بالقرار وتهميشه لقيادات تاريخية مثل عبد العزيز آدم الحلو وإقصائه لكل من يطالب بالإصلاح السياسي والتنظيمي والمؤسسي مثل رمضان حسن نمر على سبيل المثال لا الحصر، ظن عرمان أنه يمكن ان يتهرب من الإصلاح ويقمع المطالبين به عبر الابتزاز بقومية الحركة المزعومة المهددة من قبل “القوميين النوبة”!

وفي هذا تهرب من النقاش العميق لمأزق الحركة “الإثني الجهوي” المرتبط عضويا بعيوب بنيوية لازمتها منذ تأسيسها وعندما تحولت الحركة إلى شريك في الحكم بعد نيفاشا لم يلتفت عرمان لقومية الحركة التي كان في مقدمة شروطها بناء تنظيم قوي وفاعل للحركة في الشمال، بل انهمك كليا في خدمة أجندة “القوميين الجنوبيين” بقيادة سلفاكير حتى أوصلهم إلى بر الانفصال وقطف ثمار “تقرير المصير” الذي يستنكره الآن على “القوميين النوبة” !! أما السادة الذين كان يطلق عليهم “أولاد قرنق” فانشغلوا بغنائم وفوائد ما بعد النضال! والقصور الفاخرة في العواصم الأفريقية والأرصدة الدولارية المليونية في البنوك العالمية أنستهم “السودان الجديد” و”السودان القديم” وجعلتهم ينافسون تيار “القوميين الجنوبيين” في التطرف الانفصالي للانفراد بنهب ثروات جنوب السودان.

أما حظ الحركة الشعبية من الديمقراطية فلا يختلف عن بقية قوى”السودان القديم” بل أضل سبيلا بحكم انها حركة عسكرية صرفة نشأت في ظلال البندقية وكل يمد فيها رجليه على قدر ما يملك من بنادق!

حق تقرير المصير:

لا شك ان “حق تقرير المصير” من الحقوق الديمقراطية التي لا يجوز تجريمها بالمطلق، ولكن ممارسة هذا الحق لها شروط على رأسها المناخ الديمقراطي كامل الدسم! الذي يسمح بمنافسة حرة وشريفة بين خياري: الوحدة والاستقلال، منافسة تتيح لمن يرون مصلحة الشعب في الوحدة ان يروجوا لهذا الخيار ويستقطبوا له شارحين للشعب مزاياه، وأن ينتقدوا خيار الانفصال أو الاستقلال ويشرحوا عيوبه وآثاره السلبية دون إرهاب بتهم الخيانة والعمالة “للجلابة”، عدا ذلك يصبح “تقرير المصير” مفرغا من محتواه”الديمقراطي” ويكون مرادفا “لتقرير الانفصال” الذي تقرره نخبة محدودة في يدها القوة.

تبني تيار الحلو لتقرير المصير كقضية مركزية محبط جدا ويؤكد مجددا أن العمل المسلح الذي تقوده حركات إقليمية عديم الجدوى في إحداث التحول السياسي الجذري في مركز السلطة، وأن نهايته التسويات الجزئية مع النظام الحاكم في الخرطوم تمهيدا للانفصال، وما يميز هذه التسويات هو “تهميش” مصالح المهمشين الذين اندلعت الحروب باسمهم ممثلة في التنمية والخدمات لصالح رفاهية النخبة السياسية التي تدعي تمثيل الهامش حيث يُستنزف القسط الأكبر من موارد البلاد في (رشوة) النخب المسلحة حتى تكف عن الحرب ويظل ابتزاز الدولة بالسلاح لتحقيق المكاسب السياسية ملازما للحركات المسلحة حتى بعد ان تستقل بدولها ! هذا ما أثبتته التجربة العملية في جنوب السودان.

في ظل هشاشة الإرادة الوطنية وغياب المشروع الوطني القادر على انتزاع مصير السودان من العصابة الحاكمة في الخرطوم وفي ظل تبني قوى الهيمنة الدولية لسياسة تفكيك الدول إلى دويلات على اسس عرقية ودينية، ووجود لوبيات قوية في أمريكا والغرب تسعى لتقسيم السودان، فإن “الوحدة الوطنية” مهددة بشكل جدي، والحفاظ عليها لن ينجح إلا ببروز تيار وحدوي ديمقراطي في “الأقاليم المهمشة” نفسها يختار طريق الكفاح المشترك بين كل السودانيين العابر للأعراق والأديان والجهات في سبيل الحرية والعدالة والمساواة وإزالة التهميش السياسي والاقتصادي واستئصال العنصرية عبر مشاريع فكرية وسياسية لها وسائلها النضالية الجديدة، وفي هذا الإطار يكون السعي المخلص لطي صفحة “العمل المسلح” وفتح صفحة جديدة. هذا ما تقوله بوضوح تجربة السودان مع الحركات المسلحة! فها هو جنوب السودان أمامنا! ومن أراد ان يقف على حجم المأساة المروعة هناك يمكنه فقط زيارة موقع منظمة العفو الدولية وموقع هيومان رايتس وتش ليرى التقارير التي تتحدث عن الوحشية في القتل والاغتصاب والتشريد والتجويع والإذلال، ثم زيارة موقع مبادرة سنتري التي أسسها جون برندرقاست وجورج كلوني كفرع من مشروع كفاية على الرابط :

https://thesentry.org/

وتسعى المبادرة لكشف شبكات الفساد المرتبط بالعنف والسلاح في عدد من الدول الأفريقية ومنها السودان وجنوب السودان وقد كان آخر تحقيق نشرته المبادرة عن جنوب السودان بعنوان:

Making a Fortune While Making a Famine

The illustrative case of a South Sudanese general

وهو تحقيق استقصائي يكشف عن ثروة تقدر بملايين الدولارات راكمها وهربها للخارج جنرال في الجيش الشعبي أثناء الحرب الأخيرة في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الجنوبيين من المجاعة!

ونشرت المبادرة تقارير صادمة عن أرصدة قادة الحركة شمالا وجنوبا.

فهل هذا هو النموذج الذي يريده الحلو والقوميون النوبة لشعب جبال النوبة؟ خصوصا ان الحلو ذكر في استقالته جنوب السودان كأحد الأمثلة على تحقيق التحرر بالسلاح.

وبطبيعة الحال ليس هناك منطق يقنعنا بأن مآلات الانفصال في جبال النوبة ستكون أفضل منها في جنوب السودان اللهم إلا إذا كان جنرالات الجيش الشعبي في جبال النوبة هبطوا من السماء ولم تنتجهم ذات المؤسسة المأزومة التي اسمها “الحركة الشعبية لتحرير السودان”، بل ان معطيات الواقع تقول إن المآلات في جبال النوبة ستكون أسوأ لأن هذه المنطقة بحكم تركيبتها الإثنية والقبلية المتعددة من المستحيل ان تتوحد مثل الجنوب حول “تقرير المصير” الذي يعني في قاموس الحركة الشعبية”تقرير الانفصال” وسوف يتسبب ذلك في احتراب اهلي بين مكونات المنطقة التي ستنقسم حوله .

إن الموقف الصحيح سياسيا وأخلاقيا في ظرف السودان الراهن هو الابتعاد نهائيا عن “متاهة تقرير المصير”، لأنها ببساطة ليست حلا أو طريقا إلى السلام والأمن ناهيك عن التنمية والتطور.










المصدر:

https://www.altaghyeer.info/2017/06/23/ ... %82%D9%84/
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:








كشف المستور في شخصية عرمان (2)

بقلم: د. قندول إبراهيم قندول








في المقابلة إياها ذكر ياسر عرمان أنَّ عرض التنازل ما يزال قائماً لتقويم ما أفسده بنفسه ومالك عقار. ولكننا نقول إنَّ العرض أضحى بضاعة خاسرة، و"مات وشبع من الموت"، إلا إذا بادر هو – ونحن نشك في ذلك – بالتنازل. أما الفريق عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، المنتخب غير معني بما ينادي به ياسر أو ما قد يفعله لترميم علاقاته مع قيادة الحركة الجديدة وجماهيرها التي أهانها. على أية حال، فبدون مقدمة عرج ياسر عرمان بعد التصريح الداوي ليعلن بالقول حرفيَّاً: "نعمل الآن لتجديد رؤيتنا وتنظيمنا لكي ننفتح على الحقائق الجديدة وننفتح على القوى السياسيَّة الأخرى". فلنسأل سلسلة من التساؤلات: ما هو التنظيم الذي يريد ياسر تجديده وتحديث رؤيته، وما هي هذه الرؤية؟ إذا كان يقصد الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان وجيشها بلفظة "تنظيمنا"، فألم تكن الحركة مفتوحة من ذي قبل لكل أبناء السُّودان ومنفتحة على القوى السياسيَّة السُّودانيَّة الأخرى، وعلى المحيطين الإقليمي والعالمي؟ أوليس ذاك الانفتاح هو الذي أتاح ووفَّر لياسر عرمان الأرضية الصلبة لبناء إمبراطورية قوته التي بها جال ويجول ويقابل من يشاء دون أن تُغلق أمامه مداخل أو منافذ الدخول إلى والخروج من بلدان العالم واللقاء بمن يشاء من ممثلي الحكومات أو المنظمات بمسمياتها المختلفة باسم الحركة الشعبيَّة ممثلاً للمنطقتين؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي – مجازاً - فمَنْ هو السبب في انغلاقها داخلياً أو خارجيَّاً حت يأتي ياسر في الوقت الحرج من تاريخ السُّودان ليقول إنَّه يريد "حركة منفتحة"؟
داخليَّاً نعلم ويعلم ياسر جيِّداً أنَّ الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال عضو فاعل في "نداء السُّودان"، و"الجبهة الثوريَّة" و"قوى الاجماع الوطني والمعارضة" لأنَّه أحد مهندسي تلك العلاقة رغم بروز كثير من الخلافات وعدم الانسجام بين قادة هذه التنظيمات؛ ومن طرِف العبارات المستطرفة حقاً قول ياسر: "ونطوِّر تنظيمنا في سياسة وإستراتيجية وحيدة، هي توحيد السُّودان وفق رؤية السُّودان الجديد ولا نذهب أي مذهب آخر غير الوحدة". رؤية السُّودان الجديد ركن أساسي وإرث من الأدبيات التي قامت عليها فلسفة الحركة الشعبيَّة المعروفة للجميع، الوحدة الطوعيَّة - لا القسرية - لكل أقاليم السُّودان، إلا إذا أصرَّ أصحاب البنايات العالية والمنازل الزجاجيَّة في أعماق بعض أحياء بعينها داخل العاصمة المثلثة للسُّودان ممارسة سياسة السيِّد والمسود التي أدمنوها، ومواصلتهم رمي الآخرين بالحجارة تجسيداً لمفاهيم السُّودان القديم. فحين يقول ياسر بأنَّه يريد توحيد السُّودان هل يعني جمهوريتي السُّودان وجنوب السُّودان؟ إذا كانت الإجابة بالإيجاب، ألم يكن الشماليون أنفسهم سبباً مباشراً في انفصال الجنوب بتعاملهم الفظ للجنوبيين مع وجود روابط دموية معهم، ومع النُّوبة وغيرهم من شعوب السُّودان الأصيلة، أي أنَّ حبوباتهم من الجنوب؟ بلى!
على أية حال، ما نعلمه علم اليقين هو أن المتبقى من السُّودان واحد وسيظل واحداً إلا إذا أصرت النُخب الحاكمة والذين سيأتون من بعدهم تمادي ممارسة نفس العقلية الانفصاليَّة. ففي هذا الجانب ليس هناك قولاً أوضح مما كتبه الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان في كتابه المعنوَّن: انفصال جنوب السُودان ودور مسؤلية القوى السياسيَّة الشماليَّة، وسلسلة مقالاته الستة التي لخَّص فيها الكتاب رداً على إصرار بعض الشماليين في انكار مسؤولياتهم ونقدهم غير المنطقي للكتاب. فالكتاب والمقالات يعطيان بُعداً وعمقاً لفهم الروح الانفصاليَّة في وجدان بعض الشماليين أو قُل الأحزاب الشماليَّة بلا استثناء، العقائديَّة منها والتي تدعي التقدُّمية كما ظهر جليَّاً في كتابات بعض كتابها ومثقفيها وعلمائها في الآونة الأخيرة. فما يقوم به ياسر ما هو إلا تلاعباً حقيقيَّاً بالكلمات، والمفردات والألفاظ البراقة التي يحسبها المرء ماء ينفع الناس ولكنها في الحقيقة زَبَداً رابياً لا نفع فيه، وهو ذاهبٌ هباءً منثوراً!
إذن، الواقع الذي ينكره ويخفيه ياسر عن الشعب السُّوداني والجماهير المؤمنة والمخلصة لمبادىء الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، ويملأ الأثير والأسافير بالتصريحات، هو عمله الدؤوب لميلاد حزب جديد منذ أمد بعيد (وليس ميلا ثانٍ للحركة الشعبيَّة)، ثم إزداد نشاطاً أكثر في العام2011م، أي قبيل انفصال الجنوب. ولكنه قد غيرَّ وبدَّل موقفه حسب متغيرات الأحوال، وصرف النظر عن الحزب المستور حالما تتوفَّر الظروف والأرضية المناسبة، وتشبث بالحركة الشعبيَّة بعدما أقالته من الأمانة العامة أخيراً وسحبت من يديه أهم الملفات التي لا يعلم ما بداخلها من التفاصيل الدقيقة إلا هو. فالحزب الذي كان يعمل ياسر لإنشائه، وللذين لا يعلمون، هو حزب "الحركة الشعبيَّة للديمقراطيَّة والمواطنة". فالتجديد والتطوير اللذين يشير إليهما ياسر كان من الممكن القيام بهما عندما كان في القيادة التي فشلت في النهوض بالحركة الشعبيَّة لتحقيق أهدافها السامية. فعندما كان ياسر ذا بأس وسلطة على الكل جنَّب عنه من يشاء وعزل من لا ينسجم مزاجه معه، وعامل بالحسنى من رضي ويرضى عنه وأحسن وفادته لسببٍ أو لآخر (سنتطرَّق لهذا لاحقاً).
فالاعترافات بالأخطاء التي عدّدها ياسر في ورقته التي ذكرها في اللقاء التفلزيوني تؤكد أنَّ الرجل كان مستعداً للظهور في العلن بتنظيمه وإلا كيف تفسَّر البنود الأربعة وأربعين (44) والتي ظهرت بعد سبعة أشهر ونيف من المفاصلة مقارنة بعجزه التام في الإصلاح التنظيمي الذي نادت به غالبية أعضاء الحركة الشعبيَّة وبضرورة التصحيح من داخل منظومتها خلال أكثر من ست سنوات ولم يعيرها أدنى اهتمام إلا بعدما "وقعت الفأس في الرأس؟". فالأقوال الثلاثة التي افتتح بها ياسر ورقته المعنوَّنة بـ" نحو ميلادٍ ثانٍ لـرؤية السُّودان الجديد: قضايا التحرُّر الوطني فى عالم اليوم"، متناقضة تماماً مع أفعاله قبل إقالته لتهاونه واستهزائه بمطالبات رفاقه السابقين بلتغيير التصحيحي. فالورقة رغم ما بها من تلميحات بالاعترافات عن أخطاء الماضي، إلا أنَّها في مجملها خطاب سياسي طويل وليست ببرنامج عمل. وللأسف الأسيف مضى ياسر يرجِّع "أخطاء اليوم فى بعض جوانبها إلى أيام الدكتور جون قرنق". إذا كان ذلك صحيحاً، أين كنت منذ رحيله حين أُتيحت لك الفرصة وبصورة أكثر من أي شخص آخر بحسب علاقاتك المتميِّزة مع وقربك للراحل الدكتور قرنق وللمعلِّم يوسف كوة مكي لتصحيح تلك الأخطاء؟ فالدكتور قرنق كان يهتم ويأمل فيكم ويعول عليكم الكثير كونكم من الشماليين القليلين في صفوف الحركة الشعبيَّة. ولكن الغريب في الأمر أنّكم ثرتم على الذين اعترفوا بتلك الأخطاء وعزموا الثورة عليها تصحيحاً للمسار الذي إنزلق بإيثار أو تفضيل مجموعة من الثوار القدامى والتحالف العضوي وليس الإستراتيجي مع أعداء مشروع السُّودان الجديد. فما الجديد، إذن؟
الجديد أنَّ ياسراً عكف وكرَّس وقته في إنشاء الحزب الجديد بقراءة مسودة المنفستو والدستور الخاص به مبدياً ملاحظاته حول بعض النقاط التي لا تنسجم مع مزاجه الشخصي. فقد كتب من ضاحية أركويت بالخرطوم في 18 مايو 2011م عدة ملاحظات مساهمة منه للجنة دستور الحزب وتحديداً للدكتور الواثق كمير الذي – ربما - كان مسؤلاً عن ورئيساً للجنة كتابة ذلك الدستور. هنا لا مناص من الإشارة إلى الأدوار الإيجابيَّة للمرحوم الدكتور عبد الماجد علي الحبوب (بوب). لقد أبدى الدكتور بوب تحفظاً لمسعى ياسر لإنشاء الحزب الجديد عندما تمت استشارته للإدلاء برأيه وتقديم بعض النصائح حول المقترح. نعتقد أنَّ الدكتور بوب (والله أعلم بمقاصده) وقف على الجانب الصحيح من التاريخ إذ رد كتابةً على طلب الدكتور الواثق كمير قائلاً: "بالرغم من إدراكي لحصرية المواضيع التى طلبت مني تقديم مقترحات بخصوصها، لم أجد بداً من التطرُّق لمجمل القضايا التى تتعلَّق ببناء تنطيم سياسي فى ظروف شديدة التعقيد. جانب منها يتعلَّق بمسعاكم لإقامة حزب سياسى بالاستناد على إرث الحركة الشعبية". ثم ذهب الدكتور بوب يعدِّد مآخذه التي بلغت سبع نقاطٍ جياد، بالدراسة والتحليل والاستنتاج. منها أنَّه كان يرى من الضروري الاهتمام بآراء لفيف من الأكاديميين والسياسيين السُّودانيين الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة فى وضع برنامج عمل للحركة بعد توقيع اتفاقية نيفاشا غير أَّنَّ قيادة الحركة لم تهتم بمسألة البرنامج فانصرفوا – أي طبقة العلماء السياسيين وأهل المعرفة والفكر. نعتقد أنَّ في هذه الملاحظة إيحاء بضرورة إشراك هذه النخبة المتعلِّمة، ولكن لا حياة لمن تنادي. وفي نقطة ثانية ذكر الدكتور بوب ناصحاً المستَشِيرين: "أعتقد من الأجدى أن تتريثوا فى مسألة العلاقة السياسيَّة مع الحركة الشعبيَّة فى دولة الجنوب باعتبار تغيُّر الدور الذى ستضطلع به الحركة قريباً "كحزب حاكم". وفي نقطة ثالثة قال بوب راشداً قادة الحركة الشماليين: "(...) يتعيَّن عليكم الإقرار بأنَّ الزخم الهائل من التأييد للحركة الشعبيَّة باعتبارها الوريث الشرعي لشعار السُّودان الجديد قد انحسر بقدر كبير بعد موت الدكتور قرنق، وبسبب مواقف قيادة الحركة الشعبية (الجنوبيَّة) غير المثابرة من مطالب المناطق المهمَّشة، وقضايا التحالف الثابت مع القوى السياسيَّة في الشمال (...).
نعتقد أنَّ الدكتور بوب كان يشير إلى ميل بعض قادة الحركة الجنوبيين لفصل الجنوب عن الشمال، وتعاظم نداءات بعض أهل الشمال بحتمية فصل الشمال الذي خسر كثيراً من الجنوب "المستفيد" حسب زعمهم، عن الجنوب! لقد كان ياسر عرمان وقتذاك نائباً للسيد باقان أموم الأمين العام للحركة (الأم)، والكل يعلم تشاكس الاثنين، وتبرُّم أموم الواضح من ياسر مع أنَّهما كانا في خانة "أولاد قرنق" كما يحلو للشامتين مناداة كل من تأثر تأثيراً بليغاً بشخصية الدكتور جون قرنق وأفكاره الخالدة. لقد طُويت تلك الملاحظات والنصائح القيِّمة من رجلٍ في قامة الدكتور بوب وأُودعت في الأدراج والرفوف لتستخدم في وقت المسغبة والتناحر اللا عقلاني.
فعندما سُئل ياسر في اللقاء متى بدأ البرنامج الجديد للوحدة تحاشى الإجابة عن الوقت الذي بدأ فيه البرنامج، واختار أسهل الطرق بالنسبة إليه: الكيفيَّة أو بماذا بدأ البرنامج ليقول:"(...) بدأ هذا البرنامج بورقتين. ورقة قدَّمها رئيس الحركة والثانية طرحتُها ولدينا ورقة ثالثة نعمل فيها مع المثقفين والعلماء السُّودانيين لتوضيح أي شيء تهدف إليه رؤية السُّودان الجديد فيما يتعلَّق بنظام الحكم، والدستور، والتعليم، والصحة حتى تمشي رؤية السُّودان الجديد في الأسواق"! نقول بكل ثقة أو بدون مواربة إنَّ رؤية السُّودان الجديد لا تحتاج للتوضيح وإنَّما إلى المصداقية في التنفيذ والتي بدورها تحتاج للأمانة التاريخيَّة بالعمل معاً لتحقيق الأهداف. فإذا سلمنا أنَّ ورقة المثقفين والعلماء جاءت أو ستأتي لتوضيح الرؤية فما هي تلك الرؤية وكيف تختلف عن الإرث والمبادىء العامة للحركة الشعبيَّة التي أشار إليها الدكتور بوب؟ بالله ما هو الجديد فيما يخص المواضيع المذكورة أعلاه غير تعابير دون معنى كـ"المشي على قدمين في الأسواق" كأنَّنا في الزمن الغابر – لا نقول زمن الجاهلية الأولى - وليس عصر العولمة.
نختم بأنَّ عرض التنازل عن القيادة الذي قدَّمه ياسر ومالك غير مجدٍ والحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال بقيادتها السياسيَّة والمدنيَّة، والقيادة العسكريَّة في جبهة القتال غير معنية به في الوقت الحاضر. المساعي الحميدة للتوحُّد – في رأيي الشخصي – ممكنة بشرط اعتذار ياسر عرمان عما ذكره في اللقاء، وكذلك ينبغي اعتذاره ومالك عقار عما حدث في صفوف الحركة والاقتتال الذي وقع في النيل الأزرق وراحت فيه أرواح بريئة على رأسها العميد علي بندر السيسي الذي كان سجيناً في رئاسة مالك عقار نتيجة للتعنُّت وعدم إعمال صوت العقل. فالسيسي لم يرتكب جريمة غير أنَّه طالب بالإصلاح التنظيمي والهيكلي في الحركة بدلاً عن السياسة الدكتاتورية التي اتبعها الرجلان في تسيير شئون التنظيم في الوقت الذي كان فيه رفيقهما الحلو مشغولاً بصد الحملات الصيفيَّة التي كان يسيِّرها نظام الخرطوم للقضاء على الجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال طيلة السنوات االسبعة الماضية. كان يتوجَّب على ياسر وعقار تسمية تنظيمهما ورؤيتهما بعيداً عن إرث الحركة الشعبيَّة التي تقوم الآن بعملية إصلاح عام لهياكل مؤسساتها الداخلية والخارجيَّة والعمل لتحقيق مشروع السُّودان الجديد الذي الذي نادى به القائد الدكتور جون قرنق دي مبيور ورفاقه منذ إنشاء الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان عام 1983م.

نوصل.




[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:








الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان-شمال:

تقويم المسار من الاتجاه الضار (2 من 2)


بقلم: د. عمر مصطفى شركيان




تنويه واعتذار:

لقد ورد في المقال السَّابق اسم الدكتور عبد السَّلام نور الدِّين بأنَّه صاحب المقال "لا تنخدع بالعبور إلى الضفة الأخرى"، حيث أنَّ صاحب المقال إيَّاه هو عبد السَّلام نورين، ولكل منهما موقف من القضيَّة السُّودانيَّة. إذ نعتذر من هذا الخلط في الاسمين، ونرجو من الأخوين المعذرة والمغفرة من هذا الخطأ الذي لم يكن مقصوداً.


أما بعد، فقد ربطت الحركة الشعبيَّة في أيَّة مفاوضات سياسيَّة قادمة مع النظام الخرطومي بسقف، وهذا السقف حدَّدته جماهير إقليمي جبال النُّوبة والنيل الأزرق بحق تقرير المصير، والذي قد تعني نظماً مختلفة، وليس بالضروة الحتميَّة الانفصال كما يتخوَّف نظام الخرطوم وأشياعه، فقد يعني هذا الحق الحكم الذاتي، ولكن بجيشه الشَّعبي؛ وقد يعني النظام الفيديرالي كما في ألمانيا وليس المسخ "الإنقاذي" الممارس اليوم في السُّودان وبجيشه الشَّعبي أيضاً؛ وقد يعني اتحاد كونفيديرالي مثل النظام السويسري، وهذه الأنماط كلها ضروب من أضراب الوحدة وبجيشه الشَّعبي كذلك؛ أو الانفصال التام. والانفصال ليس بالضرورة أن يكون "مطابقاً لحق تقرير المصير، وهو ببساطة أن يكون لهذه المجموعات (الحق في) أن تقرِّر مصيرها بالدَّولة المركزيَّة، وتحدِّد شكل علاقتها بالمركز، وما يتم من مشاريع تنمويَّة وخدميَّة في المنطقة، وأن يقرِّروا مصيرهم في كلِّ ما يتصل بشؤونهم الخاصة، وهذا يقود إلى السُّودان الجديد، الذي يقوم على التعدُّد الثقافي والدِّيني، وكل إنسان حر في ممارسة عاداته وتقاليده وطريقة حياته، وأن تكون هناك ديمقراطيَّة،" والإيضاح هنا للدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى.
بيد أنَّ المطالبة بحق تقرير المصير في ذينك الإقليمين ليست بجديدة. فقد سبق أن تنادت شعوب هاتين المنطقتين بهذا الحق في مؤتمر عموم أبناء النُّوبة في كاودا في 2-5 كانون الأول (ديسمبر) 2002م، وفي مؤتمر الكرمك في 16-18 كانون الأول (ديسمبر) 2002م. إذاً، كل ما فعله القائد الحلو هو انحيازه إلى رأي الجماهير قديماً وحاليَّاً في المطالبة بهذا الحق في هذا الأمر. ثم ندلف إلى هؤلاء وأولئك الذين باتوا ينعتون الحركة الشعبيَّة اليوم بعدم القوميَّة بعد مطالبتها بحق تقرير المصير بما فيهم من كانوا في الحركة منذ الأزل، ونحن نعلم علم اليقين بأنَّ الحركة الأم قد طالبت في السابق بهذا الحق منذ إعلان المبادئ في نيروبي العام في أيار (مايو) 1994م وكانت حركة قوميَّة، فما الجديد اليوم إذاً؟ وكذلك يستطرد الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى قائلاً: "يجب أن يفهم الناس هذا الأمر على وجهه الصَّحيح، حق تقرير المصير جزء أصيل في منيفستو الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان، منذ أن كانت موحدة تحت قيادة الدكتور جون قرنق دي مبيور ومعه على نفس الدرجة من الأهميَّة رؤية السُّودان الجديد، وهذان كانا هدفين توأمين للحركة، ولا يمكن تفضيل واحد على الآخر." وقد أبنا ذلك في مستهل مقالنا هذا.
غير أنَّ الذين يرتأون بأنَّ الحركة الشعبيَّة تتحدَّد قوميتها بشخص معين أو أثنيَّة محدَّدة فهذا خطأ مبين. وفي هذه اللحظة الانعطافيَّة كان محمد قيسان محقاً حين كتب في صحيفة "نوبة تايمز" الإلكترونيَّة، وهو يضع التساؤلات في "هل للألوان دلالة رمزيَّة لإحداث تغيير؟"، واستطرد سائلاً: "هل أثنيَّة ولون (شخص) دالة على قوميَّة الحركة، ومشروع السُّودان الجديد لا يُقبَل إلا من خلال اللون والعرق؟ إذاً، قرنق كان (قد) امتلك عصا موسى السحريَّة، التي من خلالها هشَّ الاعتقاد الجازم بضرورة اللون كمفتاح قومي للوحدة؟" ثم أضاف محمد قيسان بأنَّ "مذكرة توقيعات الخمسين عضو من الحركة الشعبيَّة المناوئين لقيادة الحلو أعادت إلى الأذهان مذكرة كرام القوم، التي تبرَّأت من البطل علي عبد اللطيف ورفاقه في حركة اللواء الأبيض العام 1924م." وعقار وعرمان كمناضلين تأريخيين لا يتنكَّر أحد على كفاحهما الطويل فعليهما القبول بالوضع الجديد تحت القيادة الجديدة، لأنَّ كل ما حدث هو تغيير مواقع الثوَّار وفق الدستور، وليس بانقلاب في شيء كما أمسى يردِّده بعض النَّاس افتراء على الحق.
ومن هنا نود أن نشير ونقول إلى أولئك وهؤلاء الذين باتوا يلومون الحركة الشعبيَّة وقادتها حين اختار أهل الجنوب المضي في سبيلهم، واختاروا استقلالهم من السُّودان الشمالي العام 2011م، وقالوا فيهم ما لم يقله مالك في الخمر، هل كان بإمكان الدكتور قرنق أو خالفه سلفا كير أن يقرِّر بصوته الوحيد، أو حتى أصوات قادة الحركة الشعبيَّة كلهم أجمعين أكتعين، مصير شعب الجنوب في أن يبقى موحَّداً في كنف السُّودان القديم بكل سوءاته؟ علي أيَّة حال، فقد جاء الانفصال ووقع الفأس في الرأس، وبُعيد الانفصال حتى اليوم لم يتركوهم لوحدهم، ومثلهم كمثل البعل الذي طلَّقته بعلته، فأخذته الحسرة والحيرة والغيرة من جمالها ونسبها وحسبها، حتى شرع يسبُّ لها، ويسبِّب لها من المشكلات ما هي كثيرة مع زوجها الجديد، وفي عقر دارها الجديدة. ومع ذلك، نجد أنَّ كل من يأمل في الجديد، ويرنو إليه ببصر حديد، فالجديد دوماً مغري للمرء الذي يرتاده، حتى ولئن لم يبن آفاقه ولم يهتد إلى مراميه، عسى أن يجد فرجاً بعد الكرب الذي هو قابع فيه. مهما يكن من شيء، فالانفصال كان خيار الشَّعب في جنوب السُّودان، ولا قوة تستطيع أن تقف حائلاً ضد خيار الشُّعوب، فإذا اختار الشَّعب خياراً يوماً فلا بدَّ أن يستجيب القدر، لذلك كانت قرارات مجلسي التحرير في جبال النُّوبة والنيل الأزرق هي خيارات الشَّعبين في هذين الإقليمين.
ومنذ عودة العدائيَّات في ولايتي جنوب كردفان (جبال النٌّوبة) في حزيران (يونيو) 2011م والنيل الأزرق في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه نصحنا أهل الحكم نصحية نصوحاً، ومن منطلق الناصح الأمين، وفي تأليف ضخم (في النِّزاع السُّوداني: عثرات ومآلات بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق، مطابع أم بي جي العالميَّة، لندن، الطبعة الأولى، 2015م)، بأنَّه كلما طال أمد الحرب، واستغلظت معاناة أولئك الذين يحترقون بنيران محرقة الحرب الضروس، فإنَّ المحصلة النهائيَّة قد تجبر أهل النُّوبة وشعب النيل الأزرق إلى رفع سقف المطالب، وهذا ما حدث بالضبط والربط، وذلك لأنَّ أهل الحكم في الخرطوم قد انتقلوا بما كانوا يمارسونه مع أهل جنوب السُّودان منذ العام 1955م إلى أقاليم السُّودان المهمَّشة الأخرى في جبال النَّوبة (الجنوب الجديد) والنيل الأزرق ودارفور، لأنَّهم لم يعوا الدروس والعبر.
أيَّاً كان من أمر أهل الحل والعقد في الخرطوم، فظاهرة التهميش واقع ماثل لا ينكره إلى متناكر، وقد عزا أصحاب السلطة وأشياعهم هذا التهميش إلى الظروف التأريخيَّة (الاستعمار)، والبعد الجغرافي (بعد التخوم عن المركز)، ثمَّ ذهب آخرون إلى نعته بأنَّه صراع يأخذ طابعاً اقتصاديَّاً مادِّيَّاً (حروب الموارد)، ولكنَّهم دوماً يتجنَّبون ويتزاورون عن البعد الثقافي والأثني في الصِّراع لشيء في أنفسهم. فنحن نندهش من هؤلاء الماركسيين واليساريين السُّودانيين الذين ما فتأوا يقتصرون تحليلهم على واقع النِّزاع السُّوداني باستخدام "الحتميَّة الاقتصاديَّة" (Economic determinism) كعنصر وحيد لتحليل مشكل الهامش والمركز، وتجاوز المناهج الأخرى. فحين قامت السلطات السُّودانيَّة في الثمانينيَّات بما أسموه "الكشة"، اقتصر ذلك السلوك التجريمي العنصري على الأثنيات الإفريقيَّة، أو من كانوا تبدو عليهم ملامح غير عربيَّة. إذ كان ذلك ضرباً من الحرب الأثنيَّة-الثقافيَّة على شعوب السُّودان الأصلاء؛ فهل نغمض أعيننا ولا نسمِّي الأشياء بأسمائها! وحين اغتلظ البشير في القول، واستعار واستعان ببيت الشَّاعر العربي القديم أبي الطيِّب المتنبِّي في نزاعه مع أهل الجنوب قائلاً: "لا تشتري العبد إلا والعصا معه/ إنَّ العبيد لأنجاسٍ مناكيد"، لم نر في نزاع البشير مع أهل الجنوب يومذاك حول حقول البترول في الهجليج أنَّه اقتصر على الحتميَّة الاقتصاديَّة فحسب، بل أخذ طابعاً عنصريَّاً فائحاً يزكم الأنوف، وتعفُّ ألسنة العقلاء من ذكرها أو ترديدها. فنحن نرفض غلو قوميَّة على أخرى، أو سمو ثقافة على أخرى، فالثقافة أيَّة ثقافة اختراعات بشريَّة اجتهد العقل الإنساني في ابتكارها للتعامل مع الظاهرات البيئيَّة والحياة الاجتماعيَّة التي يحياها. فبالتعليم والعولمة والانسياب الثقافي الطوعي يمكن أن تتغيَّر المفاهيم المختلفة المرتبطة بهذه الثقافات لا قهراً واقتداراً.
فعلاج اختلال ميزان الثروة القوميَّة والسلطة السياسيَّة ينبغي مرافقتها بمخاطبة المشكل الثقافي والهُويَّة والجهويَّة (الهامش)، والنَّظر بعمق إلى الأسباب التي تدفع شعوباً بأسرها إلى المطالبة بحق تقرير المصير، وعلينا أن نذكِّر الماركسيين السُّودانيين بأنَّ ماركس نفسه كان من أنصار حق تقرير المصير للقوميات غير السوفيتيَّة. فقد أقرَّ ماركس بأنَّ أيَّة أمة تضطَّهد أخرى، فهي أمة غير حرَّة، وكان لينين يجادل بأنَّ الأمم المضطَّهَدة (بفتح الهاء) بواسطة الإمبرياليَّة فلها الحق في تقرير مصيرها. والإمبرياليَّة أو الاستعمار ليست بالضرورة أن تكون استعماراً خارجيَّاً، فهناك الاستعمار الداخلي كما حدث في جمهوريَّة جنوب إفريقيا في عهد الأبارتهيد (نظام الفصل العنصري)، أو كما مارسه الحكام التوتسويُّون على أثنيَّة الهوتو قبيل وأثناء الاستعمار البلجيكي في كل من رواندا وبوروندي، أو كما تشهده شعوب جبال النُّوبة والنيل الأزرق ودارفور وهو ليس بأقلِّ من الاستعمار الخارجي بشيء، بل أسوأ من عهد الاستعمار البريطاني-المصري، أو بالأحرى أن نقول ليست هناك ثمة مقارنة أو مقاربة. وفوق ذلك، كان منطق الاشتراكيين – بالطبع غير السُّودانيين – هو أنَّه يمكن تحقيق المساواة بإعطاء حق تقرير المصير إلى الأمم المضطَّهَدة، حتى يتَّحد العمال في الدول المضطَّهَدة مع الآخرين في الدولة المضطَّهِدة (بكسر الهاء). وفي ذلكم الزمان قارن لينين حق تقرير المصير بحق الطَّلاق في الوقت الذي فيه كان الطَّلاق أمراً صعباً عند المرأة المتزوِّجة. إذ قال لينين نحن نقف مع حق المرأة في فسخ الزواج، ليس لأنَّنا نرغب في فسخ كل الزيجات، ولكن لم تكد تسود المساواة بين النِّساء وأزواجهن، حيث ظلَّت النِّساء مرتبطات ببعولهن بعقد الاضطهاد.
ثمَّ نعود إلى أولئك وهؤلاء الذين وصفوا قرارات مجلس التحرير في إقليم جبال النُّوبة بالعنصريَّة، وإنَّ هذا لأمر عُجاب! فالعنصريُّون هم البيض الذين هاجروا من أوربا إلى القارة الأميريكيَّة، وبعد حين تمرَّدوا على التاج البريطاني، وأسمَّوا تمرُّدهم ذلك حرب الاستقلال، ولم يكن هذا بحرب الاستقلال في شيء إذا صحَّ التعبير موصولاً مستطرداً. فإنَّ كان قد انتفض أهل البلاد الأصلاء – أي الهنود الحمر – لكان قد صحَّ أن تُطلق على انتفاضتهم اسم حرب الاستقلال. أيَّاً كان من الأمر، فما أن آلت الأمور إلى هؤلاء البيض حتى شرعوا يمارسون عنصريَّة شنيعة ضد أصحاب الأرض الأصلاء من الهنود الحمر، وكان شعارهم "الهندي الحسن هو الهندي الميِّت" (The good Indian is the dead Indian)، وألقوا بأطفالهم في معسكرات بغرض محو ثقافتهم واستبدالها بثقافة الرَّجل الأبيض، وهذا ما مارسه نظام "الإنقاذ" مع شعب النُّوبة في التسعينيَّات من القرن المنقضي فيما أسموه "قرى السَّلام"! وما يزال غلاة البيض في الولايات المتحدة الأميريكيَّة الذين يطلقون على أنفسهم كو كلس كلان يمقتون السود إلى حد القتل. هؤلاء هم العنصريُّون!
وكذلك العنصريُّون هم البوير (المزارعون الهولنديُّون) وحفنة من الفرنسيين والألمان الذين جاءوا إلى جنوب إفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي، وحكموا الدولة، وأذلُّوا أهلها الأصلاء تقتيلاً وترهيباً زهاء الثلاثة قرون (1652-1990م) في نظام عنصري أثيم سماه العالم أيامئذٍ نظام "الأبارتيهيد" (أي سياسة الفصل العنصري). والعنصريُّون كذلك هم البيض من عتاة المجرمين والسجناء الذين كانت الإمبراطوريَّة البريطانيَّة تلقي بهم في أستراليا ونيوزيلاندا، وما أن نزلوا هذه الديار حتى أبادوا أهلها الأصلاء الأروما "الأبورجين". إذ كانوا يصطادونهم كأنَّهم حمرٌ مستنفرة بعد أن أهدروا إنسانيَّتهم، وداسوا على كرامتهم، وكأنَّهم لم يكونوا بشراً سوياً.
والعنصريُّون هم النازيين الهتلريين الذين كان ينتوي زعيمهم أدولف هتلر في القضاء على الأفارقة، ومن ثمَّ جعل القارة الإفريقيَّة مكاناً للتجارب النوويَّة؛ أما أسنان الأفارقة البيضاء الناصع البياض فكان هتلر يأمل في أن يستخدمها الألمان في صناعة الزراير. واليوم تتبدَّى العنصريَّة في أوروبا في الأحزاب اليمينيَّة المتطرفة في الحزب القومي البريطاني، وجماعة الدِّفاع الإنكليزيَّة، والمحاربة 18 في بريطانيا، والجبهة القوميَّة في فرنسا، واتِّحاد الشمال في إيطاليا، والنازيين الجدد وحزب "باقيدا" في ألمانيا، وحزب الحريَّة في هولندا. ولعلَّ كل هذه الأحزاب والجماعات ما هي إلا كيانات عنصريَّة يرى أعضاؤها أنَّ كافة مشكلات أوروبا سببها الأول والأخير هو المهاجرون واللاجئون، بما فيها مشكلات العطالة، وتزايد الجرائم، والإسكان والصحة وغيرها.
ثم ندلف إلى السُّودان. إنَّ من المعلوم أنَّ العنصريَّة صفة متلازمة يطلقها أهل السلطة في الخرطوم وأعوانهم على شعوب السُّودان الأصيلة كلما انتفضوا أو نهضوا يطالبون بحقوقهم الطبيعيَّة والدستوريَّة. إذاً، فالعنصريُّون في السُّودان هم الذين استمرأوا في إذلال غيرهم من أهل الجنوب وجبال النَّوبة والنيل الأزرق ودارفور، حيث كانوا يصطادونهم كالرَّقيق منذ اتفاقيَّة البقط الشؤوم العام 652م، ثم واصلوا ذلك في العهد التركي-المصري (1821-1885م)، وفي ظل الحكومة المهديَّة (1882-1898م). وفي هذا المجال نود أن نذكِّر الناس بأنَّنا عاكفون على دراسة "التركيَّة في كردفان"، وسنبرز دور التجَّار العرب الجلابة فيما نحو إليه، وفيما كانوا يفعلون بالنُّوبة، ومن بعد سيعلم الذين لا يعلمون، أو الذين يعلمون لكنهم ينكرون، أين كانت أجراس العنصريَّة تُقرع، وأين كانت أعلامهم ترفرف! والعنصريُّون الجدد هم أصحاب نظام "الإنقاذ"، الذين ما فتأوا يقذفون الأطفال والنِّساء والعجزة في جبال النُّوبة والنيل والأزرق ودارفور بالقنابل العنقوديَّة والبرميليَّة، والمدافع الثقيلة، والأسلحة الكيميائيَّة المحظورة دوليَّاً، ويغتصبون بناتهم وأمهاتهم دون أن ترمش لهم عين، أو يرق لهم السَّمع لأنين الثكلى، أو تستلطفهم دموع اليتامي. ثمَّ إنَّ العنصريين لهم أولئك الذين ينظرون إلى غيرهم بعين الحقد والبغضاء لا لشيء، بل لأنَّهم يطالبون بالقسمة العادلة لثروات البلاد القوميَّة، والسلطة السياسيَّة، والمساواة والعدالة في الحقوق والواجبات. والعنصري في السُّودان هو الذي يرى في غيره الدونيَّة ويذله إذلالاً، مستعيناً بحسب ونسب الأشراف ولئن كنا في شك مريب فيما هم فيه يزعمون. وقد تعلَّمنا في دروس الكيمياء حقيقة أزليَّة أنَّه حين يختلط عنصران كيميائيان فإنَّ الناتج حتماً لا يكون كأحدهما في شيء، بل يختلف تماماً في الخصائص والوظائف – فعلى سبيل المثال لا حصريَّاً – خذ غاز الكلور ومعدن البوتاسيوم يأتيك الخليط هجيناً ومِزاجاً بين هذا وذاك. فهذه الدّماء التي أسموها عربيَّة قد ذابت في أخرى إفريقيَّة وباتت المحصلة النهائيَّة غير عربيَّة.


خلاصة:


أي تنظيم ثوري أو حزب سياسي لا بدَّ له أن يمر بمرحلة مخاض جديدة وقد تكون عسيرة، أو تجربة ثوريَّة أو سياسيَّة في مشواره النِّضالي، وبخاصة إذا طال أمد النِّضال، وقد تأخذ التجربة إيَّاها شكل الحراك السياسي العقيم مما يؤدِّي إلى التشظَّي، أو تجربة دمويَّة يتقاتل فيها الرِّفاق القدامى وأنصارهم حتى تأكل الثورة بنيها، أو أبيها (حال المؤتمر الوطني). وقد يتم التَّصالح والعودة إلى الوئام والسَّلام بين الرِّفاق. إذ يُحسب نجاح التنظيم في مقدرته على العبور إلى الشاطئ الآخر بأقلَّ الخسائر البشريَّة والماديَّة، وتجاوز الخلاف والالتقاء نحو الأهداف المشتركة، والوسائل المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف والوصول إلى مراميها. ومن هنا نستطيع أن نقول إنَّ الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في آب (أغسطس) 1991م، أو في آذار (مارس) 2017م قد استطاعت أن تعبر هذه التجربة بصورة دستوريَّة ديمقراطيَّة في الحال الأخيرة، برغم من الأحداث المؤسفة التي وقعت في النيل الأزرق وراح ضحيَّتها قادة عظام وأرواح عزيزة، عسى أن يتغَّمدهم الله بواسع رحمته التي وسعت كل شيء، لأنَّ دماءهم سوف لم تذهب سدى.
أما فيما يختص بالقرارات الأخيرة التي أصدرها الرئيس السَّابق للحركة الشعبيَّة، والتي موجبها أقال بعض أعضاء الحركة الشعبيَّة من مناصبهم كممثلين للحركة في المهاجر – بما فيهم شخصي الضعيف – فنحن نكتفي بالتسآل الملح التالي: كيف يكون المفصول فاصلاً! أو بأسلوب آخر، دلُّوني متى كان المعزول عازلاً؟ وأنَّى له من الصلاحيات القانونيَّة أو السلطات الدستوريَّة حتى يصدر مثل هذه القرارات.
مهما يكن من أمر، فحكام السُّودان القدامى والجدد – ويا لغرابة الدَّهشة – من عيِّنة المحاربين المفرطين في الاحتراب. وبطبيعة تفكيرهم المعتل لم يحاربوا يوماً أمماً أخرى، لكنَّهم أنفقوا جلَّ سنواتهم ومواردهم البشريَّة والماديَّة في محاربة مواطنيهم، وقد تمَّت تغذية هذه العادة الشاذة بالظروف السياسيَّة التي هي من صناعتهم. وحال السُّودان اليوم بعد انفصال الجنوب كمثل الجسم المعلول الذي تقضمه الجراثيم من الداخل، وجراثيم الفناء تبدأ من الداخل دوماً، وتنهشه الدول الأجنبيَّة من الخارج، فإن لم يتم إسعافه، بل وتُرِك المرض ينتشر في جميع أعضاء الجسد فحتماً سينهار الجسم حينما تتداعى الأشياء في المحصلة الحتميَّة، ولعلَّنا نخشى أن نصحو يوماً ولا نكاد نتعرَّف على ما كان يُسمَّى في الماضي القريب بالسُّودان. ففي هذه الحروب الداخليَّة التي لا طائل لها كان أهل الجنوب من أكثر القوميات السُّودانيَّة تأذِّياً منها، وجاء النُّوبة وشعب الفونج وأهل البجة، ثم تبعهم أهل دارفور، وذلك كله في بلد تكثر فيه القوانين، ولكن في غياب الاحتكام إلى القانون.
ففي خلاصة القول نستطيع أن نقول بعزم أكيد ها هم النُّوبة في طبعهم وطبيعتهم، أولي العزم كانوا وما يزالون، ويشهد العالم بأسره بهذه القيم النبيلة والرُّوح النضاليَّة، والتي تبدو منذ الوهلة الأولى وكأنَّها مغامرة رشيدة. حسناً، وإنَّا لترانا بالحديث عنهم ولسان حالنا يقول حين يختفي كثرٌ من كرويسوس السُّودان القديم، الذي أخذ البعض يقبِّل أقدامهم، ثمَّ يصبح في طي الكتمان كثرٌ من الساسة بعد سقوطهم من أعتاب القداسة، تنفلق أسماء هؤلاء المناضلين في جبال النُّوبة الذين وهبوا حيواتهم رخيصة بقلوب عظام، ونفس مرضيَّة، ودماء مهراقة، والذين جعلوا منطقة جبال النُّوبة كما هي، لتذكرهم الأجيال، ولكي تُدرَّس سيرهم ومسيراتهم للأطفال، الذين لا تزال أرواحهم غير المشكَّلة نائمة في أرحام القرون القادمة. إذاً، من ذا الذي يكون كرويسوس هذا الذي أشرنا إليه إيَّاه؟ كان كرويسوس ملك ليديا الإغريقيَّة (اليونانيَّة) والذي – حسبما قال الأب الرُّوحي للتأريخ هيرودوتُس (484-425 ق.م.) – حكم لمدة 14 عاماً منذ العام 570 ق. م. حتى هزيمته بواسطة الملك الفارسي سايرس العظيم العام 546 ق. م. وفي القرن الخامس الميلادي أمسى كرويسوس أيقونة أسطوريَّة، والذي ظلَّ تمثاله واقفاً خارج المحدَّدات التقليديَّة للتأريخ، وبات مضرب المثل في الثراء.
ومثل السلطنات العظيمة في دارفور، كان شعب الفونج في سنار على ضفاف النيل الأزرق قد أسَّسوا سلطنة عظيمة أيضاً استمرَّت زهاء الثلاثة قرون (1504-1821م)، وذلك بعد اتحاد شيوخ القبائل شمال الخرطوم والنيل الأزرق، وقد استمات جنودها نضالاً في وجه الغزو التركي-المصري العام 1821م. هذه السلطنة كانت جزءً من الحضارة الإفريقيَّة العريقة جنوب الصحراء، التي امتدَّت من الغرب في شكل سلطنات كانو وبرنو في امتداد نيجيريا والكميرون، وودَّاي في تشاد، وسلطنات غرب السُّودان في دارفور، وتقلي والمسبَّعات في كردفان، وسلطنة الفونج في سنار، ومملكة أكسوم في إثيوبيا، وممالك البجة في شرق السُّودان ومملكة كوش في شمال السُّودان. إذاً، شعوب بهذا الإرث التأريخي المعاصر يستوجب عليها تحويل هذا الإرث التليد إلى حركة حقوق مدنيَّة في الحراك الثقافي والنِّضال السياسي الدائرين اليوم فيما تبقى من السُّودان.





[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

خطاب:







خطاب عبد العزيز آدم الحلو
رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (ش) والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان (ش)
للمؤتمر العام الإستثنائي في مدينة كاودا، الأراضي المحررة بجبال النوبة/جنوب كردفان في الثامن من أكتوبر 2017







الضيوف الكرام،
الإدارات الأهلية وكبار السن،
الرفاق المندوبين لهذا المؤتمر الإستثنائي التاريخي للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش).

أحييكم بإسم حركتنا العظيمة، الحركة الشعبية لتحرير السودان (ش). أحييكم جميعاً، أفراداً وجماعات وأعضاء في هذا المؤتمر العام الإستثنائي. وكذلك أهنتكم لنيلكم شرف عضوية المؤتمر في هذا الظرف الفريد.
هذه أول مرة في تاريخ الجزء الشمالي من السودان يتمكن فيها المهمشون من عقد مؤتمر بهذه الأهمية في جزء محرر من بلادنا للتداول بحرية في قضايا هامة لإتخاذ قرارات ستشكل مستقبل ومصير حركتنا. لا نحتاج للإشارة إلى أن قراراتكم المصيرية التي سوف تتخذونها في هذا المؤتمر هي بمثابة مسألة حياة أو موت لحركتنا وشعبنا معاً. الأن نضع مصيرنا ومستقبلنا في أيديكم رهن مداولاتكم المسئولة. بالتأكيد هذه مهمة كبيرة ومسئولية مُلِحة وضعها التاريخ على عاتقكم.

الرفاق المؤتمرين،

لم يكن الطريق الموصل إلى هذا المؤتمر سهلاً. لقد إجتهدتُم جميعاً بجد للوصول إلى هذه اللحظة. إننا نشيد بالتضحيات والتصميم الذي أظهره كل واحد منكم للتغلب على الصعاب الجمة في الطريق إلى هذا اللقاء التاريخي، حيث جاء البعض منكم مشياً على الأقدام من أماكن بعيدة مثل كاونارو العباسية، الجبال الغربية، وحتى أماكن أبعد من ذلك، للوصول إلى هذا المكان.
يُمثل لنا هذا المؤتمر مناسبة لتقديم واجب التحية والتقدير لكل الشهداء الذين قدموا ارواحهم رخيصة من أجل تحرير أرض الوطن وشعبه. ومن باب التمثيل، لا يمكن إلا أن نبدأ بالدكتور جون قرنق، يوسف كوه مكي، الأب فيليب عباس غبوش، مبارك الماشا، الهادي تنجور، داؤود بولاد، د. طه بيلي و د. عبدالحليم صبار وأولئك الملايين الذين ماتوا في المعارك بشرف بالإضافة إلى الذين ماتوا من الجوع والإهمال. لهذا أطلب منكم جميعاً التكرم بالوقوف لدقيقة وفي صمت تحية لذكراهم جميعاً؛ إنهم أبطالنا الخالدون الذين سقطوا في النضال المجيد من أجل نيل الحقوق والكرامة والحرية وتحرير أرضنا وشعوبنا.

شكراً لكم.

كذلك أنتهز هذه الفرصة لأشكر كل الضيوف المدعوين على تكبد المشاق لحضور هذا المؤتمر رغم الصعوبات. ونشكر كذلك أولئك المدعوين الذين لم يتمكنوا من كوننا كنا حضوراً في ذاكرتهم. وأنتهز فرصة المؤتمر للتعبير عن تقديري وشكري لكل أصدقائنا في الداخل والخارج الذين كانوا ولا يزالون يقفون ويدعمون ويتضامنون مع معاناة شعوبنا التي تعاني في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور والمناطق المهمشة الأخرى، وكذلك أشكر جميع أولئك الذين عبروا عن إستنكارهم لكل إنتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة التي ترتكبها حكومة الجبهة القومية الإسلامية على شعوبنا. من بين هؤلاء نخص بالشكر السيناتور الأمريكي فرانك ولف، وكل أصدقائنا الآخرين في الكونغرس الأمريكي؛ ثم البارونة كوكس وجورج كلوني والمطران مكرم ماكس وكل من لم يرد إسمه.

كما أتوجه بالشكر لمجلس الأمن الدولي، الإتحاد الأوروبي، دول الترويكا، مجلس الأمن والسلم للإتحاد الأفريقي، ودول الإيقاد (برئاسة رئيس الوزراء الإثيوبي هايلا ماريام ديسالين) للجهود المقدرة التي بذلوها لإحلال السلام في السودان.

كذلك الشكر الكبير للمنظمات غير الحكومية، مثل (PPF, DOE, MSF, KOINONIA)، ثم منظماتنا المحلية غير الحكومية والكنائس بجانب أولئك الذين لم يسع المجال لذكرهم الآن لما قاموا به وما زالوا يقومون به من أدوار عظيمة في رفع المعاناة عن شعبنا. ويمتد شكرنا أيضاً لكل أولئك الإنسانيين، أفراداً وم جماعات، وبعض ممن لا نعرفهم، لكنهم جميعاً أبدوا إهتمامهم العميق بمعاناة ومكابدات شعوبنا. هؤلاء جميعاً نشكرهم من أعماقنا أينما كانوا.
وبهذا أطلب من المؤتمرين إزجاء التحية لهم حارة كإشارة للعرفان بالجميل، ثم لعملهم الإنساني وجهودهم المخلصة ليرونا نعيش في سلام.

الرفاق المندوبين،

كان يفترض أن يعقد هذا المؤتمر في أغسطس 2011م، عقب إستقلال جنوب السودان وما تلاه من فك إرتباط بين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في شطري السودان آنذاك. لقد كان إنعقاد المؤتمر في ذلك الحين ضرورياً لمراجعة وتقييم وتحليل أثر الهزة التاريخية لإستقلال جنوب السودان على حركتنا، وذلك حتى نوفق أوضاعنا على أساس ذلك. قبل كل شيء، كان علينا كتابة منفستو جديد ومراجعة الوثائق الأساسية الأخرى، وإعادة بناء مؤسساتنا المدنية والعسكرية لتتواءم خطانا مع مُتطلبات المرحلة الجديدة. ولكن لم يتم شيء من ذلك مما أدى إلى شعوركم جميعاً بالإحباط، وهو أمر تعرفونه كلكم، ولا أحتاج للدخول في تفاصيله الآن. بالإضافة لكل هذه الأمور العالقة على أهميتها، كان هناك الوضع العسكري على الأرض. تم شن الحرب ضدنا حتى قبل إستقلال جنوب السودان.

أعزائي المؤتمرين،

إن المؤتمر ليس فقط مجرد تجميع للناس في مكان واحد؛ فكيما نقوم بالتدابيرات اللازمة لإستقبالكم هنا، كان علينا أن تُعيد تنظيم أنفسنا بدءاً من المستويات القاعدية وعلى طول الأقاليم والإثنيات المختلفة حتى نخرج بمؤتمر يمثل الجميع.
بإسترجاعنا لما جرى، لا يمكن إلا أن تُبدي إعجابنا ونثمن كمية الطاقة والإخلاص الذي تم إظهاره في عملية الإعداد لهذا المؤتمر. لم يكن سهلاً القيام بتنظيم وإنتخاب وتصعيد 245 مندوباً من المستويات القاعدية في ظروف القتال الجاري فوق مساحات واسعة أكبر من مساحة دولتي رواندا وبوروندي مجتمعتين، كون ذلك حرفياً هي مساحة الأراضي المحررة في إقليمي جبال النوبة والنيل الأزرق، دون أن نقول شيئاً عن تحريك ونقل المندوبين من أي مكان كانوا فيه لحضور المؤتمر. وها نحن اليوم هنا لعقد المؤتمر! هذا نصر كبير في تاريخ الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش)، ولشعوب جبال النوبة بجنوب كردفان وللفونج بالنيل الأزرق بوجه خاص، بمثلما هو أيضاً نصر كبير لكل قطاعات شعبنا في المناطق المهمشة الأخرى، ثم للشعب السوداني بوجه عام.

إن الحقيقة الماثلة في قُدرتنا لعقدنا هذا المؤتمر ترسل إشارات قوية لكل دعاة ومثيري الحروب في الخرطوم بأن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان ما زالت قوية لتقاتل ضد جيش الجبهة القومية الإسلامية ومليشيات قوات الدعم السريع وغيرها من المليشيات العديدة الأخرى التي تشن هذه الحرب القذرة ضد شعبنا. إنها رسالة قوية بأننا لسنا فقط قادرين على حماية شعبنا وهزيمة حكومة الخرطوم التي تقصف المدنيين، بل أكثر من ذلك قادرون على مساعدة شعبنا لتحقيق أحلامه وأشواقه لحياة كريمة أفضل. كما إنها رسالة قوية بأن هزيمة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش) هي مجرد أحلام لن تتحقق أبداً! إن قيام هذا المؤتمر هو إعلان بأن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش) وُجِدت لتبقى وتنتصر مهما كان الثمن.

الزملاء المندوبين،

في ختام كلمات الإفتتاح ارجو ان أسجل تقديراً خاصاً للجنة المنظمة للمؤتمر الإستثنائي (ECOC). كما كما سبق وذكرت أن الطريق لهذا المؤتمر الاستثنائي كان صعباً. كذلك كان العمل التحضيري والاتصالات والترتيبات اللوجستية للمؤتمر صعباً. وأنتهز هذه الفرصة نيابةً عن حركتنا وعن شعبنا ونيابةً عن هذا المؤتمر لأشكر باخلاص ثم أهنئ رئيس اللجنة المنظِّمة ممثلةً في الرفيق/ أرنو نقوتوللو لودي وباقي أعضاء اللجنة لإنجازهم هذه المهمة وعلى أكمل وجه حتى أصبح قيام هذا المؤتمر أمراً واقعاً وناجحاً. كلنا نعلم ونثمِّن العمليات التحضيرية الضخمة التي جرت في سبيل تحقيق كل هذا الإنجاز بأقل الموارد وتحت ظروف في غاية الصعوبة. على ضوء هذا، أطلب من المؤتمر العام الاستثنائي أن يعطي صفقة حارة للرفيق/ أرنو نقوتوللو لودي وفريق اللجنة التحضيرية لهذا العمل والإنجاز الجيد.

لماذا دخلت الحركة الشعبية والجيش الشعبي الحرب؟

الضيوف الكرام، رفاق السلاح والرفاق المندوبين،

في السطور القادمة سوف أستعرض بإختصار الأسباب الجذرية للأزمة في السودان. لا أعتقد أننا بحاجة للخوض في تفاصيل وأسباب دخول الحركة الحرب أو تاريخ القهر والإضطهاد الذي تعرضت له الشعوب المهمشة في السودان وعلى الأخص في جبال النوبة/جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور والإقليم الشرقي.

الرفاق المندوبين،

إن تاريخ الشعوب السودانية كان عبارة عن نضال مستمر بين الغزاة والوطنيين، وبين المركز والأطراف، بين النُخب الحاكمة والمهمشين. فمنذ الماضي السحيق وصولاً للحاضر، ظلت شعوبنا السودانية تناضل دوماً من أجل الحرية والعدالة والكرامة، أي من أجل حياة أفضل. فخلال المائتين عاماً الماضية قاوم السودانيون الإستعمار التركي المصري لمدة خمسة وستين عاماً متصله (1820م - 1885م) عندما إنتصرت الثورة المهدية على الغزاة. بعد سقوط المهدية في 1898م، إستمرت المقاومة للإستعمار الثنائي الإنكليزي المصري لمدة 58 عاماً (1899م - 1956م) إنتهت بإستقلال السودان عندما قام الإستعمار بتسليم سلطة الدولة للنُخب المتعلمة من وسط السودان النيلي. من ثم قامت نُخب المركز المتعلمة هذه والتي ورثت الدولة من الحكم الإنكليزي المصري بتبني العروبة والإسلام كمُحددات لوحدة البلاد، ثم واصلت ذات السياسات الإستعمارية فيما يتعلق بالتهميش السياسي والإقتصادي للشعوب الأفريقية الأصيلة والعديد من المجموعات الإثنية الأخرى. وكانت النتيجة فترة أخرى إمتدت لإثنتين وستين عاماً من المقاومة والحرب الأهلية التي بدأت في عام 1955م وحتى اللحظة ضد هيمنة المركز الإسلاموعروبي.

كما في أي مكان في أفريقيا، فإن حدود السودان التي رسمها الإستعمار تمت بشكل عشوائي من وجهة نظر السكان الأصليين لأنه لم تتم إستشارة أحد عن رغبته ليكون جزءاً من هذه الأرض ذات الحدود الإستعمارية. فالمناطق التي خضعت للحدود الإستعمارية لترسيمها كيما تصبح أقاليم منفصلة عن بعضها تم ترفيعها لاحقاً لتصير أولاً مُستقلة ليتم توريثها لاحقاً للنُخب المتعلمة. كانت النتيجة المباشرة في فجر الإستقلال أن وجدت كل دولة أفريقية نفسها مكونة من شعوب وثقافات مختلفة ومتعددة والعديد منها منقسمة بين حدود دولتين أو أكثر. بناءً على هذه الحقيقة، لم يكن من المستغرب أن توظف القوى الإجتماعية والسياسية بجانب النُخبة التي ورثت الدولة والسلطة من المستعمر أفضل جهودها في سبيل الوصول للإجابة الصحيحة للأسئلة المتعلقة بقضايا "تكوين الأمة" و"بناء الأمة" ثم "الوحدة الوطنية". لقد واجهت هذه الدول التي تشكلت إعتباطياً والموروثة من الإستعمار التحدي في أن تتشكل كدول وطنية قائمة أو أن تتعرض للاختطاف من قبل النخب المتخفية في رداء الوطنيين الذين بدأوا مباشرةً في نهب موارد شعوبهم الشحيحة بإختلاس المال العام لدولهم حديثة الإستقلال.

هناك العديد من الأمثلة المعاصرة لدول تمكنت بنجاح من تحقيق الدولة الوطنية وبناء الأمة من خلال التفاعل الصحي والإيجابي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. كمثال لذلك الولايات المتحدة وبعض الدول القومية لآسيا. بعض تلك الدّول كالولايات المتحدة الأمريكية حققت قفزات وطفرات كبيرة بها تحولت لأمم قوية على مستوى العالم. كل ذلك لم يتم بالصدفة وإنما كان نتاجاً لعمل واع لرجال ونساء في إدارتهم السليمة لتفاعلات وتداخلات مختلف القوى الإقتصادية والسياسية والإجتماعية. لتقدير مدى التقدم في أي دولة ذات نمو ديناميكي ناجح، ليس هناك سوى معايير الحُرية والعدالة والديمقراطية، ثم المُساواة والفرص المفتوحة لتحقيق السعادة. ولكن في بلدنا السودان فإن النُخب الحاكمة التي استلمت السلطة عند الإستقلال عملت على العكس. فقد وضعت بلا حكمة سياساتها بغرض الهيمنة العرقية، والإجتماعية، ثم التفرقة الدينية والتمييز والتعصب، بجانب الظلم والحجر والمنع على حق الفرد والجماعة في تلبية طموحاتهم.

ولكن من هي هذه النخبة الحاكمة التي تحولت لمضطهد للأخرين في السودان وكيف تكونت؟ من هي تلك النُخبة المسئولة عن السياسات الخاطئة القائمة على القهر والتفرقة؟ من هم هؤلاء الذين مهدوا ومكنوا لحكم أنظمة الأقلية في الخرطوم الذين ظلوا يحكمون السودان منذ نيله لإستقلاله الإسمي في عام 1956؟ من هم هؤلاء الذين تمكنوا من أن يُحوّلوا إستقلالنا الذي طال إنتظاره إلى مهزلة ونوع من الإستعمار الداخلي؟
إن الإجابة الدقيقة والصحيحة لهذه الأسئلة الكبرى لها أهميتها الإستراتيجية لنضالات شعبنا ولنا كحركة ذلك لأننا من خلال هذه الإجابة سوف نتمكن من تحديد المشكلة وتعريف العدو الحقيقي. إذ لا يوجد شيء أساسي لنجاح وإنتصار أي حركة تحرر وطني أكثر من التحديد الصحيح والتعريف الموضوعي للعدو. هذا هو الطريق الوحيد لأي حركة تحرر تاريخية مثل حركتنا كيما تملك رؤية بعيدة المدى وتضع الإستراتيجيات والتكتيكات الصحيحة لتحقيق أهدافنا السامية والمثل التي من أجلها حملنا السلاح، بل وأكثر من ذلك أن نتمكن من التفريق ما بين حلفائنا وأصدقائنا وما بين الأعداء والخصوم.
دون الخوض في التفاصيل للإجابة على هذا السؤال فإن الشريحة الإجتماعية الحاكمة للسودان تُعرَف شعبياً بإسم "الجلابة". يمتلك الجلابة السلطة الإقتصادية والسياسية؛ إنهم يسيطرون على الإقتصاد في السودان، كما لهم السيطرة على الأحزاب القوية، وكذلك على الإعلام، فضلاً عن الثقافة المهيمنة، حيث أمكنهم كل هذا من إحكام قبضتهم على أجهزة الدولة ومؤسساتها إمّا عبر ممثليهم وشبكة القرابة، أو من خلال الفساد والرشوة لموظفي الدولة. فضلاً عن أنهم قبل كل شيء يسيطرون على مؤسسات القهر، وهي الجيش، الشرطة، القضاء، وأجهزة الأمن، حيث يتحول السجن والحبس والقمع العام إلى حرب عدوانية تُشنّ عبر الجيش وبقية القوات شبه النظامية والمليشيات.

ولكن من هم هؤلاء الجلابة؟ من أين وكيف أتوا؟ أقصر الإجابات هو أن الجلابة شريحة إجتماعية تطورت منذ القرن الخامس عشر من عناصر من التّجار الأجانب والمحليين بما في ذلك تُجار الرقيق الذين نظموا أنفسهم في مراكز تجارية بمدن مثل الأبيض، الدويم، مدني وسنار..إلخ، لتتوج جميعها في مركز المراكز الكبير، ألا وهو أمدرمان. فالجلابة هجين من عرقيات وقوميات مختلفة من الأفارقه الأصليين، المُهاجرين العرب، والأتراك وأعراق أخرى حيث تُخالطوا وتزاوجوا، ثم أخيراً قاموا بتوطيد سلطتهم في الوسط الشمالي النيلي من السودان. إن نفس الطبيعة الهجين للجلابة تفسر مدى الإسراف والمبالغة والإنشغال المرضي والمقرف بإدعاء العروبة. إن إحساسهم الزائف بالتفوق المستمد من إدعائهم الإنتماء للعرب ليس إلا تعبير عن آلية دفاعية كتعويض نفسي عن مركبات النقص مما تتصف به أي مجموعة مستوعبة من الذين هم دائماً غير متأكدين من، بل ومتخوفين من أصولهم وجذورهم العرقية وبالتالي فشلوا في الإنتقال لهوية جديدة. هذه مشكلة أساسية ورئيسية تقوم رؤية السودان الجديد من خلال تأكيدها على القواسم المشتركة وخطاب الهوية بمواجهتها وتفكيكها بشجاعة وبصورة حاسمة.

في هذا الخصوص، تُعلن من هنا أننا في الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش) ليس لدينا مشكلة مع العرب في السودان، بل ولا حتى في خارج السودان. فأهلنا العرب جزء من السودان ولكن ليس السودان كله. إننا ضد العروبية كأيديولوجيا يَستخدمُها الجلابة لتحقيق الهيمنة على الدولة والإستئثار بالسلطة لمصلحتهم. فنحن نعلم أن القبائل العربية ليس لها مصلحة في ذلك، هذا بالرغم من أنهم يتم التلاعب بإسمهم وإستغلالهم من قبل الجلابة بوصفهم مخلب قط وكأدوات في سبيل حماية سلطتهم. من جانب آخر فإننا نُحارب ضد الإسلام السياسي حيث يتعرض الإسلام نفسه للتلاعب والإستغلال من قبل الجلابة وبالتالي استخدامه كسلاح أيديولوجي لقتل وإبادة المسلمين أنفسهم. وإلا كيف أصبحت لدينا مشكلة السودان في دارفور حيث السكان هناك مسلمون بنسبة قد تبلغ 100%، ولكن برغم هذا قام نظام الجلابة في الخرطوم ومليشياته بقتل ما يربو على نصف مليون دارفوري - ولا يزالون يقتلون يومياً. مثال آخر هو الفتوى التي صدرت في 1992م بإعلان الجهاد على النوبة غض النظر عن إنتمائهم الديني. إن الإسلام السياسي، بموجب تحليلنا العميق والشامل، لا علاقة له بالإسلام كدين، بل هو مُجرّد أيديولوجيا تُستخدم من قبل الجلابة لغايات سياسية وإجتماعية تتعلق بالهيمنة والسيطرة على المجموعات الإثنية الأفريقية السوداء.

نسبةً لقوة الجلابة الإقتصادية والإجتماعية (بالمقارنة المجموعات)، وجد الجلابة أنفسهم في وضع أفضل لوراثة السلطة السياسية وسسُلطة الدولة عندما مُنح السودان إستقلاله في 1956م. لقد قامت السلطة الإستعمارية بالتأكيد بالتضحية بشعوب المناطق المهمشة من السودان حيث لم تتم إستشارتهم حول موافقتهم بأن يصبحوا جزءاً من السودان المستقل. فقد كان الإستقلال شأناً خاصاً بين الإستعمار الثنائي البريطاني المصري والجلابة.

أدناه أمثلة معروفة لعدم المشاورة خلال الأحداث التي قادت لإستقلال السودان:

1. سياسة وقانون المناطق المقفولة (1922م–1947م) التي شملت جنوب السودان، جبال النوبة والفونج، وهي السياسة التي قفلتهم تماماً وعزلتهم عن تأثيرات الحداثة وبالتالي حالت دون مُساهمتهم في الأحداث التي أدت لاستقلال السودان.

2. في 1946/1947م كان هناك المؤتمر الإستشاري للسودان (SAC) الذي تم فيه أيضاً عزل المناطق المهمشة تماماً أو كلياً عن المشاركة فيه. وقد خلق ذلك حالة من عدم الرضا وإنعدام الثقة في الجنوب، الأمر الذي نتج عنه إجبار الإدارة الإستعمارية على عقد المؤتمر الصوري التجميلي الذي حمل إسم مؤتمر جوبا 1947م. برغم عدم الجدية من جانب الإدارة الإستعمارية إلا أن الجنوبيين بحكمتهم طالبوا بممارسة حق تقرير المصير، وهو ما تم رفضه لهم بالطبع. ليس فقط لم تتم إستشارة بقية المهمشين من النوبة، الفونج، الفور، والبجا، بل حتى لم يُخطروا بما كان يجري حولهم.

3. في 1953م دعت مصر الأحزاب السياسية السودانية لمناقشة إستقلال السودان. هنا كذلك تم عزل الجنوبيين والنوبة والفونج وبقية المهمشين تماماً.

4. في 1954م إجتمعت الأحزاب الجنوبية مرة أخرى وضغطت على نُخبة الجلابة الحاكمة من أجل الإعتراف بحقهم في أن ينالوا نظام الحكم الفدرالي. لم تقع مطالبهم الجادة على آذان صماء فحسب، بل جنحت نُخبة الجلابة للمناورة والإلتفاف سعياً وراء كسب الوقت. في يوم 19 ديسمبر 1955م تم داخل البرلمان إجازة قرار يعد الجنوبيين بأن طلبهم للحكم الفيدرالي سوف يجد "الإعتبار اللازم" في الدستور الجديد، لكن ليس قبل تحقيق إستقلال السودان. خلال كل هذا، لم تتم دعوة شعوب جبال النوبة، أو الفونج، أو البجا، أو دارفور للإستماع إلى مطالبهم.

5. قبل نهاية 1955م بدأت الإدارة الإستعمارية برنامج سودنة وظائف الخدمة المدنية العليا. بسرعة قام الجلابة، أي مُدَّعوو العروبة في الوسط والشمال النيلي، بوضع أقدامهم داخل أحذية المستعمر ومن ثم استولوا على الوظائف الحكومية العليا التي أخلاها المستعمر. فمن مجموع 800 وظيفة كبيرة، لم ينل الجنوبيون غير 6 وظائف فقط، هذا بينما أخذ الجلابة باقي الوظائف. في كل هذا، لم يتم منح جبال النوبة، أو الفونج، أو البجا، أو الفور أو العديد من المجموعات الإثنية الأخرى بامتداد الوطن أي وظيفة. وبالطبع، ما تلا ذلك هو تاريخ تعرفونه جميعاً!

6. أدت كل تلك الأوضاع إلى هيمنة الجلابة ومن ثم إلى حروب مستمرة متوسعة غطت في مجموعها 62 سنة في فترات متقطعة: حرب الأنانيا التي استمرت لفترة 17 سنة (1972م – 1955م)؛ حرب أنانيا-2 التي استمرت لفترة 8 سنوات (1975م - 1983م)؛ حرب الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان التي استمرت لفترة 22 سنة (1983م ـ 2005م)؛ ثم حرب الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش) بدأت التي منذ 6 سنوات (2011م – 2017م) ولا تزال مستمرة إلى الآن. هذا بجانب حروب دارفور الأهلية المستمرة حتى الأن لفترة 14 عاماً (2003م
– 2017م).

أيها الرفاق،

لا يخدمنا كثيراً إلقاء اللوم على الإستعمار حيث لا ينبغي أن نرجو من الإستعمار ما هو أفضل من ذلك، بجانب أن ذلك كله قد أصبح جزءا من التاريخ. لذا دعونا نعود للوضع الحالي أو الواقع اليوم الذي يمكن تسميته بالإستقلال السياسي. فقد كانت المشكلة الأولى للسودان داخلية المنشأ حيث يمكن تلخيصها في قصور النظر المأساوي للجلابة بوصفهم شريحة إجتماعية وهو ما تجلى في نظرتهم الضيقة القائمة على الإسلاموعروبية وفشلهم التام في النظر لما وراء هذين المُحددين، العروبة والإسلام، ومن ثم التعنت والإصرار على تقديمهما بوصفهما العوامل الوحيدة الكفيلة بتوحيد السودان. بهذه
النظرة المشوشة أثبت الجلابة عجزهم عن قيادة الشعوب السودانية نحو تحقيق المهام التاريخية الخاصة بالوحدة والتّشكّل القومي. بسبب هذه السياسات قصيرة الأفق قادت التطورات لإستقلال جنوب السودان.

إن النظام الإقتصادي للجلابة هو المسئول الأول عن تعميق الفوارق الموروثة بين الأقاليم في السودان لمصلحة وسط وشمال السودان المتطورين نسبياً. لقد ظلت هذه الشريحة تستغل الأقاليم المهمشة في الجنوب، الغرب، وشرق السودان كمناطق إنتاج تقليدية وكمناطق عمالة إحتياطية رخيصة لتجميعها في سوق العمالة لاحقاً. إن أموال وموارد المناطق المهمشة ظل يتم تحويلها بإستمرار ومن ثم إستثمارها في مناطق الجلابة بوسط السودان.

المشكلة الأساسية في السودان، كما أوضح التاريخ، هو فشل حكومات الأقلية الحاكمة في الخرطوم في تطوير عملية ديمقراطية فعاله للبناء الوطني. إذ لم يخطر ببالهم أبدا أن يقوموا بجدية وفاعلية بإدخال عملية تعترف وتسمح لقومياتنا وثقافاتنا المتعددة للمشاركة في عملية ديمقراطية وطنية قائمة على التعددية والإختلاف لتحقيق وتمتين قواسمنا المشتركة كسودانيين. فشريحة الجلابة الحاكمة لم تشعر أبداً بأشواق جميع السودانيين بخصوص نظام سياسي يشملنا جميعاً كمشاركين بنشاط حيث لا يشعر أحد من شعوبنا بالإقصاء أو بتحويله لعضو سلبي أو مواطن من الدرجة الثانية بسبب الإنتماء الإثني و/أو الديني.

أما المشكلة الثانية للسودان فهي عالمية وتُشاطره فيها الكثير من الدّول الأفريقية. وهي الفشل في تطوير برامج إقتصادية فعالة لحل قضايا التخلف الإقتصادي. مرة أخرى وقعت التأثيرات والمعاناة الناجمة عن تبعات السياسات الإقتصادية الخاطئة لنظام الجلابة على رأس المناطق المهمشة وأدت إلى تدمير بيئاتها من أجل توفير فرص الإستهلاك البذخي للجلابة وباقي شرائحهم الطفيلية. هذه كانت وستظل المشكلة الأساسية للسودان من حيث إدارة إقتصاده. تبعاً لكل هذا، ساعدت هذه العوامل في خلق النزاع بين نظام أقلية الجلابة من جهة وغالبية الشعوب السودانية في كل بقاع السودان من جهة اخرى.

تأسيس الحركة الشعبية وأهدافها:


لقد كار رد فعل المضطهدين والمهمشين السودانيين ضد حكومات الجلابة المتعاقبة على الحكم في الخرطوم هو المقاومة التي إتخذت أشكالاً مختلفة حسب الظروف. في المدن أخذت شكل الإنتفاضة الشعبية 1964، 1985م. أما في الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور إتخذت المقاومة شكل النضال الشعبي المسلح المستمر والموسع 1955 - 1972م، 1983 - 2005م، 2011 وإلى الآن.

لذلك فإن ميلاد وتكوين الحركة والجيش الشعبي في 2011م لم يكن حادثاً معزولاً وإنما كان إمتداداً وتتويجاً لتلك النضالات للشعب السوداني. أهداف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لم تكن أحلاماً ولكن تأسست على إنتصارات وإنتكاسات الشعوب السودانية ولذلك كان علينا التعريف الصحيح وتحديد العدو في شكل نظام الجلابة الحاكم.

إن هدف الحركة والجيش الشعبي هو التدمير الكامل لنظام حكم الجلابة القائم على الفصل العنصري والديني وإبداله بحكومة السودان الجديد ولايوجد شيء يُغير هذا الهدف الرئيسي وإلا إن كان أحدنا أراد الإستسلام لنظام التفرقة العنصرية والذي لن يتنازل في أي زمان أو مكان عن السلطة طواعية، وأنه في كل الحالات إذا كنت إنفصالياً أو داعية للسودان الجديد لا يوجد شيء يُغير الحقيقة وهو أن تحقيق أي واحد من الهدفين لن يتم دون تدمير نظام الجلابة القائم على مشروعية العُنف.

إن الأداة الرئيسية اللقهر بيد الجلابة هي الجيش وبقية أجهزة القمع وأولئك يجب تدميرهم. لا يوجد طريق سهل أو قصير للحل. هذا هو هدف بناء الجيش الشعبي ليقوم بتحطيم جيش السودان القديم، وذلك هو الذي يُعطينا السودان الجديد أو جنوب كردفان ونيل أزرق مُستقلين.

إذا كنا نريد السودان الجديد أو منطقتين مُستقلتين أو ترتيبات إنتقالية تقود للإستفتاء على حق تقرير المصير فإن ذلك يجب أن يكون نتيجة لنضالنا وليس منحة من أحد. أوكد لكم بأن كل شيء نريده علينا أن نأخذه بيدنا وهذا يشمل حق تقرير المصير. لا يوجد شيء يُمنَح خاصة وأن نظام الجبهة الإسلامية القومية لا يؤمن بالحل السلمي وإنما يؤمن بالحل العسكري فقط.

إسمحوا لي أن أوضح أن الإستسلام كذلك هو واحد من الخيارات التي لا أريد أن أحذفها إذا كان الناس قد فتروا من الحرب وذلك هو الذي اختاروه في هذا المؤتمر. لديكم الحرية لفعل ذلك، فقط علينا أن تُعبر عنه ونُسميه بإسمه الصحيح والحقيقي.

نمو الجيش الشعبي:


الرفاق الأعزاء،

أود أن أتحدث بشكل مختصر عن تطور الجيش الشعبي ومهام تنفيذ برنامج الحرب في الماضية. كما هو متوقع لم يكن ذلك سهلاً، ولكن بسبب إنتصاراتنا الكثيرة إعتبره البعض مسألة بسيطة ليتم تشكيل وتدريب وإدارة جيش لإدخاله في معارك قتالية لهزيمة جيش مُدرّب كالجيش السوداني.

بعد الإستفتاء وإختيار شعب الجنوب للإستقلال، تم فك الإرتباط بين الحركة الشعبية والجيش الشعبي جنوب مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي شمال. وحسب نصوص إتفاقية السلام الشامل 2005 فإن مُكوّن الجيش الشعبي من القوات المشتركة المدمجة تبقى شمال خط 1956/1/1 حتى 9 أبريل 2012 غض النظر عن إختيار شعب الجنوب إذا كان وحدة أو إنفصال. ولكن قامت الجبهة الإسلامية بتزوير الإحصاء السكاني في جبال النوبة جنوب كردفان وقُمنا بإعادة الإحصاء السكاني رسمياً في العام 2010م واكتشفنا أن هناك في العام مزيادة عبارة عن مليون نسمة وبذلك أثبتنا عملية التزوير التي تمت في الإحصاء الأول في العام 2008. مرة أخرى قامت الجبهة الإسلامية بتزوير الإنتخابات الولائية لمنصب الحاكم ومقاعد المجلس التشريعي لولاية جنوب كردفان في مايو 2011 وذلك بحسب تقرير مفوضية إنتخابات الجبهة الإسلامية ذاتها والتي كشفت بأن المؤتمر الوطني فاز بمقعد الحاكم زائدأ 22 مقعد في المجلس التشريعي الولائي بعدد 182 ألف صوت فقط في حين حصلت الحركة الشعبية لتحرير السودان على 10 مقاعد فقط بعدد 194 ألف صوت. رغم الإحتجاج قررت الحركة الشعبية إنتظار الإنتخابات التالية 2015. لكن الجبهة القومية الإسلامية لم تقبل بذلك وعملت على إلحاق الإساءة بالأذى عندما قررت الهجوم لتجريد مكون الجيش الشعبي في القوات المشتركة المدمجة بكادقلي في 2011/6/6 من السلاح.

وهنا تدخلت الفرقة التاسعة للجيش الشعبي والتي كانت موجودة جنوب خط 1956/1/1 لدعم القوات المشتركة المدمجة وكانت النتيجة تحرير 66 حامية ومحطة خارجية من يد الجيش السوداني في غضون ثلاثة أيام. واستمرت القوات المشتركة المدمجة في المقاومة داخل كادقلي لمدة شهر كامل قبل أن تنسحب لمسافة عشرة كيلومترات خارج المدينة. وتلك المعارك كانت إيذاناً ببداية وتواصل الحرب الأهلية في السودان.

وبعد ثلاثة أشهر قامت قوات الجبهة الإسلامية بالهجوم على الوحدات المشتركة المدمجة للجيش الشعبي بالدمازين مما دفع قوات الفرقة العاشرة التابعة للجيش الشعبي الموجود جنوب خط 1956/1/1 للتدخل لدعم القوات المشتركة المدمجة في الدمازين بتاريخ 2011/9/2. لقد قاومت القوات المشتركة المدمجة للجيش الشعبي ببسالة وبعدها انسحبت إلى الأرياف لمواصلة النضال ضد قوات الجبهة الإسلامية.

كان الهدف من قرار الجبهة الإسلامية الهجوم على قوات الجيش الشعبي المشتركة المدمجة هو حرمان مواطني المنطقتين من ممارسة حق المشورة الشعبية كما قضت بذلك إتفاقية السلام. وبذلك أضافت الجبهة الإسلامية نقاط عديدة لسجل الخرطوم الحافل بخرق الإتفاقيات ونقض العهود بل والتدليل على أجندتها الحربية.

ونتيجة لذلك انضم الآلاف من الشباب والطلاب والجنود إلى الحركة الشعبية وتنظيمهم وتم تدريبهم وبنهاية 2015 تمكنا من تدريب وتنظيم أربعة فرق عسكرية مقاتلة ولا يزال التدريب مستمراً. وبما أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي شمال هي إمتداد للحركة الشعبية الأم فقد اعتمدت نفس تشريح المشكلة والرؤية والأهداف التي تبنتها الحركة الأم لتؤسس عليها إعلان الحرب خاصة وأن العدو هو نفس العدو والمتمثل في نظام الجلابة بقيادة الجبهة الإسلامية القومية وإستمراره في نفس سياسات الإقصاء والتهميش التي دفعت الحركة الأم لحمل السلاح وإعلان الكفاح المُسلح.. وما أشبه الليلة بالبارحة. وبتلك الأطروحة ورؤية السودان الجديد تمكنت الحركة الشعبية من تجاوز رؤية الجلابة القاصرة للسودان والقائمة على الجهوية والعنصرية المزدوجة.

إن خطاب الحركة الشعبية والجيش الشعبي كان موجهاً لكل المُهمشين السودانيين غض النظر عن الإقليم، القبيلة، الدين أو الخلفية الثقافية نداءاً للنضال من أجل مخاطبة وحل المشكلات الأساسية في بلدنا .. الهدف الأساسي كان هو تحقيق تغيير جذري .. وفعلاً فإن قطاعات كبيرة من شعوبنا .. ومن مختلف الخلفيات والأقاليم إستجابوا للنداء .. فلاحين طلاب عُمال مُثقفين وجنود إنضموا معاً حول رؤية السودان الجديد وهدف خلق سودان جديد علماني ديمقراطي. وإن تشكيلة هذا المؤتمر الذي نراه اليوم هو شهادة حيّة على صحة رؤيتنا والإستجابة التي وجدناها .. لأن معنا هنا الفونج، المسيرية، أبناء شمال كردفان، أبناء وسط السودان، الفور ومُمثلين لجبال النوبة. ومن دون رؤية السودان الجديد ما الذي جاء بالفونج ليصبح الرفيق/ عبدالله إبراهيم عباس رئيساً لهذا المؤتمر اليوم.

رؤية السودان الجديد وتبني أهداف وبرامج مُتسقة معه صاحبتها صعوبات بعد 2011 حيث كان ياسر عرمان يرى أن الكفاح المسلح ماعاد وسيلة مقبولة للتغيير أو تحقيق التحول الديمقراطي بعد إنتقال العالم لمرحلة العولمة وكان يُبشر بأن تُسلم الحركة الشعبية سلاحها وتتحول لحركة سلمية ديمقراطية وتُسجّل كحزب سياسي وتعود للخرطوم لتواصل النضال عبر الوسائل السلمية كالعصيان المدني، الإضراب، المُظاهرات لإجبار النظام على التخلي عن ثوابته وتقديم التنازلات التي تؤدي للتحول الديمقراطي .. كان يرى أن يقبل الجيش الشعبي التجريد من السلاح ويعود ليواصل النضال السلمي تحت قوانين الشريعة الإسلامية وفي ظل سسُلطة الحركة الإسلامية القائمة على العنصرية المزدوجة العرقية والدينية وممارسات الإبادة والتطهير العرقي والقتل الجماعي على أساس الهوية وإحتلال الأرض كما هو حادث في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق الأن .. لقد فات على ياسر ومالك أن الدولة السودانية ومنذ نشأتها على يد الإستعمار بنت مشروعيتها على العنف وأن هذه الدولة تبنت العروبة والإسلام كمُحددين أوحدين للهوية في السودان وأن هذه الدولة ليست محايدة وأن السودانيين غير متساوين أمام القانون في نظرها وأن هذه الدولة توجه العنف وأدوات القمع دائماً ضد الأفراد والجماعات من الأقاليم المُهمشة وتحمي جزءاً من المواطنين من الجزء الأخر المُهمش وبالتالي فإن التظاهرات والإضرابات والعصيان المدني لا تُعتبر وسائل فاعلة للمُهمشين لإنجاز التغيير وما مجزرة معسكر (كلما) بدارفور التي نفذها البشير في يوم 22/2017/9 ببعيدة عن الأذهان حين ضربت قواته النازحين العُزّل بالذخيرة الحية وقتلت وجرحت العشرات وليس السبب إلا إختلاف العرق والثقافة.

لذلك فإن قيام الفرقتين التاسعة والعاشرة بالإشتباك الفوري مع جيش السودان القديم في يونيو وسبتمبر 2011 أدى لإنتصارات عسكرية أعطت رسائل للمهمشين وأعادت لهم الثقة بأنفسهم وأثبتت عدم حصانة الخرطوم ولفتت إنتباه العالم والأقاليم المجاورة للأحداث في السودان وأظهرت قدرة وتصميم الحركة والجيش الشعبي على تحقيق أهدافها وبلوغ رؤيتها للسودان وبذلك أصبح الجيش الشعبي مفخرة لكل السودانيين المقهورين. كلكم تعرفون الإنتصارات العظيمة التي حققتها فرق ووحدات الجيش الشعبي الشجاعة والباسلة والقيام بتحرير مُدن عديدة وخلق مناطق محررة فاعلة في جبال النوبة والنيل الأزرق.

الرفاق المندوبين،

إسمحوا لي بإعادة النظر في الفكرة مرة أخرى، لا نستطيع أن نحقق الهدف، إذا كان السودان الجديد العلماني الديمقراطي الموحد أو تقرير المصير، إلا إذا تمكنا من تدمير نظام السودان القديم لأنه من المستحيل أن يتخلى النظام عن السلطة طوعاً أو يُجبر بواسطة المجتمع الدولي للتنازل ليتم التحول الديمقراطي سلمياً .. ذلك تفكير رغائبي وليس من مصطلحات الثوار أو المقاتلين من أجل الحرية.

إستراتيجية الحركة والجيش الشعبي هذه أضعفت نظام الإنقاذ لذلك صار يتخبط ولجأ لإعلان الجهاد على النوبة وإستخدام المليشيات المختلفة من المجاهدين، الدفاع الشعبي والجنجويد وقوات الدعم السريع..إلخ وما عاد واثقاً في جيش السودان القديم والسبب هو إنتصارات الجيش الشعبي العسكرية والسياسية والتي هددت بقاء وإستمرار السودان القديم .. وأوكد لكم أن نظام الجبهة الحالي هو آخر حكومة للسودان القديم لأن الحكومة القادمة بعد حكومة الجبهة إما أن تكون حكومة السودان الجديد حسب رؤية الحركة الشعبية وإلا فإن السودان سيتفرزع لعدة دول خاصة في ظل إستمرار المقاومة في دارفور رغماً عن إعلانات المؤتمر الوطني المتكررة عن تصفية التمرد في دارفور.

الرفاق المؤتمرين،

إن الحركة والجيش الشعبي كجسم سياسي/إجتماعي لا يُوجد معزولاً وهو عُرضة للتأثير والتأثر بالظروف المحيطة الداخلية والخارجية والتي يوجد ويعمل داخلها.

في السنوات الخمسة الأخيرة وقعت عدة تغيُّرات هامة في إقليمنا لذلك قرأ بعض القادة الوضع قراءة خاطئة بأن الحركة والجيش الشعبي ستُهزم وفكروا في عقد صفقة مع حكومة الجبهة الإسلامية وبالواضح فإن المبادئ الخمسة لدمج الجيش الشعبي في الجيش السوداني التي أودِعت لدى الوساطة في أغسطس 2016م كانت لجملة دوافع منها الشهوة لسُلطة مُتخيّلة وخوفا من هزيمة مُتخيّلة بواسطة العدو .. وهنا يجب أن نُقِر الحقائق التي وقعت، فإن مالك وياسر حاولوا تقسيم حركتنا في وقت هي أحوج فيه للوحدة بسبب التغيرات الجارية على مستوى الإقليم. مالك وياسر فقدوا الإيمان بمشروع السودان الجديد وبالحركة الشعبية وأهدافها ووسائل نضالها. بدأو بالتشكيك في أهمية الكفاح المُسلح وذهبوا لحد محاولة تغيير إسم الحركة وحذف كلمة التحرير منه ليُصبح الحركة الشعبية للديمقراطية والمواطنة. ولكن مجالس تحرير إقليمي جبال النوبة والنيل الأزرق ردت عليهم وفصلتهم من مواقعهم في قيادة الحركة وأكدت لهم أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي هما بالأساس حركة وجيش تحرير وأن هدف التحرير لإ نهائي ولا يتوقف حتى لو تم إزالة دولة الجلابة والمؤسسات الحاكمة للسودان القديم .. حاولوا تقسيم جماهيرنا على أسس قبلية بتحريض نوباوي ضد نوباوي وفونجاوي ضد فونجاوي آخر ولكن لقد نجحنا في تفويت الفرصة عليهم وتمسككم بالوحدة في جبال النوبة وكذلك في النيل الأزرق دليل على ذلك، رغم إستغلال مالك السيء لبعض قادة قبيلة الأنقسنا اللامبدئيين لتدمير الحركة ولكنهم فشلوا وأستطيع أن أعلن هنا أن الحركة والجيش الشعبي خرجت من الإمتحان أقوى مما كان وأكثر وحدة وتماسك وعلى غير ما كان يتمنى أولتك. والدليل على ذلك قيام هذا المؤتمر.

أخطاء وإصلاحها:

الرفاق المندوبين،

في فترة الستة سنوات الماضية ومنذ أن بدأت الحرب في يونيو 2011 مرت الحركة بصعوبات جمة. حققنا إنتصارات كبيرة لكن في نفس الوقت عانينا من إنتكاسات. وذلك يعني أن الأخطاء والإخفاقات كبيرة ويجب تصحيحها وذلك هو الهدف من هذا المؤتمر للمراجعة حتى نتمكن من تعزيز الإنتصارات والنجاحات وتصحيح وإزالة العيوب من جانب آخر. إنه لمن الأهمية أن نجلس ونعطي أنفسنا وقتاً للمراجعة الدقيقة وبمسؤلية وإخلاص للقضية ومصالح الجماهير المُهمشة. بحيث تُراجع تجربة الستة (6) سنوات من وجودنا كحركة وجيش لنكتشف أخطاءنا ونعمل على تصحيحها وثقيم وتُعزز
إنتصاراتنا حتى تتقدم الحركة والجيش الشعبي للأمام من أجل تحقيق سلام مع عدالة، تحرير، ديمقراطية وكرامة إنسانية وبالتالي إتاحة الفرصة لشعبنا ليتطور في ظل الحرية ليحققوا ذواتهم ومن أجل مصلحة أطفالهم وكل أفريقيا والإنسانية جمعاء.
علينا أن نخرج منها بأفكار جديدة ودروس لمواجهة تحديات المستقبل التي تنتظرنا على الطريق الطويل والوعر نحو الحرية.

التحالفات السياسية:


الرفاق والرفيقات في النضال،

بقدر مواصلتنا للنضال المُسلح، فإننا لن نغفل إحتمالات وإمكانات تحقيق أهدافنا وتحقيق السلام من خلال وسائل أخرى أو توليفة وسائل إضافة إلى تحالفات سياسية مبدئية .. إن الحركة والجيش الشعبي ومنذ ظهورها كانت تعي وبعمق أهمية توحيد وتجميع كل القوى السياسية الراغبة في البحث عن حل ناجع وعادل للأزمة الوطنية الحادة .. قناعتنا كانت دائماً أن المشاركة الواسعة مع الحوار بين مختلف القوى السياسية يمكن أن يقود لحل مقبول ومُرضي للمواضيع والقضايا العديدة التي تهم شعوبنا.

إن الحركة الشعبية الأم هي أول من نادى في مارس 1985م لعقد مؤتمر قومي دستوري وبحضور من كُل القوى السياسية في البلاد بهدف توحيد تلك القوى لإسقاط نظام حُكم نميري وقتها وتطوير برنامج حد أدنى لفترة ما بعد النميري. وقد حاورت الحركة الشعبية التجمع الديمقراطي بعد سقوط نميري مما أنتج إعلان كوكادام وورشة أمبو. وبعد إنقلاب يونيو 1989 إنضمت الحركة الشعبية للتجمع الوطني الديمقراطي حتى توقيع السلام إتفاق 2005. وأنه بعد بدء الحرب الأخيرة 2011 شاركت الحركة والجيش الشعبي في تكوين الجبهة الثورية مع الحركات المسلحة وبعض الأحزاب السياسية. تم تطوير التحالفات بالتوقيع على ميثاق نداء السودان الذي ضم عدداً أكبر من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة. وأنه رغم ضبابية إلتزام أحزاب الوسط والشمال النيلي بالعلمانية ولكنه كان خطوة إلى الأمام. في كل الأحوال وطالما نحن نحتفظ بإستقلاليتنا في العمل بالإضافة لجيشنا فإنه ليس لدينا ما نخشى منه ولكن بالعكس هناك مكاسب مُتبادلة بالتحالف مع المعارضة الشمالية على إنفراد أو جماعياً في نداء السودان.
في تقديرنا المتواضع أن بقاءنا في نداء السودان يوفر لحركتنا المكاسب الايجابية التالية:

1. توسيع مجال العمل السياسي للحركة داخل السودان.
2. التفاعل مع وفهم أحزاب المعارضة السياسية.
3. إعتراف بالمعارضة السياسية الشمالية بالكفاح المُسلح كوسيلة مشروعة وفعالة للنضال وعلى أمل أن الأحزاب تتبنى هي كذلك هذه الوسيلة للنضال وتُنسق مع الجيش الشعبي لتسريع إسقاط النظام.
4. الإحتفاظ بكل الخيارات مفتوحة من سودان علماني ديمقراطي موحد أي السودان الجديد أو الكنفدرالية أو مُمارسة حق تقرير المصير وكل ذلك دون تكلفة علينا طالما نحن نحتفظ بإستقلاليتنا في إتخاذ القرار والمُكوّن العسكري للحركة الشعبية.
5. وحتى إحتمال أن يَحدُث تغييراً جذرياً في تفكير الهجين الجلابي للقبول بفكرة السودان الجديد بمعناه الحقيقي القائم على رابطة سودانية جديدة وهوية سودانية صحيحة. ونأمل من خلال العمل مع الأحزاب الشمالية في نداء السودان على أقل تقدير أن تتكامل وسائل النضال المتعددة من الكفاح المُسلح للإنتفاضة الشعبية لتسريع إسقاط النظام.

العلاقات الخارجية:


الرفاق المندوبين،

إن الحركة الشعبية كانت دائماً قادرة على تحليل ودراسة الوضع العالمي المعقد إعتماداً على رؤية السودان الجديد وأدوات التحليل الصحيحة مستفيدة من الإحتمالات المتوفرة في العلاقات والتقاربات للقوى الدولية والإقليمية لتأمين الدعم لنضالنا.
لقد نجحنا في كسب تفهم وتعاطف شعوب كثيرة لصالح قضيتنا. ولكن ليس كل شيء في مجال العلاقات الخارجية قد إكتمل إنجازه. نحن في حوجة للإتيان بأشكال تنظيمية ومؤسسات أفضل لعملنا الخارجي والدبلوماسي. وفي هذا السياق أود أن أشدد على أهمية النظر للداخل والإعتماد على مواردنا الذاتية لمواصلة الحرب.
هذا المؤتمر سيولي هذا الموضوع الإعتبار الجاد خاصة وأنه يمثل أحد أجندته.

الوضع الإنساني:


الرفاق المندوبين،

إن المأساة الإنسانية التي تواجه شعوبنا اليوم كبيرة. فإن حكومة الجبهة الإسلامية وفي حربها ضدنا ترتكب المذابح وتنزِّح قطاعات كبيرة من السُكان من خلال القصف الجوي العشوائي على المدنيين وإضافة إلى التطهير العرقي في
جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور وإشعال الحروب القبلية عبر مليشياتها المسلحة. الوضع حرج وعلينا مضاعفة الجهد من أجل تخفيف معاناة شعوبنا. علينا تحسين قدرات التشغيل لدى SRRA والمنظمات الإنسانية المحلية الأخرى وعمل القوانين أو السياسات التي تُنظم وتُسهل عمل المنظمات العالمية والمحلية بجانب تحسين الوضع الأمني في المناطق المحررة من أجل تشجيع النازحين واللاجئين على العودة لمناطقهم متى كان ذلك ممكناً.

العملية السلمية وإمكانية الحل السلمي للنزاع:


الرفاق والرفيقات المندوبين والمندوبات،

إن الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومُنذ نشأتها، حافظت على موقف واضح ومبدئي من مسألة الحل السلمي للنزاع في البلاد. لقد دخلنا في أكثر من جولة تفاوضية مع نظام الجبهة الإسلامية منذ بدء الحرب في 2011 ولازال موقف الحركة هو التمسك بفكرة السودان الجديد للخروج من مأزق السودان القديم وإلا فترتيبات إنتقالية تؤدي لإستفتاء على حق تقرير المصير في نهاية الفترة الإنتقالية، وهذا المبدأ هو الذي يُوجه خطانا في محادثات السلام. ونحن نعتبر تقرير المصير كأداة من أدوات التحرير ووسيلة لتوحيد السودان على أسس صحيحة وجديدة.

نود أن نؤكد للعالم وللشعوب السودانية عبر هذا المنبر أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي سوف تقتنع إذا أدت المحادثات لسلام عادل وشامل وإنهاء الحرب عبر إتفاقية سلام. إن الكفاح المسلح في السودان ليس خياراً ضمن خيارات .. وإنما هو ضرورة يفرضها واقع مُمارسات الحكومة والدليل على ذلك الحروب الأهلية التي تشنها على شعوب الهامش والتي بدأت مع فجر الإستقلال في 1955 وتتسع دائرتها كل يوم وتطورت لمرحلة الإبادة الثقافية والإبادة العنصرية. كل ذلك لأن المركز لايؤمن بالحل السلمي للنزاعات مع الأطراف المُهمشة ونحن كحركة وجيش تحرير لا يمكن أن نقبل بإستيعابنا
في جيش الحكومة النظامي الذي يُمارس التطهير العرقي والإبادة ضد المواطنين السودانيين. لذلك من جانبي أريد أن أطمئن الحضور والأصدقاء معاً بأننا لن نقبل بسلام مُزيف لأن السلام المزيف أسوأ من الحرب، وسوف لن نقوم بخيانتكم أو التلاعب في أي مُحادثات سلام.

المصالحة ووحدة المجموعات المهمشة:


الرفاق المؤتمرين،

إن الوجه الأخر للبحث عن السلام يتمثل في البحث عن وحدة المهمشين وأنه إذا أراد المُهمشين أن يقوموا بهزيمة العدو المُتمسك والمُتشبث بالسودان القديم عليهم بالتوحد. وإن المقولة القديمة (الوحدة قوة) هي دائماً حقيقة في كل الأوقات، ولكن يجب بالطبع أن تكون تلك الوحدة مبدئية وليست وحدة إجرائية أو إنتهازية لأن ذلك لن يتحول لقوة ولكن سيكون مصدر ضعف. أنا أتحدث هنا بالخصوص عن المصالحة والوحدة مع أولئك الذين انشقوا أو خرجوا من حركتنا. إن وحدة جماهيرنا هي ضرورة أساسية لبقائنا. والوحدة ليست مسألة أخلاقية فحسب ولكنها هدف استراتيجي للحركة. وعلينا أن
نبحث عن وسائل وطرق لتحقيق الوحدة المبدئية.

طرق ووسائل تحقيق الأهداف:

الرفاق المؤتمرين،

لقد قاد تشبث الجبهة الإسلامية القومية بالسلطة وبسياسات السودان القديم إلى إنقسام البلاد وإنفصال جنوب السودان في عام 2011م، ولم يُنهي إنفصال جنوب السودان الحرب في الجزء المتبقي من السودان. بدلاً عن ذلك فقد نشبت حرب جديدة أوسع في الجنوب الجديد (جبال النوبة جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور). وهذه المرة أيضا اضطررنا لحمل السلاح لتحقيق ذات الأهداف التي وضعها مؤسس الحركة الدكتور جون قرنق دي مابيور مُنذ عام 1983م، مستخدماً الكفاح المُسلح كأفضل الوسائل لتحقيق الحُرية والعدالة والمساواة الموضحة في شعاراتنا الداعية إلى السودان الجديد.

لقد دُرست حركتنا بعمق جذور المشكل السوداني وتطوراته وميوله وآثاره. كما دُرست الحلول المُمكنة لإنهاء النزاع السوداني، وبخصوص الحلول يجب أن نوضح بأن الحل في إطار السودان الموحد لن يكون ممكناً إلا إذا تم مخاطبة القضايا المحورية، وإلا إذا ابتعد السودان عن سياساته الحالية القائمة على توجهات السودان القديم والإتجاه نحو السودان الجديد، وإلا فإن السودان سيتفتت ويتفرق. وبناءاً على رؤية الحركة للسودان الجديد وإذا قررنا أن نكون مبدئيين ومُتسقين معها، لا يوجد إلا ثلاثة نتائج موضوعية مُمكنة لحل الأزمة السودانية وقد تم توضيح هذه الثلاثة في (الحلول المُحتملة نموذج بياني Diagram) لتسهيل الفهم.

هذه النماذج هي:

النموذج الأول: نموذج السودان الجديد:

هذا النموذج يمثل السودان الجديد العلماني الديمقراطي الموحد حسب رؤية الحركة الشعبية. هذا النموذج يقتضي بالضرورة التفكيك والتدمير الكامل للسودان القديم وبالتالي إختفاءه وعلى أنقاضه يتم بناء سودان عدالة، ديمقراطي،
علماني (موحد طوعياً في تنوعاته العرقية، الثقافية، اللغوية والدينية) والذي نُسميه السودان الجديد.

النموذج الثاني: النموذج الكونفدرالي:


هذا النموذج يمثل وضع مرحلي يشتمل على ترتيبات وفترة إنتقالية. هذا النموذج يقتضي تعايشاً (مؤقتاً) بين النظامين، السودان القديم والسودان الجديد، والذي يستمر فيه السودان القديم بالعمل في تلك المناطق من السودان التي لاتوجد فيها مقاومة مُسلحة له، في الوقت الذي يتم انشاء إدارة للحركة الشعبية في المناطق الأخرى التي شاركت في الحرب الأهلية.
النموذج الكونفدرالي (رابطه سودانية) في المنطقة المظللة. المنطقة المظللة يتم التوصل لها بإتفاق بين السودان القديم والسودان الجديد، ومثل ذلك الإتفاق يُفترض أن يكون أساس أي محادثات سلام. كل دولة كونفدرالية تكون سيادية فيما يتعلق بقوانينها وترتيباتها الأمنية. وبالتالي فإن أي قضايا خلافية مثل قوانين الشريعة الإسلامية وأي قضايا مشابهة يتم مُعالجتها بواسطة كل دولة حسب دستورها ولا تجبر أياً منهما الأخرى على فعل شيء ضد إرادتها، طالما كانت الترتيبات الأمنية منفصلة والعاصمة علمانية ديمقراطية. كل تلك القضايا التي لا يوجد حولها إتفاق تظهر في الجزء الأبيض من الرسم البياني، في الوقت الذي فيه كل القضايا المتفق عليها تظهر في المنطقة المظللة وتمثل (الرابطة السودانية) أو الكونفدرالية.
إن هذه المصالح المشتركة والتي تتفق حولها الكونفدراليتين وتتعاونان عليها من أجل تحقيق مصالح مشتركة تُشكل الأساس الذي يمكن أن يُبني عليه إتحاد قابل للحياة والإستمرارية .. هذه المصالح المشتركة وليس الفرض بالقوة هو الذي يمنع التوجه نحو الإنفصال الكامل بسبب تحقيقه للمصالح الخاصة لكل من الدولتين. تصور الحركة الشعبية للسودان الجديد يمكن أن يُنظر إليه بمساعدة النموذج الثاني حيث تتوسع المنطقة المظللة والإختفاء التدريجي للأجزاء البيضاء من الرسم البياني، كلما زادت المشتركات والمصالح، وبالتالي تؤدي لإكمال بناء السودان الجديد. هذه الطريقة تُمكن السودانيين من إنهاء الحرب دون مرارات طويلة وفقدان للمزيد من الأرواح من غير ضرورة في نفس الوقت الذي يتم الحفاظ فيه على درجة من وحدة سودانية حقيقية تقوم على مصالح مشتركة مُتفق عليها وليس على الإجبار والهيمنة. إن الهدف من النموذج الثاني هو تحقيق تعايش (مؤقت) بين نظامين يُمكننا من الوقف الفوري للحرب وتحقيق السلام. في الوقت الذي يتم فيه خلق الشروط الضرورية وعمل الترتيبات التي تُمكن الشعوب السودانية لتقرر مصيرها من خلال الإستفتاء من أجل الإختيار بين السودان الجديد العلماني الديمقراطي الموحد أو الفراق.

النموذج الثالث: نموذج الدولة العربية الإسلامية الموحدة في السودان:

هذا المنوذج هو نفس النظام القائم حالياً في الخرطوم للدولة السودانية العربية الإسلامية الموحدة. هذا هو النموذج المُطبق منذ 1956 وحتى اليوم. والذي تسبب في 51 سنة من الحروب من أصل 61 سنة هي عمر السودان المستقل. هذا بالضرورة نموذج حرب وإنفصالي في نفس الوقت وذلك لأن غير العرب (الأفارقة) وغير المُسلمين سوف لن يقبلوا بالسودان العربي الإسلامي لأنهم ظلوا يقاومون هذا النموذج منذ 1955، ودخلو الحرب ثلاثة مرات بسببه. فإنه من المؤكد أنهم سينفصلون عن بقية السودان إذا إستمر هذا النموذج. لقد تم تصنيفه كنموذج أو وصفة حرب وإنفصال لأنه بالضرورة يسعى لإخضاع وإستلاب أو إبادة الأفارقة السود وغير المُسلمين من أهل السودان، وعليه يسبب الحروب التي تؤدي لإنفصال الأفارقة.

النموذج الرابع: نموذج السودان العلماني الأفريقي الأسود الموحد:

هذا نموذج إفتراضي ولكنه ليس بعيد المنال. ويُجدر بنا أن نتذكر أن أولئك الذين سجلوا كأفارقة في إحصاء 1955 كانوا 61%، في الوقت الذي سجل عدد 31% فقط كعرب وبقية ال 8% تم تصنيفهم (كآخرين)، أولئك الآخرين كانوا في الحقيقة أناساً من غرب أفريقيا أو مايسمى (فلاتة). وعليه فإن عدد السكان الأفارقة، حسب ذلك الإحصاء، كان 69% من سُكان السودان. فإذا كان العرب وهم 31% فقط من سُكان السودان يستطيعون المناداة بسودان موحّد على أساس العروبة والإسلام كما فعلوا ذلك منذ 1956، فما الذي يمنع الأفارقة وهم 69% من السكان في الشمال والجنوب معاً وقتها من المناداة أو التبشير بسودان مُوحّد على أساس العلمانية والأفريقانية. وانه حتى بعد إستقلال الجنوب فإن الأفارقة في السودان مازالوا يمثلون 56% من السكان. عموماً فإن هذا النموذج شبيه بالنموذج الثالث، وهو كذلك نموذج حرب وإنفصال، لأن غير الأفارقة (العرب) لن يقبلوا بسودان أفريقي أسود. سيعملوا على مُقاومة هذا النموذج ويدخلوا في حرب لينفصلوا في النهاية من بقية السودان.

النموذج الخامس: نموذج الإنفصال التام:


هذا هو نموذج الوجود المُستقل أو الإستقلال التام والذي يأخذ كلٌ من السودان القديم والسودان الجديد طريقه .. بسبب عدم التوافق التام. وهو بالضرورة النموذج الأخير المتبقي ومن الرسم البياني. يتضح أن النموذجين 3 و 4 يؤديان للنموذج الخامس، في الوقت الذي يمكن أن يؤدي فيه النموذج 2 للنموذج 5 كذلك، إذا فشل في تحقيق التصور الخاص بتحول السودان القديم.

تذكير:


إنه من المهم تذكر أنه ليس هناك واحد من النماذج الخمسة للحلول أعلاه مُعطى مجان. لتحقيق أيا منهم يجب أن يتم عبر النضال - النموذج الثالث وهو السودان العربي الإسلامي المُوحّد هو القائم الآن ولكن بالقوة، وأي نظام مُؤسس على النموذج 3 سوف لن يتنازل طواعية عن هذا النموذج لصالح أي واحد من النماذج الأربعة الأخرى.

عليه فإن هدف الحركة الشعبية ونضالها من أجل النموذج 2، وهو هدف الكونفدرالية السودانية، سيقود لواحد من إثنين (النموذج 1) السودان الجديد أو الإستقلال (النموذج 5). وعليه بتبني هذه الإستراتيجية ستحتفظ الحركة والجيش الشعبي بكل الخيارات مفتوحة من دون أن تخسر شيئاً. عليه يجب على كل الإنفصاليين والمؤمنين بتصور السودان الجديد أن يُقاتلوا جنباً لجنب طالما ليس هناك تناقض على الأقل في الوقت الحاضر بينهما. وفي نهاية المطاف عندما يتم خلق الشروط الضرورية عبر النضال، فإن الشعوب هي التي تقرر وبحرية مصيرها في إستفتاء مراقب دولياً. في ذلك الوقت
فإنه لا الإنفصاليين ولا السودانيين الجدد يستطيعون الإعتراض على إرادة الشعوب، لإن إرادة الشعوب هي الأعلى ويجب أن تسود.



دور المرأة:

الرفاق المناضلين،

نجد أن نساءنا قد بدأ يتزايد تمثيلهن ومشاركتهن بفضل كفاح الحركة الشعبية لتحرير السودان ومناصرتها لحقوقهن، خاصة وأن الحركة قد تبنت إجراءات إيجابية تضمن للمرأة التي تمثل أكثر من 50% في مجتمعاتنا لأن تلعب الدور الصحيح أو المستحق في كل أوجه النضال. ستواصل الحركة النضال لوضع حد لكل أشكال التمييز ضد النساء.

حول سلطات المؤتمر ومسؤولياته:

الرفاق المؤتمرين،

أمامكم أجندة ووثائق اللجنة المنظمة للمؤتمر وهي مقترحات تقدمت بها اللجنة المُنظمة للمؤتمر.
هذا المؤتمر سُلطة قائمة بذاتها. يمكنكم رفض كل هذه المقترحات ووضع أجندتكم الخاصة بكم، يُمكنكم تعديلها، أن تضيفوا مواضيع جديدة، وتحذفوا أخرى، لكم كامل الحرية. هذه هي المرة الثالثة في تاريخ المُهمشين ليجتمعوا بهذا العدد وبهذا التمثيل الواسع ليناقشوا بحرية ويقرروا في مصيرهم أو مُستقبلهم مُنذ إستقلال السودان في 1956. هذه مُهمة شاقة ومسئولية تاريخية. سيقوم المؤتمر بعمل مراجعة دقيقة لماضينا، ويعمل للإستفادة من الدروس ويعمل لتصحيح أخطائنا وتعضيد نقاط قوتنا. تنادينا لنضع معاً كل أفكارنا البناءة وإيجاد الحلول لكل المشاكل التي تواجهنا اليوم. وتنادينا كذلك لإنتخاب القيادة التي ستقود النضال في المرحلة الجديدة القادمة وكل المناديب لهم الحق في أن ينتخبوا أو أن يُنتخبوا لأي موقع قيادي بما في ذلك أعلى منصب قيادي وهو منصب رئيس الحركة الشعبية وقائد الجيش الشعبي لتحرير السودان. مسئولية المؤتمر كبيرة ولكن لدينا الثقة التامة فيه بأن يقوم بإنجاز المهمة التي وضعها التاريخ على عاتقنا.

المؤسسات المدنية والعسكرية:


المندوبين الأجلاء،

إذا أردنا للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان أن يتقدما إلى الأمام لتحقيق النصر، علينا أن نقوم بإعادة هيكلة وخلق مؤسسات سياسية وإدارة مدنية فاعلة وإعادة تنظيم جيشنا الباسل لنجعل منه أكثر فعالية لإلحاق الضربة القاضية بعدونا. تنظيم إدارة مدنية فعالة مسألة حيوية لنجاحنا في هذه المرحلة. علينا أن ندرك أنه لتصبح الإدارة المدنية فعالة علينا أن تُمنحها سلطات كاملة وتقويتها. المطلوب من الإدارة المدنية بالإقليمين التقيّد برؤية السودان الجديد قيمه ومثله لتقديم نموذج بديل لإدارة السودان القديم الفاشلة والتي تقوم على الظلم والتمييز بين المواطنين. على المؤتمر أن يُولي هذه المسألة ما تستحق من تفكير جاد.

ضرورة تنظيم الجماهير:

الرفاق المندوبين،

علينا تنظيم أفراد مجتمعنا المدني بشكل جيّد حتى يتمكنوا من المشاركة الكاملة في النضال. نحتاج لتنظيم الجماهير في مناطقنا المحررة من المستويات القاعدية وحتى المستوى القومي في المنظمات الجماهيرية التي من خلالها يستطيعون تعبئة جهودهم لمصلحتهم وبالتالي لمصلحة الحركة. مُزارعينا، المرأة، الشباب، والطلاب يجب أن يتم تنظيمهم في كل المناطق.

الدين والدولة:


رغم وجود فصل دستوري أو رسمي بين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان من جهة والكنيسة والجامع وكريم المعتقدات من جهة أخرى، فإننا نناشد رجال الدين ليكونوا جزءاً لا يتجزأ من نضال شعوبنا وحسب طلب هذه الشعوب. وذلك عبر توفير الدعم المعنوي وحتى المادي إذا تيسر. وعليه فإن القيادات الدينية في مجتمعاتنا يجب أن تُمنح كل الإحترام اللازم وتُطالبهم بالمحافظة على العلاقة الطيبة والإنسجام مع الحركة وذلك مع الدفع بقضية شعوبنا إلى الأمام.

فروع الحركة الشعبية بالخارج:


علينا مواصلة تنظيم جماهيرنا بالمهجر في فروع الحزب بالخارج حتى يتمكنوا من المساهمة سياسياً ومادياً في النضال. في نفس الوقت علينا تشجيع جماهيرنا في مناطق سيطرة العدو على تنظيم أنفسهم في أشكال تنظيمية سرية لأن لديهم طاقات يمكن أن تساهم في إسقاط النظام.

الإعتماد على النفس:

الرفاق المؤتمرين،

إن حركتنا قد نمت خلال الست سنوات الماضية. ولذا نحتاج للقيام بكل العمليات التنظيمية وهيكلة المؤسسات لنتمكن من إنعاش كل أوجه الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لجماهيرنا في المناطق المحررة. إننا نحتاج بصورة عاجلة لتعبئة مواردنا الداخلية من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي حتى نتمكن من مواصلة تحرير شعوبنا.
الآن وقد وصلتم إلى هذه المرحلة البعيدة، فإني أطلب منكم أن تقفوا كيما تتحملوا مسئوليتكم الوطنية التاريخية حتى تقوموا بتحقيق المهمة!

إسمحوا لي بأن أختتم بأن أطمئنكم بأن قواتكم في كل الجبهات مسيطرة على مواقعها؛ فنحن لسنا مُنقسمين، ونحن أكثر وحدة مما مضى. كل ما في الأمر أن رئيس الحركة السابق والأمين العام قد تمت تنحيتهما، ليس فقط بطريقة جسورة وثورية، بل أيضاً بطريقة سلسة دون أن تؤدي إلى شق صفوفنا. أقول هذا بالرغم من الهجوم الغادر ضد قواتنا والنازحين في النيل الأزرق الذي قام به بعض محاسيب مالك عقار المُضللين. وبالطبع كلكم تعلمون أنه قد تم طردهم وملاحقتهم إلى خارج المناطق المحررة بالنيل الأزرق. إني أؤكد لكم أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش)
أكثر إتحاداً وأكثر قوة من أي وقت مضى!

إني أنتهز هذه الفرصة لأؤكد لكم مرة تلو المرة أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش) قد تم تعميده في الفضاء السياسي والإجتماعي السوداني ليبقى ويستمر في الوجود؛ إذ لا توجد أبداً قوة في السودان القديم يمكن أن تهزمنا، ذلك لأن رؤيتنا الصحيحة تقوم بتوجيهنا، ولأننا ملتزمون بمبادئنا. إنه لمن المؤكد لدينا أن نظام الجبهة القومية الإسلامية سوف يُرمى به في مزبلة التاريخ. في هذا الخصوص، تجدونني مستيقناً وواثقاً تماماً.

ولا يفوتنا أن نشكر مواطني كاودا البُسلاء على إستضافتهم للمؤتمر ولكل مواطني وإدارة إقليم جبال النوبة جنوب كردفان والنيل الأزرق على المُساهمة في إنجاح المؤتمر لنحييهم بصفقة حارة!

مرة أخرى أحييكم وأهنئكم على حضوركم لهذا المؤتمر وإنجاحكم له! سأترك لكم الوقت للتداول في الأجندة التي أمامكم.

النصر أكيد!
يعيش المؤتمر العام الإستثنائي للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش)!
تعيش الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (ش)!
يعيش نضال الشعوب السودانية!
الجيش الشعبي أوييي!

والتحية لكم والسلام عليكم!
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأربعاء نوفمبر 15, 2017 1:12 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الأعزاء والعزيزات، متابعو ومتابعات هذا الخيط،

فيما يختص بالمادة السابقة، أي خطاب عبد العزيز الحلو، أود أن أنوِّه إلى أن ثمة رسم بياني أو Diagram ضمَّنه عبد العزيز، بغية مزيدٍ من التوضيح لفكرته، في الجزء الذي استعرض فيه خيارات حل النزاع في السودان، المُعنوَن بـِ "طُرُق ووسائل تحقيق الأهداف". غير أنني لم أنجح بعد في رفعه وموضعته في القسم الخاص به، رغم المحاولات المتكررة، مما تسبَّب في تأخير نشر المادة برمتها. على أنني سأواصل الاجتهاد وتوجيه نداء المساعدة التقنية إلى أن أُوفَّق في هذا الأمر.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:







كشف المستور في شخصية عرمان (3)

بقلم: د. قندول إبراهيم قندول






بعد حديث المشي على "قدمين في الأسواق"، فاجأنا ياسر عرمان أنَّ على الحركة الشعبيَّة المضي قدماً لتوحيد السُّودان على أسس جديدة، وأنَّ رفع شعارات حق تقرير المصير وتقزيم الحركة لتنظيم إثني مناطقي صغير في المنطقتين لن يفيدها، ولا الشعب السُّوداني ولا سكان المنطقتين أولاً وأخيراً. وسوف لن نتحدَّث كثيراً أو طويلاً عن مبدأ تقرير المصير كمصطلح أو حق المطالبة به وممارسة الاستفتاء له، ليس لعدم أهميته ولكن لكثرة الحديث عنه في الآونة الأخيرة، إذ لكل من كتب في هذا الصدد فهمه الخاص، وتفاسيره وتأويلاته الخاصة به. ويمكن للقراء الرجوع إلى ما كُتِب في هذا الخصوص بالبحث عنه في الشبكة العنكبوتيَّة. وما يهمنا في هذا الخصوص لفظة "رفع شعارات" التي تردَّدت أكثر من مرة في الأقوال والأحاديث والكتابات هذه الأيام. فالشعار كما ورد في "معجم المعاني الجامع" يعني علامة (راية) أو عبارة مختصرة يتيسَّر تذكُّرها وترديدها وعادة ما يتميَّز بها دولة أو جماعة. فالذي توافق عليه المؤتمرون في المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبيَّة في أكتوبر الماضي ليس شعاراً وإنَّما المطالبة بممارسة حق تقرير المصير إذا أصرَّت الجماعة التي داومنا - نحن السُّودانيُّون - بتسميتهم "النخبة الحاكمة" على ظلمهم للآخرين. هنا تجدر الإشارة إلى أنَّنا لا نقلِّل أو ننتقص من وصف الدكتور منصور خالد لهم في موسوعته المعنونة "النخبة السُّودانيَّة وإدمان الفشل". ونعتقد أنَّ المطالبة هي السعي بإلحاح وبالطريقة السلميَّة والحضارية، ومن خلال الديمقراطيَّة الشعبيَّة لتحقيق هدف معيَّن، وهذا بالضبط والربط ما قام به المؤتمرون دون إطلاق رصاصة! ومع كل هذا ذهب الكتاب بتهويل المطالبة "بتقرير المصير" وصدَّقهم القراء أنَّه يعني تلقائيَّاً الانفصال. هذا بالطبع ليس صحيحاً البتة، ولكن يبدو جلياَّ أنَّ الهدف من هذا الزخم هو تخويف وترهيب السُّودانيين بأنَّ النُّوبة عنصريين وقوقائين، ومناطقيين يرغبون فصل أنفسهم عن بقية السُّودان. هذا التأويل مخجل من أي كائنٍ كان، اللهم إلا إذا كان التفكير الحقيقي هو عدم حل القضايا التي أدَّت بالنُّوبة أو أي كيان سُّوداني يطالب بتقرير المصير.
عوداً للحديث عن ياسر عرمان وورقته الطويلة التي أشرنا إليها في الحلقة الثانية، ففي الجزئية المتعلِّقة بتأسيس ومنيفستو الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان والحديث عن تقرير المصير وما عليه، يذكر ياسر عرمان أنَّ إعلان تأسيس "الحركة الشعبيَّة" تم في 10 أبريل 2011م. هذا ما أراد ياسر أن يعلمه الشعب السُّوداني ولكن ما لا يعلمه هو أنَّ الملاحظات التي كتبها كانت بعد 38 يوماً فقط من تاريخ إعلان التأسيس المذكور، وقبل 19 يوماً من قيام الحرب الثانية في جبال النُّوبة. والكل يعلم أيضاً أنَّ ياسر عرمان كان مع الوفد الرفيع الذي سافر إلى كادقلي لتهدئة الوضع المتأزِّم يومذاك بين الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان - شمال والحكومة السُّودانيَّة. فبعد المحادثات التي تمت وقبل الإعلان عنها نسبة لاندلاع الحرب بمجرد إقلاع الطائرة التي كان على متنها ياسر مع الوفد من مطار كادقلي، وقبل مغادرة أجواء جبال النُّوبة. فلنترك خيالنا يسرح ويسأل ماذا كان يفكِّر فيه ياسر داخل الطائرة خلال مدة رحلة الذهاب إلى والإياب من كادقلي؟ وهل كان يجهل حتمية نشوب الحرب؟ ثم كيف ومتى خرج من الخرطوم بعد اندلاع الحرب وهو محسوب على الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال؟ توالت الأحداث بعد ذلك ليتم محاكمته ورفيقيه غيابيَّاً بالإعدام. أما كيف سيتم التنفيذ وعلى مّنْ أو الإعفاء عن مَنْ، فالإجابة عن هذه الأسئلة متروكة لعامل الزمن فقط!
ففي نفس الورقة والبند يتساءل ياسر "ما الذي دفع عبد العزيز آدم الحلو لتكوين لجنة جديدة لإعداد دستور آخر غير الدستور الذي قُدِّم للاعتماد وتبنيه". الإجابة، بلا شك، هي أنَّ الحلو كشف حقيقة ميلاد الحزب الجديد، وأنَّ الدستور الذي قُدِّم كان لذاك الحزب وليس دستوراً للحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، كما يحاول إفهام الناس. وحتى لا نلقي القول على عواهنه يقول البند 1-1-2 من ذاك الدستور:"(...) ستعيد الحركة الشعبيَّة فى دولة "شمال" السُّودان تنظيم نفسها في "الحركة الشعبيَّة للديمقراطية والمواطنة" (هكذا كان التركيز)، وستسعى الحركة لتفصيل رؤيتها وتطبيق برنامجها بانتهاج العمل السياسي السلمي الديمقراطي"... هذا هو نص البند، وهو ما يخالف الواقع تماماً. أما السطر الرابع تحت عنوان "الانتقال السلس من الكفاح المسلَّح إلى السلمي" فيقول: "(...) إنَّ الكفاح المسلَّح فى مناطق الهامش يجب ألا يعني بشكل من الأشكال تبديل الضحايا بضحايا جُدد على أساس إثني، وألا يسعى لإنهاء شكل من أشكال الاستغلال واستبداله بأشكال أخرى". أيضاً هذا ما كان في الدستور منذ سنة 2011م في حين كان أبناء النيل الأزرق وجبال النُّوبة يُستخدمون في المعارك وفي مواصلة القتال فيما بينهم كضحايا جُدد عطفاً على ضحاياهم في قتال جيش وميليشيات المؤتمر الوطني.
ففي هذه النقطة بالذات سُئِل ياسر: "هل ستستمر الحركة في العمل المسلَّح؟" أجاب ياسر بدون تردُّد بانَّه يجب أن يستمر العمل المسلَّح ولكن في وقائع جديدة. فمن هم الذين سيستخدم ياسر أو حزبه الجديد – أياً كان اسمه – للاستمرار في القتال؟ هنا لا بد من لفت نظر إلى موضوعية رأي وحجج الدكتور الواثق كمير لخطورة مواصلة الكفاح المسلَّح، إلا أنَّ القيادة الجديدة للحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحريسر السُّودان - شمال (في رأيي) ستستمر في استخدام كل الطرق المتاحة العسكريَّة، والسياسيَّة، والدبلوماسيَّة، والتفاوضيَّة، والانتفاضة الشعبيَّة أي "القوة الناعمة" إذا اقتضى الأمر، لتحقيق أهدافها المتمثلِّة في تحقيق الحرية الكاملة للشعب السُّوداني عامة والهامش خاصة من قبضة النظام المتحكِّم في حياتهم. إذن، ياسر عرمان له الحق في أن يجرِّب استخدام "القوة الناعمة" لمناهضة نظام البطش والإذلال، وله الحق أيضاً أن يجرِّب الطيران بجناحين مثل أي طائر (ولا نقول كعبَّاس وليس بن فرناس). ففي فقرة من ورقته انتقل ياسر يدافع بلا هوادة عن ضرورة قيادة القوى المعارضة لتحالفها مع الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال ووصف رفض عبد العزيز الحلو بمثل تلك القيادة ب"مناهج إقصائيَّة" مبرراً موقفه بأنَّ "العمل السياسي يقتضي الوصول لتفاهمات وفعالية سياسيَّة ويحاجج ياسر بذلك وهو يدرك تمام الإدراك ما تنويه قوى المعارضة التقليديَّة التي مارست اختراق صفوف الحركة الشعبيَّة منذ زمن بعيد. فعبد العزيز آدم الحلو يعلم تماماً مرامي ومقاصد بعض قادة تلك التنظيمات نسبة لتراكمات خبرته في العمل مع أولئك القادة ووسط تنظيماتهم.
وفي نفس الورقة ذكر ياسر أنَّ هناك قضايا كانت ستثير خلافات داخل الحركة بجانب حق تقرير المصير ورفض الحلو أن يتولى أية من القوى التقليديَّة قيادة أي تحالف للمعارضة. ما هي تلك القضايا الحرجة والمحرجة التي لا يريد ياسر تسميتها؟ أليس من حق الشعب السُّوداني معرفتها؟ وهل هي حقاً أخطر من المطالبة بحق تقرير المصير الذي أشرنا إليه؟ بودنا والله معرفتها. مهما يكن، من الأمرين نعتقد أنَّ الحلو قد تصرَّف بحكمة وحنكة تضاف إلى كفة نجاحاته وليس خصماً عليها، لأنَّه كان وما يزال حريصاً على تماسك ووحدة الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان - شمال، ولا يريد ولا يرغب في شرخها وتشتيتها.
أما موضوع الاستغلال الذي أشار إليه ياسر، فلا يكفي القول أنَّ المقاتلين في الجيش الشعبي يتم استغلالهم كوقود حرب. فمنذ انفصال الجنوب لم نسمع أنَّ ياسراً خاض معركة أو مكث أسبوعين متتالين في أرض المعركة سواء في جبال النُّوبة أو النيل الأزرق، وإنَّما كان يسافر إلى دول العالم الغربي ومدنها متحدِّثاً وحيداً باسم أهالي المنطقتين. فأين الاستغلال الحقيقي ومَنْ المستغِل ومَنْ المُستغَل؟ أما حديثاً وبعد المفاصلة وإعلان "ميلاد ثانٍ للحركة الشعبيَّة" تم استحداث نوع جديد بشع من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وهو ميت ألا وهو استخدام صورتي الدكتور جون قرنق والمعلِّم يوسف كوة مكي كجزء مكمِّل لشعار حركته المولودة بغرض الاستقطاب الإثني الحاد للنُّوبة، ومن عجائب الأمر ربما الدينكا! فالسؤال البديهي لماذا لم توضع صورة علي عبد اللطيف أو أحد رفاقه، أو الأزهري أو المهدي أو الميرغني أو أو أو...إلخ؟. لا شك أنَّ استغلال هاتين الصورتين تعتبر قمة الانتهازية والتي سنتطرَّق إليها في موضع آخر.
ننتقل لإلقاء بعض الضوء على شعار "السُّودان الجديد". ينبغي علينا الإقرار أنَّ الشعار أعلى سقفاً من تقرير المصير كما ذكر ياسر في ورقته، وعلينا أن نقر أيضاً أنَّ تقرير المصير أعلى سقفاً من "الحكم الذاتي الكامل" الذي طرحه وأعلنه في واحدة من جولات التفاوض عندما كثرت عليه الأسئلة مثل: "ماذا يريد النُّوبة"؟ وعلى الرغم من تواضع المطلب، قامت الدنيا ولم تقعد مما قاد إلى خروج وفد الحكومة من المفاوضات احتجاجاً عليه وتذرَّعه بأنَّه غير مفوَّض لمناقشة هذا الأمر. والأغرب أنَّ غالبية السُّودانيين بمختلف توجهاتهم وقفوا ضد مطلب الحكم الذاتي للمنطقتين، كحل "وسط" بين السُّودان الجديد وتقرير المصير. فلا تثريب أيضاً على السُّودانيين لأنَّهم شعبٌ غريب، لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب! وإذا رجعنا إلى الوراء قليلاً ومحَّصنا البروتوكول الإطاري الذي وقعه الدكتور نافع علي نافع ومالك عقار في يونيو 2011م، نجد أنَّه لم يضمِّن أيَّاً من مقترحي تقرير المصير أو الحكم الذاتي، ولكن غضب عليه المشير عمر حسن أحمد البشير، رئيس جمهورية السُّودان، غضباً شديداً فألغاه من على منبر خطبة صلاة الجمعة الذي اعتلاه بعد عودته مباشرة من رحلة الصين الطويلة وكأنَّ كان همه الأوحد هو إلغاء البروتوكول الذي رحَّبت به دوائر كثيرة. هذه هي العلقية التي يريد ياسر أن يستخدم معها "القوة الناعمة" ويجرِّب كيف "يطير بجناحين مثل أي طائر" كي "تمشي الحركة الشعبيَّة في الأسواق" لأنَّ "الكفاح المسلَّح ليس آلهة لتعبد" كما جاء في استطراده. فإذا أخذنا حالة النيل الأزرق مثالاً أعلن مالك عقار بعدما اندلعت الحرب في جبال النُّوبة، أنَّه لن يطلق أو تُطلق رصاصة واحدة في الولاية (أي ولاية النيل الأزرق)، تحت حكمه. ولكن تفاجأ أنَّه كان بين الحياة والموت لولا يقظة جنود الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال. فها هو التاريخ يعيد نفسه في أسوأ حالاته: تم إنتاج ضحايا جُدد بضحايا في النيل الأزرق إذ أُغتيل العميد علي بندر السيسي بسبب الاستعلاء العرقي والإثني البيني. فمَنْ استغل مَنْ؟
إنَّ حديث ياسر عن تقزيم الحركة لحركة إثنية مناطقية إلخ... مليء بالجفاء للنُّوبة وأهالي جنوب النيل الأزرق لا لسبب غير أنَّهم انحازوا فقط للحق ضد الباطل والتسلُّط. هل فعلاً تناسى ياسر تماماً أنَّه كان مثل حصان طروادة حين كان رئيساً لوفد الحركة الشعبيَّة في المفاوضات ولعدد 15جولة جرت بينها والحكومة السُّودانيَّة نيابة ومنافحاً عن الإثنيين المناطقيين أو بالأحرى أهالي المنطقتين؟ ولكن عندما تحقَّق مراده ببناء قوة من العلاقات الخارجيَّة والشهرة رامهم بأقبح صنوف الوصف مما أوجد في أنفسهم غُبن لأنَّهم لم يتوقعوا هذا من ياسر. إنَّ الثورة الساخطة من ياسر عرمان ومؤيديه على القيادة الجديدة للحركة الشعبيَّة هي ثورة ضد كل النُّوبة لأنَّ ما يمس الجزء – بالضرورة - يمس الكل، رغم تنكر البعض لهذا الافتراض. كما أنَّ ردود الأفعال المندِّدة للقيادة، خاصة من بعض أعضاء الحركة الشعبيَّة النُّوبة والغالبية من غير إثنية النُّوبة لم، ولن، وما كانت لتوجد لو لا إقالة ياسر عرمان من الأمانة العامة للحركة وسحب المهام والمسؤوليات التي كان يشرف عليها وحده وبصورة مطلقة، كما شرحنا. فليس سراً ولا عيباً وليس خطأ أيضاً، ولا جريمة، ولا عنصرية إن قلنا ينتمي ياسر عرمان إثنيَّاً إلى الشمال النيلي أو الأوسط. هذه حقيقة فليرفضها أو يقبلها من أراد. ومع ذلك، لم يمنعه إنتماؤه الإثني هذا من قيادة النُّوبة وسكان جنوب النيل الأزرق وكل من ينتمي إلى الحركة الشعبيَّة ولمدة سبع سنوات تقريباً. وللحق لم تكن الأغلبية النُّوباوية في الحركة الشعبيَّة محض الصدفة، بل نتيجة لتراكمات المظالم التاريخيَّة التي وقعت عليهم فضلاً عن موقع ديارهم الجغرافي الغني بكل موارد وثروات البلاد. وسط هذه الأغلبية المتطهدة كان ياسر عرمان يجول ويصول خلال تلك السنوات بينهم وقد ائتمنوه على أمرهم وهم به فرحين، وهو كذلك في أشد البهجة كما شاهدنا في الزيارة التي قام بها في أوائل 2016م وحتى بعد المفاصلة دون أن يصيبه مكروه. وحتى لا نقول كلاماً جزافاً لقد نقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطعاً لياسر عرمان وهو يقفز فوق ثور مذبوح كعادة اعتاد عليها المسؤولون السُّودانيُّون الرسميُّون عند زيارة مهمة أو وضع حجر الأساس أو افتتاح منشأ جديد.
إنَّ تكريس مبادىء العنصرية لم تظهر في أقوال ياسر فقط ولكنها للأسف الشديد من بعض أعضاء الحركة الشعبيَّة وبعض القادة الذين لم يخطر ببال أحد أنَّهم كذلك. هذه الظاهرة تناسخت تماماً كما بانت في نمطية البيانات التي ندَّدت بالإجراءات التصحيحيَّة لمجرد إقالة ياسر عرمان من موقعه كأمين عام للحركة الشعبيَّة، وليس من عضويتها كما يروجه الكثيرون. إنَّ البيان الذي ضم خمسين عضواً من قادة عضوية الحركة بالداخل إلا مثالاً لما نقول. كذلك يمثِّل بيان التنديد الذي أصدره محامو الحركة الشعبيَّة بالداخل صورة أخرى في ذلك الاتجاه! وما يحيِّر الفرد حقاً أنَّ تلك البيانات كانت ممهورة بأسماء، إما وهمية أو حقيقيَّة، من داخل المدن البعيدة كل البعد من مرمى نيران آلة الحكومة الحربيَّة في كلٍ من جبال النُّوبة والنيل الأزرق ودارفور. وحتى إذا سملنا أنَّ تلك البيانات والأسماء حقيقية ومن داخل السُّودان، أليست الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، محظورة من ممارسة نشاطها السياسي العلني وأنَّ مزاولة نشاطها في أية بقعة في السُّودان جريمة منذ نشوب الحرب الشاملة في الولايتين في يونيو 2011م؟ بلى! وإذا كان الأمر كذلك، كيف سُمح لمثل تلك الأسماء أن تجهر برأيها في مثل هذا الوقت دون عقاب، علماً أنَّ عقوبة الإعدام لا تزال سارية المفعول في حق قيادة الحركة بمن فيهم ياسر عرمان، ومالك عقار وعبد العزيز الحلو، وأنَّ بعض أعضاء الحركة ما يزالون في سجون السلطات الحكوميَّة؟ وما يتأسى له القلب ويدمي له الجبين كثيراً أنَّه لم نقرأ أو قل لم يصدر بياناً واحداً من رؤساء تلك المكاتب ولا من محامي الحركة الشعبيَّة يندِّد بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الآلاف من المواطنين في منطقتي جبال النُّوبة والنيل الأزرق، تحديداً.
نتساءل، ولا نبغي إجابة أو نتوقعها أبداً، لماذا لم تكن هناك تنديدات على القصف الجوي بالبراميل والمجازر على النُّوبة؟ وأليس تلك هي العنصرية ذاتها؟ بلى! فبالنسبة للعنصريين، إنَّ زهق روح واحدة أو أرواح كثيرة لا يعني لهم شيئاً بقدر إقالة فرد منهم لأنَّهم يرون في ذلك خطراً داهماً على مشروعهم اللا إنساني! وقياساً على ما ذُكر آنفاً بتنكُّر هؤلاء لميولهم العنصرية، هل يجوز لنا أنّ نصف النُّوبة المحبطين والمستاءين بالعنصريين؟ كلا! هنا نورد بعض المقتطفات التي كتبها الكثيرون عن اللقاء المخجل لياسر عرمان لنقرأ ماذا قالوا.
لقد كتب أحد الناشطين النُّوبة وهو غضبان أشد الغضب قائلاً: " لقد استفزني وأثار حفيظتي المدعو ياسر عرمان في لقائه مع القناة الفرنسيَّة حين وصف رفاقه السابقين في الحركة الشعبية بالإثنية والعنصرية، ونسي وتناسى أنَّه كان قائداً لهم لأكثر من ست سنوات، مكرِّساً جميع السلطات في يده، من أمانة عامة وتحالفات وعلاقات خارجية وتحكُّم في مالية الحركة، أي أنَّه كان الرئيس المطلق"... واستطرد يقول: "(...) أما النُّوبة فكانوا يستقبلونك بالذبائح والأهازيج وتزغرد لك النسوة ويرقص الأطفال فرحاً بك"... يواصل الكاتب المستاء يسأل: "هل تبني حق تقرير المصير سبة أو منقصة؟ فقرنق، مثلك الأعلى، قد ضمَّن حق تقرير المصير لجنوب السُّودان فهلَّلت له... ثم ما لبثت أن ركبت سفينة المؤتمر الوطني مستلفاً قاموسه اللفظي في الإساءة للمهمشين". أما الحديث عن ضعف المعارضة فهو ذر الرماد في العيون لأنَّك وحدك الذي هندَّس "نداء السُّودان" وفرضت عليه السيد الصادق المهدي الذي تفاخر أنَّه ذهب إلى الخارج لتحقيق ثلاثة أهدف: إقناع المعارضة المسلحة بإلقاء السلاح، وفسخ خطط نداءات المطالبة بحق تقرير المصير، والتوسُّط في حل الأزمة التي تواجه العالمين العربي والإسلامي". حقاً إنَّ الاستقبال الذي كان يلقاه ياسر عند النُّوبة لم ولن يلقاه يوماً عند أهله في الشمال أو الوسط إلا إذا قرَّر الذهاب والإنضمام لنظام السُّودان القديم، القرار الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى حسب قراءتنا لقرائن الحال والأحوال!
لقد كتب آخر يقول: "(...) يبدو أنَّ الرفيق ياسر عرمان نسي أو تناسي أنَّ الأغلبية الساحقة من النُّوبة كانت جاهزة للتصويت له في الانتخابات الرئاسيَّة العام 2010م لولا إنسحابه لسبب ما وترك الساحة لقريبه عمر البشير ليكون المنافس الوحيد لنفسه. هؤلاء هم ذاتهم الناس الذين ينعتهم بالعنصريين، ولو كان عزل أحد من منصبه بسبب أخطاء ارتكبها أو مطالبة إنسان في بحقوقه المشروعة والدفاع عنها عنصريه!!! فليشهد التاريخ أنني عنصري وبامتياز كما تحلو هذه الكلمة للرفيق ياسر عرمان". أما الثالث فعبَّر عن استغراب أهله النُّوبة وحيرتهم من كلام عرمان قائلاً: "في آخر زيارة لياسر عرمان لجبال النُّوبة في أوائل العام 2016م، وجد حفاوة وحسن الاستقبال والاهتمام ما لم يحظ به أي قائد أو شخص من الثوار والضيوف، وحتي الأطفال الصغار والنساء كانوا في انتظاره". وأردف يتساءل: "أتعلمون لماذا؟" ثم يجيب عن سؤاله بنفسه: "(...) لأنَّ عرمان كان يمثل بالنسبة لهم الأمل والرفيق العزيز المؤتمن على تطلعات وآمال ورغبات شعب كامل يعيش تحت قصف براميل الأنتينوف وشظف العيش. ولكن مع الأسف لم يتخيَّل أحدٌ منهم أن يصاب عرمان بالجحود والغرور ويحمل في داخله كل هذا الغبن والكراهية ضدهم يوماً ما، وأنَّهم انخدعوا فيه حقاً".
وتتوالى الإنطباعات إذ يقول مستغرب رابع:" (...) لقد استغربت عندما سمعت عرمان في القناة الفرنسية وهو يصف رفاق الأمس وينعتهم بالعنصرية والإثنية لمجرد اختلاف الرأي ويتهمهم بتقزيم الحركة الشعبيَّة". وثمة انطباع آخر يقول صاحبه: "أن يصف عرمان رفاق الأمس بالانقلابيين فهذا من حقه إذا كان ذلك مجرد تلاعب بالألفاظ، ولكن بالعنصرية والإثنية فهو يتساوى في ذلك مع الذين يضمرون الشر والكراهية لرفاقه ولأبناء جبال النوبة". وهناك تعليق خامس مفاده:"أنَّ حديث عرمان لهو السقوط الكبير له ولا يليق بمقامه وتاريخه ورصيده النضالي والثوري مع نفس أولئك الرفاق الذين بنوا معه كل هذا الرصيد والريع الرمزي الرفيع الذي دفع القناة لاستضافته". ثم قولٌ سادس مليء بالتمني والمنى يقول:"ليت عرمان يفهم أنّه لا يمكن خداع الناس طوال الوقت، وأنَّ الثوار ليس لهم في النضال شيء سوي الثورة والمناصحة والتسامح والصبر؛ وأعلم أنَّ من احتواك في دواخلهم وحملوك على أكتافهم لمدة ست سنوات قائداً لهم لا يمكن أن يصبحوا عنصريين بين لحظة ويوم لمجرد محاولتهم تصحيح أخطائك كأمين عام للحركة". وليعلم ياسر كذلك:"(...) أنَّنا كنُّوبة قد اخترنا درب النضال والثورة وتواثقنا كرفاق للمضي في طريق الحرية والعدالة والديمقراطية سوياً ولا يحيدنا عنها كائن من كان. وأنَّنا نساند الرفيق القائد الفريق عبد العزيز آدم الحلو لوقوفه مع تطلعاتنا المشروعة، على الرغم من أنَّه ليس نُّوباويَّاً صرفاً...فمرحباً بالعنصرية التي تلصق علينا كنُّوبة ليلاً ونهاراً أيها الرفيق ياسر عرمان".
تلك هي أقوال أبناء النُّوبة التي لا يفوح منها رائحة العنصرية أبداً ولا الشماتة ولا شتيمة بل العكس كانت في غاية المسؤلية والرُقي اللفظي والمعنوي، والاعتراف بما قدَّمه أو استفعل تقديمه لهم. فعاش النُّوبة ونضالاتهم على مر تاريخ السُّودان القديم والحديث والمعاصر.

نواصل.




[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

بيان:









إعلان سياسي مشترك بين الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال والحركة الشعبية الأغلبية الصامتة بالوحدة بين التنظيمين







بعد نقاش مستفيض إتفق الطرفان على الآتي: -

أولا: العدو هو نظام المؤتمر الوطني.

ثانيا: العمل من أجل سودان ديمقراطي علماني موحد، وبناء حركة قومية لكل السودانيين على أساس العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية والعضوية المتساوية.

ثالثا: الاتفاق على ترتيبات أمنية جديدة تحافظ على الجيش الشعبي، وأعادة هيكلة القطاع الأمني وبناء جيش وطني جديد غير مسيس تراعى فيها المهنية ويعكس مصالح مختلف المكونات السودانية المتنوعة.

رابعاً: نطالب عبد العزيز الحلو بالجلوس لوقف الإقتتال الداخلي في إقليم النيل الأزرق.

خامساً: إلغاء القرارات الصادرة بحق اللواء إسماعيل خميس جلاب وعودته للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال.

سادسا: تكوين لجنة مشتركة لإكمال عملية الدمج.

سابعا: حل القضية الإنسانية في المنطقتين بأسرع وقت.

ثامنا: العمل لتوحيد كآفة تيارات الحركة ودعوة الرفيق عبد العزيز آدم الحلو لإجتماع مشترك لإعادة توحيد الحركة الشعبية وكآفة التيارات الآخرى المعارضة لنظام المؤتمر الوطني.

تاسعا: المطالبة بالحكم الذاتي بصلاحيات واسعة بمافي ذلك الحق الدستوري في التشريع للمنطقتين، وإيجاد ترتيبات أمنية جديدة تضمن حماية سكان المنطقتين وتؤدي في النهاية لإعادة هيكلة شاملة في الدولة السودانية ولاسيما القطاع الأمني، وتحديد نسبة واضحة وعادلة من ثروات المنطقتين لتنميتهما، وتوحيد كآفة سكان المنطقتين وإزالة المظالم التاريخية التي لحقت بشعوب المنطقتين منذ سياسة المناطق المقفولة، وإعطاء أولوية لمعالجة قضايا الحرب والتنمية غير المتوازنة وخصوصيات المنطقتين، وأحترام ثقافات وديانات شعوبهما في إطار المواطنة المتساوية بلا تمييز لكآفة السودانيين، والمحاسبة على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي أرتكبت في حق شعوبهما، وأن تتاح الفرصة كاملة لشعوب المنطقتين لحكم أنفسهم بأنفسهم في سودان ديمقراطي علماني موحد وجديد.

عاشراً: شعوب المنطقتين لاسيما النوبة وشعوب النيل الأزرق هم من دعامات ونواة البناء الوطني السوداني وتاريخيهم مرتبط إرتباط لا إنفصام لعراه بتاريخ حضارات وادي النيل القديمة، وكانوا في مقدمة المشاركين في المعارك الوطنية، وسيناضلون مع بقية شعوب السودان لإعادة هيكلة الدولة السودانية وبناء مركز جديد لمصلحة كآفة الشعوب السودانية ورفض الهيمنة والعنصرية والإستغلال الإقتصادي والإجتماعي وبناء دولة العدالة والموطنة والديمقراطية، وقد ساهمت شعوب المنطقتين في النضال المشترك من أجل تحرير جنوب السودان ولذلك فإنهم يتطلعون الي علاقات إستراتيجية بين دولتي السودان، ولذا فإن الدعوة لتوحيد السودان على أسس جديدة تتناسب مع التاريخ الطويل لشعوب المنطقتين.

إحدى عشر: تقوية التحالفات القائمة للمعارضة وخصوصا الجبهة الثورية ونداء السودان والعمل المشترك مع كآفة المعارضين لإسقاط نظام المؤتمر الوطني والحل السلمي العادل والديقمراطية وبناء دولة المواطنة بلا تمييز.

مالك عقار اير
إسماعيل خميس جلاب
11 نوفمبر2017م
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

بيان:






إعلان سياسي مشترك بتاسيس الجبهة السياسية والعسكرية والإدارة المدنية بإقليم بدارفور للحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال







بعد إجتماعات إستمرت على مدى إسبوع وبمشاركة قادة ميدانيين من إقليم درافور، تم إكمال عملية دمج قيادة جبهة دارفور والتي في معظمها من قادة والكوادر المؤسسة للكفاح المسلح في إقليم دارفور، ولديهم تجارب سياسية وعسكرية منذ إندلاع العمل الثوري المسلح في دارفور، وقد إستمرت النقاشات بين الطرفين على مدى العامين الماضيين، فقد تم الإتفاق على الآتي:

(١) دمج التنظيم في الحركة الشعبية.
(٢) تنظيم الجبهة السياسية والعسكرية للحركة الشعبية بدارفور.
(٣) تعيين مجلس إداري مدني لإقليم دارفور.
(٤) تعيين قيادة عسكرية ونواب لرئيس هيئة أركان الجيش الشعبي من دارفور.
(٥) تعيين ثلاثة من قادة جبهة دارفور في المجلس القيادي للحركة الشعبية.
(٦) تعيين مستشاريين ومسؤلين من قيادة جبهة دارفور في أجهزة الحركة المختلفة.

للحركة الشعبية وجود قديم في دارفور وسيتم التوفيق بين قادة وكوادر الحركة الشعبية العاملين في العمل السري والعلني والعسكري مع قيادة الجبهة الجديدة وسيشارك الطرفان بفاعلية في ترسيخ الوجود السياسي والعسكري للحركة الشعبية بدارفور، وتعزيز العمل المعارض بها، والتعاون الإستراتيجي مع حركات الكفاح المسلح بدارفور.
الحركة الشعبية على نحو إستراتيجي تسعى لبناء علاقات بين القبائل السودانية (العربية وغير العربية) في دارفور على وجه الخصوص لاسيما وإن النظام يستخدم الإثنية كآلية رئيسية لضرب المهمشين بعضهم البعض.

والعمل لتجديد ورؤية الحركة الشعبية وتنظيمها، والنضال من أجل سودان جديد ديمقراطي علماني موحد.


الرفيقة بثينة إبراهيم دينار
الرفيق الرضي ضوء البيت آدم
13 نوفمبر 2017م
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعليق:






ملاحظات حول البيان من حيث الشكل:
فلنفترض ابتداء ان هنالك فعلا مجلس قيادي وهياكل وجيش وعليه:
١- قرارات علي اعلي مستوي تنظيمي (المجلس القيادي) فما هي الصفة التنظيمية لموقعة البيان لتتفق علي قرار بهذا المستوي،،،وهل توجد لائحة توضح طريقة الانضمام الي المجلس القيادي؟ وما هي الهيئات التنظيمية الاعلي التي تقرر ذلك للمجلس القيادي
٢-قرارات علي مستوي جيش فما هي الرتبه العسكرية والهيئة العسكرية التي تمثلها موقعة البيان
٣-لماذا لم يصدر البيان عن الناطق الرسمي؟
٤-ما هي اللائحة التي تسمح بانضمام جماعي؟
٥-تعيين مجلس اداري مدني يعني ان للجبهة الجديدة مناطق محررة ومواطنيين تحت الادارة،،اين ذلك المكان المحرر؟ ومن المعروف ان المناطق المحررة ليست سرا تنظيميا ومكان متخفي والسؤال ايضا من يتوجب عليه هذا التعيين؟ ولماذا تعيين طالما هي اصلا جبهة قائمة؟ واين المجلس الاداري القديم؟هل تم حله؟
٦-تعيين قيادة عسكرية،،فاين هي القيادة السابقة ليتم تعيين جديد؟ وطالما هي جبهة قائمة هل كانت تعمل بدون قيادة؟


علي الزين
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:







كشف المستور في شخصية عرمان (4)


بقلم: د. قندول إبراهيم قندول






رأينا في الحلقة الثالثة كيف وصف ياسر عرمان قيادة الفريق عبد العزيز آدم الحلو، رئيس الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، باتباع "مناهج إقصائيَّة". في هذه الحلقة سنتطرَّق إلى مفهوم الإقصاء بصفة عامة. فالإقصاء هو عملية إبعاد ومنع أفراد (أعضاء في تنظيم مثلاً) بشكل منهجي من الوصول إلى الموارد الأساسيَّة والحصول على مختلف الفرص لتحقيق الأهداف المعلنة لذلك التنظيم (الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال في هذه الحالة). وقد تكون عملية الإقصاء تراكمية ومركَّبة مع مرور الوقت مما يصعب التخلي عنها أو الانفكاك منها لتأخذ معنىً نفعيَّاً على المستوى الشخصي. ومن أهم مقومات الإقصاء وضع العوائق والعراقيل المفتعلة أمام أولئك الأعضاء. وقد تشمل هذه العوائق التذرُّع بعدم الكفاءة أو الأهلية، أو القيام قصداً بعدم تسهيل الإجراءات القانونيةَّ التي تضمن الخروج والدخول إلى بلدان بعينها؛ أو التسبُّب بقلة أو بمحدودية الإمكانات المادية إلخ... ودائماً ما ينتج عن هذه العملية حرمان الأفراد من المشاركة الكاملة في أنشطة وفعاليات التنظيم الذي ينتمون إليه.
تبعاً لمفهوم الإقصاء أعلاه لا نجد بداً غير القول إنَّه تم قصداً إبعاد المثقفين والعلماء والأكادميين من كوادر الحركة الشعبيَّة والاعتماد على الانتهازية حين كانت الأمانة العامة للحركة في يد ياسر عرمان. في الحقيقة، لا ننكر أنَّ بعضاً من ألأكفاء والمؤهلين من الكادر انحصرت مشاركتهم فقط في الفعاليات التي كانت تحدث في بعض الدول أفريقيَّة، وتحديداً أثيوبيا أو جنوب أفريقيا مثلاً. وتكريساً للتضليل الرمزي الذي يمارسه مركز السلطة في الخرطوم، اقتصر دور بعضهم في تلاوة أو نشر البيانات المقتضبة والمعدة مسبقاً في وسائل الإعلام. هذا بالضبط ما حصل في فترة قيادة الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان –شمال قبل الثورة التصحيحية. وقد أثارت تلك الممارسات الإقصائيَّة فضول بعض الدولر للتساؤل ما إذا كان لجبال النُّوبة وجنوب النيل الأزرق كفاءات وكوادر سياسيَّة، واقتصاديَّة، وقانونيَّة ومن ضروب التخصصات المختلفة للمشاركة في الفعاليات! فقد كتب الكثيرون عن هذه الميول الإقصائيَّة مستشهدين بكل الصولات والجولات التفاوضية الـ 15 لياسر كرئيس لوفد الحركة الشعبيَّة. وكذلك تبرَّم القاصي والداني من سفرياته وزياراته المكوكية الكثيرة التي كان يقوم بها وحده إلى دول الغرب خاصة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية (الولايات المتحدة الأمريكيَّة وكندا). وما يحيِّر حقاً لم يقم ياسر بزيارة إلى دولة واحدة من دول الخليج العربي "الشقيقة" مستنجداً أو طالباً التوسُّط لحل الأزمة السُّودانيَّة، ولا ندري على وجه الدقة سبب عدم القيام بمثل هذه الزيارة.
قد يجادل ياسر أنَّ إمكانيات الحركة الشعبيَّة ضئيلة ومحدودة ولم تسمح بما ذكرناه، وأنَّ أمور فنيَّة وقانونيَّة ودولية تتعلَّق بالمستندات الثبوتيَّة كالجوازات والتأشيرات - مثلاً - حالت دون سفرهم وإشراكهم في تلك الرحلات. فالسؤال البديهي هل حاول تذليل تلك العقبات وتسهيل الإجراءات؟ وألم تكن للحركة الشعبيَّة مكاتب وممثلين في تلك البلدان وكان بإمكانهم الالتحاق بوفد الحركة أو مصاحبة ياسر عرمان في لقاءاته إذا تعذَّرت تلك المحاولات، لأنَّ لا يمكن أن يملي شيئاً على أيِّ من تلك الدول؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، فلماذا؟ أما إذا كانت بالإيجاب فلماذا لم يتم تنسيق مسبق وإخطار تلك المكاتب والممثلين بأهمية وضرورة المشاركة في الأنشطة وفي الفعاليات لتحقيق غرض الزيارة؟ اعتقد كان بإمكان ياسر القيام بذلك استناداً على ما يعرفه الجميع بعلاقاته الخارجيَّة القوية مع الدور الحكوميَّة الرسمية والمنظمات العالميَّة والدوليَّة الفاعلة، وكذلك خبرته الطويلة منذ كان يلازم الدكتور جونق قرنق، ولكنه اختار غير ذلك. بالإضافة إلى هذا كان بإمكانه القيام بزيارات (إذا سمحت ظروفه) تنويريَّة لمكاتب ولجماهير الحركة الشعبيَّة في دول المهجر كله بنتائج جولات التفاوض، سواء أكانت إيجابية أو سلبية وما هي أسباب الفشل وكيفية تذليلها للمضي قُدماً من أجل الوصول إلي صيغ توفيقيَّة تؤدي إلى السلام والأمن والاستقرار في البلاد لأنَّه يمكن أن تستمر الحروب إلى ما لا نهاية.
هنا ينبغي أن نذكر أنَّ قيادة الحركة الشعبيَّة قبل اتفاقية السلام الشامل وبعده مباشرة بذلت قصارى جهدها لإحاطة وتنوير جماهيرها في المهجر، إما بإرسال وفد رفيع المستوى أو تكليف ممثليها الرئيسيين. فلنأخذ مكتب وممثِّل الحركة بواشنطن، الولايات المتحدة الأمريكيَّة، فقد قام بالمهمة بنفسه أو عبر المكاتب الفرعية المنتشرة في كل الولايات والتي قامت بالتنوير في الولاية المعنية. ولإزالة شماعة ضآلة ومحدودية الإمكانات الماديَّة قامت الفرعيات بالتمويل اللازم لتذاكر السفر والضيافة للوفود الزائرة لولاياتهم، وكما كانت تقدم دعوات الحضور والمشاركة لرصفائها. لم يأت ذلك من فراغ وإنَّما نتيجة للتنظيم المنضبط والمؤسسيَّة الفاعلة لسكرتارية الشؤون الخارجيَّة التي كانت تتبع مباشرة للأمين العام وقتذاك. أما في عهد ياسر لم تسمع جماهير المهجر بأي نشاط للسكرتارية إلا من وسائل الإعلام بأنَّ الأمين العام للحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، سيقوم أو قام بزيارة أو اجتمع مع؛ أو أنَّه سيلقي/ألقى محاضرة إلخ... بالمكان الفلاني في اليوم الفلاني والساعة العلانية!
تحدَّثنا باستفاضة عن مفهوم الإقصاء ومقوماته وما كان ينبغي فعله، هنا ننتقل لإعطاء بعضاً من نماذج ممارسة الإبعاد والإبعاد. ولتكن البداية بالسؤال، هل حقاً كان منهج الفريق عبد العزيز آدم الحلو إقصائيَّاً؟ كلا! لم يُعرَف للحلو، نائب رئيس الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، سابقاً، الظهور الدائم والمتكرِّر في وسائل الإعلام مثلما كان يظهر الرئيس والأمين العام السابقين! ما السبب في ذلك؟ لماذا؟ لا ندري بوجه الدقة. أما إذا كان الحلو ميَّالاً للإقصاء والدكتاورية لكان أقصى ياسر من الأمانة العامة وكذلك الرئيس بأية طريقة منذ زمن بعيد وطفى الأضواء من حولهما. إذن، قول ياسر في ورقته أنَّ قيادة عبد العزيز الحلو تمتاز بـ"مناهج إقصائيَّة" لا يرقى لشيء غير إشانة سمعة واغتيال سياسي، لأنَّ القائد العام آنذاك هو مالك عقار إير نقانيوفا وليس الحلو، ثمَّ كان ساعده الأيمن الذي اعتمد عليه وما يزال.
في الحلقة القادمة سنلقي الأضواء على إشارة ياسر عرمان إلى أنَّ هناك "الحل السلمي الديمقراطي في المدن، والهامش نفسه أتى إلى المدن وسكان المدن لهم قضايا كبيرة" ومزاوجة العمل في شكل "جناح سياسي قوي مع العمل العسكري المؤقت". وكما سنتعرَّض لأوجه الاستغلالية والانتهازية التي أشار إليها ياسر عرمان في ورقته.

نواصل.





[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:








كشف المستور في شخصية عرمان (5)


بقلم: د. قندول إبراهيم قندول







تتطرَّق هذه الحلقة للانتهازية كمفهوم وربطها بما ورد من تصريحات على لسان ياسر عرمان في مقابلته مع القناة الفرنسيَّة، ومقتطفات من ورقته "ميلاد ثانٍ للحركة الشعبيَّة (....)"، ومن ورقة مالك عقار " تجسير وربط الماضي بالحاضر (...)"، وشيئاً من بيانات الحزب الجديد لنكشف من خلالها أوجه الانتهازية واستغلال الفرص. ففي البدء ينبغي تعريف الانتهازية لغة وفي سياقها السياسي. فالكلمة لغةً، مشتقة من نهز أي اغتنم، وتعني في سياقها السياسي اغتنام الفرص للاستفادة من الظروف التي قد تطرأ مع الاهتمام الضئيل بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين. والإنسان الانتهازي بطبعه ذكي وبرغماتي، ولاعب ماهر يجيد كل الأدوار ويعتمد خطابين: خطاب للخاصة وآخر للعامة مستخدماً ثقافته المعرفيَّة الواسعة. وتبعاً لهذا يمارس نشاطه بصورة اعتيادية وفق الأيديولوجية المعلنة مظهراً المثالية وفقاً للحالة أو الموقف، ويبذل كل جهده لكي لا تظهر حقيقته. ويعتبر الانتهازي شخصاً لا يبني نجاحه على التعب والإخلاص في العمل، ومن وجهة نظره العميقة يرى أنَّ ولاءه لمصالحه ووقته لأموره الشخصية وعلاقاته الواسعة والعميقة لمنفعته. كما أنَّ الانتهازي يسعى دائماً إلى تجميد المفاهيم أو تغييرها بحيث تخدم أهدافه المرحلية، وهو فوق كل ذلك مستعد كامل الاستعداد للانقلاب على ادعاءاته والخروج عن الجماعة التي يدعي الانتماء إليها. هذا ما يمكن قوله ببساطة عن الانتهازي.
فإذا فحصنا أقوال ياسر عرمان مثل: "هناك العمل السلمي الديمقراطي في المدن"، وأنَّ "الهامش نفسه أتى إلى المدن"، وأنَّ "سكان المدن لهم قضايا كبيرة"، وأنَّه من الضروري "استخدام الكفاح المسلَّح المؤقت"، نجدها مشحونة بتناقضات الواقع. مثلاً ما يتعلَّق بمسألة العمل السلمي الديمقراطي، يبدو أنَّ ياسراً يكتب ولكنه لا يقرأ أبداً ما يكتبه الآخرين يومياً عن السُّودان، أو لا يتفاعل مع ما يُكتب. فهناك انتهاكات جسيمة في حق كل من يحاول القيام ب"العمل السلمي الديمقراطي" للتغيير سواء أكان في داخل الحرم الجامعي أو في شوارع قلب الخرطوم على سبيل المثال، أو ممارسة الكتابة النقديَّة للنظام، أو حتى العبادة التي تخالف الإسلام. ففي الإقبال على هذا النشاط يُقتل الطلاب أو يتم فصلهم وطردهم ويُعاملون معاملة لا إنسانيَّة؛ والنساء يتعرَّضن للجلد بحجة أنهن يلبسن زيَّاً "فاضحاً"، في نظر المتطرَّفين الإسلامويين. أما بائعات الشاي والأطعمة والخمور البلدية لدعم أسرهن يُطارِدن ويتم تغريمهن، أو يُجلدن، على الأقل، أو يودعن السجن عند العسر في دفع الغرامة. أما دور الصحف السيَّارة فتُقفل، والصحف ذاتها تُصادر، ويتم تغريم الصحفيين أو يُسجنون أو يُمنعون من الكتابة، والكنائس تُهدم والأساقفة يُتهمون بالعمالة. وفي معسكرات النازحين يُطلق الرصاص الحي من أسلحة الأجهزة الأمنية للنظام على الأبرياء فيصيب بعضهم في مقتل داخل معسكرات نزوحهم التي حسبوها آمنة. فضلاً عن كل هذا تُطرح المنازل غير "الزجاجيَّة" وتسوي بها الأرض بسبب أنَّها عشوائية وتُشرَّد الأسر في العراء في مواجهة الشمس الحارة والبرد القارس. وأما النشطاء السياسيين فيتم اعتقالهم وإيداعهم الحبس دون توجيه تُهم ضدهم ولمدد طويلة وخارج نطاق القانون. وكما لم تسلم الأنشطة الفكريَّة من الانتهاك الانتقائي ولنا مثال في منع محاضرة "المشروع الفكري للأستاذ محمود محمد طه" التي نظمها الأخوان الجمهوريين بفندق كورال بالخرطوم والمتوقع أن تستمر فعالياته من 23- 25 أكتوبر 2017م . حدثت وتحدث هذه الانتهكات في المدن ولا سيما بعد "الحوار الوطني" المزعوم والذي انفض سُمَّاره غاضبين أشد الغضب لأنَّه لم يأت بجديد! فلعلَّ المتابعين قرأوا أخباراً مفادها أنَّ نائب وزير الخارجية الأمريكي طالب الحكومة السُّودانيَّة بتحسين سجلها بعدم انتهاك الحقوق الأساسيَّة للإنسان كاحترام حق التعبد والعبادة، وإلغاء المادة 125 (الإساءة للعقيدة)، والمادة 126 (الردة) من القانون الجنائي، كشروط أساسية للتطبيع الكامل معها. إذن، أين هامش ممارسة "العمل السلمي الديمقراطي" الذي يقصده ياسر دون التدخل العنيف من السلطات الخرطوميَّة أم هذا الكلام عبارة عن دغدغة النظام على شاكلة "تهتدون" استعداداً للعودة الطوعية؟
أما قوله "والهامش نفسه أتى إلى المدن" مستفز ومشحون بالإيحاءات السالبة. أولاً، لا علاقة لهذه الجملة وكما ليس لها موقع في سياق الإجابة عن السؤال الذي طُرح، إلا إذا قصد ياسر أنَّ هؤلاء هم الذين سيستغلهم للمشاركة الفاعلة في أية انتفاضة شعبيَّة محتملة. إنَّ مآلات تجربة انتفاضة أبريل 1985م ماثلة وحية لم تمت. ففيها شارك أهل الهامش بفعالية ضد نظام نميري الذي استهدفهم في عملية "الكشة" وأخرجهم بالترحيل القسري من عاصمتهم المثلثة فانقطع الوصال بين أفراد العائلة الواحدة. كانت خواتيم الثورة الشعبيَّة تلك غير سارة بالنسبة لهم إذ تم وصفهم بالشماسة، فور فوز الأحزاب العقائديَّة والدينيَّة في الانتخابات التي أُجريت. وها هو التاريخ يعيد نفسه إذ يراهن ياسر أنَّ أهل "الهامش" سيصوتون لحزبه أو مع من سيتحالف معه. فلا مناص من التذكير بأنَّ عملية استمرار الحروب في الهامش الجنوبي (جبال النُّوبة)، والجنوب - الشرقي (النيل الأزرق)، والغربي (دارفور) ما هي إلا خطة لتفريغ تلك المناطق من سكانها الأصليين وإجبارهم على النزوح إلى المدن بينما يتم إحلال مكانهم بالموالين للأنظمة الظالمة في الخرطوم ليتحقق أمران: طمس هويتهم وبالتالي انتماؤهم للأرض وكينونتهم، وثم استغلالهم لاحقاً حالما أتى السلام "يمشي بقدمين أو طائر بجناحين". وما تصريح ياسر بضرورة "استمرار الكفاح المسلَّح المؤقت" دون سقف محدَّد، إلا السير في الاتجاه الخاطىء لأنّه سيزيد من عدد الهاربين والفارين من ويلات الحرب إلى أطراف المدن – وليس المدن، وهذا ما أشرنا إليه أنَّ هناك اهتمام ضيئل بالعواقب على الآخرين. وهذا بالضبط والربط ما عناه أحد أنصار ياسر أنَّ عدد النُّوبة في "الشمال" يتزايد فبلغ 2 مليون نسمة وأنَّهم جميعاً سيصوتون ضد حق تقرير المصير! والإقرار بهذا العدد في حد ذاته يثبت صحة نظرية تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، إذا كان المقصود بالشمال الموقع الجغرافي خارج جبال النُّوبة المعروفة تاريخيَّاً.
الرسالة السالبة الثانية التي ترسلها الجملة هي أنَّ هؤلاء غير مرغوب فيهم في المدن لأنَّهم يضايقون ويشكلون خطراً على سكانها الذين "لديهم قضايا كبيرة". فإذا كان ياسر يرى أنَّ ل"سكان المدن قضايا كبيرة" هل خطر بباله أَّنَّ سكان الهامش يعيشون حياة بائسة؟ وأنَّهم هم عمال المصانع، وطُلْبة في بناء العمارات العالية إلخ... وهم كذلك ممتهنو المهن المتواضعة لتوفير الحياة الرغدة لسكان المدن؟ لم يكن ياسر موفقاً أبداً بعدم الاعتذار حتى الآن بل راح يتمادى في تعميق الشقة بمعاداة الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال برئاسة الفريق عبد العزيز آدم الحلو، كما يظهر في التحركات الكثيرة لخلق تحالفات لا معنى لها لزعزعة الأوضاع في جبال النُّوبة، والنيل الأزرق ودارفور. مجمل القول هو أنَّ اتجاه ياسر بالتفريق بين "الهامش وسكان المدن" شبيه لما كتبه أحد عرَّابي النظام يومذاك بأنَّ طوقاً من حزام أسود يحيط بالخرطوم مما سبب عليها خطراً أمنياً. فقد كان ذلك العرَّاب يعني بلا شك أهل الهامش الذين أجبرتهم ظروف الحروبات في الجنوب، وجبال النُّوبة، والنيل الأزرق ودارفور للنزوح إلى عاصمتهم. فلا فرق بين هذا وذاك!
لقد رأينا في بند الكفاح المسلح في ورقة ياسر التي فصَّل فيها رؤية حركته تفصيلاً أنَّه استبعد الكفاح المسلَّح تماماً واعتبره "عنفاً يولد عنفاً مضاداً"، واتهم غريمه الفريق عبد العزيز الحلو أنَّه يستخف " بالعمل السلمي الجماهيري و"القوة الناعمة" و"اللاعنف فى مقارعة الأنظمة" وأنَّ الحركة الشعبيَّة بقيادة الحلو "حصرت نفسها بشكل كامل فى قضية الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة". فضلاً عن أنَّ مالك عقار يذكر في ورقته أيضاً " أنَّ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية دعامتان أساسيَّتان لرؤية السُّودان الجديد ولا يمكن تحقيقهما فقط من خلال الكفاح المسلَّح". كلام مكرَّر ولكنه نقيض لما يقومان به في الواقع. فمالك عقار لا يزال قائداً عاماً "للجيش الشعبي" وتم تعيين رئيس لهيئة الأركان. فالسؤال الأهم والذي يفرض نفسه هو أين هذا الجيش الجرار الذي له قائد عام ورئيس هيئة أركان ومع مَنْ سيشتبك؟ هل يخطط هذا الجيش لخوض معركة فاصلة مع الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، المرابط في جبال النُّوبة والنيل الأزرق بقيادة الحلو للقضاء على "المتمردين الانقلابيين الإثنيين والإقليميين المناطقيين" وإسقاط مزيد من الضحايا؟ ربما هذه هي الخطة إذ لا يغيب عن الأذهان أنَّ الذين انشقوا من الحركة الشعبيَّة في النيل الأزرق وانحازوا لمعسكر مالك عقار وياسر عرمان، قد لعبوا بالنار لتأجيج الصراع نيابة عن الخرطوم وهم يعلمون! وهذا الأمر لا يستقيم مع إقرار الحركة الجديدة بسلمية نضالها.
على أية حال، ومن تناقضات ياسر عرمان ومالك عقار في قضيتي الحرب والسلام، صدور بيانات تحالف مع جبهة دارفور وإسماعيل خميس جلاب. فتحالفهما مع جلاب بلا شك يدعو ظاهرياً أو علناً إلى "(...) توجيه بندقيتهم نحو نظام المؤتمر الوطني الغاشم"، و"(...) التنسيق في قضايا إسقاط النظام" كما ورد في النقطتين الرابعة والخامسة من بيان إعفاء "الرفيق عبد العزيز آدم الحلو من كافة مناصبه السابقة وصلاحياته"! علاوة على كل هذا لا يخفى عن الأعين بيان فتح "جبهة سياسيَّة وعسكريَّة وإدارة مدنيَّة في دارفور"! من هذين التحالفين يتضح جلياً، أنَّ الأحاديث والأقوال التي تدمغ عبد العزيز الحلو بأنَّه يجنح إلى الحرب مشكوك في صحتها ومردودة لأنَّ الواقع على الأرض مختلفٌ جداً. فعبد العزيز حالياً أمر جنوده في جميع جبهات القتال في جبال النُّوبة وجنوب النيل الأزرق بوقف إطلاق النار إلا في حال الدفاع عن النفس بينما عقار وياسر يعقدان تحالفات عسكريَّة، ولا ندري ضد من ستكون ضربتهم لأنَّ الخرطوم التزمت حتى الآن بوقف إطلاق النار. علاوة على إعلان الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، بقيادة الحلو، وفي إطار البحث عن السلام العادل، أوفدت قيادة الحلو وفداً رفيعاً للقاء اللجنة الأفريقيَّة الرفيعة المستوى للتباحث لاستئناف مفاوضات السلام في أقرب وقت ممكن، بينما الآخرون في بحث دائم عن تحالفات عسكريَّة، كما ذكرنا.
وما يدعو للحيرة الدعوة لضخ دماء جديدة في القيادة العليا للحركة بينما مالك عقار لم يبرح مكانه كرئيس للتنظيم المنشق، وترقية عرمان إلى نائب الرئيس، وترفيع إسماعيل خميس جلاب إلى منصب أمين عام، وهؤلاء من الرعيل "الأول" للحركة الشعبيَّة. كيف ينهون عن خلقٍ ويفعلونه؟ إنَّ الغائب عن الشعب السُّوداني هو كيف تمت هذه الهيكلة ومتى، علماً أنَّ الحركة الجديدة لم تعقد مؤتمراً عاماً بعد الدمج. بالطبع هذا الإجراء تم في سرية تامة عملاً بضرورة "تصعيد العمل السري لحزبهم وسط السُّودانيين في جميع أنحاء العالم (راجع بيان إعادة تشكيل المجلس القيادي للحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال الانتقالي، بدون تاريخ). مرة أخرى هذا نوع آخر من التناقض بين انفتاح حركتهم وسريتها، وما خفيَّ أعظم! لا بأس فياسر يعد نفسه ليكون رئيساً للحركة الجديدة لينزلق مالك عقار من مكانه، بحسب قراءتنا لقرائن الأحوال وتجارب الماضي، سيختار ياسر عرمان أميناً عاماً لحزبه وحينها سيكون المحك: هل سيسلمه كل ما يتعلَّق بملفات مفاوضات السلام، والمالية، وربط الأمين العام الجديد برموز علاقاته الخارجيَّةأم لا؟ الإجابة عن هذا السؤال متروكة للزمن. إلى هذا الحد أوضحنا كيف تجلَّت الانتهازية السالبة في العمل العام، والتناقض في الرسائل الموجهة للجمهور المستهدف، وتغيير المواقف والمبادىء، والخطاب العاطفي المزدوج "للاستقطاب الحاد" لبعض مكونات المجتمع. وهذا يقودنا في الحلقة القادمة إلى الحديث عن أبشع أنواع الاستغلال.

نواصل.





[email protected]
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


أخي الأكرم : القصاص
تحية طيبة،

لدي ملاحظة أن هنالك رتباً عسكرية من نوع ( الفريق )

من يمول مثل هذا الجيش ؟
أرجو ألا تكون الإجابة كما قال جون قرنق ( نبيع البقر ) !!

*
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الصديق شقليني،

شكرا على المتابعة والتحفيز. سأعود للإجابة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

بيان:







الحّركة الشّعبية لتحرير السُّودان ـ شِّمال

بيــــــــــــــــان هــــــــــــام








إلي جمّاهير الحركة الشّعبية لتحرير السّودان ـ شِّمال
وإلى كافة جماهير الشعب السُّوداني الصّامد الأبيّ ،،

لقد ظللتم تتابعُون الإشكاليات التنظيمية، والصراع المحموم حول القيادة داخل الحركة الشعبية، وما أفرزته من مآلات وتداعيات، إنعكست علي وحدة وتماسك الحركة الشعبية، ومُستقبل دورها الريادي كرأس رُمح في العمل الثوري، ومشروع التغيير السّياسي والإجتماعي والثقافي في السّودان؛ وإيماناً منا برؤية السودان الجديد و الضرورة المُلحة للعمل الجّاد والمُثمر، في الإصلاحات التنظيمية والهيكيلة للتنظيم، في هذا المُنعطف الحرج من تاريخ الحركة الشعبية لتحريرالسودان، والثورة السُّودانية، ووفاءً لدماء شهداء مهروا بأرواحهم الطاهرة قربان الثورة، كان لابد من أن نُمّلِك الحقائق لجماهير الحركة الشَعبية ـ شمال، والجماهير السُّودانية الأبية كافة، قنَّاعة مِنّا بأحقيتهم في إمتلاك الحقيقة وعليه نوضح الآتي:- ‎
فك الإرتباط مع الحركة الشعبية []
يُعتبر فك الإرتباط، بين الحركة الشعبية الأم، والحركة الشّعبية لتحريرالسّودان ـ شمال، من المحطات المهمة في مسَّار الحركة الشعبية ـ شمال؛ وهي من العمليات الغامضة في كيفية إختيار القيادة (الثلاثية) المُكلفة وجلوسهم في كابينة القيادة التي أفرزت واقع الحال؛ وكما هو معلوم كانت، برئاسة الرفيق (مالك عقار إيير) والرفيق (عبدالعزيز آدم الحلو) نائباً له، والرفيق (ياسر عرمان) أميناً عاماً.
وتتلخّص مهام التكلِّيف، بإنعقاد مؤتمر إستثنائي للحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال، ووضع برنامج مرّحلي واضح لعملية إعادة والبنِاء التنظيمي للحركة وفقاً للواقع الجديد، لرسم مُستقبل الحركة الشعبية في ظل المتغيرات السياسية المحلية، والإقليمية والدولية.
للأسف، فشّلت القيادة (الثلاثية) في القيام بالمهَّام المُنّاط بها إنجازها ؛ بل أكثر من ذلك إنحرفت تماماً عن المسّارالنضِّالي، والخط السِّياسي المُرّتجى لتحقيق غايات وأهداف مشّروع السُّودان الجديد، ورؤية التغيير، وقضت علي الأهداف والآمال النبيلة، التي ضحّي من أجلها شًّهداء الحرية والتضحيات الجسام، في وغى ساحات النضالات المريرة، لطليعة للشعب السّوداني الصامد.
وعلي المستوي التنِّظيمي إختزلت (القيادة الثلاثية ) مُؤسسّات الحركة في أشخاصَّهم، بعد تعطيل الأجهزة التنظيمية ومؤسسات الحركة في كل المُسّتويات، وأغلقت مسارب الحوار، ونهجت مبدأ التجاهل المُتعمد لكافة كوادر الحركة علي إمتداد الوطن، و إتسمت ممارستها بالتعّسف، وإصَّدار القرارت الظالمة في حق كل من جاهر برأي مخالف، من كوادر الحركة الشعبية، شّملت هذه القرارات التعسّفية، ومن غير وجه حق؛ الطرد والفصل والإحالة للصالح العام، سميت ( بالأحالة للمعاش) في سّابقة غير مسبوقة، في العمل الثوري، وبصورة لا تمت لقيم النضال بصلة؛ هذا فضلاً عن تمرغها، في وحل الفسّاد المالي والإداري وتقزيمها للحركة الشعبية من تنظيم ثوري طليعي، ورائد للحركات الثورية التحررية، علي المُسّتوي الوطني والإقليمي، إلى جزر معزولة وشلليات موسومة بالفساد وعدم الإنضباط التنظيمي؛ وبذلك تتحمل (القيادة الثلاثية) مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية في تداعيات الأزمة التنظيمية والإخفاقات السياسية والتيه الهيكلي الماثل.
مبادرة البناء الهيكلي والمؤسسي []
في ظل التخبط السياسي والتنظيمي (للقيادة الثلاثية) وإستشعاراً منا بدورنا النضالي، المسؤولية التاريخية ، وفاءً لأرواح شهدائنا الأبرار الذين وهبوا النفس بكرمٍ باذخ فداً لمشروع السُّودان الجديد والتغيير؛ طرحنا برنامج (مُبادرة الإصلاح الهيكلي والمؤسسي) للحركة الشعبية ـ شمال وذلك في أكتوبر 2015 . مُستهدفين المسار التي يقود الي تصّعيد قيادة رشيدة منتخبة تتولى مهام إنجاز المرحلة الهامة من تاريخنا، وفقاً للرؤية وتحملاً للمهام الجِسّام لبناء التنظيم، عبر مؤسسات ديمقراطية منتخبة، تنتهج أُسلوب النقد والنقد الذاتي في تطورها النِضّالي، وتوسّع قاعدة المُشاركة، و تتلتزم بمبدأ المحاسبة والشفافية.
رؤية برنامج المبادرة؛ تتطلع إلي فرز وتصعيد قيادة تحمل قيم الحركة الشعبية وتلتزم التزام تام برؤية السودان الجديد، مستهدية ببرنامج إصلاح قائم على المُرتكزات الأساسية الآتية:ـ
*عقد مؤتمر عام للحركة الشعبية ـ شمال.
*مراجعة وإعادة صياغة (المنفستو) والدستور والقوانين، واللوائح.
*مراجعة وتقييم أداء الحركة التنفيذي والتنظيمي.
*مراجعة وتقييم وتأسيس المكاتب الخارجية والداخلية علي أُسس تشاركية، وقيم ديمقراطية حقيقية
*مراجعة وتقييم أداء مراكز بناء الكادر.
*مراجعة وتقييم الأداء المالي والإستثماري.
*مراجعة وتقييم العمل الإعلامي وتطويره .
إلا أن (القيادة الثلاثية) حينئذ لم تُعر إهتماماً، لهذه المبادرة بل شنت عليها هجوماً، شرساً وسفهتها تبخيساً، خوفاً مواقعهم القيادية التي إكتسبوها بوضع اليد؛ ولتغبيش الوعي تم غمرها بالإشاعات بغرض نسفها، "ولم يسّتبينوا النُصّح إلا ضُحى الغد" .
المؤتمر الاستثنائي العام []
بعد أن تقدم الرفيق (عبدالعزيز آدم الحلو) بإستقالته الشهيرة والمُسببة؛ أطلت موضُّوعات جديِّدة في أجندته، وبرامج أعماله أهمَّها المُؤتمر الإستثنائي، و كتابة (المنفستو) و من ثَّم الدستور؛ وهي من الموضوعات والمرتكزات الأساسية التي وردت في صلب المُبّادرة.
المؤتمر الإستثنائي العام، الذي عقد مؤخراً في (كودا) كانت خطوة إيجابية للإصلاحات التنظيمية والمؤسسية للحركة الشعبية ـ شمال؛ إلا أن العجلة في الإعداد، والإنتقائية في التمثّيل، وعدم توسيع قاعدة المُشاركة في إعداد الوثائق الأساسية للمؤتمر ، (كالمنفسّتو والدستور) إضافةً لخُّلو أجندة المؤتمر من ترسيخ مبدأ النقد، والنقد الذاتي؛ كآلية لإصلاح الخطأ؛ وغياب الشّفافية والمُحاسبة ؛ لم تُوُّفِي بالإلتزامات الجوهرية لعملية الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية، والبناء التنظيمي والرؤية المستقبلية للحركة.
بل إهتم المؤتمر بالشَّكليات التظاهرية بشكل كبير، و السّعي المحّمُوم، لتقّلد الوظائف التنفيذية للتنظيم بغرض إضفاء الشّرعية للقيادة الجديدة في هذا الجو المُكهرب؛ دون الدخُول في صلب القضايا الجوهرية، التي تُشّكل آس الأزمة التنظمية؛ والتي تقتضِي ضرورة العمل الجاد والمثابر، لإيجاد الحلول الممكنة لها؛ ووضع المعالجات اللازمة للمعضلات والأعطاب الهيكلية والمؤسسية، التي ولّدت أنتاج الأزمة، ومخاطبة القضايا الحياتية المُلحة للجماهير.
إن إجراء عملية الإصلاحات الهيكلية والتنظيمية، دون تقييم نقدي جاد للأداء السِّياسي والتنظيمي؛ بغرض إستلهام العبر، والإستفادة من أخطاء تجارب الممارسة الماّضية؛ لا يُفضِّي بِنَا إلا إلي إعادة إنتاج الأزمة التنظيمية وتكرار الأخطاء السّابقة وإعادة تدوير الأزمة، الشيء الذي لم يُورث حكمة.
المؤتمر العام الإسّفيري للرفاق مالك عقار، وياسر عرمان
إن الحديث عن مؤتمر عام من قبل الرفيق مالك عقار، وياسر عرمان، ما هو إلا محاولة اُخّري للهروب الي الأمام، وقفزة في الظلام، بعد أن تم رفضتهم قواعد الحركة الشعبية، عبر المؤسسات التي إبتدعوها بأيديهم عندما كانو، في قمة القيادة الثلاثية ..أين المسؤوليات القيادة، والموضوعية عندما طَّرحت مبادرة الإصلاح الهيكلي والتنظيمي رؤيتها ؟
من المؤسِّف حقاً، أن الخطاب المُتدوال حوال المؤتمر المُزمع إقامته؛ وما يُسمى "بميلاد رؤية جديدة للحركة الشعبية" ما هوإلا إنزلق الي مُسّتوي من البؤس والإنصرافية لا يُعبر بالضرورة عن رؤية السودان الجديد، ومشروع التغير الوطني الديمقراطي، بل أصبح كيلاً، عنصرياً، وقياساً جغرافياً و يقرع طبولاً لإثبات الذات بأي ثمن.
إن الطوفان والأزمات التي خلقتها (القيادة الثلاثية)، يتوجب عليها الوقوف مع نفسها بموضوعية وروح ثورية ناقدة، والإعتراف بالأخطاء الجسام، التي أقترفتها في حق الأحياء والشهداء من جماهير الحركة الشعبية لتحرير السودان وجماهير قوي التغير والهامش العريض في مجمل التراب السُّوداني.
الرؤية ومشروع السودان الجديد []
إن مشّروع السُّودان الجديد رؤية شاملة ومتمَّاسكة لمعالجة الأزمات والإشكاليات السياسية، والاقتصادية، والإجتماعية، والثقافية في إطار الإعتراف بالآخر ليكون آخر، والقدرة على وإدارة التنوع. بازالة الإحتقانات، والتهميش ومعالجة جزر الأزمة وأسباب الحروب والإحتراب . وضرورة تأسيس وبناء وطن لكافة الشُّعوب السُّودانية. علي أساس الحرية، والعدالة، والمساواة، والديموقراطية في إطار عقد إجتماعي يحفظ حقوق الجميع.
عاشت نضالات الحركة الشعبي
عاشت نضالات الجيش الشعبي
عاشت نضالات الشعب السوداني


رمضان حسن نمر
مبادرة الإصلاح الهيكلي والمؤسسي
3 ديسمبر 2017
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:










كشف المستور في شخصية عرمان (6)

بقلم: د. قندول إبراهيم قندول








في الحلقة الفائتة تحدَّثنا باستفاضة عن الانتهازية، أما موضوع هذه الحلقة فيدور حول الاستغلال بالمفهوم السياسي والذي لا يخرج عن دائرة "استخدام جماعة معينة كوسيلة لتحقيق أهداف مرحلية محدَّدة بطريقة ظالمة لمصلحة شخصية أو لفائدة جماعة أخرى". ودائماً ما يوظِّف الشخص المستغِل العلاقة الاجتماعية المستمرة بينه وبين الجماعة المستغلَّة بطريقة ذكية، ثم يتخلى عنها متى ما رأى أنَّه حقق غاياته أو أغراض الجماعة المحسوبة له. وقد يكون التخلي عن المجموعة بشق صفوها وخلق نوعاً من العداوة لتشتيتها وإضعافها، والبحث عن مجموعة أخرى لاستمرار دورة حياة الاستغلال. وفي أحايين كثيرة يتم "استقطاب حاد" لبعض أفراد المجموعة المستغلَّة للاستفادة منها لإنجاز مهام معينة ومحدودة وغالباً ما تكون تشويه صورة الجماعة الرئيسة. أما أساليب الاستغلال السياسي فمتعدِّدة ويتم اختيارها بناءً على الجمهور المستهدف، من حيث طيبته وسلامة نيته، أو عفويته أو لسذاجته، وليس لافتقاره إلى الذكاء والحكمة والحنكة، والصبر كما يتبادر إلى أذهان بعض الناس. فمن أدوات التأثير الفعَّال على الجمهور المستهدف استخدام الرموز المؤثرة التي تحمل معاني استجابة إيجابيَّة لرسالة معينة. وقد تكون الأداة صورة قائد ملهم للجماعة أو زعيم ديني أو علم وطني إلخ... ومهمة تلك الأداة هي خلق نوعاً من العاطفة تجاه الرسالة أو إقناع الجمهور للاستجابة الإيجابيَّة لها ودعم أصحابها بالتأييد بغض النظر عن الحقيقة العميقة من وراء الرسالة.
هذا، فلقد أشرنا في الحلقة الثالثة على عجل بشاعة استغلال صورتي الدكتور جون قرنق دي مبيور أتيم، والمعلِّم يوسف كوة مكي في شعار المسى الجديد "الحركة الشعبية لتحرير السُّودان- شمال" ناقصاً الجيش الشعبي. فالحق – والحق يُقال- إنَّ هذا الاستخدام لهي قمة الاستغلالية لهذين البطلين. ففكرة "السُّودان الجديد" بلا شك، نابعة من أفكار الدكتور قرنق العميقة والذي رحل فجأة وترك وراءه فكراً لم ولن يمت برحيله بل بقي وسيبقى حياً يمشي بين الناس. الفكر الذي يحمله المؤيدون والمعارضون له وعلى حدٍ سواء؛ فالمؤيدون يتفاخرون به جهراً، أما المعارضون فعلى استحياء، أو أنَّ بعضهم ينافق بإظهار معارضته له. وأياً كان الأمر ففكرة "السُّودان الجديد" التي دعت ولا تزال تدعو إلى تحقيق وحدة ما تبقى من السُّودان بتنوُّعه وموارده، ليس كمثلها بديل لو التف حولها أهل القرى والحضر. ولكن رفض أصحاب الأجندات الظاهرة والخفيَّة، ففصلوا الجنوب آملين ان يسلم باقي السُّودان، ولكن لا نجح السُّودان القديم ولا الجنوب. وعلى الرغم من هذا الواقع المرير يشمت أهل الحكم في السُّودان بما يدور في الجنوب من حرب أهلية وكأنَّما بلدهم نفسه مستقراً أمنيَّاً وفي مأمن. وكما كثر ت تساؤلات: مَنْ المسؤول من فصل الجنوب لتجد منهم إجابات واهية. فمنهم قال الغرب وإسرائيل لأَّنَّهم أعداء الإسلام والعروبة، وأصبح بعضهم يتلاومون، وأثرت ثُلة منهم الصمت وهم نادمون، ويعلمون أيضاً أنَّهم هم المسؤولون تماماً، أولاً وأخيراً. أليس هم الذين رفضوا ويرفضون السلام إلا بشروطهم التي تنكر حقوق الآخرين؟ بلى!
مهما يكن جدالنا ولو أكثرنا فيه، ليس في السُّودان أو خارجه من لا يرغب أن يعم السلام والأمن والاستقرار، والديمقراطيَّة وحكم القانون الذي يتساوى أمامه الجميع بالعدل إلخ... إلا المنتفعين من حال الوطن البائسة. فمطلوبات المواطنة الحقة المتمثِّلة في حسن إدارة تنوُّع السُّودان الإثني والعرقي والديني والثقافي إلخ... وتبعاتها من إشاعة العدل والمساواة بين المواطنين مهمة، لكي يتفرَّغ الجميع للتنمية المستدامة لينتفع أهل السُّودان كافة بدلاً من الاحتراب والحديث الهامشي، والجدل البيزنطي أنحن عرب أم أفارقة، مسلمون أم غير مسلمين وما إلى ذلك من الخزعبلات! فقد كرَّس الدكتور قرنق حياته لإفهام قوم السُّودان أهمية التطرُّف "لسُّوداناويتهم" وليس لأفريقانيتهم أو عروبتهم أو إسلامهم أو مسيحيتهم أو معتقداتهم الأفريقيَّة النبيلة، لأنَّ ا"لسُّوداناويَّة" هي العامل المشترك الأعظم بينهم جميعاً وهي أداة "وحدتهم". ففكره صائب، ولا نقول كله صواب، إذ ينبغي تصحيح الخطأ وتطوير االجديد في الفكرة أو جلها بدلاً من التناحر لأنَّنا أو بعضنا فقد موقعاً ما. هذا ما يجب قوله باختصار عن الدكتور قرنق وفكرته المتميِّزة.
أما المعلِّم يوسف كوة مكي، فلا أحد يغفل دوره في حياة الناس كلهم، ولكل فرد رأيه فيه، إيجابيَّاً أو سلبيّاً. فإذا كان سالباً فلا ينقص من مقامه وعليائه شيئاً. فقد عاش ومات وهو مهموم بقضية شعبه في جبال النُّوبة على وجه الخصوص، والسُّودان بصفة عامة. فضلاً عن أنَّه كان يحمل نفس الرؤية التي مات من أجلها الدكتور قرنق، غير أنَّه كان معلِّماً حقيقيَّاً. فقد كان يصر ويركِّز على تعليم شعبه الثقة بالنفس، والتمسُّك بأصالته السُّوداناويَّة، وإبرازها بثقة وثبات لأنَّها من أنبل سمات القائد الجسور والصبور، وما صبر النُّوبة على المكاره إلا حفنة مما كان يمتاز به يوسف. فهو مدرسة فكرية كاملة ومتكاملة يصعب تغطيتها هنا. ولكن لا بد لنا من ذكر أنَّه غرس في شعبه القيم الحميدة مثل الصدق والأمانة والعفة، فلا يجوز الكذب، ولا الغش ولا الخيانة. وكان يشدِّد على مبدأ الشفافية، فعدمها عنده مرفوض، ويؤكِّد عفة اليد وسلامة اللسان لأنَّهما محمدة. وقد كان يدعو أيضاً إلى العفو عند المقدرة، وإلى المروءة كونهما من محاسن ومكارم الأخلاق، وجميل العادات وكمال الرجولة والنخوة. لذا اختار عبد العزيز اآدم الحلو كرجل المرحلة لقيادة النُّوبة لأنَّه رأى فيه تلك الصفات. إذن، لم يكن الاختيار عبطاً واعتباطاً وإنَّما لإيمانه وثقته فيه بأنَّه سينجز المهام الموكلة إليه أو سيؤدي الأمانة إلى أهلها إذا غلبه حملها ليقرروا بأنفسهم ولأنفسهم، فهذا بالضبط ما حدث.
إذن، إنَّ ما أتى به مالك عقار وياسر عرمان واستخدامهما صورتي البطلين ضمن مكونات ومحتويات شعار حركتهما لأمرٍ إداً. ولم يكن إلا رد فعل وغضبة لإقالتهما من رئاسة الحركة ومن الأمانة العامة لخروجهما من الخط الذي رسمه الدكتور قرنق والمعلِّم كوة. ومهما كانت المبررات والحجج التي صاغها الاثنان لقيامهما بهذا العمل، ففي الأمر عدم الاحترام والتقدير لأرامل وأبناء وأسر، وأقرب الأقربين للدكتور جون قرنق دي مبيور والمعلِّم يوسف كوة مكي وكذلك الجماهير التي أحبتهما. فالشهيدان لا يزالان أحياء برؤيتهما التي غُرست في أعماق وأذهان الناس الذين لا يحتاجون لتذكيرهم بهذه الصورة التي لا تعكس إلا الاستغلالية لاستمالة البعض لمساندة المجموعة التي انشقَّت. فإذا كان الأمر غير ذلك لماذا لم تُوضع الصورتين بين العلمين قبل المفاصلة والخصام؟ وحتى لا نكون قد أفشينا سراً إن قلنا لم يتم سؤال أو استشارة أسرة المعلِّم يوسف كوة مكي بغرض الحصول على الموافقة المبدئية بوضع صورته على العلم، تأدباً بقامته ومكانته بين أهله وأبنائه. نفهم ونقبل أن تنشر صور الأبطال في الكتب ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية، والملصقات والملابس، أو النقود والنقوش إلخ... ولكن أن تكون جزءً من شعار حركة التحرير مثل العلم، فلم نسمع به أبداً، ولا بد أن تكون هذه سنة من سنن الكون الجديدة! فذكرى تخليد المعلِّم يوسف كوة أو الدكتور قرنق لا تتم بهذه الطريقة ولا بهذه الصورة. كان ينبغي أن يكون التخليد بالمحافظة على رؤيتهما وإرثهما بالنضال المتواصل بكل السبل المتاحة ككتلة واحدة إلى أن يتحقَّق حلم "السُّودان الجديد" الذي ضحيا من أجله وليس بخلق المشكلات وتسفيه النُّوبة ووصفهم بالقوميين الإثنيين الإقليميين.

نواصل.






[email protected]
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

رسالة:





نص رسالة رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان القائد مالك عقّار إير الى قيادات المعارضة







الى قيادات القوى المعارضة في الجبهة الثورية ونداء السودان والاجماع الوطني والجبهة الوطنية العريضة والمجتمع المدني وقيادات النساء والطلاب والشباب وقيادات السودانيين في المهجر ومعسكرات النزوح واللجوء:

حول ضرورة الاتفاق المشترك على اجندة سياسية واضحة للتغيير وربط قضية الانتخابات بالسلام العادل والتحول الديمقراطي



· عملنا المشترك يعاني من غياب الاجندة السياسية الواضحة وبرنامج العمل اليومي المستمد منها.
· نرفض المشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني، وندعو لمناقشة رصينة والانتقال من خانة المقاطعة السلبية.
· ندعو لخوض معركة جماهيرية واسعة للمطالبة بانتخابات حرة ونزيه في مناخ ديمقراطي، مسبوقة بوقف الحرب وتحقيق السلام والحريات.
· رغم رائنا في الدستور، علينا رفض تعديله والا يسمح لعمر البشير بخوض الانتخابات مرة اخرى.


الاعزاء والعزيزات قيادات العمل المعارض:


اتيحت لنا في الفترة الماضية اجراء منقاشات مع عدد منكم كان همها وشاغلها كيفية الوصول الى اجندة سياسية واضحة نستمد منها برنامج عمل يومي في حده الادنى لتوجيه طاقات العمل المعارض على نحو مشترك لمحاصرة النظام، لاسيما وان الحياة المعيشية تشهد تدهور مريع واستمرار انتهاكات حقوق الانسان والحرب دون افق واضح لحل تلك الازمات المتراكمة بفعل استمرار النظام الشمولي. ان ازمة النظام هي بنيوية شاملة، لن تحلها اجراءات فوقية مثل رفع العقوبات، وفي جوهرها ازمة داخلية قبل ان تكون خارجية.

نلاحظ جميعا تخلف حركة المعارضة عن مواكبة التطورات الجارية والاستفادة من حالة الضعف غير المسبوقة التي يعيشها النظام. كما ان خلافات المعارضة اضحت عقيمة ومعوق رئيسي للدفع باجندة التغيير، بما في ذلك الخلافات المؤسفة التي المت بتنظيمنا في الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال. ومع ذلك لابد من التقدم للامام ومواجهة النظام بفعل ملموس واجندة مشتركة تستند على العمل الجماهيري الواسع ضده.

هنالك قضايا ومستجدات داخلية وخارجية تحتاج الى نقاش موضوعي وعقلاني، لا يركن الى التخوين او الشعارات السهلة التي تريح الضمير ولا تنتج فعلا وعملا جماهيريا يوازي تلك الشعارات. فنحن نحتاج الى خطة عمل لمواجهة النظام قبل ان يعدل دستوره ويتجه لانتخاب رئيسه المطلوب للعدالة الدولية مجددا في ذات الوقت. نحتاج لنقاش شفاف وموضوعي حول قضية الانتخابات، دون الركون للاجابات والمواقف السهلة التي لا تضع اعتبار للمستجدات، ودون الانجرار وراء خطط النظام، والا فان قضية الانتخابات ستؤدي الى المزيد من التقسيم لقوى المعارضة.

فالسؤال يظل، كيف سنوظف الانتخابات لهدفنا في التغيير. ولا نعتقد بان هنالك اي قوى معارضة تقبل بانتخابات المؤتمر الوطني التي خبرناها طوال ثمانية وعشرين عاما. وفي نفس الوقت، فاننا نرى بان الانتخابات يجب ان توظف لمواجهة النظام وطرح اجندة التغيير وكسب قطاعات جماهيرية واسعة في هذه المعركة، حيث يمكن دراسة تجربة الانتفاضة المصرية وعلاقتها بالانتخابات والمطالبة بالتغيير( حملة كفاية). قضية الانتخابات عملية معقدة، لا نريد دعم شرعية النظام بقدرما نريد دعم اجندة التغيير. فعلينا ان لانكتفي بالاجابات القديمة، مثل اعلان مقاطعتها منذ الان، والا تكون المقاطعة المجانية هي الجند الوحيد. فهنالك وقت طويل قبل وقت الانتخابات يمثل مساحة واسعة لتصعيد العمل الجماهيري ومواجهة النظام في طيف واسع من القضايا قبل الانتخابات. وعلينا احسان استخدام كافة الآليات في معاركنا من اجل التغيير، وضمنها الكفاح المسلح، وهي قضية نقاشها يتم في منبر آخر.


تجربتنا في التعامل مع ما يسمى بالحوار الوطني كانت تجربة مفيدة، فنحن الذين اخترنا ان نتعامل مع المجتمع الدولي في تلك القضية، وقد استطعنا بالفعل من حرمان النظام من اعتراف المجتمع الدولى بحواره الوطني، كما ثبتنا بوضوح ان قضايا السلام والديمقراطية لن يحلها الحوار الوطني المزعوم.

خلال الفترة الماضية اتيح لي وللرفيق الامين العام للحركة الشعبية المشاركة في عدة اجتماعات واجراء عدد من الاتصالات مع مسئولين في المجتمع الدولي، اطلعنا بعضكم عليها، ونريد ان نتبادل مزيد من المعلومات والافكار معكم عبر هذه الرسالة.

بدعوة من الحكومة الالمانية، التقينا في 17 اكتوبر بالعاصمة برلين، بالخارجية الالمانية، ممثلة في المبعوث الالماني للسودان وجنوب السودان، وبالسفير الالماني لدى السودان، وبالدكتورة آن مسؤولة السودان وشرق افريقيا بالخارجية، وبفريق عمل معهد بيرغوف، وفي باريس التقينا بالمبعوث الفرنسي ومسؤولة قسم السودان بالخارجية الفرنسية. كذلك تبادلنا عدة رسائل مع مسؤلي قسم السودان بالخارجية الامريكية ومكتب المبعوث الخاص. كما التقينا في 11 نوفمبر الجاري، السبت الماضي، بالمبعوث البريطاني والنرويجي للسودان، ممثلين لبلدان الترويكا. كل تلك اللقاءات دارت حول كيفية تحقيق السلام والتحول الديمقراطي في السودان. ونحن ندرك ان العمل الداخلي الجماهيري، بشقيه السياسي والمسلح، هو اساس عملية التغيير، وفي ذات الوقت، نرى الا نغفل التعامل مع المجتمعين الاقليمي والدولي، وان نطور ونطرح اجندتنا علي البرلمانات والراي العام والمنظمات الدولية وكافة التيارات المتضامنة مع قضايا الشعب السوداني في تلك البلدان، هذا فضلا عن تعبئة السودانيين واصدقاء السودان في الخارج والتفافهم حول اجندتنا.

خلال كافة تلك اللقاءات، وفيما يخص قضية الانتخابات، فقد طرحنا من جانبنا الآتي:

1. النظام غير راغب في التغيير
2. الانتخابات آلية مجربة للتحول الديمقراطي السلمي، ولكنها في واقع السودان الحالي تحتاج الى عدة تدابير، والتي اذا ما تحققت فنحن على استعداد لخوض الانتخابات، والتدابير هي:
(أ‌) رغم رائنا في دستور النظام، فعلى المجتمع الدولي ان يقف ضد تعديله، وضد ترشح عمر البشير مرة اخرى.
(ب‌) التوصل لاتفاق سلام شامل يراعى خصوصيات مناطق الحرب والترتيبات الامنية الشاملة الجديدة قبل الانتخابات، وبما يمكن قوى الكفاح المسلح من المشاركة في انتخابات ديمقراطية ونزيهة.
(ج) الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات لكي تقام الانتخابات في مناخ ديمقراطي.
(د) الاتفاق على قانون جديد للانتخابات قائم على التمثيل النسبي.
(ه) وضع معايير متفق عليها لضمان استقلالية آليات العملية الانتخابية، بما في ذلك المفوضية. *
(و) الاتفاق على تدابير فعلية انتقالية لضمان حياد الجهاز التنفيذي واجهزة الامن لتحقيق نزاهة الانتخابات.
(ز) التاكد من عدم استخدام موارد الدولة لمصلحة طرف من الاطراف، ومناقشة قضية تمويل الانتخابات.

وكما تعلمون ان هذه الحزمة من التدابير ليست نهائية، بقدرما تمثل رؤس مواضيع قابلة للتطوير، كما يمكن ان تمثل ملامح للبرنامج المشترك للتصعيد والتعبئة الجماهيرية فيما يتعلق بالانتخابات.

اعلان موقف واضح من الانتخابات، والانتقال من المقاطعة السلبية، واعلان الاستعداد لخوضها وفق تدابير معينة متفق عليها، يجعل من الانتخابات إحدى المعارك الجماهيرية الرئيسية، بدلا عن الاكتفاء بمواقف الامس التي لم تؤدي الى النتائج المطلوبة. وفي ذلك، فاننا مع خوض المعركة جماهيريا لانتزاع حقنا في انتخابات ديمقراطية وحرة ونزيه ضمن معاركنا الجماهيرية المتصلة، ومطالبة المجتمع الدولي بان يكون ذلك من ضمن اجندته في الحوار مع حكومة المؤتمر الوطني.

والجدير بالذكر ان الاتفاق على خطة مبكرة حول الانتخابات لا يسقط العمل الجماهيري اليومي والتعبئة من اجل الانتفاضة، بل المعركة الجماهيرية الواسعة لانتزاع الحق في انتخابات ديمقراطية وحرة ونزيه، هو في وجه من وجوهه يصب في الانتفاضة، ولنا في تجربة بوكينا فاسو وتوغو اسوة حسنة. اننا ايضا ندعم خوض معارك الاصلاح القانوني والدستوري، فالمعارك الاصلاحية تصب كذلك في طريق الثورة.

حول خارطة الطريق والمستجدات:


في لقاءتنا مع المجتمع الدولي والآلية الافريقية رفيعة المستوى، قلنا ان خارطة الطريق قد دمرها النظام، وهو يتحمل مسئولية ذلك. وان تحقيق السلام قد تم ربطه في خارطة الطريق بالحوار الوطني، وقد انتهى الحوار الوطني المزعوم دون تحقيق السلام، ولذلك فان هنالك حاجة ماسة لاخذ هذه المستجدات في الحسبان، بما في ذلك قيام انتخابات ديمقراطية ونزيه وحرة، وباتفاق بين الحكومة والمعارضة. فخارطة الطريق بصورتها القديمة غير صالحة وتحتاج الى تجديد واعادة نظر.
اخيرا، نرى ان نلتقي جميعا، وفي اسرع وقت للوصول الى اجندة مشتركة والعمل على تصعيد العمل الجماهيري بكافة الآليات المتاحة، وخوض المعركة الى جانب شعبنا، وتقديم اجندة واضحة للعمل داخل وخارج السودان.



مالك عقار آير
رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان
13 نوفمبر 2017
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعليق:






دعوة مالك عقار للمشاركة في الانتخابات القادمة

بقلم: فاروق عثمان







طرح السيد مالك عقار إير مبادرة منه يدعو فيها القوي والتنظيمات السياسية المختلفة إلي الإلتفاف والاتفاق حولها لجعلها معركة إنتخابية تفضي أو تؤدي إلي تغيير النظام واضعا عددا من الشروط أهمها عدم ترشح البشير لدورة جديدة واحترام الدستور وكأنما نظام الإنقاذ هو البشير فقط؟

إستغرب الكثيرون، وبالقطع كنت واحدا من جملتهم، من دعوة الرجل، وربما إلتبس عليهم الأمر. فالسيد عقار إلي أشهر قليلة ماضيات كان يتبني الكفاح المسلح كآلية لتغيير النظام ورفض قبلها التوقيع علي أي مبادرة توصل الي تسوية بعد عدد كبير من الجولات كان قائدها الامين العام السابق. وقطعا كانت ستشمل إنتخابات وإتفاق والتزاما بالدستور يتضمن عدم ترشح البشير مجددا، في حدودها الدنيا، وكان سيكون إلزاما علي البشير ونظامه التطبيق لأنه إتفاق لوقدر له أن يتم سيكون تحت ضمانة دولية وشهود دوليون وإقليميون كثر.
ولكن ما الذي تغير وجعل عقار ورفيقه عرمان يحولان مجري تفكيرهم الاستراتيجي تماما ويستديران ٣٦٠ درجة علي الضد من قناعاتهما الراسخة وإيمانهما اليقيني المطلق بسوء طوية المؤتمر الوطني حتي لأشهر قليلة مضت.

لفهم هذا الشي وامساك تفاصيله وسبر أغواره علينا النظر الي مخرجات مؤتمر كاودا الاستثنائي وما تمخض عنه من التفاف شعبي وجماهيري وعسكري علي مقرراته، وما نتج عنه من أحداث والتي أتت بقيادة جديدة منتخبة، من خلال متابعتنا لها كمراقبين ومهتمين إتخذت أسلوب التروي وعدم الإندفاع واتخاذ مبدأ العقل الجمعي كآلية في التفكير واتخاذ القرارات والاهتمام بترتيب ذاتها وبناءاتها التنظيمية. علي العكس رأينا اندفاعا شديدا وسرعة في إتخاذ القرارات وكم بيانات مهول من قبل مجموعة السيد عقار وكأنها تحاول قطع الطريق علي مخرجات مؤتمر كاودا. فقطعت أنفاس المراقبين أو كانما هي في سباق متعجل لكسب ود بقية القوي السياسية. فبعد أن تبني السيد عقار برفقة الأمين العام المقال ونائب الرئيس للحركة الحالي التي تكونت مما أسمياها بالرؤية الجديدة واعدين بقيام مؤتمر في يناير وإنتخاب قيادة جديدة من الشباب وتقديم مجموعة من الأوراق تتضمن دستورا ومنفستو والتحول الي حركة مدنية سياسية لا عسكرية. ولكن سرعان ما تفاجأنا بوحدة إندماجية مع الأغلبية الصامتة ورئيسها خميس جلاب والذي كال ما كل من تهم ولعنا في السابق لرفاقه الجدد وهو متبني للإنفصال كطريق أوحد ووحيد لاشكالات الجبال. وقبل أن يفيق الناس من دهشة إنضمام جلاب ومافيها من مفاجآت، تفاجأت الأوساط السياسية مرة أخري بمشروع الإنتخابات الذي فجره السيد عقار. ولم تمر سويعات إلا وبدأت التنظيمات في إطلاق للبيانات الرافضة والمذكرة بسلوك المؤتمر الوطني الحربائي وطبيعته البنيوية المراوغة وإستحالة قيام إنتخابات في وجوده، وهو رد رافض وبشكل غير مباشر لدعوة السيد عقار ولكن المدهش إستمرار المجموعة في إحداث زخم نقاشي إسفيري كبير وتحويل الموضوع إلي جدل بيزنطي عقيم وكأنما الإنتخابات هي طوق النجاة الوحيد لأزمات السودان وكوارث المؤتمر الوطني، وكأنما أستغلقت كل منافذ النضال ونفاجات التغيير وأبوابه الثورية ولم يبقي للناس غير سم خياط الإنتخابات التي يحاول السيد عقار إدخال جمل التغيير الثوري من خلالها.

الواضح أن ما يحصل من تخبط وقفز علي الرؤي وعدم الثبات السياسي لمجموعة عقار هو نتاج طبيعي لحالة من الإرتباك السياسي وفقدان البوصلة البرامجية وعدم التصديق وذهول الصدمة لما جري من أحداث بدأت ببيانات مجلسي التحرير وانتهت بمؤتمر كاودا الإستثنائي، أو هو محاولة إثبات للذات وتطمينها من خلال التواجد في قلب الأحداث السياسية حتي ولو كان هذا علي حساب التنكب والارتداد عن مشروع التغيير الذي يؤمنون به وتواضع علي حده الأدني الجميع. وللأسف هذا الفعل يؤدي إلي تقديم خدمات جليلة ومدهشة ومجانية للمؤتمر الوطني والذي دائما ما يصطاد في المياه العكرة، فقام عجولا بتلغف دعوة عقار دونا عن الرافضين، مرحبا بها وممليا شروطه المعهودة، مشغلا لأسطوانته الدائمة والمشروخة التي تبث موسيقي الاقصاء والدكتاتورية وتخرج ألحان مشروعهم الحضاري الخرب.

إن للإنتخابات شروط ومتطلبات لم ولن يوفي بها المؤتمر الوطني. ولو بدأ في إنفاذ أبسطها من الآن لأحتاج إلي سنين عددا لإنجازها. والشاهد والمؤكد أنه لن يفعل لانه وببساطة المؤتمر الوطني أصبح هو الدولة والدولة هو. فلا سبيل إلي فك هذا الشي إلا بعملية جراحية قاسية تؤدي للفصل ورغما عن آلامها إلا أنها هي الطريق الوحيد للتغيير، والذي قطعا ليس من آلياته منازلته إنتخابات. وكما قيل في المثل لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ومن جرب المجرب حاقت به الندامة.

هذه الإنتخابات جربها قبلا السيد نائب الرئيس للحركة الشعبية وأنسحب منها دونما تبرير أو إعتذار، حين كان الوضع أفضل بآلاف المرات من حيث المراقبة الدولية ووجود جيش شعبي ضامن ومؤثر داخل الخرطوم، وتوفر هامش واسع للحريات وغيرها من مغريات، وكان هناك كثير أمل أضاعه حينها قائد حملة الأمل ولم يعتذر إلي الآن ويأتي إلينا الآن رغم عن موت الأمل وتحجر الدمع دما في المآقي وفقدان الثقة فيه هو تحديدا، ليبث لنا وهما جديدا هو من بعض المحال.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعليق:







الدعوة لمعركة الانتخاباتما بين شرعنة السلطة وتغبيش الوعي

بقلم: مجدي عبد القيوم






حبل الكضب ملحوق
ضل الوهم ما بحوق
شاعر الشعب




تذكرت قصيدة الراحل متسق الفكرة والسلوك محجوب شريف وأنا أتابع الجدل الكثيف الذي نفض الغبار عن القوى السياسية وأخرجها من صالة متحف تاريخ السودان كأية مومياء محنطة لا تستطيع أن تمشي علي قدمين وإن صلحت للدراسة والبحث.
خرجت تلك الأحزاب بمختلف بقايا منابرها المتهالكة التي عبثًا تحاول الحفاظ عليها حتف أنف المتغيرات حولها في المشهد السياسي، وليت خروجها بعد نفض الغبار عنها كان لأجل الاتفاق على قواسم مشتركة لكنه كان خروجا لساحة عراك (الديكة) الذي أدمنته.
مشهد العراك هذا أحدثته الدعوة للتشاور حول خوض المعركة الانتخابية التي أطلقتها رسالة القائد مالك عقار، وهي الدعوة التي أُجتُزِئت من سياقها الكلي لتصبح مجرد المشاركة في عملية الاقتراع على الرغم من أن الرسالة أشارت بوضوح للبيئة الانتخابية برمّتها وعددت جملة من التدابير وهي:

* عدم تعديل الدستور وترشح البشير مرة أخرى.
* التوصل لاتفاق سلام شامل يراعي خصوصيات مناطق الحرب والترتيبات الأمنية الشاملة الجديدة قبل الانتخابات، وبما يمكن قوى الكفاح المسلح من المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة.
* إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات لكي تقام الانتخابات في مناخ ديمقراطي.
* الاتفاق على قانون جديد للانتخابات قائم على التمثيل النسبي.
* وضع معايير متفق عليها لضمان استقلالية آليات العملية الانتخابية بما في ذلك المفوضية.
* الاتفاق على تدابير فعلية انتقالية لضمان حياد الجهاز التنفيذي وأجهزة الأمن لتحقيق نزاهة الانتخابات.
* التأكد من عدم استخدام موارد الدولة لمصلحة طرف من الأطراف ومناقشة قضية تمويل الانتخابات.
وغير ذلك من استحقاقات العملية الانتخابية، لكن الغرض يجعل البعض يلوي عنق الحقيقة، مع أن ذات القوى سابقا لم ترفض من حيث المبدأ الدخول في حوار مع ذات السلطة إنما رهنت ذلك بتوفر ما أسمته شروط تهيئة المناخ، ولم تقل آنذاك إن الدخول في الحوار حال توفر شروطه يكسب السلطة مشروعية، ومن المفارقات أن شروط المعارضة آنذاك تكاد تطابق ما طرحه القائد عقار الآن.
وعلى الرغم من أن دعوة الحركة الشعبية التي تضمنتها رسالة القائد عقار لم تكن الأولى، إذ سبق أن طرحتها وبذات المنحى والمنطلق وكذلك اشتراطات تهيئة البيئة الانتخابية حركة (حق) في ورقتها الموسومة (افكار لتطوير العمل المعارض...نحو نهج واقعي لمقاومة النظام) في مايو من هذا العام ودار نقاش حولها مع كثير من القوى السياسية في منبري قوي الإجماع ونداء السودان. رغم ذلك جوبهت رسالة عقار بهجوم شرس يفتقر إلى الحصافة والكياسة ويدلل على أن القوى التي ترفض مجرد التحاور حول إمكانية خوض المعركة الانتخابية لم تفارق بعد محطة أكتوبر وأبريل وأنها تعيش حالة توهان أدى بها إلى فقدان البوصلة وجعلها تراهن على وهم هو محض سراب خدّاع. ولم تكتف تلك القوى بالهجوم الشرس بل نصبت نفسها وصية على الحركة الشعبية وكل من يظاهر أطروحتها، وفات على الانكشاريين الجدد أن تلك القوى قوى راشدة وربما هي تمتلك من النضج السياسي والقدرة على قراءة الواقع ما يفوق كل القوى التي هاجمت الدعوة.
السؤال الذي يفرض نفسه ما هي مبررات تلك القوى في رفضها للحوار حول إمكانية خوض المعركة الانتخابية؟
في تقديري الشخصي أن تلك القوى لا تملك أي مبرر موضوعي، إنما يتصل ذلك بأسباب ذاتية محضة تتمثل في:

1/ الخوف التاريخي لقوى بعينها من مشروع السودان الجديد الذي تتبناه الحركة وخشيتها من سحب البساط من تحت أقدامها.
2/ العداء التقليدي لبعض القوى لأي اطروحة للحركة الشعبية من منطلق أيدبولوجي شعوبي.

مما يدلل على صحة ما ذهبنا اليه أن هذه القوى لم تقدم أية أطروحة بديلة أو حتى نقدا موضوعيا لدعوة القائد عقار يعتدّ به وتجد فيه تبريرا مقنعا يحفظ لها ماء وجهها على أقل تقدير.
لم تزل هذه القوى تعيش في غيبوبة وتتوهم أنها وهي بهذه الحالة من الوهن الذي جعلها كسيحة تماما تستطيع أن تحدث ثورة من بين أضابير متحف تاريخ الثورات وبذات القوانين التي عفا عليها الزمن.
لم تقل لنا هذه القوى الفوائد التي جنتها من المقاطعة السلبية، وأعني المقاطعة كمنهج، وأثره الإيجابي على بنية السلطة وسياساتها، وما هي مردودات منهج المقاطعة وأثره على عملية الالتحام الجماهيري؟
إن منهج المقاطعة يدلل على الكسل الذهني في مجابهة التحديات والقضايا المعقدة وهو حالة من الركون للحلول السهلة.
لعل ما يدلل على حالة الاعياء التي أصابت تلك القوى عدم انتباهها للإشارة الذكية التي تضمنتها رسالة القائد عقار والمتعلقة بقيادة معركة في السياق لمنع تعديل الدستور فيما يتصل بترشح الرئيس، وهي معركة لو استثمرتها المعارضة وأجادت إدارتها لأحدثت لوحدها اختراقا في بنية السلطة، لكنه ضيق الأفق.
لم تغب قوى الاجماع عن مشهد المناحة فأصدرت بيانها الذي ترفض فيه الدعوة لخوض معركة تبقى لميقاتها أكثر من سنتين وكأن السياسة ليست بحرا من الرمال المتحركة وأن الفاعلين السياسيين موتى أو تماثيل في متحف الشمع وفات عليها أن ذلك من الممكن أن يعدّ أيضا اعترافا ضمنيا بعجز قواها عن دخول المعركة مهما تطاول الأمد قبل بدايتها أو ما كان به من فسحة. وإنه لعمري قصر نظر حتى عن رؤية مجرد فسحة الأمل دع عنك (مشرع الحلم الفسيح).
هذه الغيبوبة جعلت تلك القوى تهذي لتصف الدعوة لخوض المعركة الانتخابية بأنها لا تعدو كونها شرعنة للسلطة، وفات عليها أنها ظلت تتعامل مع هذه السلطة نفسها كسلطة أمر واقع حتى وهي في عنفوان جبروتها وقبل أن تتقاذفها رياح الضعف التي عصفت بها وجعلت مركبها رهين التحالفات والمحاور إقليميا ودوليا، بل وتناست أنها الآن تحديدا تحشد لمعركة انتخابات نقابة المحامين وتدعو لخوض كل المعارك النقابية، وكأني بمعركة انتخابات النقابات مبرأة من عيوب ممارسات السلطة ولا تطالها شبهة الشرعنة.
في سياق كهذا أتى الهجوم (الانكشاري) على الدعوة لخوض المعركة الانتخابية وكل حزب من تلك القوى الرافضة يبكي على ليلاه وهي وإن افتقرت للتبرير المقنع لرفضها، كذلك تمارس تغبيش الوعي وهي تدعي انها قمينة بإشعال ثورة تقتلع النظام من أركانه.
تدعي محض ادعاء أجوف يكذبه وهنها وعجزها عن قراءة المتغيرات حولها وانفضاض الجماهير التي تدعي أنها حريصة على مصلحتها في التغيير من حولها، وعزوف حتى من انصارها عن فعالياتها يأسا وقنوطا.
إن الحديث عن إسقاط النظام في ظل واقع كهذا مجرد كذبة بلقاء ومحض وهم، وعلى قول شاعر الشعب:

حبل الكضب ملحوق
ضل الوهم ما بحوق.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعليق/مُقترَح:







للوطن، لا وراء عرمان!

بقلم: سيف الدولة حمدنالله





خطأ لا يُغتفر أن تُقابَل الحُجج التي طرحها الأخ ياسر عرمان (وسبقه إليها مالك عقار) لمنازلة النظام في إنتخابات 2020 إيجازياً في كلمة، والحقيقة بلكمة واحدة، والصحيح أن تجري مناقشة تلك الحُجج والتداول حولها دون طعن أو تخوين، وفي تقديري أن ما طرحوه يحمل فكرة صائبة وسوف تؤدي (حتماً) إلى تحقيق المُراد منها وهو إحداث التغيير المنشود.
لقد إنتظر الشعب الأحزاب السياسية (28) عاماً لتقوم بمثل هذا العمل، ثم إكتشفنا في النهاية أن كثير من قيادات تلك الأحزاب قد خدعونا وألبسونا "السُلطانية"، ثم تسلّلوا واحداً بعد الآخر ووضعوا أيديهم فوق أيدي جلادينا وشاركوا بأنفسهم أو عبر ذويهم وأنجالهم في السلطة وتقاسموا معها الثروة وتركونا ندور ونلف حول أنفسنا، من يُصدّق أن السيد/ محمد عثمان الميرغني كان في يومٍ من الأيام رئيس التجمع الديمقراطي الذي كان يضم كل الأحزاب التي تعاهدت على إسقاط النظام وهو صاحب العبارة الشهيرة التي خاطب بها الرئيس البشير"سلّم تسلم" !! ومن يصدق أن مبارك الفاضل (نائب رئيس الوزراء ووزير الإستثمار الحالي) كان يشغل منصب الأمين العام لذلك التجمع، الذي كان يضم إلى جانب هؤلاء عشرات من الوزراء الحاليين والسابقين الذين إلتحقوا بالإنقاذ وتكالبوا على الشعب معها.
كما أنه يغالِط نفسه من ينتظر ويعوّل على تمام التغيير بواسطة العمل المسلّح، فكثير من القادة الذين حملوا السلاح، إستأنسهم النظام بعضهم بحقائب ووظائف وأموال وبعضهم بمجرد كلمة طيبة، وهم يدّعون أنهم فعلوا ذلك للمساهمة في بناء الوطن، وقد أسهموا بتلك الأوضاع في ترقية أحوالهم وأصبحوا من الأعيان وأصحاب الأطيان (هل رأيت مساهمة موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية للعشر سنوات الماضية أو أكثر وقد كان مقاتلاً في جبهة الشرق !!)، حتى جاء وقت إنحسر فيه العمل العسكري بما يُشبه العدم خلال السنتين الماضيتين.
طرح "عرمان" من شأنه أن يضع الكرة في ملعب الشعب مباشرة ليتولّى تخليص نفسه بنفسه دون وسيط، وأساس الفكرة يقوم على حقيقة أن التوافق على دخول إنتخابات 2020 من شأنه أن يؤدّي إلى تحريك الشارع مع كل خطوة تسبق ترتيبات الإنتخابات وقبل بلوغ مرحلة الإقتراع، فإذا أراد المؤتمر الوطني، مثلاً، تعديل الدستور لترشيح البشير لفترة رئاسية أخرى، سوف تكون هذه معركة يرتفع فيها صوت الشارع بدلاً عن المقاطعة الباردة (وفق تسمية عرمان) التي يستطيع معها الحزب الحاكم تعديل الدستور من سُكات كما حدث ويحدث في كل مرة.
ومثل هذا الفعل حدث قبل بضعة شهور في جمهورية بوركينافاسو، وهي دولة أفريقية عانى شعبها من الحكم الديكتاتوري للرئيس "كومباري" الذي وصل للحكم عبر إنقلاب عسكري قبل إنقلاب البشير بعامين (1987)، ثم أضفى على حكمه شرعية بعد ذلك بإعلان فوزه بفترة رئاسية بموجب إنتخابات طبقاً لدستور نَجَره بيديه في العام 1991، ثم أعيد إنتخابه لفترة ثانية في 1998، وبحسب نصوص ذلك الدستور كانت أقصى فترة حكم للرئيس البوركيني هي ولايتين فقط، وعند نهاية المدة الثانية، قام بإلغاء الدستور القديم ووضع مكانه الدستور الحالي الذي بدأ بموجبه فترتي رئاسة جديدتين، فأنتخِب رئيساً للبلاد في 2005 ثم أعيد إنتخابه في 2010.
وعندما شرع الحزب في ترتيبات تعديل الدستور بما يُتيح إعادة ترشيح "كومباري"، ثارت المعارضة التي إختارت منافسته بترشيح زعيمها "زيفرين ديباري"، وإنفجر الشارع وقام أفراد الشعب بإقتحام البرلمان أثناء مناقشته تعديل الدستور، فقفز أعضاء البرلمان من النوافذ وأطلقوا سيقانهم للريح، فتوقفت - للأبد - عملية التصويت.
وبالمثل، ، سوف تكون هناك معركة أخرى عند تشكيل لجنة الإنتخابات من القطط الأليفة التي كان ينفرد بإختيارها المؤتمر الوطني، وكذلك في مناهضة إستخدام أموال الدولة في دعم مرشحي المؤتمر الوطني، ومعركة رابعة عند إختيار المنظمات والجهات الأجنبية التي تُشرِف وتراقب الإنتخابات التي كان يستقدِمها المؤتمر الوطني بمعرفته .. إلخ.
تجربة الشعوب تقول أن نجاح التغيير يكمن في خلق قضية "محسوسة" يلتف حولها الناس ويكون تحقيقها ممكناً، فالمواطن مهما بلغ به الغُلب والضجر من نظام حاكم، ليس من المُتصوّر أن يخرج مع أبنائه من بيته قاصداً الشارع لإسقاط النظام بحنجرته، فلا بد أن تكون هناك قضية ماثلة أمام عينيه يتحرك لتحقيقها، ومثل القضايا التي أوردناها (مناهضة تعديل الدستور و ضمانات نزاهة الإنتخابات)، سوف تجد مؤازرة وتأييد من المجتمع الدولي والإقليمي، وسوف يجد النظام وأنصاره عاجزين عن مجابهتها لما تشتمل عليه من من وجاهة وعدالة.
لا نرى وجهاً لما يؤخذ على هذه الفكرة بالقول بأنها تمنح شرعية للنظام، أو القول بأن ألاعيب النظام قادرة على الإلتفاف حولها بما يحقق له إكتساح الإنتخابات في جميع الأحوال، ذلك أن الشعب سوف يحتفظ بحقه في الضغط على ذِر المقاطعة في أيّ وقت، وسوف تكون المقاطعة في هذه الحالة "ساخنة" وتحت الأضواء، يشهد عليها كل العالم وتقطع حُجّة الدول التي تُساند النظام وتمنحه الشرعية.
كلمة السر في نجاح هذا الفكرة هو أن يكتفي عقار وعرمان بأن يكون لهما شرف المبادرة بطرحها ويرفعا يديهما عنها، حتى لا يدفع نجاح الفكرة ثمن خصوم البعض للحركة الشعبية أو رأيهم في قادتها، أنظروا لا للجهة التي قامت بطرحها، ونرى أن يُعهد بإدارة المعركة الإنتخابية إلى هيئة تضم ممثلين لقطاعات الشعب المختلفة مثل الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني وبدعم ومساندة القوى السياسية والأحزاب.





[email protected]







المصدر:

https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... 9%84%D9%87
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

مقال:








كشف المستور في شخصية عرمان (7)


بقلم: د. قندول إبراهيم قندول








هدفت سلسلة المقالات التي تناولناها، كشف ما كان مستوراً عن غالبية جماهير الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، بصفة خاصة والشعب السُّوداني بصفة عامة. لقد بدأت الخلافات داخلها منذ وقتٍ بعيد ثم تطوَّرت إلى ما آلت إليه بالانشقاق إلى حركتين باسم واحد وقيادتين مختلفتين. على أية حال، تم الإعلان عن تأسيسها في 10 أبريل 2011م، ولكن بعد 38 يوماً فقط من إعلان التأسيس وقبيل 19يوماً من قيام الحرب الثانية في جبال النُّوبة في 6 يونيو 2011م، كتب ياسر عرمان، الأمين العام السابق، عدة ملاحظات بتاريخ 18 مايو 2011م حول مسودة منيفستو ودستور حزب جديد باسم "الحركة الشعبيَّة للديقراطية والمواطنة". وما إصدار كُتيب بعنوان "في نقد حركة القوميين النُّوبة" تأليف مبارك عبد الرحمن أردول، الناطقي الرسمي لجناح الحركة المنشق، قبل ثلاثة أشهر من المفاصلة إلا دليلاً آخر أنَّ الخلافات قديمة والتخطيط لتفتيت الحركة لم يكن إلا مسألة وقت، فجاءت الفرصة. لهذا كذلك لم تكن كثرة استخدام مصطلح "القوميين النُّوبة" و"القوميين الجنوبيين" في ورقة ياسر عرمان ومالك عقار مصادفة. إزاء المسعى لتأسيس الحزب المشار إليه أعلاه، أبدى الدكتور عبد الماجد علي الحبوب (بوب)، الذي تمت استشارته، بعض التحفظات، ونصح بالتريث، ومراجعة العلاقة السياسيَّة مع الحركة الشعبيَّة الأم فى دولة الجنوب!
على أية حال، ولسبب أو لآخر، تم إصدار والعمل بالدستور الانتقالي للحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان - شمال لسنة 2013م. هذا الدستور كرَّس أغلب السلطات أو جميعها في يد ياسر عرمان، الأمين العام السابق للحركة الشعبيَّة، ورئيسها السابق مالك عقار إير مما حدا بالفريق عبد العزيز آدم الحلو، نائب رئيس الحركة آنذاك، بتكوين لجنة جديدة لإعداد دستور آخر، بحسب اعتراف وتساؤلات ياسر عرمان في ورقته المعنوَّنة "نحو ميلاد ثانٍ لرؤية السُّودان الجديد: قضايا التحرُّر الوطني في عالم اليوم". نتيجة للخروقات الواضحة لبنود الدستور إياه ولفقدان العمل المؤسسي انتهج مالك عقار وياسر عرمان أسلوباً لإدارة الحركة بطريقة اتسمت بالتهميش الذي طال ممثلي الحركة الشعبيَّة بالخارج، وإقصاء أعضاء بارزين في الحركة وفصل أكثر أعضاء الحركة الشعبيَّة اعتراضاً على أساليبهما في العمل، ولمناهضتهم لدستور 2013م، وتقديمهم لمذكرة تنادي بضرورة الإصلاح وتصحيح مسار الحركة إلى القيادة. غير أنَّ الذين تمَّ تعيينهم أخيراً من قبل الحركة الشعبية (جناح عقار وعرمان) ليمثِّلوا حركتهم في الخارج هم أولئك الأعضاء الذين كان يتعامل معهم ياسر عرمان من وراء ظهور الممثلين الشرعيين.
في 6 مارس 2017م عقد مجلس تحرير إقليم جبال النُّوبة اجتماعاً هاماً وانتهى بمخرجات هامة مثل: حل وفد التفاوض وتكوين وفد جديد، وسحب الثقة من ياسر عرمان وسحب ملفات التفاوض منه، والعلاقات الخارجيَّة والتحالفات السياسيَّة، بالإضافة إلى قرار يقضي بعقد المؤتمر القومي الاستثنائي خلال شهرين لكتابة وإجازة المنيفستو ودستور جديد للحركة وانتخاب مجلس التحرير القومي؛ ورفض الاستقالة التي تقدَّم بها عبد العزيز آدم الحلو احتجاجاً على اخفاقات القيادة في تحقيق تطلعات جماهير الحركة الشعبيَّة، والضعف البنيوي للتنظيم، وغياب المؤسسية وسيطرة الرجل الواحد على كل مفاصل العمل الخارجي والداخلي للحركة. كانت هذه الإجراءات نقطة تحول مهمة في مسيرة الحركة النضالية في السُّودان.
لم يكن مالك عقار، الرئيس السابق للحركة الشعبيَّة، حصيفاً في إدارة واحتواء الموقف وبطريقة ذكية كإصدار قرارات حاسمة، أو تقديم استقالته أو الضغط على الأمين العام لتقديم استقالته – لأنَّ الحلو قد قدَّم استقالته مسبقاً وطوعاً - لتسيير شؤون الحركة لحين انعقاد المؤتمر الاستثنائي. بدلاً من هذا، ذهب ياسر وعقار إلى جبال النُّوبة وكانت الزيارة أكثر استفزازاً لتمسكهما بالقيادة فخرجا منها بحلول كانت أكثر استفزازاً لجماهير الحركة في منطقة جبال النُّوبة. ولما تأكَّد لهما جدية مجلس التحرير في قرارته، أعادا مقترح أكتوبر 2016م بالتنازل عن القيادة الثلاثيَّة، ولكن بعد أن "وقعت الفأس في الرأس". فإعادة المقترح في حد ذاته كان فيه نوع من الدكتاتوريَّة لأنَّه اشترط استقالة الحلو الذي استقال، كما ذكرنا. تبرَّم عقار وثار وقام بإصدار مزيداً من قرارات الفصل ضد من اعتبرهم خصوماً وانقلابيين، وقرارات أخرى بتعيين الموالين لهما.
أما في النيل الأزرق فقد نشبت صدامات قبليَّة مسلحة عنيفة وفوضى أودت بحياة الأبرياء، عسكريين ومدنيين، إلا أنَّ تلك المواجهات لم تحدث في جبال النُّوبة نسبة لإدراك ووعي طلائع القيادات العسكريَّة والمدنيَّة هناك. توالت البيانات المناهضة للقيادة المكلفة لإدارة الحركة مؤقتاً برئاسة الحلو الذي انتخب أخيراً رئيساً شرعيَّاً للحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال في جوٍ ديمقراطي امتاز بالشفافية؛ وتمت إعادة كل المفصولين تعسفياً. والإعادة نفسها دلالة على أنَّ الإعفاء كان خطأً منذ البداية.
في لقاء 23 أكتوبر 2017م كشف ياسر عرمان ما كان مستوراً، حيث بيَّن ضرورة تطبيق استخدام "القوة الناعمة" باعتبار أنَّ الكفاح المسلَّح غير مجدٍ، وكما أوضح حتمية تجريب كيفية "الطيران بجناحين مثل أي طائر"، لكي "تمشي الحركة بقدمين في الأسواق" من أجل توحيد السُّودان على أسس جديدة.
لم يقف ياسر عند هذا بل اتهم النُّوبة برفع "شعارات حق تقرير المصير" وأنَّهم – بجانب أهالي النيل الأزرق - يسعون إلى "تقزيم الحركة إلى تنظيم إثني مناطقي صغير في المنطقتين" مما أغضب جماهير الحركة الشعبيَّة داخل وخارج السُّودان. كما ذهب ليعلن أنَّ العمل جاري للحل السلمي الديمقراطي في المدن وبأنَّ أهل الهامش أتوا إلى المدن في إشارة سالبة من كل الجوانب. فالناحية السياسيَّة توحي باستغلالهم للمشاركة الفاعلة في أية انتفاضة شعبيَّة محتملة كما حدث في انتفاضة 6 أبريل 1985م إذ أطلق عليهم بعد نجاحها وصف "الشماسة". وأما من الناحية الاجتماعيَّة والجهويَّة فيشير التصريح إلى تكرار عملية "الكشة" وإخراجهم بالترحيل القسري من عاصمتهم المثلثة تجاه الغرب و"الجنوب الجديد" بعد أن تأّكَّد إحلال الموالين للأنظمة الظالمة في الخرطوم مكانهم، وليصبحوا أقلية في أرضهم وبذا يتحقَّق أمران: طمس هويتهم وانتمائهم للأرض وكينونتهم. سيحدث كل ذلك بحجة أنَّهم يضايقون ويشكلون خطراً على سكان المدن الذين "لديهم قضايا كبيرة". في الحقيقة والحق يُقال: إنَّ لنا في حديث "الحزام الأسود" للدكتور حسن مكي وفي تصريحات الدكتور كمال عبيد بمنع "الحقنة" عن الجنوبيين حال اختيارهم الانفصال، "تذكرةً فمن شاء ذَكَرَهُ".
وفيما يختص بقضيتي الحرب والسلام، اعتبر ياسر عرمان الكفاح المسلَّح "عنفاً يولد عنفاً مضاداً" حسب تعبيره ويعتقد أنَّه لا بد من استخدام إستراتيجية "القوة الناعمة" و"اللاعنف فى مقارعة الأنظمة"، لأنَّ ذلك في تقديره سيقضي على وقوع ضحايا جُدد على أساس إثني، أو على الاستغلال بأي شكل من الأشكال. ومن الناحية الأخرى، يرى مالك عقار أنَّه لا يمكن تحقيق "المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية" من خلال الكفاح المسلَّح فقط مما يعني ضمنياً وجوب مواصلته وهذا مربط الفرس. لأنَّ في المقابلة إياها أقرَّ ياسر "بعضم لسانه" بأنَّه: "يجب أن يستمر العمل المسلَّح ولكن في وقائع جديدة" مما يعني أنَّه سيستغل أبناء الهامش لمواصلة القتال فيما بينهم، كما شاهدنا في النيل الأزرق في الأسابيع الأولى من المفاصلة كضحايا جُدد عطفاً على ضحاياهم في قتال جيش وميليشيات المؤتمر الوطني، مثلما اشتكى مبارك عبد الرحمن أردول بأنَّ القوات المسلحة الحكوميَّة هاجمتهم في منطقة "طاقا" في النيل الأزرق. فأين القضاء على "ضحايا جُدد والاستغلال" الذي يرمي إليه ياسر عرمان؟
هناك تناقض واضح بين أقوال ياسر في المقابلة وفي ورقته وأفعاله على الأرض، وكذلك مالك عقار الذي لا يزال يلقِّب نفسه قائداً عاماً "للجيش الشعبي" وقام بتعيين رئيس لهيئة الأركان. إضافة إلى كل هذا، عندما لم يجد بداً أو مخرجاً مما هو فيه أعلن فتح "جبهة سياسيَّة وعسكريَّة وإدارة مدنيَّة في دارفور"، وتحالف مع إسماعيل خميس جلاب وتمت ترقيته إلى الأمين العام لحركتهم، ويقولون إنَّ ذلك هو "توجيه بندقيتهم نحو نظام المؤتمر الوطني الغاشم"، و"(...) التنسيق في قضايا إسقاط النظام"، كما ورد في بياناتهم! هذه التناقضات بائنة في التصريحات الرسميَّة التي أصدرها أردول في أكثر من مرة أنَّ قواتهم الباسلة صدت هجمات القوات المسلحة السُّودانيَّة ولا نعرف لماذا هاجمتهم القوات الحكوميَّة بعدما أظهروا عدم استخدام قوة السلاح في منازلتها، بينما قوات الحلو والحكومة لا تزال ملتزمة بوقف إطلاق النار!
الالتزام بوقف إطلاق النار من جانب الخصمين يراها المراقبون أنَّها قد تفتح باباً لإحداث اختراق في المفاوضات المحتملة مما قد يؤدي إلى سلام دائم في البلاد. بالطبع هذا الأمر لم يعجب مالك عقار الذي رأى أنَّ أوراقه قد احترقت ففتح باباً آخر وهو دعوة قوى المعارضة للاستعداد لخوض انتخابات العام 2020م، فضلاً عن المحاضرة التي ألقاها ياسر عرمان في منبر "حزب المؤتمر السُّوداني" عبر موقعها في الشبكة العنكبوتيَّة يوم 13 ديسمبر 2017م كدعاية استقطابيَّة لحشد التأييد لمقترحهم لخوض الانتخابات. وعدَّد أسباب واهية لمثل هذا المقترح، ودافع دفاعاً ضعيفاً عن أسباب انسحابه من انتخابات 2010م مثل أنَّ المؤتمر الوطني لم يعط الفرصة، وهدَّد بالانسحاب من تعهده بإجراء الجنوب للاستفتاء ولأنَّ عدم الانسحاب كان سيؤدي إلى الحرب. الكل يعلم أنَّ الحرب كانت قد اندلعت رغم فوز الحزب الحاكم، الذي أخذ يسيطر سيطرة كاملة في مفاصل الدولة الاقتصادية والعسكريَّة والأمنيَّة. ثم مضي يقول سيفرضون انتخاباتهم على المؤتمر الوطني أو الانتفاضة الشعبيَّة فلا ندري ما هي جاهزية حزب عقار لمثل هذه المنافسة التي يدعو إليها المعارضة، لأنَّ غالبية جماهيره – مجازاً - في مناطق الحرب ليس بمقدورها الاقتراع من الناحية الفنيَّة والإجرائيَّة والقانونيَّة. أليس هناك تخبط بيِّن في القرارات التي يتخذها مالك عقار؟ بلى! إلا إذا كان قد حزم أمتعته ليهرب إلى الأمام صوب الخرطوم، الهروب الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى!
في سانحة غير مسبوقة استخدم مالك عقار وياسر عرمان صورتي الدكتور جون قرنق دي مبيور أتيم، والمعلِّم يوسف كوة مكي وهما من الرموز الوطنيَّة في شعار حركتهم الجديدة كنوعٍ من الاستقطاب الإثني للنُّوبة الذين أحبوا وتعلَّقوا بالبطلين، ويعتبر هذا الفعل في حد ذاته أبشع شكل من أشكال الاستغلال. فاستخدام الصورتين لم يكن إلا لجذب واستمالة النُّوبة وأهالي النيل الأزرق الذين وصفهم ياسر من قبل ب"الإثنيين المناطقيين" كرد فعل صارخ وغاضب لإقالتهما من رئاسة الحركة ومن الأمانة العامة لخروجهما من الخط الذي رسمه الدكتور جون قرنق والمعلِّم يوسف كوة. ليس هناك مبرراً واحداً ولا حجة واحدة لهذا، وأقل ما يمكن أن يُقال أنَّ فيه عدم الاحترام والتقدير لأرامل وأبناء وأسر، وأقرب الأقربين للبطلين، وللجماهير التي أحبتهما. صحيح أنَّ ياسراً "كان" معجباً بالمعلِّم يوسف فكتب عنه من الشعر والنثر، وتحدَّث فيه وعنه كثيراً وفي محافل عدة. أوليس هو الذي كتب: "يوسف كوة مكى: إنسان من أزمنة قادمة ومحترمة"؟ بلى! وعن ابنه مجاهد يوسف كوة مقالاً بعنوان "لقاء صدفي مع يوسف كوة مكي الشاب"؟ بلى! وكذلك كتب وقال عن والدة يوسف "زينب سومي" ما يعجب؟ نعم! . إلا أنَّ ياسراً لم يستعصم عن ورمى النُّوبة، أهل يوسفُ، بما كان لا يقبله يوسف ولا يرضاه.







[email protected]
أضف رد جديد