كلمة الدكتورة عائشة موسى ( محطات في حياة د. محمدعبدالحي )

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

كلمة الدكتورة عائشة موسى ( محطات في حياة د. محمدعبدالحي )

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


لمنْ بُردة الشعر .. يا تُرى ؟

تلك البُردة قد فضّ غلافها سيدنا في الأعالي ،
وفي الهمهمة الصادرة من أزيز النفوس حين تتلاقى ،
هذه أمسية ، لحَضرة نيرة ، للأرواح المؤتلفة أن تلتقي بعضها ،
على نار الحفاوة بعندليب الشِعر العربي " الدكتور محمد عبد الحي " ، بغنائيته بنظم جديد وأبجدية جديدة للطرب .
هذا يوم للوفاء للكلمة التي هي أمضى من النصال ، وأورق من شجر الربيع ،
انزاحت البسمة عن غيمة الرحيل ، ولبس الحُزن ثياب الفرح ، فعادت عذوبة الشاعر وقد مدّ ذراعيه إلينا ، ووشوشت الريح بلغة أبلغُ من الهمس ،
واخضرّت الأمسية بذاكرة تترنح في التفاف الدَرويش في لولبية عُرس الطرب .
هذا يوم ننحني فيه ، ونمسحُ جبين التاريخ أن مهدَ لهذا الجمع أن يلتقي، ونحن قد غيبتنا المهالك .
هذا الضوء الخافت من خلف نواح الفراق يمدُ أذرع الخير الشعري وهو يلثُم ذكرى نبيل الشِعر العربي الوثيق الصلة بتاريخ أمته " عبد الحي "
*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


كلمة الدكتورة عائشة موسى السعيد ( محطات في حياة عبدالحي ) 2011:

في مدينة الرياض بالمملكة

*

النادي السعودي الأدبي بالرياض منبر تشرفت بالانتساب لعضويته والمشاركة في أنشطته طيلة سنوات عملي بجامعتي الملك سعود والأمير سلطان، وتحت مظلته استمعت وتعرفت على العديد من الأصوات والسير الخالدة لعلامات ثقافية سعودية وعربية وعالمية أثرت وجودي بهذه البلاد الرحبة وقد شرفني النادي بشهادة تقدير اعتز بها.

لذا فأنا احمد هذه السانحة التي هيّأت لي فرصة الشكر والعرفان للنادي الأدبي بالرياض والجمعية السودانية للثقافة والآداب والفنون للحفاوة بشخصي وبالفعالية التي نعتبرها حدثاً هاماً ضرورياً في الأسرة وفي السودان وهاهي منذ سنوات تتجاوز تلك الحدود وباستضافتكم لذكرى شاعر سوداني والنظر في شعره إضافة ثمينة عملية في طريق وحدة الثقافة العربية وما أصدق ما قرأته اليوم لكاتب قال: الثقافة تتعمق بالتعدد .واسمحوا لي في هذه اللحظة أن أحيي أولادي يتابعون هذه اللحظة حفاوتكم عبر الفضاء.

تحدثت كثيراً عن محمد عبد الحي الذي تتحدثون عن شعره اليوم، لكنني ترددتُ هذه المرة في الحديث....
فالمستمع هذا المساء فوق انه استثنائي فقد اقتطع من أمسية رمضانية تأتِ مرة واحدة كل عام ليستمع لامرأة من السودان تتحدث عن زوجها وليشارك في إحياء الذكرى بالاستماع لشعره!
ولكن شهادتي أمام الله وأمامكم أن الرجل يستحق منا أن نسمع ما قال! يستحق سعيكم الذي سأحمله قلادة تزين ما مكنني منه محمد عبد الحي هذا المساء ومنذ أن رحل.
لأختصر حديثي وأنا مدرسة وكثيرة الكلام سأقف فقط في ثلاث محطات تهم موضوعكم هذا المساء والذي يمثل جزء من شعره فرضت علينا تسميته واهتمام محمد به، أن نوفيه حقه من البحث والتفسير. وهو مطولته العودة إلى سنار التي سمعناها من الابنة شيراز والتي تحفظ كل أشعار ابيها.

الأولى:

كنتُ في منتصف الستينات في بعثة بجامعة ليدز البريطانية للتدريب لنيل دبلوم اللغة الانجليزية كلغة أجنبية وبحكم أنني كنت سكرتيرة الجمعية السودانية فقد كُلّفت بمقابلة المبعوث محمد عبد الحي الذي سيحضر لدرجة الماجستير بنفس كليتي فذهبت وصديقتي الكندية لمقابلته بمحطة السكة حديد كما نسميها فجاء من لندن فقابلناه وعشيناه ووجدنا له سكن مؤقت ورجعنا لشقتنا وأصدرنا شهادتنا عنه:
كان رجلاً وسيماً شديد الغرور واسع المعارف عربي الملامح وأضافت الكندية:
But he is a gentleman
وبما أنني إقليمية من غرب السودان فقد رأيته مختلفاً عن الشكل السوداني المألوف (وأمامكم نماذج)
خلال ذاك العام علمت انه شاعر وان ليس له دواوين منشورة إلا أن الشارع السوداني صدح بأنشودته وراء جثمان الشهيد القرشي في ثورة اكتوبر 1964م ..عريس المجد؛ وقد عاصر بليدز الشاعر عبد المجيد حاج الأمين رحمه الله فكان معظم من يستمعون لأمسياتنا الشعرية يصفقون لعبد المجيد ولا يعبأون لما يقوله عبد الحي إلا قلة منهم فقط فلم تكن الآذان قد سمعت هذا الصنف من القصائد.
كان يُطلب منه القراءة وبعد إلحاح يقف ليقرأ واحدة من قصائده التي تشبه الهايكو الياباني في قِصرها ودلالاتها الرمزية الغريبة في معظم الأحيان مثل:

الحمامة الخضراء:

وتخرج الحمامة الخضراء
من جسد القتيل
تنوح في حديقة النخيل
أو
الحواس الخمس:

مغسولة كل الحواس فارحلي مع الطيور
يا روحُ حرةً فإن مطر الصباح أيقظ الجذور
بين صخور الزمن المهجور
أو
الشجرة الأخيرة:
تستيقظ كل الدروب
بين الدم والثور
للشجرة المشتعلة
تضيءُ في الفجر مثل النسر

وكان في ذلك الوقت يدور الجدل حول الشعر الحديث والشعر الملتزم بالبنية الشعرية التقليدية وقصيدة النثر وغير ذلك..
عموماً انتهى العام بأن غيّرت رأيي كقارئة للشعر والآداب بأن محمد عبد الحي يتحدث عن أشياء سابقة للعصر الذي نعيشه.

كانت رسالته للماجستير عن شاعر اسكتلندي إدوين موير- فُتحت له أبواب واسعة من خلال أستاذه وكان شاعراً هو الآخر لمقابلة والاضطلاع على الكثير من الشعر الأوروبي المعاصر وقام بعدة ترجمات من الانجليزية والفرنسية التي تعلمها خصيصاً لقراءة الشعر الفرنسي. فقد كان تخصصه الآداب المقارنة. وجُبنا أصقاع اسكتلنده وشمال انجلترا بعد ذلك إلى أن التقى زوجة موير وهي على فراش الموت تقريباً وأظنها رأت فيه البطل الأفريقي الذي رآه قومها فينا فأتحفته بما سماه كنوز من المعارف.
حصل علي درجة الماجستير في الفلسفة بتوصية الترفيع للدكتوراه الا انه آثر الانتقال إلي كلية برايزنوس بأكسفورد وكان قد جاءه القبول قبل إجازة الماجستير وحرر رسالته في كتاب باللغة الانجليزية أسماه:
The Angel and the Girl العذراء والملاك
لم يجد حظه من النشر بعد.

الثانية:

كانت دراسته في أكسفورد والتي جمعت بين الدراسة الأكاديمية والاجتهاد الفكري الثقافي الأدبي و الفني والرياضي .. كان يجتهد باللقاء برموز وشباب كل هذه المجالات ونشط إنتاجه الأدبي فنُشرت له عدة مقالات في دوريات عالمية ولم تكن سنار تشغله في هذه الفترة وكأنها بلغت سن الرُشد لديه فاحتفظ بها في ملفِ قصي. كان أستاذه البروفيسور مصطفى بدوي فارتبط نشاطه بمدرسة الدراسات الشرقية التابعة لسانت انتوني للدراسات العليا بأكسفورد فشارك في كتابة ومراجعة عدد من المعاجم والقواميس وانتهت الدكتوراه بتشخيص حالة ضيق الصمامات وضرورة العملية التي حال دونها إضراب عام في مستشفيات انجلترا فسافر رافضاً الانتظار .

وانتقت جامعة أكسفورد لتُحرر للنشر ونشرتها ايثاكا برس وموضوعها تأثير الأدب الأمريكي والانجليزي على الشعر الرومانسي العربي، نُشرت بالانجليزية وطلب مني محمد ترجمتها ورغم أنني لم أكن قد ضلعت في الترجمة في ذلك الحين أو شغلتني ظروف المرض والعمل والعيال فقمت بالترجمة خلال شهور العدة الأربع وظلت تنتظر من ينقحها وهي الآن تحت يد الدكتور عبد الله علي إبراهيم للتحكيم والنشر إن يسر الله.
أعقب عودته نشاط زائد لأجل الاستقرار وقد أصبحت له أسرة والعمل العام والبلد في حالة حراك وتأسيس قسم الترجمة بجامعة الخرطوم ثم رئاسة قسم اللغة الانجليزية والانتداب لإدارة مصلحة الثقافة والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير..

فقد أنجز للثقافة والمثقفين أعمال عديدة بدأت البناء لسياسات ثقافية معافاة لو وجدت من يتفهمها: مثل مراكز ثقافة الطفل وتطوير العمل المسرحي وتفعيل دور التشكيليين في المجتمع ومعهد الموسيقى والمسرح والأكروبات والفرق الشعبية وفتح المراكز الثقافية الإقليمية والملحق الثقافي للصحافة الذي ابرز الوجه الأدبي بشعره ونثره ونقده وبدء تقليد المهرجان الثقافي والذي دعي له رموز لامعة للآداب والفنون كان من ضمنها الوفد السعودي وأذكر أن جاءت ضمنه الدكتورة فاطمة عميدة كلية البنات بجامعة الملك سعود.
وتخلل كل هذا حرباً ضدية شرسة تستنكر تعامله مع السلطة العسكرية أو هذا أو الآخر من الأحزاب السياسية.
وبالفعل كانت فلسفة محمد أن تستخدم الوسائل المتيسرة المشروعة والمتاحة لتحقيق الأهداف الكبيرة لبناء الأمة ثقافياً وأن الطاقة الكبرى الكامنة التي يجب استغلالها لإحياء الثقافة السودانية هي التعدد والتباين العرقي بلا خدش لأصالته ولا إهانة أو مسخ لجذوره فهو الدانة التي تحتوي تفاصيلها على هوية أهل هذا البلد وإغفالها يؤدي إلى شتات لا مفر منه.
ومن منظوره أن صهر أو ربما مزج أصح هنا، هذه الثقافات المتعددة في سنارِ واحد يُثبت وحدة التراب الذي نمت فوقه هذه النخلات المتحدة الجذور والسوق المتعددة الفروع والتي يشير إليها قوله:
عربيٌ أنت؟......لا- - من بلاد الزنج؟......لا- - أنا منكم تائه جاء يغني بلسان ويصلي بلسان.

الثالثة:

سمعتُ في التعليق على شعر محمد عبد الحي انه كان متأثراً بالثقافة الغربية.
نحن في بلاد ما أُطلق عليه العالم الثالث رغم أولويته في ما يهمنا، نصنف التحضُر والتأخر حسب الملبس والمأكل و المشرب والمظهر وكان محمد يهتم كثيراً بمأكله وملبسه فأجرى عليه المجتمع ذات المقياس الذي استخدمناه أنا وزميلتي الكندية. خاصة وان إجادته للانجليزية لغة وآداباً عميقة الظلال وقد عزى البعض ذلك لطول إقامته هناك إلا أن هذا غير صحيح فهو ذات الشخص الذي التقيته في الستينات وفارقته في الثمانينات. وقد أثرت في نمط حياته وشعره وسلوكه أشياء أخرى ربما يتحدث عنها احد الأخوة هذا المساء .
هو الشيخ المتبحر في فتوحات محي الدين بن عربي والطبقات وما شابه الفصيح اللسان الدارس بعمق فقه اللغة والذي لا يقبل الخطأ اللغوي من طفل وكأنما أراد الله أن يمتحن هذه القدرات إذ فُلج محمد في عام 1980م وفقد النطق تماماً والحركة في الجانب الأيمن إلا انه بإصرار أسطوري استعاد من القدرات ما مكنه من الحياة الطبيعية رغم رأي الطب في الإصابة؛ ظل يكتب باليد اليسرى والتي كان قد روضها للكتابة قبل المرض ساخراً بنفسه إذا أصابه مكروه .

واستطاع أن يقدم ورقة وهو بعد في فترة النقاهة بأكسفورد عن الشاعر شيللي والعرب لمعهد الدراسات الشرقية كُنت اقرأ عنه ويحاول الشرح والإجابة على الأسئلة مستعيناً بالإشارات وقد كان جهداً خارقاً يستحق التصفيق الداوي والتهاني التي أعقبته.
ومن الأصدقاء المقربين في ذلك الحين والذي قد يكون حاضراً تلك الندوة الأخ الدكتور علي جاد والذي لن أنسى فضله إذ جاء خصيصاً من الرياض لعيادة محمد بعد العملية بلندن فليت تحياتي تصله وأسرته هذا المساء.

كان محمد في تلك الفترة يرى منامات كثيرة منها انه رأى البوصيري على حماره وقال له شيئاً ما وكان قد فرغ من قصيدته التي أسماها معلقة الإشارات: قصيدة نبوية في مقام الشعر والتاريخ وفيها الرد على من ظنوا أنهم رأوا في شعره نكهة شعراء الانجليز وقد جاءت الإشارات وفقاً لترتيب الأنبياء :

إشارة آدمية: بالأسماء ،نستدعي العالم من فوضاه؛ البحر. الصحراء. الحجر. الريح. الماء. الشجر. النار. الأنثى والظلمة والأضواء.
وإشارة نوحية؛ وإشارة إبراهيمية؛ وإشارة موسوية؛ وإشارة عيسوية؛ وإشارة محمدية:
فاجأتنا الحديقة انعقدت ورداً وناراً في قلبها الأضواء..والخيول النورية البيضاء..والطواويس نشّرت في بلاد الصحو ريشاً مُنسّجاً.. كل شئ في غصون الحقيقة..آس نارِ وموجةٌ في بحارِ عميقة
وكان مسكوناً بالهوية والشأن السوداني كثير التنقيب عن كل ما كُتب فيه وقد جمع عددا من المخطوطات نعكف الآن على ترتيبها ووضعها تحت يد من يفقه أمرها.

عاد هاجس سنار ينام به ويصحو ولولا قصر نظري في أمور الشعر وتحليله لجزمت انه نثر ما قاله في سنار في كل قصائده الأخرى فقد كان يعتبرها الرسالة التي يود توصيلها وقد اكتملت. فرفض المجموعات الباكرة من شعره وقال انه أحرقها إلا أن بعض أصدقائه مازالوا يتحفوننا بشذرات منها آخرها طرحها اليوم الدكتور عبد الرحمن الخانجي والذي كان على صلة وثيقة بمحمد. وقد تستطيع الابنة شيراز قراءتها إذا سمح الوقت رغم أنها لم تُوثق بعد.
ومن حرصه على سنار تركها وديعة لدى دار الوثائق السودانية وأوصى بفتحها بعد عشر سنوات من وفاته. وفعلاً ذهبت وابني وضاح لفتحها وأنا أمني النفس بثروة تعينني على تربية العيال فإذا بها تخصكم فقد كانت خمس مسودات لسنار تقاربت في لغتها ومحتواها واختلفت في نظمها ومازالت الوديعة طرف دار الوثائق وهي متاحة للبحث.
في عام 1987 وهو يزورني في مدينة مانشستر حيث ابتعثت لإكمال الماجستير فقد ذات أمسية الحركة تماماً ثم استعاد النصف الأعلى. وكما كان يقول ضاحكاً كعادته :خرجت من السودان على اثنين وعُدت على أربع.
وعلى تلك الأربع باشر حياته العادية بجامعة الخرطوم إلى أن فارقنا ذات أربعاء.
فانطفأ النور الذي لدربنا أضاء.
رحم الله عبده محمد عبد الحي ابن الحاجة عزيزة
والحمد لله رب العالمين.
*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

كتب الأكرم: محمد عبد الجليل:

وسط حضور كبير أقام نادي الرياض الأدبي مساء الأربعاء 18 رمضان 1432هـ الموافق 17 أغسطس 2011م أمسية أدبية سودانية بعنوان: (تأملات في العودة إلى سنار) للشاعر د. محمد عبدالحي في الذكرى الثانية والعشرين لرحيله وبمصاحبة معرض تشكيلي سوداني على هامش الأمسية شارك فيه من التشكيليين كل من: عبدالله الفكي، نجاة عثمان، شمس الدين آدم بشارة ومنى عثمان.

في بداية الأمسية تحدث الدكتور/ عبدالله الوشمي – رئيس النادي مرحباً بالحضور وقال: نسمع عن السودان ونتابع أخبار السودان ونتحدث عن السودان وها نحن اليوم نسمع السودان عبر سياق أدبي شعري من خلال الحديث عن رائد عربي كبير، وقد سبق أن احتفلنا في هذا النادي بالشاعر مصطفى سند والشاعر عالم عباس، نتمنى أن نمنهج هذه العلاقة بشراكة للقاء شهري، فرغم أن النادي قد دأب على إقامة الأيام العربية والأجنبية فقد لاحظنا أن النشاط السوداني هو الأكثر حرصاً ونشاطاً وتميزاً من خلال تثمين قيمتيّ النبل والوفاء للمبدعين.

سعيد بإسمي واسم مثقفي هذا البلد أن نسعد بالثقافة السودانية وشكراً للأستاذ محمد عبدالجليل والدكتورة شيراز عبدالحي والشاعر نصار الحاج على تنسيقهم المميز لإنجاح هذه الفعالية.

*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


كتب محمد عبد الجليل :

بعد كلمة د. الوشمي تولى محمد عبدالجليل إدارة الأمسية .. وقال:

بإسم الجمعية السودانية للثقافة والآداب والفنون يسعدني أن أرحب بالحضور الكريم من الإخوة والأخوات في هذا المساء الرمضاني العبق وشكراً للمملكة العربية السعودية – شكراً لمدينة الرياض .. شكراً لنادي الرياض الأدبي .. شكراً للدكتور عبدالله الوشمي، الذي أغناني بكلمته عن كثير وعبّر عن بعض ما كنت أود قوله بأحسن مما كنت سأفعل، فقد كنت أرى أن علاقة الجمعية بالنادي لا تكفي فيها شكراً ، وقد ظللنا في الجمعية نتابع نشاطات نادي الرياض الأدبي وما يقوم به من جهد ثقافي عالي القيمة ودعواته للعديد من رموز الأدب والثقافة والفن ليس من المملكة العربية السعودية أو البلدان العربية فحسب بل من جميع أنحاء العالم لإثراء نشاطاته من منطلق أن الثقافة تزدهر بالتعدد، وظللنا نتناول نشاطات نادي الرياض الأدبي عبر منتدياتنا الثقافية السودانية بتقدير كبير .. وظل حظنا من إستضافة النادي للفعاليات السودانية كبيراً ومقدراً ، استعير هنا ما قاله شاعر سوداني:
لو قلت شكرا لا تفي وقولاً يعبر ماهو في


ولننتقل من كلمات الشكر لندخل في دائرة المساهمة الفعالة في أنشطة النادي، لا سيما وأن النادي بالإضافة إلى فعالياته في مجالات الأدب والثقافة والفكر لديه أيضاً نشاط ثر في مجال إقامة الدورات التدريبية في: اللغة العربية، الكمبيوتر، التصوير ، التحرير .. وغير ذلك، وأنتهز هذه الفرصة لأدعو الإخوة والأخوات الحضور لتسجيل أسمائهم لتصبح جزءاً من قاعدة بيانات النادي وسوف تصلهم الدعوات لكل الأنشطة والدورات التي يقيمها النادي كما أعرف أن هنالك العديد من الإخوة المتخصصين في المجالات التي تشملها الدورات التي يقيمها النادي الأدبي بالرياض وبإمكانهم المشاركة كمدربين عبر التنسيق مع إدارة النادي.

موضوعنا اليوم: تأملات في العودة إلى سنار للشاعر الدكتور محمد عبدالحي:
ومن حق الحضور وبالأخص من الإخوة والأخوات غير السودانيين معرفة سنار؟ وماذا تعني العودة إليها؟ ومن هو محمد عبدالحي؟ ..

محمد عبدالحي محمود
الميلاد الخرطوم 11 يناير 1944م
- بكالوريوس آداب جامعة الخرطوم 1967
- ماجستير الأدب الإنجليزي جامعة ليدز 1970
بعنوان الملاك والعذراء The Engle and the Girl
- دكتوراة الآداب المقارنة جامعة أكسفورد كلية برزنوس 1973
بعنوان :
The Effect of English and American Literature on Arabic Romantic Poetry
التأصيل والتأثير الإنجليزي والأمريكي في الشعر العربي الرومانسي
قامت بترجمتها رفيقة دربه الأستاذة عائشة موسى السعيد وهي حاضرة هنا هذا المساء وستكون أحد المتحدثين، وقد أنجزت هذه الترجمة بعد وفاته مباشرة وفي ظروف بالغة التعقيد لتتيح لقراء العربية والمهتمين بالشأن الأدبي والثقافي عملاً أدبياً إبداعياً كبيرا لرجل كبير ويؤمل أن تأخذ هذه الترجمة طريقها لدور النشر قريباً إن شاء الله.
عملت الأستاذة عائشة موسى السعيد أستاذة للترجمة بجامعة الملك سعود من سبتمبر 1990 حتى العام 2003م حيث أحيلت للمعاش وواصلت العمل في جامعة الأمير سلطان قسم اللغة الإنجليزية / الترجمة حتى سبتمبر 2008م، وعادت للسودان وقد تم اختيارها عضواً في لجنة أمناء جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، وهي أيضاْ رئيس لجان التحكيم لجائزة غادة للإبداع الكتابي للشباب من سن 14 – 18 سنة.

عمل د. محمد عبدالحي.
- أستاذ مشارك جامعة الخرطوم
- رئيس قسم الترجمة – جامعة الخرطوم
- مدير عام مصلحة الثقافة السودانية بالانتداب 1976
أب لأربعة: وضاح/شيراز/محمد المعتز وريل
توفى – يرحمه الله - بمستشفى سوبا الجامعي بالخرطوم مساء الأربعاء
23 أغسطس 1989م

وقد أنجز عبد الحي خلال حياته القصيرة العديد من الأعمال الشعرية:
العودة إلى سنار : قصيدة طويلة من خمسة أناشيد (ديوان) نتأملها الليلة
السمندل يغني – صدرت عن مصلحة الثقافة 1977م
معلقة الإشارات – عن مصلحة الثقافة 1977م
حديقة الورد الأخيرة : عن دار الثقافة وشركة رانيا عام 1984م
رؤيا الملك (مسرحية شعرية) منشورات نادي المسرح السوداني 1989م
الله في زمن العنف – دار جامعة الخرطوم للنشر عام 1991م

بالإضافة لأعماله الشعرية أنجز محمد عبد الحي العديد من الدراسات والكتابات النقدية نذكر منها الرؤيا والكلمات التي كرسها لقراءة شعر التجاني يوسف بشير وأقنعة القبيلة وهو عبارة عن شعر أفريقي مترجم، الأسطورة الأفريقية صدرت في القاهرة و Conflict and Identity الصراع والهوية .

منذ أن نشرت العودة إلى سنار في العام 1963 ظل عبد الحي يشتغل عليها حتى أصبحت توجد منها عدة نسخ وقد حظيت العودة بكثير من الدراسات الجادة كتبت بواسطة نقاد سودانيين أو عرب ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر: أحمد الأمين أحمد /مجذوب عيدروس/نجاة محمود/ سلمى خضراء الجيوسي/عبده بدوي/ وسيد أملس وغيرهم .

وقد قال عبد الحي عن وقفاته الطويلة وتعديلاته على العودة إلى سنار:
" لقد أصبحت هذه القصيدة مركزاً جاذباً لقواي الشعرية، إذا لم أتخلص منها ستظل تجتذبني وذلك مضر".

في ستينيات القرن الماضي ظهر في السودان ما عُرف بمفهوم الغابة والصحراء أو مدرسة الغابة والصحراء كما يفضل البعض، ومن أعلام تلك المدرسة الشعراء محمد عبدالحي /محمد المكي إبراهيم/النور عثمان أبكر وغيرهم وقد كتبوا شعراً جديدا من حيث الشكل والمحتوى عبروا من خلاله عن مشكل الهُوية، في بلد متعدد الألسن والسحنات والمعتقدات. الجدير بالذكر أن محمد عبدالحي قد كتب وأبدع الشعر العمودي ، والتفعيلة ، وقصيدة النثر وظل رافضا لفكرة تصنيف تجربته الشعرية ضمن مجموعة الغابة والصحراء، وربما كان أشد نفي صادر عن كونه لا ينتمي للجماعة الغابة والصحراء هو ما جاء في رده على مقال كتبته الناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي عن العودة إلى سنار .. قال:

"الأمر عندي هو أنني لست شاعراً من شعراء الجماعة فأنا أتكلم
بصوتي الخاص بي، أعمقه وأثقفه حتى يتزاوج فيه الخاص بالعام،
والعام عندي هو تجربة الإنسان الواحدة المتكررة الباطنية الأعمق أو
الأعلى من الزمن ؛ التي لا تتغير في جوهرها بل تتشكل في أشكال
جديدة في كل عصر".

**
يصاحب هذه الأمسية عرض تشكيلي أبدعه كل من:
الفنان التشكيلي: عبدالله الفكي
الفنانة التشكيلية: نجاة عثمان
الفنان التشكيلي: شمس الدين آدم بشارة
الفنانة التشكيلية: منى عثمان

فقولوا لهم شكراً ..
**
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

قراءة جديدة في العودة إلى سنار
تقديم: د. فاطمة القاسم شداد


«1»
في حضرة العمالقة
ذكرى الغياب
فاجأتني صديقتي ورفيقتي في زمن كالح عشته في غربتي، كانت لي
فيه نعم الرفقة والعون بقدر ما كانت تشيع حولها بفيض معرفي ادبي
لا يعرف الملل، كانت دائمة الابتكار لأمور ادبية وثقافية لا نفكر فيها
في غمرة انشغالنا بالحياة. وكانت المفاجأة هي هذه الدراسة الرصينة
بعنوان «قراءة جديدة في ديوان العودة إلى سنار» للشاعر محمد عبد
الحي.. تقديم فاطمة القاسم شدادففهمت سر نبشها في أوراقي عن
كل ما يتعلق بسنار.
كتبت هذه الورقة في عام 1995م باجتهاد شديد في جمع المصادر،
اذ لم نكن في ذلك الحين قد فتحنا وديعته التي أودعها، مما كان قد
يفيدها كثيراً في البحث.
ولكن بما حصلت عليه من مخطوطات أجرت مقارنة دقيقة لكل حذف
او اضافة اوتغيير ما بين 1962 و1985 . وقسمتها الى ثلاث
مراحل:
- مرحلة الستينيات و السبعينيات و الثمانينيات.
- ثم ختمتها بهوامش و ثبت المراجع.
واعتقد انها دراسة جديرة بالاهتمام، شأنها شأن بحوث الدكتورة
فاطمة شداد التي تتسم بالصدق والمثابرة، ولااريد ان افسدها
بالتلخيص.. لذا سننشرها على حلقات حتى تجد طريقها للنشر
في كتاب، كما ارادت فاطمة وكما وعد الاخ الاستاذ نصر الدين شداد،
له وللأسرة الود والتحية.
رحم الله فاطمة شداد
رحم الله محمد عبد الحي
ورحم الله محمد محمد علي
عائشة موسى
***
اولاً ــ نفذة تعريفية:
٭ افتتح الشاعر الناقد احمد عبدالمعطي حجازي- في تعليقه على
ديوان «حديقة الورد الاخيرة» للشاعر محمد عبد الحي- مقاله
بقوله:
«لا بد أن يتهم المرء نفسه أو يتهم الحياة الأدبية حين يتعرف على
غيرانتظار بهذا الشاعر الذي اقدمه لكم اليوم، فيفاجأ بموهبة فريدة،
كان حقها أن تقدممن أول قصيدة، فكيف وقد أصدر الشاعر الى الآن
سبعة كتب، ظهر اولها قبل اثنين وعشرينعاماً وظهر الاخير الذي
عرفت به الشاعر هذا العام.
إن مسؤوليتنا، بما فينا الشاعر نفسه، لا تنكر.. ولكن المسؤولية
الأولى تقع على هذه الحياة الادبية التينعيشها، والتي تحكمها شروط
تقطع الطريق على الموهوبين وتثير الضجيج حول أدعياء كثيرين.
لقد عبر أحمد عبد المعطي حجازي بصدق كامل، عما يحسه الكثيرون
في أن ملابسات كثيرة ومختلفة في الحياة تقطع الطريق أمام الموهوبين
من المبدعين. وتفتح الطريق بلا تحفظ أمام الادعياء.
والشاعر الناقد محمد عبد الحي «1944م ــ 1989م» من المبدعين
الذين اسهموا اسهاماً جدياً في ترسيخ اقدام القصيدة العربية في
العالم العربي منذ بداية الستينيات من هذا القرن، وقد اضاف خطابه
الشعري تجارب عميقة لمسارالقصيدة العربية على مستوى الشكل
المنجز في نصوصه، وعلى مستوى المضامين التي أبحرت قصيدته
للإمساك بها في محيط واقع ثقافي معقد.
وتشير المؤثرات الثقافية في تكوين عبد الحي الى تمازج الثقافتين
التراثية والوافدة في مرحلة تعليمه النظامي بين جامعة الخرطوم
والجامعات البريطانية، فالشهادة الجامعية الاولى من بلاده والشهادتان
الاخيرتان من ليدز واسكفورد بالمملكة المتحدة في مجالي الادب
الانجليزي والأدب المقارن.
وعرف عبد الحي- بجانب التعليم النظامي- بسمة اطلاعه في شتى
مجالات المعرفة الإنسانية بصفة عامة، كما شهر بتبحره المتواصل
في أعماق التراث الادبي العربي منه والاجنبي. وقد توجت جهوده
العلمية بترقيته الى درجة الأستاذية من جامعة الخرطوم قسم اللغة
الانجليزية، حيث كان يعمل عضواً في هيئة التدريس.

وبدأ عبد الحي نشر نتاجه الادبي منذ بداية الستينيات، وظل يكتب
بلا توقف حتى وفاته عام 1989م، متخطياً الظروف المرضية
القاسية التي أحاطت به منذ بداية الثمانينيات، وعلى الرغم من مرضه
ظل متحلياً بالصبر والجلد والكبرياء، مقاوماً المرض الذي لازمه حتى
آخر يوم في حياته، وقد أثرى عبد الحي كلاً من المكتبتين الشعرية
والنثرية بنتاجه الغزير في مجالي الشعر والنشر، فظهرت له في مجال
الشعر ثماني مجموعات مطبوعة هى «العودة الى سنار، أجراس القمر،
السمندل يغني، معلقة الإشارات، حديقة الورد الأخيرة، الله في زمن
العنف، رؤيا الملك «مسرحية شعرية» أعراس البحر «مسرحية
غنائية».
ونشر عبدالحي في مجال الدراسات النقدية والأدبية، عدداً كبيراً من
دراساته، من أهمها «الحرية والضرورة في شعر أدوين ميور»
وهى رسالته لدرجة الماجستير «ليدز 1969» و«التراث والتأثيرات
الانجليزية والامريكية على الشعر العربي الحديث»، وهى رسالته
لدرجة الدكتوراة، اكسفورد 1973م، وقد نشرت في كتاب 1982،
و«الاسطورة الاغريقية في الشعر العربي المعاصر 1900-1950م»
و«الهوية والتعدد» و«شعراء انجليز في العربية»، و«الرؤيا
والكلمات»، و«قراءة من شعر التجاني يوسف بشير»، هذا بجانب
نشره لعدد من الدراسات الادبية في دوريات عربية وأجنبية، وكان
عبد الحي بجانب الشعر والتأليف يسهم في المؤتمرات العلمية
واللقاءات الثقافية داخل البلاد وخارجها.

ثانياً: العودة إلى سنار
مقدمة:
٭ يرتكز ديوان «العودة الى سنار» على مطولة الشاعرالتي حملت
هذا المسمى، وهى قصيدة من خمسة اناشيد طويلة، وتمثل هذه
القصيدة بنصوصها المختلفة منذ بداية ظهورها في عام 1963م
الى نهاية تكوينها في نصها النهائي عام 1985م، مراحل التحول
والتغير والنمو المتواصل في شاعرية عبد الحي، كما يشير الى
ذلك الشاعر نفسه في رسالة بعث بها الى صديق له عام 1972م.
«ارسل اليك مراحل الـ Foetus للقصيدة تحولاتها تحولاتي.. منذ
أن كتبت ثم نشرت في الرأى العام في ديسمبر 1963، ثم حوار
1965م، ثم كتابتها مرة أخرى في يوركشير واكسفوردشير»،
ويشير الى أنه قد أعاد كتابتها سبع مرات أو نحو ذلك، وكأنها
تدرج من مقام الى مقام، حيث تاريخ الذات وتاريخ القبيلة شيء
واحد».
ويعتبر عبد الحي هذه القصيدة «دفعة من كيان الفنان في شبابه
حينما رغب، كما رغب جويس أن يشكل مصهر روحه ضمير أمته
الذي لم يخلق بعد، كما يعدها فتحاً آخر ومركزاً لقواه الشعرية.
لذلك فهى في رأيي من أهم أعماله الإبداعية لأنها عمل متعدد
المستويات، اتسعت فيه تجربة الشاعر الذاتية بكل تداعياتها
ومعطياتها الخاصة، لتلتحم مع تجربة كلية تغوص الذاكرة في
اعماقها- متخطية حدود الزمان، والمكان، والتاريخ- هادفة الى
اعادة البناء، ووصل لجذور وخلق عالم جديد ومتناغم، فقد
عبرت القصيدة مراحل زمنية متعددة انتهت بالمستوى الختامي
المثبت في الديوان الاخير الصادر عن دار النشر بجامعة الخرطوم
عام 1985م قبل وفاة الشاعر بأربع سنوات.
ولعل إشارات عبد الحي لكل من جيمس جريس وعذرا باوند ولا تزال
سنارفي مراحل التدرج الاولى- وفقاً للمقامات المتداخلة التي شكلت
رؤية الشاعر النهائية بعد ذلك بما يزيد عن العشر سنوات- دلالة
واضحة على حاسة التنبؤ لدى الشاعر التي جعلته يوقن بأن هذه
القصيدة ستبلغ درجة الأعمال العالمية الخالدة المُشار الى اصحابها.
لا سيما أن تلك الاعمال التي استضاء بها الشاعر قد انتهجت المنهج
التدرجي نفسه، فقصيدة «الأرض اليباب» لإليوت كانت هاجساً
مسيطراً على إليوت قبل كتابتها بسنوات، ثم كتبت على مراحل
زمنية متفاوتة، ورُفدت وهى في شكلها النهائي بمقطوعات من
شعر الشاعر كانت سابقة لتاريخ القصيدة، وقد اشترك عذرا باوند،
صديق الشاعر في عملية التنقيح والاضافة والحذف قبل أن يصل النص
الى شكله النهائي.
أما رواية «صورة الفنان في شبابه» وهى الرواية التي تمثل اطوار
حياة الكاتب في مراحل نموه النفسي والعقلي، فقد امتدت فترة كتابتها
الى عشر سنوات من عام 1940-941م.
ومعلوم ان اناشيد عذرا باوند نفسه قد تنمو وتتطور عبر مراحل
حياته الادبية.
وتعرضت قصيدة «العودة الى سنار» في مراحل ظهورها المختلفة الى
قراءات نقدية متعددة من قبل عدد من الدارسين والنقاد، وقد حاولت
تلك القراءات الاقتراب من النص المتاح في حينه، ولكني لم الحظ
في جميع ما توفر لدي من تلك القراءات، وجود دراسة عُنيت بتشبع
مراحل النمو داخل النص، أو ما أسماه الشاعر مراحل الـ Foetus .
والمعنى الدقيق لكلمة Foetus كما جاء في قاموس اللغة الانجليزية
هو مراحل نمو الجنين داخل الرحم من الاسبوع الثامن الى تاريخ
الولادة، والارجح أن الشاعر قد قصد باثباته الكلمة الانجليزية بنصها
التنبيه الى الجانب التدريجي المرحلي في بناء «العودة الى سنار»،
لافتاً الانظار في الوقت نفسه الى عملية التمازج والالتئام بين الذات
الفردية «الجنين» والذات «الجمعية»- معطيات الرحم أو البيئة
المغذية للجنين في مراحل التكون البطئ، حيث يلتئم تاريخ الذات
بتاريخ القبيلة.
٭ إن القراءة الحالية للقصيدة تهدف للغوص في أحشاء «العودة الى
سنار» منذ أن كانت جنيناً في مراحل النمو الاول، في الستينيات الى
ان اصبحت عملاً ابداعياً كاملاً. وهو عمل يجمع شتات جزئيات الرؤية،
ويقدم في النهاية التجربة الشاملة في منتصف الثمانينيات.
وربما حفز كاتبة القراءة الحالية الى انتهاج هذا المسلك، أمر لعله
لم يتوفر لغيرها، وهو حصولها على نص اصلي للمخطوط بخط
الشاعر، وهو مخطوط تاريخه مايو 1970م.
كما حظيت الباحثة برسالة «شخصية» غير منشورة يذكر الشاعر
فيها أن الارهاصات الاولى لهذه القصيدة قد بدأت وهومازال في
المرحلة الثانوية في مدرسة حنتوب، ثم امتدت خلال دراسته
الجامعية، ثم تواصلت بعد ذلك، هذا بجانب حصول الباحثة على
نسخ قديمة منشورة للقصيدة يرجع تاريخها الى الستينيات،
وأهمها النص الذي نشر في مجلة «حوار» البيروتية عام 1965م،
وقد اشاراليه الشاعر في رسالته السابقة الذكر الى صديقه خالد
المبارك، كما استعانت الدراسة بالطبعتين الأخيرتين الصادرتين عن
دار النشر بجامعة الخرطوم، في عامي 1973و 1985م.

وهكذا فقد أتيح للباحثة فرصة الوقوف على مراحل النمو Foetus
داخل تلك النصوص مدعمة بلسان شاعرها وهو يردد
«وهل أنا غير حصاة تتبلور فوق جمر الأغنية».

وقبل البدء في دراسة النص أرى أنه من الضروري في ختام هذه
المقدمة الاشارة الموجزة الى مؤثرين لهما أهمية قصوى في تكوين
شاعرية عبد الحي في «العودة الى سنار» وفي أعماله الشعرية
الاخرى بصفة عامة.
واولهما: المؤثر الثقافي الجامع بين استيعاب التراثين «العربي
والغربي» فالتراث العربي- لدى عبد الحي- يُعد الاصل والينبوع
الاول الذي يفجر طاقة الابداع، وكان دوماً يؤكد ضرورة هذا المؤثر
في تكوين الشعراء بوجه عام،حيث يرى أنه: «علينا ان نبحث
عن وحدة شجرة الشعر العربي في استمرار العناصرالداخلية التي
تصل بين جذورها وفروعها وثمارها وفي مواسمها المختلفة.
ولا قيمة للأثر الأجنبي إلا بمقدار ما تمثلت الشجرة عناصره،
وامتصتها في نسيجها وجعلتها جزءاً من طبيعتها».
ويمكن داخل التراث العربي الذي استوعبه عبد الحي و«اعانته
موهبته القوية المستقلة عن تخطيه والانتقال به الى مستوى جديد
في المعنى والاسلوب»،التراث الصوفي الذي يمثل حضوراً خاصاً في
«العودة الى سنار».
ثم يتخذ التراث الإفريقي المحلي كذلك مكانة لا تخفى في شحذ قريحة
الشاعر وثرائها.
وقد تحقق مؤثر التراث الغربي لدى عبد الحي عن طريق القراءة
المتخصصة، مع الاقامة في البيئة الغربية نفسها قرابة العشر سنوات،
وهى مرحلة الدراسة لشهادتي الماجستير والدكتوراة، وقضاها
الشاعر بين جامعتي ليدز واكسفورد، وبجانب القراءات والتنقيب
في مصادر الادب الانجليزي، الرومانسي والحديث، في محاولة
لإيجاد الجسور بينه والادب العربي.
وكان لوجود عبد الحي في مدينة اكسفورد المتميزة بعبقها الخاص
المفعم بالزخم التاريخي، ومناخها العلمي الذي يمتزج فيه الواقع
بالاسطوري، خصوصية لا تنكر في إثراء تجربته الشعرية ووصلها
بمؤثرات التراث المحلي.
وإن كان عبد الحي قد ظل يؤكد دائماً أن مؤثرالتراث العربي بالنسبة
له هو الاصل، لكنه لم ينكر أهمية المؤثر الغربي في إثراءا لأدب،
حيث يراه «كالريح التي تستثير جمراً كامناً في رمادها حين يتراكم
هذا الرماد لضعف يصيب الثقافة أو الشعر في فترة ما».
وهو «قد يدفع بحركة تولدت من صلب العناصرالاصلية ويزيدها
نشاطاً، فهو مثل السماد الذي يساعد على ازدهار النبات، ولعله
احياناً عنصر ضروري لهذا الازدهار، لعل النبات يظل احياناً ضعيفاً
ضئيلاً دونه ولكنه حتماً ليس اصل النبات او بذرته».

إذن فبامتزاج البذرة الأصل وامتزاجها بالسماد «العنصر المجلوب»
برزت التجربة الشعرية الكاملة في ديوان «العودة إلى سنار»
مما يجعلنا نتفق مع الشاعر الناقد محمد المهدي المجذوب في
تعليقه على شعر عبد الحي بقوله:
«فهذا الشعر نسيج ملتحم أصيل، والتوفيق بين التراث العربي
وحضارة العصروتراثها الانساني أمر دقيق لا يستوي إلا على
يدي ملكة قاهرة رزق الله بها عبد الحي.
«وهو على كل شيء قدير».

أما المؤثر الثاني فهو تجربة المرض الذي عانى منه الشاعر عشر
سنوات منذ عام 1980م، وقد دفع المرض به الى معوقات
ومشكلات كثيرة، حينما اصيب بالشلل الجزئي ثم النصفي، كما
أحدث الشلل- أول أمره- تأثيراً على مركز اللغات لديه.
إلا أن قوة ارادة عبد الحي، وصدق إيمانه حولتا تلك العوامل
السلبية الى عوامل إيجابية، فتعلم الكتابة باليد اليسرى، وظل
يواصل العطاء دون توقف، وقد جعلته هذه التجربة يغير نظرته
لبعض الاشياء والمواقف، كما امدته بشفافية زادت من رهافة
حسه، ورفدته بقوة تأملية. وكان يقول وهو في ذروة مرضه
«الآن فقط وقفت على قدمي- لقد أوصلني لهذا المرض».
وكانت له قدرة ساحرة على امتصاص أحزانه وأحزان من حوله،
بروح من السخرية يحاول عن طريقها التخفيف عن نفسه والآخرين،
فعند قدومه من لندن بعد نوبة المرض الثاني التي المت به بعد
منتصف الثمانينيات، وكان حينها يجلس على كرسي متحرك،
كان يقول «ذهبت برجلين وعدت بأربعة أرجل»
كما أثر عنه قوله وهو طريح مستشفى سوبا بالسودان
في آخر أيامه:
«من نعم الله علىَّ ان عيوني ترى، وعقلي
يفكر وكل ما عداه ما يعتبر عطل فني».
وهكذا تضافرت المؤثرات السابقة لتنسج خطوط «العودة إلى سنار»
التي نضجت على مراحل ثلاث، كانت أولها مرحلة الستينيات
والشاعر في العشرين من العمر، ثم مرحلة السبعينيات والشاعر
على مشارف الثلاثين، ثم أخيراً مرحلة الثمانينيات والشاعر في
الأربعين من عمره، وقد توفاه الله بعد ذلك بسنوات قليلة.

وكأنما كان عبد الحي يتحدث عن شعره بصفة عامة، وعن «العودة
الى سنار» بصفة خاصة عندما نشر دراسته «الرؤية والكلمات»
عن الشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير في العام نفسه الذي
نشر فيه طبعته الاخيرة لديوان «العودة الى سنار»، فقد ختم
مقدمة دراسته عن شعر التيجاني بقوله :
«الشعر عند التيجاني- مراحل ثلاث:
انقسام النفس- وتطوره باللغة- اللغة السحرية- الرمز
الى تصالح النفس والتئامه بالعالم والاشيا ءالعادي بالقدسي،
وأخيراً ظهور الشاعر الناضج يحمل مسؤوليته وتاريخه الانساني
والكوني، وثقافته القومية، وشعبه، وسياسته، وطبيعته، حتى
وصل الى ذروة الشعر».
......

الصحافة : 31-أغسطس-
2010

*

https://www.tawtheegonline.com/vb/showt ... hp?t=33877
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

قراءة جديدة في العودة إلى سنار
"2"
د. فاطمة القاسم شداد

الصحافة
14 سبتمبر 2010م
****
قدمنا في الحلقة الاولى الجزء الاول من ورقة الراحلة د. فاطمة القاسم
شداد بمقدمة للاستاذة عائشة موسى، وقد تضمنت الحلقة المنشورة
المقدمات، وفي هذاالجزء نتناول مراحل التطور التي مرت بها
قصيدة «العودة الى سنار» منذ عام 3691م.
«المحرر»
العودة الى سنار «الدراسة» مراحل الـ «Foetuos»
النمو والتطور المرحلة الاولى- مرحلة الستينيات:
افرزت هذه المرحلة بدايات رؤيا «العودةالى سنار» والشاعر في العقد
الثاني من العمر، وتعكس هذه الرؤيا نصوص ثلاثة هي: قصيدة «سنار
1965» وقصيدة «مروي 1962» وهما قصيدتان قصيرتان نشرهما
الشاعر في ديواني «وجهان في مفازة الفردوس» وهو الديوان الذي لم
ير النور، و«السمندل يغني» المنشور عام 1988م.
اما النص الثالث فهو نص طويل مكون من اربعة اناشيد يحمل مسمى
«على ابواب سنار» وقد نشر عام 1965م في مجلة حوار البيروتية.
والنصان الاولان: «سنار 1965» و«مروي 1962» لا يعتبران
جزءاً من البناء العضوي لقصيدة «العودة الى سنار» ولكنهما يمثلان
مرحلة من مراحل التجربة الشعرية المفضية الى العودة النهائية
للقصيدة، وكأنهما كانا مرحلة الارهاص للفكرة الاساسية المتمثلة في
النص الاخير، وهي فكرة التوحيد والمزج بين الماضي والحاضر، في
محاولة لخلق انسجام تام بينهما عن طريق الفن.
وفي هذين النصين كانت «العودة الى سنار» اقرب الى الحلم الرومانسي
المشرب بالغيوم، في طريقه المفروش بالاشواك والرمال، «كان مدنا
مدفونة في الرمل» و«اشباحاً تتراءى» كما تبدو الصورة في سنار
1965م.
حين أبحرنا الى «سنار» عبر الليل كانت
سدرة التاريخ تهتز بريح قادم من جزر الموتى
وكان الكروان الاسود والريش يغني
في غصون الشوك صوتاً
كان غناء على شرفة «تهراقا» قديما...
ثم امعناه مع الريح على الصحراء والصحراء
كانت مدنا مدفونة في الرمل، اشباحاً تتراءى
وعظاما نخرت
وفي مروي 1962م يقف الشاعرمتأملاً أنقاض الماضي:
في القفز وحدي تحت شمس «مروي» اقرأ في حطام
احجارها السوداء والرخام
انصت للعصفور
بين بساتين النخيل والرمال والصخور
مغنياً عبر العصور
البداية من منظور الابيات السابقة مفعمة بالضبابية،وكأنما الشاعر
يجسد لحظة الشعور بالوحدة والضياع التي تمثلها مرحلة الانفصال
عن الماضي، ذلك الماضي الذي تفصله مساحات شاسعة عبر تاريخ
قديم بعضه يضرب في اعماق عصور ما قبل الميلاد، «شرفة تهراقا»،
وآثار مملكة مروي القديمة: وبعضه يرجع ثلاثة قرون قبل عصر الشاعر
«مملكة سنار» ويسهم القاموس اللغوي الذي عمد اليه الشاعر هنا
«جزر الموتى» و«الكروان الاسود الريش» وغصون الشوك، والعظام
النخرات، والقفز وحطام الاحجار، بفعالية في تجسيم لحظة التأزم النفسي
التي سرعان ما يتخطاها الشاعر حين يلجأ الى رموز تراثية من احشاء
تاريخ بلاده القديم الذي يمثل مراحل الازدهار،فالحاكم تهراقا
698-683ق.م يرمز للخصب والقوة، وقد عرف بالكفاءة والقدرة
على مجابهة الخطر، وقد استبشر الناس خيراً بعهده حين فاض النهر
الى درجة لم يبلغها من قبل،ومملكة سنار تمثل مجمعاً للآداب والفنون
والعلوم، ومملكة مروي القديمة لها تاريخها المتميز بالعطاء.
إذن «تهراقا» و«سنار» و«مروي» موروثات مشحونة بدلالات ثرة
وحية في ضمير الشاعر. وعندما يعمد الشاعر الى استلهامها في صلب
نصه، انما يعمد الى تفجير طاقاتها الشعورية والوجدانية الكامنة في
اعماقها، وتحويلها الى دلالات معاصرة موجبة على التلاحم بين الموروث
وواقع الشاعر النفسي، وقد وجد الشاعر في استلهام التاريخ عن طريق
هذه الرموز ذات الابعاد الغنية مددا روحياً يعينه على تخطي لحظة
التمزق الراهنة.
وتعلن المقاطع التالية لمقطع الافتتاح - في كلا النصين- هذا الموقف
بلا تحفظ، فنحس في المقطع الثاني من «مروي 1962» فرحة
الشاعر تطل بين الكلمات، وهو يتخيل في رؤية ابداعية طموحة تلاشي
المساحات الزمنية، حتى انه يستطيعان يتحسس بيده «صاحبه وملكه»،
و«الملك هنا رمز لكل ملوك مملكة مروي الذين لعبوا ادواراً مميزة في
تاريخ السودان القديم».
ألمس بالكف جبين صاحبي وملكي
امر بالاصبع فوق ثنية الحاجب
والعيون والشفاه
اية اشكال وراء النظر الصخري
ياملكي - اية أحكام على الشفاه
ليس لنا سوى القبول
ليس لنا
وفي انتظار كليلة الحصاد كي تبارك الحقول
وفي انتظارك البتول ليلة التمام كي تكتمل البتول
وان كان الشاعر في مروي 1962 يقف على ارض بكر بتول، ماداً
بصره ويده الى انقاض مدينة مروي، ليلة الحصاد لمباركة الحقول
الواعدة، في محاولة لايجاد القنوات بين الماضي والحاضر، فإنه في
قصيدة «سنار 1965» وبعد ان تخطى العقبات الاولى، يجد ان الرؤية
قد بدأت اكثر وضوحا حين ظهرت اولى الابواب، وتحددت بعض الملامح،
فيصيح فيكلمات مملوءة بالحماس والاندهاش:
أعدنا
قاب قوسين أعدنا؟
ها هي البوابةالاولى: بساتين من النخل، وخيل
في المراعي.. ها هي البوابة الاولى أعدنا
وبعد مرور لحظة «الاندهاش والغبطة» التي كشفتها دلالة التكرار
لكلمة «عدنا» المصحوبة بحرف الاستفهام ثلاث مرات، يبدو الشاعر
اكثر وثوقاً بالعودة التي بدأت بالفعل، حين تحددت الرؤية، فيجيب نفسه
بعد تساؤله السابق «أعدنا».
كيف لا؟ وجه برونزي كتاب
ونقوش ذهبيات ودرع
ورماح أبنوس
ثم يقرر
كان حلما اننرى البدء وميلاد الطقوس
وهكذا بظهور البوابة الاولى وبساتين النخل والخيل المنطلقة في
المراعي، انتقلت الرؤيا من درجة العتامة حيث المدن المدفونة في
الرمل والاشباح والحطام، الى مستوى اكثر وضوحا، فظهر الوجه
البرونزي رمز انسان سنارالهجين بين العنصرين العربي والافريقي،
والكتاب رمز الحركة العلمية المتميزة التي اشتهرت بها مملكة سنار
الاسلامية، والنقوش الذهبية، والدرع، ورماح الابنوس، رمزالقوة
العسكرية والقوة الاسطورية التي اتسمت بها مملكة سنار كذلك.

وبانتقال الصورة الى مستوى الوضوح وظهور البوابة الاولى، ظهرت
اول خطوط الرؤية المحددة بالنسبة للقصيدة «العودة الى سنار» فكما
سبق وذكر فإن كلا من قصيدتي «مروي 1962» سنار 1965»
لا تنتميان الى صلب مطولة «العودة الى سنار» ولكنهما تمثلان مرحلة
الارهاص والفكرة التي أرّقت مضاجع الشاعر الموقن، كما ايقن من قبل
وT.S.Eliot «اليوت» بوحدة التراث وبالجمع بين الماضي
والحاضر.
وسر هذا اليقين أن ثمة علاقة جدلية بينهما، يستطيع الشاعر
المبدع ان يحولها برؤاه النافذة الى عطاء يوحد التجربة ويثريها،
وواضح من نهاية قصيدة «سنار 1965م» التي نظمت بعد ثلاثة
اعوام من سابقتها «مروي 1962م» أن الشاعر قد حدد مساره
التراث بالتركيز على رمز مملكة سنار الإسلامية باعتبارها الأكثر
حضوراً في الذات السودانية، ولوعيه بأن سناراً كانت مركزاً حضارياً
للتفاعل الثقافي بين الثقافة العربية والثقافات المحلية، وقد وجد عبد
الحي في مطيات سنار التراثية تجاوباً وتركيزاً أكبر بالنسبة لرؤياه.
قصيدة على أبواب سنار:
تمثل هذه القصيدة البداية الحقيقية لمشروع «العودة إلى سنار» وقد
ظهرت أناشيدها الاربعة التي تحمل مسميات، الرؤيا الاولى، العودة الى
لغة القبيلة،الميلاد الجديد، الرؤيا الثانية، وهذه المسميات تختلف في
عناوينها عن المسميات الواردة في النصوص المتقدمة في السبعينيات
والثمانينيات التي ستكون موضوع تركيزنا في المرحلتين القادمتين
الثانية والثالثة.
وبدأ الشاعر قصيدته «على أبواب سنار»
بالنشيد الاول «الرؤيا الاولى»
منشداً في مقطعه الاول:
توهجت سواحل الرؤى
انا على ساريتي معلق
نسران أزغبان ينبشان في البعيد مقلتاي
والسماء
بوابة جميلة خضراء
تطل منها أعين الملائكة
والحب والغناء
يا شاعر ياصعد الى سمائكا
توهج الربيع في غنائك الفتى،
وأورقت أصابع الاحجار
الليلة انسربت يا حبيبتي
سواحل الرؤى توهجت
تفتحت نوافذ لونها زمرد النهار

ونلاحظ أن الشاعر هنا قد واصل حلمه الرومانسي، الذي بدأه في
القصيدتين السابقتين، وان الحلم يمضي في طريقه نحو التحقق منذ
ان ظهرت اولى البوابات وتحدد المسار الرمزي، كما تلاحظ كذلك بأن
الشعور بالسعادة الذي بدأ في نهاية النصين السابقين «سنار 1965»
و«مروي 1962» قد تعمق هنا، حيث جسم الشاعر بالصورة والكلمة
مناخاً جديداً اسطورياً واضحاً في الصورة الشعرية التي حملها النشيد
الاول من قصيدة «على أبواب سنار»، فقد بدا الشاعر خلال تلك الابيات
طائراً محلقاً في السماء،محمولا على السحب في سواحل متوجهة
يحيطها جو مفعم بالغناء، والسماء تطل وكأنها بوابة جميلة خضراء،
تنفذ منها «أعين الملائكة» وكأنها تبارك لحظة الميلاد الجديد التي
تمت في لحظة إخصاب «أورقت فيها اصابع الاحجار».

وعلى الرغم من الاختلافبين الموضوعين في قصيدة عبد الحي «على
أبواب سنار» وقصيدة الشاعر الرومانسي بيرسبيتش شللي «طائر
القبرة» إلا أن المتأمل في الأبيات السابقة يحس وكأن عبد الحي
المترسبة في اعماقه الاجواء الرومانسية الغربية قد استغل المناخ
الاسطوري المجسم في تصوير طائر القبرة وبكل طاقات المرح
الممنوحة له من قبل شللي ليكون أداته الرمزية لنشر احلامه وافكاره
المكبوتة في اللا وعي وتوصيلها للبشر، وقد استغل عبد الحي هذا
المناخ ليتمكن من فعل الشيء نفسه، فيرى نفسه معلقا على ساريته،
قادرا على اطلاق الاغاني المتوهجة توهج الربيع، لتشرق من خلالها
سواحل الرؤى ويتسرب الضوء الناصع معلنا عن انفتاح بوابة
«الرؤيا الاولى» التي تهيئ الطريق للشاعر الطائر المحلق للهبوط
من سمائه الرومانسية الى ارض الواقع السناري، ليلقى الاستقبال
الحافل الذي يتم في المقطع الثاني من النشيد الاول، حيث يعلن
الشاعر بلا تحفظ بداية الاستقبال:
الليلة يستقبلني أهلي
ويمضي مدققا في تفاصيل الاستقبال:
أهدوني مسبحة من أسنان الموتى
إبريقا جمجمة
مصلاة من جلد الجاموس
الليلة يستقبلني أهلي، ذبحوا لي
وعلاً صحراويا
وفي موسم الاستقبال التراثي على أرض سنارالرمز، تتعانق
العناصر العربية والافريقية والصوفية في تلاحم وانصهار حميمين.
الليلة انفاس الغاب الافريقي
تتفصد ملء عظامي عرقا عربيا
عاصفة من رمل الربع الخالي
الليلة مداحي طبالي
اعتنقا
صارا شمسا واحدة، جسدا،
روحا،صحراء، غابة
وتتعانق العناصر الافريقية «الغاب» مع العناصر العربية «رمل
الربع الخالي الصحراء» مع العناصر الصوفية «المداح»، فوقف
الشاعر على ارض سنار التي اصبحت في مشروعه الفكري «رؤية
في الامتزاج والنمو داخل مكونات ثقافية متعددة».

يرىبعض النقاد أن العودة الى سنار تأتي ضمن تيار الغابة والصحراء،
الذي ظهر في بداية الستينيات على يد عدد من الشعراء المجددين في
السودان من امثال النور عثمان ابكر،ومحمد المكي ابراهيم، وصلاح احمد
ابراهيم، ومصطفى سند، وقد شغلتهم قضية الهوية في بلد متعدد الاطراف
يستند الى تاريخ طويل من الحضارات العريقة، الافريقية والعربية التي
تمازجت لتفرز «السودان الشمالي، ويذهب بعض النقاد الى القول بأن
هؤلاء الشعراء يمثلون مدرسة قائمة بذاتها.
وينسبون عبد الحي اليها، بينما ينفي عبد الحي في السبعينيات وجود
مدرسة للغابة والصحراء، موضحا أن الشعراء الذين ينسبون الى هذه
المدرسة يختلفون اختلافاً بينا في مناحيهم الشعرية، والفكرية، بل ان
بداية كل منهم في مكان بعيد عن الآخر، قبل ان يتم التعارف بينهم،
وان جمع شعرهم بعض الملامح المشتركة الا ان فيه من الاختلافات
العميقة ما يرجع الى العناصر المكونة لرؤياهم الشعرية.

ومما لا شك فيه ان قضية «الهوية والجذور» كانت هاجساً مسيطراً
على عبدالحي في الستينيات وما بعدها، وكانت ضمن همومه الفكرية
والثقافية التي ظهرت آثارها سواء في كتاباته النقدية او في اشعاره،
ومنها قصيدة «العودة الى سنار»، ولكن هذه القضية لم تكن سجناً
ضيقاً حصر الشاعر نفسه فيه، وانما كانت نافذة اطل منها برؤية
انسانية شاملة، مستعيناً في ذلك باستقلاليته وتفرده.. ولعل نمو
مطولة «العودة الى سنار» على مراحل ثلاث دليل قاطع على هذه
الحركية.
النشيد الثاني:

بعد أن هبط الشاعر من سمائه الرومانسية، وعانقت قدماه ارض سنار،
كان عليه وهو يقف على ابوابها، ان يبذل جهداً اكبر للاقناع بأنه جزء
من هذا التراث، ومن ثم افتتح النشيد بمسمى يرمز الى الاصل «فلغة
القبيلة» هي اللغة الام، ونلاحظ على هذا النشيد عدة ملاحظات:
أولها: افراطه في الطول بالمقارنة مع الاناشيد الثلاثة الاخرى،
وق دقسمه الشاعر الى ثلاثة مقاطع تتفاوت في طولها.
ثانيها: حيويته وأسلوبه الدرامي الذي جعل الاصوات داخله تتعدد:
من تبادل بين ضمير المتكلم الى ضمير الغائب الى ضميرالمخاطب.
ثالثها: نلاحظ الصراع النفسي والتأزم الذي يحسه الشاعر نتيجة
شعور مسيطر عليه بأنه ضائع ومغترب قبل أن يقف على ابواب سنار،
وان كانت الغربة هنا ليست غربة حسية، بل هي غربة معنوية، هي
انفصال عن الذات، فقد كتب هذا النص قبل ان يشد الشاعر رحاله الى
الغرب طلباً لمزيد من العلم في ليدز واكسفورد، وربما يعزى الشعور
بالاغتراب والضياع في «متاهات الحضارات الغربية» الى استغراق
الشاعر سنوات طويلة،هي سنوات التخصص في دراسة الادب
الانجليزي، في الثقافة الغربية، وهي فترة بعده النسبي عن ينابيع
المعرفة التراثية التي تمثلها مملكة سنار الإسلامية بمجتمعها الهجين
بين العربية والإفريقية، ويهمس الشاعر بهذا الاحساس في حوار
داخلي مع الذات،في اكثر من موقع من القصيدة:
ذات يوم قد ادرت الوجه عنهم
ضائع الاسم بلاسمت ولا وجه
تبعثرت على أرض الحضارات الغريبة
وقد جعله شعوره بالضياع والبعد الزماني والمعنوي عن الاصل والينبوع
واللغة الاولى، يبذل جهداً مضنياً لاقناع اهل سنار بانه جزء لا يتجزأ
منهم.


انا منكم ولكم، فيكم قد عرفت صباحات الحياة
نهركم يطفر بقلبي قمراً يطفر شذاه
انا منكم ودمي من دمكم
ثم يؤكد دقة معرفته بسنار واهلها في قوله:
اعرفها يا وجهها البهي، يا شبابها الرغيد
مازال في دمي غبارها
روائح الطعام اذ تفوح تحت خيمة الضحى
تذكرها ووجهها الذي يموج بالحصيد
يا روعة الشموس في عيون أهلها
الذين من عيونهم أطل في إشراقة جليلة
قبلتي همو ولغتي الأصيلة
ثم يناجي نفسه:

آه يا سنار، يا وجهي المضاع
لغتي وبيتي العامر الرغد الذي اعرفه، ويعرفني
عدت يا سنار مشبوب الأغاني شبغي الالتياع
باحثاً في حضنك الدافئ عن ذاتي التي ضيعتها من زمن
وبعد محاولة الاقناع بأنه قد وجد ذاته اخيراً ووقف على مشارف
النبع الصافي وباسلوب ظاهره الامر وباطنه المناشدة، يطلب
الشاعر من حراس سنار ان يفتحوا الابواب لاستقبال العائد:
افتحوا لي يا حراس سنار
افتحوا لي أبواب المدينة
افتحوا لي ابواب المدينة
افتحوا لي ابواب المدينة
ولاتخفى لهجة الاصرار على الولوج في فعل الامر الذي يتكرر اربع
مرات متوالية، ومع إصرار الطارق يأتي صوت سنار مجيباً:
إننا نفتح، يا طارق ابواب المدينة
إن تكن منا حملناك على أعيننا
وحميناك، وإن كنت غريبا بيننا
اننا نسعد بالضيف،نفديه بأرواح وأبناء ومال
فتعال قد فتحنا لك، يا طارق ابواب المدينة
قد فتحنا لك يا طارق ابواب المدينة
وهكذا اتيحت للشاعر فرصة الولوج الى الداخل بعدان تأكد «أهل سنار»
بانه جزء منهم وليس ضيفا عابراً.. فتم العناق بين الام والابن العائد
من الغربة، وتجلت لحظة الميلاد الجديد ليختم النشيد:
وفتحت ذراعها مدينتي وحضنها الرغيد
ودثرتني بين لحمها الذي يفوح صندلاً مطيباً
مدينتي قدعانقت صبيها المغتربا
تمخضت وولدتني من جديد
النشيدان الثالث والرابع:

وهكذا وبعد المخاض الطويل جاءت لحظة الميلاد لتفرز النشيدين
الاخيرين الثالث والرابع «الميلاد الجديد» و«الرؤيا الثانية».
والواضح ان الرؤية الاولى في النشيدين السابقين الاول والثاني كانت
رؤية تراثية جند فيها الشاعر كل طاقاته الابداعية لاستلهام التراث
وتوظيفه، حيث مصلاة جلد الجاموس ومسبحة اسنان الموتى والابريق
والعمامة المصنوعة من منسج النهار، وخيمة الضحى، ولغة القبيلة
ورمال الربع الخالي.


وان كانت الرؤية الاولى التراثية قد تمت بوعي كامل من قبل الشاعر
المتيقن من ضرورة الانتماء، وقد نعم به حينما فتحت سنار حضنها
الرغيد لطفلها العائد من متاهات الغربة لتضمه في شوق وحنان، فإن
الرؤية الثانية في النشيدين الاخيرين، لاتزال بصيص نور يتسلل عبر
النوافذ ليشق لنفسه طريقا للانتشار، فالشيء الوحيد المؤكد هنا بعد أن
وجد الشاعر القبول وتم التلاحم بينه والبيئة الام بكل معطياتها التراثية،
هو رفضه للتقوقع والجمود، فالذي حدث في المرحلة الاولي كان بداية
الانطلاق لتحديد الملامح الجديدة السنارية التي يتسع صدرها لوصل
خيوط التراث بمعطيات الحاضر، لتخرج سنار التي تغنى بها الشاعر
في ختام نشيده الثالث «الميلاد الجديد»:

سنار تولد من جديد في دمي
ايقاع مجدي خطو فجر حضارتي
حلمي ماسة غربتي ومنارتي

لقد وجد الشاعر في هذه المرحلة المبكرة من ميلاد القصيدة الملامح
الأولية لسنار الجديدة، وجدها في بعض مظاهر الحضارة الخارجية
كشوارع الاسفلت، والأرصفة، والحدائق والسيارات المنطلقة ورزيز
الآلآت ولكنه لا يزال ولانزال نحن معه- ننتظر المزيد عبر المرحلتين
التاليتين.
::::::::








*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

كتب الأستاذ / عبد المنعم عجب الفيا : في 19 أغسطس 2009 :

https://sudaneseonline.com/msg/board/14 ... rn/18.html
الشيخ إسماعيل الوجه والقناع


.. في طريق ( العودة إلى سنار ) في مستوياتها الثلاثة من الوجود تتلبس الذات الشاعرة قناعا خفيا . هذا القناع هو شخصية الشيخ صاحب الربابة . وكنا قد أشرنا في حديثنا عن النظم الجمالية التي تتكون منها وحدة الرؤيا ، إلى أسطورة الشيخ إسماعيل كأحد أهم النظم الجمالية لعالم عبد الحي الشعري . الحقيقة أن أسطورة الشيخ إسماعيل هي بالأهمية بمكان بحيث يمكن أن نعتبرها المفتاح الرئيسي ليس لقصيدة ( العودة إلي سنار ) فحسب بل لسائر عوالمه الشعرية .

وكان عبد الحي الناقد قد لفت الأنظار إلى أهمية الدلالة المركزية لشخصية الشيخ إسماعيل في تجربته الشعرية في الدراسة القيمة التي كتبها تحت عنوان " الشيخ إسماعيل صاحب الربابة – التاريخ والنموذج الأسطوري لمفهوم الشاعر " . وبالرغم من أن الدراسة قد كتبت من وجهة نظر ميثلوجية وانثروبولوجية بحتة حيث لم يشر فيها إطلاقا إلى علاقة أسطورة الشيخ إسماعيل بقصيدة ( العودة إلى سنار ) أو بأي قصيدة أخرى من قصائده بل أنه لم يتحدث من قريب أو بعيد عن تجربته الشعرية في هذه الدراسة ، إلا أنه يبدو أن الدافع وراء كتابة هذه المقالة القيمة هو تنبيه الدارسين ولو بطريقة غير مباشرة إلى منابع عالمه الإبداعي .

وعن قصة الشيخ إسماعيل ورد في كتاب ( الطبقات ) لمحمد النور ضيف الله ( 1727 – 1810م ) ما يلي : )13)

"ولد للشيخ مكي الدقلاش ، أحد متصوفة سنار ، ابن من امرأة سقرناوية من تقلي ، اسمه إسماعيل . وقد تكلم الصبي وما يزال في المهد . كبر الصبي وحفظ القرآن وتعلم الفقه والتوحيد وشرع في تدريس علوم الدين .

كان شاعرا وله قصائد في مدح النبي (ص) وله رؤي تجلى له فيـها النبي . وله كلام يتغزل فيه بمدح النساء من قبل تهجة مثل ليلى وسعدى في كلام المتقدمين .

وكان إذا استبدت به حالة النشوة والجذب ، يجمع الصبايا وكل عروس ، للرقص في فناء داره . ويجئ هو بربابته التي عرف بها يضرب عليها ، كل ضربة لها نغمة يفيق بها المجنون ، وتذهل منها العقول وتطرب لها الحيوانات والجمادات . وكانت الربابة إذا تركت في الشمس تحس باقتراب صاحبها منها فترسل أنغامها دون أن يضرب عليها أحد .

وقد يركب الشيخ فرسه المكسوة بالحرير ، المزينة بالأجراس ترقص به ويغنى لها ، وبالجملة هذا الرجل من ( الملاماتيه) .

وقد قتله الشلك أثناء عبوره نهر النيل الأبيض عند منطقة أليس - الكوه مع بعض مريديه الذين رباهم على نغمته . "
وعن رؤيته الفكرية والفنية لشخصية الشيخ إسماعيل يقـول عبـد الحي :
" الشيخ إسماعيل صاحب الربابة ، مثل كثير من الشخصيات المذكورة في كتاب الطبقات ، شخصية أمتزج فيها الواقع التاريخي بالأسطورة ، بل هو حقا شخصية كادت أن تتلاشى فيها العناصر إلى شخصية ميثولوجية تكونت في خيال الجماعة وخرجت معبرة عن نوع من التوازن الضروري للحياة واستمرار تلك الثقافة في تلك الجماعة " .

لذلك فهو يقول أن هدفه من هذا البحث " ليس تحقيق الوجود التاريخي للشيخ إسماعيل بإثباته أو نقضه ، بل إظهار الوجود الأسطوري في شخصية واستشفاف الصورة الجوهرية التي تركزت فيها العناصر وأصبحت نموذجا أسطوريا أعلى لها " . (14)

ومن الإشارات والإيحاءات الواردة عن سيرة الشيخ إسماعيل فـي قصيدة ( العودة إلى سنار ) قول الشاعر :

أسمع صوت امرأة
تفتح باب الجبل الصامت
لتولد بين الحرحر والأجراس
شفة ، خمرا ، قيثارا
جسدا ينضج بين ذراعي شيخ
يعرف خمر الله وخمر الناس

وأهم ما يميز الشيخ إسماعيل صاحب الربابة ، هو أنه تجتمع فيه كل الخصائص الرمزية التي تجعله منه معادلا موضوعيا لرؤيا الذات الشاعرة وبالتالي تجعله نموذجا للخيال الجمعي والذاكرة الثقافية للأمة . فهو بجانب أنه صوفي وشاعر ، فأنه بحكم مولده مؤهل أيضا لتجسيد ازدواجية الهوية الأثنية للذات السودانية . فوالده الشيخ مكي الدقلاش من كبار متصوفة سنار وأمه من قبيلة السقارنج من جبال النوبة . وفي هذا النسق الرمزي للقصة ، يقول عبد الحي " يكتسب هذا الزواج العرقي مغزى ثقافيا ذا أهمية . فالثقافة تخلق في أساطيرها المعادلات التي تعبر عن جوهرها ، تكوينها ، وتحفظ التوازن بين عناصرها المختلفة والخروج بها من صراعاتها وتناقضاتها ، وترتفع بها المعادلات الرمزية على تناقضها وعدم النسق فيها " . وعلى هذا المستوى من الفهم نجد " في ميلاد الشيخ إسماعيل صاحب الربابة معادلة رمزية تعبر عن زواج الثقافة العربية بالثقافة الإفريقية الذي أنتج الثقافة السودانية . هذه المعادلة الكبرى يمكن أن تحلل إلي معادلات أصغر منها تعبر كل منها عن جانب من جوانب ذلك الـزواج الثقافي " . (15)

ويقصد عبد الحي بالثقافة الأفريقية مجموع الثقافات التي كانت سائدة قبل الثقافة العربية الإسلامية والتي ما زالت تسود ، ويرى أن شخصية الشيخ إسماعيل نموذج رمزي استوعب كل الثقافات حيث تلتقي وتتقاطع عنده الثقافات النوبية القديمة بالثقافة الإغريقية والرومانية والمسيحية والإسلامية . لذلك فهو يرى أن سيرة الشيخ إسماعيل صاحب الربابة ترجع إلى أصول في الثقافة السودانية أبعد من الثقافة السنارية . فيقيم الوشائج بينها وبين أسطورة أورفيوس ذات الأصول اليونانية والرومانية ويربط بينها وبين قصة مزامير داوود في ( الكتاب المقدس ) وبينها وبين قصة السيد المسيح في الإنجيل والقرآن الكريم . " فالشيخ إسماعيل صاحب الربابة أورفيوس إفريقي عربي ، تركزت في شخصيته صورة الشاعر في الثقافة السودانية التي الفت بين تلك العناصر المتنافرة المتصارعة وصهرتها حتى التحمت أجزاؤها نموذجا أعلى لها " . (16)

وأورفيوس في الأسطورة اليونانية القديمة هو ابن أبوللو ، إله الشمس والفن وقد أشتهر بقيثارته ( ربابته ) التي أهداها إليه والده وألهمه الشعر والعزف على الموسيقى . كان يعزف على قيثارته فيسحر كل من يسمعه ويروض بها الحيوانات الآبدة ويحرك الأشجار والحجارة الصماء . تزوج أورفيوس من معشوقته ، يوربيدس ، التي ماتت من لدغة حية سامة أثناء هروبها من اريسايوس الذي أراد أن يقضى منا وطرا عنوة . ولكن أورفيوس نزل إلى مملكة الموتى واستطاع بموسيقاه الساحرة الحزينة أن يستميل عطف ملك الموتى فسمح له أن يأخذ يوريديس ويعود بها إلى ( عالم الشمس ) الدنيا مرة أخرى ، ولكن أشترط أن تتبع يوريدس أورفيوس ويسير هو أمامها دون أن يلتفت وراءه أبدا حتى يعبرا مملكة الموت إلى العالم ، ولكن ما أن كادا أن يخرجا إلى عالم الشمس حتى حانت من أورفيوس التفاته خلفه ليتأكد من أنها ما زالت تمشى وراءه ، فما كان منها إلا أن تلاشت من أمام ناظريه واختفت إلى الأبد .

وكان أورفيوس بجانب أنه شاعر وموسيقى ساحر ، كان شيخ ديانـة سرية ( صوفية ) وكان له مريديون وقد وقتله أعداؤه ومزقوا أوصاله وألقوا برأسه في نهر ( هيبروس ) فظل طافيا فوق الأمواج يغنى للبحر العريض . أما بربابته فقد وارتفعت برجا بين أبراج النجوم . )17)

وأوجه الشبه بين أسطورتي أورفيوس والشيخ إسماعيل صاحب الربابة ، كما يقول عبد الحي ، " قوية ، فكل منهما شاعر وموسيقار ، لفنه قوة سحرية خارقة يسيطر بها على العالم . ولذلك القوة بعد ميتافيزيقي يتجلى في ديانة أورفيوس الصوفية " . أما موت الشيخ إسماعيل فيقول هو في جوهره موت أورفيوس . فالعلاقة بين نهر هيبروس الذي ألقى فيه برأس أورفيوس ونهر النيل الأبيض الذي ضم في أمواجه جسد الشيخ إسماعيل بعد أن قتله الشلك دليلا على الشبه القوى بين الأسطورتين . كما يشير إلى وجه شبه آخر قوى بين القصتين هو الشمس . فربابة الشيخ إسماعيل عندما توضع في الشمس وتسمع صوت صاحبها ترسل أنغامها دون أن يمسها أحد ، وهذا يأخذنا أخذا كما يقول إلى قيثارة أورفيوس التي أهداها له والده أبوللو إله الشمس .

وعن موت الشيخ إسماعيل على النيل الذي يستدعى إلى الذاكرة موت أورفيوس على نهر هيبروس ، تأتي الإشارة في قصيدة ( العودة إلى سنار ) في قول الشاعر :


أرواح جدودي تخرج من
فضة أحلام النهر ومن
ليل الأسماء
تتقمص أجساد الأطفال
تنفخ في رئة المداح
وتضرب بالساعد
عبر ذراع الطبال

وتتكرر هذه الصورة الشعرية أيضا في ديوان ( حديقة الورد الأخيرة ) في قصيدة طويلة تحمل عنوان " حياة وموت الشيخ إسماعيل صاحب الربابة " حيث يقول الشاعر :

الفرس البيضاء
تميس في الحرحر والأجراس
على حصى الينبوع يستفيق طفل الماء
ويفتح الحراس
أبواب ( سنار ) لكي يدخل موكب الغناء
ويصعد النهر إلى السماء
عبر براري جرحه الطويل

وعلى الرغم من أن عبد الحي يقرر في مقالته أن أسطورة الشيخ إسماعيل أصولها إغريقية ورومانية نتيجة لانفتاح الحضارة المروية القديمة على الحضارة اليونانية إلا أنه يعود ويشير إلى معلومة في غاية الأهمية وهي أن صحت فأنه من شأنها أن تقلب الاعتقاد السائد بأولوية الحضارة اليونانية على الحضارات القديمة ولا سيما حضارات وادي النيل رأسا على عقب . يقول عبد الحي أن هيرودت المؤرخ اليوناني ذكر في تاريخه ، " أن الإله حورس ابن أوزيريس هو نفسه الإله ابوللو عند اليونان . وأوزيريس تقابل في اللغة اليونانية ديونيسوس . ويعتقد اليونان أن زيوس كبير الآلهة ، خاط في فخديه ديونيسوس وكنا وليد أتى به إلى مدينة ( نيسا ) التي تقع ما وراء مصر في نبته ، في جبل البركل المقدس " . ويضيف هيرودت أن سكان " مروي عاصمة الأثيوبيين أي النوبة يعبدون زيوس وديونيسوس المرويين " . (17)

أما عن أثر الثقافة المسيحية التي ازدهرت في عهد مملكتي المقرة وعلوة السودانيتين ، في سيرة الشيخ إسماعيل ، فيقول أنه يظهر في قصتي النبي داوود في ( سفر المزامير ) بالكتاب المقدس وفي قصة تكلم السيد المسيح في المهد . وكذلك يظهر في قصة الشيخ مكي والد الشيخ إسماعيل الذي قطع البحر ( النيل ) مشيا على الماء هو وتلاميذه عندما لم يجد مركبا يعدى به . وقصة المشي على الماء واحدة من معجزات السيد المسيح التي ورد ذكرها في الإنجيل .

أعتقد أنه وضحت الآن الدلالة الرمزية للشيخ إسماعيل كشخصية نموذجية امتزجت فيها كل العناصر الثقافية التي شكلت الثقافة السودانية عبر العصور . لذلك فأن على الذين يظنون أن صاحب ( العودة إلى سنار ) ورفاقه ، يعتقدون أن تاريخ السودان يبدأ مع دخول العرب المسلمين ، عليهم أن يراجعوا مواقفهم . وبالتالي فإن الذين يتساءلون : لماذا العودة إلى سنار وقد عرف تاريخ السودان أكثر من ماضي مجيد مثل مروي ودنقلا وسوبا ، فتساءلهم ليس له ما يبرره فسنار هي اللحظة الثقافية الحاضرة التي استوعبت اللحظات الثقافية السابقة لها اللحظات التي تشكلت والتي ما زالت في التشكل لذلك فإن العودة إلى مروي أو دنقلا أو سوبا المسيحية لا تتم إلا عبر بوابة العودة إلى سنار أولا ، وتجاهل سنار أو القفز فوقها هو تجاهل للحاضر وقفز فوقه ومغالطة للتاريخ والواقع .

تقلبات الذات الشاعرة في العوالم

إذا كانت لسنار ، في الرؤيا الشعرية ، ثلاثة معاني تمثل ثلاث مستويات من الوجود ، فإن للشيخ إسماعيل صاحب الربابة ، بوصفه الناظم الجمالي والمعادل الموضوعي لهذه الرؤيا ، أيضا ثلاثة مستويات من الوجود تتطابق مع المستويات الثلاثة لوجود سنار . ففي المستوى الحرفي هو صاحب السيرة الواردة في كتاب ( الطبقات ) وفي المستوى المجازى يرمز للتنوع الثقافي والاثني في الذات السودانية . أما في مستواه ( الاشراقي ) أو الميتافيزيقي من الوجود فيشير إلى أصل الوجود الإنساني . هذا الوجود الذي قال عنه عبد الحي فـي هوامـش ( العودة إلى سنار ) : " بداءة .. اسما يتجوهر في مملكة البراءة .. الأشياء هي كما في السماء " .

في هذا المستوى الميتافيزيقي ( الاستيطاني ) من سلم الوجود الإنساني يكتب عبد الحي حاشية بمثابة مقدمة تعريفية قصيرة عن القصيدة الطويلة التي تحمل عنوان ( موت وحياة الشيخ إسماعيل صاحب الربابة ) والتي تحتل نصف مساحة ديوان ( حديقة الورد الأخيرة ) تقريبا ، يقول : " الشيخ إسماعيل .. لعله النموذج الأول للشاعر ، المتجدد عبر العصور تاريخه ومستقبله في ذاته ، أرضه سماؤه ، أسماؤه أفعاله ، تتحد طفولته بطفولة الكون ، ميلاد الحضارة ، يشهد حيويتها وشخوصتها وتجددها .. ذلك المركز الذي يجمع في نفسه دائرة التاريخ الزماني والروحي للإنسان " (19) وهنا يتجاوز الشيخ إسماعيل حدود الزمان والمكان وينفتح على المطلق وهنا عبر قناع الشيخ إسماعيل تتجاوز الذات الشـاعرة ، حدود الزمان والمكان وتنفتح على المطلق وتحقق ، حسب المصطلح الصوفي ، مقام الإنسان الكامل أو الحقيقة المحمدية ، التجلي الأولي للمطلق حيث تستعيد الذات وجودها الأول ، الوجود المحض في عالم الذر، قبل أن تسقط في الجسد الترابي . وتأتي الإشارة إلى ذلك في ( العودة إلى سنار ) في قوله :

خرافة تعود
وهلة وهلة
إلى نطفتها الأشياء

حيث يرجع النشيد
لشكله القديم
قبل أن يسمى أو يسمو
في تجلى ذاته الفريد
من قبل أن يكون
غير ما يكون
قبل أن تجوف الحروف شكله الجديد

كأنما تطمع الذات الشاعرة من خلال تماهيها مع شخصية الشيخ إسماعيل " .. ذلك المركز الذي يجمع في نفسه دائرة التاريخ الزماني والروحي للإنسان " أن تعيد تمثيل واعادة إنتاج قصة خلق العالم حيث تتحول قصة الخلق إلى قصة عن تاريخ الذات الشاعرة تستعيد فيها الوحدة الأصلية للكون حيث تتصل آفاق النفس بآفاق العالم اتصالا خلاقا مستمرا متجددا . وتأتي الإشارة إلى ذلك صريحة في عناوين بعض القصائد بديوان ( حديقة الورد ) مثل قصيدة : ( الشيخ إسماعيل في منازل الشمس والقمر ) . وحتى الأناشيد الخمسة التي تتكون منها قصيدة العودة إلى سنار وهي ، البحر والمدينة والليل والحلم والصبح ، ما هي إلا مراحل مختلفة لأطوار الذات الشاعرة وتقلباتها في العوالم فالبحر ( الماء ) أصل الوجود ، والمدينة إشارة إلى بداية الحياة على الأرض ( اليابسة ) أما الليل والحلم والصبح بجانب أنها تشير إلى حركة الزمن ودورانه إلا أنها توحي في مستوى من مستوياتها إلى سعى الذات الشاعرة وتأرجحها بين النسبي والمطلق فـي طريـق ( العودة ) إلى تحقيق وحدتها الأصلية .

وهنا تلتقي الدلالة الرمزية لأسطورة السمندل مع الدلالة الرمزية لشخصية الشيخ إسماعيل . فالسمندل بما لديه من قدرة على التجدد والاستمرارية يتماهى مع الذات الشاعرة ويتحول إلى نموذج إنساني منسرب في الوجود منذ بدء الخليقة، يشهد موكب الحياة المتدفق أبدا ، في صعوده وانحداره ، يشهد ميلاد الحضارات واندثارها . وتأتي الإشارة إلى ذلك في قصيدة ( السمندل ملك النهار ) من ديوان ( حديقة الورد الأخيرة ) .


أنا السمندل
يعرفني الغابر والحاضر والمستقبل
مغنيا مستهترا بين مغاني
العالم المندثرة
وزهرة دامية
في بطن أنثى في الدجى منتظرة

ولارتباطه المصيري بالنار ( يجدد حياته بالاحتراق بالنار ) ينفتح السمندل في مستوى آخر على رمزية الشيخ إسماعيل حيث يرمز إلى المطلق فالنار في الأدب الصوفي ( نار موسى ) ترمز إلى تجلى الذات الإلهية . فالصوفي ، يفى جوهر ذاته بفناء الجسد واحتراقه بنار العشق الإلهي . والسمندل يجدد حياته ويضمن استمرارية باحتراقه في النار . النار هنا في كل الأحوال جواز ( العودة ) إلى عالم الخلود والحياة الكاملة ، " وأن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا " فإماتة الجسد الترابي وفناء÷ في النار المقدسة ، ثمن الشعر والمعرفة الحقة المفضية إلى الحياة المطلقة ، وإلى ذلك تأتي الإشارة في قصيدة ( الشيخ إسماعيل ) بديوانه ( حديقة الورد ) :


الشعر فقر ، والفقر إشراق
والإشراق معرفة لا تدرك
الا بين النطع والسيف


عبد المنعم عجب الفيا

https://alfaya15.jeeran.com/archive/2007/2/155772.html
_____________

* من مقالة نشرت بمجلة " كتابات سودانية"- القاهرة - اغسطس 1999

الهوامش :

(1) الرؤيا والكلمات – محمد عبد الحي – ص 10 .
(2) المصدر السابق ص 47 .
(3) رسالة محمد عبد الحي إلى د. خالد المبارك – مجلة حروف – العدد الأول.
(4) المصدر السابق .
(5) المصدر السابق .
(6) المصدر السابق .
(7) ديوان ( العودة إلى سنار ) ص 50 .
(8) المصدر السابق .
(9) الرؤيا والكلمات – محمد عبد الحي ص 16 .
(10) ديوان ( إشراقة ) – التجاني يوسف بشير – قصيدة الأدب القومي .
(11) الرؤيا والكلمات – محمد عبد الحي ص 10 .
(12) رسالة محمد عبد الحي إلى خالد المبارك .
(13 الشيخ إسماعيل – محمد عبد الحي – مجلة حروف – العدد الأول ص 7 .
(14) المصدر السابق .
(15) المصدر السابق .
(16) المصدر السابق .
(17) المصدر السابق .
(18) أثينا السوداء – مارثن برتال – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 1997م .

(19) ديوان ( حديقة الورد الأخيرة ) صفحة 33 .

*

https://sudaneseonline.com/msg/board/14 ... rn/18.html
*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


الأحباء هنا
تحية طيبة وبعد ،

في ( الحُلم السناري ) و مولد ( العودة إلى سنار ) :

من خبايا سرد الشاعر محمد المكي إبراهيم عن مولد دُنيا ( العودة إلى سنار ) للشاعر الفخيم محمد عبد الحي ، تذكرت أحد الرفاق التقيته صدفة ذات زمان قبل أكثر من عام وهو الشاعر والكاتب والمُترجم الأستاذ الراحل ( إبراهيم الكامل عكود ). سيكون ممتعاً لو علمنا أن ( إبراهيم آل عكود ) قد كان رفيق دراسة للشاعر محمد عبد الحي !!

للشاعر ( عكود) ترجمة صقيلة للنص الذي أوردناه سابقاً عن محمد عبد الحي ، وهو قطف من ( العودة إلى سنار ) قام الأستاذ ( إبراهيم الكامل آل عكود ) بترجمة روح النص من العودة إلى سنار ، وفق ما ورد في سفره الأول :
( المدارات والمعابر )
( ديوان في الترجمة الشعرية )
الطابعون دار مصحف إفريقيا
2002 م
نورده لكم النص ثم تحته الترجمة آملين أن لا نحرم القُراء من وهج أصحاب الغابة والصحراء ، الذي كاد الدارسون والمُنقبون مع الصحاب هُنا ، وهناك وهم يُجلسون بمباضع التشريح أن تأخذ معها في غُبار الهوية اللولبي ، كل هذا السحر ( الهُيولي ) كما قال شاعرنا الفخيم محمد عبدالحي . :
أدناه نص الشاعر محمد عبد الحي :
*****
من ديوان ( العودة إلى سنار ) :

مَرحى .. تُطِلُّ الشمسُ هذا الصُبحُ من أُفقِ القبول
لُغةً على جسد المياه
و وهْجُ مِصباحٍ منَ البكور في ليلِ الجذورْ
و بعضُ إيماءٍ و رمز مستحيلْ
اليومًَ يا سنار ُ أقبل فيكِ أيامي بما فيها من العُشب الطفيليِّ
الذي يهتزُّ تحتَ غصونِ أشجار البريقْ
اليوم أقبل فيكِ أيامي بما فيها منَ الرُعبِ المُخمِّرِ في شراييني
وما فيها من الفرح العَميق .
اليوم أُقبلُ فيك كلَّ الوحلِ واللَّهبِ المُقدسِ في دمائِكِ ، في دمائي
أحنو على الرملِ اليبيسِ كما حنوتُ على مواسمكِ الثريةِ بالتدفُق والنماءِ
وأقولُ ، يا شمسَ القَبول توهَّجي في القلبِ ،
صفيني ، وصفي من غبارِ داكنٍ :
لُغتي غِنائي
سنارْ ..تُسفرُ في بلاد الصحو جُرحاً ..
أزرقاً ، قوساً ، حصاناً ..
أسود الأعراف ، فهداً قافزاً في
عتمة الدم ،
معْدناً في الشمس ، مئذنةً
نُجوماً في عظام الصخر ،
رُمحاً فوقَ مقبرةٍ
كتاب
رجعَتْ طيورُ البحر فجراً من مسافات الغيابْ
البحرُ يحلُمُ أحلامه الخضراء في فوضى الغباب
البحرُ إن البحرَ فينا خُضرةٌ
حلم هيوليٌّ
في انتظار طلوعها الأبدي في لُغة التُراب
******
وترجمة الأستاذ/ إبراهيم آل عكود للنص :
[align=left]******
My Sennar..!
At sunset..!
Blinks in the homeland,
Of sacred revival anew,
And winks in a bow
In a wound dyed blue,
In a horse with black manes,
An' grass sparce; yet a dew.
In the leap of a leopard,
In blood opaque; but flew.
In a metal in the sun eyes,
With a scarlet ray as clue.
In stars with the marrow,
Of a spear on an epitaph,
Where martyrs souls just flew.
In a book shone with holy verse,
Where wisdom pearls blew.
In a minaret to spin lighter,
The spirits of the true.
In a spire to stick tighter,
Splinters of the pew
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



مملكة سنار و وحي الشعر عند عبد الحي


(1)

نبدأ من حيث طلبنا الأستاذ / محمد عبد الجليل لإثراء الملف ، ورغم انشغالي ، وغلظة جهاز اللاب توب ، سوف أحاول المستطاع :

كتب دكتور قيصر موسى في سِفره :
فترة انتشار الإسلام والسلطنات ( 641إلى 1821 م ):

موجز لتأريخ سلطنة سنار السياسي ( 1504 ـ 1821 :
حكم سلطنة سنار حوالي خمسة وعشرون سلطاناً في فترة تزيد قليلاً على الثلاثة قرون . وكان هؤلاء السلاطين يحكمون قبضتهم على شئون المملكة حوالي مائتين وثمانية وخمسين عاماً من هذه الفترة ، وذلك حتى عام 1762 م/ 1175 هـ عندما خلع الهمج الوزراء و معهم العسكر السلطان بادئ الرابع وأصبحوا يتحكمون في السلطنة و السلطان حتى مجيء الأتراك والمصريين في 1821 م .

- النظام السناري يقوم على أركان أربعة هي : السلطان ( جيشه وحاشيته ) ـ
المشيخة في الأقاليم ـ الطرق الصوفية ـ التجارة والمؤسسة التجارية . وإن هذه العناصر شكلت حلفاً رباعياً غبر مكتوب في إطار شبه إقطاعي . وعندما تحولت تلك العناصر من التحالف والوفاق إلى المنافسة والتحارب انفرط عقد السلطنة وتدهورت حتى السقوط .

- تمتد حدود مملكة سنار من مقرن النيلين و جنوباً تتاخم القبائل النيلية ، وغرباً حتى تتاخم مملكة تقلي في النوبة ، وتحالفت مع العبدلاب الذين يمتد نفوذهم من مقرن ألنيلين وإلى مناطق الشمالية حتى مناطق الشايقية والتي تمردت عليها ، وشرقاً حتى مناطق البجا الذين تمردوا أيضاً .كان المجتمع إسلاميا هجيناً ، عربي اللغة بما تيسرت لهجات التلاقُح . ازدهرت الطرق الصوفية ، وكان التمازج بين الأعراق مُيسراً .
ما ورد أعلاه هو ما يعنينا من سفر دكتور قيصر .

(2)

نبدأ حديثنا عن شعر الدكتور محمد عبد الحي ، و نقارن بين الخلفية التاريخية لنصوص العودة إلى "سنار" ، ونجد هنالك خلافاً بين التاريخ وبين رؤية الشاعر . وشاعرنا الفخم يعيد بناءها في الحُلم الشعري ، وهي تختلف عن الواقع التاريخي إلى واقع افتراضي في حُلم الشاعر . كانت الهوية رُكنا ركينا من الرؤى الشعرية التي تبدت . ها هو يُجدد بناءها من يفاعته الأولى وإلى إشراق الثقافة المُقارنة التي مهدت لمفردات شعره أن ترويها الدنيا :
غربها المتقدم علينا في الثقافة والنهل من ينابيعه ، تاريخ السودان في عهد مملكة سنار ، طفولتها وشبابها والكهولة .

(3)

تتلمس وأنت تقرأ نصوص العودة إلى سنار أن المحبة قد تكورت وتضخمت في وجدان شاعرنا الدكتور محمد عبد الحي ، وكانت هي حلم من أحلام البحث عن الهوية ، وتعميق التاريخ في صلب العمل الشِعري . وقد فارق تاريخ " سنار " الحقيقي إلى الحلم ، وهو اتحاد الضدين في عمله المُبدع ،
إنني أرى من خلف النصوص الشعرية حلما جميلا بأن يعود المرء لسنار( الثانية ) من جديد ،وإعادة تخليقها من غلظة تاريخها إلى سماحة التآلف بين الأعراق .
وأن ترفد فيكتوريا النهر الثقافي مرة أخرى ، ليس من بيت الثارات بل من وحدة العالم الذي نعيش . ربما كانت مدرسة الغابة والصحراء حُلم من أراد أن يجمع التنوع في البون الجغرافي الذي يميز الصحراء عن الغابة وإمكانية الربط بينهما جمعاً في السودان الواحد ، وتلك مرحلة سار الدكتور محمد عبد الحي مساراته أكثر بُعداً من سذاجة المعنى ، لا تقف المسميات في وجه رواه إلا ورأها أقل مرتبة من رؤيته للشعر وللحياة ولسنار التي عادت في دعوته لأمجادٍ لا نراها تشابه التاريخ . لكن النصوص الشعرية عند تشريحها كانت أكبر من الحُلم . اللغة الشعرية متقدمة تقنياً بحمولاته الفلسفية أكثر من الواقع التاريخي الحياتي ، رغم علو شأنه في ذاك الزمان . لكنني أرى النصوص تحتوي آراء لأشواق الكثيرين في الوجدان الحالم في قصيدة خرجت مُبرأة من وعثاء التاريخ وغلظته على الفقراء وتاريخ العبودية .و أنا أزعُم أنه قد ابتنى لنا معبداً شِعرياً يستحق أن نُجلسه مجلسه من معابد الدنيا التي تستعين بالتاريخ كمادة ينتقي منها المُبدع ما يراه في النهوض بالحُلم .

(4)

لم تكن العودة إلى سنار برنامجاً للإسلام السياسي :

ربما حاول السياسيون أن ينسبوا ( العودة إلى سنار ) إلى أنه برنامج سياسي للعودة للمملكة ، وأنا أختلف معهم بأن الشاعر " محمد عبد الحي " كان حراً طليقاً في إعادة هيكلة التاريخ بما يوافق الحُلم ، وتلك هي الفروق بين الخطاب السياسي الذي أراد أصحابه إلباسه لشعر عبد الحي ، بل أغلظوا في سوء الفهم وفق ما أرى ، حين رأوا فيه المنظر الثقافي الذي مهد لعودة الإسلاميين إلى سدة الحُكم بالقوة ، مثلما جاء حصاد التاريخ من بعد معركة " سوبا " ضد المسيحية من تآلف حلف عبد الله جماع الذي هزم " سوبا " المسيحية عام 1504 .والذي أسس لمملكة سنار التي دامت سلطتها أكثر من ثلاثة قرون .
وتلك فيما أرى مكيدةً أراد بها أصحاب السياسة قصيري النظر من الولوج لفهم مشروع الدكتور " محمد عبد الحي " على أنه مشروع إعادة تدوير المجتمع ليعود بسنار للبرنامج السياسي للإسلام السياسي السلفي الذي يريد الرجوع بالمجتمع إلى العهد الظلامي الذي لا يناسب العصر ولا التاريخ ، والذي فشل فيه الساسة عندنا أيما فشل .

(5)

هذا ما رأيته الآن من وحي ( العودة إلى سنار ) في رواها الأولى في محاولة لتخليص قيثارة الحُلُم الشعري النبيل من طمس المشروع الحضاري للذين سرقوا العقيدة من سماحتها الكامنة في جوهر الخطاب الديني المتسامَح المختلف عن الخطاب الديني الغليظ ، والذي ائتلف في النص القرآني ولم يستطع التفريق بينهما إلا المُكتشف ( محمود محمد طه ) في الفصل بين الاثنين وتسميتهما ( رسالة أولى غليظة بما يناسب المجتمع في التاريخ القديم ) و ( رسالة ثانية هي رسالة التسامُح والإنسانية الرحبة ) وذلك إنجاز يُحسب له ،
وها هي ثمرة الإسلام السلفي الغليظ الذي نعيش طعمه المُرّ على الوطن من عودة إلى القبلية والعرقية البغيضة ، والعودة للفساد المؤسس لأصحاب الموالاة للبرنامج السياسي السلفي والكيل بألف مكيال من أجل أن تؤول الدولة ومواردها وأرضها إلى ضيعة للإسلاميين وبرامجهم التعسة لتفتيت الوطن وكسر التعايش الذي كان قائماً بين الثقافات والكيانات والشعوب السودانية .

(6)

نماذج من النشيد الأول ( البحر ) :
أُبصرُ كيفَ مرَّ أولُ الطُّيورِ فَوقنا ، ودار دورتين قبلَ أن يغيبْ
في عتمةِ النُّورِ وفي حديقةِ المغيبْ
وكانت الشَّمسُ على المياهِ أمشاجاً من الفسْفورِ واللّهيبْ
تغربُ من قلب مياه الأُفق الغربيّ
حديقةً وَهْميةَ الثِّمارْ جملها الجِنيّ
تَمرٌ و رُمّانٌ وتُفّاحٌ بلا أشجارْ
يُولدُ بغتةً لكي يغيبَ في الشّرارْ
*
الليلة يستَقْبِلُني أهلي:*
أهْدَوْني مسبحةً من أسنانِ الموتى
إبريقاً جُمْجُمةً
ومُصلَّى من جِلدِ الجَّامُوسْ
رمزاً يلمعُ بين النَّخلةِ والأبنوسْ



لغةً تَطْلعُ مثلَ الرُّمحْ
من جسد الأرضِ
وعبر سماءِ الجُّرحْ.

*
الليلة يستقبلني أهلي:
وكانت الغابة والصَّحراءْ
امرأةً عاريةٌ تنامْ

على سرير البرق في انتظار
ثَورِهَا الإلهيِّ الذي يزورُ في الظّلام ْ
وكان أفقُ الوجه والقناعِ شكلاً واحداً

يزهرُ في سلطنةِ البراءة
وحمأ البداءة
على حدودِ النُّور والظُلمةِ بين الصحوِ والمَنام

(7)

هنالك علاقة بين ما ورد عن ( النَّفرّي ) في ( موقف البحر ) الوارد في مقدمة نص " العودة إلى سنار " وبين النشيد الأول ( البحر ) الذي أوردانا في الأعلى :
نص ( النَّفرّي ) في ( موقف البحر ) :

(أوقفني في البحرِ فرأيتُ المراكبَ تغرَقْ والألواحَ تسلَمُ ، ثم غرقتِ الألواح ُ ، وقال لي : لا يسلَمُ مَنْ رَكِبَ . وقال لي خَاطَرَ من ألقى نَفسَهُ ولمْ يركب. وقال لي : هَلَكَ منْ ركِبَ وما خاطرَ . وقال لي : في المُخاطرة جُزءٌ منِ النجاة .)

(8)

أرى أن ( النَّفرّي ) قد اتفق مع ( دكتور عبد الحي ) في البحر ، واختلفت رؤاهما ولغتهما وفي هذا المقام لا يصلُح الإجمال ، يحتاج الأمر لسانحة أخرى .


*
تحية لأضياف الملف جميعاً
*
عبد الله الشقليني
19/05/2005 م


*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »





دولة سنار والتخيُّل التاريخي في إبداع الدكتور محمد عبد الحي

إعداد عبدالله الشقليني

(1)

التقديم :
(أ)
ليس من بُدٍ أن نُقلِع بسفائننا من الأرض ووقائعها ورائحة التراب والأكواخ والطين والشجر والمطر والنهر والقوارب وحياة الإنسان فيها . لنهرب إلى السماء وأحلامها التي لا سقف لها ، ونبتني للإبداع مكاناً أرفع . الأفق صراط وصال يمنع الأرض إلى تصل السماء إلا حين يمتد البصر الخلاق ويُكسر الحواجز . التاريخ وقائع على الأرض : الناس والمجتمع والسلطة والصراع والتصالُح ، والقسر والانكسارات . الحنو للريح حين لا يمكننا قهر القوي إلا بالإستكانة ، فالصبر على الجمار ،هو منهاج الذين يبدءون خطواتهم الأولى مُسرين في الليل ، يعدّون العُدّة و لا يعرف بهم أحد ، إلا حين يدخلون المعركة التي يعرفون فيها النصر يقيناً قبل البدء و يستعيدون مجدهم من جديد .
أما الإبداع فقصة أخرى ، أكبر من الواقع الذي كان في بطن التاريخ ، فهي قضية معقدة . منها من تسند على تاريخ مشوب بالروايات المتفرقة من رواة التاريخ الشفاهي أو روايات الرحالة ، أو الذين يرون مكان تسطُع الشمس فيه ولا يعرفون الليل الذي يغطى جبالاً لا يصلها الرائي ،لكن يعرفها بقلبه ، وذهنه الوثاب .
التقديم :

(ب)

سنتخذ منحى مختلفاً في تقفي آثار الخارطة التاريخية لدولة سنار التي استوحى من بطونها الدكتور " محمد عبد الحي "مكاناً وزماناً لموقعة ديوانه الشعري .أكثر من ثلاثة قرون . سنقوم بسرد ما تيسر لنا وفق الرواة التاريخيين وروايات الرحالة والرواة الشفاهيين ، وأثرها في اصطناع أرضية عالم ساحر ، جذب شاعرنا الفخيم الدكتور " محمد عبد الحي " لإنجاز قصيدته الممتدة في خمسة أناشيد ، وتجوّلت في عمره القصير من بدء شبابه إلى رحيله . سبعة عشر تعديلاً وتطويراً للنص الشِعري . وآخر المخطوطات أودعها صاحبها دار الوثائق المركزية ، لتُسلم لعائلته من بعد عشر سنوات من تاريخ رحيله .
التقديم :

(ج)

لم يكن الدكتور محمد عبد الحي ، مثل الكثيرين من مبدعي وطننا ، عصفت بكثير منهم عواصف البداوة ، وحفظوا تاريخهم وتاريخ إبداعهم شفاهياً في الصدور ، ولم يكن ليكتب أسفاراً على عجل ثم يرحل ، بل جلس يجوِّد النص الشعري لغة ومرائي وأخيلة وغابات وتصاوير ومنحوتات للإنسان الذي خلق :من القبائل التي استوطنت سنار وما حولها : الجميعاب ، السروراب ، والعبدلاب والجعليين والميرفاب والحسنات والمسلمية واليعقوباب والعقليين والخوالدة والكواهلة والشمباتة والقواسمة والكماتير والعلاطيوين والزبالعة والفونج والهمج والجعليين العوضيين والبطاحين والشكرية والحمران والمكادة
ومن الأشجار في المنطقة تجول في غابات :التمر هندي والدليب والسدر والإهليلج والجميز والعُشر واللّعوت والسَّلم والخروع والسيّال والحراز والسعدة والهشاب والجوغان والحناء والصفصاف والقَنا .
ومن المزروعات :الدخن والقمح والذرة والعدس والماش " لوبا عدس " والبازلا والبازنجان والطماطم والملوخية والسلق والرجلة والكرنب واللفت والبصل والفلفل الحمر والبطيخ والخيار وقصب السكر .
ومن الحيوانات : الخيل والبغال والضأن والماعز والكلاب والهررة والإبل والبقر.
ومن الطيور : النسر والعقاب والصقر والحداة والرخم والقطا والسمان والقمري والهدهد والدجاج البري والحبارى.
التقديم :

(د)

إنها البيئة التي خلق منها الشاعر الدكتور " محمد عبد الحي " خلفية لمزرعته المورقة بأزهارها والعجائب . شيد لديوانه البنية التحتية من الأطر المعرفية ومنهاج نضيد ،أخذ من تجارب الآخرين وزادها قوة ونضاراً. أعمل مختبره في تجميع الأحرف والكلمات وخرج . عرض علينا إيقونات هي من مفاتيح القراءة للنص الشِعري ، ليشاركه القارئ قصة هذه "الإلياذة " التي تجولت تاريخ الإنسانية في عصورها القديمة في موطنه وفي الأوطان الأخرى ، وتنقل بين الأزمان بمنطاد القراءة والعيش في دنيا منفتحة على نصوص وآداب شعوب متنوعة ، ونهل من الآداب المقارنة في مباحثه الأكاديمية ، لتكن له الدربة على الخطو المتسع بين الأجيال الإبداعية .
التقديم :

(هـ)

سنورد ما تيسر لنا من أوراق التاريخ دولة سنار (1504-1821) ، بقدر ما يتوفر لنا من مصادر موثقة ، ونورد التقديم الذي ارتآه الشاعر ونورد ايضاً نماذج من ديوانه " العودة إلى سنار " : النشيد الخامس والرابع ، لنترك للقارئ مساحة للتخيُّل كيف تجوَّل إبداع شاعرنا في الزمان والمكان ، وكيف نهل متخيراً ومنتقياً من التراث ما يعينه على الذهاب على حواف المهالك ، وقت الحروب والأوبئة وصراع الأقوياء ، من أهل السلطان والجيش والقبائل والأعيان والتجار ورجال الطرق الصوفية . في محاولة جادة لتبين الطريق الذي سلكه في مسيره الطويل ، وجلوسه في معبد الكتابة، لينسج هذا الشِعر الفخيم ، في زمان كان الشعر العربي يحاول أن يتنفس وينطلق من قيود الماضي وأوزانه الثقيلة على الكتف ، فكان سبّاقاً إلى السقف العالي قبل شعراء العربية سابقاً لحداثتهم ، ومنيراً الطريق ، مُعبِداً تضاريسه واصبحت من بعد تجربته الأرض منسابة منزلقة للتسفار ، بخطوات متزنة بطيئة ، كأنه يحفر في صخر اللغة باحثاً عروق كنزه فيها ، ووجده دون شك .

(2)

نحن أمام قضية دولة سنار المخْتَلَف حول أصولها : أأهلها من أصول أموية عربية أم من أصول شلكاوية أم من أصول برناوية ؟!، والفهم التقليدي المنقول من الإخباريين والشفاهيين والرواة الذين يخفون أغراضهم ، أو يفتت نسيجهم النسيان والسهو ، ثم إلى الفهم الذي نصطلح عليه خلفية التخيُّل الروائي في الحكايات التي سندت الشِعر ومكنته من النطق بحناجر أهل تلك الأزمنة . فكثير من نظائر الروايات تحقق فيها شروط التخيّل الذي يمكّننا أن نُجلس الرواية في ميزان هويتها ، كيف قاربت أو فارقت التاريخ الحقيقي أو تاريخ رواية الخصوم ، أو نسجت سجادتها على نول غريب الشكل والتكوين . أما الإبداع " الشعري " فقضية أخرى رقيقة شفافة ، أكبر من السرد الروائي وأخصب أخيلّة وأبعد سماء من سقوف السرد الروائي مجتمعة . لأن الشاعر لا يصنع لنا من تصوره للتاريخ واقعاً للهوية التي يريد لها أن تنطق بألسنتها شخوص الرواية والحياة التي يحياها النص .بل يصور عالماً ممكناً لحياة حالمة راقصة بدلال ، أو ساجدة بيقين ، أو حزينة ببكاء المطر على سفوح الخد تصنع مجرى ، تنهل منه القلوب الشقية المرهفة ، التي تحس بوقع الخطو على الثرى ، وتحس فيه دبيب النمل .

(3)

تحدث الدكتور العراقي " عبد الله إبراهيم" في ورقته عن " كتابه"التخيّل التاريخي " ليكن بديلاً عن مفهوم الرواية التاريخية ، قاصد المرجعية التراثية والتخيّل السردي وأصطلح عليها بالتخيل التاريخي ، الذي وجد صعوداً مثيراً للعجب لرواية التخيل التاريخي ، ثم يستقيم أمر أهم نماذجها في الموضوع ، وهو سؤال الهوية . وتحدث أن الأدب والفن لن يكون بمعزل عن سؤال الهوية ، ولا ينحسر ولا ينعدم في تراث الأمم . حافراً بين الأمثلة والحدود المتداخلة بين المرجعية التراثية والسّرد الروائي التخيلي الحديث والرؤية السردية الكاملة .الرواية التي تنشق عن الأصول التي خلفها التاريخ في سيرته ، ومعرفة مقدار الملامسة لهذه المادة التاريخية و مقدار الانشقاق عنها .والمرويات التي كتبت من فئة أو طائفة أو رواة خصوم . إن أخبار التاريخيين وهم يتحدثون عن التاريخ المشكوك في أمره ، في حين أن التمثيل السردي يقر بالتاريخ التي استند عليها الكاتب من المنابع والمصادر دون تدقيق . وأقام بنية تحتية لقصة شعره من أولها إلى منتهاها .

(4)

أولاً :نبدأ حكاية التاريخ :

سجادة ملوك الفونج كما أوردها :
عمارة دنقس ، نايل ، عبد القادر الأول ، عمارة بن نايل ، دكين بن نايل ،دورة ، طبل بن عبد القادر ، أونسة الأول ، عبد القادر الثاني ، عدلان ، بادي الأول ، رباط ، بادي الثاني ، رباط ، أونسة الثاني ، بادي الثالث ، أونسة الثالث، نول ، بادي الرابع ، ناصر، إسماعيل ، عدلان بن إسماعيل أوكل ، طبل ، بادي ، حسب ربه،بادي .

(5)

أصل الفونج :
لا توجد أمام المؤرخين سوى روايات متضاربة وإشارات غير متقاطعة في دلالاتها عن حقيقة اصل الفونج . والنظريات حول هذه المسألة يمن تلخيص أهمها في ثلاث:

(6)

أصل الفونج :
النظرية الأولى : الأصل الأموي والعربي عموماً :
لا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة الانتساب إلى الأمويين هي ظاهرة شائعة وسط الأسر الحاكمة في غقليم السودان الكبير الممتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي في فترة العصور الوسطى . ونجد ذلك وسط ملوك كانم الأوائل كما هو الحال بالنسبة لغيرهم . ويرتبط الأصل الأموي عادة بالحبشة ، وقد كانت الصلات بينها وبين شبه الجزيرة العربية قوية منذ الجاهلية . ويورد البلاذري في أنساب الأشراف أن عبد شمس جد الأمويين قد عقد اتفاقاً تجارياً بين قريش وملك الحبشة ، وقد كانت الهجرة الإسلامية ( العربية ) الأولى والثانية في عهد النبوة إلى الحبشة . وكان من بين المهاجرين بعض افراد البيت الأموي ومن بينهم عبد الله بن جحش الذي تنصر وبقي بالحبشة .وفي اعقاب موقعة بوصير بالقرب من الأشمونيين في صعيد مصر ةالتي قتل فيها آخر خلفاء بني امية ، مروان بن محمد سنة 132/750 م ، هرب حوالي أربعة الف من الأمويين بقيادة عبد الله وعبيد الله أبناء مروان بن محمد إلى بلاد النوبة ثم البجة ثم الحبشة قبل أن يعبروا باب المندب إلى اليمن . ولم يعبر منهم مع عبد الله ابن مروان سوى خمسة واربعين رجلاً بعد أن قتل وأسر من أسر في أرض الحبشة . ولا يستبعد تخلف واستقرار جزء من هذه المجموعة بالحبشة .

تقول الروايات اليوم المنتشرة اليوم وسط سلالة الفونج بأن أصلهم يعود إلى بعض بني مروان الذين هربوا من العباسيين عام 750 م . وقد اختار هذا الفرع من اللبيت المرواني الحبشة ليلجأ إليها ثم انتقل أحد أفراده إلى كرن في شمال اريتريا حيث تزوج من ابنة ملكها . وهذه مجرد رواية واحدة ، فهناك روايات أخرى تحدد مدناً غير كرن كما تحدد أسماء مختلفة لشخص المرواني المهاجر . غير أن معظم الروايات التي تبنتها هذه النظرية تجعل من الشرق ، من الحبشة أولاً ثم من السودان الشرقي ثانياً موطناً للفونج قبل زحفهم من جنوب النيل الأزرق إلى شمال الجزيرة . ويتفق معظمها كذلك على أن اصل الفونج يعود إلى المصاهرة بين ملوك السودان من السكان الأصليين وبين سلالة بني أمية المهاجرين . وقد ذهبت إحدى شجرات النسب مما تبناه الفونج انفسهم في القرن السادس عشر الميلادي إلى أن أجداد الفونج العمرييم ( نسبة إلى عمارة دنقس أو عميرة ) كانوا من نسل سليمان بن عبد الملك بن مروان وأن أحدهم فرّ من سوريا إلى الحبشة في عهد الخليفة العباسي الأول السفاح ( 750-754) ويذهب مؤالفوا شجرة النسب ، ومن بينهم المسمى بالإمام السمرقندي ، أن سليمان بن عمر بن مروان قد غادر الحبشة بأمر ملكها ، الذي خشي من باس العباسيين إلى السودان حيث تزوج بنت الملك وأنجب منها ولدين هما " أنس " و" داود " وقد حُرِف الاسمان إلى " أونسة " و " أدون " ، وتكاثر نسل داود وأونسة وسط الأهالي السود حتى أصبح من غير الممكن التفريق بينهم ، وذهبوا أن العائلة تزواجت مع سكان ( لولا) في أرض الهمج وهي مكان غير معروف اليوم وقد اعتقد بعض الدارسين أن ( لولا) و ( لولو) أو (لامول )هي جزيرة لامو الواقعة في كينيا الحالية قرب الصومال وأن المراد بالروايات بهجرة الأموي من الحبشة إلى السودان هو هجرته إلى بلاد الزنج التي كانت جزء من السودان الكبير وليس سودان وادي النيل وأن هذه المجموعة هاجرت من ( لامو ) إلى جنوب النيل الأزرق . وقد استبعد هذا الرأي بعض الباحثين بسبب بعد جزيرة لامو عن جنوب النيل الأزرق . وقد اعتقد المؤرخ المصري الشاطر البصيلي عبد الجليل أن ( لامول ) تقع في غرب اريتريا وهي منطقة ( لملم) التي كانت تقع في طريق القوافل بين الساحل الأريتري وحوض النيل . واعتمد الشاطر البصيلي على كتاب مخطوطة الزنوج التي نشرها (أ نريكو تشرولي ) الإيطالي في كتابه ( صوماليا) وتقول هذه المخطوطة بوقوع هجرة استيطانية من عمان إلى جزيرة ( لامو ) قام بها بعض اهل الشام في عهد عبد الملك بن مروان (689-705)م ، وذلك بهدف استغلال المعادن والتجارة وحدثت بعد ذلك هجرات أخرى من شبه الجزيرة العربية إلى ساحل الزنج ، كان من بينها هجرة قبيلة (فَتَحَ) التي غزت بلاد الصومال في المنطقة ما بين سواكن وبربرة ثم هاجرت شمالاً إلى غرب اريتريا بسبب ضغوط القبائل الصومالية وانتشار الأمراض . واستنتج الشاطر بصيلي أن هذه القبائل اتخذت عاصمتها في لملم في غرب اريتريا واعتقد أن ( لملم ) هي (لامول ) التي ذكر داود راؤبيني الذي زار عمارة دنقس عام 1522- 1523 ، أنها كانت عاصمة عمارة وأنه سافر منها مسافات طويلة حتى وصل إلى سنار . وكانىراؤبيني قد وصل سواكن في ديسمبر 1521 وسافر منها إلى منطقة مصوع في قافلة كبيرة ومنها سافر إلى ( لملم ) التي قابل فيها السلطان عميرة أو عمارة ، الذي ذكر أنه سلطانه يمتد إلى البلاد الواقعة على حوض النيل الأوسط . وقد وصل سنار بعد ثمانية ايام من السير المتواصل واعتقد الشاطر بوجود رابطة بين ( لامو ) و ( لامول ) . وقد درس الشاطر دراسة كونتي روسيني للمذكرات التي كتبها الضابط " لوجي تلمنتي " والتي اورد فيها ملاحظاته عن المقابر التي شاهدها عام 1902 في خور بركة وذكر انها مقابر كثيرة متراصة أو متباعدة وأنها مقابر الفونج الذين اسسوا مملكة سنار في القرن الخامس عشر الميلادي . ويورد روسيني بعض الروايات الشفهية التي وقف عليها والتي تفيد بوقوع معركة كبرى بين الفونج وبين بعض قبائل المنطقة انتهت بهزيمة الفونج من جهة وبين قبائل الأرتيقة وهروبهم من منطقة اريتريا إلى داخل السودان وبالتحديد منطقة حوض النيل الأزرق . ويرى الشاطر أن القتال المذكور قد وقع بين الفونج من جهة وبين قبائل الأرتيقة والبلي من جهة أخرى ، وذلك بناء على بعض الإفادات الشفية المحلية في شرق السودان . ودعم أصحاب هذه النظرية وجهة نظرهم بذكر اسماء مواضع في المنطقة تحمل لفظ فونج مثل بلدة " فنجاني " قرب خور " أقوردا" وكذلك اسم أحد البطون الأريترية هو فنجاني ، وهو ينتمي إلى قبيلة ( منسة ) ولا شك أن النظرية التي صاغها المؤرخ البصيلي لا تتفق مع ما هو شائع من أن الفونج قد أسسوا سنار واتخذوها عاصمة لهم في عام 1504 مولكنها لم تتعارض مع تأسيس الفونج لسنار في ذلك التاريخ كمدينة تابعة لعاصمتهم في ( لملم ) أو ( لولا) .

تفيد بعض الروايات الشفهية الأخرى أن أصل الفونج العربي لا يعود إلى بني أمية ، إنما إلى بني هلال وقد أوردت مخطوطة " فينّا " التي عرف بها المؤرخ " هولت " وهي واحدة من نسخ كتاب ملوك سنار أو مخطوطة كاتب الشونة ، ما يفيد أن النسابة يذهبون إلى أن جد الفونج حسن الهلالي وهو من سلالة الرقيق من جهة الأم وينتمي من جهة الأب إلى بني هلال ، غير أن رواية الأصل العربي عامة التي تبنتها مخطوطة كاتب الشونة الأخرى والمصادر الشفاهية المحلية المتعددة تقول بالأصل الأموي وتنسب الأسرة المالكة الفونجية إلى أونسة التي تعتبره " عمارة دنقس " . لاحظ الدراسون ما عرف باسطورة الغريب الحكيم في قصص اصول الفونج . وهي تدور حول وصول غريب إلى منطقة ما يعيش سكانها في حالة من التخلف الحضاري ، فيعلمهم بعض المعارف والآداب حتى يحظى بينهم بمكانة عالية فيقررون الاحتفاظ به ويزوجونه ابنة الملك فينتقل الملك إلى نسله . وهي قصة متكررة في حالة اصول الفونج والفور وأسرة تقلي المالكة وغير ذلك من الأسر والممالك خارج سودان وادي النيل . وفي حالة الفونج نجد أن الغريب ياتي من المشرق الإسلامي ، وفي ذلك دلالة على انتصار قيم التحول نحو الثقافة الإسلامية وسط المجموعات السودانية الأصلية . وواضح من الروايات السابقة أن نظرية الأص العربي لا تعني أن الفونج قبيلة عربية أو أن انتسابها إلى جد عربي يعني غضافة عنصر سلالي عربي إلى المجموعات الأفريقية المستوطنة . وعملية الإنتساب هنا هي اجتماعية في المقام الأول ، ولها معناها المحدد في البيئة السودانية المحلية ، ولا تحمل دائماً كثير من الأبعاد السلالية البيولوجية التي قد يشير إليها المعنى الإجتماعي . لذلك يمكن القول أن نظرية الصل العربي لا تعنهي هنا دخول مجموعة أجنبية " غير سودانية " مبنى التاريخ السوداني ، وإنما تعني ظاهرة استيعاب التكوينات السودانية الأفريقية لعنصر اجنبي محدود هو العنصر العربي مع تمثل واستيعاب أكبر الخصائص الثقافية والدينية واللغوية وغيرها التي دخلت مع هذا العنصر . وهذا يعني منطقياً التواصل والتطور في حلقات التاريخ السلالي الاجتماعي والثقافي في السودان منذ اقدم العصور .

(7)

أصل الفونج :
النظرية الثانية : الأصل الشلكاوي :
صاحب هذه النظرية في البداية ، كان الرحالة الأسكتلندي " جيمس بروس " وقد زار البلاط السناري عام 1772 م . ومصدر معلومات " جيمس بروس " يعود إلى الروايات الشفهية التي نسبها إلى محدثه " أحمد سيد القوم " ، من كبار موظفي البلاط ، ويقول بروس أن قبيلة سوداء من رعاة الماشية كانت تسكن على الجانب الغربي من النيل الأبيض ، قامت بهجوم بعدد ضخم من الزوارق على المناطق العربية وألحقوا الهزيمة بإحدى قبائلها في موقعة بالقرب من "أربجي " وأرغموا زعيمها " ود عجيب " على دفع ضريبة من الماشية ، وكذلك التعهد بإخضاع القبائل العربية الأخرى وإرغامها على دفع الضريبة لهذه القبيلة من الماشية وكذلك التعهد بإخضاع القبائل العربية الرخى وإرغامها على دفع الضريبة لهذه القبيلة المنتصرة . وقد اعتقد " بروس " أن هذه القبيلة من الشلك الذين سكنوا الضفة الغربية للنيل الأبيض منذ خط عرض 15 درجة شمالاً . والشلك هم فرع من مجموعة (اللو ) التي هاجرت من منطقة بحيرة فكتوريا وتمددت شمالاً . ويشير كتاب ود ضيف الله إلى عناصرها في منطقة " ألليس " عند الكوة الحالية ، وذلك في سياق ترجمته للشيخ " إسعاميل الدقلاش " ( صاحب الربابة ) وقد غزى الشلك عام 1853 منطقة الدويم . وربما أوحت غزوات الشلك المتكررة على المجموعة العربية الوافدة إلى الجزيرة لبروس بفكرة الصل الشلكاوي للفونج . وقد اعتقدآخرون مثل البروفيسور يوسف فضل حسن أن اسلاف الفونج ربما يكونوا قد هاجموا مملكة " علوة " في عام 1290 م . واستنتج ذلك من رسالة بعث بها ملك الأبواب إلى السلطان المملوكي في مصر يعتذر فيها عن زيارته لانشغاله بصد مجموعة غازية دخلت بلاده من الجنوب . ولقد تعرضت نظرية "بروس " للنقد من قبل دارسين عديدين ومن هؤلاء " كرادفورد " الذي قال إن مملكة الفونج كانت لغتها عربية ودينها الإسلام ، ويستشهد بمحمد عوض الجغرافي والمؤرخ المصري الذي كتب عن القبائل السودانية وذكر أن " بروس " قد استقى معلوماته من " أحمد سيد القوم " الذي ولد بفازغلي وربما كانت أمه من الشلك . ويقول عبد المجيد عابدين أن " بروس " لم يفرق بين الشلك الذين جلبهم إلى منطقة سنار السلطان بادي الثاني " أبو دقن " 1644-1680 " ، عنما اغار على مناطقهم ، وبين السر الحاكمة ، كما أن ملاحظة بروس على الممارسات الوثنية وسط سكان سنار ينطبق على هؤلاء الشلك المستجلبين بعد تأسيس السلطنة بحوالي قرن ونصف . وتدل الروايات التاريخية على وقوع حروب وغارات متبادلة بين الشلك والفونج . وهم لا يسكنون على النيل الأزرق ، فكيف يمكن أن قد تحركوا بالزوارق لمهاجمة سنار على عبر النيل الأبيض وهي تقع بعيداً على النيل الأزرق ؟ . ومما يطعن في رواية " بروس " عدم دقته واضطرابه في تحديد الأجناس والقبائل . وعندما نشر مذكراته في بريطانيا عن رحلته في السودان والحبشة واجه عاصفة من التكذيب والاستنكار بسبب الاعتقاد في نزوعه للمبالغة وعدم تحري الصدق . غير أن المؤرخ مضطر لأن يأخذ كتابات " بروس " في الاعتبار والتحليل الداخلي والخارجي لها ، اي الذي يدرسها فيسياق القرائن التاريخية المختلفة ، يقع على كثير من القيم والصدق فيها ز وهذا يقتضي ضرورة الاستفادة منها بعد الأخذ باسباب الحيطة والحذر .

(8)

أصل الفونج :
النظرية الثالثة : الأصل البرناوي :
على ألاثار ي والمؤرخ البريطاني " أركل " هذه النظرية ونشر ىراءه في مجلة السودان في مسائل ومدونات عام 1904 . وكان آركل يؤمن بنظرية "بروس " حول الأصل الشلكاوي وقد نشر آراءه حول ذلك عام 1932 م . وعندما عين مفتشاً وتمكن من زيارة منطقة بحيرة تشاد وبعد اطلاعه على كتاب ( الصرحاء وبرنو السودان ) للسير " ريتشمون بالمر " وقد نشر عام 1936 م ، غير آركل ىراءه السابقة . تتلخص نظرية آركل أن ( ماي عثمان ) أحد ملوك البرنو قد هزم في نزاع داخلي للأسرة الحاكمة وطرد من بلاده عام 1486 م فذهب إلى المكادة ، حسب الرواية الشفهية المحلية ، حيث حكم الشرق والغرب حتى قضى الأتراك على مملكته .وروى آركل أن المكادة التي تعني الحبشة في لغة اهل برنو تعني في هذه الرواية منطقة جزيرة سنار ، وذلك لإمكانية الخلط في التسميات بين الحبشة والجزيرة ، مثل الخلط الذي يقع به اهل السودان الحالي عند إطلاقهم لكلمة ط فلاتة" على كل مجموعات غرب إفريقيا في السودان . وتفترض هذه النظرية أن " عمارة دنقس " من نسل " ماي عثمان " ، وذطر ىركل لفظ عمارة متداول في اسماء ملوك برنو . وقد استوطن البرنو المهاجرين إلى النيل الأبيض بين الشلك وسيطروا عليهم وقادوهم في الحرب أولاً ضد مملكة " علوة " ثم حاربوا بهم العرب بقيادة العبدلاب وألحقوا بهم الهزيمة في معركة " أربجي " ثم اسسوا مملكة سنار . ويرى " بالمر " أن كلمة " فونج " تعود إلى ط فون " ( Fune ) وهو أحد ملوك " كانم " ، كما أن المعني اللغوي لكلمة كانم تعني اللثام . وكان من عادة الملك في تلك المنطقة أن يتلثم . وقد ذكر " التونسي " أن سلطان الفور في زمنه كان يتلثم بشاش أبيض فلا تظهر منه سوى الأحداق . تذهب النظرية إلى أن العرب قد اطلقوا إقليم " برنو" اسم " الهمج " وهي نفس الكلمة التي أطلقت في سودان وادي النيل على بعض المجموعات التي سيطر عليها الفونج . وقد دعم آركل نظريته بما وقف عليه من التشابه في العادات والأسماء واللغة بين البرنو والفونج ، ومن ذلك انتماء المجموعتين للمذهب المالكي ، ويمكن القول بإيجاز أن هذه النظرية تقوم على التخمين وهي اضعف النظريات الثلاث .
يلاحظ من النظريات الثلاث الطابع الافتراضي ، والاعتماد على الاستنتاج الذي لا يخلو من الخيال . ونلاحظ مدى الاختلاف الكبير في تفسير معنى لفظ الفونج . فذهبت كل نظرية مذهباً انتقائياً . ويبدو عليها التناقض حول أصل الفونج ،تدل على أنهم مجموعات تطورت من انصهار مجموعات عرقية متعددة ، عربية حبشية ، بجاوية ، شلكاوية ، غرب أفريقية ..ألخ ، أي أنها مجموعة سودانية من خلق البيئة السودانية ومنطقها الخاص الذي يمتص الوافدين ويمزج على اساس قاعدتها الثقافية والاجتماعية المتجزرة في تاريخها العريق . وقد كان السودان دائماً مهبطاً للهجرات والحراك السكاني ،وتدل الشواهد أن منطقة بحيرة تشاد ربما استقبلت هجرات عربية عبر الحبشة وسودان وادي النيل ، وليس بمستبعد أن ترتد بعض هذه الهجرات عائدة إلى الشرق ووادي النيل في أوقات لاحقة .

(9)

إن التطورات السكانية التي مثلتها الهجرات العربية وغيرها من الهجرات خلال ( 641-1504 )أدت إلى تعديل كبير في التركيبة العرقية والثقافية في السودان ، ولا بد من التنبه إلى ظاهرتين :
الأولى : إن الهجرات المعنية لم تكن عربية فقط ، لأن الحركات السكانية التي صاحبت انتشار الإسلام في العصور الوسطى شملت غير العرب ، كما أدت لخلق عناصر مستعربة في أي مكان دخلته خارج الجزيرة العربية . وجاء في أطار تلك الحركات السكانية هجرات نيلية – صحراوية وغرب غفريقية في اتجاهات مختلفة ، أثرت على السودان كما اثرت على غيره . إن التكوين السلالي السائد حالياً في السودان قد تكون عبر زمن طويل ولم يكتمل بعد ، ونجد أن التكوين قد قطع شوطاً كبيراً قبل الإسلام بزمن بعيد .، إذ تجاوزت و تداخلت في هذه البلاد المجموعات التي سماها علماء السلالات بالزنجية والقوقازية وغير ذلك من المسميات ذات الدلالات اللغوية والعرقية ، مثل السامية والحامية والسودانية " نسبة للسودان الكبير ) وغير ذلك . وعندما وفدت الهجرات المصاحبة لانتشار الإسلام إلى السودان أوجدت لنفسها مكاناً داخل هذه الإطار ، وشكلت إضافة وتعديلاً لما هو موجود بالفعل . وكان من مظاهر التعديل للتركيبة العرقية والثقافية بروز القبائل السودانية التي تصادف ذكرها في المصادر التاريخية عند تناولها لفترة السلطنات والمشيخات الإسلامية في وسط السودان . ولا بد أن نتذكر أن بعض القبائل السابقة لمجيء الهجرة العربية الإسلامية استمرت حافظة لكثير من خصائص تركيبها الثقافي واللغوي والسلالي ، بل أن بعض المجموعات الوافدة ذابت وتم امتصاصها في التكوينات المحلية . وحتى في حالة المجموعات المعدلة فإن تعايشاً وقع بين الخصائص القديمة والوافدة ، أخذ شكل التسويات الحضارية .ولا بد لنا من التفريق بين القبيلة وبين المجموعة السلالية ، فالقبيلة مفهوم اجتماعي أكثر من كونه مفهوماً بيولوجياً ، عكس السلالة . ومن المرجح أن عدداً من السلالات قد دخل في تركيب القبائل السودانية ، التي تشكلت في هذه الفترة ن بالرغم من اتجاه النسّابة إلى الرجوع بأصل معظم هذه القبائل إلى شبه الجزيرة العربية ، والجنس العربي على وجه التحديد . ويمكن النظر إلى عروبة القبائل المستعربة في السودان في إطار العناصر الثقافية واللغوية مع قدرٍ يقل أو يكثر من "الدماء العربية " كما يقال في بعض التعبيرات غير العلمية .
نلاحظ أن المصار تتحدث عن أسماء قبائل شبه الجزيرة العربية وهي تتجول في السودان في الجزء الأول من هذه الفترة ، مثل ربيعة ،جهينة ،قيس عيلان ..ألخ ، وعندما تتقدم القرون نجد تلك المصادر تستخدم أسماء لمجموعات غير معروفة خارج السودان مثل : شايقية ، جعليين ، فونج ..ألأخ ، وهي أسماء لم تكن معروفة في السودان قبل هذا الجزء المتأخر من الفترة . وهذه إشارة رمزية لمدى التحول في تركيبة المجموعات القبلية في وسط السودان . وهي مجموعات كانت ولازالت منفتحة على بعضها البعض بنفس طريقة انفتاحها على الوافدين من خارج البلاد ، مما ينفي اسطورة النقاء العرقي . غير أن الانتساب إلى هذا الجنس أو ذلك قد يكون أحياناً مستنداً على حقائق تاريخية جزئية على الأقل . وسواء قام على التاريخ أو الأسطورة ، فهو دائماً ذو قيمة اجتماعية فعلية وظيفية . فتلك المفاهيم تدخل في تحديد نظم التصاهر والتحالف ومفاهيم الشرعية السياسية ، ومن ذلك حقوق أو إدعاءات الملك والسيادة وكل ذلك يدخل في إطار المفاهيم الثقافية والاجتماعية .


(10)

ويستفاد من أسفار الرحالة الذين زاروا البلاط السناري في القرن الثامن عشر ، أن الدولة السنارية كانت تتمتع بنظام ملوكي مرتب يقوم على الشورى واحترام درجات القرابة والسن داخل العائلة المالكة , ةيتأثر أيضاً بموازين القوى بين المجموعات المختلفة في تركيبة جهاز الدولة والبلاط والجيش ومعظمها لا تنتمي إلى أسرة السلطان .ومن المناصب الهامة منصب " أمين السلطان " وهو بمثابة سكرتير السلطان وينوب عنه في غيابه . وهنالك منصب " الجندي " وهو ملازم السلطان يهتم بالمراسم الطقوسية ويمثل رئيس الشرطة الذي يشرف على الأسواق ويتعقب العبيد الهاربين. ومن أهم المناصب " سيد القوم " وهو غالباً ما يكون خال السلطان ، من مهامه تنفيذ احكام الإعدام على افراد الأسرة المالكة . ويعتمد النظام القضائي على الحكام العرفية .

(11)

بدأ الجيش في عهد عمارة دونقس قبلياً فقد كانوا رعاة أبقار ، ونشأت دولتهم عسكرية وعند ظهور مؤسسات الحكم والإدارة تاثر بها الجيش وتكونت فرق عسكرية من الخيالة ، وكان الجنود يلبسون تحت بطانةمنسوجة ، الدروع والحديدية ويتسلحون بالرماح والسيوف العريضة ويضعون على رؤوسهم الخوذات البيضاوية ، وكانوا يركبون الجياد من الفصائل الممتازة قوية الاحتمال . وجنود هذه الفرقة الخاصة من عناصر الرقيق ، خاصة من جبال النوبة ، ويتميزون بالطاعة والانضباط بخلاف المجموعات القبلية التي كان تكون الجيش القديم .وقد كانت الفرقة الخاصة جيدة التدريب والتفوق في التسليح . وقد زار " بروس " معسكر جيش عدلان ود صباحي صديق محمد أبولكيلك وأعجب بدقة نظامه . وقد أدى استخدام الفرقة الخاصة من سلبيات اثرت على تنصيب أو عزل السلطان في مراحل لاحقة .

(12)

تمتد من أربجي شمالاً حتى الأجزاء الجنوبية والشرقية من الجزيرة ، وتمتد من مقرن النيلين باتجاه الجنوب في إطار شمال السودان الحالي ، وتمتد الدائرة المركزية إلى النيل الأبيض باتجاه الغرب . والدائرة الأوسع وتمثل منطقة نفوذ السلطنة . كان السلاطين يحكمون مباشرة اقاليم سنار والجزيرة ، وبصورة غير مباشرة عدداً من الأقاليم الشرقية والجنوبية التي تتمتع بدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي ، ويحكمها زعماء محليون .
كانت أقالين شمال " أربجي " تتبع للفونج عن طريق تبعيتها للعبدلاب ، وتشمل اربجي وكانت أهم مناطق الجزيرة التجارية . كان العبدلاب يسيطرون على أربجي وقري وهي عاصمتهم حتى عام 1711 ثم الحلفاية وشملت مشيخات العبدلاب الشبانلة على النيل الأزرق ومركزهم أربجي ، والجموعية على النيل الأبيض والجعليين في وحول شندي والمتمة والميرفاب في منطقة ببر والمناصير والشايقية حتى عام 1659 ، وبصورة اقل تركيزاً الدناقلة وممالك الخندق وأرقو .
امتد نفوذ الفونج والعبدلاب إلى أطراف من شمال كردفان الحالية . وتحالف الفونج مع الغنديات واقتربوا من سفوح جبال النوبة ، أما العبدلاب فقد أشرفوا على القبائل الرعوية في منطقة النيل الأبيض والتي تمتد حتى شمال كردفان .
اعتمد الفونج مثل العبدلاب على المصاهرات لتمتين علاقاتهم مع القبائل لتعزيز السيطرة غير المباشرة على الأقاليم .

(13)

اعتمدت دولة سنار على النظام القبلي ، وقد اتسمت مؤسسة القبيلة في منطقة الجزيرة على علاقات مرنة مع الانفتاح وقبول عناصر متنوعة وقابلة لاستيعاب العناصر الجديدة . كان هنالك تمييزاً بين الشريحة الملوكية من الفونج والفونج الأتباع أو الرعية ، فقد كان الرعية اكثر انفتاحاً على العاصر المستعربة والمجموعات الحبشية والنيلية ، مثل الشلك والنوبة جنوب كردفان ، أما المجموعة الملوكية فكانت متحفظة إلا أنها تقبل المصاهرات مع المجموعات المستعربة الشمالية .وتشير المصادر إلى ما عرف " بالنواب " ، وهم مجموعة ساهم النوبة الذين جلبهم " بادي ابودقن " حين غزا تقلي وبقية جبال النوبة إلى منطقة سنار .واصبحت عنصراً اساسياً في الجيش . ، وامتدت علاقتهم بالبلاط عن طريق التسري ، وكذلك مجموعات الهمج الذين تقاسموا السلطة مع السلاطين وأمراء الفونج حتى سلبوها منهم في المرحلة الأخيرة من تاريخ السلطنة .

(14)

الدوائر الدينية والصوفية :
لم تكن القبيلة والجيش والحاشية والعسكر هي دوائر النفوذ وحدها ، بل هنالك الدوائر الدينية الصوفية وبرز زعماءهم الروحيين ،ة ومارسوا نفوذاً اجتماعياً كبيراً ، ويحسب لهم سلاطين الفونج ألف حساب ، لذا كانوا يستمعون لنصائحهم وأقطعوهم أراض. وقد كانت أركان السلطان أربع :
السلطان والجيش الحاشية
المشيخة في الأقاليم
الطرق الصوفية
التجارة والمؤسسة التجارية .
وشكلت هذه العناصر حلفاً رباعياً غير مكتوب في إطار نظام شبه إقطاعي . وعندما تحولت هذه العناصر من الوفاق إلى المنافسة والتحارب ، انفرط عقد السلطنة وتدهورت حتى السقوط . وقد بدأ نشاط العلماء المسلمين من صوفية وفقهاء من المهاجرين من قلب العالم الإسلامي في سودان وادي النيل قبل قيام سلطنة سنار . ونجد من السابقين " غلام الله الركابي " ألذي انشأ خلوة في منطقة دنقلا . وانتشر أحفاده في المنطقة السنارية في مناطق الشايقية ثم الجعليين وهم أولاد جابر .ومن هؤلاء السابقين لسنار " حمد بن دنانة الشاذلي " الذي ادخل الطريقة الشاذلية واستطون المحمية . ونجد في الفترة السنارية هجرة متصوفة وفقهاء المحس إلى منطقة الخرطوم الحالية ، مثل الشيخ أرباب العقائد والشيخ إدريس ود الأرباب في العليفون والشيخ خوجلي عبد الرحمن والشيخ حمد ود أم مريوم في الخرطوم بحري الحالية . وقد سبقهم الشيخ " محمود العركي " الذي انشأ سبعة عشر خلوة بين الخرطوم و " أليس" في منطقة " الكوة " الحالية وغيرهم كثير مما أورده " ود ضيف الله في الطبقات .

(15)

الحياة في ديوان شعر الدكتور " محمد عبد الحي " :
-1- الحيونات والزواحف والطيور في الشِعر :الفهد ، الحصان ، الخيل ، الأرنب ، الجاموس ، الخيل ، التماسيح ، السبع ، الذئاب و السحليَّة الخضراء ، العصافير ، السمك ، الطيور ،..
-2- الغابات والمزروعات : الأشجار ، الزهور ، الورد ، العشب ، الغابات ، الثمار ، التفاح ، التوت ، التمر ، النخل ،..
-3- الأرض والكون : الشمس ، الريح ، الماء ، البحر ، النهر ، النجوم ، النهر ، الجبل ، الأرض ، الكهف ، التراب ،البرق ، الرعد ،...
-4- المعادن : الذهب ، الرخام ، الفخار ، النحاس ،الحرحر ، الصخر ،...
-5- الفلكلور : القبيلة ، الأقنعة ، مسبحة من أسنان الموتى، جمجمة إبريق، أشباح مقنعة ، قيثارة ،...

(16)

مقارنة ما أورده الديوان الشِعري بالحياة التاريخية :
⦁ تم ايراد الصحراء في الشِعر ، دون ورود شيئاً عن نباتاتها أو حيواناتها أو طقسها .
⦁ تم ذكر " التفاح " و " التوت " وهي غير موجودة تاريخياً في سنار .
⦁ تم ذكر القبيلة والأقنعة ، وهي جزء من تراث القبائل النيلية والنوبة وقبائل جنوب النيل الأزرق .وقد تم ذكر " الشلك " و " النوبة " في التاريخ ، على أنهم اسرى تمّ استعبادهم ، واستخدامهم في الجيش إلى أن صعدوا للسلطة ( 1769-1821 ) أي حكم " الهمج " اثنين وخمسين عاماً من جملة حكم " سوبا" الباغ حوالى 317 عام .
⦁ الأصول النيلية والأموية والخلاسية تظهر من ملامح شخوص القصائد في العودة إلى سنار
⦁ تم ذكر " البحر" ، وهو غريب في تلك المناطق إذ لا يوجد ، يوجد النهر والمستنقعات .
⦁ الحياة الثقافية في القصائد : تعرضت للكافر الذي عاد لأهله ، وتعرض الشعر لمنْ يغني بلسان ويصلي بلسان ، وهو ملمح من الهوية التي تحاول أن تتشكل : الدين بين لغة الصلاة ، وبين الممارسات في الموسيقى والرقص والغناء .

(17)

كثير من النقاد عالجوا "ديوان العودة إلى سنار " على أنه الوجه الثقافي للدولة الإسلامية ، وأن الشاعر كان يؤسس للدولة الثيوقراطية الدينية . وهذا الرأي فيه خلط كبير بين الشِعر ، وبين النثر . لأن القائ للنثر أو للرواية والقص ، يمكنه أن يرى ملامح الهوية في الشخوص والحياة التي تحيا ، ولكن الشعر ، عالم حالم ، ليس من ورائه مقاصد الكتابة النثرية ، إنها حالة من حالات " التخيُّل " الذي يتلبس الشاعر وهو مسنود بزخيرة كثيفة من التاريخ المقروء ، والأقاصيص التي ترد في التراث . وعليها ابتنى الشاعر تلك الآفاق ؟.


عبدالله الشقليني
*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

لم يكن ديوان العودة إلى سنار في نسخه الـ (17) لدكتور الأدب المقارن محمد عبد الحي ، أول توهج ابداع في عوالمنا ، بل أسطوانات الخواجة حين زار خليل فرح في مستشفى العيني بالقاهرة، وكان قد وعده بأن يجهز الخامة لسرور وكرومة. وقد زاره المطربان ومعهم عقود بالتسجيل لدى آخرين ، فاسقط في يد الفنان الكبير خليل فرح ، فكان أن أفسح الخواجة لتسجيل الأغنية الوطنية ( عازة في هواك) واسطوانة أخرى لنشيد ( ياعبدة ).
وكانت تلك صدفة بمليون موعد
أضف رد جديد