مزيدا من قصص حامد فضل الله القصيرة جدا

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مزيدا من قصص حامد فضل الله القصيرة جدا

مشاركة بواسطة حسن موسى »


يكرمنا د, حامد فضل الله بالمزيد من كبسولاته السردية القصيرة جدا و االتي تكسبها وقائع التجربة المعاشة اصالة أدبية و سياسية فريدة. شكرا يا حامد على هذه الأريحية.

قصص قصيرة جدا ونص نثري(2)
حامد فضل الله \ برلين

الحياة والحياء

عادت الى ذهني ذكريات ستة عقود مضت ، سنوات الشباب والحياة الطليقة والدراسة في جامعة مارتن لوثر في مدينة هاله، بألمانيا الديمقراطية سابقاً. كان يشاركني في الغرفة إبراهيم في داخلية الطلاب ويجاورنا فائق السوري، يسكن بمفرده في غرفة، تفوق مساحتها مرتين مساحة غرفتنا. فائق شاب وديع، دمث الخلق، طيب السريرة، ينتمي الى أسرة عريقة ، ووالده واحد من أكبر الاثرياء في دمشق، لا يتباهى ولا يتفاخر بذلك، انما تظهر النعمة في جمال هندامه، وساعة المعصم الفاخرة وقلم الباركر وعلبة الدخان المذهبة وبداخلها أفخر انواع السجاير، التي كان يجلبها من برلين الغربية، التي كان يزورها مراراً. كان يشاركنا كثيرا وجبة عشاءنا المتواضعة، التي كان يتففن إبراهيم في إخراجها، وينطبق عليه المثل " يخلق من الفسيخ شربات"، وكان يحضر فائق دائما معه كيسا من الفول السوداني، ويُطلق عليه في سوريا " فستق العبيد". كان فائق زميل إبراهيم في كلية الصيدلة وانا دارسا للطب. كنا نطلق على فائق "البرجوازي الصغير" ونحن نعيش في دولة العمال والفلاحين. كانت الحياة سهلة، فراتبنا الشهري مريح، والسكن مجاني ووجبه الغداء في ميز الطلاب لا تتعدى الملاليم، بالرغم من ذلك، ، نصبح في الأسبوع الأخير من كل شهر، على الحديدة، فكلانا لا يحسن التدبير ولا تنقذنا الا سلفة فائق. ونردها له في مطلع كل شهر، فكان يتملص من أخذها، بحجة، لماذا العجلة، ولا يقول تأدبا، بأنه لا يحتاج لها أو اعتبروها هدية، فكنا نقول له، اذا لم تستلمها، لن نعود اليك عند الحاجة "والحل دينه نامت عينه". كان يستغرب لهذا السلوك ويصفه ضاحكا، " بفلسفة السودانيين". فاجأونا في نهاية الشهر، اربعة من زملائنا من جامعة لايبزيج، ودخلنا في ورطة. قلت الى إبراهيم، لا مخرج لنا الا حلة " فته مدنكلة" بمرقة (شوربة) عظام. دخلنا متجر المواد الغذائية، ووقفنا في صف اللحوم، تتقدمنا سيدة مسنة ثرثارة، تسرف في الحديث مع البائعة، ثم ختمت طلبها، قائلة للبائعة، اريد 300 جرام من العظام لكلبي. وعندما تنحت قلت للبائعة اللطيفة، انني اريد ثلاثة كيلو من العظام. اندهشت وقالت مستفسرة، كم عدد الكلاب عندك؟ قلت ومشيراً الى إبراهيم، بجانب هذا، هناك اربعة في الغرفة.
البصر والبصيرة
غادرت العيادة الخاصة، بعد ساعتين من إجراء عملية كتراك ناجحة في عيني اليمني. ضمدت الطبيبة الجرح ووضعت عليه الشاش والبستني نظارة سوداء سميكة ومغلقة من كل الجوانب ونصحتنني أن لا انزعها الا في البيت، تجنبا لتيار الهواء. انعطفت شمالا الى شارع جانبي، وقد حل الغروب. سار بجانبي اثنان من الشبان الالمان، تطلعا الى وجهي، وبدءا يضحكان بسخرية وبصوت مرتفع، نظرت اليهما ورفعت النظارة الى اعلى قليلا وبحذر شديد واعدتها بسرعة الى مكانها. انعقد لسانهما وأكتسب وجهيهما حمرة قانية.
المكابرة
غادرت العيادة أثناء فترة الغداء. الشمس ساطعة والسماء صافية، متجولا في شارع كارل ماركس الشهير في منطقة نيوكولن، الموازي لشارع عيادتي. الشارع يعج بالمارة والمقاهي العديدة واكشاك الأكل السريع واتطلع على معروضات المحلات التجارية، من خلال النوافذ الزجاجية العريضة والعالية. توقفت امام دكان بقالة كبير، تمتد معروضاته حتى رصيف الشارع، انني لا ازور مثل هذه المتاجر الا نادراً، فشريكة حياتي تعفيني من هذه المهمة الشاقة. لفت نظري الكوم الهائل من البطيخ وبأحجام ضخمة على غير المعتاد. امسكت بأكبرهم حجماً وناولت البائع اثنين يورو. نظر الى بتعجب ممزوجا بالغضب، اشرت له على اللوحة المغروسة وسط البطيخ ومكتوب عليها بالخط العريض " أثنين يورو فقط"، قال، الا تعرف القراءة، ثمن الكيلو الواحد، اثنين يورو وتناول مني البطيخة ووضعها على الميزان الكبير، لم انتبه من قبل الى الجملة الأخرى المكتوبة بالخط الصغير في اسفل اللوحة. قلت له مبررا حرجي وورطتي وقلة حيلتي: يؤسفني، انني لا أعرف اللغة الالمانية. جاء الرد من الخلف وبصوت نسائي رخيم: منذ متى يا دكتور؟

هاجس امرأة

ضمني الطريق مع امرأة جميلة في مقتبل العمر. تطلعتُ إلى الجانب الآخر وشاهدتُ امرأة تلوح لها. ركزت نظري في شريكة الطريق وكنا نسير جنباً إلى جنب.
التفتت إلي، زمت شفتيها وحدجتني بنظرة غاضبة وأشاحت بوجهها إلى الطرف الآخر، فرأت صديقتها تلوح لها وتهتف باسمها.
قبل أن تجتاز الطريق العريض، التفتت ناحيتي والتقت عينانا من جديد، لوحت بيدها وانفرجت شفتاها بابتسامة معبرة.
شويعر وشاعـــــر
في أمسية صيفية جلست في القاعة الأنيقة التي تزينها اللوحات التشكيلية الرائعة، وسط الحضور المختلط، عربي وألماني، نستمع للإعلامي العربي الكبير يقدم ديوانه الجديد وكنت ألحظ وهو يواصل جلدنا، كيف تنفرج شفاه البعض ببسمة لها مغزاها، وكيف تلتفت الرؤوس يميناً أو شمالاً إشارة العزوف والتململ، أو تتطأطأ خجلاً. أحسست وكأن كابوساً يمسك بخناقي. قلتُ في نفسي: لو كان هذا شعراً، فكلام العرب باطل. وتذكرت في هذه الحظة شعر صلاح أحمد إبراهيم و صلاح عبدالصبور فهدأت اعصابي قبل أن ينفجر شريان في دماغي.
نفاق
ظهر فجأة في الساحة الألمانية وبسرعة الصاروخ اصبح نجماً تلفزيونياً وصورته تزين الصحافة الورقية
يخلط بين الأحداث التاريخية والآيات القرآنية ويفتي في كل مسألة فقهية، ادعى العلمانية ووصف الاسلام بالفاشية. انفضحت علاقاته ومصادره المالية. وطلب النجدة والحماية البوليسية.
الهندي ود كوستي
جلست مع القنداتي ود سعد في مقهى اشتاين بلاتس بالقرب من جامعة برلين التقنية، نتجاذب أطراف الحديث. أطل علينا شاب فارع القامة ، قوي البنية، بعد التحية، جذب كرسياً من الطاولة المجاورة وجلس بيننا بدون سابق معرفة واندفع بالحديث بدون مقدمات، قائلا انه من مدينة كوستي، حصل على شهادة الثانوية بتقدير ممتاز وهجر جامعة الخرطوم، فهي لا تحقق طموحاته. جامعتنا العريقة، التي كنا نطلق عليها "جميلة ومستحيلة"، متوجهاً الى الهند لدراسة علم الكمبيوتر. بعد اربعة أعوام مكثها هناك ، حضر الآن الى المانيا، بلد الصناعة والعلم والفكر، كما يقول، لدراسة الفيزياء الجيولوجية وتعميق دراسته في علم الكمبيوتر. كنا ننظر اليه بملل، ونتبادل الابتسام ونواصل حديثنا منفردين. شعر بالحرج فانسحب صامتاً. شاهدته بعد ستة أشهر بالقرب من حديقة الحيوانات وقد صفف شعره ضفائر طويلة منسدلة على كتفيه ، وحلقة على أذنه اليمني وسوار على المعصم اليمين ايضاً وتتدلى من عنقه سلسلة طويلة من الخرز تمتد حتي منتصف صدره ويرتدي قميصا أحمرا فاقعا وبنطال جينز مشقوق عند الركبتين ومتأبطاً ذراع شقراء.
قلت لنفسي: " الهندي ضاع!"

غثيان
جاء أبن الرافدين الى برلين شاباً يافعاً جميل البنية والصورة وأكمل دراسته الجامعية. لم يشارك مع أبناء وطنه في عمل سياسي، رغم أن بلده يحكمها نظام دكتاتوري غاشم. ولم ينضم متطوعاً الى احدى منظمات المجتمع المدني العديدة. حاقدا على الألمان شعباً وحكومة ويصفهما بالعنصرية وكره الأجانب، فهو الشاعر الكبير والكاتب الرصين، لم يجد المركز الذي يستحقه، أستاذاً جامعياً أو خبيراً ثقافياً، كما يتخيل أو يتوهم. لم يرفع طوبة من الأرض وهو الآن على مشارف الخمسين ويقبض راتبه الشهري من قسم المساعدات الاجتماعية دون أن يرمش له جفن. يقترض المال ولا يرده و يغتاب الغير، ويتحرش بزوجات أصدقائه. التقيت به لأحذره من بعد ما أن انفض الناس من حوله وكمحاولة ليتصالح مع نفسه أولاً. مرت بنا فتاة في سن أولادنا. تطلع اليها وقال بلا استحياء: ما أجمل هذا المكان لصيد الحسان. تركته وحيداً قبل أن اُصاب بالغثيان .
مفارقات
عشت في برلين عاصمة جمهورية ألمانيا الديمقراطية (السابقة) طالباً في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين إبان الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين، الغربي والشرقي وكانت نافذتنا الى الخارج، اذاعة وصحافة الحزب الحاكم الوحيد وسيطرة الأيدليوجي على المعرفي. في زياراتي النادرة والخاطفة الى برلين الغربية ماراً عن طريق القطاع الامريكي، كان يعتريني الخوف وأشعر بالخطر وأنا على أرض النازيين والإمبرياليين. وعندما أعود الى برلين الشرقية وأشاهد هناك البوليس منتشراً في الشوارع والأزقة، أشعر بالأمن والأمان. وبعد أن انتقلت الى برلين الغربية و أزور أصدقائي القدامى في شرقها ، كان يصيبني الرعب من كثافة الشرطة في الطرقات والأماكن .
أشواق وحنين
قررت عفوياً في يوم سبت صيفي رائع، زيارة مدينة لايبزيج، التي لم ازرها منذ توحيد الدولتين. دخل القطار السريع محطة المدينة بعد ساعتين دون توقف وقد هالني اتساع المحطة التي تم تجديدها من الأساس، جدرانها العالية وقطارات عديدة داخلة وخارجة، وزحام شديد، ومحلات تجارية أنيقة واكشاك الأكل السريع والصحافة المحلية والعالمية. غادرت المحطة، لأبدأ جولتي سيراً على الأقدام. كان الهواء منعشاً ومليئاً بالدفء اللذيذ، الذي بان على وجوه المارة. زرت داخلية الطلاب ومعهد تعليم اللغة الألمانية للأجانب والمكتبة الجامعية الكبيرة وكلية الطب، وتجولت في الحدائق الصغيرة التي تحيط ببعض الشوارع الكبيرة، لأعود مجددا الى وسط المدينة، حيث التقيتُ مصادفة بالأخ علي بصحبة صديق الماني. حضر علي الى لايبزيج بعد عدة سنوات من حضوري، ويعتبر من المخضرمين أيضاً. قدما لي دعوة لتناول فنجان قهوة، قلت لهما، انني كنت في سبيل التوجه الى مقهى (قبو) أورباخ، من أجل تجديد ذكريات الليالي الخوالي. رد هانز، الذي سلم علىًّ من قبل بحيوية وبلهجته السكسونية، بالموافقة الفورية. دخلنا المقهى العتيق، المكان المفضل لشاعر المانيا الأكبر يوهان فولفجانج جوته والذي جاء ذكره في مسرحية فاوست "رائعة جوته". في ركن قصي بدأنا نتجاذب أطراف الحديث. هانز، ستيني، مربوع القامة مع ميل خفيف للبدانة، وشعر أشقر لا يزال غزيراَ ويغطي خصلات الشيب على جانبي الرأس ويرتدي ملابس أنيقة تتناسب مع سنه. بدأت حديثي مشيرا الى التطور الهائل الذي لحق بالمدينة منذ الوحدة: في زي وسلوك الأفراد والمباني الحديثة والشاهقة والعديدة، المقاهي والمطاعم ودور اللهو المنتشرة في جميع الشوارع الإعلانات الصاخبة، التي تغطي جدران المباني بكثافة. تحدثنا عن ظهور الأحزاب اليمينية الشعبوية، خاصة في شرق المانيا، وربط ظهورها مع قضية اللاجئين والخوف من فقد العمل، ليس كافيا ولا مفسرا لصعود الحركات الفاشية ولقضية رهاب الأجانب وارتفاع معدل معاداة السامية. كان هانز يتحدث بهدوء مع قناعة، بأن الانتفاضة الشعبية قبل انهيار جدار برلين كانت كافية، على إجبار الحزب الحاكم للانفتاح على الجماهير وتوسيع الحريات العامة والشخصية واعادة النظر في السياسة الاقتصادية، بدلا من أن تبتلع المانيا الغربية، المانيا الشرقية بالكامل. وتساءلت أليس هذا وهما، بأن ذاك النظام كان قابلاً للإصلاح بالفعل؟ وردَّ، بأن الافتراض بعدم وجود بدائل للديمقراطية الرأسمالية، قابلة للحياة هو الآخر وهماً، والرأسمالية التي تقوم على تعظيم الربح، ليست هي الحل، اليس هناك القليل ممن يعيشون على حساب الكثيرين، أوليس الديمقراطية هي نفسها مجرد خيال، لا خلاص للبشرية الا بالاِشتراكية والسلام وتضامن الشعوب.، وكانت مداخلات هانز، تأتي احيانا ممزوجة بالحزن وكأنه يحمل على عاتقه عبء سنوات من الخيبة والأمل. ابحرنا في النقاش ليختتمه علي، بأن نزور المقهى الكبير الذي افتتح حديثاً ويقدم برامج موسيقية وندوات ثقافية ومعارض فنية، متنوعة، لجمهوره الغالب من الطبقة الوسطى والطلاب.
دخلنا الدار، الحضور كثيف، الموسيقى صاخبة. لقد أصابتني الدهشة، فالمبنى سميك الجدران، عالي السقف له مداخل عديدة وغرف كبيرة مستطيلة ومستديرة تتداخل في بعضها البعض، ورغم جمالها وتنسيقها الآن، غريبة الشكل كمقهى، حتى علمت بأن المبنى كان في الماضي أحد السجون العاتية لجهاز أمن الدولة الرهيب (شتازي). سبحانه مغير الأحوال، من أقبية التعذيب إلى لقاء الأحبة والأحباب ومن مكان لامتهان كرامة الإنسان إلى مكان لربط أواصر الصداقة والمحبة.
تصدح الموسيقى من كل الغرف، صوت الكابلي ومحمد وردي ممزوجا بصوت جيمس براون ومايكل جاكسون. الحلقة تموج بالراقصين. الثوب بجانب الروك، الجلابية بجانب البنطال، السمراء بجانب الشقراء، ويتوسط الحلقة شاب فارع الطول، مفتول العضلات، شديد السمرة، يربط حول خصره نوبة ضخمة بجانبه درويش بطاقيته وملابسه المزركشة وبقية الجوقة يرتدون القمصان السودانية التقليدية وتتدلى السبح من اعناقهم ويبدأ الذكر:

وهُنَا حَلْقةُ شَيْخٍ يَرْجحِنُّ
يَضْرِبُ النَّوبة ضَرباً فَتَئنُّ وتُرِنُّ
ثُمَّ تَرْفَضُّ هديراً أو تُجنُّ
وحَوَاليْهَا طُبُولٌ صَارِخاتٌ في الغُبارِ
حَوْلَهَا الحَلْقَةُ ماجَتْ في مَدارِ
نَقَزتْ مِلءَ الليَّالي
تَحْتَ راياتٍ طِوالِ
كَسَفينٍ ذي سُوَارِ
في عُبابٍ كالْجِبَالِ
***
وتدانتْ أنفُس القَوْمِ عناقاً واصطِفافا
(رحمة الله عليك يا ود المجذوب).
القلوب مبتهجة والجميع يعمهم فرح إنساني جميل. هل هذا هو ارهاصاً لنبوية هانز؟
نظرتُ في ساعة معصمي، لقد تجاوز الوقت الساعة الواحدة ليلاً. ودعتهما على عجل، للحاق بأخر قطار برلين. تحرك القطار الى الأمام وتحركت ذاكرتي من جديد الى الخلف. ستون عاماً مضت منذ أن وطأة قدمي أول مدينة أوروبية. لايبزيج مدينة الحلم والخيال والنور، البشرة البيضاء والوجوه اللامعة، تعليم اللغة الألمانية واللاتينية، الصدمة الحضارية، معاقرة بنت الحان، الغثيان ودوران السرير ولحظة الضياع والشك القاتل ــ العبقريات، الفتنة الكبرى، مرآة الإسلام، ماركس والماركسية، لينين واللينينية. إن القابض على دينه كالقابض على الجمر. وتتداعى الصور وتتداخل في بعضها وتصافح أذني صوت بارت أستاذ اللغة الالمانية وهو يفتتح الحصة الأولي بقوله "سوف أعصركم عصر (الليمونة) حتى تستوعبوا اللغة الألمانية. واتذكر حضورنا أول احتفال أقامه المعهد للطلاب الأجانب بمناسبة «الكريسماس» عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، بعد ثلاثة أشهر من وصولنا، نستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية لبتهوفن وإلى أغاني «كورس بنات المدارس» وجوه الملائكة، وتغريد البلابل، يهتف بلال وهو في قمة النشوة "يا إلهي يا إلهي هذه عصافير الدنيا، فكيف تكون عصافير الجنة"!!
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



لدكتور فضل تدفق للقص مثير، وليته أفسح لكل أقصوصة لتصبح فصلاً في رواية. ولقصته القصيرة ( أشواق وحنين)، فتذكرت الشاعر محمد المهدي المجذوب ومقال كتبته عن قصيدة المولد:

قصيدة المولد: محمد المهدي المجذوب
*
(أيكونُ الخيرُ في الشرّ انْطَوَى؟)
محمد المهدي المجذوب
*
لن ينطوي الخير في بطون الشّر، وإن ادلهمّت الظلمة. فمسير الحياة الإنسانية، هي خير ختام تنادت به الأديان، فرفّعت من قيم الإنسان و الإنسانية.
*
الشاعر "محمد المهدي المجذوب" ( 1919 - 1982): ومثله مثل أقرانه، دفع به والده إلى الخلوّة وهو صغير، فتعلّم فيها القراءة والكتابة وعلوم القرآن، ثم ارتحل إلى الخرطوم للتحصيل المدرسي، والتحق بكلية غردون التذكارية وتخرّج فيها من قسم المكتبة كاتباً. عمل محاسباً في حكومة السودان. وتنقل بين الشمال والجنوب والشرق والغرب مما أفاده في صنع ذخيرة خيالية، مهدت مع استعداده الفطري لتطور صنعته الشعرية.
دواوينه الشِعرية:
1. ديوان نار المجاذيب – 1969 م
2. ديوان الشرافة والهجرة – 1973 م
3. ديوان منابر – 1982 م
4. ديوان تلك الأشياء – 1982 م
5. شحاذ في الخرطوم - 1984 م(مسرحية شعرية)
6. ديوان القسوة في الحليب – 2005 م
7 . ديوان اصوات ودخان -2005
8. ديوان غارة وغروب 2013.
9. مطولة البشارة ،الغربان ،الخروج 1975.

(2)

وقد كتب مقدمة ديوانه (نار المجاذيب) :
رأيت طفولتي الباكرة على ضوء هذه النار المباركة، ونظرت إليها وسمعت حديثها، وعلمت وانتشيت وغنيت. أوقد تلك النار "الحاج عيسى ود قنديل"، والسودان في مُلك العنج النصارى من أهليه : فتلفتت في ليل ( درُّوا ) الساكن. تلقى ذوائبها الذهبية على الحيران، تحلقوا حولها وعانقوا الألواح ورتّلوا القرآن، وسهر حولها الفرسان والفقهاء وأصحاب الخوارق، يسبّحون وينشدون، سماحة بين الناس أمناً وأريحّية، قروناً طوالا حتى الساعة. ودفع بي إلى ضوء هذه النار، فرأيت وجه شيخي وسيدي شيخ الفقراء الورع الحافظ، الفقيه "محمد ود الطاهر".أبي هو الشاعر المعلم، الحافظ العلامّة الفذ العابد، الشيخ محمد المجذوب، بن الفقيه محمد، بن الفقيه أحمد بن الفقيه جلال الدين بن الفقير النَّقر..

(3)

قصيدة المولد للشاعر محمد المهدي المجذوب، نظمها عام 1957 :
صَلِ يا ربِّ على المُدثِّر
وتجاوَزْ عن ذنوبي
وأعنِّي يا إلهي
بمتابٍ أكْبَرِ
فزماني وَسعٌ بالمُنكرِ
***
دَرَجَ الناسُ على غير الهُدى
وتعادَوْا شَهواتِ
وتمادَوْا
لاَ يُبالُون وقد عاشُوا الرَّدى
جَنَحوا للسَّلم أم ضاعُوا سُدى
***
أيكونُ الخيرُ في الشرّ انْطَوَى
والقوَى
خَرَجتْ من ذَرَّةِ
هِيَ حُبْلى بِالعدَمْ
أتُراها تَقتَال الحربَ وتَنْجُو بالسَّلَمْ
ويكون الضعفُ كالقُوَّةِ حَقَّاً وذِمَامَا
سوفَ تَرْعاه الأمَمْ
وتعودُ الأرضُ حُباً وابتساما
***
رَبِّ سُبحانَك مُخْتاراً قَدِيرَا
أنتَ هَيأتَ القدرْ
ثم أرسلتَ نزيرا .. للِبشَرْ
آيةً منكَ ونُورَا
***
هَو عَينُ الله لولا ضَوؤهُ
لم نَر البارئَ في شتى الصوّرْ
جَعَلَ الموتَ رَجاءً .. وبَقَاءَ
وغِرَاساً منه لاَ يَفْنَى الثَّمَرْ
***
صَلِّ يا ربِّ على خير البَشَرْ
الذي أسْرَجَ في ليلِ حَرَاءِ
قمراً أزْهَرَ من بَدْرِ السَّماءِ
يقرأُ الناسُ على أضْوَائِهِ
حكْمَةَ الخَلْقِ وأَسْرَارَ البَقَاء..
... مِنْ إله قد هَدَى بالقَلَمِ
علَّمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلمِ
***
صَلِّ يا ربِّ على المُدثِّرِ
وتجاوَزْ عن ذُنُبي واغْفرِ
وأعنِّي يا إلهي بِمَتَابٍ أكْبَرِ
***
ليلةَ المَوْلدِ يا سرَّ الليَّالي
والجمالِ
وربيعاً فَتَنَ الأنْفُسَ بالسِّحرِ الحَلالِ
وطني المُسلمُ في ظِلِّكِ مَشْبُوبُ الخَيَالِ
طاف بالصَّارِي الذي أَثْمَرَ عُنْقُودَ سَنَى
كالثُّرَيَّا
ونَضَا عن فِتنَةِ الحُسنِ الحِجَابَا
ومَضَى يُخْرِجُه زِيِّا فَزِيَّا
***
وَزَهَا ( مَيدَانِ عبدِ المُنعمِ )
ذلكَ المُحسنُ حَيَّاهُ الغَمَامْ
بِجُمُوع تلْتَقي في مَوْسمِ
والخِيامْ
قَدْ تَبَرَّجْنَ وأعْلَنَّ الهُيامْ
***
وهُنَا حَلْقةُ شَيْخٍ يَرْجحِنُّ
يَضْرِبُ النَّوبة ضَرباً فَتَئنُّ
وتُرِنُّ
ثُمَّ تَرْفَضُّ هديراً أو تُجنُّ
وحَوَاليْهَا طُبُولٌ صَارِخاتٌ في الغُبارِ
حَوْلَهَا الحَلْقَةُ ماجَتْ في مَدارِ
نَقَزتْ مِلءَ الليَّالي
تَحْتَ راياتٍ طِوالِ
كَسَفينٍ ذي سُوَارِ
في عُبابٍ كالْجِبَالِ
***
وتدانتْ أنفُس القَوْمِ عناقاً واصطِفاقا
ومكانُ الأرْجُلِ الوَلهى طُيورُ
في الجلابيبِ تَثُورُ .. وَتدُورُ
تتهاوَى في شِرَاكِ
ثم تَستَنْفِرُ جَرْحَى وتَلوبُ
في الشِباكِ
مِثلما شَبَّ لَهيبُ
***
وعلا فوقَ صدى الطبلِ الكَريرُ
كُلُّ جسمٍ جَدْولٌ فيه خَريرُ
ومشى في حلْقَةِ الذِّكْرِ فُتُورُ
لَحظَةً يَذْهَلُ فيها الجِسمُ والروح تُنيرُ
وعيونُ الشَّيخ أُغْمِضَ على كَونٍ به حُلُمٌ كبيرُ
***
والمقدَّمْ
يَتَغَنى يَرْفعُ الصَّوتَ عَليَّا
وتَقَدَّم
يَقرَعُ الطبلَ الحَميَّا
ورَمَى الذًّكرَ وَزَمزَمْ
وتَصَدَّى ولَدُ الشَّيخ وتَرْجَمْ
حيثُ للقُطبِ حضُورُ
وتداعى وتَهدَّمْ
***
وينادي مُنشِدٌ شيخاً هو التُمساحُ
يحْمي عرشَه المَضفُورَ من مَوْج الدَّميرة
نَدَبُوهُ للمِلماتِ الخطيرةْ
شَاعرٌ أَوحى له شيخُ الطرِّيقةْ
زاهدٌ قد جعل الزُّهْدَ غِنَى
فلهُ من رُقَّع الجُبَّة ألواناً حَديقةْ
والعَصَا في غُربةِ الدُّنيا رَفَيقةْ
ولَهُ طَاقيِّةٌ ذاتُ قرونِ
نَهَضَتْ فوْقَ جبينٍ
واسعٍ رَقَّقَةُ ضوءُ اليَقين
***
وفَتَىً في حَلْبةِ الطَّار تَثَنَّى
وتَأنَّى
وَبيُمْناهُ عصَاهُ تَتَحنَّى
لَعِباً حَرَّكهُ المَدَّاحُ غَنَّى...
... رَاجَعَ الخَطوِ بَطَارٍ
رَجَّع الخَطْوِ وَحَنَّا
وَحَوَاليهِ المُحبُّون يُشِيلون صلاةً وسَلاما
ويذُوبُون هُياما
ويهزُّون العِصيَّا
ويَصيحُونَ به أبْشِرْ لَقَد نِلتَ المَرَاما
***
صَلِّ يا رب على المُدثِّر
وأعنِّي وانْصُرِ
بشفيع الناسِ يَوْمَ المَحْشَرِ
الذي يَسقي صفاء الكَوثَر
***
وهنا في الجانب الآخرِ أضْواءٌ رِقاقُ
نشَرتْ قَوسَ قُزَحْ
من رَجاء وفَرَحْ
من ربيعٍ في دُجَى اللَّيلِ يُراقُ
ونُساقُ
أنْفُس شَتَّى وَبُطءٌ واستباقُ
***
وفتاةٍ لَوْنُها الأسمرُ من ظِلِّ الحِجابِ
تَتَهادى في شبابٍ وارتيابِ
قد تُحيِّيكَ وتَدعُوكَ بأطراف الثِّيابِ
وهي قَيدٌ وانطلاقُ
واضْطرابٌ واتِّساقُ
إن نأت عَنَّا وأخفَتها الدِّيارُ
فعروسُ المولدِ الحلوة جَلاَّها التِّجارُ
لَبستْ ألوانَها شَتَّى أميرة
ما أُحَيلاهَا صغيرة
وَقَفتْ في كَرنفالِ
فوقَ عَرشٍ دُونه الحَلْوى كُنُوزٌ ولآلي
من أساطيرِ الخيالِ
***
وهْيَ إنْ تَصْمُت ففي أَعيُنها الوَسْنى انتظارُ
حَوْلَها الأَطفال دَارُوا
بعُيون تَلْمَع الألوانُ فيها وتذيعُ
وبِهَا مِنْ بَهْجَةِ رَفَّتْ دمُوعُ
***
لَهْفتنا كَمْ عَصَف البُؤسُ بأطفالِ صِغارِ
وَردُدا المَوْلِدَ بالشَّوق وعَادُوا بالغُبَار
ويحَ أُمَّ حَسِبُوها
لو أَرادُوا النَّجْمَ جاءتْ بالدَّاري
وَيْحها تَحْمِل سُهْدَ اللَّيلِ في صَحْو النَّهار
***
رَبِّ أَرْسلْت يتيماً
قَام بالحقَّ رَحِيماً
قَدْ ذكرناهُ فَهلْ نَذْكُرُ مَنْ أَمسى عَديماً
***
وهُنا في الجانب ِ الآخرِ سُوقْ
هو سوقُ ( الزَّلعَةِ )
وبه طبلٌ وبُوقُ
من صُراخ الرَّغبةِ
حَفَلتْ دَوْلتُه في (حَلَّةِ)
سَلَبتْ كُلَّ العُيُونِ
والظُّنونِ
كَيفَ لا بالَذَّةَ الليلِ ويا أم الفُتُونِ
ربَّها قَلَّبَ عَينيهِ خَطيباً في الجَماهير الغَفيرة
مُرْسلاً من نَارهِ ريحَ شِواءِ
تَتَهادى في الفَضَاءِ
بِنداءٍ لمْ يَجِد فينا عَصيَّا
ودَعَانَا .. ثُمَّ حَبَّا .. وتَهَيَّا
***
وحواليهِ الكوانينُ الوَقُورَه
ولها من دَاخنِ الفَحْم ذَريرَهُ
وحريرهُ ، وضفيرهُ
وحريرهُ ، وضَفيرهُ
تُرْشقُ ( الأسياخُ) فيها
نُظِمتْ باللَّحمِ نَظماً
وارتَّوت دُهناً وشَحْماً
***
ودَخَلنا مَطْبَخاً زَاطّ ولا قصْرَ الأمارَة
رَبُّه البادِنُ عَرَّافٌ أَتَتهُ كُلُّ حَارَة
دَارةٌ تُعقَدُ في آثارِ دَاره
وتَعشَّينا وأَحْسَنا أَمانا
وشَربنَا وارتَوينا
ومَشينا ، وشَعَرْنا بِنُعاسٍ في خُطَانا
وسلامٍ هُوَ لَوْ دَام لأحْمَدنا الزَّمانا
ومَضى الليلُ وناداني سَريري والمنامْ
فتركتُ المَوْلِدَ السَّاهر خَلفي والزَّحامْ
من نُفُوسٍ رَجَتْ الرَّيَّ ولم يَهْملْ غَمَامْ
فَهيَ ظَمْاَّي في القَتَامْ
***
وبِسمعي الطَّبلُ دَوَّى من بَعيد
كوليدِ .. في دُجى اللَّيلِ وحَيدِ
***
وَبَقايا مِنْ نَشيد
عَبَرَتْ سَمعي طَيْراَ
في ظَلامٍ بَشَّرَ الآفاقَ بالصُّبحِ الجديد
والوُعُودِ
***
رَبَّ في موطني المُسلم قَدْ عُدْنا إليْكَا
ما اعْتَمدنا رَبَّنا إلا عَليكا
وذَكرنا الهاديَ المُختارَ ذِكرىَ
ملاَّتْ أَرْواحَنا طُهراً وصَبرا
***
صَلِّ يا ربِّ عليهِ
وتجاوَزْ عن ذُنُوبي واغْفر
وأَعنِّي بمتابِ أكبرِ
***

(4)

ليس من البر هدم وجدان الأمم، وهي تتقافز على مرّ السنوات، لتدلق الوجد على سيرة المصطفى. كان الشاعر" محمد المهدي المجذوب" في كامل القُرص الشاعري، وهو يمثل مرحلة مُضيئة في الشِعر السوداني، وهو ليس في حاجة للدفاع عنه.
حين تناول قصيدة المولد التي نظمها عام 1957 م،مُساهمةً منه بتعميق المحبة للنبي الأكرم. اختار منها المطرب الفنان والملحّن والمغني" عبدالكريم الكابلي" بعض الأبيات الشعرية من هرم القصيدة، ليلحّنها ويغنّيها في أوبريت غنائي طروب. يصف محبته هو كشاعر فرد، ويصف كيفية احتفالات العامّة بمولد النبي الأكرم. وأثنى على الإحتفال بالمولد من قبل: السيوطي وابن الجوزي وابن حجر العسقلاني والشهاب السخاوي وأحمد القسطلاني. نحن لا نُريد أن نثمّن الإحتفال بكثرة المؤيدين. فلنا سعة أن الدِّين قد جاء لكافة البشر، والذي فهمه العامَّة وقد جاء إليهم ببساطته. وليست هنالك رهبانية في الإسلام يمتلك فيه رجال الدِّين أمر التفسير والمنح والاباحة والتكفير.

(5)

https://www.youtube.com/watch?v=9caFdKu-qR8
أعلاه الرابط لفيديو المُتشيِّخ " مزمل فقيري".
*
شاهدت الصورة المتحركة للمُتشيِّخ" مزمل" في اليوتيوب. وما كُنت أعطي لأمثاله إلتفاتة تمييز، لولا الجهالة المُركَّبة التي واجهتها، حين تحدث هو عن أغنية المولد لـ "عبدالكريم الكابلي". ويسأل هو الحاضرين، غير متأكد من اسم الفنان المُطرب، وذكر ( الكابلي ) ولم يذكر صاحب القصيدة ( الشاعر محمد المهدي المجذوب). أول شيء ابتدأ به هو بتر صياغ القصيدة. وقال ( هو عين الله ) وادعى أن ذلك شرك عظيم، لم يسبقه عليه أحد، وأن القصيدة تتردد في الإذاعة السودانية منذ تاريخ طويل. وذكر أن الاحتفال بالمولد بدعة، لم يحتفل بها الرسول أو أصحابه.
*
نرُد عليه بذات مصادر مراجعه و طرائق تفكيره. فنقُل له: أنت تعلم أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة أو كلب، كما تقول مصادرك السنيَّة الوهابية، فكيف جاز لك أن تصنع لنفسك صورة ومتحركة له وأنت تتحدث!؟
أليس ذلك أكثر غلواً من الصور الثابتة؟، وتخطٍ لحواجز التصوير الذي يُحاكي صنعة الإله.أليس الفيديو بدعة؟. بل وبدعة أضلّ، وفق مقاييس أسانيد مراجع ومعتقدات المُتشيِّخ؟
*
نأتِ بدليل أشر. وهو أن المُتشيِّخ لا يعرف حتى أبسط قواعد اللغة العربية، التي يتباها بها الوهابيون، إذ هي من الأسلحة التي لا يتهاون فيها المُتشيِّخون من أمثاله. و تنطّع، ما شاء له التنطُّع، وهو لا يعرف الشِّعر ولا دروبه ولا صنعته ولا تأويل بيانه. فقد انتزع الكلمات الشِّعرية من صياغها، لا لسبب إلاّ ليُكفّر صاحبها ومغنيها.

(6)

حول المقطع الشعري المُفترى عليه ومعانيه :
نظم الشاعر قصيدة المولد عام 1957، على عدد من المقاطع الشِعرية. وأقام بين كل مقطع وأخر فاصلة ( ***) ، كي نعلم أن بناءً شِعرياً جديداً أراده في قصيدته. ونأتِ بالمقطع الشِعري الذي اقتطع منه المُتشيِّخ أهزوجته، وأضاف عليها بُهار التزوير والبُهتان، كما وردت في ديوان الشاعر محمد المهدي المجذوب( نار المجاذيب ):
***
هَو عَينُ الله لولا ضَوؤهُ
لم نَر البارئَ في شتى الصوّرْ
جَعَلَ الموتَ رَجاءً .. وبَقَاءَ
وغِرَاساً منه لاَ يَفْنَى الثَّمَرْ
***
الإعراب للمقطع:
هو: مبتدأ
عينُ الله: مضاف ومضاف إليه، خبر للمبتدأ.
لولا: حرف امتناع لوجود مبنيّ على السكون، لا محل له من الإعراب.
ضوؤه: مبتدأ لخبر محذوف وجوباً تقديره (موجود)،مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة على آخره.
لم: حرف نفي وجزم وقلب.
نر: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة (الألف اللينة).
البارئ: مفعول به منصوب.
في شتى الصور: الجملة حال والضمير هو محذوف.
*
معنى المقطع الشِعري:
لن يتسنى لنا أن نتعرف على الخالق إلا من خلال أضوائه المنعكسة في صور مخلوقاته.

(7)

ربما نعذر المُتشيِّخ، أنه ربما لا يعرف الفنان المُطرب والملحّن والباحث "عبد الكريم الكابلي"، وتلك غشاوة يزادن بها الوهابيين، فهم في علم الموسيقى جهل مُركّب بمرجعية. فالموسيقى وأشباهها من آلات الملاهي هي في مراجعهم لا شك في تحريمها، وأنها من المعازف المحرمة!.

عبدالله الشقليني
27 أغسطس2018




*
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

رفقا بالمجذوب

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا الشقليني

ياخي قصيدة المجذوب دي من عيون الشعر السوداني فترفق بها ينوبك ثواب و أجر من عند الله.
شايفك اصحفت في اسم ديوان المجذوب" البشارة ، القربان و الخروج" فصارت قاف القربان غينا. و كمان تصحيفك ادرك نص" المولد" فأرجو تصويب البيت"فزماني "وَسعٌ" بالمُنكرِ " لتصبح" وَلعُُ"
ثم " في أتُراها "تَقتَال ا"لحربَ وتَنْجُو بالسَّلَمْ « 
أرجو تصويب "تقتال"بـ"تَقْتُل"
و تصويب" ثم أرسلتَ "نزيرا" . . للِبشَرْ «. بـ " نذيرا"
وتصويب «  ذُنُبي » في"وتجاوَزْ عن ذُنُبي واغْفرِ «بــ "ذنوبي".
و غير ذلك.
و لا بد انك عملت " كاط آند بيست" و لم تعمل حسابا لكتاب الأسافير الذين لا يبالون بأمر الواو الضكر أو الواو الإنتاية.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



إذن هي حربك قد أسفرت يا حسن ..فلتكُن
إلى حسن

تحية واحتراماً
وصفتني بالتصحيف ، بل عبرت إلى cut and paste ، ووصفت أنني أتخبط خبط عشواء ، كمن يحتطب في الليل ، يأخذ الحطب وما فيه من أفاعي .. وهو كيد ومجرد سب لا يليق بك، ما كنت أتصور أن يطول بك قامة الردود على هزيمتك المجلجلة في ملفك( شايفين الكفيل وتطعنوا في ظله؟) الذي أصبحت فيه ناقداً يتبّع هواه ، وقد اعترفت بذلك ولم تعترف بأنك تمالي استاذتك كمالا في حين تسكب العداء لحيدر!.
*
كنا في سالف العهد و الأوان نقود بتعديل بعض أخطاء الإملاء في ( البريد الخاص) ، وهو نهج اتخذناه مع الصحافية (ملاذ حسين خوجلي ) والكاتب (عبد العزيز بركه ساكن) ، عندما كتبا في مدونة سودانيات قبل سنوات . وذات النهج اتفقنا عليه بيننا ، وها أنت تسفر عن هنات الإملاء ، ونذكرك بكتابتك ( إنشاء الله ) بدل ( إن شاء الله ) وتصحيحنا لك .
*
إن هنّات الإملاء وأخطاءها سببها هي في أننا نقوم بالكتابة والتدقيق اللغوي في ذات الوقت. ولم نقم بوصف القائمين بها كما وصفتنا في كتابك:
{و لا بد انك عملت " كاط آند بيست" و لم تعمل حسابا لكتاب الأسافير الذين لا يبالون بأمر الواو الضكر أو الواو الإنتاية.}
*
أنا أكتب النص مباشرة من ديوان المجذوب ( نار المجاذيب ) حين طبعه عام 1982 ،الذي تنور ديوانه الشعري قصيدة المولد من الصفحة 89 إلى صفحة 99 . ولم أصحف أو أنقل من النيت بلا روية. وسوف أقوم لاحقاً بإيراد النص المُصحح.

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

رسالة من حامد فضل الله

مشاركة بواسطة حسن موسى »


إلى العزيزين حسن موسى وعبد الله الشقليني
سعدت كثيرا بكلماتكما الطيبة و المشجعة حول قصصي القصيرة جدا.
العزيز عبد الله، الرسالة ادناه، ارسلتها لك بتاريخ مارس 2019 عن طريق بريدك الالكتروني، ولم استلم ردا من جانبك، لعلك لم تنتبه للرسالة. الرسالة لم تجد تجاوبا، الا من صديقين من المهتمين بالثقافة والأدب، مع تشجيع للمشروع والموافقة على التعاون من أجل انجازه. ربما كانت الرسالة في ذلك الوقت غير موفقة، فالثورة السودانية الشبابية كانت الشاغل الأساس لنا جميعاً
يا حسن ويا عبد الله، ما رأيكما في المشروع، وهل أعيد الكرة من جديد؟

مشروع المجذوب

الأخ الفاضل عبد الله الشقليني
شاعرنا الراحل الكبير محمد المهدي المجذوب، لم يجد في حياته الاهتمام الذي يليق بمكانته.
لقد تضافرت كثير من الأسباب، منها تواضع الشاعر وعزوفه عن الاضواء والدعاية الفارغة ومنها ايضا كسل نقاد الأدب في بلادنا وخوفهم من التورط في التعرض لشاعر من أسرة صوفية معروفة وشعره يحتوي احياناً على قصائد من الشعر المكشوف إلخ...
أنني أفكر في مشروع يضم مجموعة من الخيرين، لجمع كل دواوينه المنشورة والقصائد غير المنشورة وكتاباته النثرية، لتصدر في مجلد واحد كأعماله الكاملة، تقديرا له و كاعتذار لاحق.
هذا يتطلب بالطبع اولا، أخذ موافقة أسرة الشاعر، ثم يمكن بعد ذلك الحديث عن التفاصيل.
هل توافق في المشاركة في هذا المشروع والموافقة ايضا على الأسماء المقترحة؟

لا اريد نشر الأسماء على الموقع.*

مع خالص الود
حامد فضل الله
برلين 28 . مارس
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

هذا ما وعدت به:
قصيدة المولد: محمد المهدي المجذوب
(أيكونُ الخيرُ في الشرّ انْطَوَى؟)
محمد المهدي المجذوب
*
لن ينطوي الخير في بطون الشّر، وإن ادلهمّت الظلمة. فمسير الحياة الإنسانية، هي خير ختام تنادت به الأديان، فرفّعت من قيم الإنسان و الإنسانية.
*
الشاعر "محمد المهدي المجذوب" ( 1919 - 1982): ومثله مثل أقرانه، دفع به والده إلى الخلوّة وهو صغير، فتعلّم فيها القراءة والكتابة وعلوم القرآن، ثم ارتحل إلى الخرطوم للتحصيل المدرسي، والتحق بكلية غردون التذكارية وتخرّج فيها من قسم المكتبة كاتباً. عمل محاسباً في حكومة السودان. وتنقل بين الشمال والجنوب والشرق والغرب مما أفاده في صنع ذخيرة خيالية، مهدت مع استعداده الفطري لتطور صنعته الشعرية.
دواوينه الشِعرية:
1. ديوان نار المجاذيب – 1969 م
2. ديوان الشرافة والهجرة – 1973 م
3. ديوان منابر – 1982 م
4. ديوان تلك الأشياء – 1982 م
5. شحاذ في الخرطوم - 1984 م(مسرحية شعرية)
6. ديوان القسوة في الحليب – 2005 م
7 . ديوان اصوات ودخان -2005
8. ديوان غارة وغروب 2013.
9. مطولة البشارة ،القربان ،الخروج 1975.

(2)

وقد كتب مقدمة ديوانه (نار المجاذيب) :
رأيت طفولتي الباكرة على ضوء هذه النار المباركة، ونظرت إليها وسمعت حديثها، وعلمت وانتشيت وغنيت. أوقد تلك النار "الحاج عيسى ود قنديل"، والسودان في مُلك العنج النصارى من أهليه : فتلفتت في ليل ( درُّوا ) الساكن. تلقى ذوائبها الذهبية على الحيران، تحلقوا حولها وعانقوا الألواح ورتّلوا القرآن، وسهر حولها الفرسان والفقهاء وأصحاب الخوارق، يسبّحون وينشدون، سماحة بين الناس أمناً وأريحّية، قروناً طوالا حتى الساعة. ودفع بي إلى ضوء هذه النار، فرأيت وجه شيخي وسيدي شيخ الفقراء الورع الحافظ، الفقيه "محمد ود الطاهر". أبي هو الشاعر المعلم، الحافظ العلامّة الفذ العابد، الشيخ محمد المجذوب، بن الفقيه محمد، بن الفقيه أحمد بن الفقيه جلال الدين بن الفقير النَّقر..

(3)

قصيدة المولد للشاعر محمد المهدي المجذوب، نظمها عام 1957 :
صَلِ يا ربِّ على المُدثِّر
وتجاوَزْ عن ذنوبي
وأعنِّي يا إلهي
بمتابٍ أكْبَرِ
فزماني وسعٌ بالمُنكرِ
***
دَرَجَ الناسُ على غير الهُدى
وتعادَوْا شَهواتِ
وتمادَوْا
لاَ يُبالُون وقد عاشُوا الرَّدى
جَنَحوا للسَّلم أم ضاعُوا سُدى
***
أيكونُ الخيرُ في الشرّ انْطَوَى
والقوَى
خَرَجتْ من ذَرَّةِ
هِيَ حُبْلى بِالعدَمْ
أتُراها تَقتُلُ الحربَ وتَنْجُو بالسَّلَمْ
ويكون الضعفُ كالقُوَّةِ حَقَّاً وذِمَامَا
سوفَ تَرْعاه الأمَمْ
وتعودُ الأرضُ حُباً وابتساما
***
رَبِّ سُبحانَك مُخْتاراً قَدِيرَا
أنتَ هَيأتَ القدرْ
ثم أرسلتَ نذيرا .. للِبشَرْ
آيةً منكَ ونُورَا
***
هَو عَينُ الله لولا ضَوؤهُ
لم نَر البارئَ في شتى الصوّرْ
جَعَلَ الموتَ رَجاءً .. وبَقَاءَ
وغِرَاساً منه لاَ يَفْنَى الثَّمَرْ
***
صَلِّ يا ربِّ على خير البَشَرْ
الذي أسْرَجَ في ليلِ حَرَاءِ
قمراً أزْهَرَ من بَدْرِ السَّماءِ
يقرأُ الناسُ على أضْوَائِهِ
حكْمَةَ الخَلْقِ وأَسْرَارَ البَقَاء..
... مِنْ إله قد هَدَى بالقَلَمِ
علَّمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلمِ
***
صَلِّ يا ربِّ على المُدثِّرِ
وتجاوَزْ عن ذُنوُبي واغْفرِ
وأعنِّي يا إلهي بِمَتَابٍ أكْبَرِ
***
ليلةَ المَوْلدِ يا سرَّ الليَّالي
والجمالِ
وربيعاً فَتَنَ الأنْفُسَ بالسِّحرِ الحَلالِ
وطنى المُسلمُ في ظِلِّكِ مَشْبُوبُ الخَيَالِ
طاف بالصَّارِي الذي أَثْمَرَ عُنْقُودَ سَنَى
كالثُّرَيَّا
ونَضَا عن فِتنَةِ الحُسنِ الحِجَابَا
ومَضَى يُخْرِجُه زِيِّا فَزِيَّا
***
وَزَهَا ( مَيدَانِ عبدِ المُنعمِ )
ذلكَ المُحسنُ حَيَّاهُ الغَمَامْ
بِجُمُوع تلْتَقي في مَوْسمِ
والخِيامْ
قَدْ تَبَرَّجْنَ وأعْلَنَّ الهُيامْ
***
وهُنَا حَلْقةُ شَيْخٍ يَرْجحِنُّ
يَضْرِبُ النَّوبة ضَرباً فَتَئنُّ
وتُرِنُّ
ثُمَّ تَرْفَضُّ هديراً أو تُجنُّ
وحَوَاليْهَا طُبُولٌ صَارِخاتٌ في الغُبارِ
حَوْلَهَا الحَلْقَةُ ماجَتْ في مَدارِ
نَقَزتْ مِلءَ الليَّالي
تَحْتَ راياتٍ طِوالِ
كَسَفينٍ ذي سُوَارِ
في عُبابٍ كالْجِبَالِ
***
وتدانتْ أنفُس القَوْمِ عناقاً واصطِفاقا
وتساقوا نشوة طابت مذاقا
ومكانُ الأرْجُلِ الوَلهى طُيورُ
في الجلابيبِ تَثُورُ .. وَتدُورُ
تتهاوَى في شِرَاكِ
ثم تَستَنْفِرُ جَرْحَى وتَلوبُ
في الشِباكِ
مِثلما شَبَّ لَهيبُ
***
وعلا فوقَ صدى الطبلِ الكَريرُ
كُلُّ جسمٍ جَدْولٌ فيه خَريرُ
ومشى في حلْقَةِ الذِّكْرِ فُتُورُ
لَحظَةً يَذْهَلُ فيها الجِسمُ والروح تُنيرُ
وعيونُ الشَّيخ أُغْمِضَ على كَونٍ به حُلُمٌ كبيرُ
***
والمقدَّمْ
يَتَغَنى يَرْفعُ الصَّوتَ عَليَّا
وتَقَدَّم
يَقرَعُ الطبلَ الحَميَّا
ورَمَى الذًّكرَ وَزَمزَمْ
وانحنت حلقته حين انحنى
واستقامت وهوت والطبل نارٌ تتضرّم
وتَصَدَّى ولَدُ الشَّيخ وتَرْجَمْ
حيثُ للقُطبِ حضُورُ
وتداعى وتَهدَّمْ
***
وينادي مُنشِدٌ شيخاً هو التُمساحُ
يحْمي عرشَه المَضفُورَ من مَوْج الدَّميرة
نَدَبُوهُ للمِلماتِ الخطيرةْ
شَاعرٌ أَوحى له شيخُ الطرِّيقةْ
زاهدٌ قد جعل الزُّهْدَ غِنَى
فلهُ من رُقَّع الجُبَّة ألواناً حَديقةْ
والعَصَا في غُربةِ الدُّنيا رَفَيقةْ
وله من سبحة اللالوب عقد
ومن الحيران جندُ
ولَهُ طَاقيِّةٌ ذاتُ قرونِ
نَهَضَتْ فوْقَ جبينٍ
واسعٍ رَقَّقَةُ ضوءُ اليَقين
***
وفَتَىً في حَلْبةِ الطَّار تَثَنَّى
وتَأنَّى
وَبيُمْناهُ عصَاهُ تَتَحنَّى
لَعِباً حَرَّكهُ المَدَّاحُ غَنَّى...
... رَاجَعَ الخَطوِ بَطَارٍ
رَجَّع الشوقَ وِ وَحَنَّا
وَحَوَاليهِ المُحبُّون يُشِيلون صلاةً وسَلاما
ويذُوبُون هُياما
ويهزُّون العِصيَّا
ويَصيحُونَ به أبْشِرْ لَقَد نِلتَ المَرَاما
***
صَلِّ يا رب على المُدثِّر
وأعنِّي وانْصُرِ
بشفيع الناسِ يَوْمَ المَحْشَرِ
الذي يَسقي صفاء الكَوثَر
***
وهنا في الجانب الآخرِ أضْواءٌ رِقاقُ
نشَرتْ قَوسَ قُزَحْ
من رَجاء وفَرَحْ
من ربيعٍ في دُجَى اللَّيلِ يُراقُ
ونُساقُ
أنْفُس شَتَّى وَبُطءٌ واستباقُ
***
وفتاةٍ لَوْنُها الأسمرُ من ظِلِّ الحِجابِ
تَتَهادى في شبابٍ وارتيابِ
قد تُحيِّيكَ وتَدعُوكَ بأطراف الثِّيابِ
وهي قَيدٌ وانطلاقُ
واضْطرابٌ واتِّساقُ
إن نأت عَنَّا وأخفَتها الدِّيارُ
فعروسُ المولدِ الحلوة جَلاَّها التِّجارُ
لَبستْ ألوانَها شَتَّى أميرة
ما أُحَيلاهَا صغيرة
وَقَفتْ في كَرنفالِ
فوقَ عَرشٍ دُونه الحَلْوى كُنُوزٌ ولآلي
من أساطيرِ الخيالِ
***
وهْيَ إنْ تَصْمُت ففي أَعيُنها الوَسْنى انتظارُ
حَوْلَها الأَطفال دَارُوا
بعُيون تَلْمَع الألوانُ فيها وتذيعُ
وبِهَا مِنْ بَهْجَةِ رَفَّتْ دمُوعُ
***
لَهْفتنا كَمْ عَصَف البُؤسُ بأطفالِ صِغارِ
وَردُدا المَوْلِدَ بالشَّوق وعَادُوا بالغُبَار
ويحَ أُمَّ حَسِبُوها
لو أَرادُوا النَّجْمَ جاءتْ بالدَّاري
وَيْحها تَحْمِل سُهْدَ اللَّيلِ في صَحْو النَّهار
***
رَبِّ أَرْسلْت يتيماً
قَام بالحقَّ رَحِيماً
قَدْ ذكرناهُ فَهلْ نَذْكُرُ مَنْ أَمسى عَديماً
***
وهُنا في الجانب ِ الآخرِ سُوقْ
هو سوقُ ( الزَّلعَةِ )
وبه طبلٌ وبُوقُ
من صُراخ الرَّغبةِ
حَفَلتْ دَوْلتُه في (حَلَّةِ)
سَلَبتْ كُلَّ العُيُونِ
والظُّنونِ
كَيفَ لا بالَلذَّةَ الليلِ ويا أم الفُتُونِ
ربَّها قَلَّبَ عَينيهِ خَطيباً في الجَماهير الغَفيرة
مُرْسلاً من نَارهِ ريحَ شِواءِ
تَتَهادى في الفَضَاءِ
بِنداءٍ لمْ يَجِد فينا عَصيَّا
ودَعَانَا .. ثُمَّ حَبَّا .. وتَهَيَّا
***
وحواليهِ الكوانينُ الوَقُورَه
ولها من دَاخنِ الفَحْم ذَريرَهُ
وحريرهُ ، وضفيرهُ
وحريرهُ ، وضَفيرهُ
تُرْشقُ ( الأسياخُ) فيها
نُظِمتْ باللَّحمِ نَظماً
وارتَّوت دُهناً وشَحْماً
***
ودَخَلنا مَطْبَخاً زَاطّ ولا قصْرَ الأمارَة
رَبُّه البادِنُ عَرَّافٌ أَتَتهُ كُلُّ حَارَة
دَارةٌ تُعقَدُ في آثارِ دَاره
وتَعشَّينا وأَحْسَنا أَمانا
وشَربنَا وارتَوينا
ومَشينا ، وشَعَرْنا بِنُعاسٍ في خُطَانا
وسلامٍ هُوَ لَوْ دَام لأحْمَدنا الزَّمانا
ومَضى الليلُ وناداني سَريري والمنامْ
فتركتُ المَوْلِدَ السَّاهر خَلفي والزَّحامْ
من نُفُوسٍ رَجَتْ الرَّيَّ ولم يَهْملْ غَمَامْ
فَهيَ ظَمْاَّي في القَتَامْ
***
وبِسمعي الطَّبلُ دَوَّى من بَعيد
كوليدِ .. في دُجى اللَّيلِ وحَيدِ
***
وَبَقايا مِنْ نَشيد
عَبَرَتْ سَمعي طَيْراَ
في ظَلامٍ بَشَّرَ الآفاقَ بالصُّبحِ الجديد
والوُعُودِ
***
رَبَّ في موطني المُسلم قَدْ عُدْنا إليْكَا
ما اعْتَمدنا رَبَّنا إلا عَليكا
وذَكرنا الهاديَ المُختارَ ذِكرىَ
ملاَّتْ أَرْواحَنا طُهراً وصَبرا
***
صَلِّ يا ربِّ عليهِ
وتجاوَزْ عن ذُنُوبي واغْفر
وأَعنِّي بمتابِ أكبرِ
***

(4)

ليس من البر هدم وجدان الأمم، وهي تتقافز على مرّ السنوات، لتدلق الوجد على سيرة المصطفى. كان الشاعر" محمد المهدي المجذوب" في كامل القُرص الشاعري، وهو يمثل مرحلة مُضيئة في الشِعر السوداني، وهو ليس في حاجة للدفاع عنه.
حين تناول قصيدة المولد التي نظمها عام 1957 م، مُساهمةً منه بتعميق المحبة للنبي الأكرم. اختار منها المطرب الفنان والملحّن والمغني" عبدالكريم الكابلي" بعض الأبيات الشعرية من هرم القصيدة، ليلحّنها ويغنّيها في أوبريت غنائي طروب. يصف محبته هو كشاعر فرد، ويصف كيفية احتفالات العامّة بمولد النبي الأكرم. وأثنى على الاحتفال بالمولد من قبل: السيوطي وابن الجوزي وابن حجر العسقلاني والشهاب السخاوي وأحمد القسطلاني. نحن لا نُريد أن نثمّن الاحتفال بكثرة المؤيدين. فلنا سعة أن الدِّين قد جاء لكافة البشر، والذي فهمه العامَّة وقد جاء إليهم ببساطته. وليست هنالك رهبانية في الإسلام يمتلك فيه رجال الدِّين أمر التفسير والمنح والاباحة والتكفير.

(5)

https://www.youtube.com/watch?v=9caFdKu-qR8
أعلاه الرابط لفيديو المُتشيِّخ " مزمل فقيري".
*
شاهدت الصورة المتحركة للمُتشيِّخ" مزمل" في اليوتيوب. وما كُنت أعطي لأمثاله التفاتة تمييز، لولا الجهالة المُركَّبة التي واجهتها، حين تحدث هو عن أغنية المولد لـ "عبدالكريم الكابلي". ويسأل هو الحاضرين، غير متأكد من اسم الفنان المُطرب، وذكر ( الكابلي ) ولم يذكر صاحب القصيدة ( الشاعر محمد المهدي المجذوب). أول شيء ابتدأ به هو بتر صياغ القصيدة. وقال ( هو عين الله ) وادعى أن ذلك شرك عظيم، لم يسبقه عليه أحد، وأن القصيدة تتردد في الإذاعة السودانية منذ تاريخ طويل. وذكر أن الاحتفال بالمولد بدعة، لم يحتفل بها الرسول أو أصحابه.
*
نرُد عليه بذات مصادر مراجعه و طرائق تفكيره. فنقُل له: أنت تعلم أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة أو كلب، كما تقول مصادرك السنيَّة الوهابية، فكيف جاز لك أن تصنع لنفسك صورة ومتحركة له وأنت تتحدث!؟
أليس ذلك أكثر غلواً من الصور الثابتة؟، وتخطٍ لحواجز التصوير الذي يُحاكي صنعة الإله. أليس الفيديو بدعة؟. بل وبدعة أضلّ، وفق مقاييس أسانيد مراجع ومعتقدات المُتشيِّخ؟
*
نأتِ بدليل أشر. وهو أن المُتشيِّخ لا يعرف حتى أبسط قواعد اللغة العربية، التي يتباها بها الوهابيون، إذ هي من الأسلحة التي لا يتهاون فيها المُتشيِّخون من أمثاله. و تنطّع، ما شاء له التنطُّع، وهو لا يعرف الشِّعر ولا دروبه ولا صنعته ولا تأويل بيانه. فقد انتزع الكلمات الشِّعرية من صياغها، لا لسبب إلاّ ليُكفّر صاحبها ومغنيها.

(6)

حول المقطع الشعري المُفترى عليه ومعانيه :
نظم الشاعر قصيدة المولد عام 1957، على عدد من المقاطع الشِعرية. وأقام بين كل مقطع وأخر فاصلة ( ***) ، كي نعلم أن بناءً شِعرياً جديداً أراده في قصيدته. ونأتِ بالمقطع الشِعري الذي اقتطع منه المُتشيِّخ أهزوجته، وأضاف عليها بُهار التزوير والبُهتان، كما وردت في ديوان الشاعر محمد المهدي المجذوب( نار المجاذيب ):
***
هَو عَينُ الله لولا ضَوؤهُ
لم نَر البارئَ في شتى الصوّرْ
جَعَلَ الموتَ رَجاءً .. وبَقَاءَ
وغِرَاساً منه لاَ يَفْنَى الثَّمَرْ
***
الإعراب للمقطع:
هو: مبتدأ
عينُ الله: مضاف ومضاف إليه، خبر للمبتدأ.
لولا: حرف امتناع لوجود مبنيّ على السكون، لا محل له من الإعراب.
ضوؤه: مبتدأ لخبر محذوف وجوباً تقديره (موجود)،مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة على آخره.
لم: حرف نفي وجزم وقلب.
نر: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة (الألف اللينة).
البارئ: مفعول به منصوب.
في شتى الصور: الجملة حال والضمير هو محذوف.
*
معنى المقطع الشِعري:
لن يتسنى لنا أن نتعرف على الخالق إلا من خلال أضوائه المنعكسة في صور مخلوقاته.

(7)

ربما نعذر المُتشيِّخ، أنه ربما لا يعرف الفنان المُطرب والملحّن والباحث "عبد الكريم الكابلي"، وتلك غشاوة يزدان بها الوهابيين، فهم في علم الموسيقى جهل مُركّب بمرجعية. فالموسيقى وأشباهها من آلات الملاهي هي في مراجعهم لا شك في تحريمها، وأنها من المعازف المحرمة!.

عبدالله الشقليني
27 أغسطس2018




*
أضف رد جديد