تدشين كتاب عبدالله بولا "حوارت" بمنتدى دال الثقافي

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

تدشين كتاب عبدالله بولا "حوارت" بمنتدى دال الثقافي

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »


تدشين كتاب عبد الله بولا "حوارت" بمنتدى دال الثقافي



صورة


.
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »


نص مشاركتي في هذه الفعالية
جزيل شكري للأستاذ محمد طه القدال لقراءتها أمام الحضور نيابةً عني.



عبد الله بولا، فن الحوار وأدب الحكي

من تعرّف على عبد الله بولا عن قربٍ أو حتى من يلتقيه خلال لقاءٍ عابرٍ أو في أمسيةٍ بين أصدقاء، سريعاً ما يلمح إنساناً له قدرةٌ عاليةٌ على الاستماع والإصغاء لمحدثه، وقدرةٌ عاليةٌ على تبادل الحوار. إذ بمجرد أن يبدأ الحديث تسقط كل الحواجز بينه ومحدثه أو محدثيه، مهما كان اختلاف العمر بينه وبينهم أو اختلاف النوع.

نشأ بولا في أسرة للنساء فيها دورٌ كبيرٌ في حفظ التراث، من أساطير وحكايات وشعر، وحفظ تاريخ مدينتهم، بربر، التي يطلق عليها بولا اسم "المدينة السحرية". وحينما يُروى تاريخُ بربر، نجد أنفسنا بالفعل أمام عالم سحري تختلط فيه الأساطير مع حقائق التاريخ في هذه المدينة التي كانت ملتقىً للطرق وللقوافل وللهجرات من كل صوب. من بين تلك النساء البارعات في سرد الأحداث وإلقاء الشعر، كانت هناك زينب بت بشير، عمته، التي حفظ عنها، ومن غيرها، كلَّ ما كانت ترويه من مخزون ذلك التراث الثر.
وحينما يروي بولا حكاية أو أسطورة أو يغني أغنية من ورائها قصة حب أو حزن أو عديلة لعريس أو بنينة لعروس، فإنه لا يحصر نفسه عند الحكاية المحددة التي يحكيها، وإنما يأخذ مستمعيه إلى حكايات متصلة بها تتفرع وتتشعب ليعود بهم من جديد إلى الحكاية الأولى، كل ذلك في انسجامٍ بديع وفي خيط من الحكي يدور ويتشعب لكنه لا ينقطع، وإنما يعود إلى حيث توقف من جديد. فإذا أخذنا على سبيل المثال حكاية "عشة بت النجار التي اختطفها الجان"، التي تختلط فيها الأسطورة بالحكاية التي حدثت بالفعل، سيأخذ بولا متحدثيه في هذا العالم السحري، وتتداخل أسئلة المستمعين وتعليقاتهم مع حكيه في ترابط حميم. تقول الأسطورة أن جنياً ظهر في شكلِ إعصارٍ عنيف أفزع أهل بربر وأخذ معه عيشة بت النجار التي لم يُعثر لها على أثر إلا بعد أشهرٍ طويلةٍ على شواطئ جزيرة توتي. تتحول الحكاية إلى حوارٍ غنيٍّ بين بولا الراوي الأول الذي يروي الحكاية كما سمعها، وبين مستمعيه الذين سيتحولون إلى رواة بدورهم يضيفون للحكاية من تصوراتهم وخيالهم. فيعطي كلٌّ منهم تفسيره لما يراه سبباً حقيقياً لاختفاء عشة بت النجار: هل هربت مع عاشق، أم أرادت استكشاف أمكنةٍ جديدة؟ هل كان هنالك إعصارٌ بالفعل أم كان حدثاً متخيلاً ليخفي حقيقةً يجب إخفاؤها؟ هنا يترك بولا، مثله مثل أي راوٍ بارعٍ، الباب مشرعاً لمحاوريه في اختيار الحبكة التي يرونها. وأعتقد أن من بين الحاضرين والحاضرات الآن من استمع لبولا وهو يروي حكاية عشة بت النجار.

هذا التراث السحري، ليس هو بالطبع السبب الوحيد الذي أثرى قدرة بولا على الحكي. فهناك تراكم تجاربه الخاصة وذاكرته الخصبة المتوقدة التي ساعدته في جمع الحكاوي وفي القدرة على روايتها. هل قلتُ ذاكرتَه؟ أجل قلتُها، فيا لسخرية القدر... ويا لفداحة ما حدث لهذه الذاكرة التي كانت وقّادةً وحيّة. نعم، لتجربته الخاصة أثرها. ولأعود بكم لطفولته وكيف كان يصنع من الحكايات مادةً لحواراتٍ طويلةٍ مع نفسه خلال خلواتٍ طويلةٍ كثيراً ما كان ينزع إليها. من بين تلك الحكايات تحضرني "حكاية بولا الهندي الأحمر"، وهي سلسلة مرسومة نشرتها مجلة الصبيان في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، تحكي عن بطلٍ هنديٍّ أحمر اسمه بولا هو بطل تلك الحكاية. افتتن بولا الطفل بشخصية بولا الهندي الأحمر، ونشأت بينهما في خياله صداقةٌ وأحاديثٌ عن مغامرات الهندي الأحمر، أضاف إليها شخصياتٍ ومغامراتٍ تخيلها، فتقمص شخصية بطله الهندي الأحمر وأصبح يمثل أدوارَه التي يقرأها على صفحات المجلة. وحينما التقى بولا في سنته الأولى بكلية الفنون، في عام 1963، بصديقه وزميل دراسته بالكلية عبد الله عبد الحفيظ، حكى له مغامراته المُتخيّلة مع بولا الهندي الأحمر. وكان عبد الله عبد الحفيظ معجباً من جانبه ببولا آخر، هو حسن بولا اللاعب بفريق التحرير لكرة القدم. فأصبح عبد الله بولا يحمل منذ ذلك الوقت هذا اللقب الذي أطلقه عليه عبد الله عبد الحفيظ.
هذا الإبداع في أدب الحكي، في القدرة على الإصغاء وفي جعل المستمعين وشركاء الحديث محاورين حقيقيين، أسس لهذه القدرة البديعة أيضاً في فن الحوار. إنه فنٌ رفيعٌ يوظفه بولا مع محاوريه في لحظات الاتفاق أو الاختلاف أو الخلاف؛ كما نراه في هذه الحوارات وفي حواراتٍ أخرى ستُنشر لاحقاً، وفي حواراته الحية، سواءً مع الأصدقاء أو خلال التجمعات العامة المختلفة.

فـن الحـوار
لعبد الله بولا قدرةٌ مذهلةٌ على مدّ حبال التواصل والحوار مع أفرادٍ من مختلف الأجيال، من النساء والرجال. قدرةٌ فائقةٌ على تحمل الرأي المخالف، وموهبةٌ بارعة في التبادل مع مخالفه الرأي. أذكر أنه في منتصف الثمانينيات، عند عودته للسودان من فرنسا، كانت الخرطوم تشهد نشاط مجموعة الشبان الذين انشغلوا بالبنيوية، وكان يُطلق عليهم اسم "البنيويين". كانوا يستخدمون مصطلحاتٍ عصيةٍ على الفهم فيما أرى، وأعتقد أن عُسر تعقيدها أتي من أنهم كانوا ينهلون معرفتهم بالبنيوية من سيلٍ من الترجمات المتضاربة فيما بينها والتي كثيراً ما أعطت لمصطلحٍ واحدٍ أكثر من ترجمة. فالبنيوية نفسها كانت تطلق عليها الترجمات العربية المتنافرة مصطلح "البنائية" حيناً، و"الهيكلية" حيناً آخر، هذا إلى جانب مصطلح "البنيوية" الذي تبنته تلك المجموعة من الشباب (الشباب حينها). وعلى الرغم مما أثارته لغة تلك المجموعة من استغراب، بل ونفور، في الأوساط الثقافية في الخرطوم في ذلك الوقت، لم ينفر بولا من القبول بمدِ جسورٍ للتواصل والحوار معهم. ولعلَّ أنه من أبرز ما يعكس قبوله بالحوار وقبوله لمشروعية الاختلاف والخلاف معهم واحترامه لحقهم في حرية الرأي والتعبير، وحقهم في التجديد والإبداع بالصورة التي يرونها، اجتراحه لتعبير "الأولاد أبان خرتيات". وإلى جانب هذه التسمية، التي لا تعكس تهكماً أو سخرية، بل تنبع من قدرةٍ فياضةٍ على الحِلم والتسامح وقبول الآخر المختلف أو المخالف، ينعكس هذا القبول أيضاً في تقديمه لمجموعة صلاح الزين القصصية المعنونة "عنهما والإكليل والانتظار"، وصلاح واحد من "الأولاد أبان خرتايات"، وقد حملت تلك المقدمة التي كتبها بولا عنوان "في مشروعية الاختلاف".

هذه القدرة على احترام الرأي المختلف أو المخالف هي التي قادته إلى إقامة هذه الحوارات الثرة التي تقدم إلينا نموذجاً باهراً في أدب الحوار، فهي ليست مجرد تبادلٍ بين سائلٍ ومسئول؛ فكثيراً ما أبدى عبد الله بولا نفوره من مثل هذه الطريقة في الحوار التي تجعل المسئول أعلم من السائل. وهو لا يقبل بمفهوم الرد، فنقرأ له في "حوارات" ص72، قوله: "أنا لا أرد. لأن مفهوم الرد مفهوم استبدادي ردعي ينطوي على روح الحرابة والسجال والتحرش. إنني ببساطة أوضح". إنه يوضح، ويأخذ محاوره معه إلى أبعد من مجرد الرد على أسئلة مطروحة، إنه يدفع بالحوار إلى آفاقٍ رحبةٍ، ويثريه بفتح قضايا أخرى تتصل بالقضايا موضع الحوار، يجعل السؤال يتشعب إلى تبادلٍ مبدعٍ ويفتح للقارئ مساحاتٍ أوسع ليكون بدوره شريكاً في الحوار. كل ذلك في أريحية اتسمت بها روحه.

هذه القدرة على التواصل متجاوزاً حاجز الأزمنة، جعل مجموعةً من الشبان والشابات من الأجيال الجديدة يدفعون به للحوار معهم حول سلسلة مصرع الإنسان الممتاز وينجحون في إقناعه بالقبول بنشرها بعد طول امتناع. مثلما جعلته يمد جسور الوصل بينه وبين نساءٍ ورجالٍ من أجيالٍ سابقةٍ له نهل من معرفتهم وتزود من تجاربهم.

شكراً لكل من جعل هذه الأمسية ممكنة
ولكم ولبولا التحية والمحبة

نجاة محمد علي



ÚÈÏ ÇáÝÊÇÍ ÚÈÏ ÇáÓáÇã
مشاركات: 15
اشترك في: الاثنين فبراير 11, 2013 6:20 pm

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÝÊÇÍ ÚÈÏ ÇáÓáÇã »



عبدالله بولا و بربر . مدينة و إنسان .

يا سلام ، و يالها من تداعيات . بربر في عين طفل لم يتعد السادسة إلا قليلا استيقظ من نوم ليلة أو ليلتين في قطار يتهادي غاشيا القري تارة و يقترب من النيل و أحيانا يغوص بين وهاد الرمل و الحجارة الملونة . صحا من نومه و لكنه لا يدغدغ عينيه كما فعل التجاني ، بل مد بصره الدفاق عبر نافذة القطار المفتوحة و القطار يتهادي وئيدا عبر مدينة ما في الصباح الباكر ، لعلها بربر. و يري الطفل فيما يري الصاحي جموعا متفرقة من صبيان كبار _ أكبر منه سنا لا شك _ و علي رؤؤسهم عمائم بيضاء ، عرف فيما بعد أنها لتلاميذ المرحلة المتوسطة أو الوسطي في المدارس الأميرية التي كان لا يدخلها إلا النجباء . ربما كان بولا أحدهم. و ربما كان غارقا في حديث مع أنداده و هم لا يعيرون القطار العابر التفاتة فما يشغلهم أهم من قطار مار ككل قطارات الأسابيع أو الأيام التي مضت . و ربما كان بولا غارقا في حكاية من حكاياته.

ليتك يا نجاة توافينا بالمزيد عن حكايات بولا.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

مدينة بربر كانت من مدن التركية السابقة ، التي تتمتع بكثير من مفاتن المدن في تلك السنوات السحيقة . كانت بها طبقات من العمال وطبقة متوسطة وطبقة غنية من التجار . بها تجارة الأقمشة والخردوات والعطور . بها أسواق للذهب والحلي . وبها حانات وراقصات . كانت ملتقى طرق للشرق وللقوافل لجهة غرب السودان ، ومن مصر.
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

مقال قديم ل د. النور حمد 08-04-2004
___________________________________


د. النور حمد

عبد الله أحمد بشير، الذي أشتهر بـ (عبد الله بولا)، تخرج من كلية الفنون الجميلة، قبيل نهاية عقد الستينات، من القرن الماضي، وقدم، مباشرة،إلى حنتوب الثانوية، معلماً للفنون، فأحدث فيها إنقلابا، معرفيا، وتعليميا، وثقافيا، غير مسبوق. قلب عبد الله بولا، لحظة أن وصل إلى حنتوب، مفهوم علاقة الطالب بأستاذه. أقبل عليه البعض، بشغف شديد، وشخصي واحد منهم، وسخر منه البعض الآخر، وبقيت الأكثرية على السياج، تراقب ذلك الأمر العجاب.
بوصوله، نزلت صورة الأستاذ، من برجها العاجي، وانمحت المسافة الفاصلة، المصنوعة من مادة الخوف على المكانة، والإحساس بالأهمية، وبالوضعية الخاصة، وبالتميز. انمحت في حالته كل تلك الإعتبارات التي ظلت تحفظ المسافة، الزائفة، الثابتة، بين الأستاذ، وتلاميذه. فجأة أصبح الأستاذ، أخا أكبر لتلميذه، ورفيقا لسفره، وشريكا أصيلا، في هم المعرفة، وفي آلام مخاضات السيرورة، والتكوين، وعونا مستمرا، على السير، في وحشة الدروب، المشتجرة، الملتبسة. ومثلما قال الراحل علي المك، إنه عاش "عصر عبد العزيز داؤد"، فإن جيلنا في حنتوب الثانوية، قد حُظي، في نهاية الستينات، بشهود، وعيش "عصر عبد الله بولا".
مثًل عبد الله بولا برنامجاً تعليمياً، ومنهجاً دراسياً، حياً، موازياً للمنهج الدراسي الحكومي العقيم، الذي لا يستجيب، ولو قليلا، لجوع الروح، والعقل. وكما قال بشرى الفاضل، جئنا إلى حنتوب، من قرى ريف الجزيرة، أغرارا، أقرب ما نكون إلى خلو الوفاض، من حيث التحصيل المعرفي. جئنا بشذرات متفرقات من المعارف المحدودة، مما وصلنا عن طريق معلمينا، في المدارس الوسطى. شذرات كان قوامها، الإنشاء، والتدبيج الخطابي، جرى انتخابها من أعمال المازني، والمنفلوطي، والعقاد، إضافة إلى بعض أعمال طه حسين الهامشية، وأشعار البارودي، والرصافي، وشوقي، وحافظ، وجماعة المهجر، وقصص جرجي زيدان، وقليلا من القص الكلاسيكي الإنجليزي، ممثلا في النسخ المختصرة، من روايات شارلس ديكنز، وجورج أورويل، ورصفائهم. وحين التقينا بعبد الله بولا، انداحت دائرة وعينا كثيرا، فقد انفتحنا، عن طريقه، على آفاق المعرفة الإنسانية في فضائها الأكثر رحابة. كان المنهج المدرسي، لا يقوم على أقرار صريح، بأن المعرفة تتقدم. ولذلك فقد ظل سجينا لصورة ماضوية. وأصبحت الحداثة، بكل ما تعني، واقعة، تقريبا، خارج أسوار ذلك المنهج، الساكن. حتى الحداثة التي مثلها، في وقت مبكر جدا، كل من التجاني، يوسف بشير، ومعاوية محمد نور، ومحمد محمد علي، وحمزة الملك طمبل، منذ عشرينات القرن الماضي، ظلت هي الأخرى، خارج اسوار ذلك المنهج الدراسي!! فالمنهج الدراسي قد كان مصريا،ً أولا، وأخيرا!!
أما الفكر الفلسفي، وعلم النفس، ونظريات الحكم، والإقتصاد، فقد كانت، كلها، خارج ما يتعرض له المنهج المدرسي!! ولكن حُسن طالعنا، جاءنا بعبد الله بولا، الذي أتانا بالمنهج، الحداثي، الموازي، الذي كنا نحتاجه. إذ بين عبد الله بولا، والسر مكي أبو زيد، إنفتحت مسالكنا على السياب، والبياتي، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، وغيرهم. وأيضا على أدب المقاومة الفلسطينية (درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وغسان كنفاني، وغيرهم). كما انفتحنا على الماركسية، ونقد اليسار الجديد، وعلى سارتر، وفرويد، ويونغ، وإيريك فروم، وغيرهم.
تحول بولا في سنوات قليلة من أستاذ إلى صديق عمر، ورفيق درب، رغم فارق السن بيننا. معه زرنا أهله في مدينة بربر. ومعه وقفنا على أطلال (المخيرف) وأمجاده الغاربة. ورأينا بعيني بولا، ـ وهو المسكون بأمجاد بربر القديمة، حين كانت حاضرة مزدهرة ـ رأينا، بعينيه، شاعرها الكبير، ود الفراش، وهو ينظر إليها بعين محب مدنف، عبر الضفة الغربية لنهر النيل، وهو يردد:
بشوف بربر بشوف جوخها وحريرا
وبشوف الميدنة القَبَلْ الجزيرة
كما زار معنا بولا، حلة حمد الترابي، وجلس مع أبي في الحوش، ساعات طويلة. وظل أبي يحدثه، في غير ملل، عن قصص أجداده الصالحين، إذ وجد أبي فيه، مستمعا نادرا. ولم يعهد أبي مستمعين يهتمون بجنس قصصه، من قبيلة الأفندية، لابسي البناطيل. وقد كان أبي حاكيا من الطراز الأول. وهو ممن تستحلب عيون السامع الغارق في الإستماع، مخيلته، وذاكرته، استحلابا. أصبح بولا، صديقا لأبي، ولكثير من أهلنا الذين ظلوا يسألون عنه، لسنوات وسنوات، حتى ابتعلتنا كلنا المهاجر، نهاية الأمر.
في خرطوم بداية السبعينات وحين كان اليسار متلفعا أزهى حلل النرجسية العلمانية، التبسيطية، المتعالية على التراث الديني، كان عبد الله بولا، حاضرا مثابرا في ندوات الخميس، التي كان يعقدها الأستاذ محمود محمد طه، بداره، في المهدية، الحارة الأولى. كان بولا هناك، حين لم يكن حضور تلك الندوات يتعدى العشرين شخصا، على الأكثر. وقد اثرى بولا تلك الندوات، بثقافته الواسعة، مما لفت نظر الأستاذ محمود محمد طه، فأخذ إهتمام الأستاذ محمود يتزايد، منذ تلكم الأيام، وبشكل ملحوظ جدا، بالفنانين التشكيليين، وبكلية الفنون. وحين كتب بولا، بعد سنوات طويلة، في مجلة (رواق عربي)، عن فكر الأستاذ محمود محمد طه، جاءت كتابته، محلقة في سماوات، لم يطلها أحد غيره. وأقول، بدون أدنى تردد، أن مقال بولا ذاك، قد كان أفضل ما كُتب عن الأستاذ محمود محمد طه، على الإطلاق. ولا تداني ذلك المقال في معرفة قدر الأستاذ محمود، وفهم منهجه التجديدي، وفي جودة الكتابة نفسها، كل كتابة أخرى، عالجت ذلك الشأن. بما في ذلك، كل ما كتبه الجمهوريون أنفسهم، عن الأستاذ محمود.
أثرى بولا الملاحق الثقافية في الصحافة السودانية، في السبعينات، بكتاباته النقدية، الجريئة، خاصة نقده لمدرسة الخرطوم. وكانت من ثم، مسلسلته الشيقة، التي اختار لها، إسم: (مصرع الإنسان الممتاز). وفي تقديري أن عبد الله بولا، قد وضع أصبعه، في وقت مبكر جدا، على مسارب، ومرتكزات فكرة ما بعد الحداثة، قبل أن تصبح تلك الفكرة، (ثيمةً)، رائجةً، ومنتشرةً، في الأوساط الأكاديمية، العالمية. ولا غرو، أن إلتف حول بولا طلائع البنائيين، في السودان، ممن أسماهم هو: ("الأولاد أبَّان خراتي"، نسبة لكونهم قد تميزوا بحمل خرتايات على كتوفهم، في تلك الأيام). وقد شهدت المحافل الثقافية، في الخرطوم، وقتها، الكثير من المجادلات، عن البنائية، وعن كل ما تعلق بها.
لقد طال تقديمي لبولا، ويقيني أن كثيرين، ممن تتلمذوا عليه، لديهم الكثير مما يمكن أن يضيفوه هنا. فقد مثل بولا نسلا جديدا من المعلمين، وفتحا جديدا في مسار التعليم. غير أنني لا أجد مناصا، من شد لجام قلمي، والوقوف هنا. وأختم قولي، بأنه يسعدني جدا، أني لقيت شرف تقديم عبد الله بولا إليكم. فتقديمي له، ليس سوى بعض دين في عنقي، أرده إليه. فهو أستاذي، وصديقي، ورفيق دربي، في تيه المعرفة. كما هو، أيضا، رفيق الإستجمام، في واحات ذلك التيه، القليلة، والمتباعدة.
الفكر الديني ضعيف، لذا فإنه يلجأ الي العنف عندما تشتد عليه قوة المنطق، حيث لايجد منطقاً يدافع به، ومن ثم يلجأ الي العنف.( ... )
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

عبد الله الشقليني كتب:مدينة بربر كانت من مدن التركية السابقة ، التي تتمتع بكثير من مفاتن المدن في تلك السنوات السحيقة . كانت بها طبقات من العمال وطبقة متوسطة وطبقة غنية من التجار . بها تجارة الأقمشة والخردوات والعطور . بها أسواق للذهب والحلي . وبها حانات وراقصات . كانت ملتقى طرق للشرق وللقوافل لجهة غرب السودان ، ومن مصر.

________________________

لا تنس يا أخ شقليني، ان مدينتنا العريقة، هي مدينة زراعية أصلاً، ثم بعد ذلك، جاء الجوخ والحرير، علي قول الفراش . سأزود هذا الملف لاحقاَ، ببعض ما كتبه " المسخوط" الرحالة السويسري بوركهارت عن بربر الحبيبة، وكان زارها في عام 1813
الفكر الديني ضعيف، لذا فإنه يلجأ الي العنف عندما تشتد عليه قوة المنطق، حيث لايجد منطقاً يدافع به، ومن ثم يلجأ الي العنف.( ... )
أضف رد جديد