أسس محاكمة الإسلاميين

Forum Démocratique
- Democratic Forum
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »


أولا: ممارسة التعذيب والاغتصاب هي عملية رسمية وتتم بشكل متواتر داخل مباني جهاز الامن، من المعلوم ان ارتكاب الجرائم ضد المحتجزين تحت أي نوع من الاحتجاز يثبت بلا ادني شك ان السلطة التي تحتجزهم هي التي اعتدت عليهم. هذه النقطة تقودنا الي ان

الجهة التي تحتجزهم تعلم او لديها ما يحملها علي العلم او تقوم هي بتوجيه بإصدار الأوامر بارتكاب الفعل. فالمعلوم ان التدابير المعتمدة لحماية المحتجزين أصبحت الان عالمية ومن ابجديات ضوابط الاحتجاز وهي بديهية يعرفها أصغر رتبة جندي مكلف بأمر الحراسة والقبض سواء كان في

السودان او في تشاد او في بنما. ويمكن للمواطن العادي ان يلاحظ مثلا ان هنالك دفتر في كل كاونتر قسم بوليس منفصل يسمي دفتر القبض ودفتر اليومية. هذه الدفاتر يدون فيها تاريخ القبض وساعة القبض والشخص الذي نفذ امر القبض. حتى في الحالات التي يأتي فيها رجال المباحث

الي الجندي المسؤول من الحراسة ويطلبوا اخراج شخص محدد ليقوموا بتعذيبه، يحرص هذا الجندي علي اخلاء مسؤوليته الشخصية بان يوقع الشخص الذي يستلم المحتجز وساعة استلامه. هذه الدفاتر تعبأ بشكل روتيني وكثيرا ما كانت سببا لإدانة رجال البوليس المتورطين في التعذيب،

كما ان وجود الحراسات في قسم بوليس مفتوح للعامة يسهم في حماية المحتجزين حيث يتعرف ذويهم ومحاميهم على ظروف احتجازهم. هذه هي القيم العالمية التي ورثناها عن الحضارة الغربية فهل اوجد لنا الإسلاميين الطريقة الأكثر رحمة ورأفة وعدالة في حماية المحتجزين.
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »


ثانيا: في كثير من الحالات كان الإسلاميين قد نفوا ارتكابهم لجريمة التعذيب والاغتصاب في مباني جهاز الامن، وهو رفض بلا أساس،

لا نريد ان نستدل هنا بشهادات شهود وتقارير. فما يهم هنا التمسك الذي اعتمدناه في البدء هو اين الفعل من أسس حكم القانون والمؤسسية؟ حتى نحاكم الإسلاميين علي

اساس برامجي كونهم اوجدوا الظروف التي تمكنهم من ارتكاب جريمة التعذيب بل وتمكن مرتكبي التعذيب من الإفلات من العقاب. فلان المعلوم ان جهاز الامن لديه

حراسات خاصة وليست عامة كما في اقسام البوليس، وهو امر مقصود كما ذكرنا ان اول ضمانات سلامة المحتجزين تبدأ بإتاحة الفرصة

لمقابلته وعدم احتجازه بشكل سري. ربما يلاحظ ان هذه الضمانات التي تعرفها الأمم المتحدة بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، فهي لم تصبح حقوق عبثا

لكن لاحظنا قيمة واهمية التمتع بها في حماية الشخص. فوضع الشخص في حراسة يمكن فيها زيارته بواسطة ذويه او محامي هو اول

الضمانات لحماية المحتجز. لكن مشروع الإسلاميين يتعمد وضع المحتجز في حراسة في مكان لا يمكن ان يصل اليه محامي او ذوي الشخص المقبوض.

هذه نقطة مهمة في برنامج الإسلاميين حول التعذيب، هذه البديهيات تكشف ان الإسلاميين لم تمنعهم الموارد من عدم احتجاز الأشخاص في أماكن

سرية. فالشخص يمكن ان يبرر فشله في تطبيق برنامجه الاقتصادي او الصحي وما الي اخرة بسبب نقص الموارد لكننا لم نسمع ان شخص وجد كلفة

في اتخاذ تدابير لحماية الحقوق الأساسية لسلامة المحتجزين
.
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

علي عجب كتب:تتجربة الإسلاميين بالحكم خارج كل الأطر المعروفة لمبادئ حكم القانون نظر اليها العديد من المفكرين بانها مثل قيادة سيارة بسرعة عالية بدون فرامل. والنتيجة الان هي ان الاسلامين كان من الواضح انهم سيحطمون الدولة بمن فيها لكن هذه الأيديولوجيا ستقضي على التنظيم في نهاية الامر


والواضح الان ان الإسلاميين بعد ان أدركوا مرحلة الازمة توصلوا الي ان اصلاح الخراب أصبح مستحيل فكان تهريب الأموال والاتجاه الي دول تضمن لهم عدم المساءلة واسترداد الأموال في المستقبل، وانخرط البعض في محاولات الاندماج مع المجموعات التي تعارض النظام وغيرها


من تدابير القفز من المركب المشرفة على الغرق. تفقد ورطتهم وفق الأسس التي اداروا بها الدولة امر مهم، لاستيعاب الازمة في شقيها، شق المعارضة والمجتمع المدني الممزق والشعب الذي سحقه الفقر وحالة الإسلاميين وهم يقفون على أنقاض دولتهم كمن يطأ لغم ارضي.


وفي امر الغطاء الأيديولوجي الذي ادخل منه التنظيم تسويق الفساد، فالمال العام لديهم لا يهم كيف اخذ، حيث نسميه نحن اعتداء على المال العام، لكن المهم لديهم هو من اخذ المال؟ وهل للتنظيم نصيب من ذلك المال؟ ولن تحوجنا الامثلة فالعديد ممن اتهموا بالاستيلاء على المال العام


كانوا قد ادعوا صرف تلك المبالغ لصالح اعمال التنظيم ولذلك تتم تسوية الامر داخليا في إطار البحث عن المبلغ الذي اخذه لنفسه مقارنة بما اخذه التنظيم او اخوته من الاسلاميين وهذه ثغرة اتسعت في ممارستهم الي درجة قوضت اركان الدولة وافشلت كل خططهم في السير بالحكم.


ولذلك نلاحظ ان هذه الاعتداءات على المال العام يتم تسويتها وديا وليس جنائيا كما هو معروف قانونا ان الاعتداء على المال العام مسؤولية جنائية فأما ان تحل على طريقة "خلوها مستورة" او مؤخرا بطريقة " التحلل". بتوصلنا الي مكمن الفشل عن طريق كشف مثالب عدم


موضوعية النظام الذي اتبعوه نكون قد وقنا على ان المبادئ التي أرادوا تطبيقها لا تصلح لإدارة الدولة بل تتقاصر عن ابسط ما توصل اليه إدراك الإنسان العادي في فهم الإدارة، وبالتالي فإن حكمنا على هذا المشروع مبني في الأصل على طريقة تركيب عناصره وتطبيقه وبالتالي


لسنا معنيين بما إذا كان نظاما إسلاميا او لا دينيا وما إذا كانوا مفسدين ام رساليين.

علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »


أسس محاكمة الإسلاميين
كثيرا ما نسمع السودانيين يصفون الإسلاميين بأنهم لصوص وقد استشري الفساد في عهدهم وأصبحت أموال الدولة سائبة بينهم. كما نسمع انهم غلاظ ودمويين وقد مارسوا التعذيب بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان. عند سماع مثل هذه التوصيفات ينتابني شعور بان هذا مجرد تنفيس عن غضب او رد فعل يخرج في شكل شتيمة ولكنه لا يشرح الحقيقة. لذلك أحاول هنا المساهمة في تقديم وجهة نظر ادعي انها موضوعية في محاكمة نظام الإسلاميين من خلال التعرف على منهجهم بفرضية ان المنهج هو المسؤول وان ما حدث هو نتيجة حتمية لتطبيق ذلك المنهج.
اري اننا قد بلغنا مرحلة الحصاد في تجريب تطبيق "الشريعة الإسلامية" وحكم الإسلاميين في بلادنا على الرغم منا وما تمنيناه لمستقبل بلادنا، فلدينا الان ما يمكننا من القول وبكل اطمئنان بان لدينا ما يكفي من الأساس النظري والعملي لجرد حسابنا "الختامي" مع الإسلاميين في السودان. فلا اظن ان هنالك نظرية معرفية تطالبنا بأكثر من خبره ما يزيد عن ربع قرن امضيناها "كحالة" خضعنا فيها لتطبيق نظرية الإسلام السياسي. فمنذ اليوم الذي تمكنت فيه المليشيات الحزبية مسنودة بعناصر الإسلاميين داخل القوات المسلحة من الانقلاب على الحياة الدستورية في السودان في ليلة الثلاثين من يونيو 1989 انفرد الإسلاميين بكل مفاصل السلطة في السودان، وكانت لهم مطلق الإرادة في كل الأفعال التي اقترفوها والخطط والبرامج التي قاموا بتنفيذها علي ارض الواقع السوداني، وبالتالي انفردوا بالتحكم في حياتنا طوال هذه الفترة بما مكنهم من تجريب كل الأفكار التي كانت تعتمل في ادمغتهم عن الحكم بل والتي انتابتهم في حالات غطرسة. هذا ليس من باب المبالغة فالناظر الي الكيفية التي احالوا بها الحياة السودانية من الواقع الي ما يفوق الخيال تدل علي انهم قد اطمأنوا الي درجة ان جربوا حتي العبث، فبلغوا في تطبيق أفكارهم حد تلمس التجريب الحر الارتجالي والامثلة على ذلك كثيرة مثل "البكور (تراجعوا عنه)، العرس الجماعي (سكتوا عنه)، بصلة الشهيد (انفصل الجنوب)، عرس الشهيد (اقر شيخ الترابي انهم فطائس)، الدفاع الشعبي (اصبح مليشيا الدعم السريع)، الدفاع بالنظر (لم يعتذر بعد)، التوالي (تخلي عنه الترابي قبل وفاته بما اسماه "بالنظام الخالف" ....الخ) كما مارسوا حرية مطلقة في التفنن في جبي الأموال من الشعب فكان ان اختلقوا رسوما وإيصالات بلغت في غرابتها حد انها اصبحت مدعاة للتندر بين المواطنين.
لكي نبدأ من نقطة موضوعية، يكون هذا الجرد علي أساس موقفهم وبرنامجهم من القضايا المفصلية، وهي "حكم القانون والحقوق والحريات". فتوقيت هذا الجرد يستدعي بالطبع واقعة انطواء صفحة عرابهم حسن الترابي الذي كرس كل سني عمره الطوال من اجل الوصول الي لسلطة حتى يبسط سلطانه علي عباد السودان ومن ثم ليجرب فيهم نسخته الخالصة عن الحكم علي أساس الدين وقد فعل، فهذا الجرد الان بعد رحيل هذا الشيخ يعادل واقعة قفل السنة المالية لدي المراجعين القانونيين، خاصة وان اخر شعارات معاداة الغرب (أمريكيا روسيا قد دنا عذابها على ان لاقيتها ضرابها) قد انطوت بالفرحة العارمة التي انتابت الإسلاميين برفع العقوبات الامريكية. وشعار بين (ليبيا والسودان والعراق واليمين وثبة الي الامام) لا تحتاج مالاته الي تعليق اللهم لا شماتة، لذلك يمكننا ان نخضع الإسلاميين الآن لمحاكمة معرفية ومبدئية بشأن مسؤوليتهم عن اطروحاتهم وبرامجهم التي قاموا بتنفيذها خلال ثمانية وعشرين عاما من عمرنا القصير، وقد اكتملت كل حلقات مشروعهم وانتهت عمليات تطبيقه ومحاولات إصلاحه وترميمه وحتى إعادة انتاجه.
حكم القانون:
من المهم جدا طي صفحة الإسلاميين بتقييم موقفهم من "حكم القانون والحقوق والحريات" وحكم القانون كما هو معلوم هو مفهوم على اتساعه فهو معرف بشكل منضبط كما سنشرح لاحقاً من خلال التطبيق العملي على وقائع وبينات فترة حكم الإسلاميين، وهو بذلك يصلح كمعيار موضوعي للتعرف على طبيعة برنامجهم الذي طبقوه بحذافيره. فالأصل ان السودانيين قد غيروا نظاما ديكتاتوريا بائساً من قبل هو نظام جعفر نميري الذي استمر يضرب بيد من حديد في جماجم أبناء السودان لمدة ستة عشر عاما، وارتضوا نظاما ديمقراطياً من انتخابهم الحر النزيه وبالتالي فالإسلاميين وقد كانوا جزء من اختيار السودانيين لذلك النظام المنتخب، لكنهم نقضوا عهدهم مع اخوتهم السودانيين حول الدستور الذي ارتضوه لا نفسهم. هذه نقطة جوهرية فالتوقف عندها بما يكفي من تحليل كفيل بان يؤسس منصة اصدار احكام على كل جزئيات فكر وتطبيق الإسلاميين على أساس القاعدة الأصولية في الاثبات " بان ما بني علي باطل فهو باطل". فالسؤال هنا يبدأ بماهية مشروعية القيام بانقلاب على النظام الديمقراطي بدعوى تمكين شرع الله بالقوة؟ فالإسلاميين يواجهون مسائلة أخلاقية ومساءلة دينية في آن، وقد لاحظنا انهم يفضلون القول بأنهم لم يكونوا اول او آخر من قام بانقلاب في تاريخ السياسة السودانية، هذا مقبول استنادا الي منطق اننا مثلكم نفعل ما تفعلون. اما من الناحية الدينية فانهم بحاجة بالضرورة الي إجابة حول ما إذا كان الله سيجيز هذا الامر باعتباره مسعي لتثبيت احكامه في الأرض وبالتالي فهو موقف من الديمقراطية. فالمسلم يملك بذلك حق قهر الآخرين وان كانوا مسلمين كما في حال السودان.
على الرغم من وضوح هذه الأسئلة الا ان الإسلاميين قد فضلوا المضي في اقصاء الآخر على حساب القيم الأخلاقية التي تربطهم بأقرانهم من مواطني دولة السودان وفضلوا أيضا التفسير غير الأخلاقي للدين في سبيل الحصول على السلطة. وهذا ليس علة عارضة او براغماتية وانما موقف فقهي اصيل لدي الاسلامين وعلى مستوي الممارسة تجد الدليل علي ذلك في انهم استندوا في إدارة الدولة علي ان كل ما هو قائم لا يجد ادني قدسية لديهم سوي كانت طريقة إدارة الاقتصاد او الجامعات او حتى ضوابط اجراء الانتخابات فلأصل ان يفعلوا ما يجعل السلطة تستمر في أيديهم والفرد من هذه الجماعة يرضي عن نفسه باعتبار ان الله يرضي عنهم لأنهم يسعون الي تثبيت حكم الله في الأرض. هذا امر خضع لتحليلات عميقة عبر مسيرة الدولة الدينية الإسلامية، وكانت المحصلة ان خطورة ذلك النهج انه يؤدي في النهاية الي التخلي عن القيم التي طورها وارتضاها الانسان ضمن تجربة معيشته في الأرض، وبالتالي يكون المنهج البديل قائما على ان التعاقد الاجتماعي سواء في السياسة او أمور الحكم، لا أساس له من الالزام من وجهة منهج الإسلاميين، ويجيبون على ذلك بأنهم مقيدين بعقود اعلي من تعاقدات البشر فيما بينهم وهي عقود تتضاءل عندها مستويات الالتزام مع بني البشر من غير مجموعات الاسلامين. هنا تبدأ مرحلة "الـ نحن والهم" من بقية الشعب من أبناء السودانيين خارج مجموعات الإسلاميين، ليس هنالك مشكلة في ان يكون لأي مجموعة هذا الموقف الأيديولوجي، لكن إذا نظرنا اليه في الجانب الآخر، المواطن الذي يتوقع أسس المواطنة من مساواة وعدالة وانصاف وكرامة، يجد نفسه أصبح خارج حسابات بلده، فما الذي يجعل هذا الطرف الاخر يقبل بهذا الوضع؟ الإسلاميين لا يضعون بالضرورة أنفسهم في خانة الطرف الاخر للنظر الي موقعهم لقياس مدي معقوليته، لذلك ليس لديهم وسيلة للعامل مع اسئلته سوي بإخضاعه لها. هذا تأسيس مهم لفهم يحدث في السودان. فلإسلاميين لا يمارسون القهر واقصاء الآخر لأنهم متعطشين بطبيعتهم لذلك، هذا تبسيط مخل، وضع المعادلة في الإطار الموضوعي يبرز حقيقة الوضع بانه انعكاس للأيديولوجيا الشمولية التي تستبعد الاخر كانسان ولا تستبعده كواقع، والنتيجة هي ان الاخر لا يعامل على قدر من المساواة وليس لديه سوي القبول. والنقطة الجوهرية هنا هي ان عدم اعتراف الإسلاميين بالآخرين ليس درجة من درجات التميز بل هو لايري هذا الاخر في أي خانة تعايش فهي علاقة إزاحة. ويمكن ملاحظة هذه الحقائق في كثير من الوقائع التي توقع فيها هذا الاخر مشاركة او انصاف دون ان يشكل قوة ضغط تصل الي مرحلة الازاحة، فما حدث في دارفور علي سبيل المثال نظر اليه الإسلاميين كخطر إزاحة بوسائل قادرة علي احداثه وهو العمل المسلح لذلك كانت الاستجابة هو حرق المنطقة بأكملها واستلام الأرض كما عبر عن ذلك بوضوح احمد هارون المطلوب للعدالة الدولية " اكسح امسح قشو ما تجيبو حي وسلمونا نضيف ياخوانا" في جنوب السودان أرادوا ان يفعلوا نفس الشيء لولا ان الحركة الشعبية تصدت للإبادة الجماعية بطريقة لم تكن في الحسبان، في جبال النوبة ابيدت شعوب بأكملها لكن لم تجد حظها من التعريف، في بورتسودان في سبتمبر في الخرطوم كانت الإرادة التي توجه العنف ليس ليها ادني حد سوي الازاحة وان قضوا علي الشعب بأكمله.
ولنكون موضوعيين في تقييم نظام الإسلاميين ينبغي ان نمنحهم فرصة الاستفادة من بعض نقاط الضعف في تفكيرهم وتركيبة مؤسساتهم بما أسهم في ارتكابهم لهذه الممارسات. مثل حقيقة انه كانت لشيوخهم طموحات عظيمة حول ما يمكن ان تفعله لهم السلطة الدينية لذلك أسقطوا في سبيل مخططاتهم من اجل الوصول الي السلطة كل الافكار الانسانية والاخلاقية التي تبرر بقاء اي مجموعة في السلطة واولها ان يقبل المحكومين طوعا بالحاكم. لكنهم بالمقابل وضعوا كل امكانياتهم المادية والبشرية والمعرفية بما فيها الحيل والمؤامرات والكذب وفقه الضرورة من اجل الوصول الي السلطة، وهذا امر لم ينكره قائد الفكرة الشيخ الترابي في تسجيلاته الحديثة لقناة الجزيرة في برنامج شاهد علي العصر، حيث ذكر انه لم يكن من ضمن تعاليمهم الحزبية التعريف بالأمانة والحفاظ علي المال العام، هذا التفاف من الترابي لشراء عبارات تنصل فضفاضة كعادته، لكنه يعني انه وصل الي السلطة بتنظيم تجاهل هو عن قصد مسألة بناءه علي أساس المبادئ الأخلاقية ومن ضمنها طريقة سعيه ووصوله الي السلطة، وهو امر واقع لأنه يدرك ان الانقلاب وسيلة غير اخلاقية وغير ديمقراطية للوصول الي الحكم وكونه عمل غير أخلاقي لا يشفع القول بانه قد فعله اخرين، والحقيقة التي لم يعيها او تعامي عنها شيخ الترابي هي ان الامر ليس امر تعاليم تم نسيانها، وانما الأيديولوجيا المتبعة تتناقض مع هذه التدابير، فعضو التنظيم وتنظيمه بحكم موقعهم الأعلى من موقع المسلمين الاخرين يجعله في حل عن قيمهم الدنيوية. فالسرقة وفق هذا النهج يمكن تعريفها بشكل مختلف عن المألوف لان اخذ المال العام مثلا هو أخذ من بيت مال المسلمين أو اخذ لمال الاخرين غير المنضمين للمجموعة وبالتالي يعتبر مجرد اختلاف في توجيه الموارد. فطريق الإنقاذ الغربي مثلا تم توجيه موارده عن طريق الشيخ علي الحاج الي التنظيم او افراد التنظيم وبالتالي ليس هنالك مساحة حتى للتفكير في السرقة إذا كان على الحاج قد صرف المبلغ على التنظيم نفسه بطريقة غير صحيحة بمعايرنا.
عودة الي فكرة الإسلاميين عن السلطة، فقد كانت فرحة الاسلاميين بالوصول الي السلطة عظيمة بتحقق الحلم بنجاح انقلاب 30 يونيو 1989 والإطاحة بالنظام الديمقراطي. وهو شيء ينسجم مع ما ذكرناه من أنهم كرسوا كل حياتهم من اجل هذا اليوم. وقد كان الشباب من الإسلاميين في زهوهم أيام الانقلاب الاولي قد تشاهقت طموحاتهم وارتدو زي العمليات العسكرية المبرقع وبدأوا يتعاملون مع السلطة وهم في حالة نفسية تتعلق بفكرتهم عن السماء أكثر من الأرض. تبقى الحقيقة هنا ان هذه الافكار كانت حاضرة فيما يقرؤونه من كتب صفراء تعشعش في خيالهم، فكانت ارض السودان نفسها التي خبرناها بتسامحها وتعددها تعني لهم في تلك الايام يثرب القابعة في اضابير التاريخ. وربما يقول قائل ان ما كانوا يفعلون لا علاقة له بدولة فجر الإسلام. والحقيقة فان هذه النقطة هي الفيصل في سعينا لتقييم سلوك ومواقف الإسلاميين، لان التقييم يجب ان يبدأ من حيث الاقرار بأنهم يستمدون معظم معارفهم من المصادر الدينية وانهم وفق هذا المنهج متدينين غض النظر عن اتفاق او اختلاف المسلمين الاخرين مع طريقة تفسيرهم للدين أو مستوي تدينهم. لان هذه الاختلافات لا تعنينا كثيرا على تشعباتها فمن الممكن ان يقول قائل ان الإسلام دين التسامح وبالتالي غلظتهم ليست من الإسلام في شيء وما الي ذلك. لكن الأهم اننا لا يمكن ان ننكر ان الإسلاميين يؤسسون لهذا السلوك ويستمدون تأثيراته النفسية من المصادر الإسلامية نفسها على اتساعها. هذه حقيقة قائمة بذاتها فالمصادر الإسلامية توفر سند الشدة والغلظة وتجاوز الاخرين، والتسامح وعكسه في ظروف مختلفة، فان بحثت عن مبررات ذلك في حالتهم فلن يعوذك توفر المبررات من الكتاب والسنة وان كنت مستسلما بالطبع توفر لك ايضا جانب اللين واللطف، وهذه هي النقطة التي يختلف فيها المسلم الموضوعي عن المسلم الشمولي لان الموضوعي يدرك انه طالما ان هنالك تفسيرات ومناهج عدة واراء مختلفة فان ما يتبعه هو من دين لا يعني ان الاخر يتبني ذلك المنهج لأنه "ضال" بل لأنه وجد في ذلك المكان والزمان مثله مثل الشخص الذي اصبح مسلما واخر مسيحي، وبالتالي جاءت من هذه الجزئية أهمية حرية الاعتقاد ليس للأخرين بل بين المسلمين فيما يروه من مذاهب ومجموعات، وبالعودة الي منهج الاسلامين، فان الحالة التي اعترت إسلاميين لا يمكن فصلها عن صميم معارفهم وثقافتهم الدينية. وهذا يتطلب أيضا النظر في المؤثرات التنظيمية فالتنظيم لم يكن لديه موقف واضح من كل قضايا الحكم بما يعني تفاصيل ادارة دولة في العصر الحديث وان كانوا متفقين مبدئيا في أنهم في حل عن الديمقراطية وكل ماله صله بأسس الحكم وقبول الاخر قبل وصولهم الي السلطة.
رجوعا الي المعادلة السابقة عن الخانة الدنيا التي تركت للآخرين، وخيار المولاة والقهر، يبرز العنف هنا كعامل بديهي حاسم في هذه المعادلة، للاستجابة لموقف الجانب الاخر، العنف هنا رد كفعل بديهي ومعد لاستنكار ورفض الآخرين. وفي حال الإسلاميين بعد انقلابهم فقد كانوا أكثر إدراكا بأنهم ليس لديهم سوي العنف في مواجهة الذين كانوا يشاركونهم السلطة، بل كانوا لديهم نصيب كبير في تراضي قبله الشعب بانتخابات حرة. وبالفعل كانت الجهة الوحيدة التي تبادر الي العنف هي الجماعات الإسلامية وقد كتب الكثير عن لجؤهم الي العنف حتى قبل الوصول الي السلطة مما يؤكد ان العنف منهج قائم من خلال اسانيد دينية ويهززها نهج أيديولوجي متكامل وجد في السلطة فرصة اوسع لتأسيسه، وعمليا وجد العنف جاذبيته من حيث هو وسيلة سهلة لقهر الاخرين مقابل الانخراط معهم في شراكة ندية، لذلك غالبا ما يتهمون مخالفيهم في الراي بالكفر فهو والكفر هنا ليس موقفا دينيا من عقائد الاخرين بل هو عنف لفظي يتبعه عنف فعلي، وهو وسيلة ناجحة في حسم المعارك السياسية للفاشية، هذه كانت تعاليم القادة الذين يمارسون الدهاء في السياسة ويجد الاتباع المباركة من قادتهم عبر الشحنات من السيرة والقران وفقه الضرورة. وقد كان استخدام آلة الدولة بعد الوصول الي السلطة في هذا الجانب واضحا.
نأتي للأيديولوجيا الدينية وتوظيفها لخلق اتباع متعطشين لأقصاء الآخر من نفس المجموعة الدينية والتبرير لقهره وكراهيته، فمن الناحية النفسية فان الاعضاء الذين تمت تعبئتهم علي قصص وأحاديث تمجد استخدام القوة والشجاعة في الجهاد مثلاً جعلتهم يبحثون عن معركة جهادية، وقد كانت حرب الجنوب فرصة استفاد منها الترابي لتحقيق ذلك الحلم لتنفيس الشحنات التي صبها في ادمغة المتعطشين لتلك الأجواء. ولذلك تلاحظ ان اي من قادة الجبهة الاسلامية لم ينخرط في الحرب الجهادية في الجنوب بل بقوا في الخرطوم على الرغم من انهم قد شحنوا اتباعهم الي درجة سافر البعض منهم الي الجهاد في دول اخري. ربما كانت هذه محمدة، فقد استطاعت الحرب تقديم نموذج واقعي لدموية أفكار الإسلاميين، فليس هناك مشركين في تلك الحرب بل وجدوا أناس من بني جلدتهم في قرى نائية لم تصلها أي نوع من الخدمات وليس لهم سوي الحياة على الجمع والالتقاط في احراش الجنوب. فكان ما يعرف الان "بالسائحون" هو اول ارتباكات الإسلاميين، فقد شاهدوا خداع قادتهم فجمعوا من قاتلوا في الجنوب باسم المجاهدين في إشارة الي انهم أصحاب دعوة خالصة يحاولون بها إيجاد رخصة لترويج نسخة اخري ولما وجدوا ان السودانيين قد تجاوزوا ذلك بمراحل عادوا للتفكير في اسم جديد ورسالة جديدة تتقرب للشعب ولكن فاتهم انهم قبل تسويق أنفسهم ان لديهم دين يجب سداده كمجرمي حرب وقتلة طال الزمن او قصر. لكن عموما ستسفر هذه الربكة عن مزيد من المجموعات والأحزاب من شاكلة حزب غازي صلاح الدين الذي خرج بمال التنظيم وسلطانه ليجلس في مقعد المعارضه وغيرها من ردود الأفعال المرتبكة.
حول تقييم موقف الإسلاميين من القضايا الأساسية فإن التعذيب يمثل مدخلا جيدا ليس من حيث الاخلاق وانما ما هي نسخة القانون التي يعترف بها الإسلاميين. فهم غض النظر عما إذا كانوا يحكمون على اساس الإسلام او أي ديانة اخري، فان الفيصل في تقييمنا لحكمهم يستند على موقفهم من كرامة الانسان وحقوقه الأساسية، فمثلا ممارسة التعذيب بشكل مستمر حتى الان تعني بوضوح ان التعذيب جزء من مشروع الدولة الإسلامية، وكذلك الاغتصاب، لا نها ببساطة جرائم ارتكبت وترتكب وفق ظروف تمت تهيئتها من قبل الإسلاميين.
ربما من الأهمية أيضا التعليق على ملاحظة انهم يسعون الان لابتدرا الحديث عن المستقبل وتكهنات مصيرهم وكأنهم قد تركوا الحاضر. فابتدار الإسلاميين للحوار حول مستقبلهم على الرغم من وجاهته الا انه يتم في نفس الوقت الذي يمسكون فيه بكل موارد وسلطات الدولة ويواصلون في حروب الإبادة. فهو في نهاية الامر مسلك يجب ان الوعي بدوافعه فالإسلاميين لا يمكن ان يتخلوا عن العنف ولا يمكن ان ينخرطوا في أي تسوية سياسية، كما بينا في مسألة قبول الاخر والازاحة، الا في حالة واحدة وهي ان لا يكون هناك خضوع لشروط خصومهم. لكنهم ربما أدركوا ان امكان سيطرتهم على المستقبل عن طريق الة العنف قد يأتي بما لا تحمد عواقبه وربما ادي الامر الي ازالتهم من وجه الأرض. بما يوجب الاستعداد لمحاكمتهم ومشروعهم بما يجعل المستقبل في صالح الأجيال القادمة وذلك لا يتم الا بالتعرف على تجربتهم ومفارقاتها مع حكم القانون. فالتأسيس لموقف موضوعي من تجربة الإسلاميين سيعصمهم من عواقب التغيير غير السلمي لكن والاهم انه سيحمي قيم العدالة لأغراض المستقبل. فلإسلامين هم اول الخاسرين في أي مرحلة يحتكم فيها لقيم العدالة وتوازنها المبدئي وهم اول الرابحين ان اعتمد التغير على الة الانفلات وتصفية الحسابات خارج نطاق القانون.
الإسلاميين يعدون أنفسهم في الاتجاهين الان فهم يعملون على ان يكون جزء من منهم ضمن القوي المعارضة ليضمنوا لهم موطئ قدم في أي تغيير قادم، كما انهم ربما يتمكنوا من تقويض فعالية أي تغيير باستخدام أساليب التسويف وشراء الذمم والمواقف، وهي ممارسات لا يفوقهم فيها اسوأ عصابات المافيا. ومن هذا المنطلق فهو رهان يستند علي واقع امكانياتهم وسند من الواقع فلايزال حزب الامة والأحزاب الطائفية والدينية الأخرى تقف موقفا غير مبدئي من التحول الديمقراطي الجذري الذي يسد الطريق امام ممارسة السياسة على أساس ديني وعقائدي وجهوي لان ببساطة هذا مشروعهم وليس لديهم مصلحة في تطويره. في الجانب الاخر فهم يتمسكون بالخيار العسكري بالتحكم عن طريق أجهزة الامن والمليشيات التابعة لها، فيكون لديهم قدرة عسكرية على الأرض اما في منع التغيير الجزري او بتحويله الي فوضي يجعل الجميع في خانة مستضعف. وبالتالي يمكن ان نقول ان المشروع الديني أفسد حياة الاسلاميين أنفسهم بان حولهم مبدأ عدم التحرز من ارتكاب الجرائم الي مجموعات همجية متعطشة للدماء وليس في خيالهم سوي ان يحكموا الصحراء كما كان في عهد الغزوات وحروبات القبائل فهي لا تدعوا الي التنمية وبناء الحضارات وبناء الدولة علي أساس المؤسسات وانما تسعي لان يكون السلاح والقتل هو الفيصل في ابقاءهم على رقاب الاخرين. فالإسلاميين يتعاملون مع التطرف على أساس انه قنبلة زريه موقوتة يلوحون بأنهم جاهزين لإطلاقها عليهم وعلى اعداءهم.
مشروع دولة إسلامية
ربما احتجنا لبعض الاسانيد الموضوعية لنقول بان الإنقاذ قد وصلت الي اخر مرحلة يمكن ان يصلها أي مشروع من حيث التطبيق. فقد جاء الإسلاميين الي الحكم في عام 1989 وقد أعلنوا الجهاد ضد المواطنين في جنوب السودان باسم محاربة الحركة الشعبية وجيشوا أبناء الشعب السوداني الي الدرجة التي كنا نشاهد فيها بروفسور طاعن في السن قد اجبر مقابل ان يستمر في تدريس طلابه ان يرتدي الزي العسكري "المبرقع" وقد حملوه قسرا الي ساحات التدريب في الدفاع الشعبي وبعضهم الي "ساحات الفداء" حيث خيروا الشعب بين المهنة والشارع. ولم يكن الامر تجريبا عاديا فقد اتسم بغلظة وتشفي لم يألفها السودانيين، فقد كانت الغلظة في التعامل مع السودانيين بعد ان دانت لهم البلاد تحت فوهة البندقية قد اصابت السودانيين بالحيرة، ويمكن ان نقبل ما يطلقه البعض علي هذا السلوك بانه حقد، لكن اذا مضينا ابعد من ظاهرة للتعرف علي دوافعه نجد انه نتاج احباط من الرفض الصارخ الذي يواجه به مشروعهم وليس لديهم فرصة لإقناع الاخرين بقبوله لانه مصمم علي استبعادهم وبالتالي يتغذى هذا الموقف النفسي من مجمل الاصطدامات الكبيرة للمشروع والتحديات الشخصية التي يخوضها الافراد في مسيرة حياتهم العادية وربما ينتاب البعض منهم ان ما يفعلونه غير معقول لكن تحملهم المصالح مع التيار والمصالح في ظل الأنظمة الاقصائية تجرف حتي المعارضين فالانسان يجب ان يعيش وعليه ان يقابل حوجاته الطبيعية والتزاماته العادية. فمثلا قبضوا منذ اليوم الأول على كل شخص كان معروفا لديهم بانه يهتم او يعمل بالسياسة ومنهم من تم تعذيبه وادخلوه الي بيوت الاشباح وبعد ان يخرج يجد نفسه قد طرد من العمل بما اسموه الصالح العام فامتلات عواصم العالم بأبناء السودان الهاربين من اوطانهم ولكل منهم قصة يشيب لها الولدان. الي ان تفرخت مناطق اللجوء الاولي ناشرة السودانيين في كل بقاع الأرض. لكن ينبغي ان ننظر الي هذه الغلظة في سياقها المتماشي مع منطق الانقلاب باعتباره سيقابل معارضة واسعة ومن منطق انهم في الاصل يدركون ان الامر يتطلب اقصاء كل الشعب السوداني ربما نقل كانوا يرون ان تلك مرحلة ضرورية لتثبيت النظام. فالنقطة المهمة هنا في دعمنا لان تلك كانت الورطة الاولي ان النظام حتى الان لم يصل الي مرحلة تثبيت سلطته بما يستدعي التخلي عن العنف واقصاء الاخرين.
الأيديولوجيا والفساد
عودة الي موقف الإسلاميين من حكم القانون، كثيرا ما نسمع القادة السياسيين في المعارضة يصفون الإسلاميين بأنهم فاسدين لأنهم قد اعتدوا على المال العام، وانهم مجرمين لانهم قد ارتكبوا الجرائم بحق الشعب، فيصفونهم بالمجرمين واللصوص وغيرها من الاوصاف التي تؤدي الي تسطيح فكرة فهم طبيعة النظام ، لا تصلح هذه الاوصاف في عملية تقييم نظام الحكم وفق المنهج الذي ذكرناه، لا بد من الانتباه الي ان الاسلامين قد ارتكبوا جرائم الفساد والاعتداء على المال العام ليس لانهم لصوص ومجرمين بطبيعتهم كنوع من البشر، الاسلامين فسدوا وارتكبوا الجرائم لأنهم قد بنوا نظامهم علي أسس وفرت الأرضية لحدوث هذا الاعتداء علي المال والحقوق في مجملها وهي في الأصل تعود الي مفارقة أسس حكم القانون ومن ضمن افرعه الأساسية هنا " المؤسسية والمحاسبية والشفافية في إدارة شؤون الحكم" حيث عمدوا الي إزالة عناصر المؤسسية واستبدالها بالثقة في "القوي الامين". وهو امر متعمد لان ممارسة الفساد لا يمكن ان تحدث في ظل المؤسسية دون محاسبة. فالترابي قصد ان تقوم الدولة علي أساس سائب من "المولاة" حتى يستطيع التنظيم ان يديرها على هواه، فسلطة الشيخ في دولة القوي الأمين تتعدي الأطر المالية والمحاسبية وموضوعية المؤسسات والطرق الموضوعية في اتخاذ القرارات. فالملاحظ الان ان الفساد يرتكب دون محاسبة فهنا لا يوجد معني للمال العام وانما هو مال دولة المسلمين فان اخذ منه القوي الامين في سبيل تقوية التنظيم او في سبيل تسهيل أمور التنظيم فهو ليس اعتداء على المال العام كما نفهمه نحن. فالشخص الذي يعتدي على المال العام قد يجد صعوبة في ارتكاب الجريمة في ظل نظام مؤسسي لانعدام الثقوب وحتى في حال وجود ثغرة يمكن الاعتداء من خلالها على المال العام فان الامر سيكتشف من خلال السير الطبيعي للعمليات الإدارية التي يمارسها النظام المؤسسي بشكل روتيني كجزء من طبيعته ودورة حياته، وبالتالي حينما يتم كشف الفساد تشير الدلائل بوضوح الي موطن الخلل وتشير الي الفاعل بل وإمكان اثبات الجريمة على الفاعل. فعمد الاسلاميين الي ان يكون التصرف المالي في يد القوي الأمين الذي لا داعي لوضع أسس إدارية ومحاسبية تضبط اداءه والقصد منها رفع الكادر الإسلامي الي مرحلة اعلي من القانون واللوائح. فلا يمكن ان نسمي الإسلاميين لصوص لان هذا يجعل وكان المسؤولية تتعلق بكونهم بشر ضعيفي النفوس، والتقييم الموضوعي لمحاكمة الإسلاميين يجب ان يتم على أساس التجاوزات التي تعمدوا إحداثها "كتنظيم" في بناء الدولة وهي الأسس المرعية في المؤسسية والشفافية والمحاسبة. نعتهم بأنهم ضعيفي النفوس وقتلة هو قفز لمحاكمة الافعال ولنتيجة تحجب السبب.
تجربة الإسلاميين بالحكم خارج كل الأطر المعروفة لمبادئ حكم القانون نظر اليها العديد من المفكرين بانها مثل قيادة سيارة بسرعة عالية بدون فرامل. والنتيجة الان هي ان الاسلامين كان من الواضح انهم سيحطمون الدولة بمن فيها لكن هذه الأيديولوجيا ستقضي على التنظيم في نهاية الامر والواضح الان ان الإسلاميين بعد ان أدركوا مرحلة الازمة توصلوا الي ان اصلاح الخراب أصبح مستحيل فكان تهريب الأموال والاتجاه الي دول تضمن لهم عدم المساءلة واسترداد الأموال في المستقبل، وانخرط البعض في محاولات الاندماج مع المجموعات التي تعارض النظام وغيرها من تدابير القفز من المركب المشرفة على الغرق. تفقد ورطتهم وفق الأسس التي اداروا بها الدولة امر مهم، لاستيعاب الازمة في شقيها، شق المعارضة والمجتمع المدني الممزق والشعب الذي سحقه الفقر وحالة الإسلاميين وهم يقفون على أنقاض دولتهم كمن يطأ لغم ارضي.
وفي امر الغطاء الأيديولوجي الذي ادخل منه التنظيم تسويق الفساد، فالمال العام لديهم لا يهم كيف اخذ، حيث نسميه نحن اعتداء على المال العام، لكن المهم لديهم هو من اخذ المال؟ وهل للتنظيم نصيب من ذلك المال؟ ولن تحوجنا الامثلة فالعديد ممن اتهموا بالاستيلاء على المال العام كانوا قد ادعوا صرف تلك المبالغ لصالح اعمال التنظيم ولذلك تتم تسوية الامر داخليا في إطار البحث عن المبلغ الذي اخذه لنفسه مقارنة بما اخذه التنظيم او اخوته من الاسلاميين وهذه ثغرة اتسعت في ممارستهم الي درجة قوضت اركان الدولة وافشلت كل خططهم في السير بالحكم. ولذلك نلاحظ ان هذه الاعتداءات على المال العام يتم تسويتها وديا وليس جنائيا كما هو معروف قانونا ان الاعتداء على المال العام مسؤولية جنائية فأما ان تحل على طريقة "خلوها مستورة" او مؤخرا بطريقة " التحلل". بتوصلنا الي مكمن الفشل عن طريق كشف مثالب عدم موضوعية النظام الذي اتبعوه نكون قد وقنا على ان المبادئ التي أرادوا تطبيقها لا تصلح لإدارة الدولة بل تتقاصر عن ابسط ما توصل اليه إدراك الإنسان العادي في فهم الإدارة، وبالتالي فإن حكمنا على هذا المشروع مبني في الأصل على طريقة تركيب عناصره وتطبيقه وبالتالي لسنا معنيين بما إذا كان نظاما إسلاميا او لا دينيا وما إذا كانوا مفسدين ام رساليين.
الأيديولوجيا والآخر
في جانب اقصاء الاخرين، إذا انصرف تركيزنا على انهم شردوا العاملين في الخدمة من غير الإسلاميين ليقوموا بتعيين الإسلاميين في مكانهم، يجب ان ندرك اننا بذلك نقول نصف الحقيقة، لأن ذلك يبرز المفصولين من الخدمة كأنهم قد تم التخلص منهم ليفسحوا خانة للإسلاميين، وهو رد الفعل الاولي للمواطن الذي يفصل من الخدمة بطريقة واضحة او تآمرية من زملاءه الإسلاميين ليجدهم قد استولوا مباشرة علي موقعه، ولكن القيادة في التنظيم لم تكن تسعي لتوفير وظائف للتابعين للتنظيم بل الهدف هو القضاء علي المؤسسية وقومية الخدمة وحيادها، فهذا الشخص الذي تم طرده من الوظيفة لم يكن مقصودا في ولاءه السياسي فقط للنيل منه وتشريده وان كان ذلك أيضا هدف يصطادونه في طريقهم ، لكن حدث ذلك لان الامر يتطلب وجود كادر لا يهتم لأمر المؤسسية من المحاسبة والشفافية وانما يعمل لهدمها ولا يعرقل الطريقة التي يراد للمؤسسة ان تدار بها. وفي امر هدر المؤسسية بهذا تهدر العديد من عناصرها وهي المهنية والحقوق الأساسية للعمل القائمة على العلاقة بين رب العمل والعامل والدولة والعاملين في مؤسساتها. يدخل في هذه المعطيات امر التمييز علي أساس الدين او الاتجاه السياسي، ففي ظل هذه الظروف أصبح كل المسيحيين والمعارضين السياسيين مطرودين من الخدمة. فالفصل من الخدمة امر يضبطه القانون. القيم العالمية التي ترسخت لدي كل شعوب الأرض أدرجت في عقود العمل وأصبحت المحاكم مسؤولة عن فض نزاعات العمل بما فيها الفصل. ويجدر بنا ان نشير الي ان لوائح العمل تعمل علي تجنب النزاعات وتعمل علي حلها وفق اللوائح الداخلية للمؤسسات سواء كان ذلك في الخدمة المدنية او القطاع الخاص، والجهات الإدارية داخل المؤسسة تمنح وتضمن حق التحقيق والاستئناف وإصدار قرارات منصفة بحق العاملين لديها ومن بعد استنفاذ كل هذه الوسائل لحسم النزاع يمكن للطرفين اللجوء الي المحاكم وبعد فحص كل الإجراءات والتي اتخذت والتي لم تتخذ حسب اللوائح الداخلية للمؤسسة نفسها وقوانين العمل تستطيع ان تفصل في الامر وتستطيع ان تصدر قرارا بان الفصل تعسفي وتلزم الجهة بإعادته الي العمل او تعويضه عن كل الحقوق المرتبطة بسنين عمله إضافة الي ما تبقي من سنين خدمة. كل هذه القيم المدنية التي توارثتها المجتمعات المتمدينة وأصبحت تسري مسري المألوف والمنطقي في الحياة العملية اعتبرها الاسلامين رجس من عمل الشيطان. عدم استبدال وسائل انصاف بوسائل أكثر انصافا لا يحتاج الي تفقه في الدين للقول بانه تدمير للأسس التي تحمي حقوق المواطنين. في تحديد الموقف من النظام لا يحتاج الي المرء الي حصر عدد الاسر التي تم تشريدها ورصد الضغوط العظيمة التي ستمر بها هذه الاسر بعد طرد العاملين من الخدمة، فإننا نحتاج الي القول بان من تجاوز هذه الأسس قصد متعمدا الاضرار بالمواطنين.
لم يكن للإسلاميين سوي سبيلين، اما ترك الاخرين وشانهم او فرض برنامجهم عليهم ومن هنا كانت ورطة الاسلاميين، حيث تعارض هذا المطلب مع الفكرة الاساسية لحرية الاختيار. والواقع ان اهل السودان نفروا من هذا البرنامج نفور الصحيح من الاجرب لسبب واحد هو انه يقصيهم باعتبار ان ما يطرحونه ويطبقونه لا يتيح فرصة للراي والراي الاخر ومشاركة الاخرين في العمل السياسي والسلطة بشكل سلمي، والفرق بين برنامج الحزب السياسي والحزب الرسالي هو ان الحزب السياسي عندما ينفر الناس من برنامجه كما ذكرنا يفكر في كيفية إصلاحه لكن البرنامج الرسالي غير قابل للإصلاح والتعديل وانما يتم تطويع الواقع لمصلحته. والمنطق الذي يقول بان السعي للتغيير لا يمكن ان يكون بغير رضا الناس وان كانوا من نفس الديانة فان اخذهم بالقوة سيفرض اشكال جديدة تخالف المنطق البسيط لفكرة الانسان عن حريته في الاختيار في امور حياتية ليست ذات صبغة دينية. فلذلك مثلا اضطر الإسلاميين لتزوير انتخابات في مستويات لا تتعدي اتحادات الطلاب واللجان الشعبية وصولا الي تزوير الانتخابات العامة وهي خطيئة لم يسمع بها السودانيين ومن ضمنهم الاسلاميين أنفسهم طيلة تاريخهم قبل الإنقاذ لكن الإسلامي اضطر لان يزور الانتخابات هذا لان المنهج الذي استند عليه لا يأبه برأي الاخرين وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لإخضاعهم هي التزوير لاحظ مستوي التعمد هنا فالذي يرفض قيام الانتخابات ويختار القوي الأمين بطريقته يكون أكثر انسجاما مع منطق فرض الراي من الذي يقوم بإجراء انتخابات صورية. لذلك خاضوا تجربة التزوير دون تردد لأنه ليس من الممكن ان يقبل بسقوط الحزب في انتخابات. إذا نظرنا الي هذا الامر كمعضلة واجهت الاسلاميين فأننا يمكنان نري عمق الارتباك الفكري الذي يعتريهم وما احدثه ذلك المنهج حينما جربوا تطبيقه علي الواقع وما احدثه في امر كشف فكرتهم عن انفسهم فهم ليسوا كتلة من السياسيين البراغماتين الصالحين لكل زمان ومكان فيهم ايضا المتدين الذي يري بحق ان الحكم الاسلامي يأتي بخير عميم علي الكافة وان كره الكافرون، هذا الامر وضعهم امام انفسهم كمفسدين مفضوحين امام السودانيين الذين كان لدهشتهم ورفضهم اثر بالغ علي العديد منهم الذي يضطر ان يتعايش مع مجتمعه في حياته اليومية. فالشعب لا يريد هذا المشروع الرسالي لأسباب اصبحت عادية وملموسة. واتيحت لهذا النوع من الإسلاميين فرصة امتحان واحدة من اهم ركائز تربيته التنظيمية عن الآخر، فالآخر في تربيته الذي يرفض برنامجه هم أعداء الله الذين لا يريدون لكلمة الله ان تكون هي العليا، الآن أتيح له ان يري سبب رفض هذا الآخر لبرنامجه فهو رفض مبني على ظلم لا علاقة له بالدين لا من قريب او بعيد، وراي فساد تنظيمه وهذا أصعب امتحان واجه الإسلاميين امام أنفسهم لذلك تمكن الإحباط من العديد منهم واستمر من استمر بلا حماس ديني وانما من واقع حماية مصالحة سواء كانت في السلطة او المال. وهذا الموقف المربك للإسلامين هو رد فعل بديهي لدي الشعب السوداني الذي عرف الديمقراطية واسسها وكان جزء من الحياة الديمقراطية وتذوق مزايا حواراتها المفتوحة ومتعة ازدهار الفنون وحريات التعبير. فهذا اول محك عملي واجهه الإسلاميين فقد جاءوا الي حكم السودان وهو بلد يعرف اهله الديمقراطية ويتوقعونها في أي عمل يفترض التمثيل ويعتدون بإرادتهم، لذلك كشفوا عجزهم امام المواطن العادي. ومن هنا بدأ التبرير غير المقنع يرتد إليهم واصبحت عضويتهم تسمع قادتهم وشيوخهم يكذبون بشكل راتب.
ومن هذا المنطلق بدأ تورط الإسلاميين في حل كل ازماتهم الأساسية عن طريق أخطاء لا مفر منها طالما أرادوا الانفراد بالسلطة كاملة. المتصور هنا ان كبار قادة التنظيم هم من قاموا باعتماد حيلة التزوير وقد قام جهاز الامن بهذا الدور فعرف كل أعضاء التنظيم ان الانتخابات قد تم تزويرها وبالتالي فان تمثيلهم للشعب امر غير حقيقي وليس امامهم سوي القبول بهذه النتيجة والمضي في الأكاذيب. ومن هذا المنطلق تأكد لأعضاء التنظيم ان عقيدة قادتهم قد تكشفت بعد الوصول الي السلطة فالقيم الإنسانية المعروفة ليس لها قيمة خارج نطاق مصلحة التنظيم. هذا المدخل يفسر ازمة كل الانظمة الديكتاتورية، فالواقع ان تزوير ارادة المواطنين يفتح شرخا في البدء داخل كتلة الحكم ويتسع الي ان يصبح نمطا ويغرق كل جهاز الدولة وتنظيماته في حلقات متلاحقة من الجرائم.
معيار حكم القانون وممارسة التعذيب
تعريف التعذيب من حيث القانون
التعريف الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب وضع عناصر محددة لاكتمال جريمة التعذيب لكن الاتفاقية قصدت حماية الأشخاص من عدد من الأفعال بان أوردت في الديباجة (ورغبة منها في زيادة فعالية النضال ضد التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية في العالم قاطبة، اتفقت على ما يلي:
المادة 1 -لأغراض هذه ا الاتفاقية، يقصد "بالتعذيب " أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما يقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخو يفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب ألي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. وال يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبة أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.
لا نتحدث هنا عن القسوة والتعطش للعنف، هذه هي التربية التي يعد بها التنظيم كادره لقهر الاخر، لكن من المهم في هذا الصدد النظر الي امر التعذيب من منطلق حكم القانون وحماية الحقوق والحريات، فالتعذيب لم يحدث لان الكادر متعطش للعنف لكن لان قادة التنظيم وضعوا نظاما قانونيا يمنح سلطة مطلقة للأجهزة التي تعتقل المعارضين، فالقانونيين يفهمون ان التجاوز عن وضع ضوابط إجراءات وطرق تظلم ورقابة مستقلة علي أجهزة تنفيذ القانون مهما كانت سلطاتها يقصد منه امر واحد هو السماح بممارسة التعذيب وتحصين مرتكب التعذيب بحالة كاملة من عدم المساءلة والإفلات من العقاب.
وفي امر ارتكاب جريمة التعذيب يمكن ان ينكر أي من الإسلاميين مثلا ان جهاز الامن يمارس التعذيب، لكن من الأهمية ان ندرك الخطوط التي تؤدي الي اثبات ان الشيوخ الاسلامين يعرفون انهم بحاجة لممارسة التعذيب عندما وفروا الغطاء التشريعي له فالتعذيب جريمة لا يمكن ارتكابها دون غطاء قانوني اما بالنص على سلطات مطلقة او بالسكوت على النص على مبادئ ملزمة وهي الميزات التي منحت لجهاز الامن. لذلك لا بد ان نؤسس لمسؤولية غير المعذبين المباشرين. فالقادة في هذه الأجهزة يستندون الي الشيوخ والي العقيدة ينطلقون منها. فملا يحتجز الأشخاص في حراسات لا تتاح زيارتها للمحامين والكافة فهذا ظرف معروف انه في حال توفره يكون هنالك مشرع عالم بنتائجه فهو يعلم ان سلامة المحتجز ستكون في خطر وبالتالي يوفر هذه الظروف لمن يمارس التعذيب ضد المحتجز المعزول من العالم، هذا امر معروف في ادبيات جريمة التعذيب يعرف بتعمد تهيئة الأجواء لممارسة التعذيب وغيره من الانتهاكات بحق المحتجز بحيث يتعذر عليه الغوث وفقدانه فرصة الحصول علي دليل ضد معذبيه سواء كان دليلا مكتوبا او دليلا ماديا على جسده.
ففي الاولي فان الشخص لا يتم القبض عليه بموجب امر وبعد فتح قضية وتحقيق، كما لا يمنح طلبا مكتوبا باعتقاله وأسباب وجهة اعتقاله مما يعني انه يدخل في حكم المختطف. وفي الثانية فان التعذيب الجسدي والمعنوي يلحق بالشخص في أجواء يتعذر عليه اثبات هوية المعذب ويتعذر عليه أيضا الحصول على تقارير طبية معدة وفقا للأسس العلمية ونذكر منها دليل إستانبول لتوثيق التعذيب. فالأطباء عادة لا يوثقون التعذيب كجريمة لان الفورمات المستخدمة وحدود تمرينهم لا تتضمن مثل هذا النوع من التوثيق والكل يشاهد الطريقة التي يدون بها الأطباء ملاحظاتهم فيما يعرف بارنيك 8 اما التقارير المستقلة وعلى الرغم من ضعف طريقة اعدادها فغالبا ما يخشى الأطباء من الانتقام فيمتنعون عن اعدادها في سجلات المستشفيات. وفي بعض الحالات فان لجهاز الامن مستشفيات خاصة مثل مستشفى الامل الذي يقوم فيه أطباء متخصصون في التعذيب بتقييم حالة الضحية واعداده لدورة اخري من التعذيب.
ولم نسمع يوما واحدا ان الاسلاميين قد احتجوا على ممارسة التعذيب التي ظل الشعب السوداني يجأر بالشكوى منها ليل نهار. ربما يكون غريبا ان تجد حزبا يضع ضمن برنامجه ترتيبات قانونية وتشريعية لارتكاب جرائم مصنفة بانها من أخطر الجرائم وهي الاغتصاب والتعذيب. لكن بالنظر الي المنهج الذي يتعامل به الإسلاميين في المحافظة على النظام فان الإسلاميين لا يمكن نعتهم بأنهم مجرمين بالفطرة لان السبب في ارتكابهم لأبشع الجرائم هو في الاصل منهج يقوم علي عدم المبدئية تجاه أي قيمة إنسانية متي ما تعارضت مع مصالهم بشكل عام. فالسياسة لديهم مثلا هي ان تواصل في الحكم بشتى السبل والاهم ان تسد الطريق حتى لا يصل اليه غيرك، وهذا ما يولد بالضرورة العنف بكافة أشكاله. فالمشكلة هنا هي ان الإسلاميين يريدون تطبيق برامج تحتاج الي اسكات المعارضين فهي ليست برامج حزب عادي يأتي اليه من يأتي ويتخلى عنه من يتخلى، حيث يكون الحزب في هذه الحالة زاهد في الحكم ان لم يقبل الاخرين ببرنامجه، هذا المنهج يفترض ان معيار فشل ونجاح البرنامج هو قبول او رفض الجماهير له طوعا. اما البرنامج الاسلامي هو برنامج رسالي مما يجعله يرتفع عن سقف برامج الأحزاب الأخرى لان فيه ابعادا روحية تجعل الله يفرح ويبارك تنفيذ هذا البرنامج السياسي، فاذا كان في اسكات الاخرين اسراعا بتنفيذ البرنامج لا يتصور ان يقول لهم الله الذي يرتكبون لأجل تنفيذ مصلحته في الأرض بهذه الجرائم، وليس من المتصور ان يكون ليس في مصلحته مثلا القبض على المعارضين وتعذيبهم واغتصابهم والتضيق عليهم في المأكل والمشرب، لان من يعارض هذا البرنامج لا يريد ان يكون برنامج الله مطبقا في الأرض وبالتالي ماذا ينتظر. لم يستطع الإسلاميين ان اقناع السودانيين بان الله قد ارتضي لهم هذا البرنامج ليطيعوهم انابة عنه في إدارة مصالح الله في ارض السودان. فهم في هذه الحالة لا يعتبرون البرنامج قد رفض وانما يعتبروا ان الخلل في الناس أنفسهم وهذه مقولة تتردد بقناعة راسخة وأحيانا تستمد من آيات قرآنية وأحاديث. بل أعلنوا انهم بصدد اعادة صياغة الانسان السوداني. يجب ان نناقش هذا الامر من حيث مشروعيته، لأنهم ربما يدافعون عن هذه النقطة بان المسلم مكلف بان يسعي لتغير الناس ولو بالقوة. هذه نقطة يتفق فيها اناس من غير الاسلاميين استنادا الي مصادر دينية. هنا يختلط الامر الدنيوي في رؤية الناس عن طريقة حياتهم وبين معتقدهم الذي يمنحهم حق التدخل في تغيير او فرض تغيير نمط وتفكير الاخرين وفكرتهم عن أنفسهم.
عودة الي بدء، من هذا المنطلق فان التعذيب بالنسبة للإسلامين ضرورة مثله مثل تزوير الانتخابات لا بد منه في كبت المعارضين. فالمشروع الذي يطرحونه يفترض في الناس الصمت والانصياع التام وقد أدركوا من خلال تجربتهم في الديمقراطية ان الصحافة الحرة وحرية التعبير هي بيئة غير مواتية لمشروع يدعي قدسية مقاصده وان كانت مقنعه لهم هم، فليس في الديمقراطية قدسية حتى المحاكم الأخلاقية والدينية التي تطارد الناس لا يمكن ان تطاردهم في عهد الديمقراطية لان أي شخص يمكن ان يمنع أي قاضي من ان يحاكمه على أساس نص مستمد من الدين لأنه ببساطة يمكن ان يدفع امام القاضي بانه لا يعتقد في الإسلام. لذلك تجد الإصرار في ان تكون هنالك مادة تجرم الردة على الرغم من انها ليست مجرمة في الاسلام فمن حق اي شخص ان يؤمن او يكفر لكن هي مادة مفصلية اذ تمنع اي شخص من ان يقول انه غير مسلم لتفادي المثول اما قاضي يضع امامه قانون النظام العام سوف لن يجد هذا القاضي من يحاكمه ان لم يكن يضع في درج مكتبه مادة الردة. فهي بذلك ليست مادة قانونية تسعي لان يبقي المسلمين داخل الإسلام، او خوفا من خروج المسلمين عن الإسلام وانما لضمان مثولهم امام هذه القوانين. هذا المشروع يسن القوانين علي أساس ديني وبالتالي تنطبق على الشخص علي أساس ديانته فان وقف الناس امام المحاكم مدافعين عن أنفسهم بأنهم ليسوا مسلمين يكونوا قد هدموا خطة المشروع الإسلامي، والاسلامين يعلمون ان السودانيين بذلك لا يتخلون عن دينهم لكنهم يتخذون موقفا سياسيا حينما يرفضون هذا المشروع. فامر الحكم بالدين يضع القانون ليس على اساس مصلحة الناس كما يروها هم بل كما يراها صاحب المشروع ويستبعدهم حينما يقرر بالإنابة عنهم على أساس معرفته البديهية عما يعتقده الاخرين. ورطة الاسلاميين الكبرى كانت ان الاسلام يحدد ديانة الشخص وفقا لمعتقد امه وابيه وهي في حقيقتها نقطة ضعف للإمكانية تطبيق مشروع الإسلاميين، لان الدولة لا يمكن ان تقوم بعملية فرز لاعتقاد السودانيين علي اساس معتقدات أمهاتهم واباءهم ثم تسن قوانينها على أساس هذا الافتراض، ففي جبال النوبة والنيل الأزرق مثلا يكون الاب مسلما والام مسيحية او لا دينية والعكس. وربما لهذا السبب تعامل معها المشروع الحضاري بطريقة بروكوست فبدلا من النظر الي قصور المشروع قام الإسلاميين بقطع هذه المناطق باعتبارها زائدة عن حجم مشروعهم.
فربما كان الامر هنا متعلق بفكرة الإسلاميين عن الله نفسه، فالله الذي لم يذكر في كتابه قط كلمة ديمقراطية او حقوق انسان او حرية تعبير، لا يمكن ان يتصور الاسلامين انه سيسالهم عن هذه القيم او ان يكون موقفه من حكمهم سيتطرق الي مطالبتهم بضوابط التشريعات وحقوق الانسان او لماذا لم يستمروا في عملهم السياسي في ظل الديمقراطية والبرلمان فهي أشياء لم يتحدث عنها وبالتالي فان الأقرب لفهمهم انه سيكون مع تمكين الاسلاميين من مفاصل الدولة كلها، وان تكون يدهم هي العليا. فالقرآن لا يتحدث ان مدي الجرم الذي يرتكبه من يقوم باعتقال الأشخاص بدون امر قبض صادر من جهة قضائية مختصة او يتم احتجازه من قبل سلطة لا تتقيد بضوابط حقوق المحتجز وليس لديها أشراف قضائي.
فالإسلاميين لم يريدوا ان ينظروا الي التحديات التي تواجههم من خلال الواقع وانما كانوا يجدون دائما مهربا في الفقه والتفاسير. فالغاية تبرر الوسيلة إذا كانت الغاية مشروعة وإذا كان الضرر المراد دفعه عظيما وليس هنالك أعظم لديهم من قتال المنافقين من أبناء السودان. فقد استخدمت هذه التعابير في الدلالة على المعارضين السياسيين والمجموعات التي رفعت السلاح في وجه النظام وبالتالي استبدلوا الفكرة الواقعية عن منافسيهم بفكرة مستمدة من التاريخ، وفي ذلك تحشيد عاطفي لاتباعهم بان يفرقوا في تعاملهم مع هؤلاء باستبدالهم بفكرة متصورة، فالمعارض السياسي هو نفسه الجار وزميل العمل والدراسة بقيمه ومثله التي عرفها الإسلامي بدون ادني شك. لكن لا سبيل الي اعمال القسوة تجاهه بغير استبعاده من الواقع ولذلك استغرب السودانيين عندما وجدوا أناسا جدد ليسوا هم الجار وزميل العمل والدراسة بقيمه ومثله التي عرفوها هذا فيما يعرف "بالشخصية السودانية" وهي التي مثلت تحدي عظيم امام الإسلاميين، التحدي الأول كان العمل على تجاوزها في تعاملهم مع أبناء جلدتهم السودانيين والشيء الثاني هو تخفيض مستوي الاخرين.
شرح المفكر كارل كلاوزفيتز فكرة اقصاء الاخر بانه "لكي تحصل على أشخاص تسهل قيادتهم، وتضمن تبعيتهم، وطاقتهم التي قد تصل إلى قبول التدمير وقتل الآخرين من دون أي تأنيب ضمير، ازرع فيهم التطرف والتعصب وكراهية الآخر، وعليك إلغاء الرأي الآخر قبل كل شيء" وقال أيضاً "إنه نادراً ما تخاض الحروب الحديثة من دون تأصيل الكراهية بين الشعوب. وقد يكون هذا من تفسيرات ذلك الخطاب العنصري الذي يلجأ إليه الفاشيون، فخطاب الفاشيين التكفيريين، أو الفاشيين التخوينيين، واحد، لا بد من وجود عدو، ونكرهه، ولا بد ألا يكون هناك أي تعاطف أو فهم للآخر المختلف".
عودة علي بدء طالما انها محاكمة نبدأ بالثابت من البينات، فالبينة الاولي ان جهاز الامن الوطني يعمل ضمن سلطة الدولة الإسلامية وهي التي وضعت قانونه وسياساته وهي التي تملك سلطة تغير قادته ومساءلتهم ان رغبت. هذا المدخل مهم لأنه يشرح برنامج الإسلاميين فيما يتعلق بقطاع الامن وسجلهم في حقل الممارسة الفعلية في تجربتهم من خلال جرائم التعذيب والاغتصاب التي قاموا بارتكابها عن طريق جهاز الامن الوطني. فقد مارس ومازال يمارس التعذيب والاغتصاب داخل مباني جهاز الامن. هذه وقائع مهمة تقود الي ان التعذيب والاغتصاب جزء من برنامج الإسلاميين.
أولا: ممارسة التعذيب والاغتصاب هي عملية رسمية وتتم بشكل متواتر داخل مباني جهاز الامن، من المعلوم ان ارتكاب الجرائم ضد المحتجزين تحت أي نوع من الاحتجاز يثبت بلا ادني شك ان السلطة التي تحتجزهم هي التي اعتدت عليهم. هذه النقطة تقودنا الي ان الجهة التي تحتجزهم تعلم او لديها ما يحملها علي العلم او تقوم هي بتوجيه بإصدار الأوامر بارتكاب الفعل. فالمعلوم ان التدابير المعتمدة لحماية المحتجزين أصبحت الان عالمية ومن ابجديات ضوابط الاحتجاز وهي بديهية يعرفها أصغر رتبة جندي مكلف بأمر الحراسة والقبض سواء كان في السودان او في تشاد او في بنما. ويمكن للمواطن العادي ان يلاحظ مثلا ان هنالك دفتر في كل كاونتر قسم بوليس منفصل يسمي دفتر القبض ودفتر اليومية. هذه الدفاتر يدون فيها تاريخ القبض وساعة القبض والشخص الذي نفذ امر القبض. حتى في الحالات التي يأتي فيها رجال المباحث الي الجندي المسؤول من الحراسة ويطلبوا اخراج شخص محدد ليقوموا بتعذيبه، يحرص هذا الجندي علي اخلاء مسؤوليته الشخصية بان يوقع الشخص الذي يستلم المحتجز وساعة استلامه. هذه الدفاتر تعبأ بشكل روتيني وكثيرا ما كانت سببا لإدانة رجال البوليس المتورطين في التعذيب، كما ان وجود الحراسات في قسم بوليس مفتوح للعامة يسهم في حماية المحتجزين حيث يتعرف ذويهم ومحاميهم على ظروف احتجازهم. هذه هي القيم العالمية التي ورثناها عن الحضارة الغربية فهل اوجد لنا الإسلاميين الطريقة الأكثر رحمة ورأفة وعدالة في حماية المحتجزين.
ثانيا: في كثير من الحالات كان الإسلاميين قد نفوا ارتكابهم لجريمة التعذيب والاغتصاب في مباني جهاز الامن، وهو رفض بلا أساس، لا نريد ان نستدل هنا بشهادات شهود وتقارير. فما يهم هنا التمسك الذي اعتمدناه في البدء هو اين الفعل من أسس حكم القانون والمؤسسية؟ حتى نحاكم الإسلاميين علي اساس برامجي كونهم اوجدوا الظروف التي تمكنهم من ارتكاب جريمة التعذيب بل وتمكن مرتكبي التعذيب من الإفلات من العقاب. فلان المعلوم ان جهاز الامن لديه حراسات خاصة وليست عامة كما في اقسام البوليس، وهو امر مقصود كما ذكرنا ان اول ضمانات سلامة المحتجزين تبدأ بإتاحة الفرصة لمقابلته وعدم احتجازه بشكل سري. ربما يلاحظ ان هذه الضمانات التي تعرفها الأمم المتحدة بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، فهي لم تصبح حقوق عبثا لكن لاحظنا قيمة واهمية التمتع بها في حماية الشخص. فوضع الشخص في حراسة يمكن فيها زيارته بواسطة ذويه او محامي هو اول الضمانات لحماية المحتجز. لكن مشروع الإسلاميين يتعمد وضع المحتجز في حراسة في مكان لا يمكن ان يصل اليه محامي او ذوي الشخص المقبوض. هذه نقطة مهمة في برنامج الإسلاميين حول التعذيب، هذه البديهيات تكشف ان الإسلاميين لم تمنعهم الموارد من عدم احتجاز الأشخاص في أماكن سرية. فالشخص يمكن ان يبرر فشله في تطبيق برنامجه الاقتصادي او الصحي وما الي اخرة بسبب نقص الموارد لكننا لم نسمع ان شخص وجد كلفة في اتخاذ تدابير لحماية الحقوق الأساسية لسلامة المحتجزين.


علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

علي عجب كتب:
حكم القانون:لفهم اعمق لمعني حكم القانون وللمزيد من التوضيح احيلكم الي اللورد بينغام قاضي بريطاني سابق شغل مناصب قضائية رفيعة في بريطانيا. هذا الرجل يعتبر المرجع في محاولة تعريف حكم القانون بلغة منضبطة جدا ادعوكم للاستماع لهذا المقطع الذي يقدم فيه محاضرة تمت ترجمتها للعربية من قبل العديد من المهتمين واولهم عثمان نصيري وبروف محمد ابراهيم خليل. ويمكن الحصول علي نسخة باللغة الانجليزية، (ما تقول انا مالي ومال القانون) فكما يقول اللورد معرفة اسس حكم القانون ليست للقانونيين وانما لكل مواطن.https://www.youtube.com/watch?v=XlMCCGD2TeM

Paperback
16 Used from £3.92
37 New from £3.96
https://www.amazon.co.uk/Rule-Law-Tom-B ... 014103453X


صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »


سلام للجميع
وسلام لعلى عجب
شكرا على الكتابة المتقنة واللى مرقت المحاسبة لهولاء المجرمين من مجرد تشفى وانتقام الى مكون لمعافاة السياسة بعد التخلص منهم
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

الأكرم : علي العجب
شكري لك أن كتبت عن الموضوع ، ولي رأي يختلف بعض الشيء عما رأيته :
*

قصة الإخوان المسلمين في السودان
1. تنظيم الإخوان المسلمين هو لعودة الخلافة ، أو ما تسمى الخلافة الراشدة ، ولكن للأسف فهي صناعة بشرية ليس لها أي قداسة . وبالتالي ينقض كل بنيانهم.

2. هذا الحائط القدسي الذي يستند عليه المتأسلمين هو الذي أباح لهم مقولة الدولة " كافرة " ومالها يعتبرونه فيئاً ولا يخضع لما يسمونه السرقة .

3. الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الإخوان المسلمين ، يعتبرونهم " منافقين " وبالتالي هم يعتبرونهم في الدرك الأسفل من النار ، وبالتالي سوف يحاسبونهم على أنهم منافقين فحسب .

4. ما يحدث في السودان الآن ، ليس فساداً أو ديكتاتورية أو جريمة سياسية ، بل هي جرائم مُركبة تقتضي ثورة ، وللثورات آلية لنظافة النفايات المتأسلمة ، وليس في ساعة ذروة السقوط ، هدنة أو تعقل . قد لا تتوفر فرصة للعقل. وقوانين الثورات الحقيقية تقتلع ، وتفعل ما يخافه اليوم المتأسلمين من مصير صعب ، لذا يتمسكون بالسلطة ، لأن ذلك حماية لهم من ثارات أخرجوها من بطن التاريخ .

5. التجنيد لديهم : ( الطاعة – التدريب الأمني – السلاح ) . تلك وسائلهم

6. لك الشكر الجزيل




علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

(((((كتب عصام علي : سلام للجميع
وسلام لعلى عجب
شكرا على الكتابة المتقنة واللى مرقت المحاسبة لهولاء المجرمين من مجرد تشفى وانتقام الى مكون لمعافاة السياسة بعد التخلص منهم))))))


شكراً عصام على التعليق

من الاشياء المخيفة في مستقبل السودان، ان السودانيين في رفضهم ومحاولاتهم لإسقاط نظام الاسلاميين لا يتحدثون بدقة عن أسس بناء دولة المستقبل، ومن بينها كيفية التعامل مع المتورطين في ارتكاب كافة انواع الجرائم والمخالفات في هذا النظام واقصد هنا من ستؤول إليهم الامور بحسب الديفاكتو المتوقع احزاب وحركات مسلحة وبعض القوي الشبابية الجديدة. وفي رأي ان عدم الرغبة في عمل مؤسسي في ممارسة السياسة هو السبب الاساسي.
فكل الفرص التي اتيحت للمشتغلين بالسياسة ولا اقول من هم تحت هجير النظام في السودان بل من هم في الخارج وما اكثرهم، يتعاملون مع مهنتهم على انها لا تحتاج الي مؤسسات للتفكير والتحليل وخلق تيارات الرأي ودعمها. وهم برأي يلتقون لحد كبير مع الاسلاميين في تخوفهم من هذه المؤسسات. فالمستقبل بعد 28 سنة من العمل المعارض لم يفرز اي مؤسسات حزبية فاعلة في مجال الواجبات الاساسية وحتى اكون أكثر دقة:
في امر العدالة: وعلى سبيل المثال: هل ستقوم القوي الجديدة الواصلة للسلطة بطرد القضاة الموجودين في القضائية لأنهم لم يتم تعيينهم على الاسس الراسخة لتولي العمل القضائي؟ هل سيتم تسريحهم على طريقة الصالح العام. هل سيتم تسريحهم على طريقة الفصل للصالح العام؟ هل ستشكل لجان لطرد البعض علي أسس مهنية وترك الاخرين؟
لا أحد يعرف حتى الان ولا يمكن ان تجد حزب سياسي قد وضع أي برنامج للقضائية، فقط يتحدثون عن القضاء المستقل!! كيف الله اعلم. في راي ان كانوا جادين فان الاجسام المتحالفة او منفردين ينبغي ان يقدموا عن طريق متخصصين خارطة طريق لكيفية تطبيق شعار هيئة قضائية مستقلة. فكرة ان دع النظام يذهب أولا وحينها ستكون هذه قضايا اصلاح عادية لا داعي لنصدع بها عقولنا هو الأقرب الي السائد، وفي راي ان المواطن المحكوم مستقبلا لا يشكل امر معرفته او عدمها وزنا فيما يتعلق بما يريدون له ان يكون في المستقبل. وعندما انتبه النظام للمناورة في هذه النقطة (بمن هو البديل) قالوا البديل نحن ونحن أجدر بالحكم. صحيح، لكن التغيير في ظل تعقيدات السياسة الدولية الحالية لا يمكن ان يتم بطريقة ابريل أكتوبر او لدينا ما يحملنا على الاعتقاد بذلك. فالدول التي انفرطت بعد التغيرات الكبيرة في المنطقة لم يجد المجتهدين من اجل الاستقرار والإصلاح فيها فرصة للإصلاح لان الزمن لن يسعفهم إذا لم يكونوا على وضوح من وقت مبكر ويمكن لأي مجموعة مغامرة ان تنفرد بالمشهد فلا يجدوا من يسمعهم لان الاستقواء بالمليشيات والقبلية والسلاح وغيرها من امراض المجتمعات السودانية حتما ستلعب دورا حاسما في مسار التغيير.
وقس على ذلك في امر الاقتصاد، التعليم، الصحة، الزراعة، الصناعة، المحاسبة، التعويضات...الاجابة السهلة كلو هين خلينا بس نخلص منهم والحقيقة ان وضوح الرؤية حول هذه المسائل هو الطريق للتغيير لأنها عوامل تقوية للإنسان الذي سيفعل التغيير هذا الانسان الذي يتم استنهاضه الان سيكون أقوى بالوعي بهذه الحلول وستكون جزء مما يحمله على الامل في التغيير.
بالنسبة لموضوع محاكمة الإسلاميين:
قصدت من هذا التناول محاكمتهم على المستويين، سياسيا وقانونيا، والأول هو ان نعلم انهم اضروا بنا لأنهم ببساطة خرقوا القيم الأساسية للعدالة والحكم الرشيد وهي التي يدخل في تكويناتها المؤسسية والشفافية والمحاسبية ضمن نظام ديمقراطي قائم على أساس حكم القانون. وقانونيا نحن اننا سنحتكم الي القيم التي عيبنا عليهم مفارقتها، وبالتالي نمضي الي الامام سويا كشعب دون ان يفلت أحد من العقاب والحق الكامل في المحاكمة العدالة والانصاف

[b]
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »



((((( كتب عبد الله الشقليني
الأكرم : علي العجب
شكري لك أن كتبت عن الموضوع ، ولي رأي يختلف بعض الشيء عما رأيته :
*

قصة الإخوان المسلمين في السودان
1. تنظيم الإخوان المسلمين هو لعودة الخلافة ، أو ما تسمى الخلافة الراشدة ، ولكن للأسف فهي صناعة بشرية ليس لها أي قداسة . وبالتالي ينقض كل بنيانهم.

2. هذا الحائط القدسي الذي يستند عليه المتأسلمين هو الذي أباح لهم مقولة الدولة " كافرة " ومالها يعتبرونه فيئاً ولا يخضع لما يسمونه السرقة .

3. الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الإخوان المسلمين ، يعتبرونهم " منافقين " وبالتالي هم يعتبرونهم في الدرك الأسفل من النار ، وبالتالي سوف يحاسبونهم على أنهم منافقين فحسب .

4. ما يحدث في السودان الآن ، ليس فساداً أو ديكتاتورية أو جريمة سياسية ، بل هي جرائم مُركبة تقتضي ثورة ، وللثورات آلية لنظافة النفايات المتأسلمة ، وليس في ساعة ذروة السقوط ،

هدنة أو تعقل . قد لا تتوفر فرصة للعقل. وقوانين الثورات الحقيقية تقتلع ، وتفعل ما يخافه اليوم المتأسلمين من مصير صعب ، لذا يتمسكون بالسلطة ، لأن ذلك حماية لهم من ثارات أخرجوها من بطن التاريخ .

5. التجنيد لديهم : ( الطاعة – التدريب الأمني – السلاح ) . تلك وسائلهم

6. لك الشكر الجزيل)))))





الف شكر عبد الله، علي تفريع البوست علي هذه الجوانب المهمة، فقد استوقفتني عبارة المنافقين لدي الاسلاميين ومعناها عند المسلمين عموما. واجدني مهتم جدا بما اثرته انت في

النقطة (4) فهو مهم لانه يحتاج الي نقاش علي ضو كل الفرضيات التي استندت اليها انا، في ان الاحتكام لأسس العدالة

هو المعيار الذي يجب ان نتوحاه في كل عمل متعلق بالثورة والتغيير.

اشكرك مجددا علي اهتمامك بالاطلاع والتعليق علي ما اكتب و ساعود بالتفصيل الي النقاط (4-5-6) .
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

عودة الي الحوار مع الاستاذ الشقليني،

لقد وعدتك بالعودة للنقاط ادناه وقد شغلتني مشاغل عديدة



4. ما يحدث في السودان الآن ، ليس فساداً أو ديكتاتورية أو جريمة سياسية ، بل هي جرائم مُركبة تقتضي ثورة ، وللثورات آلية لنظافة النفايات المتأسلمة ، وليس في ساعة ذروة السقوط ،

هدنة أو تعقل . قد لا تتوفر فرصة للعقل. وقوانين الثورات الحقيقية تقتلع ، وتفعل ما يخافه اليوم المتأسلمين من مصير صعب ، لذا يتمسكون بالسلطة ، لأن ذلك حماية لهم من ثارات أخرجوها من بطن التاريخ .

5. التجنيد لديهم : ( الطاعة – التدريب الأمني – السلاح ) . تلك وسائلهم
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

4 . ما يحدث في السودان الآن ، ليس فساداً أو ديكتاتورية أو جريمة سياسية ، بل هي جرائم مُركبة تقتضي ثورة ، وللثورات آلية لنظافة النفايات المتأسلمة ، وليس في ساعة ذروة السقوط ،
سأحاول مناقشة النقاط التي ذكرتها بطريقة التفكير بصوت عالي،


اتفق معك في ان ما يحدث الان في السودان هو وضع معقد بما يعني انه أصبح غير قابل للإصلاح الا بثورة. وهنا يتطلب الامر التفكير في كيفية حدوث هذه الثورة، فالثورة التي اقتلعت نظام نميري امر وارد وصعوباته متوفرة أيضا، انقلاب من داخل الإسلاميين وارد ومآلاته غير معروفة بالطبع، تنحي البشير او سقوطه في انتخابات عادل عبد العاطي وحزب المؤتمر السوداني امرين واردين من باب الاحتمالات.


من الأشياء الجديدرة بالتأمل ان اقتلاع الأنظمة الديكتاتورية امر لا يمكن ان يتفق على طريقة محددة لتحقيقه، ومن هنا كان وصف الثورة لدي الماركسيين -والتعريف من الذاكرة- انها فعل تراكمي يتحقق عندما تكتمل فيه العناصر الذاتية والموضوعية، او ما الي ذلك. واذا كان هناك شيء جديد بالتدبر في هذا القول فانه يفكك الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ليري تحقق الرغبة في التغيير في كل من هذه العناصر، والعنصر الذاتي هنا اري انه الوعي. فعندما وصلت الإنقاذ للسلطة عام 1989 كان العديد من غير الملمين بالواقع السياسي يتوسمون خيرا في الإنقاذ فطالما انها تتحدث عن شرع الله وتأخذ الناس بالشدة ربنا سيوفقهم في اصلاح حال السودان واخرين كان وعيهم في مرحلة ان انقلاب الجبهة الإسلامية الذي يقصي الاخرين ويفرض عليهم تعاليم دينية حسب تفكيرهم الخاص وفتح المجال لمجموعة محددة تسيطر على البلاد ومفاصل الدولة حتما سيؤدي الي كارثة. فهل بلغ السودانيين كلهم هذه المرحلة من الوعي؟ الإجابة لا لأنهم كانوا ببساطة لا يحتاجون الي تظاهر بل اصدار بيان واحد وهو اننا الشعب السوداني الفضل نطالبكم بتسليمنا السلطة. ويمكن ان نناقش نضوج العناصر الاخري المذكورة انفاً...اقتصادي، اجتماعي، ثقافي ..الخ
أضف رد جديد