من المتطوعات إلى الثائرات

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

من المتطوعات إلى الثائرات

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


من المتطوعات إلى الثائرات

المــتطوعـات زي الزهـــور مــتنوعــات عـجــبي
العارفات زمن الخرافات بدري فات
نهضن خفاف متكاتفات لي خدمة السودان مشرفات عجبني
النابهات في خطوتن ورشاقتن متشابهات

الشاعر عبيد عبد الرحمن
(1)
بدأ الشاعر الغنائي " عبيد الرحمن " قصيدته " المتطوعات" حين تدفق السودانيات إلى المستشفيات عقب عودة الجرحى والمعاقين في حرب العلمين في زمان الحرب العالمية الثانية، للاستشفاء، فتطوعنّ برعاية الجرحى من السودانيين العائدين من الحرب . كانت تلك الحرب موعود السودان إن اشترك فيها ودام النصر للحلفاء، فسوف ينال السودان استقلاله.
(2)
جاءت الثائرات، بأصواتهن جهرنَّ بالحق العالي ضد الظلم. شيء يدعو للقول إن الاستعمار الإنكليزي ، كان أرحم من حكم الإخوان المسلمين. فقد ذاقت المرأة جمراً من أشرار المتسلطين . صنعوا قانوناً يرتد بالمرأة إلى عصور الحريم البائد. يلاحقون سيدات الشرف والعفاف ، بتهمة السفور ، فتتبعوا عورات النساء وفصلوا لأمرهن قوانين النظام العام. وأقاموا لذلك محكمة وضباط وجنود، وانطلقوا في كل مكان، ليبتدعوا أساليب بائسة في ابتزاز الفتيات والسيدات، ليدفعن لهم ضرائب الرِشوة، لتبتعد التهمة المُدمرة عنهم. ذلك القانون الذي ينتهك حرمات الخصوصية، بألفاظ هلامية، خالية من الضبط القانوني أو الجنائي، كتبه جهلاء بالقوانين وشرعه زبانية النظام لترويض المرأة. ورغم ذلك يدّعون إنصاف المرأة وحمايتهاّ!.
(3)
رسالة مقتبسة من مقال الدكتور" كمال أبوديب " :

سيدة من موطني، مُحبة للحرية ، تتأبى أن تكون مطية العبودية، ناهضة كسهمٍ مُشرق في خيمة ليلنا البهيم. نقيّة من الأحقاد، متحررة من أرواح القبيلة وثاراتها، تلوبين لتُحرري اليواقيت الناضرات من بنات جنسكِ اللواتي تخفق قلوبهم بالعواطف النبيلة. من كل الأعمار و أمهات كستهنَّ النبوة في أحاديثها رونقاً وجمالا. ناشطات تجملنّ بالعمل العام.
*
هذا يومَكِ يا سليلة الأنهار المتدفقة، التي لم تألف الوقوف على ضفاف القضية ساكنة. في وجه كل النضار، سهمكِ الرشيق يحطّ في موطنه من الفعل النبيل في قضية هي بألف قضية، فيها الخصم أكبر من جلال المحكمة، وسطوته أكبر من صولجان العدل. لأنكِ من وراء الحق، لا تَدعين طريقاً ناصعاً كصفحة السيف إلا ذهبتِ إلى غاياته الكُبرى .
*
تخرجين باسم اللواتي رزحنَّ في سلاسل الكبت، الذي ران عليه التاريخ بقدمه الهمجية، ولما تزل في الحاضر الماثل. وتُحرري سجانكِ الذي يلعب دور الحارث الأمين للعورة في أسفاره التي يقرأ، وعليها يعتمد، وهو المنتهك في الصباح الأبلج. يراكِ من تُخمة ما به ناراً للغواية التي أكلت وعي الذين لبسوا كساء الورق الرحماني، لتبدو صورهم متماثلة مع صور التقاة والربانيين. وإنها لقضية أكبر من وطن.
*
من فجوات التاريخ، خرجتِ وتخرجين، أكبر من نداء الحق، وأصدق من الأنبياء الكذبة، وأعرق تاريخاً من الذين استتروا من وراء قوة السلطان، ناسين أن المولى يعزّ من يشاء، ومن حكمته أن يعطي عطية الملك ، ولكن ينزعها نزعاً و يلقي بالأكاسرة إلى مزبلة التاريخ.
*
نرى وجهك في كل البسيطة التي نشهد، تقف مثل ما وقفت الأمهات عند الفجر من كل يوم لخبز الذين نهضوا من منامهم للواجبات الثقال. لتكن نصيرة الكادحين، والراضعين من أثداء كنُبل القمر عند العاشقين.
مثلكِ رفيقات، سيدات العزوة والغرض النبيل. هنَّ في الحياة شركاء مثل رصفائهنَّ في الحقول وفي البوادي وفي المدارس والمعاهد وفي مدرجات الجامعات وعبر مُختبرات العلم، وفي مشارح المستشفيات و رياض الأطفال و عند خيام البداة الراحلين إلى مساقط الغيث، بل شققنّ طريقهم للمنافي، يحفرنَّ في كهوفها مكاناً لحياة أفضل. رفيقاتكِ، في المصانع والمتاجر، وفي مقالع الجبال وفي معارك الصراع من أجل مستقبل أكثر بهاء وحرية و كرامة. هنَّ في ردهات المصارف ومكاتب التجارة، والهندسة والطب والصيدلة وعلوم النفس البشرية وتغوصين في منابع الفكر و تقوضين التصورات التي ورثناها و تغرفين من خضمّ المعرفة التي تكتظ بها الحواسيب وتديرين المتاجر الأنيقة، و تشعّين على شاشات التلفاز، و تأتلقين في الصحف والمجلات، وتحنّين على طفلٍ رضيع، و تواسين عجوزاً معدمة، و تميلين شفقة على قامة ذكر حنَتْها السنون، وأثقلتها أعباءُ عمر قضَمَتْه سنواتُ البحث عن لقمة العيش. وكنتِ ومثيلاتك الذينَّ وقفوا بديلاً لدور العجزة، يحمون الأجداد والجدات في زمان القحط، فالعاطفة أكثر إنسانية لديهم من الذين زحفوا بليل وقبضوا مفاصل الحُكم قسراً، خرقوا الدستور، لبسط كل الدولة لملاكهم الخاص، ويعف اللسان عن المخازي ( من أين جاء هؤلاء)، ونعرف أن نصرائهم لا علاقة لهم بوطننا، جاءوا من هضاب جبال آسيا، لا تعرف قلوبهم رحمة العقيدة ولا سماحتها، عرفوا القتل والجلد والقطع والكثير مما يعُف عنه اللسان. تقاطروا من أوكار الذئاب البشرية وأقاموا من السودان موطناً.
*
وفي كل شيء أراكِ فيه، وأرى مثيلاتَكِ في سيمائكِ القدرة على الخلق وحدّة الذكاء، و نقاء السريرة، و صفاء العطاء، وروعة التفاني، والوله بالابتكار، والصبر على المكاره، و الإباء على الضيم، والتضحية بكل نفيس من أجل ما هو حقٌّ و خير. وأحسُكِ حرّة تجوع ولا تأكل بثدييها من شراسة الضنَك، وفي زحمة الكفاح. يزهو بكِ المرء ابنة، وأختاً، و أماً، و زميلةً، و منافسةً، و سبّاقةً و مُلهمةً، و قائدة داعمة، و رائدة ورفيقة طريق.
*
وأراكِ قامة لا تكبُلها السلاسل التي صنعها الذين ترتعد فرائضهم خوف أن تفتحي عينيكِ على آفاق الحرية، وتندفعي في مسالك المشاركة والريادة، و الاكتشاف، والذين يرعبهم أن يكون وعقلكِ وقّاداً، و ذكاؤكِ فعّالاً، ويداكِ قادرتين على الهدم كما هما قادرتان على البناء. فيقمّطونكِ بتراث العشيرة، و يقنعونكِ بحُجُب الكتب الصفراء، وآيات الكبح والإقصاء، وترانيم الهياكل الوثنية. وعلى الأجساد يعلقون تمائمَ خوفهم. وتبصركِ المُقل، فتراكِ ما لا ترى الأحداق؛ ذاك أني لا أراكِ رؤيةَ عينٍ، بل أغور إلى ما تستشفه البصائر التي تتقرى الباطن الخفي، المستتر الذي ما يزال في رحم الغيوب.
*
بلى ، أبصركِ في ما لم يكن ، موقناً أنه سيكون :
امرأة تنتصب في مسالك الرحيل، مكتظة بشهوة الاكتشاف، ونشوة العبور إلى معارج الصراع ، و مفازة البحث عن مفاتن المعرفة. امرأة لا تهاب حميّا العراك، ولا يرف لها جفن في مغاور التيه، حين يفتنها نداء الحقيقة، وتعصف بأعراقها رغبة الولوج إلى مغاور المبهمات، ودهاليز المحرمات. امرأة تحتفي مثلما تحتفي الطبيعة كل يوم بولادة فجرٍ جديد و شفقٍ خضيل .
ثم أراكِ في ما تجئ به السنون، عالية الرأس، سامقة الجبين، طليقةً في رياح المسافات، تخلعين عنكِ ربقةَ الوصاية ونيرَ الحماية. و كذا تمضينَ وحدَكِ في ما أراكِ عليه من نشوة الانفلات نحو كرامة العيش، لا وصي عليكِ و لا قَوّام ـ سوى ما تقيمينه أنتِ لنفسكِ من حدود، وما تُجلِّينه من قيم و مفاهيم، وما يزدهر في حدائق مشاعركِ النقية من أوراد ـ ولا حامل سياط يهُش بها عليكِ حين تسكُنين وادعة.

عبدالله الشقليني
9فبراير 2019
أضف رد جديد