منْ يصطاد دمشق ؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

منْ يصطاد دمشق ؟

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »




منْ يصطاد دمشق؟


سلامٌ من صبا بردى أرقُّ
ودمعٌ لا يُكفكفُ يا دمشقُ
ومعذرة اليراعة والقَوافي
جلالُ الرُزءِ عن وصفٍ يَدقُّ

شِعر أحمد شوقي

(1)

منْ يقف من أجل " دمشق " ؟
ليست قديمة دُنياي ، ولا أقدم من دمشق . كفكف التاريخ دمعها ، فقد حارت بها الظنون ثكلى ، كيف حالها بين خلجان الأمم . تجمّع من حول رقعتها التي حَكمت ، ذباب من كل بشر خليقة . كلهم يبغي أن ينتِف شعرها من منبته ، لتكُن أمَة ذليلة لطحن جنون الشياطين وأذنابهم ، أخسّ الميامين . هناك تجمّع الليل وأبناء الشرور على الاقتصاص من النبيلة أُم النُبلاء . منْ يفضح نادلة لم يعُد يكفي ما جفّ فيها من ضروع البُكاء ، كي يرحلوا عن ديارها ، لتسكن حُزنها الأودية التي لم يرع التُرك لها ضفاف تشرب عندها الماعز . ها هو جفاء البشر وحقدهم المُكثف ، يسأل عن جسدها ، ليغتنوا من بُشريات الجهاد ، ليتنعموا بجنان باسقة ، يصنع عندها الدم بؤرة في لُجّة الغيم المسافر بالحريق.
هذا زمان فاجعةٍ ، في ورد خد مورقة تجِنُ من أصوات الرصاص الأزرق . في كل عطفة في خصرها موئل البُشرى ، لمنْ يحنُّ إلى الجوى ، فيسرقه الحُزن . بكاؤها يغرق الشطآن ، بل الآفاق في وهج ، تكُبّ نيرانه ، أفران أجسادٌ تلظّت في وهج الثلج . وعفّر دماؤها سيل البراكين التي جرّبت كيف يُسرق الدمع من قلب الأسى .

(2)

هذا زمان أزرق الخُطى ، وأبناء مزرعة صهيون ، تضحك من فراء دمشق المكحول بالدم ، وصورتها تلبس بُرقعاً ، من سواد حظها. يا دمشق : متى ينتهي النُصب التي أقاموها لسقوطكِ عن جدار القرن ، تأخذ من ريحك المُدن الحليقة من التاريخ والبهرج . يريدون إغراقك في بحر الدم ، وتهدين معبدك وتأكلين الحسرة نار الطوى .
هذا أوان الريح ، تُمسي طرطوس ، وحجارتها تهُب من صوب الشمال البارد . وجاء الفرج من بعيد في المدى ، يأتي مع انحناءة الثكلى ، قبل فاجعة الرحيل ، لتنهُض.

(3)

أشعر نِزار قباني :

أنا الدمشقي .. لو شرّحتم جسدي
لسال منه عناقيد.. وتفاح
ولو فتحتم شراييني بمديتكم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا
زراعة القلب تشفي بعض من عشقوا
وما لقلبي إذا أحببت جرّاح
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني
و للماذن .. كالأشجار.. أرواح
للياسمين حقوق في منازلنا...
وقطة البيت تغفو حيث ترتاح
طاحونة البنِّ جزء من طفولتنا
فكيف أنسى ؟ وعطر الهيل فوّاح
خمسون عاماً .. وأجزائي مبعثرة..
فوق المحيط .. وما في الأفق مصباح
تقاذفتني بحار لا ضفاف لها..
وطاردتني شياطين وأشباح
هنا جذوري.. هنا قلبي .. هنا لغتي
فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟

(4)

آثار دمشق ُمضرّجة الدماء ، تشكو دماراً ، كما حاق ببغداد. سبعة آلاف عام لم تشفع ، تكالبت نار النفوس ورصاص من استسهلوا قذف النيران في نهديها ، لحرق الحليب دماً ، ونسف أوراق التاريخ عن زينتها الحُلوة حين تتبدّى .
كل الفاتنات من مُدن الكون يجثونَّ عند قدميها ، تدللاً في الذل . كل نقيع سم الأفاعي الملوكية ، لم تقدر أن تنال من روحها . عالية تُباري الشموس في ألقها ، وتُضجر الحُساد كيف بقيت حية وسط أساطيل الغُزاة ، تتمدد ، تتمغي وتتبرّج . يعلو الدُخان مآذنها ، فتختلط سُحب النار بسحب السماء ، فيهطل المطر الباكي من الطلل .
كنتُ أرقب الناشرين أعواد الثقاب الرصاصي على فضائها لتحترق البطون على الطوى ، كيف يُلهب الحريق أجفان " دمشق " ؟ فتكتحلُ . هذا الجنون العُصابي لا أفق يحميها من عذابه ولا السماوات تشهد بالجُرم يتضخم فوق أجرام السماء وتنفجر المدارات ، وهي ثابتة على المصير . حلوةٌ هي في بهاء زينتها ، لا تهاب الرصاص العبثي ، بل تكتحل السواد في عينيها كأجمل فاتنة.


آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الخميس فبراير 08, 2018 10:24 am، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

(5)

أيريدون إزاحة المزلاج عن بوابة التوبة أم عن بوابة التاريخ ؟. تلك قُدور الهمّ تُنضج الأيام بالعشق الذي ينضحُ بالعذاب.على رنين كأس الشاي في مقهى المدينة ، تطربُ المواخير . الأنوف تنفثُ الدخان . شيشة هُنا ، واثنان يتبادلان مِبسمها . سقف المقهى العتيق يُضاحِك الصور الشهوانية المُعلقة . غسلت الطريق أرجل المارة وفتيات الزحام . لكل هواه وعِشقه المسكون في عينيه . يعلو صوت المغنّي مغموس في الطرب الدافئ ، فتعرف أنك في زقاق من أزقة أم المدائن ، شرابها مُعتّق التاريخ . أظفارها بيضاء ناعمة مطلية ، ومن ثناياها يفوح العطر المميّز بالهوى .

*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

طريق دمشق

للشاعر محمود دريش


من الأزرق ابتدأ البحر
هذا النهار يعود من الأبيض السابق
الآن جئت من الأحمر اللاحق..
اغتسلي يا دمشق بلوني
ليولد في الزمن العربي نهار
أحاصركم: قاتلا أو قتيل
و أسألكم .شاهدا أو شهيد
متى تفرجون عن النهر. حتى أعود إلى الماء أزرق
أخضر
أحمر
أصفر أو أي لون يحدده النهر
إنّي خرجت من الصيف و السيف
إّني خرجت من المهد و اللحد
نامت خيولي على شجر الذكريات
و نمت على وتر المعجزات
ارتدتني يداك نشيدا إذا أنزلوه على جبل، كان سورة
"ينتصرون" ..
دمشق. ارتدتني يداك دمشق ارتديت يديك
كأن الخريطة صوت يفرخ في الصخر
نادى و حركني
ثم نادى ..و فجرني
ثم نادى.. و قطرّني كالرخام المذاب
و نادى
كأن الخريطة أنثى مقدسة فجّرتني بكارتها. فانفجرت
دفاعا عن السر و الصخر
كوني دمشق
فلا يعبرون !
من البرتقالي يبتديء البرتقال
و من صمتها يبدأ الأمس
أو يولد القبر
يا أيّها المستحيل يسمونك الشام
أفتح جرحي لتبتديء الشمس. ما اسمي؟ دمشق
و كنت وحيدا
و مثلي كان وحيدا هو المستحيل.
أنا ساعة الصفر دقّت
فشقت
خلايا الفراغ على سرج هذا الحصان
المحاصر بين المياه
و بين المياه
أنا ساعة الصفر
جئت أقول :
أحاصرهم قاتلا أو قتيل
أعد لهم استطعت.. و ينشق في جثتي قمر المرحلة
و أمتشق المقصله
أحاصرهم قاتلا أو قتيل
و أنسى الخلافه في السفر العربي الطويل
إلى القمح و القدس و المستحيل
يؤخرني خنجران :
العدو
و عورة طفل صغير تسمونه
بردى
و سمّيته مبتدا
و أخبرته أنني قاتل أو قتيل
من الأسود ابتدأ الأحمر. ابتدأ الدم
هذا أنا هذه جثتي
أي مرحلة تعبر الآن بيني و بيني
أنا الفرق بينهما
همزة الوصل بينهما
قبلة السيف بينهما
طعنه الورد بينهما
آه ما أصغر الأرض !
ما أكبر الجرح
مروا
لتتسع النقطة، النطفة ،الفارق ،
الشارع ،الساحل، الأرض ،
ما أكبر الأرض !
ما أصغر الجرح
هذا طريق الشام.. و هذا هديل الحمام
و هذا أنا.. هذه جثتي
و التحمنا
فمروا ..
خذوها إلى الحرب كي أنهي الحرب بيني و بيني
خذوها.. أحرقوها بأعدائها
أنزلوها على جبل غيمة أو كتابا
و مروا
ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
طريق دمشق
دمشق الطريق
و مفترق الرسل الحائرين أمام الرمادي
إني أغادر أحجاركم_ ليس مايو جدارا
أغادر أحجاركم و أسير
وراء دمي في طريق دمشق
أحارب نفسي.. و أعداءها
و يسألني المتعبون، أو المارة الحائرون عن اسمي
فأجهله..
اسألوا عشبة في طريق دمشق !
و أمشي غريبا
و تسألني الفتيات الصغيرات عن بلدي
فأقول: أفتش فوق طريق دمشق
و أمشي غريبا
و يسألني الحكماء المملون عن زمني
فأشير حجر أخضر في طريق دمشق
و أمشي غريبا
و يسألني الخارجون من الدير عن لغتي
فأعد ضلوعي و أخطيء
إني تهجيت هذي الحروف فكيف أركبها ؟
دال.ميم. شين. قاف
فقالوا: عرفنا_ دمشق !
ابتسمت. شكوت دمشق إلى الشام
كيف محوت ألوف الوجوه
و ما زال وجهك واحد !
لماذا انحنيت لدفن الضحايا
و ما زال صدرك صاعد
و أمشي وراء دمي و أطيع دليلي
و أمشي وراء دمي نحو مشنقتي
هذه مهنتي يا دمشق
من الموت تبتدئين. و كنت تنامين في قاع صمتي و لا
تسمعين..
و أعددت لي لغة من رخام و برق .
و أمشي إلى بردى. آه مستغرقا فيه أو خائفا منه
إن المسافة بين الشجاعة و الخوف
حلم
تجسد في مشنقه
آه ،ما أوسع القبلة الضيقة!
وأرخني خنجران:
العدو
و نهر يعيش على معمل
هذه جثتي، و أنا
أفقّ ينحني فوقكم
أو حذاء على الباب يسرقه النهر
أقصد
عورة طفل صغير يسمّونه
بردى
و سميته مبتدا
و أخبرته أنني قاتل أو قتيل.
تقّلدني العائدات من الندم الأبيض
الذاهبات إلى الأخضر الغامض
الواقفات على لحظة الياسمين
دمشق! انتظرناك كي تخرجي منك
كي نلتقي مرة خارج المعجزات
انتظرناك..
و الوقت نام على الوقت
و الحب جاء، فجئنا إلى الحرب
نغسل أجنحة الطير بين أصابعك الذهبيّة
يا امرأة لونها الزبد العربي الحزين.
دمشق الندى و الدماء
دمشق الندى
دمشق الزمان.
دمشق العرب !
تقلّدني العائدات من النّدم الأبيض
الذاهبات إلى الأخضر الغامض
الواقفات على ذبذبات الغضب
و يحملك الجند فوق سواعدهم
يسقطون على قدميك كواكب
كوني دمشق التي يحلمون بها
فيكون العرب
قلت شيئا، و أكمله يوم موتي و عيدي
من الأزرق ابتدأ البحر
و الشام تبدأ مني_ أموت
و يبدأ في طرق الشام أسبوع خلقي
و ما أبعد الشام، ما أبعد الشام عني 1
و سيف المسافة حز خطاياي.. حز وريدي
فقربني خنجران
العدو و موتي
وصرت أرى الشام.. ما أقرب الشام مني
و يشنقني في الوصول وريدي..
وقد قلت شيئا.. و أكمله
كاهن الاعترافات ساومني يا دمش
و قال: دمشق بعيده
فكسّرت كرسيه و صنعت من الخشب الجبلي صليبي
أراك على بعد قلبين في جسد واحد
و كنت أطل عليك خلال المسامير
كنت العقيدة
و كنت شهيد العقيده
و كنت تنامين داخل جرحي
و في ساعة الصفر_ تم اللقاء
و بين اللقاء و بين الوداع
أودع موتي.. و أرحل
ما أجمل الشام، لولا الشام،و في الشام
يبتديء الزمن العربي و ينطفيء الزمن الهمجي ّ
أنا ساعة الصفر دقّت
و شقت
خلايا الفراغ على سطح هذا الحصان الكبير الكبير
الحصان المحاصر بين المياه
و بين المياه
أعد لهم ما استطعت ..
و ينشقّ في جثتي قمر.. ساعة الصفر دقّت،
و في جثتي حبّة أنبتت للسنابل
سبع سنابل، في كل سنبلة ألف سنبلة ..
هذه جثتي.. أفرغوها من القمح ثم خذوها إلى الحرب
كي أنهي الحرب بيني و بيني
خذوها أحرقوها بأعدائها
خذوها ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
و أمشي أمامي
و يولد في الزمن العربي.. نهار

*
أضف رد جديد