الشباب والأحزاب ومستقبل الثورة السودانية

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

الشباب والأحزاب ومستقبل الثورة السودانية

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

قرأت مقالات للأخ النور حمد حول هذا الموضوع وأحببت وضعها هنا لمزيد من النشر، ومرحبا بالمشاركة بالرأي.

ـــــــــــ
حول النغمة الشبابية الرافضة للأحزاب

النور حمد

صحيفة التيار 2 يوليو 2020

ما من شك أن الأحزاب السودانية تعاني من مشاكل بنيوية تعود في بعضها لضعف المؤسسية ولمجافاتها القواعد الديموقراطية، التي أدت إلى أن يبقى رؤساؤها في مواقعهم لما يصل، إلى نصف قرن، أو يزيد. ولكي نكون منصفين فإن الأنظمة العسكرية التي تسلطت على الحكم في البلاد ثلاث مرات وبلغت جملة مدتها 54 عامًا، أضعفت هذه الاحزاب. فقد أفقرتها، وقسمتها، وسجنت وطاردت، قياداتها العليا والوسيطة، لعشرات السنين. أما عللها البنيوية، فتختلف في الأحزاب التقليدية عنها في الأخرى الحديثة. فقد انخرطت الأحزاب ذات الإيديولوجيا القابضة؛ يسارها ويمينها، في الانقلابات العسكرية. ولم يسلم من ذلك لا الشيوعيين، ولا الإسلاميين، ولا البعثيين. أما الأحزاب التقليدية المرتكزة على قواعد طائفية، فقد شاركت في محاولات التغيير المسلحة، مثلما جرى في الجزيرة أبا، وفيما سمي بالغزو الليبي في عام 1976. يضاف إلى ذلك أن الحزبين الكبيرين، لحرصهما على مصالحهما الاقتصادية، لم يتأخروا قط من المشاركة بعضويتهم في كل البرلمانات الزائفة، التي أقامتها الأنظمة العسكرية، وفي الوزارات، وغيرها. وقد استمر ذلك النهج حتى قيام ثورة ديسمبر 2018، المجيدة.

الأجيال الجديدة من الشابات والشبان، الذين أنجزوا هذه الثورة العظيمة، أحدثوا نقلةً غير مسبوقة في الساحة السياسية السودانية. فقد صمدت سلميتهم أمام كل اختبارات العنف المفرط من جانب سلطة الإنقاذ الغاشمة. مع أن عنف السلطة المفرط يقود عادةً إلى رد فعلٍ عنيفٍ من جانب الثوار. هزمت هذه الثورة السلمية نهج التغيير العنفي؛ كالذي جرى من الأحزاب في 1976، وجرى من حركة خليل إبراهيم في 2008. يضاف إلى ذلك، ما سُمِّى: "الانتفاضة المحمية بالسلاح". جاء التغيير، في ديسمبر 2018، من حيث لم يحتسب أحد. وجاء بقوة إجماعٍ شعبي، أعجزت العنف المفرط وهزمته. ولا أحد يستطيع من كامل الطيف السياسي أن يدعي بأنه كان وراء هذا الذي جرى، على هذا النحو المدهش.

قلب شباب الثورة الطاولة على البنية المفاهيمية، التي حكمت مسلك مختلف القوى الحزبية، عبر الستين سنةً الماضية. ولقد أظهر هؤلاء الشباب روحًا جديدةً، وطاقةً جديدةً، وسمتًا أخلاقيًا جديدًا، وتوثُّبًا وشغفًا بالتغيير الجذري، لا أرى أن القيادات الحزبية الراهنة مؤهلة، معرفيًا وأخلاقيا، للتفاعل معه، والاستجابة له في مستواه. ولا غرابة إذن، أن سادت وسط هؤلاء الشباب نغمة رفض الأحزاب، جملةً وتفصيلا. فقد رأوا كيف كان البشير يلعب بهذه الأحزاب بسبب لامبدئيتها، وتهافتها على الحطام. لقد نقل هؤلاء الشباب، ولأول مرة، في فترة ما بعد الاستقلال، الصراع من أرض معركة المعادلة الصفرية، غير المنتجة، بين اليمين واليسار، إلى أرض معركةٍ جديدة. طرفاها هذه المرة: هذه القوة الشبابية الجديدة، وجملة المفاهيم الرثة التي حكمت سلوك اليمين واليسار.

لكن، لابد من قول ما هو بديهي، وهو: لا توجد ديمقراطية بلا أحزاب. هذه القوة الشبابية يمكن أن تحرس هذه الفترة الانتقالية إلى نهاياتها، وقد أثبتت قدرتها على ذلك. لكن التحدي الأكبر للثورة ليس الفترة الانتقالية، وإنما ما بعدها. فإن لم ينظم الشباب أنفسهم ويتحولوا من ثوار يعبئون الشوارع، إلى قوة حزبيةٍ منظمةٍ تعبئ صناديق الاقتراع، فإن القوى القديمة التي بدأوا في إخراجها عبر الباب، ستعود عبر الشباك، وسيكون في يدها، حينها، صكٌّ مستندٌ على الشرعيةٍ الدستورية. (لهذا الحديث بقية).


ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

نسف معادلة اليمين واليسار الصفرية

النور حمد

صحيفة التيار 3 يوليو 2020

إيفاء بوعدي الذي قطعته بالأمس، بأن للحديث بقية، أواصل اليوم لإجلاء بعض الأمور التي كنت أرى أنها تحتاج مزيدًا من الإجلاء. من هذه الأمور أن الحزبين التقليديين الكبيرين (تاريخيًا، حتى الآن) يضمَّان في عضويتيهما عددًا مقدرًا من الشباب. من بين هؤلاء الشباب من شارك بفعالية في حراك التغيير واعتصام القيادة وسيق إلى المعتقلات. ولا يزال هؤلاء ضمن من يعبئون الشوارع، كل حين، ملتحمين مع الطيف الشبابي العريض. من الجانب الآخر هناك أحزاب اليسار التي ثار فيها الشباب على الأيديولوجيا المتكلِّسة، فخرجت حركة حق من الحزب الشيوعي وأرسلت صيحةَ تمرُّدٍ خافتة، ما لبث صداها أن تلاشى. ولقد انقسم حزب البعث أيضًا، واعتزل قطاعٌ معتبر من شباب اليسار العريض، الانتماء الحزبي جملة وتفصيلا. أما شباب الإسلاميين، الذين كانوا وقودًا لمحارق الحروب العبثية، فقد انجلى عن ناظرهم غبار زيف الشعار الإسلاموي، فتفرقوا طرائق قددا. غير أنهم، في مجملهم، لم يغادروا متاهة أحلام وأشواق الدولة الدينية، والتعلق بسرابها الخلب. هذا الطيف العريض من القوى الشبابية بالغة الحيوية؛ من لا يزال منهم منضويًا تحت راية واحدٍ من كل هذه الأحزاب، ومن هو خارجها، بحاجة الآن، فيما أرى، إلى أن يفكروا بصورةٍ جديدة.

هناك ثلاثة سيناريوهات لحلحلة هذه الخيوط المتشابهة، الأول: أن يحدث تطور في الحزبين الكبيرين، فتسود فيهما المؤسسية والنهج الديمقراطي في كيفية تصعيد القيادات، بصورة توصل الشباب إلى مواقع القيادة، وفي هذا الحالة يمكن أن ينضم إليها قطاع معتبر من الشباب المستقل. غير أني، أستبعد حدوث هذا في ظل القبضة المحكمة لأسرتي المهدي والميرغني على هذين الحزبين.

أما السيناريو الثاني فهو: أن ينشأ حزب جديد، بقيادةٍ جديدةٍ لم تتلوث بأوحال مستنقع السياسة السودانية، وأن يجتذب هذا الحزب برؤيته وبرامجه طيف الشباب المتململ داخل الأحزاب؛ التقليدي منها والحديث، بكامل طيفها الممتد من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار. لو نجح هذا السيناريو، على صعوبته، في خلق كتلة انتخابية جديدة، فإنه هو الذي سيحقق النقلة البرادايمية المطلوبة التي سوف تقضي على الذهنية السياسية القديمة، وتفتح أبوابًا مشرعة لهواءٍ طازجٍ جديد.

أما في حالة تعذُّر نشوء حزبٍ جديدٍ مستقطبٍ للقوى الشبابية، فلن تكون هناك فرصة لاستمرارية الثورة نحو أهدافها، سوى بتشكيل تحالف يساري عريض لا سيطرة عليه من أهل الإيديولوجيات المتكلسة. وأمام هذا الخيار عقبة مفهومية كؤود. ولابد من الإشارة هنا الى أن الذي يجمع بين حزب الأمة، والاتحادي الأصل، وطيف الإسلاميين، هو فكرة الدولة الدينية. وهي فكرةٌ الغرض منها تعطيل وعي الجماهير من أجل حماية المصالح، لا أكثر. ولقد أثبتت التجربة العملية أن هذه القوى الثلاث تتحالف كلما رأت أن اليسار قد هيمن. وفي تحليلي، أن الزيارة التي قام بها كلٌّ من السيد أحمد عبد الرحمن، والمرحوم عثمان خالد مضوي، للسيد الصادق المهدي، مؤخرَا، هي ضربة البداية لتحالفٍ جديدٍ لهذا الظرف الجديد. لا فرصة أمام اليمين التاريخي، سوى أن يخلق تكتلاً عقب الفترة الانتقالية، إما بخوض الانتخابات بقائمة موحدة، أو بتشكيل ائتلاف عريض، عقب ظهور نتائج الانتخابات. وإذا لم تشكِّل قوى اليسار المختلفة، في الأحزاب اليسارية، وبعض الحركات المسلحة، مع المستقلين جبهةً موحدةً فإن اليمين، بهيئته القديمة، سيصبح المتحكم في مجريات ما بعد الفترة الانتقالية. ويمكن أن نقول حينها: على أهداف الثورة السلام. (للحديث بقية تتعلق بتحرير مفهوم اليسار من قبضة الإيديولوجيا المغلقة)
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

من اليسار الأيديولوجي إلى اليسار البرامجي

النور حمد

صحيفة التيار 4 يوليو 2020

ظلت الساحة السياسية السودانية، على ما يزيد عن نصف قرن، نهبًا لصراع اليمين واليسار، الذي لم يكن صراعًا مشتركًا ضد التخلف، وإنما صراع طرف لاستئصال الآخر. في هذه الحرب العَوَان اصطفت مختلف القوى، بقدر من المقادير، وراء لافتتي اليمين واليسار. الاستثناء ربما انحصر هنا، في حزب المؤتمر السوداني، والحزب الجمهوري، والحزب الليبرالي، الذي نشأ متأخرًا، مقارنة بالآخريْن. وبطبيعة الحال هناك العديد من الأحزاب الصغيرة التي لا يتسع المجال لذكرها. ورغم اتخاذ الحركات المسلحة طريق الكفاح المسلح، فهي الأخرى تصطف وراء لافتتي اليمين واليسار المؤدلجين، اللذين مثلَّا قطب الرحى في تلك الحرب الطويلة، غير المنتجة.

خاض حزب المؤتمر السوداني نضالاً شرسًا ضد الأنظمة الدكتاتورية، ولعب دورًا بارزًا في مجمل مسيرة الحراك، الذي اقتلع نظام الإنقاذ. بدأ هذا الحزب مستقلاً منذ تخلُّقه الأول في الحركة الطلابية، تحت اسم "مؤتمر الطلاب المستقلين". لكن لسببٍ ما، لا يزال استقطابه لفئة الشباب النافرين من الأحزاب التقليدية والأحزاب المؤدلجة محدودًا. بناءً على السيناريوهات الثلاثة التي رسمتها بالأمس، فإن خيار التحالف لخوض الانتخابات القادمة، هو الخيار الأكثر عملية، حاليًا، للحفاظ على الثورة وأهدافها. بناء عليه، فسوف أحاول هنا تقديم شرح موجز لتصوري لهذا الحلف اليساري العريض، مع تعريفٍ موجزٍ لمفهوم "اليسار البرامجي"، المتحرر من قبضة الأيديولوجيا الكلية الحاكمة.

لقد عفا الزمن، على اليسار الماركسي اللينيني. وكذلك على اليسار العروبي، الذي كان محاولةً لأقلمة التجربة الشيوعية السوفيتية في السياق العربي،. أصاب نجاححا جزئيٍا في مصر، وفشلا ظاهرٍا في كلٍّ من سوريا والجزائر والعراق وليبيا واليمن والسودان والصومال. لقد انهزمت تجربتا اليسار الماركسي والعروبي في التطبيق العملي، غير أن مفهوم اليسار بمعنى اعتناق النهج الديمقراطي، وخلق برامج اقتصادية واجتماعية مناهضة للنيوليبرالية وللعولمة، ورفض التبعية المطلقة للمركزية الرأسمالية الغربية، سيظل باقيا. بل، أصبح مطلوبًا بإلحاح، الآن.

لهذا التوجه البرامجي اليساري، فيما ألمس، وجودٌ بصورة ما، في كل التكوينات السياسية السودانية. خاصة، وسط القطاع الشبابي المنتمي إلى كل هذه التكوينات. ويشمل ذلك شباب أحزاب الأمة والاتحادي، والإسلاميين. فلو لأننا استطعنا التحرر من قبضة الأيديولوجيا الكلية الحاكمة، ومن التصاقنا العاطفي المفرط بتواريخنا الحزبية، وذكريات نضالاتنا الشخصية، فإنه يصبح من الممكن، مستقبلاً بلورة كتلة جديدة تضم كامل طيف اليسار. فكثرة الأحزاب، كما هي لدينا الآن، ما هي إلا علامة على تخلف الوعي السياسي. فأغلب الديموقراطيات الكبيرة في العالم، تقوم على حزبين كبيرين، يمثلان اليمين واليسار. فاليمين يقف مع حرية السوق، والخصخصة، التي تشمل حتى الخدمات الطبية والتعليمية. أما اليسار فيقف مع دورٍ أكبر للقطاع العام في تقديم الرعاية للجميع عن طريق لجم شره الرأسمال، ومنعه من الهيمنة الشاملة.

وفقًا لما طرحته من سيناريوهات في مقال الأمس، فإن الأقرب إلى التحقق، من الناحية العملية، في المرحلة الراهنة، هو خلق جبهةٍ يساريةٍ عريضةٍ، يحتفظ فيها كل حزب يساري التوجه بالمعنى الذي أشرت إليه، بكيانه الخاص، عند خوض الانتخابات القادمة. على أن يجري الائتلاف لتشكيل كتلة متحدة في البرلمان عقب ظهور النتائج. فالانتخابات القادمة هي التي سوف تحسم مصير الثور؛ تقدمًا أو تراجعا. لكن، على المدى الأطول، ينبغي أن يجري تطوير الخطاب والبرامج بحيث يتخلق حزبٌ كبير موحد، يجسد اليسار البرامجي، ويصبح القوة المعادلة في الوزن لكتلة اليمين.
أضف رد جديد