عرض كتاب علاء الدين الجزولي:الرسام السوداني جحا

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

عرض كتاب علاء الدين الجزولي:الرسام السوداني جحا

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »


جحا الشاهد والمؤرخ بالرسم لحقبة الحداثة*

كتاب (الرسام السوداني - موسى قسم السيد كزّام - جحا)، أكثر من كتاب فهو يقع في 228 أو 229 صفحة من القطع الكبير بالأصح -لأن دار النشر اعتبرت أخر صفحتين في الكتاب صفحة واحدة - وقد صدر عام 2010 وتعاونت على إصداره أكثر من جهة . هو أكثر من كونه كتاب إذ يمكن اعتباره كتاباً وألبوما في آن.إذ أورد مؤلفه الرسام التشكيلي علاء الدين فيه مجموعة من رسومات وتصاوير وأعمال جحا جنباً إلى جنب مع الرصد الدقيق لحياة هذا الرسام السوداني من البدايات حتى وفاته.
تميز الكتاب بالرصد الدقيق التفصيلي لعالم جحا واحتوى على مقدمات لا مقدمة واحدة ، المقدمة الأولى كانت بقلم الدكتور محمد عبدالرحمن أبو سبيب وهو تشكيلي معروف، أشار فيها إلى أن محاولة علاء الدين الجزولي هذه في التوثيق والتاريخ غير مسبوقة في مجال الحركة التشكيلية السودانية؛ كما أشار الدكتور أبو سبيب في مقدمته إلى طبيعة الحوار الذي أجراه الكاتب مع الرسام جحا وإلى نوع الأسئلة التي جعلت الراوي يظل على سجيته. وهي إشارة في محلها استعان فيها الكاتب علاء الدين الجزولي بخبرته كفنان تشكيلي على ملاحقة التفاصيل ففي حواره الذي يعتبر نواة الكتاب مع حجا لم يترك شاردة ولا واردة عن حياة جحا إلا واستنطقه عنها .
المقدمة الثانية كانت دراسة نقدية للدكتور حسن موسى وقد جاءت بعنوان ( جحا خاتف الألوان وهذا الكتاب الفريد) استعرض فيها دكتور حسن جوانب من حياة جحا الرسام الذي تمتع بشعبية واسعة رغم كونه جاء متأخراً عن بقية الفنانين العصاميين – يقصد الفنانين الذين لم يتلقوا تعليماً نظامياً- اشتهر لانه استفاد " من فرصة الانتشار الإعلامي الواسع التي وفرتها لتصاويره آلة التوزيع التجاري الواسع لمنتجات فابريقة حلويات ريّا وحلويات سعد". في هذا التقديم للكتاب بيّن الدكتور حسن موسى كيف أن جحا الرسام كان يكسب قوته من رسم البوتريهات خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي وكيف أنه استفاد أكثر من الرسامين العصاميين الأكبر سناً بفضل استفادته من تقنية الاستنساخ.
في الكتاب تحرٍ دقيق عن علاقات الرسام جحا بالآخرين بمن فيهم أجانب ومن تتلمذ جحا عليهم والتقلبات العديدة التي حدثت له في حياته كأحد الرواد العصاميين في الرسم. ولم يكن جحا رساماً فحسب بل كان حاوياً وقام في فترة من ركود بيع لوحاته بالتطبيب بالسحر فيما اعترف فيما بعد بأنه كان يعمل ذلك بحيل تقنع الآخرين بينما هو يعلم أن ما كان يقوم به ما هو إلا عمليات إيهام. لكنه استخدم في ذلك قدرات خارقة استعان فيها بالتشكيل أيضاً.
في الفقرة التي صاغها الدكتور حسن موسى بعنوان "جحا خاتف الالوان" تحدث عن مشاهدته شخصياً وهو طفل لجحا وهو يرسم في الأبيض عام 1961 وفي فقرة التي صاغها الدكتور حسن بعنوان جحا الطبيب روى مشاهد مما كتبه صديقه الإنجليزي فيليب غردون الذي تنقل في مهن عديدة إلى أن أصبح محرراً بمجلة سوداناو تحدث فيليب عن جحا الساحر يقصد من يجيء إليه الناس ليكشف لهم عن المسروقات وغيرها.وكشف فيليب كيف آن جحا كان يعلم بأن ما يقوم به هو مجرد محاولات لإيهام الناس بقدراته الخارقة لكنه كان يستخدم أدوات تعلمها من صديقه الهندي ومن خبراته السابقة كحاو أيضاً. وقد أحسن حسن موسى في خاتمة تقديمه للكتاب حين تحدث عن (جحا الرابط)؛ وهذه قصد بها أن مساهمة جحا في الفن التشكيلي والحياة الاجتماعية فضلاً عن تجربة تزيين الدور بتصاويره المنفذة على أغلفة صناديق الحلوى والتي يتقاسمها السواد الأعظم من سودانيي الخمسينات والستينات ، هناك عدد كبير من الأشخاص حكوا أنهم يحتفظون في دورهم بصورة رسمها جحا لبعض أعلام التاريخ السوداني الحديث كزعماء الطوائف أو السياسيين او نجوم الطرب والرياضة أو حتى صور الأشخاص العاديين).
المقدمة الثالثة للكتاب كانت مقدمة الكاتب نفسه وهي مقدمة هامة لأنها ملخّصة فقد خرج فيها الأستاذ علاء الدين الجزولي بأهم الملاحظات عن جحا فناناً وإنساناً حين قال عن جحا أنه "حالة إيجابية لذات سودانية استثنائية خاضت معترك الحياة .. بطريقتها الخاصة وبذكاء .. دون أن تتنازل عن مبادئها وأفكارها ومشروعها في الحياة ومن عجب أنها وبرغم ما لاقت من صعاب حققت ذلك دونما صدام مع جهة أو أحد وهذا جانب نرى فيه حالته الاستثنائية "؛ الملاحظة الثانية التي خرج بها الكاتب عن تجربة حجا هي أن هذا الرسام الفريد قد ظل يرسم وجوه السودانيين و قليل غيرهم من الأجانب على مدى نصف قرن بمعدل منتج كل خمسة ايام وهي حصيلة هائلة من الرسومات وهذا مما أهله يقول الأستاذ علاء الدين لأن" يكون لأن شاهداً ومؤرخاً بالرسم لحقبة الحداثة في السودان" ونوه الكاتب بالتوثيق الذي قام به جحا بالصورة لجوانب من الحداثة وللشخصية السودانية .وأشاد بدوره في "نشر الثقافة البصرية التشكيلية في مختلف الأوساط الشعبية في مجتمع تسوده الشفاهة وثقافة اللغة أكثر من غيرها" أبرزت المقدمة دور على عثمان علي باعتباره رائداً لهؤلاء الفنانين العصاميين الذي اشتهرت رسوماتهم في المقاهي.سبق علي عثمان على جحا فيما أورد الكاتب في مقدمته لكن تجربة جحا كانت الأضخم من حيث ما أنجز من عمل امتد لنصف قرن.
كتب علاء الدين مقدمة الكتاب عام 2006 لكن الكتاب صدر عام 2010 بعد وفاة الرسام موسى جحا.وقد ذكر علاء الدين في مقدمته إن إعداد الكتاب استمر زهاء عقد ونيف فإذا أضفنا لذلك السنوات الخمس التي تلت المقدمة ثم ظهر بعدها الكتاب فلنا أن نتصور المشقة البالغة التي تم بها إعداد هذا الكتاب . وفي ظننا ان ذلك يعود لسببين أولهما ان الكاتب حرص أشد الحرص على التقصي: تقصي المعلومات عن سيرة الأشخاص الذين تحدث عنهم موسى جحا أثناء الحوار التفصيلي وتقصي الأماكن، حيث صور لنا الكاتب ما أمكن كل المنازل التي سكن فيها جحا ومرسمه القديم وأماكن شتى و الجانب الأكثر أهمية هو هذا الرصد النادر للوجوه التي رسمها جحا وللصور التي التقطها بما في ذلك البورتريه الذي رسمه جحا لنفسه فزين به الكاتب غلاف الكتاب.
لكل هذا قلنا في كتاب علاء الدين الجزولي عن الرسام السوداني موسى قسم السيد كزّام إنه أكثر من كتاب. هو كتاب وخزانة ذكريات هو غاليري عن جحا في غياب الغاليريهات المكرسة لإبداعات تشكيليين عظام في السودان. ممن هم مشهود لهم بالإنتاج المميز الغزير في آن .
كنزان
يمكننا أن نقول إن كتاب جحا اشتمل على كنزين الكنز الأول هو أعمال جحا كلها تصاويره وفنونه الأخرى التي استعرضها الكاتب كلها فما استبقى منها شيئاً، والكنز الثاني هو الحوار المبتكر الذي صممه علاء الدين الجزولي بدقة متناهية وعذوبة فائقة فتدفق من خلاله موسى قسم السيد كزام جحا يحكي بانسيابية. ويعجب المرء هل الحوار أهم من أعمال حجا المبذولة من حوله وبعده أم أعمال جحا؟ حسبنا أن نقول كلا العملين يؤسسان عماد الكتاب ولحمته وسداه. لقد أفاد الرسام التشكيلي علاء الدين الجزولي بما خبره من تجربة معرفية فصاغ أسئلة الحوار وتفريعاتها مع هذه الظاهرة التي اسمها (جحا) بما قاد إلى أن يفصح جحا عن كل ما في دواخله وهو الذي كان يتخفى خلف عبارة (( قلة التعليم)). وفي كل مرة يتكشف لنا جانب من جوانب جحا الذي كان رساماً للوجوه ومصمما لملابس فيلم عالمي عن المهدية بلندن لفنان عالمي هو لورنس اوليفييه الذي البسه زي المهدي وكومبارس في ذلك الفيلم وعارضاً لرسوماته في الهند وكومبارس في فيلم هندي ومصوراً تلفزيونياً لمؤتمر قمة حضره جمال عبد الناصر وعبود وهيلاسيلاسي ومرافقاً لسياح في مناطق الآثار السودانية ومشتركاً في مسابقة بمصر لرسم اسمهان وصديقاً لفريد الأطرش ومقيماً ببيته لمدة شهر . حيثما حل جحا كان يظهر جانباً من فنونه.
واتسم الحوار بين الكاتب وجحا - وكلاهما فنان- بالصدق فعندما سأل الكاتب جحا عن الألوان التي يرسم بها أجابه بالفحم والمغر قال له علاء الدين
- الفحم معروف يا عم جحا ماهو المغر ؟ فضحك جحا وشخص ببصره نحو الكاتب وبدلاً من الإجابة سأله باستغراب وهو مبتسم :
- ما بتعرف المغر؟
قال علاء الدين ( أجبته وأنا أيضا أبتسم ما بعرفو.وبعد أن اذعن أخيراً لسؤالي أجابني قائلاً : حجارة ملونة كنا بنعملها للشرافة في اللوح ... كنا نذهب مخصوص لجلبها من منطقة المرخيات في الخلاء...... نسحنها ونلون بها). لم يتوانى علاء الدين عن الإقرار بجهله بالمغر .وبالمقابل لم يتوانى جحا عن الإقرار بأنه ما شايف في الآثار فن. خاطبه الكاتب قائلاً:
- إنت يا عم جحا حتفاجئ الناس بكلامك دا.وما أظن في زول قبل كدا وبالذات فنان قال رأي زي دا في الآثار.
فرد جحا قائلاً:
- ايوة يجوز من قلة تعليمي.
فخاطبه علاء الدين قائلاً:
- انا حأ كتب الكلام دا وأنشره.
فرد جحا:
- أنا ما عندي مانع.
فقال له علاء الدين:
- ليه
فرد جحا:
(عشان الناس يعرفوني على حقيقتي).
وهذا نوع من الصدق في السيرة الذاتية عهدناه في كتاب حياتي للشيخ بابكر بدري عندما تحدث عما ارتكبه في صباه الباكر.
اختتم الكاتب الفنان التشكيلي علاء الدين الجزولي كتابه بفصل جاء بعنوان إضاءة حول حياة الفنان وتجربته الفنية ثم أورد بعض وثائق كان من أهمهما رسالة بقلم البريطاني فيليب غردون موجهة لصديقه الفنان جحا على حسب إفادة الكاتب أن جحا قال له إن فيليب حفيد الجنرال غردون وفيليب وبريطانيون وأجانب آخرون أعانوا جحا حتى في بناء بيته وأهدوه سيارة لاندروفر ودعاه فيليب لإنجلترا وأسكنه معه بمنزله. وكان فيليب يراسل جحا بعربية سودانية "بلغ تحياتي لدار السلام والأولاد.عندما تعمل صورة عائلية أرجو أن ترسل لي نسخة للذكرى.ما أنقطع عن السودان إن شاء الله.
أخوك فيليب. الديباجة فيها عنواني "
فهل ترى كتب هذه الرسالة قلم فرنجي أم لسان سوداني مبين؟
وعبثاً حاول الكاتب أن يتصل بفيليب غردون ولم يتلق رداً وحاول عبر الانترنيت دون جدوى.وخاطب التشكيلي أحمد سيد احمد المقيم بلندن عسى أن يساعد في العثور على فيليب. وفي الصفحة بآخر الكتاب وثائق هامة أخرى .
يقول الكاتب علاء الدين الجزولي إن شهرة جحا بدأت قبل تعامله مع شركات الحلوى والعطور أما شعبيته الواسعة، وكما قال دكتور حسن موسى، فيرجع الفضل فيها إلى تلك الشركات التي روجت لتصاويره على نطاق واسع، حيث أن تصاوير جحا نفذت على ديباجات تلك الشركات.
صدر هذا السفر الضخم ضمن سلسلة أعلام الفن التشكيلي المعاصر والناشر هو الإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين وقد تم النشر على نفقة مجموعة دال وأخرجه عبدالرحمن نور الدين مدني وكانت الصور الفوتوغرافية من إعداد علم الدين حامد إبراهيم والمؤلف أما الخطوط فكانت للحروفي تاج السر حسن. وجاءت صورة الغلاف من رسم الفنان جحا نفسه وبرز في الغلاف التوقيع الشخصي الشهير لجحا .قام بالتدقيق اللغوي محجوب كبلو .
حين غيب الموت جحا عام 2007 كتب عنه علاء الدين الجزولي مرثية ضمنها الكتاب وهي قطعة نثرية بديعة كتبت بلغة آسرة تظهر قدرات الكاتب علاء الدين الجزولي القاص الروائي الذي فازت له قصة مصورة في مسابقة نوما اليابانية العالمية لرسومات كتب الأطفال المصورة كما أصدر مجموعة قصص (المجذوبون إلى أعلى) عام 2010م
وهكذا فبين أيدينا كتاب ضخم ونأسف لكون هذه الكتابة عنه تجيء بعد كل هذه السنوات وهو أصلاً كتب في سنوات طويلة لأن مثله إنما يتم تحريره بواسطة فريق من الباحثين لتنوع مادته ومصادره وغنى تجربة الفنان العبقري جحا يرحمه الله، فقد غيب الموت هذا الفنان المثابر في بلد لا تعرف كيف تحتفي بأبنائها المبدعين أثناء حلهم في الوجود وغبّ رحيلهم عنه.

العنوان الجانبي عبارة للكاتب علاء الدين الجزولي وردت في ثنايا
الكتاب

بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

صورة الغلاف

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »

سأنشر لاحقاً غلاف الكتاب الخارجي بتوقيع جحا.الكتاب حالياً ليس بحوزتي.فاعذروني.
صورة العضو الرمزية
ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã
مشاركات: 814
اشترك في: الأحد أكتوبر 23, 2005 4:48 am
مكان: الخرطوم/ 0911150154

مشاركة بواسطة ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã »

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 1b6fd1d432


هذه مساهمة أخرى للصديق اسامة عباس حول الكتاب نفسه استاذنا بشرى
صورة العضو الرمزية
سيف عثمان
مشاركات: 85
اشترك في: الاثنين فبراير 08, 2010 6:53 pm

مشاركة بواسطة سيف عثمان »

شكر جزيل يا عصام على متابعتك الرصينة وعلى التنويه بمساهمة أسامة عباس السابقة في استعراض هذا الكتاب المهم
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



الكتاب مجهود خرافي صبور لرصد حياة وأعمال المُبدع حجا .
شكراً للفنان التشكيلي علاء الدين الجزولي
والشكر لدكتور بشرى الفاضل على نور تلخيصكم لهذا العمل الكبير
أضف رد جديد