أدب الأمهات

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أدب الأمهات

مشاركة بواسطة حسن موسى »


أدب الأمّهات

المبدعون ـ في نظري الضعيف القوي ـ يمتازون بأريحيتهم و كرمهم الفياض ،و لا عجب ،فالعمل الإبداعي ينهض على موقف العطاء المجاني الذي لا ينتظر اجرا من احد.و هذه الوضعية ، وضعية العطاء الحر المجّاني، تموضع المبدعين في طليعة الناس المشغولين بالشأن العام ، و هي طليعة صنّاع الثورات الذين يتقدمون ويضيئون الطريق امام توق الشعوب للتغيير.و حركة الثورة النسوية في السودان تدين لرجال مثل بابكر بدري الذي بدأ ثورة تعليم النساء من داره لانه نظر لبناته و قرر أن التعليم سينفعهن مثلما سينفع نساء السودان قاطبة.و في هذا المنظور قرأت ادب بابكر بدري المبذول في كتابه"تاريخ حياتي"،[ من ابدع ما كُتب في الأدب السوداني بين "كتاب الطبقات" و "بندر شاه"]. كتعبير عن أريحية المبدع تجاه أهله. و في نفس هذا المنظور فرحت بقراءة صديقنا واستاذنا عبد الله علي ابراهيم،[ابن أمّه]، لسيرة أم بابكر بدري ، كونها سيرة تضيئ شخصية الرائد الحداثي الجليل الذي ثوّر حركة التعليم في السودان.و سيرة أم بابكر بدري تستحق موقع الصدارة في هذا النوع الأدبي [و السياسي] المتميز الذي يمكن ان نسميه بـ"أدب الأمهات السودانيات".و "أدب الأمهات" السودانيات يسترعي انتباهنا كونه يصدر عادة عن مشاعر حب صافي من الأبناء و البنات. هذا الحب الصادق الغامر يصنع بين السودانيين تلك الأرض "الخاصة /العامة"التي يتقاسمون فيها أمومات الأصدقاء و الصحاب. و قد نوهت بهذا في خيط مجاور كتب فيه الصديق حامد بشرى بعضا من سيره امه"بت الحكيم"، و عبّرت عن إمتناني بقراءة هذه السيرة العطرة الفالتة من كتب التاريخ الرسمي.ذلك ان ادب الأمهات، كنوع رفيع مركب من خصوصية العلاقة مع الأم و عمومية التجربة الإنسانية، يستحق منا أن نتأنى عنده و نفرد له الصفحات التي تليق بمقامه العالي.
أنظر نص حامد بشرى المعنون :"بت الحكيم، ذكرى عام على الرحيل"، على الرابط :
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... b5091133a8

وفي مقام "أدب الأمهات" لا تكتمل متعة قراءة سيرة "بت الحكيم" إلا بالتأني عند سيرة السيدة الجليلة "اماريش قرمتهن منغستو كفلي،" أو"لوجية"،مخففا إلى "لوكية"، التي حكاها صديقنا الكاتب القدير عمر عبد الله محمد علي. و هي سيرة نادرة و بديعة لانهاتحكي عن سيرة "أم بديلة "اجتازت حواجز الجغرافيا و التاريخ و العقيدة و اللغة لتنخرط بكليتها في أمومة حانية رشيدة تجاه اطفال زوجها.و في كل مرة قرأت فيها نص الصديق عمر تحسرت على قصره و تمنيت لو انه واصل بمزيد من حكايات هذه «الأم شَجاعة «  التي يناديها الجميع بـ"ماما لوكية" .يمكن قراءة نص عمر عبد الله محمد علي المعنون : »في رحيل والدتنا العزيزة ماما لوجية" على الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... b5091133a8


.
من اجمل ماقرأت حول علاقة ام بابنها..
___________________
بابكر بدري وأمه: أحيّ يا رقيدة في ضل القبة

عبد الله علي إبراهيم



سنفسد سيرة بابكر بدري وأشواقه لنهضة النساء المسلمات متى قلنا إن مأثرة بابكر هي من أثر احتكاكنا بالحداثة الاستعمارية. وقصراً للحديث أقول إنه متى تواضعنا على هذا الزعم الفاسد جردنا الشيخ من مؤثرات ربما كانت أشد خطراً على صنيع الرجل. فمتى اكتفينا بأثر الإنجليز على همة الرجل غيبنا بغلظة أثر والدته العجيب عليه. فقد قال إنه وٌلِد من والدين أميين. ولكننا نجده في موضع آخر يذكر كيف كانت أمه وأخواته ينهضن فجراً باكراً لقراءة راتب الإمام المهدي عليه السلام. وسيكون من النافع أن نعلم كيف انتقلت هذه السيدة من الأمية إلى قراءة الراتب في شرط المهدية. وهي فترة اتسمت "بمحو أمية" كبير حتى قال الخريجون في كتابهم "مآسي الإنجليز في السودان"، الذي حرره طبعته الثانية لعام 2006 الدكتور حسن مكي، إن الإنجليز إنما انقصوا التعليم في السودان بمجيئهم ولم يزيدوه.

والدة الشيخ امرأة باسلة. وأخذت حيزاً في سيرة الشيخ لا تناله الأمهات في السير الذاتية. فأنظر كيف تلقى محرري الصحافة التهاني لمجرد أنهم ذكروا أسماء أمهاتهم بمناسبة عيد الأم لعام ما. فالوالدة أنصارية على السكين. ووصفها بابكر بأنها صماء العقيدة. ولم تعتقد في المهدي اعتقاد سماع بل سعت إليه في ضواحي أم درمان بصحبة بابكر خلال حصار الخرطوم في 1884 لتبايعه على نصرة الدين، و "على زهد الدنيا واختيار الآخرة". ولبست الجبة الأنصارية وأخلصا معاً للمهدية. لقد دخلت الحاجة الثقافة من أوسع أبوابها وهو باب تغيير ما بنا لا مجرد تفسيره. وهذا من قول ماركس.

ليس من مشهد ذكر فيه الشيخ الوالدة إلا كان مشهداً تربوياً قاطعاً ذا عواقب. فقد غضبت يوماً لأن عم بابكر ضربه بغير رحمة لسبب بسيط. فأدخلت كتبه في شنطة من قماش وقالت له اذهب إلى مدني وتلقى العلم على عمك الفكي الإزيرق. ومضى بابكر من موطنه رفاعة إلى سوق المسلمية ومن هناك تعلق بأحدهم وسار خلف حماره يطلب بلدة مدني. فسأله الرجل عن مقصده. فقال بابكر إنه يطلب العلم عند الإزيرق. فسأله إن كان يحفظ القرآن. قال نعم. فطلب منه أن يقرأ من سورة حددها. ففعل. فأستردفه على الحمار قائلاً: "يا ولدي الحكيم قال لولده احفظ القرآن فإنه لا يرميك وإذا رماك يرميك في برش. وتعلم العلم فإنه لا يرميك وإذا رماك يرميك على سرير". وهذا الأدب التربوي من فوق حمار مما لا يستسيغه المحدثون ويظنونه من ترهات العامة.

وعقيدة الوالدة الصماء في المهدية منثورة في كل الجزء الأول من "تاريخ حياتي". وقد "جبدت" بابكر بشدة المراس في النبل. وكثيراً ما استعجب لعقيدته الصماء هو نفسه خلال تذكره لأيام المهدية. فلم يخطر له مثلاً ولو للحظة أن جيش المهدية ربما جاء خائباً من مصر. وكانت الوالدة خلاف الوالد المرائي. فقد عزم الوالد ألا يصحب حملة ود النجومي إلى مصر. ولكن زوجه هجمت عليه وقبضت على خده وقالت له "هوي يا دا الراجل الكافر صد براك من الله. نحن ما صادين شي".  فضحك والده. وكان الوالد ينتقد النجومي لسفره للحرب بغير موؤنة. فكانت الوالدة تزجره: "لا تتكلم في ولد النجومي رابع الخلفاء".

ولعل من أكثر المواقع درامية في سيرة الشيخ تذكره بأس أمه (وكانت قد توفيت) وعباراتها في زجر زوجها خلال حملة النجومي حين اقتربت حملة كتشنر من أم درمان. فقد ظل والد بابكر على نقده للمهدية. فكان يقارن بين جيش كتشنر وجيش الخليفة، ويتصور نطحهما في كرري، وينتهي إلى أن الأنصار انهزموا وتجاروا نحو أم درمان. وكان يقلد صوت تراجعهم القهقري إلى البقعة أدد أدد (صوت الجري). وربما ساء بابكر هذا النذير وذكر أمه المتوفاة وكيف كانت بحياتها "تجضم" الوالد وتقول له: "هوي يا دا الراجل الكافر اسكت لا تتمنى للأنصار الهزيمة". ولكن حدث ما تراءى للوالد.

ولم تكن عقيدتها مجانية. فقد صحبت بابكر وأخوته وبناتها في مسيرة ود النجومي المأسوية إلى مصر. وعرفت فقد جنى الحشا من أجل العقيدة. فقد ضربت شظية موسى ولدها بعد تقهقرهم عن قرية إرقين في 1889 فاستشهد. فما زادت عن حمل حربة صغيرة فهزتها قائلة: "وليدي وهبته لله تعالى".

وكانت صحبة بابكر وأمه صحبة مناضلين اتحد قلباهما على أكثر من الرحم. ففي رحلة مصر الشقية كانت تتعثر لضعف بصرها. فتعثرت مرة على حجارة فكانت تتلافى السقوط بقولها: "في شان الله والرسول". وفَرّق بينهما أسر بابكر في مصر وبقائها في السودان ثم اجتمعا بعد نحو سنتين. وعاد بها إلى أم درمان في رحلة شقية أخرى فكانت تقول له: "أنا اتعبتك الله يقتلني ويريحك مني". فكان يذكرها بتعبه يوم حملته ووضعته وربته صغيرا. وكان يحبها ويحتال إلى مودتها. فقد جاء مرة بعد احترافه التجارة في أم درمان المهدية من رحلة لسواكن فوجدها نائمة. وقال إن من عادتها أن تصحو سحراً تصلي وتقرأ الراتب مع بناتها ثم تنام. فرمي عليها البطانية الهدية التي جاء بها عليها. فلما أيقظتها بناتها وشعرت بثقل ما عليها قالت: "بابكر جاء؟" فقلن لها طلباً للمعاكسة والشغب: "لا". فقالت إنها عرفته من البطانية التي دثرها بها. ثم حضنته وبكت حتى اعتذرت له أخته قائلة لأمها إنها شرقت بدموعها أذن بابكر. فدعت له: "تديه التيمان والرزق الكيمان". فولدت له زوجته حفصة عام 1895 توأمين بنتاً وولداً. وقال بابكر هذا من دعاء أمي.

وماتت الوالدة في 1895 وبابكر في قافلة تجارية.وقيل له إنها ما أفاقت من سكرة الموت إلا قالت "أنا عافية منك يا بابكر محللة لك حمل بطني ولبن ضرعي وحمل حكري". وكانت ترفض أن تدعو لأخيه الذي رعاها في أيامها الأخيرة في نفس العبارة بطلب بناتها المحرجات قائلة: " لا، بابكر رفيق بلانا لا أقرن به أحداً في عفوي" بل تُجمل الآخرين بقولها بصورة عمومية " عافية منكم يا أولادي ذكوراً وإناثاً". فقد كان بابكر "رفيقاً" لا مجرد ابن. كان زميلاً أنصارياً شهدا الوغى وسقاها وأطعمها بين فكيّ راجمات العدو.

واستمرت الوالدة مؤمنة بالمهدية إلى أن توفيت. وكانت تقول دائماً: "أحي يارِقيدة في ضل القبة".



من كتابي "الثقافة السودانية: خارطة طريق".

الرابط

https://www.sudanile.com/index.php/منبر- ... لي-إبراهيم



سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

عبد الله "ود جمال"

مشاركة بواسطة حسن موسى »



من منا يجهل اسم "جمال"، أم عبد الله علي ابراهيم، التي تمثل في ادبه المنثور في فضاء السياسة كواحدة من أميز علامات برّه بالشعب؟
و أظن أن حضورها المتواتر في مكاتيب عبد الله هو من بين الأشياء التي تذكرنا بأن هذا العبد الله الماركسي الفصيح إنما تعلم حكمته و فصاحته في معية هذه المرأة التي تشبه امهاتنا و تلهمنا الإطمئنان لرطانات صاحبنا المتمددة بين الأدب و أنثروبولوجيا السياسة السودانية .
سيرة الحاجة جمال أحمد محمد تستحق العناية لأنها تضيئ خصوصية حضور الأهالي الغبش في خاطر المثقف العضوي الرحيم بأهله.
كتب عبد الله " واحلاتي دا مي عبد الله" أثناء حملته الإنتخابية لرئاسة الجمهورية [2009]،كمن يتلمس انعكاس خياره السياسي على الشعب، و هو تلمّس الشخص المتيقّن من تضامن الأهالي معه لأنه منهم و فيهم.




وا حلاتي دا مي عبد الله! ...
بقلم: عبد الله علي إبراهيم
الأحد, 30 أغسطس 2009 16:53





هذا هو رمضان الثالث منذ انتقال الوالدة الحاجة جمال أحمد حمد إلى الرفيق الأعلى. وعاشت الوالدة مغامراتي السياسية الراديكالية وغيرها برباطة جأش. بل عبأت مواردها الثقافية من "الحصن الحصين" إلى أحجبة شيخنا ود إبراهيم من الأراك و الشيخ عبد الله كمبو من حي الوادي بنيالا وأخرين لتأمين هذه المخاطرات المستجدة. وظللت منذ ترشحي لرئاسة الجمهورية أتصور وقع الخبر عليها. فهي ستقول لمن نقل لها الخبر:

-لكين عبد الله صاح!

ثم تصمت. لتستدرك بغير رابط معلوم:

-والله عمر البشير ذاتو صاح!.

وقد يقول لها ناقل النبأ:

-داير يخدم البلد.

ستقول باستنكار:

-بلدو ياتو؟

-السودان.

وحانت هنا لحظة إنفعالها العظيم. فالسودان ليس من المعلوم بالضرورة في دنياها.

-هو السودان دا شنو؟

ثم تنحني على الأرض هوناً وتمسح عليها مرات زاعقة:

-السودن يبقى زي الواطه دي.

ثم تعلو ملامح وجهها الحيرة. وتضع أصابعها الخمسة على شفتيها بزاوية مقدرة تقديرا وتقول بادئة بلازمة احتجاجها المفضلة:

-إيه، إيه، إيه. هو مالو على القشران، صيبتو شنو؟ بالله عليكم الرسول يا أخواتي الجنى دا سببو علي السودان شنو؟

-كيف يا حاجه. الزول ما بيخدم بلدو.

هنا يصبح ناقل الترشيح كالمرشح: كافر.

- إيه إيه. يخدم بلدو! إنت أظنك ماك نصيح. إنت مخلول ظنيتك؟

وطالما شخصت الأمر كله كمس من الجن عادت إليّ:

-أصلو عبد الله مجنون.

وبعد صمت تعيد هذه العبارة بصورة أخرى تبدو للسامع كتحصيل حاصل. ثم علمتني الدنيا لاحقاً أن العبارتين بليغتان كل على حدة :

-هو مجنون ما عرفناهو. والله ضاربو جن ما عرفناهو؟

ثم تهدأ. وتأتي إلى اللحظة العبثية التي تروي فيها طرفة في السياق "التراجيدي" هذا. والمفتاح لهذه العبثية هو تبسمها ثم ضحها على النادرة التي استرجعتها عن الرئاسة والسودان:

-والله أماني بطان المدرسة ما سوا لنميري مغصة. "توت توت نميري عتود، توت توت نميري عتود". والبطان قايلين يا محمد النبي. "توت توت نميري عتود". إتو والله حديث بطان المدرسة ما بجي فوق الخشم مرتين.

-والبشير ياحاجة؟

-بتاع أخوان المسلمين دا؟

-ياهو.

-ظلمنا

ثم تصمت صمتها الإستراتيجي الرهيب لتقول بحسرة كبيرة:

-لكين الما ظلمنا منو؟

أنا متأكد أنني متى فزت وظهرت على التلفزيون أتقبل تنازلات المنافسين ستراني وتقول:

-إيه إيه وا حلاتي دي مي عبدالله.

ودليلي على ذلك أنها مرت يوماً بمسجد نمر حلة كوكو. وسمعت الآذان فرفعت رأسها ورأت فوق المئذنة طارقاَ ابن بنتها قمر القسوم. وكان قلبه متعلقاً بالآذان وقتها. فضحكت وقالت:

-إيه إيه واحلاتي دا مي طارق!

الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 405c#31310

سأعود

…................
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أمّات هاشم القبيل

مشاركة بواسطة حسن موسى »


كتب هاشم محمد صالح في صفحته بفيس بوكو:


أُمّاتِي القِبيلْ

على سبيل الاحتفاء
بعلاقتي بي خالتي زينب


أُمّاتِي القِبيلْ
بي حِنّهنْ لجّـنّي
كَرفة وقَلدة
كيف شوق اللّبن رَجّني
رحلت خالتي زينب بِت وَد السيّد. (الحمد لله) كما تقول الحكمة الشعبية، فالموت - على غرابته- هو الوجه الآخر للحياة. يولد الناس ويموتون؛ ما في ذلك مِن غرابة إلى أن أن يكون الميت ممن تعرف.
هنا لا يُمكن أن (تعلّمن) الموت. لا يصبح الموت معقولاً، يُصبح مُحزِناً ويصبح لِزاماً عليك أن تتعارك مع معقوليتك حياله. فهو يلطمك فيها على حين غرة، ولا سبيل إلّا البكاء فتبكي .. وحين تبكي يبدو اللا معقول معقول نوعاً ما وَ ترتاح.
خالتي زينب أُمّي الثانية وصنو أُمِّي.
أذكرهما تتمدّدان على عنقريبين متجاورين تشكي كل منهما للأخرى أوجاعها. فتقول زينب خالتي:
( والله يا شامة اختي وكتين الشقيقة دي تجيني، بري بري بري .. بَحِس ليها مِن صفحتي دي لَي صفحتي دي).
فترد عليها شامة (أُمِّي) بتعاطفٍ جمّ: (عاد يا زينب أختي أنّا زي الطعنة دي بحس بيها مارقة مِن جوووة قلبي دا. ومرّات بغالبها وتمشي كِدا .. لكن مرّات كمان .. .. )
وأهو الموضوع ونسة وكِدا، ما أطوُّل عليكم (الحمد لله)؛ أحزانُ النساءِ كثيرةٌ (وَ أَقَلُها وجع الحياة ) ..
وأنا استعرض شريط الذكريات وعلاقتنا معاً، كما يحدث عادةً في مِثْل هَذِه الحالات، اكتشفت كم كنّا قريبين مِن بعضنا البعض، أعني خالتي زينب وأنا.
كانت المُناقرة بيننا قائمة على (قدمين وساقين)!
خالتي زينب مِن عينة الناس ال كاتلاهم الصراحةً، وإن حاولت تَدِس يخونها لسانها.
كُنتَ أزورهم بالحصاحيصا وأنا في كامل هيئة (جيل الرفض) مِن آفرو تحسدني عليه آنجلا ديفيز، وقميص مُشجّر محذّق والبنطال المُقشاشة ذاك. وكان الجميع يصمتون حيال هيئتي الفضائحية في ذاك الزمان، ربما يعلقون مِن وراء ظهري. لكنهم جميعهم حفظاً للأمن ولشعرة معاوية بيني وبينهم لا يبدون أيّة ملاحظة على هيئتي تلك في حضوري؛ كأنّ شيئاً لم يَكُن!
أمّا خالتي زينب فتعلن عن موقفها فور ملاقاتي لها، وهي تحتضني في سلام يختلط فيه الضحك بالسؤال عِن الحال والأحوال، لتختم بتعليقها الذي يشبه (كلمة التحرير) في الجريدة؛
(مخيَّر الله يا ولدي)!
وهي عبارة كانت تنزل علي برداً وسلاماً؛ فهي على ما فيها مِن نبرة استنكارية، فيها أيضاً، على نحو ما،إشارة بالقبول .. وهل كُنتَ أطلب أكثر ذلك!
وهكذا تمضي المُناقرة بينها وبيني. فهي لا تنسى في خِضم الترحيب بي أن تلغزني بقولها:
(أدوهو جلابية خلو يمرق مِن الهدوم الملصقة فيهو دي).
وأكون أوَّل الضاحكين. فالصراحة قاتلة!
كانت موجة مِن التديّن السلفي قد لحقت بالشاب أواخر السبعينات، ومِن بينهم شباب أهلي. وكانوا يتبادلون كاسيتات لخطب وأحاديث غاية في الضحالة والتهريج الفكري لبعض الشيوخ السلفيين الذين بدا نجمهم في السّطوع وقتها. وشرعت كلما جاءت سانحة في تبيان ضحالة حجج الشيوخ وهِزالهم الفكري. ومِن باب تعريض هؤلاء الشباب لنمط للتفكير مُختلِف كُنتَ أرمي هنا وهناك ببعض الهرطقة اللا إيمانية! وتصيح خالتي زينب التي عادة ما بتكون بتتصنّت لَي كلامي:
(يا ولد هوووي
عاد هو كلام شنو هو دا!
دا كلام سماعو ذاتو حرام!)
ويبدو وكأنّها قد وضعت كفّيها على أذنيها، ولكنّها تواصل التّصنّت إذ يأتي تعليقها سريعاً على ما كُنتَ أقوله:
(واللهي إنتا ربّنا دا بيسختك
عاد ياخواني شوفو جِنِس الكلام دا!)
كانت تعمل شربوت عيد الضحية، وتعطيني نصيبي الذي كُنتُ أدّخره ليومٍ أو ليومين لحاجة في نفس يعقوب. ذلك ..، إلى أنْ وشى بي واشٍ ، وقيل لها أنّي استبقي شربتوها حتى يصبح مداماً أعصي بِه الرحمن. فما أن قدِم العيد اللاحق وطالبت بحقّي في الشربوت حتى واجهتني:
(كان تشربو هِنا قِدّامي بدّيك ليهو؛ لكن تشيلوا تمشي .. لا! انا ربنا بيسألني!) ..
حين يسألك صاحب الساعة يا خالتي زينب سيجدقلباً عامراً بالمحبّة، ما أغلظ على أحد. وسيجدك في ما قُدِّر لك مِن دور، أمّاً أنجبت فربّت ذريّة صالحة، وانتفعت أنّا وغيري على هامش تلك الرباية.
خالتي زينب:
(مخيَّر الله)!
ارقدي في سلام ..
أضف رد جديد