أبوبكر

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

أبوبكر

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

[font=Tahoma] لم يخامرني أي شك في أن صديقنا عمر فتيحابي لم يكن يتردد في أن يوجّه سياط سخريته اللاذعة الكاشفة، المحببّة إلى نفس كل من عرفه، للجميع، إلّا أنت. لم يكن عباس يونس يتخلّى عن ردوده الحاسمة القاطعة، التي، لمن لا يعرفه، ربما تحيل إلى لؤم متأصل في طبعه، وحاشاه اللؤم، فقد كان بصيرًا، يرى ما لا نراه إلّا بعد مثابرة ومعاظلة، إلًا معك. لم يكن أحمد البشير الماحي (هبّار) ليتنازل عن مبدئيته الصارمة في كل الأمور، حتى في جلسات الإنشاد والغناء الجماعي المسائية في "دبك" يختمها" الحاج؟" برائعة أبوقطاطي وخليل إسماعيل "الأماني العذبة"، إلًا حين تكون طرفًا في الأمر. كانوا يعرفون تمامًا أن سماتهم الشخصية المتفردة التي حببتنا فيهم، والتي يناورون بها الحياة بمهارة فائقة، لا تجدي نفعًا معك، فأنت فوق كل أشكال ضعفنا وهشاشتنا وضيق افقنا وصدورنا، تسمو عاليًا فوق ترهات الاعتداد بالنفس المفضية إلى نرجسية مضمرة. وبالطبع استقبلك الخاتم ...هاشًا باشًا كعادته.
ها أنت الآن برفقتهم... رفقة من فقدنا من رفاق ...كانوا يملؤون حياتنا بسعة أفقهم ومودتهم ورعايتهم الحاذقة لتدبر شئون العيش بحرية تحت ظل الطغاة والقهر الذي استطال... سيسعدون بك إيما سعادة... مثل ما سعد برفقتك الآلاف من أبناء وبنات شعوب السودان المختلفة، فأنت مثلهم، لم تحدّك قيود القبيلة ولا الثقافة المحلية ولا الإيديولوجيا الضيقة. منذ صعودك، تحِفّك دعوات صادقة وأحزان مترعة بالفقد، إلى عليائك، أضاء وجهك ظلام أيامنا الكالحة المعتمة على كل منصات التواصل الإنساني الحميم، كأنما يقولون ها قد رحل بطل آخر، نادر المثال، من أبطال هذا الزمان.
رغم أننا لم نكن لنأبه كثيرًا لعبارة يتداولها الناس في مقام المدح، تأكدت تمامًا الآن أن من يقول مادحًا: "يوم شُكْرَك ما يجي" قد بلغ في المدح مبلغًا عظيمًا. فقد لهج بشكرك الناس أجمعين كأنما يوم شكرك كان كما يوم الساعة، فقد امتد على مدى أكثر من أربعة عقود بذلتها في التنوير، دون اعتداد بالنفس، على كافة الصُعد، ومن أهمها العمل بين كافة قطاعات المجتمع من عمال ومزارعين وطلاب، وخصوصًا الطلاب، عدا الخطابة الجماهيرية، إذ لم تر فيها سوى روح الحشود . ولم يقتصر سعيك إلى التنوير على فترات الحرية الضنينة، خارج أسوار سجون الطغاة، بل دأبت على تحويل المعتقلات إلى مدارس لترقية الفكر وتطهير النفس من شوائب الكِبَر. وما كان اختيارك لمهنة الصحافة، طمعًا في شهرة زائفة أو مجد يسجّل للتاريخ، بل للاستفادة منها كمنصة أكثر انتشارًا للتنوير، لا تتلقى أوامرها من السلطان، بل تنطلق من مبدأ الحرية، التي سعيت طوال عمرك، مع رفاقك وتلاميذك إلى نيلها كفاحًا وليس مِنّة.
صحبتك إلى العلياء محبة الناس أجمعين وستظل مصدرًا للفرح الغامر كلما هفا طيفك إلى النفس.
Masoud Mohammed Ali
مشاركات: 220
اشترك في: الاثنين إبريل 20, 2009 9:47 am

مشاركة بواسطة Masoud Mohammed Ali »

صحبته رحمة الله الواسعة



البركة فيكم يا مصطفى
Masoud Mohammed Ali
مشاركات: 220
اشترك في: الاثنين إبريل 20, 2009 9:47 am

مشاركة بواسطة Masoud Mohammed Ali »

حاطب ليل عبد اللطيف البوني السبت 7ابريل 2018
رحل أبو بكر يا حوى النبي
كنا نسكن غرفتين متجاورتين، ولكن الالفة بيننا جلعتهما كأنهما غرفة واحدة، لا بل كل الطابق كان عبارة عن غرفة واحدة لكل ساكنيه من الطلاب، لدرجة يمكن القول معها إن الملكية الخاصة كانت في حدها الأدنى، ومن نجوم ذلك الطابق كان ابو بكر الامين وحوى النبي، فكان عندما يلتقيان في أية غرفة او حتى في السلم ما على الواحد الا ان يستمع ويضحك، فإن جمعتهما كلية واحدة ومودة ومحبة فقد كانا مختلفين في الاهتمامات والرؤى والتطلعات وفي اسلوب الكلام. فحوى القادم من دار جعل كان كأنه جاء للجامعة من البادية، فقد كان محباً للادب الشعبي والدوبيت والمسادير والامثال الشعبية، بينما كان ابو بكر قادماً من الجزيرة ومن كل السودان نتيجة عمل والده استاذاً بالمرحلة الثانوية، وكان مهموماً بالآيديولوجيات وقضايا الفقر والتخلف، وكان من قادة الجبهة الديمقراطية في الجامعة.
وعندما يغشانا ضيف في مساء من الامسيات كان سرير ابو بكر اول الضحايا، لا لأنه كان يأتي متأخراً، بل لتقبله الأمر بروح عالية، اذ كان عندما يجد سريره مشغولاً يخلع نعليه حتى لا يوقظ النيام، ثم يبحث عن ملاءة مطرفة او حتى بشكير ليضعه تحت رأسه وينام على البلاط وكأنه في مرتبة خمس نجوم، ولا يصحو الا صباحاً على صوت حوى النبي: (عليكم الله تعالوا شوفوا الصحابي دا نائم كيف؟) ثم يردف: (ها ابو بكر على اليمين جنتك مضمونة الا بس ناقصاك الشهادة.. ابو بكر ياخي ما تتشهد) فيجيبه ابو بكر بوجه صبوح: (يا حوى ياخي ما تخلينا نكمل نومنا)، فالتقط انا الحديث: (يا حوى النبي ابو بكر دا فتح عينيه على موطأ الإمام مالك والرسالة وشرح الطبري, جايي انت الليلة تطلب منه الشهادة ؟)، وهكذا تمضي المسامرة . كان ابو بكر عندما يعتدل في جلسته ويتحدث عن البعد التحرري في الاديان وكيف ان البعض ارادها كاداة للاستبعاد، فلا تملك الا ان تستمع اليه او تقول مع ود الشيخ: (ابو الزفت دا الكلام, والله يا ابو بكر انا كان قلت ليك فهمت حاجة من كلامك دا اكون كضبت عليك، لكن حاسي بانه كلام مو هين).. هكذا كان ابو بكر اذا حدثك، فإذا لم تفهم منه فإنه يترك في نفسك انطباعاً لا يزول
ابو بكر الأمين الذي صعدت روحه الي بارئها في منتصف الاسبوع الماضي في الهند التي ذهب اليها مستشفياً، اصاب رحيله كل من عرفه او زامله او صادقه بصدمة كبيرة، لأنه كان انساناً مختلفاً حباه الله بعقلية متقدة وخلق رفيع وقدرة غير عادية على الصبر، فابو بكر امضى كثيراً من سنوات مايو في السجن، ثم رجع للسجن في عشرية الانقاذ الاولى، وكان عندما يحدثك عن السجن يبهرك بالزوايا التي ينظر اليها للسجن وكأنك لم تقابل سجيناً قبله، ثم يعرج بك الى سنوات الجامعة ليخبرك باشياء وكأنك لم تكن معه في نفس الكلية، فسعة الاطلاع وفي مختلف ضروب المعرفة والقدرة العالية على الاستيعاب واعادة الانتاج مكنته من النظرة المتفردة للاشياء، فقد كان رحمه الله من حكماء زمانه. ولكن أبو بكر كان أبعد ما يكون عن (الشو) فهو لا يحب الزعامة ولا الرئاسة ولا الظهور، فهو من النوع الذي يعمل في صمت ويعطي سامعه الإحساس بأنه صديقه وحده دون بقية العالمين، لذلك ذهل الناس عندما رأوا الموكب الضخم الذي شيعه من مطار الخرطوم مساء الاربعاء الى مثواه الأخير ببلدة (القلقالة) مسقط رأسه ومكان اهله ومعزته، فقد ضم الموكب كل الوان الطيف السياسي وكل اثنيات السودان، وبكوه كما لم يبكوا أحداً من قبل.
برحيل ابو بكر تكون بلادنا المكلومة قد طوت صفحة من النبل والصدق والإخلاص والعلم والثقافة . لقد رحل ابو بكر وفي نفس كل منا شيء منه، فقد كان رحمه الله ما ان تلتقيه وتأخذ جرعات من عصير فكره وتودعه، الا وتمني نفسك باللقاء به قريباً، فهو من الذين لا تمل مجالسهم، ولعل هذا ما صدم كل من سمع بخبر وفاته، لأنه يشعر بأن لديه بقية كلام عنده, بيد انه هذه حال الدنيا التي تفجعنا كل يوم في عزيز لدينا, اللهم إن أبا بكر جاءك كما خلقته، ولم يترك خلفه مالاً او عقاراً او شيئاً من حطام الدنيا. اللهم اكرم نزله واسكنه الفردوس الأعلى.
أضف رد جديد