معتصم أقرع

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الرماديون الذين تركوا البدوي وحيدا

معتصم أقرع




كان وزير المالية المغادر واضحًا دائمًا وكان لديه الشجاعة لتبني سياسات مثيرة للجدل وأحيانًا لا تحظى بشعبية والدعوة لها وتنفيذها. وهو الوزير الوحيد الذي كان لديه رؤية وبرنامج أتسما بالوضوح نشرهما مرارا وتكرارا قبل تعيينه. وقد كان دائمًا واضحًا في معتقداته بشأن إصلاح الاقتصاد قبل أن يصبح وزيراً وكان متسقًا ، ولم يمجمج أو يتظاهر بعكس ما اعتقد وانتوي. وكل هذا الوضوح والشفافية رصيد إيجابي للسيد الوزير. فقد ندر وجود وزيرا آخرا لديه رؤية أو برنامج صريح أو يمتلك الشجاعة لاتخاذ موقف سياساتي لا يحظى بشعبية.

كانت قحت تعرف تمامًا أفكار الدكتور البدوي قبل اختياره لأنه كتبها ونشرها كثيرا. ومع ذلك اختارته ووافق عليه السيد رئيس الوزراء لأنهم اعتقدوا أنه الرجل المناسب لتطبيع علاقات البلاد مع مراكز المال العالمية ، القضية التي لا تزال على رأس أولوياتهم.

ولعبت قحت وموزعي كراسيها لعبـة تفتقد المبدئية مع الدكتور فقد أرادوا ثمار التطبيع مع مراكز المال العالمي لكنهم لم يرغبوا في دفع الثمن السياسي الواجب خصما علي الإجماع الداخلي حولهم ، واختاروا ان يدفع الدكتور البدوي وحده الثمن . فمثلا رغم اتفاق حزب المؤتمر السوداني وحزب والأمة مع وصفة الدكتور البدوي إلا أن قادتهما نكصوا عن الدفاع عن الوزير المحاصر بالوضوح والحيوية اللازمة. ولعبت الحكومة وكبار قادتها في المجلسين نفس اللعبة. فقد أرادوا جميعًا أن يغوي الدكتور البدوي مجتمع المال العالمي نيابة عنهم وأن يدفع الثمن السياسي في الداخل وحده بما يتيح لهم المحافظة علي مظهر شعبوي خداع.

ووقع معظم المعلقين الذين عارضوا السياسات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة في نفس الفخ فلاموا دكتور البدوي عندما كان الموقف الصحيح هو إلقاء اللوم على كامل الحكومة وليس على فرد لا يرأسها. كانت اللجنة الاقتصادية لقحت على رأس هذا المضمار فقد أدانت السياسات الاقتصادية وكأنها ملكًا للدكتور وكأن الحكومة في أعلى مستوياتها لا علاقة لها بالأمر.وتعاملت اللجنة وكأنه لا وجود لنيوليبرالي في الحكومة أو في أحزاب قحت غير الدكتور الواضح.

الان رحيل الدكتور البدوي سيعرض قيادات الحكومة إلى العواصف التي تستحقها. لقد فقدوا الرجل الذي تحمل الرماح والملام نيابة عنهم ، الرجل الذي لم يهاب اتخاذ موقف واضح ومتسق بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معه . يمكننا أن نختلف مع رؤية الدكتور البدوي ، وقد فعلت ذلك حد السأم ، ولكن يجب الاعتراف بأنه , عكس معظم الوزراء, كان له رؤية عرضها بشفافية ودافع عنها بـشجاعة . بالنسبة لي ، هو يستحق من الاحترام اكثر من الرماديين الذين لا رؤية لهم ولا موقف ، ولا شجاعة ولا قدرة على المخاطرة بـاتخاذ مواقف واضحة تهدد شعبيتهم غير المستحقة. صاحب الموقف الواضح كالدكتور البدوي أكثر احتراما من أولئك الذين يختبئون ويحاولون دائمًا إرضاء جميع ألوان الطيف السياسي فأحباب الكل لا يحبون أحد غير ذواتهم.
.
الان يغادر الرجل الذي قام بالعمل الشاق الخطر وتحمل اللوم وحيدا . ستفتقده قيادات الحكومة وقحتها. الذين اختبأوا خلفه عليهم الآن مواجهة الموسيقى وتحمل الكلفة السياسية لخياراتهم لأنه يستحيل إرضاء الجميع في الداخل والخارج.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وزير/ة المالية المثالي

معتصم أقرع



وزير/ة المالية المثالي:
🎲 يجبب أن تكون/يكون مؤهل فنيا وأن يكون لديه فهم عميق للنظرية الاقتصادية. ولكن يجب عليه أن يفهم أن النظرية الاقتصادية لا تقدم إجابة واحدة واضحة لأي مشكل لأنها تعمل في فضاء عالي التجريد. النظرية الاقتصادية تختلف عن الطب والعلوم الطبيعية لأنها لا تقدم إجابة جاهزة نجلاء ولكنها فقط تزود صانع السياسات بـأدوات تحليل لواقع فريد ومعقد ، من أجل الوصول إلى إجابات وسياسات مناسبة غير موجودة في الكتب ولكن يتم الوصول اليها بتحليل الواقع بـأدوات الكتب الصحيحة. بالبلدي كدة النوع الحفيظ البيحفظ ويسمع داك ما بينفع .

🎲 يجب أن يتمتع/ تتمتع بذكاء سياسي حاد وتفهم ان المعالجات الاقتصادية التي لا تستند علي أرضية سياسية مناسبة قد تضر حتى لو كانت فنيا مفهومة . السياسة الجيدة يجب ان تتمتع بالسلامة الفنية وقابلية الاستدامة السياسية والاقتصادية.
يجب أن يكون لديه/ا فهم عميق للعلاقات الدولية وأن يعرف أن معظم ما يراه في وسائل الإعلام الرسمية ، والتقارير عبارة عن بروباغاندا لا ينبغي الخلط بينها وبين حقيقية التعامل الدولي وان تغيير التسميات بأبعاد المسميات المحرجة واستبدالها بـمفردات ناعمة لا يغير من طبيعة علاقات القوة الجيوبوليتيكية.

🎲 يجب أن تفهم/يفهم أن إدارة الاقتصاد يجب ان لا يكون هدفها رضاء الأجنبي أو المحلي النافذ أو الفرقعات الاعلامية فأولاً وقبل كل شيء يجب ان يكون الهدف هو تحسين الظروف المعيشية لبشر من لحم ودم ، ولا سيما أفقر الفئات وأكثرها تهميشًا.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ملاحظات حول التعديلات القانونية: قاري يا عبد الباري

معتصم أقرع




لقد استمتعت كثيرا بالاستماع إلى د. نصرالدين عبد الباري مع لقمان. يتضح ان دكتور عبدالباري مهني مؤهل بشكل واضح ويمتلك من الذكاء والتعليم والفهم للقضايا بما يؤهله للعمل كوزير للعدل. كما أنه يصرف اللغة بطلاقة ووضوح ، ويوصل رأيه بلغة واضحة تشير إلى وعيه بـما يتحدث عنه وأنه صادق وصريح ولا يخفي شيئا. الاستماع إلى دكتور عبد البري تغيير منعش يعوض عن الاستماع إلى ب الآخرين الذين لا يظهرون جودة مماثلة وبعضهم يختار الغموض والمراوغة والقفز من موقف لأخر كقطع الجلي .

قرار الدكتور عبدالباري بإلغاء جريمة الردة موقف تاريخي بكل المقاييس يؤهله لان يتذكره التاريخ باعتباره الرجل الذي الغي اجرام الدولة الأكثر غباء وبربرية وفظاعة. لهذا ترفع القبعات للدكتور باري.

ومع ذلك ، هناك نقاط ملتبسة في خطاب الدكتور باري ، لكنها لا تقدح فيه بأي حال من الأحوال بما إنها تحديات للحركة الديمقراطية السودانية بأكملها في سعيها من أجل مجتمع أفضل.

د. باري امتلك الشجاعة لإعطاء غير المسلمين حق صنع وشرب الكحول إذا رغبوا في ذلك. هذه خطوة كبيرة إلى الأمام نحو الديمقراطية والمساواة واحترام حقوق وثقافات السودانيين الذين أراد الله لهم ان يكونوا من غير المسلمين. مرة أخرى هذا قرار تاريخي ساهم ل فيه الدكتور باري مع اخرين .

ومع ذلك ، هناك أشكالات تتعلق بالمسلمين والكحول في خطاب عبد الباري الذي أكد ان تعاطي المسلم مع الكحول يظل جريمة يعاقب عليها القانون. والأسوأ من ذلك ، أن غير المسلم سوف يعتبر مجرما إذا قام ببيع أو تقديم الكحول لمسلم. هذا الموقف يثير العديد من القضايا الهامة.

أولاً ، هذه العقلية تدل علي ان الدولة لا تزال تدخلية تتحشر في تنظيم الحياة الشخصية للمواطنين وهذه سمة دول القرون الوسطى الاستبدادية. أضف إلى ذلك ان حظر أو تجريم الكحول عمليا لم ينجح أبدًا في أي مكان في العالم. من يرغبون في الشرب يشربون دائمًا والفرق الوحيد في المكان والكيف. طرد ثقافة وممارسة الكحول الِي تحت الأرض تجعلها أسوأ بكثير وغير صحية بغض النظر عن موقف الفرد الشخصي منها. في تبريره ، ذكر الدكتور باري قانون منع الكحول الذي تم تنفيذه في الولايات المتحدة من 1920 إلى 1933 واستشهد به في أنه يمكن حظر الكحول لعدة أسباب. لكن الدكتور لم يذكر الجانب الآخر من الجدل القائل بأن الكحول اليوم مشروعة في معظم الدول الإسلامية مثل الإمارات وماليزيا وتركيا والأردن والمغرب وفلسطين لديها مهرجان بيرة سنوي جميل. إن شرعية الكحول لم تجعل هذه البلدان أقل إسلامًا ولم يجعل الحظر السودانيين أبدًا أحسن اسلاما.

ثانيا , يذهل خطاب الدكتور باري عن تعقيدات وتداخلات الثقافة مع الدين . فمثلا بالنسبة لأنسان فورواري فان ثقافته وتقاليده تبيح الخمر وتحتفل بها رغم انه مسلم. فاذا شرب وليد دارفور هل سيعاقبه قانون الدكتور باري كمسلم ام يعفيه كمنتمي لثقافة اخري؟ وفي هذا الحال, اذا تم اعفاء وليد دافور بحجة انه ينتمي الِي ثقافة اخري فما هي الثقافة المرجعية وهل سيعطي ذلك ثقافة الوسط النيلي مركزية غير مستحقة يصنف القانون ما عداها كآخرين؟

ثالثا ، يقع الدكتور باري في تناقض. فهو في وقت مبكر من المقابلة ، يقول إن النظام القانوني الجيد لا يميز بين المواطنين ويعاملهم على قدم المساواة. لكن الطريقة التي يتعامل بها قانونه مع الكحول تمييزية بامتياز ، فهناك قانون للمسلمين وآخر لغير المسلمين وهذا يهزم تصريحه السابق.

علاوة على ذلك من يقرر إذا كان المرء مسلمًا أم لا؟ هل هو العرق؟ الاسم؟ صدفة الميلاد؟ هل يجوز للشخص أن يختار بنفسه ويخبر منفذ القانون بدينه ام انه من حق الشرطي والقاضي تقرير ان كان المتهم مسلماً أم لا؟ وماذا لو أراد المرء أن يكون مسلماً ولكنه اختار أن يؤسس مدرسة إسلامية جديدة أو ان ينتمي إلى مدرسة موجودة لا مشكلة فيها مع الكحول – هل يحق للدولة ان تختار للشخص دينه والمدرسة الفقهية التي ينتمي لها؟ هل لا يزال للدولة الحق في اختيار الدين لشخص واختيار مدرسة الفكر الإسلامي التي يجب أن يتبعها؟ هذا مظهر اخر من مظاهر دولة الاستبداد القرو-وسطية.

نقطة أخرى مثيرة للقلق هي أن الدكتور باري ذكر أنه سيكون جريمة إذا قام غير المسلم ببيع الكحول لمسلم. هذا لا ينتهك حق المسلم فحسب ، بل ينتهك حق غير المسلم. إذا لم يكن لغير المسلم في ثقافته أو دينه ما يمنعه من بيع الكحول لمعتنقي الديانات الاخري، فلماذا يعاقبه قانون بـاري ؟ لماذا يجبر القانون غير المسلم على التمييز ضد المسلمين في تجارة الكحول برفض البيع لهم؟

من ناحية اخري يجب ان نتذكر ان الدكتور باري كان واضحًا في القول بـأنه لا يملك سلطة مطلقة لتقنين ما يراه صحيحا وكما يحلو له ، بما أنه ملزم بالوثائق الدستورية. وهذه النقطة معقولة وإشكالية في نفس الوقت. فهو محق في الإشارة إلى أن بعض التحديات يجب معالجتها خارج وزارة العدل ، على مستوى العملية السياسية. هذا صحيح. ولكن كان يمكنه أن يشير إلى الرأي العام بأن القوانين التي يقترحها ، بناءً على تفسيره لقيود الوثيقة الدستورية بها سمات غير مرغوب فيها مثل تطفل الدولة على الحياة الشخصية للمسلمين ، وانتهاك مبدأ المساواة جميع المواطنين امام القانون وانتهاك حقوق غير المسلمين في التعامل بلا تمييز ضد المسلمين.

ومع ذلك هذا المقال يشيد بقرارات الدكتور باري التاريخية ولا يتزيد عليه ولكنه فقط يطرح هذه القضايا كإشكاليات تستحق المعالجة في جولات قادمة من قبل جميع أصحاب المصلحة في بناء دولة حديثة يسود فيها حكم القانون والحرية والمساواة.

في قضية خلافية اخري حاول الدكتور باري التعامل مع قضية الدعارة بتوفيقية ذكية. وبحسب ما قاله في المقابلة (وانا لم اري النص المكتوب) ، فإن جريمة الدعارة تثبت أذا حدثت في مكان (بيت؟) مخصص للدعارة. وهذا قد, مجرد قد, يعني أن القانون لن يمتد خارج بيوت الدعارة الرسمية. لو كان الامر كذلك فان هذه خطوة إلى الأمام حتى لو كانت لا تزال رمادية. فهي تعطي الأمل في أن تتوقف الشرطة عن ترويع الشباب والكبار- لأغراض سياسية و ابتزازية - حين يتصادف وجودهم في مكان خاص أو مكان لا تستسيغه الشرطة. لكن تظل المشكلة ان قانون باري , كما فهمت, لا يزال يعرّف الدعارة على نطاق واسع بأنها أي علاقة حميمة خارج الزواج ، ولا يقصر التعريف على بيع وشراء خدمات بدنية خاصة. هذا التعريف الفضفاض مؤسف لأنه لأ يأتي الا من دولة عبيطة متطفلة تدس أنفها في ملابس المواطنين وغرف نومهم.

من المؤكد ان هناك حجج معقولة - معترف بها جيدًا خارج الدوائر المحافظة - تدعو لتنظيم النشاط الايروسي بقيود ناعمة طوعية. تجادل سوزان سونتاغ ، على سبيل المثال بأن الجنسانية إحساس فوضوي بطبيعته ، وبالتالي يجب أن يكون مقيدًا بطريقة ما لخدمة أهداف أعلى مثل حماية الانسجام الاجتماعي والحياة الأسرية والصحة أو أيا كان. لكن النزعة الجنسية يجب أن تنظمها الثقافة ، والحس الأخلاقي الخاص والمجتمع ، والأسرة ، والمعتقدات الدينية الشخصية ، وليس الدولة لأن الدولة لا تملك من الأخلاق ما يؤهلها لتحديد ما هو أخلاقي وفرضه بأدوات قمعها الغليظة.

آخر ملاحظة لدي تتعلق بسفر النساء والأطفال. بالطبع يجب أن تتمتع النساء بالحق الكامل في السفر ، مثل الرجال تمامًا ، دون الحاجة لإذن من أي شخص أو حكومة. لكن الأمر يصبح معقدًا في وجود أطفال واشكالات حضانة. في حالة فسخ الزواج، يجب أن يقرر القانون الحضانة على أساس مصلحة الأطفال بشكل رئيسي وعلى أساسها يعطي أحد الوالدين الحضانة ، مع ضمان حصول الوالد الآخر على إمكانية التواصل مع الأطفال بانتظام وديمومة تتيح له حضور كامل في حياتهم. هذه ليست حقوق الوالدين فقط فاهم من ذلك ان الطفل أيضًا له الحق في الاستمتاع بحضور الوالدين في حياته. التواصل مع الأطفال يعني أن كلا الوالدين يجب أن يبقيا في مدينة الإقامة عند فسخ الزواج. إذا أراد الوالد الحاضن الانتقال بعيدًا ، الِي مدينة أو بلد مختلف ، فيجب أن يوافق الوالد الآخر وديًا إن أمكن. ولكن على سبيل المثال ، إذا كان الزوج لديه حضانة ، وقرر المغادرة إلى أستراليا ، فإن هذا سيحرم الأم من الوصول المنتظم للأطفال. والعكس صحيح. وهذا ينتهك حقوق كل من الطفل وألام أو الأب غير الحاضن. فعندما يكون هناك أطفال في الوسط ، يصبح الأمر أكثر تعقيدا من حق السفر لفرد . بمعنى اخر فان حق السفر للمرأة كفرد يختلف جوهريا عن حقها في تغيير مكان الإقامة مع الاطفال. فالاول قضية حقوق شخصية للمرأة والثاني سؤال يستدعي التوفيق بين حق المرأة وحق الطفل وحق الوالد الآخر.

كان ينبغي للدكتور باري أن يبت في قضية السفر مع الأطفال في سياق قانون متكامل للحضانة بما يضمن العدالة والمساواة لكلا الوالدين ويضمن أيضاً حق الطفل ومصلحته العليا بالتمتع بوجود والدين في حياته. بمعنى آخر ، كان ينبغي له أن يميز بين حق المرأة في السفر الحر كما تشاء كفرد وحقها عندما يتعلق الأمر بوجود أطفال قصر في المعادلة لأن ذلك يغير القضية الِي مدار اخر يشمل حق الطفل في التمتع بوجود ام واب في حياته ويشمل الحق الطبيعي للوالد غير الحاضن – سواء ان كان اب أو ام - في الوصول المنتظم للأطفال . كان من الممكن حاليا تحقيق المساواة بـحظر سفر الأطفال القصر مع الاب ، ما لم توافق الأم غير الحاضنة ، الِي ان يتم التعامل مع قضية السفر مع الأطفال بأكملها في سياق إحكام وتمتين القوانين المنظمة للحضانة بما يضمن حقوق الطفل ويوازن بين حقوق الأم والأب .

ختاما كما ذكرنا, بشكل عام ، الدكتور باري يدفع بعجلة العدالة السودانية إلى الأمام لذا فقد وجب الاحترام والثناء. ونؤكد أن الإشكاليات والتعقيدات أعلاه تحديات لمجمل الحركة الوطنية بما فيها وزارة العدل وخبراء القانون مثل الدكتور النابه نصر الدين عبد الباري.


***
ملحوظة: المقال مبني علي اللقاء التلفزيوني المذكور أعلاه وربما في نص القانون الجديد المكتوب ابعاد وشجون اخري.
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

سلام يا عادل ومثله لمعتصم الأقرع
شاهدت هذا الصباح لقاء الأستاذ لقمان أحمد مع وزير العدل نصر الدين عبد الباري وقد استغربت لهذه العبارة التي خرجت من الدكتور عبد الباري:
"الخطوة الثانية كانت هي أن نضع الرجال المناسبين في الأماكن المناسبة" (الدقيقة الخامسة في هذا الفيديو).



https://www.youtube.com/v/IM0buwn9RV4


نقلت هذا العبارة في فيسبوك وعلقتها عليها بأن "سكة النساء لا تزال طويلة". لكن يبدو أن عبارتي لم ترق للبعض في هذه اللحظات من الانتشاء بهذه القرارات، بين من رأت أن "وزارة العدل كلها كوزات لذلك لم يجد نساء مناسبات"، ومن يرى أن هذه "ربما كانت هفوة ولكن إدارته للملفات الهامة في المستوى وليت الكل يعكف مثله باجتهاد لاداء المهام الصعبة". مسكينات النساء، لحظة الصدام والبنبان والتعرض للضرب والاغتصاب والتضحية بالأبناء والبنات تكون المرأة كنداكة، ولحظة المغنم تعود حرمة.
لا خلاف في موضوع اجتهاده في أداء مهامه. لكن لازال عليه واجب مراجعة نفسه وتدريبها من هذه الناحية. الكلمات تفلت وتكشف الذهنية الذكورية المهيمنة في أجهزة الدولة على أعلى المستويات. لو حاولنا إيجاد الأعذار في موضوع إقصاء النساء عن مواقع اتخاذ القرار، سيبقى ميزان العدالة مائلاً ولن تتحقق الندية ولا المساواة في الحقوق. هذه ممارسات محفورة في اللاوعي ولا سبيل سوى خلخلتها بصورة واضحة ومعلنة.
وفيما يتعلق بالقانون الجديد الذي يسمح للنساء باصطحاب أطفالهن في السفر دون إلزام بموافقة الأب، أرى أن هذا القانون يواجه عراقيل قد تجعل منه مجرد حبر على ورق. فقد ذكر الوزير في هذا اللقاء أن هذه التعديلات لم تمس القوانين المعمول بها في وزارة الداخلية والتي لا تسمح للأم بإصدار جواز سفر لأطفالها دون موافقة الأب وأنه لا بد من تعديل قانون الجوازات لمعالجة هذا التناقض. لكن ماذا سيحدث لو أن وزارة الداخلية لم تقبل بتغيير قوانين الجوازات والهجرة؟ ولماذا لم يلجأ وزير العدل لتعديل هذه القوانين ما دام بإمكانه إصدار قوانين جديدة وتعديل قوانين سابقة؟

صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

فعلا، وللأسف، يا نجاة، الذهنية الذكورية مهيمنة في المجمتع، في الوعي واللاوعي، ومن هنا جاءت وتجيء مثل هذه "السقطات". والعراقيل التي تبطئ من مسيرة التغيير جمة وشائكة، لعل أبرزها أن بنية اللغة (العربية السائدة ومتوارثة) ضاربة في الاستبداد والهيمنة الذكورية. ومن المؤسف أن لدينا كثير من النساء، من غير المنتميات للمفاهيم الرجعية، ممن يساهمن - في اللاوعي - في تعضيد آيديولوجيا الاستبداد الذكوري.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

يحفرون جب النمل باسم الواقعية

معتصم أقرع



في سبعينات القرن الماضي ، بدأ اعتماد حكومة نميري على التمويل الخارجي في التزايد. جادل العديد من أهل الرأي في السودان ضد الاعتماد على التمويل الأجنبي ووصفوه بأنه خطر على سيادة البلاد وعافيتها. ولكن وُصِف هؤلاء المجادلون بأنهم حالمون وإيديولوجيون يفتقدون الواقعية: كيف يمكن لأي شخص أن يرفض ملح في شكل منحة أو قرض ميسر؟ وحاجج محبي الخارج الأكثر خبثا بان القروض الأجنبية يمكن استثمارها ورد الديون من أرباح الاستثمار واحقاق التنمية هكذا. وهكذا تزايد الاعتماد علي الخارج.
الآن صدر الحكم بعد نصف قرن من الزمان وقال التاريخ كلمته في الفصل بين المعسكرين: السودان مثقل بدين أجنبي قدره 60 مليار دولار يمنعه التنفس. لكن انتظر ، لا تزال القصة أسوأ. حصل السودان على ما بين 16 و 20 مليار دولار فقط من مجمل القروض الخارجية ، والباقي ، أي أكثر من ثلثيها ، أو اكثر من 40 مليار دولار, عبارة أسعار فائدة ورسوم وجزاءات على التأخر في السداد.
ولن نتوسع في هذا البوست في القول بان الشعب لم يستفد من هذه القروض التي أتت من المانحين لتمويل الطبقات المحلية المتحالفة معهم ضد مصالح الشعب الحقيقية وان الشعب الآن مطالب بتسديد الديون التي استعملتها دكتاتوريات تابعة لقمعه في تحالف مع خارج مانح.
بالإضافة إلى عبء الديون ، بكامل تعاون مجموعات القيادة الوطنية, أصبح السودان مستعمرة للدول المجهرية التي لا تري بالعين المجردة , تلك الدول التي قال عنها احمد مطر: دولة ليست سوى بئر و نخلة. دولة أصغر من عورة نملة. دولة تسقط في البحر إذا ما حرك الحاكم رجله.
وها هو التاريخ قد كرر نفسه. عندما تولت الحكومة الانتقالية زمام الأمور ، جادل الكثير منا بأن أفضل مسار هو الاعتماد على الذات وجعل التمويل الأجنبي ثانويًا أو عاملا تكميليا على الأكثر. لكن الحكومة اختارت أن تفعل العكس، مفضلة ملاحقة التمويل الأجنبي كأولوية قصوى من اجلها اهملت تطوير الاقتصاد الوطني وتعظيم الموارد الداخلية . وقد تجلت اليوم نتائج رهان الحكومة على الخارج. فقد فشلت في الحصول علي تمويل أجنبي مشروط حتى بـاجحف الأغلال السياسية والاقتصادية ليضيع عاما كاملا تراكمت فيه المعاناة وتحرك فيه الاقتصاد الوطني المهمل من سيئ إلى أسوأ .
لهذا السبب فإن معرفة التاريخ أمر مهم ، وقيل ان الذين لا يفهمون التاريخ محكوم عليهم بتكراره.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

واجب الحكومة المنزلي قبل مد الجذور الِي الخارج مرة أخرى

معتصم أقرع



قبل التوجه إلى العالم الخارجي طلبا للإنقاذ الاقتصادي في نسخة اخري من مؤتمرات أصدقاء السودان أو غيره ، يتعين على حكومتنا أن تؤدي واجبها المنزلي . نقطة البداية الجيدة هي احترام القانون الأول لما يجب فعله عندما تجد نفسك حفرة: توقف عن الحفر فورا.
يمكن القيام بذلك عن طريق:
+ التوقف الفوري عن الطباعة المفرطة للنقود ،
+ الالتزام بعدم زيادة الإنفاق العام بقرش واحد مهما كان السبب ،
+ الالغاء الفوري لفكرة الدخل/الدجل الأساسي شبه الشامل التي اتي بها الحالمون عن حق وحقيقة. ذلك التوجه الحالم الهادف الِي صرف 500 جنيه شهريا الِي 80% من الشعب بلا موارد تمويل معروفة يضيف ألي عجز حكومة افلس من فار المسيد 210 مليار جنيه في السنة لا تملك أي طريقة لتمويله غير رب رب ،
+ ضمان أن البرلمان غير المنتخب المقبل محدود الحجم والامتيازات المالية ،
+ عدم زيادة عدد الوزارات الفيدرالية لإرضاء أي جهة,
+ خفض الإنفاق العام حيثما أمكن ، على سبيل المثال ، من خلال الحد من الإنفاق البيروقراطي غير المنتج ، وخفض عدد الوزارات الإقليمية ، وخفض حجم البعثات الدبلوماسية, بالذات في البلدان التي ليس لنا فيها مصالح تذكر،
+ تكوين فريق عمل من خبراء لدراسة مفصلة وعميقة لكل مستويات الصرف الحكومي الفيدرالي والولائي لتحديد البنود التي بها هدر أو تدني مردود ويمكن خفضها بدون اضرار جسيمة ،
+ تكوين فريق عمل من خبراء مالية عامة لدراسة كل مصادر الإيرادات الحكومية وتقديم توصيات عملية قابلة للتنفيذ هدفها زيادة الإيرادات ورفع فعالية وكفاءة وقاعدة النظام الضريبي ،
+ السعي الجاد لتفعيل ولاية وزارة المالية علي المال العام باسترداد الشركات من الأجهزة الأمنية والعسكرية. ويمكن التدرج في الامر بان تظل إدارة هذه الشركات كما هي مع اخضاعها للأشراف المحاسبي لوزارة المالية وتحويل كل أرباحها لدعم الموازنة .
هذه المقترحات لا هي حالمة ولا هي مسيسة بـل تأتي من واقعية ريال بوليتك صميمة وتفكير عملي . فلا أحد سوف يساعد حكومة بصورة كافية ما لم يحترم ذكائها وجديتها والعالم الخارجي لن يمد يد العون اذا ظن ان الحكومة عاجزة عن فعل ما هو صحيح وإثبات فهمها لطبيعة المشكلة وبيان توفر النية والعزم السياسي علي إنجاز الحلول الصعبة بدلا عن استسهال المخارج الهروبية التي لا تضيف سوي تأجيل الازمة لأسابيع كافية لمفاقمتها.
سبق ان وصفنا هذه الحكومة بأنها كنبات القرع لا تمد جذورها الا الخارج , ولكن الطامة في انها لا تدري كيف تمد جذورها بالطريقة الصحيحة التي تعظم المنفعة فهي تمدها بطريقة تعرض الجذور الِي سخونة الخارج لا لضوئه.
وقد كان ذلك الأمريكي محقا حين نصح الحكومة بان تعالج الثقوب المتعددة في برميلها قبل ان تطلب مساعدات الأجنبي لإعادة ملئه. اضف الِي ذلك ان إبراز الحكومة جديتها وتصميمها علي مقاربة الحلول الصعبة يرسل رسالة واضحة لأهل المال الخارجي: نرحب بمساعدتكم ولكن لو احجمتم وتفرعنتم, اذهبوا الِي الجحيم, لدينا خيارات , أولها الاعتماد علي الذات والانفكاك من تبعيتنا المجانية لكم.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الوزارة والعلاقة والجندر

معتصم أقرع



حد أكثر المبررات بؤساً لتعيين وزير التعلل بأن له علاقات خارج البلاد مع أشخاص وجهات مهمة. هذه مجرد حجة مثيرة للشفقة لأن العلاقات الدولية بين البلدان لا تدار وفقًا لفقه المعارف والصداقات الشخصية كما يحدث في سوح الخرطوم ومزارعها.
تدار العلاقات الدولية وفق منطق القوة والمصالح وحسابات الجيوبوليتك. يجب أن نتعلم شيئاً من تجربة وزير المالية السابق الذي رحل خالي الوفاض تقريباً رغم علاقاته ومعرفته الحميمة بدهاليز المال المعولم.
لذلك ، لا يجوز استخدام حجة ان هذا الشخص يتمتع بـعلاقات مع جهات برانية لتزكيته لتولي وزارة الشؤون الخارجية لان هذه العلاقات قد تفيده في الترقي المهني ولكنها لا تأثير لها علي موقف القوي الدولية من السودان. سواء ان كانت هذه العلاقات غامضة أو مشبوهة أو مشروعة, فالنتيجة واحدة في كل الحالات . وزير الخارجية يجب ان يتمتع بفهم عميق لطبيعة العلاقات الدولية كما يجب ان يكون نشيطا, مبادرا, دينامكيا, قادرا علي التموقع الاستراتيجي المحسوب.
فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي ، عندما تم تعيين وزيرة الخارجية السابقة ، ألقى بعض الناس بتصريحات سالبة تستدعي جندر الوزيرة و تسيء للنساء . كان هذا الخطاب التمييزي خطأ واضحًا يستحق الرفض بأقوى لغة ، فلا ينبغي تقييم أي شخص سلبًا بناءً على جنسه . إذا كنت ترغب في استدعاء النوع كمؤشر للأداء في المنصب العام ، فعليك ان تتذكر أولاً أن هذه البلد المنكوبة قد دمرها الرجال والرجال وحدهم وحين شاركت
بعض النساء ، كانت مساهمتهن ميكروسكوبية عموما فقد كن كومبارس في انتاج الخراب في الغالب الأعم. في الوقت نفسه ، عليك ان تتذكر ان هذا البلد, رغم كل المصائب الرجالية, قد استمر وصمد ونجا بسبب ثقافته وعلاقاته الاجتماعية التي تعيد انتاجها النساء بصورة يومية.
ولكن من الصحيح أيضًا أن العديد من المعلقين اعترضوا على تعيين السيدة الوزيرة وجادلوا بأنها ليست مناسبة لأسباب لا علاقة لها بالنوع. لسوء الحظ العديد من الناشطات بكامل النوايا الحسنة انبرين للدفاع عن الوزيرة وجادل بعضهن كما أن جميع الاعتراضات تأتي من موقف مسبق معادي للمرأة. رغم ان هذا لم يكن صحيحاالا ان الدفوعات التي تخطت حد المعقولية منحت السيدة الوزيرة حصانة لأن الكثير من المعترضين فضلوا الصمت حتى لا يحسبوا في عداد الخنازير الذكوريين. ونتج عن ذلك ان حكومة الثورة ظلت بلا وزير خارجية لعام كامل وهذا من اكبر اخفاقاتها التي دلت على انخفاض فكرها السياسي وانيمية وعيها بقضية المرأة في حد ذاتها. يجب علينا جميعاً أن نرفض النقد النابع من تحيز نوعي ضد المرأة ، لكن في نفس الوقت لا يجوز منح أي شخصية عامة أو وزيرة حصانة ضد النقد بسبب نوعها.
لماذا هذا القول؟ أقول هذا لأنه لدينا الآن وزيرة للمالية مكلفة حظوظها عالية في الاحتفاظ بالمنصب لفترة ما. المالية بطبيعتها وزارة حساسة ومهمة ومثيرة للجدل الذي لا مفر منه. مؤكد انه لا ينبغي لأحد أن يهاجم السيدة الوزيرة بالركون إلى التصاوير النمطية للجندر ، لكن سياسات السيدة الوزيرة لا تتمتع بحصانة أو قداسة لان القائمة عليها سيدة. يجب ان يتمتع كل معلق ومعلقة بـالحق في الاتفاق أو الاختلاف مع سياسات السيدة الوزيرة دون ان يتعرض لاتهام صريح أو مبطن بالتحيز النوعي ضد النساء عموما ما لم يكن هناك دليل واضح على ان نقده ينبع من عقلية تنمر ذكوري. التحصين الغير مبرر لنساء العمل العام في حد ذاته نوع من أنواع التمييز السلبي ضد النساء يدخل في بند تخفيض سقف التوقعات منهن (بظروفن) ويتيح لنساء بمقدرات متواضعة ان يكونوا الوجه السياسي والمهني للمرأة السودانية لا لشيء غير مقدرتهن الخاصة علي تسويق الذات واجادة شروط اللعبة ويأتي هذا بثمن تهميش نساء اكثر قدرة ومبدئية علي خدمة قضية النوع وقضايا النهضة بصورة عامة.
بالتأكيد ان وضع امرأة في منصب رفيع خطوة إلى الأمام نحو تحقيق العدالة الاجتماعية واجبة التشجيع والترحيب رغم ان ترفيع فرد أو بضعة أفراد بامتيازات طبقية أو اجتماعية لا يعني أن وضع المرأة في المجتمع سيتحسن تلقائيًا. يحتاج التقدم الحقيقي إلى تنفيذ سياسات عامة جادة ومتكاملة لتعزيز وضع المرأة بما يفيد قطاعات عريضة من النساء إضافة الِي مشاركة المرأة في أعلى مناصب الدولة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

تعديلات الموازنة: نفس الملامح والشبه – كويس معاك؟

معتصم أقرع



دمت السيدة وزيرة المالية د. هبة مقترح بتعديل لموازنة 2020 بررته بضرورة الاستجابة لآثار الكورونا الاقتصادية التي أدت الِي انخفاض الإيرادات العامة بنسبة 40% . تتلخص هذه التغييرات في "التعديل التدريجي لأسعار الصرف والدولار الجمركي علي مدى عامين للوصول للسعر الحقيقي". وأيضا تشمل التعديلات "ترشيد سعر الوقود عن طريق السماح للقطاع الخاص باستيراد كميات غير محدودة من البنزين والجازولين للتحكم في الندرة".
يمكن تفسير هذه التعديلات وتحليلها في نقاط.
- تعديل الدولار الجمركي يعني زيادة معدل الضريبة علي الواردات , لا اكثر ولا اقل. لا يوجد دولار جمركي علي أرض الواقع فهو مجرد خيال محاسبي يستخدم في تحديد نسبة الضرائب علي السلع المستوردة. الدولار الجمركي، هو سعر الصرف الذي يتم تحديده بصورة دورية من قبل وزارة المالية لتحديد الرسوم التي يتم تحصيلها علي الواردات في معزل عن تقلبات سعر الصرف الرسمي أو في الأسود.
- فمثلا لو كان سعر الدولار الجمركي 10 جنيه للدولار لو قام شخص باستيراد موبايل سعره في الخارج مئة دولار, فإنه يتم معاملته جمركيا وضريبيا بالعملة المحلية على سعر 1000 ألف جنيه تحسب منها نسبة الجمارك والضرائب الأخرى مثل القيمة المضافة وضريبة المشتريات وغيره. وفي حال تغيير سعر الدولار الجمركي من 10 جنيهات الِي 20 , يدفع المستورد جمارك وضرائب تطبق علي قيمة قدرها الفين جنيه بدلا عن ألف وهذا يعني مضاعفة قيمة الضريبة. لذلك فان تعديل سعر الدولار الجمركي يعني زيادة معدل الضريبة علي الواردات, لا اكثر ولا اقل وهذا يعني بالطبع ارتفاع كل أسعار السلع المستوردة والمنتجة محليا أيضا لان أسعار كل السلع ترتبط ببـعضها البعض بحميمية معروفة.
- وذكرت السيدة الوزيرة بان تعديلاتها من "شأنها تخفيف التأثير السلبي لجائحة كورونا على الوضع الاقتصادي" وهذا تعبير غير دقيق. الادق ان التعديلات ستصب المزيد من الزيت علي موجات الغلاء وتعمق الفقر والمعاناة الاقتصادية. صحيح ان تعديل سعر الصرف الجمركي سيرفع الإيرادات الحكومية ولكن التوسع في الصرف في مناحي اخري مثل الدعم المباشر وتوسيع قاعدة الحكومة لخدمة محاصصات السلام سيترك عجز الموازنة , بيت الداء , في حفرته القديمة وربما أسوأ. وهذا يعني ان زعم الوزيرة بان التعديل يساهم في السيطرة علي التضخم لا مكان له من الإعراب.
- لا شك ان زيادة الإيرادات امرا مرغوبا فيه وهام ولكن يجب ان يأتي بصورة مدروسة تقلل من وقع العبء الضريبي على الإنتاج والطبقات الدنيا من المجتمع وان يكون ضمن حزمة تهدف الي خفض عجز الموازنة بمهاجمته أيضا من ناحية السيطرة علي الصرف الحكومي وعدم التوسع فيه . ولكن رفع سعر الصرف الجمركي المقترح فيأتي في إطار عكسي تتجه فيه الحكومة الِي إضافة 210 مليار جنيه للعجز من خلال برنامج الدعم النقدي المباشر بعد ان اضافت اليه 250 مليار سنويا برفع المرتبات بلا موارد حقيقة تسنده.
- أيضا تقترح السيدة الوزيرة "التعديل التدريجي لاسعار الصرف علي مدى عامين للوصول للسعر الحقيقي". وهذا يعني تخفيض سعر الصرف من مستواه الحالي (55 جنيه) حتى يصل الِي "السعر الحقيقي" أي مستوي سعر السوق الأسود (145 جنيه) وهذا يعني تخفيض لسعر الصرف بنسبة تفوق 163% ستنعكس علي أسعار كل السلع المستوردة والمنتجة محليا.
- سبق ان ذكرنا ان الفجوة بين سعري الصرف الرسمي والأسود مشكلة حقيقية وتقليص هذه الفجوة الِي أن تختفي يجب ان يكون من أهداف أي سياسة اقتصادية رشيدة. ولكن يستحيل ردم هذه الفجوة في ظل عجز موازنة مهول يمول بطبع النقود ويؤجج نيران التضخم. لذلك فان التعاقبية الصحيحة يجب ان تبدأ بإنهاء العجز و لجم التضخم في ظل توجه سياسي وسياساتي يتسم بالمصداقية والانضباط المالي ثم يتم بعد ذلك تحريك محسوب لسعر الصرف الرسمي في اتجاه سعر السوق الأسود الِي ان تختفي الفجوة.
- ولكن مقترح السيدة الوزيرة هو نفس مقترح وزير المالية السابق الذي وضع العربة أمام الحصان وأراد ان يبدأ بتحرير سعر الصرف قبل ان يقضي علي عجز الموازنة وهذا توجه نحو كارثة لأنه في ظل أوضاع تضخم جامح كل ما خفضت الحكومة سعر الصرف الرسمي ارتفع سعر السوق الأسود بصورة تلقائية بسبب تحريك السعر الرسمي, إضافة للأسباب الأخرى, ليظل السباق بين السعرين مفتوحا في فضاءات لا نهاية لها ينتج عنها , بدلا عن توحيد السعرين , سباق مفتوح بينهما يقود الِي المزيد من الغلاء والفقر وانهيار البنية الانتاجية.
- من المؤسف ان صانع السياسات السوداني في كل نسخه الأخيرة اما انه لا يستوعب الأهمية الحاسمة لترتيب وتعاقبية خطوات الاصلاح الاقتصادي أو انه يتخذ قرارات اقتصادية بناء علي ترقيعات سياسية قصيرة النظر وليحدس ما يحدس وليدفع الشعب الثمن الباهظ فسوف نتهمه بالكسل والميل الاستهلاكي والجهل.
- تثبت فرضية وضع العربة امام الحصان بملاحظة ان تخفيض أسعار الصرف تأتي في سياق مواصلة الحكومة في التوسع في الصرف كما ذكرنا أعلاه عن طريق برنامج الدعم النقدي المباشر ورفع المرتبات بلا موارد إضافة الِي تكاليف البرلمان القادم وتوسيع قاعدة الحكومة لخلق كراسي عليا لرجال الحركات المسلحة في دهاليز الحكم المدني وإدماج بعض جنرالاتهم في الطبقات العليا من المؤسسة العسكرية.
- تشمل التعديلات علي الموازنة أيضا " ترشيد سعر الوقود عن طريق السماح للقطاع الخاص باستيراد كميات غير محدودة من البنزين والجازولين للتحكم في الندرة.” وهذا يعني التوجه نحو اكمال رفع الدعم من البنزين والجازولين الذي يترتب عليه ارتفاع كل أسعار السلع بصورة متواصلة لان أسعار البنزين والجازولين سترتفع بصورة شبه يومية مع ارتفاع سعر الدولار الناتج عن التضخم والتخفيض المتواصل لسعر الصرف وسعر الدولار الجمركي .أما زعم الوزيرة بـإن السماح للقطاع الخاص باستيراد كميات غير محدودة من البنزين سيقود الِي ”ترشيد“ سعره فهو كلام والسلام الا أذا كانت تعني بترشيد السعر ارتفاع أسعاره بلا هوادة.
- يتضح من كل ما ورد أعلاه ان ذهاب الدكتور البدوي لا يعني ذهاب رؤيته. يبدو أن الخلاف داخل المنظومة الحاكمة لم يتعلق بطبيعة ومحتوي رؤية الدكتور البدوي بـل كان يتعلق فقط بتكتيكات المدي الزمني للتنفيذ وتدريج الجرعات. فالدكتور البدوي كان يفضل تحرير سعر الصرف بصدمة واحدة بينما يفضل المعسكر الاخر التدرج. وفي أدبيات الصندوق فان لكل نهج ما له وما عليه.
- فالتحرير في دفعة واحدة صادمة يرسل إشارة قوية الِي المؤسسات المانحة وراس المال الأجنبي بشدة التزام الحكومة بالإصلاح كما انه يحد من فرص استجماع القوي المعارضة طاقاتها والحشد لإيقاف التحرير ان اتي متدرجا علي دفعات. ولكن في الطرف الاخر من المعادلة فان التحرير بضربة واحدة, سواء ان تعلق بـسعر الصرف ام بأسعار المحروقات, تأثيره الاولي عالي على أسعار كل السلع التي يحتاجها المواطن الشيء الذي يهدد التماسك الاجتماعي وقد ينتج عنه انفجارات سياسية شديدة العواقب .
- أما التحرير المتدرج , أو سلق الضفدع علي ماء فاتر, فتأثيره الأولى على الأسعار اقل ، وهو أقل احتمالا في التسبب في اضطرابات سياسية كما انه يوفر للحكومة المزيد من الوقت لنشر تدابير عملية أو دعائية تخفف من آلام التكيف وتقلل من حدة الاحتقان السياسي. ولكن في الجانب الآخر فإن التدرج أقل مصداقية في نظر الخارج عن الصدمة نسبة لمخاطر الجرجرة والتأخير بسبب المقاومة الشعبية المتوقعة. كما ان استمرار سعر الصرف غير التوازني يؤخر من تحسين القدرة التنافسية للإنتاج المحلي ومكاسب الإيرادات المالية.
- من الملاحظ انه بعد استقالة الوزراء الأخيرة تم تكليف وكلاء الوزارات بالقيام مقام الوزير. وكانت وزارة المالية الاستثناء الوحيد , فقد تم تكليف الدكتورة هبة, مديرة الاستثمار. وكان لهذا الاستثناء مغزاه كإشارة من الحكومة لطمأنة صندوق النقد والمانحين بان ذهاب الدكتور البدوي لا يعني ذهاب الرؤية البدوية. الدكتورة هبة أتت من نفس خلفيته المهنية ومدرسته الفكرية وكانت اقرب معاونيه اليه وهي من المؤمنين بأجماع واشنطن وحمولته النيوليبرالية. ثم أتت الدفعة الثانية من التطمينات في تعديلات الموازنة الأخيرة الهادفة الِي تحرير أسعار الصرف والتوغل في تحرير أسعار البنزين والجازولين ورفع الدعم عنهما كليا.
- أما إشارة السيدة الوزيرة بإيجابيات التعديلات – بأنها سوف تساعد علي نمو اقتصادي متدرج خلال ثلاث سنوات بثماني نقاط مئوية ويساعد علي التحكم في التضخم - فهو حكي ساي هدفه تسويق الدواء المر الذي لا يعالج. قبل الكورونا كان من المتوقع ان ينكمش الاقتصاد السوداني في 2020 بنسبة 1 الِي 2 % ولكن الجائحة رفعت معدل الانكماش المتوقع الِي 8%. وهذا يعني أنه بعد انقشاع الجائحة سوف يتحسن النمو تلقائيا بنحو ستة نقاط مئوية بعد ان تعود الأمور الِي طبيعتها. لا يصح لوم الحكومة على الانكماش الناتج عن الكورونا ولكن أيضا لا يجوز للحكومة أن تهنيء نفسها علي تحسن تلقائي سوف ينتج عن انقشاع الجائحة لا عن صواب سياساتها.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

انتقام بدوي

معتصم أقرع



لعبت قحت لعبة وصولية مع الدكتور البدوي. فأهلها كانوا على علم أنه يأتي من البنك الدولي ويعرفون نوع السياسات الاقتصادية التي ينوي تطبيقها لأنه نشر رؤيته عدة مرات. وكانوا يعلمون ان الرؤية البدوية تتعارض تمامًا مع البرنامج الاقتصادي لقحت وقوى الثورة. ومع ذلك عينوه على أي حال بـحساب أنهم سيرتعون في التمويل الأجنبي الذي سيجلبه، لكنهم سيتركونه وحيدا في مواجهة رد الفعل الشعبي ضد وصفة صندوق النقد الدولي القاسية التي لن يأتي تمويل بدونها في ظنهم.
ثم بدأ الدكتور في تطبيق وصفة صندوق النقد مقدمًا لإغوائه واغواء مراكز المال الأجنبي. ولكن لم يأت أي مال. وكانت ردة فعل الشارع والرأي العام قوية ضد الوصفة إياها مما حدا بالدكتور الِى شراء القبول والمحبة برفع رواتب موظفي الحكومة خمسة أضعاف ونصف بدون موارد حقيقية.
فااست فورورد. الآن غادر الدكتور ليجد من عيّنوه (قحت ومجلسي الوزراء والسيادة) أنفسهم في حفرة بعمق 250 مليار جنيه حفرها لهم يتعقد الخروج منها لانه من الصعب إلغاء الزيادات لأن ذلك سوف يؤلب عليهم أهل الخدمة المدنية ولكن استمرار الزيادات يعني مواصلة طبع النقد لتمويله وتفاقم التضخم الذي سوف يقود الِى انهيار الحكومة والاقتصاد معا. الخروج من الحفرة ليس بسهولة الدخول فيها. وقبل لوم الدكتور البدوي على مجلسي السيادة والوزراء محاسبة انفسهم لانهم سمحوا بالزيادة المجنونة. وايضا يجب على قحت ولجنتها الاقتصادية محاسبة أنفسهم على السكوت الداوي على اكثر القرارات تهورا في تاريخ ادارة الاقتصاد السوداني.
هكذا عادت انتهازية صانعي الوزراء إلى عضهم في سنكيتهم. كان من الممكن ان يكون انتقام البدوي به شيء من العدالة ضد من قرر استخدامه نفعيا لولا أن الشعب هو الضحية للانتهازية والانتقام المضاد.
وقد كان البدوي وزيرا تراجيديا بكل مقاييس أثينا القديمة. ولكن بما ان التراجيديا والكوميديا متباريات فان خلفه على كرسي الوزارة شخصية كوميدية بدرجة قف.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الثمن السياسي الفادح لدغمسات الملف الاقتصادي

معتصم أقرع



عندما باشرت هذه الحكومة عهدها وأعلنت توجهها الاقتصادي وصفنا حزمة السياسات التي انتوت تنفيذها بأنها خطرة على البلاد وعلي الثورة على كل الأصعدة. نبهنا الِي وجود محورين رئيسيين خلف هذا الادعاء الشديد الذي دفعنا به.
المحور الأول يستند علي أنه من وجهة نظر فنية وتحليلية ، فإن حزمة السياسات التي تبنتها الحكومة محكوم عليها بالفشل ، ولن تنجح في إنعاش الاقتصاد السوداني ، بـل بالتأكيد ستفاقم المعاناة وستجعل الأمور أسوأ مما كانت عليه عشية سقوط البشير. كما حذرنا في المبادلات الخاصة وغير الخاصة من أن السياسة الاقتصادية المختارة ستحفر قبر هذه الثورة .
كان المحور الثاني للاعتراض سياسيا. جادلنا في أنه حتى إذا كنت لا توافق على التحليل الفني الذي حذر من توجهات الحكومة ، عليك أن تدرك أن تنفيذ حزمة السياسات المختارة أمر يستحيل سياسيًا لان توازن المجتمع السياسي لا يسمح بذلك وقلنا انه من المؤكد أن المقاومة السياسية ستقتل حزمة السياسات بغض النظر عن مزاياها التقنية (التي لا توجد في رأينا). وكل ما هو غير قابل للتنفيذ لا يحسب ضمن الخيارات المتاحة.
لقد أثبتت تطور الأحداث ما ذهبنا اليه فقد واجهت حزمة سياسات الحكومة اعتراضًا قويًا من اللجنة الاقتصادية لقحت ومن المعلقين الذين يتمتعون بـفهم معقول لتعقيدات الاقتصاد في مستواه العلمي – وليس علي مستواه كدعاية وتعتيم مسيس وسلاح في حرب الطبقات, وهو المستوي الذي يسبح فيه معظم لاقتصاديين الرسميين. ومع ذلك ، تجاهلت الحكومة اعتراضات اللجنة الاقتصادية لقحت وتجاهلت المعلقين الذين عبروا عن وجهة نظر مختلفة ومضت في خططها بغرور مذهل وقصور نظر عصي علي النسيان.
ولكن أثبتت مسيرات 30 يونيو أهميتها الحاسمة. وقبلها بأسبوع عقدت الحكومة مؤتمر برلين للمانحين وباعته على أنه نجاح حاسم. ادركت الحكومة أن النتائج المالية للمؤتمر كانت مخيبة للآمال ، لكنها مع ذلك قررت بيع النتيجة على أنها إنجاز اقتصادي ودبلوماسي عارم وغير مسبوق نجح في إعادة دمج السودان في المجتمع الدولي وتم بيع حتى تغيير اسم المؤتمر الِي مؤتمر شراكة بدلا عن مؤتمر مانحين كإنجاز تاريخي وكأن تغيير الاسم يغير الجوهر بما يذكر بانجازات الإنقاذ التي سمت المجاعة فجوة غذائية.
ومع ذلك ، في 30 يونيو اجتاحت الخرطوم المسيرات الضخمة التي نظمتها لجان المقاومة . وعلى الرغم من أن المسيرات لم تحدد مطالب اقتصادية واضحة تتعلق بالسياسات المختارة، إلا أنها أقنعت الحكومة بأن الشارع لا يزال على قيد الحياة وسوف ينفجر بالتأكيد إذا مضت قدمًا في خططها الاقتصادية عالية الكلفة الاجتماعية. الحضور القوي للشارع بقيادة لجان الاحياء وتدني عائد مؤتمر برلين ادخلا خوف الله في قلب الحكومة وكما ذكرنا فان تلك المسيرات أفسدت حفلة التيس البرليني.
ولإبطاء السقوط الحر بلا قاع يبدو ، طلب رئيس الوزراء من وزير المالية أن يستقيل. على الرغم من مغادرة الوزير ، فإن الحكومة تظل لا تملك رؤية بديلة ولا تعرف الآن ماذا تفعل. ولكنها لكسب الوقت عينت وزيرة تعتقد, بـلا دليل, انها مقبولة في دوائر المال الخارجي. وكل ذلك لتوفير الوقت التي تحتاجه حتى تكتشف ما تريد القيام به فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية. وهكذا بدلا من اخراج الوطن من دقداق الإخوان الِي شارع الزلط (واجب الحكومة الانتقالية كما صاغه الوزير مدني) تم إهدار عام كامل في حفر حفرة مدلهمة , وبدلا من الزلط تنتقل البلاد الِي جب, فالآن الوضع الاقتصادي أسوأ بكثير مما كان عليه في أغسطس 2019 والخيارات المتاحة اضيق وأشأم.
ولكن هذا ليس كل شيء ، فقد تناسلت المآزق . كل من يعرف أي شيء عن التاريخ والاجتماع، يعرف مركزية الاقتصاد في صنع الواقع السياسي. لقد حذرنا من أن السياسة الاقتصادية المختارة سيتمدد أثرها في كل مناحي الحياة وستؤدي إلى أزمات سياسية خطيرة. لا تحتاج الِي الاتفاق مع ماركس على أن الاقتصاد هو محرك التاريخ, أو مع بيل كلينتون في انه الاقتصاد يا غبي, لإدراك أن الأحداث الاقتصادية لها القدح المعلي في تشكيل العملية السياسية ودفعها في مسارات يحدد كنتورها واقع اقتصادي.
وبالتالي ، فإن الفوضى السياسية الحالية المتفاقمة تسبب فيها سوء إدارة الاقتصاد خلال الاثني عشر شهرًا الماضية. يتفق الجميع علي ان هذه الحكومة تمتعت في معظم عهدها بدعم سياسي وتسامح ومسامحة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان فقد أغرقها الشعب بحب غير مشروط وغير مكتسب وغير مستحق. والحب غير المشروط لا يجوز لغير الأطفال.
ولكن مع تعثر الاقتصاد من سيئ إلى أسوأ ، بدأ الدعم السياسي الشعبي في التبخر. والأسوأ من ذلك ، تلاشت المصداقية التقنية والاجتماعية للحكومة في نظر شرائح متزايدة من الشعب وشرع بعض محبوها ومؤيدوها السابقون في قلب ظهر المجن والانقلاب عليها وازدادت لهجة بعضهم وقاحة بشكل متصاعد الِي ان فقدت السيطرة علي خيوط العملية السياسية. والآن انقلب عليها مؤيدوها ودخلوا معها في مواجهات خشنة علنية ، بما في ذلك حزب الأمة ، و الجندريات ممثلات الحقوق المشروعة للمرأة والتي تأخرت كثيرا ، والتحالف المهني ، واللجنة الاقتصادية لقحت. وهذا يذكر بأيام الإنقاذ حيث ان الانهيار الاقتصادي صنع المستحيل بتوحيد اليمين واليسار معا ضد الحكومة.
لذا ، في نهاية المطاف, أدت الإدارة الاقتصادية النقيصة إلى التفكك السياسي الذي نشهده الآن. وبنفس المنطق ، فإن إدارة اقتصادية واعية بـالقضايا الفنية والحساسيات السياسية معا, كان بإمكانها تحسين الوضع المعيشي والرمزي وبالتالي مضاعفة رأس المال السياسي المتاح للحكومة بـما يمكنها من استخدام الرصيد المتزايد لتبرير تنازلات صعب تفاديها في سبيل التعافي الوطني ومعالجة وتجاوز قضايا مشعة نوويا وملفات انفجارية. الكارثة المزدوجة تتمثل في أنه بدلاً من زيادة رأس المال السياسي الذي منحه شعب كريم مجانا أهدرت الحكومة الرصيد لأنها استبطنت ان الشعب اسير لديها, لا يملك خيارا غيرها ولكن هيهات.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

في تعديل الموازنة ومؤتمرات الذل الطوعي

معتصم أقرع



أتى تعديل الموازنة الذي أقره مجلسي الوزراء والسيادي في تطابق كامل مع الخطط الاقتصادية المعلنة التي صاغها الوزير المقال الدكتور البدوي.
السؤال الذي يقترح نفسه هو: لماذا أُبعِدَ الرجل إذا كانت الحكومة بشقيها متوافقة على اعتماد سياساته بالكامل وفي حدها الأقصى؟ هل كان الإبعاد يتعلق بشخصه أم بـسياساته؟ لا يبدو أن أحدا، خارج الحكومة، لديه تحفظات على شخص الوزير؛ فالرأي العام اختلف مع سياساته فقط لا مع شخصه، الذي بدا عليه التهذيب والمعقولية ودرجة من اللطف.
هل ضحَّت الحكومة بالدكتور البدوي لتهدئة الرأي العام ثم استغلت فرصة الهدنة والترقب التي أعقبت الإقالة لتمرير ميزانية الدكتور نفسها؟ حسنًا، إن كان الأمر كذاك، فقد نجحت الخدعة وتم تمرير تعديل الموازنة دون مقاومة أو معارضة تُذكر، بإستثناء أفراد والتصريحات المعتادة من لجنة قحت الاقتصادية التي مازالت تؤذن في مالطة.
السؤال الآخر الذي يفرض نفسه هو: إذا تم تبني تعديلات الموازنة المقدمة من قِبل الدكتورة هبة، وهي الوثيقة الاقتصادية الأهم، فلماذا لا تستمر في الوزارة وما الداعي للبحث عن وزير آخر ينفِّذ ما خططت له الدكتورة وأقرته الحكومة بشأن التوجه الاقتصادي؟
نقطة أخيرة: تكاثرت مؤتمرات أصدقاء السودان والمانحين من غير أن تثمر حتى بلغت مرحلة التبرج السياسي المهين لكرامة الشعب السوداني. على الحكومة أن تخبر أصدقاءها بأنه يمكنهم أن يساعدوا إذا شاءوا ولكن لا داعي لهذا التشهير الدوري بالشعب السوداني في مؤتمرات مد قرعة لا تليق بهذا الشعب العظيم.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

سلالة الكيل بمكيالين

معتصم أقرع



ناك سلالة غريبة من البشر بها الذين انتقدوا بشدة السياسات الاقتصادية للنظام السابق لأنها فاقمت المعاناة وضخمت الأسعار ورفعت تكاليف المعيشة. ولكن عندما فرضت الحكومة الجديدة نفس السياسات بالضبط وبحذافيرها ، دعمتها هذه السلالة علنا أو التزمت الصمت حيالها. وحين رأينا ذلك لم ننتقد السلالة ولم نطلق عليها أسماء أو نشكك في وطنتيها فنحن نفهم أنه يمكن أن يكون للناس أحكام مختلفة في أوقات مختلفة ونفهم ان البعض يحتاج لزمن أطول ليري أما لأنه صبور وكريم يحسن الظن من ادبه أو لأنه غشيم لا يري الكارثة في مرحلة التجمع وقبل ان تقع الفأس علي الراس.
ومع ذلك ، فإن رهط من السلالة إياها تجاوزوا حدودهم ولم يكتفوا بـالاختلاف المشروع مع من انتقد نفس السياسات الاقتصادية وبدأوا في التشكيك في وطينتهم ودوافعهم. وفي هذا كثير من التزيد والافراط.
وربما ان الأوان لنسأل هذه السلالة بعض الأسئلة :
- كيف لكم الان ان تؤيدوا وتسكتوا عن نفس السياسات التي رفضتموها حين أتت بها الإنقاذ , ليس هذا فقط بل تسعون الان لتكميم من كان به ما يكفي من الاتساق ليرفض الان ما رفضه من الإنقاذ يوم أمس؟
- الا تبصرون موجة الغلاء الطاحن الذي سحل المواطن البسيط ونشر المسغبة وضاعف من جحافل المتسولين؟
- هل كنتم تدافعون عن خبز الشعب وكرامته ام كنتم في خلاف مذهبي حول الكراسي هدفه اقتلاع الحكم لا تغيير جوهره؟
- هل كنتم تزايدون بشعارات علي النظام السابق وتبتزونه برفض سياسات انتم علي استعداد للذود عنها لو طبقها المعسكر الذي تنتمون له ؟
- الم يقل السيد المسيح ان المنافقين هم من يطبقون علي الغير معايير لا يطبقونها علي انفسهم؟
- الم يقل الامام علي يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال؟ لم تقلبون مرآة الكرار وتكسرونها؟
- ومن أهل هذه السلالة نفر كان في ايامها الاولي يرفض أي نقد لهذه الحكومة حتى لو كان ناعما ولكنه الان انقلب عليها بالسنة حداد بعد ان رأي ما رأي ولكن فات عليه ان يعتذر عن تشكيكه في السلامة الفكرية لمن سبقوه في قرع أجراس الخطر.
- نستدعي أيضا رفضنا للعقوبات الأجنبية علي السودان في عهد الإنقاذ واعتراضنا علي نهج أهل المعارضة في تأليب الأجنبي لفرض عقوبات قلنا انها تؤذي الشعب ولا تزحزح النظام حتى اتهمنا سلف هذه السلالة بمساندة النظام. وها هي نفس العقوبات تمنع الأكسجين عن التحول الديمقراطي وتستخدم لابتزاز الشعب السوداني لدفع فواتير لا دخل له بها ولا يملك دعاة العقوبات الذين يجلسون علي كراسي السلطة ان يقنعوا اصدقاءهم العقابيين بان يكفوا الأذى.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

نظرية الانبطاح في السياسة الداخلية والخارجية

معتصم أقرع



أتعس المقولات وأكثرها استخدامًا هي أن الموقف السياسي يبني على المصالح . المقولة في حد ذاتها وفي حدود كلماتها صحيحة ، ولكن المشكلة انها من وجهة نظر دلالية لا تعني منطوقها بالضبط.
المعنى الكامل للمقولة في الطريقة التي توظف بها هو ان "الموقف السياسي يجب أن يقوم فقط على المصالح ، وسحقا للأخلاق التي يجب ابعادها تماما من مجموعة موجهات القرار". بالطبع ، الجزء الثاني حول عدم اقحام البعد الأخلاقي في القرار يُترك دائمًا مضمنا دون أن يُقال ، لكن غيابه يجعل وجوده أقوى وأشد وضوحًا.
الفهم السليم للمقولة ، لا سيما الشق الضمني المسكوت عنه ، يشير الِي انها مغلوطة معرفيا وجبانة ومخزية ولا تليق بالحد الأدنى من الكرامة الانسانية .
تكشف نظرة سريعة على التاريخ أن الأفراد والشعوب في مختلف المراحل اتخذوا مواقف عديدة من منطلق الالتزام الأخلاقي وانتصارا للكرامة الإنسانية لا بفقه المصالح العاهر. دعمت معظم شعوب العالم ومعظم الحكومات نضال السود في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري ليس لخدمة مصالحهم المحددة ، ولكن لأنهم قرروا ان الفصل العنصري كان إهانة للحس الإنساني الأخلاقي . وبنفس المنطق العديد من الشعوب في أنحاء العالم وفي الغرب الاستعماري نفسه دعمت الحركات المناهضة للاستعمار في دول العالم الثالث في اسيا وأفريقيا ليس انطلاقا من مصالح ربطتها مع هذه الحركات ولا مع تحرر شعوبها ، ولكن لأنهم قرروا أن استعمار الآخرين خطأ أخلاقي غير مقبول .
إن خطأ المقولة التي تدعو لمطابقة الموقف السياسي مع المصالح فقط يتضح تمامًا عندما ملاحظة التطور الأخلاقي العظيم الذي حدث عبر التاريخ. في الماضي القريب ، كانت العبودية طبيعية ، أما الآن فهي ليست كذلك وكان استعباد النساء طبيعيا ومقبولا ولكن تغير الأمر الان لان ملايين البشر قرروا ان هناك أشياء لا تخضع لفقه المصالح.
كما أن جوهر فساد المقولة يكمن في أنكرها للطبيعة البشرية التي تعتقد العلوم المتقدمة أن بها نزوع جيني, تكويني, فطري, في اتجاه الحرية والعدالة التي لا تابه لمنطق الربح والخسارة في المدى البعيد أو القصير.
تخالف المقولة الطبيعة البشرية لأنها توجه البشر الِي التصرف بلا ضمير ، وبلا حشمة بـأن يمكنوا مواقفهم لمن يدفع أعلى ثمن أو لمن يملك أكبر عصا وهذه سيكولوجية الجبان الشره . هكذا تحط المقولة الإنسان الِي درك أدنى من العهر الطوعي ثم ترتد الِي من روج لها أو آمن بها من غير ان تنال من جموع المحترمات والمحترمين الذين يأخذون في الاعتبار المصالح بشكل طبيعي ، لكنهم لا يغيبون عنها أبدًا المبادئ الأخلاقية العليا مثل رفض الظلم ونصرة المستضعفين والدفاع عن الكرامة وحق الشعوب في المساواة ، وعندما تتعارض المصالح مع المبادئ العليا فإن الاحرار ينتصرون للمبادئ ويتركون فقه المصالح للصوص وعبيد القوة السالطة من مال وبندق.
أخيرًا ، يجب أن نتذكر أن شهدائنا الشباب ، بآلافهم ، لم يبنوا احتجاجهم ضد البشير علي مصالح خاصة ، فقد نزلوا إلى الشارع بدافع الشجاعة والرغبة في جعل الحياة أفضل لأناس لم يعرفوهم ولن يلتقوا بهم أبدًا وكانت شجاعتهم موقفا اخلاقيا من الدرجة الأولى. إذا كانوا مدفوعين فقط بفقه المصالح لما غامروا بميعة صباهم ولاختبأوا في المنازل المريحة والآمنة وتركوا أمر إسقاط النظام للغير.
ختاما فان المقولة التعيسة لا تحسم شيئا في امر السياسية الداخلية أو الخارجية ولا تحدد مسار يجمع على صحته لان تعريف المصالح نفسه أمرا ملتبسا. فمن الذي يملك المعرفة الكاملة ويملك الحق في تعريف المصالح؟ وعن مصلحة من نتحدث ؟ اهي مصلحة آنية ام مصلحة استراتيجية , محسوبة وبعيدة المدي؟ اهي مصلحة وطنية أم مصلحة طبقة أم مصلحة زمرة تعتلي السلطة وتتوق لتأبيد هيمنتها ببيع الشرف الوطني في أسواق النخاسة؟ لذلك فانه ليس من المستغرب ان جميع من يستدعي فقه المصلحة الوطنية لتبرير قرارات مشكوك فيها في الغالب ينافح عن مصالح ضيقة, أضيق من الوطن, و عادة ما يفتقد الدراية التي تؤهله لتحديد المصلحة الوطنية لجهله أما بالتاريخ أو جيوبوليتيك الاستراتيجيات الكبري أو طبيعة العلاقات الدولية أو جوهر النظام الرأسمالي المعولم.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

في ذكرى الوثيقة الدستورية

معتصم أقرع



تحتوي الوثيقة الدستورية على الكثير من العيوب التي تم تحليلها وإبرازها بواسطة أقلام مقتدرة خلال العام السابق. ومع ذلك ، فإن ضعف أداء الحكومة لم يكن سببه قيود الوثيقة بشكل رئيسي.
مثالان يوضحان النقطة. الوثيقة لا علاقة لها بسوء الإدارة المرعب للاقتصاد. الانهيار الاقتصادي الأسرع والأكثر حدة في تاريخ السودان تتحمل مسؤوليته كاملا الحكومة ، الوثيقة لا علاقة لها به. في الواقع ، نصحت اللجنة الاقتصادية لقحت الحكومة مرارًا وتكرارًا بأن سياساتها الاقتصادية ستؤدي إلى تفاقم المشكل ، لكن الحكومة اختارت تجاهل صراخ اللجنة باتساق روتيني مدهش.
المثال الآخر هو السياسة الخارجية. لقد كانت إدارة العلاقات الخارجية فاشلة تماما. أهدرت الحكومة النوايا الحسنة ورأس المال السياسي الذي راكمته الثورة الناجحة وفشلت في ترجمته إلى مكاسب وطنية. لم يأتِ أي دعم أجنبي ، وتعمقت تبعية البلد الى دول صغيرة تابعة ، وانتهى الأمر بدفع دية عن جرائم النظام السابق.
ولا يمكن للحكومة المدنية أن تلوم النصف العسكري لأنها لم تحاول حقا إجباره على تقديم أي تنازل. في الواقع ، اختارت حمايته من الشعب بدلاً من استخدام سلطة الشعب لإجباره على التنازل من بعض امتيازاته. على العكس من ذلك ، اختارت الحكومة تقوية الشق العسكري بتسليمه ملف السلام وتعيين فريق منه لرئاسة لجنتها الاقتصادية العليا دون شعور بالحرج من تضارب المصالح في وضع يرأس فيه رجل اعمال متشعب واكبر مصدري الذهب اللجنة الاقتصادية المنوط بها وضع السياسة الاقتصادية بما في ذلك تنظيم انتاج وتصدير الذهب وتوزيع عائده.
لذا لا معنى لاعتبار المكونين المدني والعسكري للحكومة كشقين منفصلين أو متنافسين. يجب أن نراهم على حقيقتهم: تحالف من زمرة حاكمة على اتفاق كامل, وحدتها مصالح, بها جزء مسؤول عن تأمين القوة الخشنة والهرواة لحماية الهيمنة والنصف الآخر مسؤول عن تأمين وجه مدني ناعم لحماية التحالف من الغضب الشعبي وتوفير الشرعية الخارجية.
أضف رد جديد