مندي بنت السلطان عجبنا - الأستاذ حامد موسى.

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
الخير محمد حسين
مشاركات: 469
اشترك في: الجمعة أكتوبر 06, 2006 2:15 am

مندي بنت السلطان عجبنا - الأستاذ حامد موسى.

مشاركة بواسطة الخير محمد حسين »

#مندي بت السلطان عجبنا . . .

*الأستاذ حامد موسى مراهد يوثق:*

_*من هي مندي التي صارت لحنا حماسيا؟*_

كنا مجموعة في فرقة الموسيقى العسكرية في معهد التربية بالدلنج نتدرب على العزف وخاصة (المارشات) العسكرية لمرافقة (فصيل السونكي) بالمعهد والمشارك في احتفالات اليوبيل الذهبي لمعهد (بخت الرضا)، *من بين المارشات المحببة إلينا وكنا نطرب كثيرا لإقطاعه، مارش (مندي) أو (نوبا سلارا)،* تلك المعزوفة العسكرية الأكثر شهرة بين المارشات العسكرية والتي تعزفها كل الفرق العسكرية في السودان.
أثناء تدريباتنا على العزف، وقف أمامنا أستاذنا المرحوم (على جلدقون) ذلك الإنسان النبيل الجميل الرائع وسألنا عن اسم المعزوفة، فأجبنا بكل ثقة: مندي، فأضاف:
*ومن هي مندي؟* هنا كان جوابنا صمتا.
فعلا لم نكن ندري من هي مندي، بل لم نفكر حتى في البحث عن سر هذه التسمية.. فقط كنا نطرب للحن والكلمات:
*_كرو كونجا كو دون دالي_*
*_مندي كورو كونجا كودون دالي_*
*_اووووو.. دالي.. دالي_*
*_كورو كونجا كودون دالي_*
حكى لنا عنها وعن أسطورتها البطولية فكانت دهشتنا كيف ولم لم يوثق لهذه الشخصية النادرة البطلة المقدامة؟
وكم زادت دهشتنا عندما أضاف:
*هل تعلمون إنها من قبيلة النيمانج وإنها اليوم حية ترزق،* وأنكم منها على بعد بضع أميال؟ وقال بعد أيام سيكون هنالك (سبر) عند النيمانج ويمكنكم زيارتها.
وذهبنا مجموعة لحضور (السبر) وقدمنا الأستاذ جلدقون للأخ حسن كنده كربوس الذي سعد ورحب بنا كثيرا عندما عرف بسبب زيارتنا لهم *وقادنا إلى دار الوالدة مندي.* والتي خاطبها (بالرطانة) معرفا بنا، فما كان منها إلا أن رحبت بنا بحرارة بالغة. عجوز ولكنها ذات شخصية مهابة وقوام متماسك رغم تقدم العمر، ووجه لا أزال أذكره.. كله فرح وسعادة.. إبتسامة كانت أعذب ما رأيت في وجه حفر الزمن عليه آثارا لا تخطئها العين.. صافحتنا بيد فيها بقية من قوة وبترحاب مقرون بابتسامة جميلة كشفت عن أسنان كاملة وناصعة.
دار بيننا حديث طويل عن دورها في تلك الثورة التي قادها *والدها الشهيد السلطان (عجبنا) والذي أعدمه المستعمر شنقا..* تحدثت ببساطة النبلاء عن *حب الوطن وبغض المستعمر واستسهلت الموت من أجل التراب..*
جلسة طويلة وحديث ذكريات لا يمل إلى أن شارفت الشمس على المغيب، وخرجت معنا مصرة على وداعنا خارج الدار، ومشت معنا حتى ساحة الاحتفال.
ما أن شاهدها أحد مصارعي القبيلة حتى اندفع نحوها في حركات تعكس القوة والفتوة يهز فيها ويبشر ويستعرض عضلاته، *فما كان منها إلا أن أطلقت زغرودة ترحب به، زغرودة في قوة لم نصدق أنها تخرج من هذا الجسم الذي أنهكته الأيام، فكان لصدى زغرودتها فعل السحر في الجميع..* اهتاج الشباب وتجاوبت معها صبيات النيمانج الجميلات بفيض من الزغاريد. أحسسنا أن هاماتنا قد زادت ارتفاعا ونحن إلى جوارها في تلك اللحظة.
وودعنا الوالدة مندي..
*_هذه هي مندي.. مندي بت السلطان عجبنا بن أروجا بن سبا، سلطان النيمانج.._* وسلطان تلك البقعة الواقعة بالقرب من مدينة الدلنج والتي تضم مناطق كرمتي، النتل، تندية، سلارا، حجر السلطان والفوس وهي المنطقة التي دارت فيها رحى المعركة بين قوات المستعمر البريطاني وجنود السلطان عجبنا.
*كانت مقدمة المعركة أن (كمن) أبطال القبيلة لمفتش مركز الدلنج (هتون) في حجر السلطان وأردوه قتيلا،* الأمر الذي أثار غضب السلطات فدفعت بقوة مزودة بأحدث آلة عسكرية وقتها وبكل العدة والعتاد بقيادة المقدم (سميث) في نوفمبر 1917 لمقاتلة ثوار النيمانج، ورغم تفوق آلة الحرب البريطانية إلا أن فرسان النيمانج أبلوا بلاء الأبطال وهم يقاتلون قوة تحاصرهم من ثلاث جهات.
وصلت أخبار هذا الحصار الدامي والقوة الضاربة إلى مسامع مندي فما كان منها إلا أن *(تحزمت) وحملت بندقيتها وربطت ابنها على ظهرها وتوجهت لأرض المعركة* وقد فشلت كل المحاولات في منعها من الذهاب خوفا عليها.. وصلت مندي أرض المعركة وما أن شاهدها أبطال القبيلة حتى تعالت صيحاتهم، *فاندفعت مندي إلى الصفوف الأمامية تقاتل بضراوة، وتغني بأعلى صوتها تشجع فرسان القبيلة،* والذين أعادت لهم مندي الروح المعنوية وقوة القتال بعد معاناة الحصار ولم يقعدها عن مواصلة القتال مصرع طفلها وهو على ظهرها برصاصة من العدو، بل وفي المساء عندما يهدأ القتال ويركن الفرسان للراحة كانت تواصل سندها لهم بتضميد الجراح، والمشاركة في صنع الطعام. حتى أقوى فرسان قبيلتها كانوا يعجبون من شجاعتها ونشاطها الذي لا ينقطع صباح مساء، *_لذلك تغنوا بهذه الفروسية النادرة فكانت كلماتهم هي كلمات الأغنية التي تحولت فيما بعد إلى مارش عسكري يخلد ذكراها إلى اليوم._*
وكلمات الأغنية تحكي عن مندي التي تقاتل كالفرسان وتعالج وتطبخ...
وتنتهي المعركة بأسر والدها السلطان عجبنا ويتم إعدامه شنقا على شجرة بمدينة الدلنج في صباح يوم 27/12/1917.
*_هذه هي مندي المقاتلة المناضلة،_* والتي لم ينصفها التاريخ ولم ينصفها أهل التوثيق في بلادي، مما جعلها مجهولة لأغلب الشعب السوداني، وهي نجم سطع وهاجا . . .
#اللغة_النوبية_الخير_ابنعوف
أي أحمق يمكن أن يعقد الأمور ، ولكن تبسيطها يحتاج إلى عبقري.
أضف رد جديد