دعوة لبستان الصلحي

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الصلحيلوجيا5

مشاركة بواسطة حسن موسى »




صلحيلوجيا إفتخار دادي
5




افتخار دادي
Iftikhar Dadi
فنان و باحث يدرّس تاريخ الفن في جامعة كورنيل فضلا عن كونه كاتب معروف بمساهماته في دراسات البوست كولونيالية و علاقتها بالفنون الحديثة و المعاصرة في مجتمعات الشرق الأوسط و الدياسبورا. آخر كتبه " الحداثة و فن جنوب آسيا المسلم "[2010]
Modernism and the art of Muslim South Asia
.
و قد أثار مكتوب دادي في كتالوج معرض الصلحي اهتمامي بما لمست فيه من شبهات العجلة و الاستسهال في موضوع الصلحي بما لا يليق بباحث يملك حظوة مقاربة تجربة بالغة التركيب مثل تجربة صلحي من مدخل الفنان الممارس و من مدخل الباحث الأكاديمي .
ـ
في مقالته المعنونة " إبراهيم الصلحي و الحداثة الخطوطية من منظور مقارن "
« Ibrahim El-Salahi and calligraphic modernism in a comparative perspective »
يحاول دادي موضعة الصلحي كإحتمال حداثي سوداني قابل للمقارنة مع إحتمالات موازية طورها فنانون عالمثالثيون ضمن الأفق الإجتماعي لـ " جماليات التحرر".و المنظور المقارن الذي يبني عليه دادي مقاربته لمساهمة الصلحي يعتمد مرجعيات الإسلام و الميراث التشكيلي الإفريقي و النهج التحرري العابر للقوميات،" من أندونيسيا لشمال إفريقيا".
و مقابل نموذج الصلحي الماثل كفنان حديث، مسلم و إفريقي في آن، يبذل لنا دادي نماذج فنانين حديثين من المجتمعات المسلمة في الشرق الأوسط و جنوبي آسيا: الإيراني شارلز حسين زندرودي [1937]، العراقي شاكر حسن آل سعيد [1925ـ2004]، الباكستاني صادقين [1930]. و رغم إختلاف الخلفيات الثقافية القومية لكل، و رغم بعد الشقة الجغرافية و السياسية، بين السودان و العراق و إيران و الباكستان، إلا أن المقارنة تجوز ،من منظور إجتماعي، كون كل هؤلاء الفنانين ينتمون للطبقة الوسطى الحضرية التي قادت حركات التحرر من الإستعمار وورثت السلطات السياسية و الإقتصادية في بلدانها، و طمحت لتأسيس مجتمع قومي حداثي على مرجعية النموذج القومي الأوروبي. وضمن هذا الطموح التحرري القومي تخلقت مشاريع الهوية الثقافية القومية المميزة داخل المنظور الإجتماعي للطبقة الوسطى الذي يشتغل عليه فنانون و أدباء تدربوا، بشكل مباشر أو غير مباشر، على "إكتشاف" خصوصية هوياتهم الجمالية على هدي جماليات الأنثروبولوجيا الأوروبية المحافظة التي سادت في مطلع القرن العشرين.
قلت أن "المنظور الإجتماعي" الذي يجمع هؤلاء الفنانين الوافدين من خلفيات ثقافية و عرقية مختلفة، يسوّغ مبدأ المقارنة بين تجاربهم الجمالية على أساس الجماليات الحداثية التي طرحتها حركات التحرر من الإستعمار. لكن موضوعة "المنظور الإجتماعي" تموضع هؤلاء الفنانين في علاقة تشابك مركب مع العالم في تحققاته التاريخية ، المادية و الرمزية. فأغلب هؤلاء الفنانين يتقاسمون تجربة تلقي التدريب الفني في إطار المناهج الأوروبية الحديثة التي تمخضت عنها تجارب تاريخ الفن الأوروبي في القرن العشرين [ التأثيرية و التعبيرية و الدادائية و الباوهاوس و التكعيبية و المستقبلية و التجريد ]. و التشابك الذي يهمنا في هذا المقام هو ذلك الذي يطرحه واقع التداخل بين التأثيرات الثقافية[ الإقتصادية و السياسية و الجمالية] التي خضع لها هؤلاء الفنانين و التي أثـّرت على تكوينهم الفكري و على خياراتهم الجمالية.فإبراهيم الصلحي درس في لندن في النصف الثاني من الخمسينات وفي نفس الفترة تقريبا كان آل سعيد و زندرودي و صادقين في باريس ] و كون موضوعة " المنظور الإجتماعي " تموضع هؤلاء الفنانين، غير الأوروبيين، ضمن العالم، كشركاء في عملية إنتاج الثقافة الكوكبية، مع معاصريهم من الأوروبيين، فهذه الشراكة تورطهم ، في نفس الوقت ، في منازعة تناقض المصالح الطبقية ،التي لا مكان فيها للحيدة بين الفرقاء الواعين بأهمية الثقل النوعي للظاهرة الفنية في سياق الحرب الآيديولوجية. و في هذا المربط، مربط صراع الطبقات يلزم فحص الطريقة التي يجيب بها هؤلاء و أولئك،في العالم غير الأوروبي كما في العالم الأوروبي، على الأسئلة التي يطرحها عليهم العصر.ذلك لأن أسئلة جماليات التحرر ليست شأنا يخص أهل العالم الثالث وحدهم ، طالما أنطرح المشروع التحرري كمشروع إنساني يهم الجميع.
الفكرة المحورية في " جماليات التحرر من الإستعمار"، و التي تمخض عنها الأدب التحرري الإشتراكي في المجتمع الأوروبي، تتلخص في تحرير طاقات المجتمع المادية و الرمزية وتمكين أفراده من تحقيق يوتوبيا الرفاه الإشتراكي [ وفرة في الإنتاج و عدالة في التوزيع]. لكن الإشكالية الوعرة القائمة بين الحلم التحرري المتفائل و العسر التاريخي الذي يطرحه جيوبوليتيك منتصف القرن العشرين، و هي الفترة التي تخلقت فيها جماليات حركة التحرر الوطني في مجتمعات العالم الثالث ، تصيب المشروع التحرري في أكثر من مقتل. فقسمة العالم التي تمت بين الأقوياء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية [ معاهدة يالطا 1945] مسخت حلم التحررالطوباويي لمجرد واجهة تموّه المناورات السياسية لزمن الحرب الباردة. و في هذا المشهد فالفنانون الذين ارتادوا أرض جماليات التحرر ،عشية الإستقلال، بنية بناء عقيدة جمالية قومية مندمجة في المشروع القومي لبلدانهم، كما في حالة الفن السوداني على نموذج " مدرسة الخرطوم" ، أو الفن العربي " في نموذج الفن العراقي الرسمي [في ما وراء هموم " جماعة البعد الواحد" العراقية] ، أو الفن الإيراني في نموذج " مدرسة سقاخانه" ، هؤلاء الفنانون باشروا المشروع الجمالي لطبقتهم الإجتماعية، القابضة على أعنة الإقتصاد و السياسة ، على مزاعم تحررية قومية زائفة، تخدم مصالح طبقتهم الإجتماعية التي انتحلت لنفسها حق القوامة السياسية و الثقافية على المجتمع و أقصت عنها خصومها الإجتماعيين. يقول دادي في مسعاه المقارن ، بأن هؤلاء الفنانين الرواد الذين طرحوا مشروع تطوير لغة جمالية قومية جديدة تستثمر الإنفتاح الناتج من حركة التحرر من الإستعمار تحولوا لأبطال قوميين بين مواطنيهم [ص 43]. و لا عجب، فهؤلاء الفنانون " القوميون" كانوا موضع إحتفاء السلطات السياسية المتعطشة لإضفاء محتوى جماليي للمؤسسات السياسية الفارغة التي ورثتها طبقتهم من دولة الإستعمار.و في نفس الوقت فمعظم الفنانين الذين كانوا يطرحون ذواتهم كناطقين باسم ثقافاتهم القومية، كانوا يلاقون الرضاء التام من دوائر الرعاية الأوروأمريكية التي استقبلتهم كحراس مؤتمنين على تميّز الهوية الثقافية القومية و كعربون على وهم حرب أو/ وحوار الثقافات الذي يسوّغ صيانة الجغرافيا الثقافية الإستعمارية على عمد مفهومية بائدة تعارض ألشرق و الغرب.
ما لم يقله دادي هو أن ملابسات الإحتفاء السياسي بهؤلاء الأبطال القوميين محليا و الإحتفاء الأنثروبولوجي المحافظ[ إقرأ: العرقي] من طرف مؤسسات الرعاية الأوروأمريكية، خلقت الشروط التي سوغت لإهمال أولمصادرة ـ و قيل : لتخوين ـ الفنانين المحليين الذين اتبعوا خيارات جمالية مغايرة [ لا قومية].و أنا لا أعرف الفنانين العراقيين أو الإيرانيين أو الباكستانيين ، الذين اتبعوا خيارات جمالية "لا قومية" فحل بهم عقاب مزدوج من طرف السلطات القومية و من طرف سلطات الرعاية الأوروأمريكية. لكني أعرف عددا من الفنانين السودانيين [ تاج السر أحمد و حسين شريف و حسن بدوي و عمر خيري و مدثر قطبي و آخرين..] تجاسروا على اهمال الموجهات الآيديولوجية لتيار الفن الرسمي لنظام نميري، فكان جزاؤهم الإهمال من قبل دوائر الرعاية الرسمية في بلد، مثل سودان السبعينات، الدولة فيه هي الراعي الأوحد، ناهيك عن ذلك النفر المشاتر الذي اختار معارضة فن الدولة و سياساتها بالمكشوف، أو كما قال :
" صادرة أعمالي ضد مؤسسة القمع الثقافي
ضد تركة النقد الإسقاطي
ضد الغياب المتدثر بالرموز بديلا عن الفعل "
[عبد الله بولا من منشور معرضه في المركز البريطاني بأمدرمان.1977]. انظر " الشعب في المعرض" في الصفحة الثانية من الخيط المعنون: " ناس الخرطوم"، و هو ترجمة لمقالي المنشور في دورية
South Atlantic Quarterly(SAQ),Vol.109,No.1,Winter 2010, Duke University Press.
What is left of the Left?The View from Sudan.
[الرابط :
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... a1f48e401d

و ربما انطوت مطالبة دادي بالإلمام بأحوال الفنانين الذين أهملتهم سلطات الرعاية المحلية و العالمية ، على بعض الإجحاف في حقه كباحث يعمل تحت شروط ندرة الوثائق و المعلومات، حتى عن الفنانين المعروفين نسبيا ممن تشملهم عناية دوائر الرعاية الرسمية. فالظاهرة الفنية في البلدان غير الأوروبية ما زالت جديدة و تاريخ الأدبيات المتوفرة حول الفنون المعاصرة في المجتمعات غير الأوروبية قريب و عمره لا يتجاوزالثلاثة أو الأربعة عقود الأخيرة، ناهيك عن كون معظم الفنانين موضوع البحث أنفسهم مازالوا أحياء يعملون و يساهمون في تخليق هذا الشيئ المتحول و الذي يعرّف نفسه كطرف من ظاهرة "الفن المعاصر" ، بينما ظاهرة الفن المعاصر نفسها واقعة في حيص بيص منهجي غير مسبوق بحكم ارتهانها ـ مثل غيرها من ظواهر الثقافة ـ بإنمساخات جيوبوليتيك العولمة التي تطال كل شيء. يعني ببساطة "عايرة و أدوها سوط" !.
لكن هذا الواقع البحثي، واقع الصعوبات التقنية و الوثائقية والمنهجية المتعلقة بدراسة ظاهرة ثقافية متحولة داخل إطار إجتماعي متجدد، بدلا من أن يلهم دادي الحذر و اليقظة، و هو يعالج أمرا في تركيب و تعقيد سيرة فنان في مقام الصلحي، فنان، و" زول"، مزجت روحه بتاريخ القرن العشرين " كما تمزج الخمرة بالماء الزلال"[ الحلاج]. أقول: بدلا من التواضع و الحذر،فصاحبنا يهتبل سانحة الظلام الوثائقي و العسر المناهجي لـ " يكاور" سيرة الصلحي مع" كورجة" من الفنانين، متنوعي المشارب، بتبسيط و عجلة لا تليق بمقام هؤلاء المبدعين الأماجد الذين دفعوا عجلة الحداثة الجمالية في مجتمعاتهم تحت شروط بالغة الصعوبة.
كتب دادي :
" ..إن وعي الصلحي بعدم مواءمة التدريب الذي تلقاه في إنجلترا ، و بمفارقته للدور الذي ينبغي للفن أن يلعبه في سودان ما بعد الإستقلال، هو الذي حفزه على رفض ذلك التدريب الأكاديمي بعد رجوعه للسودان "
.
أظن أن العبارة المفتاحية في هذا المقطع من كلام دادي هي " التدريب الأكاديمي".و هي، في الإستخدام الشعبي، تدل على تعلم تقنيات الرسم الواقعي على مراجع فن الرسم المدرسي [ إفلاطون أسس مدرسته لتعليم الفلسفة و الرياضيات في حديقة أثينية أسمها " آكاديموس"]..و في هذا الفهم تنويه بتقليد التدريب في أكاديميات[ إقرأ : مدارس] الفنون الأوروبية، الذي استلهم تقليد الأكاديميات[ المدارس] الأثينية و الرومانية في القرن السابع عشر أسس الأوروبيون مدارس لتأهيل الرسامين و أهل الصناعات الفنية ضمن إرادة ملكية لتعريف فن رسمي يليق بمقام السلطة الملكية. فظهرت الأكاديميات في أكثر من عاصمة أوروبية .و كان نظام التعليم فيها يتميز بأهمية تجويد الصنعة [ الرسم و النحت و المعمار] على مراجع السلف الصالح اليوناني و الروماني. لكن مع حلول القرن التاسع عشر بدأت أصوات الفنانين الحداثيين تنازع الأكاديميين في المشروعية الجمالية لعملهم و صار الأكاديميون عرضة للهجاء و السخرية. قاد " بودلير" المعركة المفهومية ضد الأكاديمية الفرنسية باسم " الحداثة"[ مودرنيزم] ، وعلى أثر بودلير واصلت عصابات" التأثيريين" حربها على المستويين المفهومي و التقني حتى إنتصار التأثيرية تحت راية فن " الحداثة" على أيدي فنانين مثل "إدوارد مانيه" و " ديغا" و "كلود مونيه" و" بيسارو" و "رينوار" و غيرهم.و على أساس القناعات المفهومية و التقنية " الحديثة" مهد التأثيريون الأرض لاستقبال ما صار يعرف بالفن الحديث في القرن العشرين.
لكن التعليم الأكاديمي لا يفلت من طائلة التاريخ لأن المعارف تنمو و تتراكم و تتطور فتقوم الآلة المدرسية بتقنينها و تبويبها و فهرستها و تغذى منها آيديولوجيا الطبقة المهيمنة [ البورجوازية الصناعية في القرن العشرين ].و هكذا فمعارف مطلع القرن التاسع عشر ،التي كانت بدعا "ثورية" في زمانها، انمسخت، في ظرف جيل واحد أحيانا ، لمعلبات آكاديمية مبذولة لطلاب العلم في ضجر صالات الدرس.و في هذا المنظور فالأكاديميات التي كان طلاب الفنون يتلقونها في مدارس الفنون الأوروبية في الخمسينات كانت تشتمل على دراسة تقنيات الرسم " الأكاديمي" الذي ينسخ الواقع المرئي وفق التقليد الكلاسيكي لرسامي القرن السابع عشر ، جنبا إلى جنب مع ميراث تأثيريي القرن التاسع عشر،و دراسة تقنيات صناعة الصورة وفق تعاليم حداثيي مدارس القرن العشرين من شاكلة رواد مدرسة الـ " باو هاوس " [ "بول كلي" و "والتر غروبيوس " و واسيلي كاندنسكي " ..] الذين عقلنوا الممارسة التشكيلية وفق روح عصرهم،فغيروا صورة الحياة الحضرية على لقيات عصر الثورة الصناعية و التقدم التكنولوجي و علم نفس التعلّم و علوم الإجتماع و غير ذلك.
و في هذا المشهد فالصلحي و جيله انمسخوا اليوم بدورهم لمادة دراسية أكاديمية لا يفلت منها طلاب تاريخ الفنون الإفريقية و فنون الدياسبورا الذين تفرخهم الجامعات الأوروأمريكية أفواجا و عل كل ضامر يأتين من كل فج عميق و الحمد لله على كل شيء.
إذا قبلنا بأن التدريب الأكاديمي في مدارس الفنون الأوروبية التي خبرها الفنانون غير الأوربيين من جيل الصلحي و زندرودي و صادقين و آل سعيد ، كان يشتمل " أيضا" على الخبرات والتعاليم المستخلصة من تجارب فنانين محدثين من نوع " كلي "و "كاندنسكي"، يصبح من المتعذر قبول فرضية "رفض" الصلحي لمناهج الممارسة الفنية التي تهتدي بالتجربة الأوروبية.ذلك لأن الصلحي، سواء في معرضه الأول [في الـ " غراند هوتيل" 1960] أو في معرضه الأخير [في مركز دياب الخرطوم،2010]، لم يفعل أكثر من بسط بضاعته "الأوروبية" على الجمهور السوداني. عن معرض الـ " غراند هوتيل"[1960]، يقول الصلحي أن المعروضات كانت تعكس نوع العمل الذي ينتسب لتجربة مدرسة الـ "سليد".
".. كانت تلك الأعمال متأثرة بسيزان، لأنني ، عندما كنت أدرس في " سليد"، كانوا قد اكتشفوا سيزان لتوهم. كانوا قد ابتدروا خروجا بسيطا على اصطلاحات القرن التاسع عشر. كنت أعمل على أشكال تجريدية تقريبا.كنت أحلل سطح الصورة و أرده للعناصر المكونة الأولية التي تملك أن تحكم كل نظام السطح. كان هذا هو نوع الأعمال التي عرضتها في الخرطوم ، جنبا إلى جنب مع صور العاريات و الطبيعة الصامتة و البورتريت و غيرها.." [ ابراهيم الصلحي حوار مع أولي باير، بايرويت 1983،ص 29],
من توصيف الصلحي لتجربة التدريب الأكاديمي في مدرسة " سليد" يبرز " بول سيزان" كشخصية مفصلية بين فن القرن التاسع عشر[ التأثيرية] و تيارات الخروج التي ثورت فن القرن العشرين و في طليعتها تكعيبية بيكاسو و براك و تجريد كاندنسكي و كلي و موندريان..و شغل الصلحي الذي يقوم على " تحليل" سطح الصورة و رده لعناصرها المكونة الأولية" التي تملك أن تحكم كل نظام السطح " ما كان له أن يتم بغير استذكار دروس رواد حركة الحداثة الفنية في القرن العشرين.بيد أن الصلحي الذي عرض أعماله " التحليلية" ـ لو جازت عبارتي ـ " جنبا إلى جنب مع صور العاريات و الطبيعة الصامتة و البورتريت و غيرها" إنما يكشف عن الصعوبة المنهجية ـ من وجهة نظر مناهجية[ ميثودولوجي] التي تلازم سؤال العرض ،أي عرض .و هذه الصعوبة المنهجية هي التي ألهمت الصلحي أن يبسط للناس كل ما في وفاضه كمثل التاجر الذي " يفرش" كل بضاعته " الأكاديمية" في مكان واحد. ذلك أن العارض إنما يخاطب جمهوره من خلال إختياره لموضوع العرض.و موضوع العرض هو نوع من رسالة موجهة للمشاهد مثلها مثل موضوع السرد في العمل الروائي أو الدراسة التي تتوجه للقارئ.و يبدو لي أن الصلحي في معرض" القراند هوتيل"، أول معارضه للجمهور الخرطومي، تصرف كما التلميذ النجيب الذي أكمل تعليمه بنجاح في كل المواد ثم جاء يقدم "أوراق اعتماده" للجمهور الوطني وسط زخم التفاؤل الوطني الذي غمر ذلك الزمان، زمان السودنة، و لسان حاله يقول : يا بني وطني الأعزاء ،أنظروا! لقد جلبت لكم كل ما تعلمته في الخارج !. بينما هو في معارضه الخرطومية اللاحقة يتصرف كما الأستاذ المهموم بتعليم "الشعب" و تنبيهه للعناية بأسئلة " الهوية الثقافية" و بناء الأمة السودانية و صيانة الوحدة الوطنية من خلال إحترام التعدد العرقي و الثقافي الذي يميز السودان. و موقف المعلم الشعبي ـ و لو شئت إقرأ " المثقف العضوي "ـ هو المحفز الرئيسي لحركة الصلحي في مختلف أحوال حركته المتصلة في منطقة العمل العام الثقافي، من حال " مدرسة الخرطوم " لحال " بيت الجاك " لحال " وكيل وزارة الثقافة ".
و الصلحي في موقف " المعلم " ليس نسيج وحده، فكافة أجيال الفنانين السودانيين انشغلت ـ و ما زالت مشغولة ـ بشاغل " تعليم الشعب" كمحاولة للوفاء بالدين تجاه الشعب.و أظن أن "شاغل الشعب" هو المسؤول من حالة التسييس القوي الذي يميز فناني السودان عن مجايليهم، سواء في إفريقيا أو في بلدان الشرق الأوسط. وقد تعرضت لهذا في نصي " الشعب في المعرض ".
أخلص من هذا لأن " شاغل الشعب" عند الصلحي يجد أصوله أيضا في التدريب الأكاديمي الذي حصله الصلحي في مدرسة سليد في لندن الخمسينات.فكل أعلام حركة الحداثة الفنية في القرن العشرين انشغلوا ، بطريقة أو بأخرى بـ " شاغل الشعب" ، من خلال العناية المكثفة التي أبدوها بفن الشعب.و" فن الشعب" في أفق حركة حداثة فن القرن العشرين يمثل، في المشهد الثقافي الأوروبي، كأحد تخلّقات العقيدة الجمالية البدائيوية [ بريميتيفيزم] التي تسقط التطور الحضاري للمجتمعات على نموذج التطور البيولوجي و النفسي للطفل و تعارض ثقافة العقلانية الأوروبية ،التي لم تعصم الأوروبيين من الحروب و التناحر الطبقي، بنموذج البراءة الفراديسية المودعة في الطفولة، سواء كانت طفولة الشعوب البدائية أو طفولة المجتمع الريفي الذي يحيا في جوار عناصر الطبيعة.و تخلقات الجمالية البدائوية تشتمل ـ بالإضافة لفن الشعب ـ لظواهر أخرى مثل فن المجموعات العرقية البدائية في إفريقيا و أمريكا الجنوبية[ المتوحشين]، و فنون الأطفال و فنون المعاقين عقليا و رسم المجرمين .و قاسمها المشترك الأعظم مفارقتها للعقلانية المادية و للروح العلمي الذي تطور في ظل حضارة رأس المال.
لقد طرح رواد الحداثة الفنية في مطلع القرن العشرين مفهوم " فن الشعب" على إضمار يعارض مجتمع الحواضر الصناعية الرأسمالية بمجتمع الأرياف حيث الشعب الأصيل يحيا في الأرض.و في هذا المشهد فمفهوم الشعب يسقط على الفلاحين" البسطاء؟"و " السذ ّج؟" صورة " بدائيي الداخل" حسب عبارة " كولن رودس" في " البدائوية و الفن الحديث"
Primitivism and ModernArt,Thames&Hudson,1994
.و منذ منتصف القرن التاسع عشر شرع بعض الفنانين الأوروبيين يهاجرون للأرياف الأوروبية ليستلهموا من ثقافة الشعب و فنون الشعب. و هنا يلزم التنويه بتجربة " بول جوجان" جماعة "بونت آفن" في إقليم" بريتاني" الفرنسية بحثا عن الأصالة و البدائية عند شعب الفلاحين.و في مطلع القرن العشرين نجد فنانين حداثيين مثل الفرنسي " دني" و الألمان " فريتز ماككنسون" و " إميل نولد"يشددون على التفوق الجسدي و الأخلاقي و الروحي لفلاحي بلدانهم ، و يعارضون صورة الفلاح القوي بصورة الشخص الحضري الضعيف جسديا و المنحط روحيا.[ رودس 24].و قد شهد العقد الثاني من القرن العشرين تفشي الحماس لفن الشعب البدائي وسط مجموعات فناني الطليعة الحداثية في ألمانيا و في روسيا و فرنسا ممن تواصوا على الإحتفال بقيم البداءة الجمالية البريئة في فنون الشعب، كما عند الـ "نيو بريميتيفيزم" الروس [ ميخائيل لاريونوف و كازيمير ماليفيتش] و" بلو رايتر"، الفارس الأزرق"، [ أوغست ماك] عند الألمان.و قد اعتنى كاندنسكي بظاهرة الفنانين " البدائيين" الذين لم يتلقوا أي تدريب أكاديمي على إضمار صلد بكون " الفنان الساذج الذي لم يحظ بأي تدريب أكاديمي، حين يرسم أي شيئ فحاصل عمله يخلو من الزيف .إنه ينتج ، بالضرورة، شيئا ينبض بالحياة "[ رودس 40].
هذا الولع بـ "فن الشعب" عند رواد الحداثة الفنية الأوروبية تكرّس، في وقت وجيز،كمصدر مهم من مصادر إلهام عدد كبير من الفنانين الأصغر سنا و الذين درسوا تجارب الحداثة الفنية الأوروبية كمادة أكاديمية في مدارس الفنون.و في هذا المنظور فعلاقة الصلحي الأكاديمية بـ " فن الشعب" كمصدر جمالي مشروع، لم تبدأ في صالات الدرس في مدرسة " سليد "، لكنها بدأت قبلها بسنوات في رفقة معلم مثل " جان بيير غرينلو"،رائد التربية الفنية في السودان.والصلحي يحكي عن تجربة "غرينلو" بحنين ممزوج بحسرة ظاهرة على هذا الرائد الذي كان يبشر بجمالية تشكيلية سودانية تسع التعليم الحديث و التقليد الثقافي المحلي:
".. أفكار غرينلو كانت طموحة جدا. كان يريد مدرسة فنون تقوم على الفلسفة الإسلامية. كان يريد تعليما فنيا يعتمد بشكل عام على على الفنون و الحرف التي تستلهم الثقافة الإسلامية"..و الخط " كان بين المواد الرئيسية. كنا نبدأ كل يوم دراسي بساعتين من دروس الخط .كان علينا دراسة الخط الروماني و العربي. كان ذلك التدريب ينطوي على نوع من الإنضباط الحرفي : ستة أيام في الأسبوع.و قد كان ذلك شيئاعظيما فعلا. المواد الأخرى كانت العمارة، تصميم الأزياء، تصميم الأحذية، طباعة المنسوجات، التجليد التلوين و التجسيم [ موديلينغ]. كل هذه المواد الدراسية كان ينبغي أن تكون مرتبطة بتقليد التصميم المحلي.كان ذلك البرنامج الدراسي مدهشا.لكن غرينلو لم يجد الدعم الكافي من السلطات البريطانية.".." فقد تم نقله بعد سنوات قليلة بذريعة نقص المؤهلات.و كان هذا محض هراء، فغرينلو كان فيلسوفا و موسيقيا و فنان مقتدر، بل كان حرفيا عجيبا. لقد تم استبداله بـ "مستر كوتريل" الذي كان يعتقد أن التصميم الإسلامي و الخط بلا قيمة ، فأدخل الإصطلاحات البريطانية الخالصة ". [ الصلحي في الحوار مع "أولي باير"، بايرويت، 1983]. من كل هذه السياحة في ثنايا مفهوم " الأكاديمية" أخلص إلى أن الصلحي ـ خلافا لما دفع به دادي و آخرين [ بما فيهم الصلحي نفسه أحيانا!] لم يرفض أي تدريب أكاديمي تلقاه في حياته ، سواء في السودان أو في بريطانيا أو في أمريكا أو في غيرها.و قد لا أشتط لو قلت بني لم أقابل في حياتي فنانا أشد تمسكا بالروح الأكاديمي من الصلحي.و هو مع ذلك تمسك ذكي يحتوي على هامش مناورة مفهومية تمكنه من رسم خطوط رجعة تعصمه من الإنغلاق في الإتفاقات الأكاديمية الفارغة. و في هذا المشهد يجدر التنويه بأن القائلين برفض الصلحي للتدريب الأكاديمي الغربي تجاهلوا ـ أو جهلوا ـ ممارسة الصلحي المتصلة لفن الفتوغرافيا. ربما لأن الفتوغرافيا، بحكم تاريخها و طبيعتها التقنية ، تنتمي لنوع الفنون التعبيرية الحديثة التي يصعب ـ و قيل يتعذر ـ معها تمرير ترهات الجمالية الهويولوجية من شاكلة الفتوغرافيا الأفريقانية بلا بلا بلا.
و لو رجعنا لمقتطف افتخار دادي اعلاه و واصلنا القراءة فسنج الآتي:
." By the late 1950 and the early 1960 the failure of academic painting to break out of the narrow elite salon and gallery exhibition circuit of Khartoum and engage with a more democratic and vernacular visual culture impelled El-Salahi toward a radical aesthetic shift..”(p.45) .
" و بنهاية الخمسينات و بداية الستينات انخرط الصلحي في تحول جمالي جذري أكثر ديموقراطية و محلية عقب فشل الرسم الأكاديمي في تجاوز حدود صالون النخبة الضيق و دائرة معرض الغاليري..".
أقل ما يمكن قوله أزاء وصف دادي للوسط المحلي الذي عرض فيه الصلحي في مطلع الستينات هو أنه يجانب الحقيقة. لأنه يتخيل لخرطوم الستينات نخبة صالوناتية مستنيرة و دائرة من محبي الفنون "الهابي فيو" الذين يعمرون معارض الغاليريهات.و هو وصف ربما قارب الحقيقة في عواصم ستيناتية مثل القاهرة أو بيروت أو بغداد أو طهران إلخ. لكن خرطوم مطلع الستينات لم تعرف أي نخبة مستنيرة تهوى الفنون و تعمّر معارض الغاليريهات. بل أن الخرطوم لم تعرف مكانا للعرض يستحق أن يطلق عليه اسم " غاليري" حتى يومنا هذا ـ بخلاف صالات العرض المرتجلة في المراكز الثقافية الأجنبية. [ أنظر نصي في الخيط المعنون " إعتداء وحشي على معرض محمد حمزة" في الرابط أعلاه].و حتى ما كنا نطلق عليه تندرا : " صالة الدلاقين " ،في أرض المعارض بميدان " أبو جنزير"، كانت محاولة يائسة من العاملين في "شعبة الفنون" في "المجلس القومي للآداب و الفنون"[ أبوسبيب و الباقر موسى و آخرين] لتثبيت مكان للعرض وسط الخرطوم، فانتهزوا جناحا من المكان الذي شيده " قسم المعارض التجارية بوزارة الإعلام"،[ من الخشب و الخيش و القماش للمعرض التجاري المصري في مطلع السبعينات] و اقتطعوا منه جناحا لعرض أعمال الفنانين و سموه " قاعة الخرطوم للفنون"، هذا المكان بدأ نشاطه في منتصف السبعينات[ و قد أقمت فيه معرضي الأول في 1975].بينما "قاعة الصداقة" التي كانت تضم قاعة عرض فارهة منذ مطلع السبعينات ، كانت تفرض على الفنانين شروط مادية تعجيزية و ما كان" يعتـّبها" إلا المؤلفة قلوبهم على سدنة "الإشتراك الإتحادي" أو من له "ضهر" في أروقة السلطة .
في مطلع الستينات كان حضور التشكيل محدودا جدا في ساحة العمل العام الثقافي، و كانت المعارض شيئا جديدا و نادرا في العاصمة. و طبعا ما كان بوسع افتخار دادي أن يكوّن فكرة واضحة عن حال الفنون في الخرطوم في ذلك الزمان الذي عرض فيه الصلحي أول معارضه في الـ "غراند هوتيل" .و الوصف الذي بذله دادي لـ "صالون النخبة و دائرة معرض الغاليري " ما هو إلا بعض من نسج خياله. و هذا الموقف يفتح الباب للتساؤل حول ما الذي حفز دادي لرسم هذه الصورة المزيفة للوسط الفني في خرطوم 1960؟ هل يمكن فهم موقف دادي بالرغبة في خلق حالة تعارض بين" النخبة" و" الشعب" تسوّغ تمرير مفهوم رفض الصلحي للتدريب الأكاديمي الغربي باسم الإنحياز للشعب؟ مندري؟!
لا أحد يجادل في حرص الصلحي على أن يكون للفن دور إجتماعي غايته تنمية و رفعة المجتمع و تفتح طاقات أهله. لكن من الصعب قبول فكرة أن الصلحي هجر التدريب الأكاديمي الغربي ـ بمباركة شعب الفن الخرطومي [ حزب الفن؟!] لأنه وجد ضالته في التقليد المحلي العربي و الإفريقي.
على كل حال هذا الباب الذي فتحه دادي سيظل" يجيب الريح" ، لا على دادي وحده و إنما على جملة من أهل الأدبيات الفنأفريقانية و من لف لفهم من الفنانين الأفارقة المتأفرقين ورعاتهم و المستفيدين .
سأعود
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

صرخــــة
عزيزي حسن موسى
تحية
حقا هذا البستان وريف ظليل. ارجو ن تستمر في التطواف الواسع بين بساتين كثيرة لم تجد حظا من " البخاتة؟ وكنا سمعنا حبوباتنا يقلن "الشقي والبخيت في قصب الدخن موجود, القنقرة البخيتة (الفص) يشيلنها البنات ويسونها عروس أم لعاب ويلبسنها ويحننها ويعمان ليها شعر من الحرير ويضفرنه, والشقية يرسلوا الوليد يجيب صبي لنار القهوة فيتسلط عليها و يكسرها كش عشان تتحشر في الكانون" شفت؟
مزيدا من البساتين مما حظها كدقيق إدريس جماع.
الصلحي مجود ممتاز وصانع ماهر من اصحاب العزم وفي مقدمة الرواد, وجاء بعده عيال كعيال ابجويلي الكمبلوا وما عرضوا(يعرضوا وين؟ في شارع النيل؟)
الرجل بمهارته العجيبة "لقّط قحف و قرع من هنا ومن هنا " وللعجب استطاع تفصيله وتخييطه بذكاء ينطلي على الاقل ذكاءً ممن يصنعون الها جبارا لا يدع مجالا لبقية الآلهة . خُتِمَت الرسالة؟
بساتين الآلهة اللاحقة يا حسن, من فضلك. التركيز على شخصية مقدسة واحدة سمة سودانية عربسلاموية, عمر وعمر وأبو الطيب وأبو الطيب وعرس الزين وعرس الزين والحبر العلامة الفهامة ... الخ.مش إنت يا حسن, أقصد الاتجاه السائد في كل مكان. "هو أصلو ما عندنا إلا "الوحييد , بتع ستات الودع؟ في مجال الويحيد, الويحيد الفنات القُدام والبعدو, مش ممكن. نصف القرن الاخر امانة ما فيهو اساطين.
هناك فنانون عظام ينبغي أن نسلط عليهم الأضواء, ومن بين أولئك رموز من رموز التحديث الذي ليس فيه شبهة اقتباسات منظمة, ولا يقلون حرفيةً ( وهي غير "الحرفنة" وملك الحرفنة هو المُحتفَى به).
أعلم أن مثل قولي هذا سيخلق استعدادا للبعض لـ "تبليعي لساني" ولو علموا عظم المكانة التي اضمرها للرجل لما عابوا علىّ انتقاد الاستئثار التي روجها ناس علاقتهم بالفن لا تخلو من بعض حذلقات.
وأنت يا حسن عملت اللازم من عبدالقادر المبارك وحسان وغيرهم ولكنك تشقي لوحدك بهذا الجهد, اخاطب الآخيرن لإصلاج العطب.
ووين المجدد الاكبر عبدالله أحمد لبشير ؟ وحسين شريف؟ وإنت زاتك و ....... مئات
انا الآن اتنهد بعنف, لا بد من التوف ههنا , وغالبا لن أعود, فمن يسمع صرختي؟ يا مثقفون
وبقية الوان النضال؟ وين وبتين وقدريش , برضو بخاتة وبس.
...
تخريمة ذات علاقة
كنت قلت ما معناه
قال لي لي احدهم " والله الصلحي دا زول بخيت في رقبتو" فضحكت حتى كاد الضحك "يشرطني".
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

When I work I don’t feel pain at all

مشاركة بواسطة حسن موسى »



« When I work I don’t feel pain at all »
Ibrahim El-Salahi
In :

https://www.ft.com/content/df8bcc7a-da1 ... ENOmiWlQZ0


أضف رد جديد