نحنُ في خطرٍ من تكرار أخطاء الماضي في سوريا- ميري كالدور

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

نحنُ في خطرٍ من تكرار أخطاء الماضي في سوريا- ميري كالدور

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

مقال صحفي
نحنُ في خطرٍ من تكرار أخطاء الماضي في سوريا*

بقلم: ميري كالدور**
ترجمه من الإنجليزية: إبراهيم جعفر***


لم يكن هنالك سوى تعاطف دولي قليل مع المعاناة في سوريا. وآناءَ عهد الحرب في البوسنة جمع أفراد الشِّعوب بمختلف أرجاء أوروبا وما وراءها الغذاء والكساء، دفعوا بشاحناتٍ على سبيلِ توصيلها إلى المحتاجين إليها في البوسنة، نظَّمُوا حملات من أجل تخصيص مناطق آمنة للمدنيِّين في البوسنة وإجراء محاكمات لمرتكبي جرائم الحرب هناك وفتح معابر آمنِة للعون الإنساني، كما وكان اللاجئون مُرَحَّبَاً بهم في أوروبَّا.

لِمَ يفلح رُعبُ الحرب السُّوريَّة، الذي أودى بحيواتِ مليون إنساناً، أرغم أكثر من نِصفِ آلِ سوريا على النِّزوحِ عن ديارهم، تفشَّت بفعلِهِ، على نطاقٍ واسعٍ، ممارسات التَّعذيب، العنف الجِّنسي، التَّجنيد الإجباري، الاعتقالات والاحتجاز، ناهيكَ عن استخدامِ أسلحةٍ بشعةٍ وقميئةٍ مثل قنابل البراميل ومُهيِّجات الأعصاب السَّامَّة وغاز الكلورين الفاتك، في استمالةِ ذاتِ الاستجابَةِ الإنسانيَّة المتعاطفة؟

إن فكرة التَّدخُّل الإنساني من أجل حماية المدنيِّين في حالة حدوث إبادة جماعية، تصفية عرقية وانتهاكات وحشيَّة منتظمة وواسعة النِّطاق لحقوق الإنسان، كانت قد اكتسبت ثِقلاً ووزناً آناء عقد التِّسعينات من القرن العشرين الماضي نتيجةً لحروبٍ ووقائع داميةٍ بإقليم البلقان وفي أفريقيا اشتملت، خاصَّةً، على الإبادة الجماعيَّة في رواندا، وارتبطت بفيض شعورٍ عام بالانزعاج والتَّعاطف. وعند نهاية ذلك العقد من الزَّمان أُعيدت صياغة فكرة التدخُّل الإنسانِي لتغدُو مفهوماً ومبدأ يُدعى "مسؤوليَّة الحماية" قبلِتْهُ هيئة الأمم المتَّحدة بصورةٍ رسميَّة في العام 2005م. مع ذلك كُلِّهِ لم يكن هنالك سوى اليسير من الضَّغطِ العامِّ على سبيلِ تخفيفِ مِحنةِ الشَّعبِ السُّورِيِّ، إِمَّا بممارسة "مسؤوليَّة الحماية" أو بالتَّدخُّل الإنساني.

تفسيرُ ذلك كائنٌ في تجارب التَّدَخُّل الكارثيَّة آناء العقدين الماضيين من الزَّمان. ونُنبِّه هنا إلى أن الحربين في أفغانستان والعراق لم تكونا، بالطَّبع، تدخُّلين إنسانيَّين وإنَّمَا هما تدخُّلين عسكريَّين جيُو-سياسيَّين كلاسيكيَّين. إنَّهُمَا، بجملة أخرى، كانا بشأن المصالح الغربية وليس مصالح الشعب الأفغاني أو العراقي. بلى، إنَّ "اللُّغة الإنسانيَّة" قد استُخدمت حينذاكَ لتبريرهما من قِبَلِ كُلٌّ من رئيس الوزراء البريطاني السَّابق، توني بلير، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية السَّابق، جورج و. بوش. وفي كُلِّ الحالتين انتهى التَّدَخُّل بإشعال العنف، تصعيد الاضطراب وبروز الإرهاب في الإقليم بصورة أشدَّ من ذي قبل.

وفي حالتي الحربين في كوسوفو وليبيا نقول عنهما إنَّ حججهُما كانتا مُصاغتَين، بوضوح، وفق مصطلحات التَّدَخُّل الإنساني، في حالة الحرب الأولى، ووفق مفهوم "مسؤُوليَّة الحماية"، في حالة الحرب الثَّانية. إنَّ ذينك الحربين قد كانتا، في تقديرنا، ناجحتين، من بعضِ الأوجه، في تحقيق ما ابتغيَتَا حيثُ، في حالة كوسوفو، تمكَّن الألبان الذين أُجْلُوا قَسْرَاً عن ديارهم من العودة إليها نتيجَةً لِتَدَخُّل حلف شمال الأطلسي ("النَّاتُو") في العام 1999م فيما في حالة ليبيا تم تدمير جهاز مُعمَّر القذَّافي العسكري ولم يعد بالإمكان استخدامه في العدوان على المدنيِّين اللَّيبيِّين. غير أنَّنا نستدرِكُ ذلكَ هنا بقولنا إنَّهُ في كلا الحالتين لم تفلح وسيلة التَّدخُّل الأساسيَّة المتمثِّلة في الضَّربات الجَّوِّيَّة من إنفاذ حماية مباشرة للمدنيين، الليبيين خصوصاً، بل هي خاطرت في بعض الحالات بحيوات ذاتِ من افتُرض أنَّها ستحميهم. ذلك فضلاً عن أنَّ التَّدَخُّلين المعنيَّين قد قَوَّيَتَا، في كلا الحالتين، مجموعات مُسلَّحة على الأرض، الشَّيء الذي أدَّى إلى إنشاء حكومة فاقدة تماماً للفاعليَّة الوظيفيَّة في كوسوفو ووضعيَّةِ عنفٍ طويلةَ الأمد في ليبيا.

إنَّ ما لم يُقدَّر أبداً هنا بصورة صحيحة هو الفرق بين التَّدخُّل الإنساني والتَّدَخُّل العسكري الكلاسيكي. بلى، قد يشتمل التَّدَخُّل الإنساني على استخدام قوات عسكريَّة. لكن الهدف الرَّئيس حينذاكَ يكن هو إنقاذ الحيوات وحماية السُّكَّان المحلِّيِّين وليس هزيمة الأعداء. وذلك الهدف يَتَطَلَّبُ لتحقيقهِ وسائل جديدة، الشيء الذي يجب أن يجعل التَّدَخُّل الإنساني أكثرَ شَبَهَاً ببسطِ الأمن الذي تُنفِّذُهُ قوات شرطيَّة أو إنفاذ سيادة القانون منه بالقتالِ في حرب.

إنَّ الأفكار والتَّقنيات التي استُقدِمت آناءَ حرب البوسنة، مثل فكرة وتقنية الملاذات الآمنة، فكرة وتقنية اعتقال مجرمي الحرب والتحقيق معهم، فكرة وتقنية رصد انتهاكات حقوق الإنسان، أو فكرة فرض مناطق حظر للطيران، تُشكِّلُ جميعاً جزءاً من إرثِ التَّدَخُّل الإنسانِي. والأفراد الذين ينخرطون في تفعيل تلك الأفكار والتقنيات ينبغي عليهم أن يشتملوا على عسكريِّين ومدنيِّين معاً، بما في ذلك قوات الشُّرطة، المشتغلين بالمهن الطِّبِّيَّة، موظفي وعمال الإغاثة، فرق إزالة الألغام وآخرين. ومن الضَّروري هنا تأسيسُ ذلك الفعل الإنساني جميعه وإكسابُه الشَّرعيَّة الدَّوليَّة على قاعدةِ تخويلٍ دوليٍّ تُوَفِّرُهُ هيئةُ الأمم المتَّحِدَة.

ما الذي يعنيه كُلُّ ذلكَ عند ربطِهِ بالحالة السُّوريَّة؟ دعنا نحاول الإجابة على هذا السؤال خلال حديثنا التالي.

قد بدأ الانتباه الدَّولي، أخيراً، التَّركيز على الأزمة السُّوريَّة وذلكم من بعدِ مُضِيِّ سبعِ أعوامٍ من الاختلاط والبدايات غير الصحيحة. غير أنَّنا نظلُّ، كرَّةً أخرى، على خطر الخلط فيما بين ردِّ فعلٍ عسكريٍّ والحاجة للتَّدَخُّل لأسبابٍ إنسانيَّة.

إن عدم فعل أيِّ شيء بخصوص سوريا ليس خياراً، سيَّما وأن حظر استخدام الأسلحة الكيميائية قد قُوِّضَ هناك وتمَّ تحدِّي كُل عرف سلوكي إنساني. وما ينبغي فعله هنا، بجانب التحقيق الذي ستجريه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تخويل مجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة سلطة حضور دائم للمنظمة الدولية في منطقة الغوطة السُّوريَّة وذلك وفق تفويض قوي للحفاظ على الأمن والسِّلم، حماية المدنيِّين (المُهدَّدين حاليَّاً بالاعتقال والتَّجنيد الإجباري)، إِنفاذ نزع السِّلاح، رصد ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النَّار (بما في ذلك استخدام الطائرات بدون طيَّار) وإجلاء المجموعات الإسلاميَّة المتمردة الرئيسة الحضور عن منطقة الغوطة السُّوريَّة.

الاعتراض على هذا المقترح عند مجلس الأمن الدَّولي سيأتِي طبعاً من السُّلطات الرُّوسيَّة التي ستُمارس حقَّ النَّقض ("الفيتُو")، الشَّيءُ الذي تَتَطلَّبُ مُواجهتُهُ ضغطُ رأيٍ عامٍّ دولي.

ونقولُ هنا إن السُّوريِّين أنفسهم يسعون الآن، على ارض النِّزاع، على سبيلِ إنشاءِ حلولٍ محليَّةٍ للأزمةِ وإنَّ اتفاق وقف إطلاق النَّار في الغوطة في أعقاب الهجوم الكيميائي الأخير قد تمَّ التوصل إليه خلال مفاوضات بين مجموعات محلية. وممَّا يؤكِّد الأهمِّيَّة الكبيرة لعامل الضَّغط المحلِّي في إيجادِ حلٍّ للنِّزاعِ السُّوري أنَّ تعويقَ واعظٍ متطرِّفٍ لتلك المفاوضات قد جُوبِهَ بفعلٍ عمليٍّ على الأرض اندفع وفقَهُ متظاهرون إلى دارهِ وجرُّوهُ خارجاً عنها ومن ثَمَّ ألزمُوهُ وجماعته بالتَّقيُّد بما توصَّلت إليه تلك المفاوضات. ذلك الضَّغط المحلِّي قد أفلح كذلك في إنجاز غاياتِهِ في مناطق أخرى في سوريا حيثُ، بحسبِ إحصاءِ مصدرٍ محلِّيٍّ، تمَّ التَّوصُّل، خلال العام الماضي، إلى 44 اتِّفاقَاً لوقفِ إطلاقِ النَّارِ في عِدَّةِ أرجاءٍ من البلاد. غير أنَّ تلك الاتِّفاقات تظلُّ، مع ذلك، عرضة لانتهاك النِّظام السُّوري لها، الشيء الذي قد يجعل وجود هيئة الأمم المتَّحدة على أرض سوريا مُهمَّاً.

إنَّ تراجُع الاهتمام الدَّولي العام بالمذبحة الجارية على أرض سوريا قد أضحى عائقاً على سبيل إنهائها. لذا يغدو البديل الوحيد لعملٍ عسكريٍّ غيرِ فعَّالٍ ومُنطوٍ على مخاطرٍ عدَّة هو إنفاذ دعم دولي جاد لجهود الشَّعب السُّوري الفعليَّة الهادفة إلى وقف العنف بالبلاد.

* صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية، عدد 14/15 أبريل، 2018م. العنوان الأصلي: We Are in Danger of Repeating Past Mistakes in Syria .
** تشغل الكاتبة الصحفية منصب مديرة وحدة أبحاث النزاعات والمجتمع المدني بمدرسة لندن للعلوم الاقتصادية London School of Economics.
*** مراسل صحفي وكاتب إبداعي وأكاديمي له العديد من المؤلفات الشعرية والأدبية والفلسفية المنشورة.
أضف رد جديد