الحجر الفكري

Forum Démocratique
- Democratic Forum
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

مواصلة لما سبق مع الأخ الأستاذ بدر الدين السيمت

كتب الأخ بدر الدين في ختام مقاله:

ختاما تظل الاسئلة التي طرحتها عليك آنفا قائمة.. وأرجو أن اسمع منك عليها ردا...ما هو ايمان الجمهوريين "او يقينهم" الذي رفع عنهم "او ثبتوا عليه" في 18 يناير 85؟

وهل يعتقد الجمهوريون أن الأستاذ محمود هو الأصيل الواحد؟ أي في مقام الله الحي الذي لا يموت؟ أم أنه مقلد؟

فاذا كان الأصيل واحدا كما هو مقرر عندكم، فما هي عقيدة الجمهوريين في النبي الكريم؟ هل هو مقلد أيضا؟

وماذا عن بقية الأنبياء؟ هل هم جميعا مقلدون؟!! لأنه إذا كان الأصيل واحدا فلا بد أن يصبح سواه مقلدا بحسب فهمكم.
في مداخلتي قبل الماضية كنت قد أجبت على سؤالك الأول "ما هو ايمان الجمهوريين "او يقينهم" الذي رفع عنهم "او ثبتوا عليه" في 18 يناير 85؟" فأرجو الرجوع إليه.

أما بخصوص سؤالك المحدد: "وهل يعتقد الجمهوريون أن الأستاذ محمود هو الأصيل الواحد؟ أي في مقام الله الحي الذي لا يموت؟ أم أنه مقلد؟"
مقام الأصيل الواحد لم يتجسد في الأرض حتى الآن، ولكن الأستاذ محمود بدأ مقلدا في طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن حقق شريعته الفردية كفاحا فأصبح بذلك أصيلا، يرجو أن يكون الأصيل الواحد وعلى شك، بحسب ما طلب أن يقال عنه.
وطبعا النبي عليه الصلاة والسلام كان صاحب شريعة فردية وبالتالي فهو أصيل ولم يكن مقلدا لأحد قبله، وقد حقق بالنزع مقام الأصيل الواحد ونزل به إلى البرزخ، كما تقدم، وسيعود به إلى الأرض "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد" وهنا يوجد ما يستحق الملاحظة وهي قوله تعالى من سورة آل عمران: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ".. وقوله تعالى من سورة البقرة: "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ" وقوله تعالى: "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"..

وبقية الأنبياء والرسل منهم الأصلاء أصحاب الشرائع الفردية كإبراهيم وموسى وعيسى، ومنهم المقلدون مثل كثير من أنبياء بني إسرائيل الذين هم إما على شريعة سيدنا موسى مثل هارون ويوشع وكتابهم التوراة، أو شريعة سيدنا داوود مثل سليمان وزكريا ويحيى وكتابهم الزبور والتوراة.. "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"
"يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض"


وأهديك وأهدي قراء البوست ومتابعيه هذه الترنيمة من الشيخ النابلسي وأداء الأخت الأستاذة هدى عثمان فتقبلها وبها مفاجأة سوف تتعرف عليها:
https://www.youtube.com/v/r6TLL8mD5W0


إن المحب اذا اختفت أسـراره
ظهرت على صفحاته أنـواره
ويح المحـب اذا دهتهم ناره
قالوا أتبكى من بقلبـك داره جهل العـوازل داره بجميـعي

شرف الهوى انا راهب في ديره
وأنا الذي عندي مطالع خيره
والحب عني حيث جد بسيره
لم أبكه لكن لرؤية غيره طهـرت اجفـانى بفيض دموعي

وتقبل مني خالص المودة وفائق التقدير
ياسر الشريف
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

تعقيب آخر من الأستاذ بدر الدِّين يوسف دفع الله السَّيمت على د. ياسر الشريف المليح:



ما زالت اسئلتي قائمة حول جريمة اغتيال الأستاذ محمود، وحول معتقدات الجمهوريين

عزيزي الفاضل دكتور ياسر المليح

تحيتي وتقديري

أكرر لك شكري الجزيل على اهتمامك وإيرادك الكثير من النصوص، ولكنني أري أنك لم تركز على المسائل الجوهرية موضع الخلاف بيني وبينك:

أولا: أنت تقول ان الجمهوريين الأربعة قد تم اكراههم على التوبة، ومعلوم أنه لا إكراه إلا على التخلي عن الايمان (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ).

فما هو ايمان الجمهوريين يوم 18 يناير 1985 ويشمل ذلك الجمهوريين الأربعة؟

اسمع الأخوان الجمهوريين يقولون في كتابهم "المسيح": (ولكن جلية الأمر فيها أن الآيات التي تتحدث عن المسيح إنما تتحدث عن المسيح الإسرائيلي وعن المسيح المحمدي في نفس الوقت .. فالمسيح المحمدي هو الذي سيرفع .. فالذي يتحدث عن المسيح الإسرائيلي معتقدا أنه لم يقتل مخطئ ، دون أدنى ريب .. إن أمر الرفع سيصح في أمر المسيح المحمدي .. فإنه هو الذي سيرفع حيا .. وهذا هو كمال الإسلام على المسيحية الذي يوشك أن يضيعه المسلمون بالاضطراب في الفهم ، أو قول (باتباع الظن) كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة).

إذن الجمهوريون كانوا يعتقدون أن المسيح المحمدي لا يقتل وإنما يرفع حيا. وكانوا يعتبرون أن ذلك هو كمال الاسلام علي المسيحية. ومعلوم أن الجمهوريين الأربعة قد شهدوا بعيونهم جريمة اغتيال الأستاذ محمود وموته حسيا على المشنقة. اذن فإيمان الجمهوريين بأن الاستاذ محمود هو المسيح المحمدي قد انهار تماما. وذلك هو السر في أن الجمهوريين الأربعة قد وجدوا الوقت لمراجعة أنفسهم كما ذكر الأستاذ عبد اللطيف عمر في جريدة الصحافة في 19 يناير 1986.

بالإضافة الى لك فقد ذكرت أنت أن كبير الجمهوريين الأستاذ سعيد قد طلب منهم التنازل في صبيحة اليوم التالي لإعدام الأستاذ.

والسؤال هو: ما هو ايمان الجمهوريين الأربعة الذي أكرهوا عليه؟!! هذا علما بأنهم كانوا قد رفضوا التوبة أمام المحكمة الابتدائية وبعد تأييد حكم الاستئناف ثم بعد تأييد نميري للحكم.. مما يؤكد أنهم كانوا يعتقدون أن الأستاذ محمود لن يقتل.

وغني عن البيان أن الجمهوريين يعتقدون أن المسيح المحمدي هو الانسان الكامل الذي يقوم مقام الله. ولذلك فقد كان مؤكدا عندهم أن الأستاذ محمود لا يقتل ولا يموت.

أرجو التكرم بإعادة قراءة هذا النص من كتاب الأخوان الجمهوريين: التقليد والأصيل والأصلاء:
"فأعلم الناس بالله، وأكثرهم تحقيقا للأصالة والفردية، يكون بين جميع الناس، وبين ذات الله في إطلاقها.. وهذا هو الإنسان الكامل الذي يتحقق بمقام الاسم الأعظم (الله)".

نخلص مما تقدم الي أن استتابة الجمهوريين الأربعة قد تمت بطوعهم واختيارهم ولكنهم لم يعترفوا
بذلك الخطأ. أما قولك إن التوبة شخصية ولا تتطلب اعترافاً علنياً، فهو قول صحيح، ولكن نحن هنا لسنا بصدد توبة شخصية وإنما نحن بصدد خطأ تنظيم كامل في مسألة حساسة تتعلق باغتيال شخصية فذة، ليس على مستوي السودان فحسب، ولا على مستوي الاسلام فقط، وانما على مستوي العالم وعلى طول تاريخ الفكر الديني.

ثانيا: إن رأي الجمهوريين في النبي الكريم غريب، وإن رأيهم في الأستاذ محمود أغرب. فهم يزعمون أن تحقيق الفردية في قمتها في مستوي ترك التقليد هي حظ رجل واحد. أرجو التكرم بإعادة قراءة هذا النص من كتاب الأخوان الجمهوريين: التقليد والأصيل والأصلاء: (ففي هذه الدورة من دورات الحياة، دورة الحياة الدنيا تتحقق الفردية في قمتها، في مستوى ترك التقليد، لرجل واحد، هو صاحب المقام المحمود الذي يتم له إنزال هذا المقام من الملكوت، وتجسيده على الأرض.. أما جميع من عداه فهم يحققون الأصالة والفردية، داخل إطار التقليد النبوي).

إذن، الجمهوريون يعتبرون كل الناس فيما عدا من أسموه "صاحب المقام المحمود" لا يحققون الاصالة والفردية الا في داخل إطار التقليد النبوي. ومن هنا كان رأيك في النبي الكريم مضطربا. فأنت تقول إنه أصيل، في تناقض واضح مع عقيدتكم التي تقول بالأصيل الواحد صاحب المقام المحمود. ثم تزعم في عبارة مضطربة أخري أن النبي الكريم قد حقق ذلك المقام في موته ساعة النزع مما يعني صراحة أنه لم يحققه في حياته! وذلك مما جعلك تضطر للزعم بأن النبي سيعود للحياة مرة أخري كما هو واضح من قولك: "النبي عليه الصلاة والسلام كان صاحب شريعة فردية وبالتالي فهو أصيل ولم يكن مقلدا لأحد قبله، وقد حقق بالنزع مقام الأصيل الواحد ونزل به إلى البرزخ، كما تقدم، وسيعود به إلى الأرض "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد".

إذن، الجمهوريون يعتقدون بعودة النبي محمد للحياة مرة أخري في مقام الله.. مما يناقض قولكم بأن صاحب المقام المحمود سيرفع حيا.. بعد أن يكون قد ملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا الأمر الذي الذي لم يتفق للنبي الكريم.

وفي جميع الأحوال فماذا أبقيتم للأستاذ محمود، اذا كان المسيح المحمدي هو محمد بن عبدالله الذي تنتظرون عودته في قول مضطرب.. مشفوعا بشكوك منسوبة للأستاذ محمود في أقوال شفهية!!

ثالثا: أرجو التكرم بإعادة النظر في رأيك الغريب عن الأستاذ محمود، والذي يقلل تقليلاً كبيراً من قدر هذا العارف المحقق. فأنت تقول: "مقام الأصيل الواحد لم يتجسد في الأرض حتى الآن، ولكن الأستاذ محمود بدأ مقلدا في طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن حقق شريعته الفردية كفاحا فأصبح بذلك أصيلا، يرجو أن يكون الأصيل الواحد وعلى شك، بحسب ما طلب أن يقال عنه".

فقولك إن الأستاذ محمود قد حقق شريعته الفردية كفاحاً يناقض قول الجمهوريين إن الإنسان الكامل يكون بين جميع الناس وذات الله في اطلاقها. فاذا كان هناك انسان كامل بين الذات وجميع الخلائق... فكيف يمكن اذن للأستاذ محمود، أو اي شخص آخر، بمن فيهم النبي الكريم، أن يتلقى من الله كفاحا!!! ثم يصير أصيلا؟

علي أساس زعمكم الغريب هذا، لا توجد أي فرصة لأي انسان أن يتلقى من الله كفاحا. أكثر من هذا، ليس هناك فرصة لأي انسان أن يكون أصيلا، وسبب ذلك يرجع الي ان الجمهوريين يقولون إن كل الناس، فيما عدا صاحب المقام المحمود، إنما "يحققون الأصالة والفردية داخل إطار التقليد النبوي".
إذن، أما أن يكون الاستاذ محمود هو صاحب المقام المحمود الذي نفيته أنت عنه أو أن يكون أصيلا داخل التقليد!! وغني عن البيان أن الأستاذ محمود قد ترك التقليد، مما يدحض جميع مزاعمك.
لكل تلك الأسباب لم يكن للجمهوريين أي إيمان بالأستاذ محمود حتى يتم اكراههم عليه.

ولعلك تذكر أن حصر الأصالة في شخص واحد.. ونفيها عن جميع الناس إلا في إطار التقليد قد كان سبب خروجي من الفكرة الجمهورية عام ١٩٨٢، لأن ذلك القول يتناقض مع كل ما كان مطروحاً من قبل، وهو أن الأصالة حق للجميع وأن "الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"، أي لها وقت تنتهي فيه، وأنه ليس في الأصالة تقليد، كما هو وارد في كتب الأستاذ محمود ما نصه: "بيد أنه ليس في الأصالة تقليد".

لكل تلك الأسباب مجتمعة ليس هناك أي معنى لقولك إن الأستاذ محمود يرجو أن يكون صاحب المقام ولكنه على شك!!!! لأنك تقول إن النبي الكريم قد حقق المقام في البرزخ وإنه سيعود.

رابعاً: أراك قد أهملت قولي عن الرمزية وعن ضرب الأمثال. وأنا لا أحب أن أزايل مقامي هذا قبل أن أؤكد لك أن الأستاذ محمود كان يتحدث بالرمزية وكان يضرب الأمثال بالمسيح المحمدي وبغيره في مواضع كثيرة...ولعل من أبلغها ما ورد في كتاب عودة المسيح: "ولذلك فإن المسيح الأخير إنما هو المسيح المحمدي في معنى أنه يجيء بالرسالة الثانية من الإسلام التي عاشها محمد، وظلت مدخرة، في القرآن، وفي سيرته، لتعيشها بشرية القرن العشرين".

فمن هو صاحب الرسالة الثانية من الأسلام؟

ومن هو الذي عاشها في القرن العشرين؟

أليس هو الأستاذ محمود؟

بفهمي لهذه الرمزية، وبفضل من الله وعناية فقد التقيت بالأستاذ محمود مرة أخري كما وعد وكما أوفى "إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا"، ولم يجر لقائي بالأستاذ محمود علي ذلك النحو السطحي الذي تصورته ثم أسقطته علي فهمك لما ورد في الشريط المسجل عن القديس بطرس.

ختاماً: بناء على ما تقدم فقد أصبح واضحا أن الجمهوريين لا يعتقدون أن الأستاذ محمود هو صاحب المقام المحمود. ويترتب أيضا على فهمهم هذا أن الاستاذ محمود ليس أصيلاً تاركا للتقليد، لأن صاحب المقام المحمود هو الأصيل الواحد الذي وحده يترك التقليد في هذه الحياة الدنيا.

لذلك السبب ولغيره تنازل الجَّمهوريُّون عن استاذهم، وحلوا حزبهم الذي ظل معطلاً منذ 18 يناير 1985، فيما عدا كتابات متضاربة هنا وهناك قام بها بعض الجمهوريين، مخالفين بذلك رأي كبير الجمهوريين الأستاذ سعيد شايب والذي قال صراحة إنه غير مأذون له ولا لغيره بالدعوة للفكرة الجمهورية.

وأخيرا، عاد الجمهوريون للنشاط في جماعات متفرقة ومتناقضة تبحث عن التبرير لموقفهم من الأستاذ محمود وتبحث عن تغطية لانكارهم لمقامه الباذخ الشامخ في تلك التعليلات الواهية كالفداء والإكراه والعودة...الخ الي درجة تزوير حقائق التاريخ وصناعة شخصية أخري للأستاذ محمود كالشخصية التي أظهرها الفيلم الوثائقي موضوع هذا الخيط والتي تحصر الأستاذ محمود في كونه "أحد" المفكرين الحداثيين او كشهيد يجسد معارفه على منصة الاعدام وتخفي أصالته وفرديته وسيرته الروحية وتركه للتقليد.
ثم تتواصل عملية تزوير التاريخ والمسخ والتشويه والتقليل من شأن الرسالة الثانية واعتبارها مجرد مشروع إصلاحي لقائد قاوم الاستعمار أو فهم جديد يقوم على طريق محمد والأصول والفروع.

مع خالص تحياتي وتقديري

بدرالدين يوسف السيمت
مركز دراسات التأويل
١٠ يوليو ٢٠٢٠








ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

السلام للجميع وشكرا لك يا أستاذ إبراهيم لنقل مقال الأخ الأستاذ بدر الدين السيمت الأخير، الذي سأعود بالتعقيب عليه في أقرب فرصة.

يطيب لي أن أعرض هذه الجلسة الفنية النادرة بين الجمهوريين وفي مقدمتهم الأخ الأستاذ عبد اللطيف عمر والأستاذ عبد الكريم الكابلي في عام 1998 وما فيها من غناء الكابلي وإنشاد جمهوري..

https://www.youtube.com/v/Mi4wMHeepdo

ياسر
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

الأكرم الأخ الأستاذ بدر الدين السيمت
تحية طيبة وبعد
أشكرك على إرسال مقالك الأخير بواسطة الأستاذ ابراهيم جعفر لنشره في سودان فور أوول.
وتقول في بدايته:
عزيزي الفاضل دكتور ياسر المليح

تحيتي وتقديري

أكرر لك شكري الجزيل على اهتمامك وإيرادك الكثير من النصوص، ولكنني أري أنك لم تركز على المسائل الجوهرية موضع الخلاف بيني وبينك:

أولا: أنت تقول ان الجمهوريين الأربعة قد تم اكراههم على التوبة، ومعلوم أنه لا إكراه إلا على التخلي عن الايمان (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ).
كما قلت لك سابقا، فإن الإكراه بدأ بإجبارهم على حضور مشهد تنفيذ القتل على الأستاذ محمود، فقد قلت بالنص أن " الإجبار، تحت القيود والجنازير، على حضور تنفيذ القتل على الأستاذ محمود، ثم الوعيد بمصير القتل شنقا إذا لم يعلنوا توبتهم ورجوعهم، هو قمة التهديد والإكراه".. وبعد كتابتهم لخطاب التراجع أكرهوا في تلك الجلسة التي عرفت بجلسة الاستتابة على وصف الأستاذ محمود بالكافر المرتد. والآية تقول: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". وأنت بالتأكيد تعرف سبب نزول الآية فقد جاء:
((وقد روي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، فوافقهم على ذلك مكرهاً، وجاء معتذراً إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه هذه الآية.

وقال ابن جرير: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه، حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: «كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئناً بالإيمان، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «إن عادوا فعد»،

وفيه أنه سب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى النبي صل اللّه عليه وسلم فقال: «كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئناً بالإيمان، فقال: «إن عادوا فعد»، وفي ذلك أنزل اللّه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}))
انتهى.

قولك:
فما هو ايمان الجمهوريين يوم 18 يناير 1985 ويشمل ذلك الجمهوريين الأربعة؟
والسؤال هو: ما هو ايمان الجمهوريين الأربعة الذي أكرهوا عليه؟!! هذا علما بأنهم كانوا قد رفضوا التوبة أمام المحكمة الابتدائية وبعد تأييد حكم الاستئناف ثم بعد تأييد نميري للحكم.. مما يؤكد أنهم كانوا يعتقدون أن الأستاذ محمود لن يقتل.

وغني عن البيان أن الجمهوريين يعتقدون أن المسيح المحمدي هو الانسان الكامل الذي يقوم مقام الله. ولذلك فقد كان مؤكدا عندهم أن الأستاذ محمود لا يقتل ولا يموت.

أرجو التكرم بإعادة قراءة هذا النص من كتاب الأخوان الجمهوريين: التقليد والأصيل والأصلاء:
"فأعلم الناس بالله، وأكثرهم تحقيقا للأصالة والفردية، يكون بين جميع الناس، وبين ذات الله في إطلاقها.. وهذا هو الإنسان الكامل الذي يتحقق بمقام الاسم الأعظم (الله)".
نعم، كان الجمهوريون ينتظرون تنزل المقام في أي لحظة على الأستاذ محمود، ولذلك فإن حدث القتل كان بالنسبة لهم مزلزلا في أول الأمر. ولكن في نفس الوقت فإن معظمهم يذكر قول الأستاذ محمود الذي قال لهم ألا يقولوا عنه أنه هو "الأصيل" أي "المسيح المحمدي"، وأنه قد يكون مرحلة، وهنا يصح أن ينتاب الشك النفوس بأن الأمر قد انتهى بالقتل..
((لكن ما حد يقول عني أنا الأصيل.. أنا أرجو أن أكون الأصيل وأنا على شك.. الأمر دا يجليه الله في وقته، أنا عندي فجوات في تطبيقي، أنا ما مسلم، ولذلك داك لمّن يقول: ((أنا اليوم مسلم)) أنا كنت بقول ليكم دايماً في الإنشاد: أنا بشوف الحكاية دي كبيرة خلاص.. هل فيكم واحد بقدر يقولها بالصورة دي! فيها جرأة!.. جرأة كبيرة جداً ((أنا اليوم مسلم))!.. و((المسلم)).. هو، بطبيعة الحال ما دخل في الوجود.. ما دخل في الأرض لسة.. الحقيقة المحمدية مسلمة.. يوم تنزل في الأرض يجيء ((المسلم))..))
وهذا الحديث مسجل بالصوت ولا يزال موجودا، وليس حديثا شفهيا منسوبا للأستاذ كما تقول أنت.
قولك:
اسمع الأخوان الجمهوريين يقولون في كتابهم "المسيح": (ولكن جلية الأمر فيها أن الآيات التي تتحدث عن المسيح إنما تتحدث عن المسيح الإسرائيلي وعن المسيح المحمدي في نفس الوقت .. فالمسيح المحمدي هو الذي سيرفع .. فالذي يتحدث عن المسيح الإسرائيلي معتقدا أنه لم يقتل مخطئ ، دون أدنى ريب .. إن أمر الرفع سيصح في أمر المسيح المحمدي .. فإنه هو الذي سيرفع حيا .. وهذا هو كمال الإسلام على المسيحية الذي يوشك أن يضيعه المسلمون بالاضطراب في الفهم ، أو قول (باتباع الظن) كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة).

إذن الجمهوريون كانوا يعتقدون أن المسيح المحمدي لا يقتل وإنما يرفع حيا. وكانوا يعتبرون أن ذلك هو كمال الاسلام علي المسيحية. ومعلوم أن الجمهوريين الأربعة قد شهدوا بعيونهم جريمة اغتيال الأستاذ محمود وموته حسيا على المشنقة. اذن فإيمان الجمهوريين بأن الاستاذ محمود هو المسيح المحمدي قد انهار تماما. وذلك هو السر في أن الجمهوريين الأربعة قد وجدوا الوقت لمراجعة أنفسهم كما ذكر الأستاذ عبد اللطيف عمر في جريدة الصحافة في 19 يناير 1986.

بالإضافة الى لك فقد ذكرت أنت أن كبير الجمهوريين الأستاذ سعيد قد طلب منهم التنازل في صبيحة اليوم التالي لإعدام الأستاذ.
نعم، أمر الرفع سيصح في المسيح المحمدي ولكن يتم ذلك بعد ساعة التعمير وتحقيق جنة الأرض "وأشرقت الأرض بنور ربها، ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق" الآية.. يُرفع بعدها جسدا وروحا.
وقد جاء في خاتمة كتاب "المسيح" الذي اقتبست أنت منه ما يحسن إيراده كاملا، فهو خير معين على فهم المسألة التي يكتنفها الخفاء:

((خاتمــة

إن الأحلام ، والرؤى ، التي داعبت أخيلة الحكماء ، والعلماء والفنانين ، عبر التاريخ ، لم تكن عبثا ، ولم تكن تهويما لا أساس له .. فهم حين حلموا بالمدينة الفاضلة ، وحين هاموا بسر القدر ، وكتبوا عن إكسير الحياة ، وعن خاتم المنى ، لم يكونوا إلا يترجمون عن أشواق دفينة .. مركوزة في النفس البشرية .. هذه الأشواق إنما هي أشواق إلى إطلاق القوى الحبيسة ، المكبوتة ، في داخل كل فرد ، وهي أشواق للحياة الحرة ، الطليقة ، التي برئت من أن تؤوفها آفة ، أو ينغصها منغص .. هذا هو شوق الإنسان إلى وطنه القديم في كنف الله الرحيم ، الذي طال عنه اغترابه .. فالإنسان في شوقه هذا لا ينطلق من فراغ ، وإنما ينطلق من ذاكرته ، فهو إنما يذكر في أشد أحوال نسيانه عهد وصل قديم كان فيه ، في أحسن تقويم .. هذا التوق ، وهذا الشوق ، إنما هو إلى الفردوس المفقود .. وما جاءت الرسل ، ولا جاءت الكتب ، إلا ليذكّروا الناس به ، وإلا ليحفزوهم ، ويوجّهوا سيرهم نحوه ، قال تعالى: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ..
إن المدينة الفاضلة التي حلم بها الناس كثيرا إنما هي دولة المسيح التي لا يستأنس فيها الإنسان فحسب ، وإنما تستأنس فيها الوحوش أيضا ، كما جاءت بذلك نبوءات الإنجيل ، ونبوءات النبي ، صلى الله عليه وسلم .. ولا يتسغربن أحد هذا الأمر ، فإنه مصير حتمي تقود إليه حركة التطور بصورة طبيعية .. وكل من يستقرئ تاريخ الحياة بفهم ، ولا يقف في استقرائه لأصول الظواهر عند المادة فحسب ، لا بد أن يرى ، أن السلام هو مصير الحياة المبرم ، والمحتوم ، في معنى أن المعرفة ، والاطراد فيها ، قدر الإنسان المقدور ، فحركة التطور ، في مجملها ، إنما هي حركة المظهر الذي يسعى لينطبق على الجوهر .. وهيهات !! وفي هذا المضمار يخرج الإنسان من الجهل إلى المعرفة ، كل يوم ، ومن الاستيحاش إلى الاستيناس ، كل حين .. قال تعالى: (هو الذي يصلي عليكم ، وملائكته ، ليخرجكم من الظلمات إلى النور ..)
ولكن المسيح يقفز بمجيئه بهذه الحركة قفزة أكبر من القفزة التي صاحبت دخول العقل في مسرح الحياة ، في بداية النشأة ، قال تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) .. فالحياة البشرية على ظهر الأرض قد أتمت دورة كاملة ، وهي الآن إنما تحتشد وتستجمع قواها للقفزة المقبلة التي يكون بها الناس وكأنهم قد ولدوا في بيئة جديدة غير التي ألفوها وعرفوها ..
ومن أجل ذلك فقد صدّرنا هذا الكتاب بالآية: (أفعيينا بالخلق الأول ؟؟ بل هم في لبس من خلق جديد !!) .. فالمسيح إنما يجيء ليولد الناس من جديد ميلادا ثانيا ، في بيئة هي الأخرى جديدة .. قال تعالى: (أومن كان ميتا فأحييناه ، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ؟؟ كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون !!) .. وهذه الآية تعني ، فيما تعني ، أن البشر موتى إذا ما قيسوا بالإنسان ، والمسيح إنما يجيء ليخرج الناس من البشر ، بقفزة كبيرة ، قلنا عنها أنها أكبر من القفزة التي دخل بها الحيوان مرتبة البشر في فجر النشأة ..
إن على المسلمين لأن يستيقظوا ، وبخاصة المتطرقين منهم فقد حلم بالمسيح أكابر العارفين ، ولقد كانوا على الدرب في انتظاره حين قاموا ليلهم ، وأظمأوا نهارهم .. واليوم فقد انغلقت الطرق ، ولم تبق غير طريقة الطرق ـ طريق محمد ـ وطريقة الطرق إنما هي السنة الصرفة التي كتبنا في تبيينها عديد الكتب ، وهي ما به سيعود الدين ، وهي ما به سيجيء المسيح .. قال ، صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا ، كما بدأ ، فطوبى للغرباء !! قالوا: من الغرباء يا رسول الله ؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها !!) ..
إن المنتظرين حقا لهم المقيمون على السنة الصرفة ، فالزموا نهج السنة ، ودعوا ما أنتم فيه ، تكونوا من الفائزين .. فإن هذا الأمر لا يخلو من خفاء حتى على أكابر العارفين ، فما بالكم بمن هم دونهم ؟ وهذا ما من أجله قيل: (يأتي من جهة لا يعرفونها ، وعلى هيئة ينكرونها ..) .. وهو ما قال فيه النابلسي: (لا يكن طرفك أعمى عن تناويع الأشاير) .. والأشاير كلها اليوم إنما تشير إلى انغلاق الطرق ، وإلى بعث السنة الصرفة .. وهذا ما من أجله قلنا: (إنّا قد استيقنا من أنه بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد الدين .) ..
إن الانتظار إنما يكون على السنة وحدها وما دون ذلك انتظار لمنتظر ..
حقق الله الآمال ، والأحلام ، ورفع ، المعاناة ، عن كاهلنا ، وعن كاهل كل خلقه ، بمجيء موعوده العظيم .. إنه نعم المولى ، ونعم النصير ..))



انتهى.
قولك:
نخلص مما تقدم الي أن استتابة الجمهوريين الأربعة قد تمت بطوعهم واختيارهم ولكنهم لم يعترفوا
بذلك الخطأ. أما قولك إن التوبة شخصية ولا تتطلب اعترافاً علنياً، فهو قول صحيح، ولكن نحن هنا لسنا بصدد توبة شخصية وإنما نحن بصدد خطأ تنظيم كامل في مسألة حساسة تتعلق باغتيال شخصية فذة، ليس على مستوي السودان فحسب، ولا على مستوي الاسلام فقط، وانما على مستوي العالم وعلى طول تاريخ الفكر الديني.
يا أستاذ بدر الدين أنت رجل قانوني تعرف أن الجمهوريين الأربعة كان محكوم عليهم بالقتل الذي سينفذ بعد مضي ثلاثة أيام ما لم يعلنوا توبتهم ورجوعهم عن أقوالهم في المحكمة، فأين هو الطوع أو الاختيار الذي تتحدث عنه؟؟ وأين هو الطوع في إجبارهم على كتابة صيغة معينة للتوبة تتضمن وصف الأستاذ محمود بـ "الكافر المرتد الذي أماته الله شنقا في سجن كوبر"؟؟ إذن لم يكن أمام الجمهوريين الأربعة أن يفعلوا أكثر مما فعلوا، وكما قلت لك سابقا فإن المواجهة في درجتها الثالثة تقول: (( 3. مواجهة أقل الدرجات.. يحاول جهده نشر الفكرة وحين يعجز عن المواجهة لاعتبارات عنده هو.. فهو إن كان في مجلس أو اجتماع أثير فيه هذا الموضوع لا يملك إلا أن ينصرف لأنه لا يملك أن يفعل أكثر من ذلك وهو بعد غير راض عن نفسه ولا حاله.))، وهذا هو الذي أجبر الجمهوريين على حل التنظيم لحفظ حياة الأفراد وترك أمر المواجهة والنشاط إلى الالتزام الفردي، أكثر منه للإلزام التنظيمي. ولعلك لا تعرف أن الأستاذ كان قد خيَّر الجمهوريين في حمل وتوزيع منشور "هذا.. أو الطوفان" قائلا لهم ما معناه أن من لا يجد في نفسه المقدرة على حمل المنشور فليذهب موفورا من غير أن يفقد صفة الجمهوري، وذلك في إشارة واضحة إلى أن عواقب توزيع المنشور يمكن أن تكون خطيرة. ودعني أذكِّرك أنك أنت نفسك كنت ترى أن موقف الجمهوريين الأربعة كان صحيحا ولم يكن خطأ، وموقف الأستاذ سعيد أيضا كان صحيحا. فقد قلت في مقال لك عام 2003 ردا على الأستاذ خالد الحاج ما يلي:
غني عن البيان، أنني قد أوضحت أن تراجع الجمهوريين، عن الأستاذ في 18 يناير، قد كان صحيحا من الناحية العرفانية، لأن الأستاذ أصيل يدافع عن حريته علي بصيرة من ربه، ويمكن أن يموت في سبيل ذلك، تحقيقا لقوله: "فقاتل في سبيل الله، لا تكلف إلا نفسك" أما الجمهوريون فهم مقلدون، غير مكلفين بالجهاد الأكبر... لذا فان موقف الأستاذ سعيد قد كان صحيحا، درأ الفتنة، وعصم دماء إخوانه، وأخواته، وكذلك كان موقف الأستاذ عبد اللطيف... ما زلت مقيما علي هذا الرأي، وأصر علي أن الأمر قد كان فيه تنزل.
المقال أعيد نشره في سودانايل بتاريخ 7 يوليو 2020 قبل أيام في هذا الرابط:
https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... %D8%AF#top

قولك:
ثانيا: إن رأي الجمهوريين في النبي الكريم غريب، وإن رأيهم في الأستاذ محمود أغرب. فهم يزعمون أن تحقيق الفردية في قمتها في مستوي ترك التقليد هي حظ رجل واحد. أرجو التكرم بإعادة قراءة هذا النص من كتاب الأخوان الجمهوريين: التقليد والأصيل والأصلاء: (ففي هذه الدورة من دورات الحياة، دورة الحياة الدنيا تتحقق الفردية في قمتها، في مستوى ترك التقليد، لرجل واحد، هو صاحب المقام المحمود الذي يتم له إنزال هذا المقام من الملكوت، وتجسيده على الأرض.. أما جميع من عداه فهم يحققون الأصالة والفردية، داخل إطار التقليد النبوي).
يبدو لي أن المسألة مختلطة عليك، وعلى كثيرين آخرين، بسبب غموض بعض النصوص التي جاءت متأخرة. ما أفهمه هو أن الفردية والأصالة في الأصل هي للنبي الكريم عليه السلام وهو طبعا لا تعترضه عقبة التقليد التي تعترض أفراد أمته من بعده. الأمة من بعده مقلدة له، وتحقيق الفردية، في مستوى ترك التقليد، ستكون حظ الأفراد في الأمة المسلمة المقبلة، وأمة المسلمين تتحقق بعد مجيء المسيح. هذا ما يعطيه فهم هذا النص من كتاب رسالة الصلاة:
((لقد تحدثنا في آيات سورة (والنجم) التي أوردناها آنفا عن سدرة المنتهى، حيث تخلف جبريل عن المعصوم، وسار النبي بلا واسطة لحضرة الشهود الذاتي، لأن الشهود الذاتي لا يتم بواسطة، وقد كان تخلف جبريل عن النبي لأنه لا مقام له هناك، والنبي، الذي هو جبريلنا نحن، يرقى بنا إلى سدرة منتهى كل منا، ويقف هناك، كما وقف جبريل، بيد أنه إنما يقف لكمال تبليغه رسالته، ولكمال توسيله إلى ربه، حتى يتم اللقاء، بين العابد المجود وبين الله بلا واسطة. فيأخذ كل عابد مجود، من الأمة الإسلامية المقبلة، شريعته الفردية من الله بلا واسطة، فتكون له شهادته، وتكون له صلاته وصيامه وزكاته وحجه، ويكون، في كل أولئك، أصيلا، ويكون، في كل أولئك، متأسيا بالمعصوم في الأصالة.. وإنما يتم كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل كمال توسيل المعصوم إلى ربه.. ذلك لمن جود التقليد..))
النبي عليه الصلاة والسلام، كما تعرف، حقق أصالته في إلمامة المعراج يوم عرج به وتم له الشهود الذاتي، وأعطي شريعته الفردية، له هو بالأصالة ولأمته بالتبعية والتقليد، ووعد بأن يرقى بها كل حين إلى ذلك المقام المحمود، "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" ثم حققه مرة أخرى بالنزع ونزل به إلى البرزخ، كما يجيء التعبير.
المعروف عن الأستاذ محمود أنه كان مجودا للتقليد، ومنذ أن خرج من خلوته ظهر عليه أنه صاحب شريعة فردية تلقاها من ربه بعد شهود ذاتي في إلمامة روحية، وقد كان على يقين بذلك، وقد اتضح فيما بعد أنه كان يعرف أنه سيمتحن بالقتل، ولذلك كتب وصيته بتاريخ 19 مايو 1951، وهذه هي صورتها. (يمكن مشاهدتها بالضغط على الرابط)
https://scontent-ber1-1.xx.fbcdn.net/v/ ... e=5F347A05


قولك:
إذن، الجمهوريون يعتقدون بعودة النبي محمد للحياة مرة أخري في مقام الله.. مما يناقض قولكم بأن صاحب المقام المحمود سيرفع حيا.. بعد أن يكون قد ملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا الأمر الذي الذي لم يتفق للنبي الكريم.
وفي جميع الأحوال فماذا أبقيتم للأستاذ محمود، اذا كان المسيح المحمدي هو محمد بن عبدالله الذي تنتظرون عودته في قول مضطرب.. مشفوعا بشكوك منسوبة للأستاذ محمود في أقوال شفهية!!
ثالثا: أرجو التكرم بإعادة النظر في رأيك الغريب عن الأستاذ محمود، والذي يقلل تقليلاً كبيراً من قدر هذا العارف المحقق. فأنت تقول: "مقام الأصيل الواحد لم يتجسد في الأرض حتى الآن، ولكن الأستاذ محمود بدأ مقلدا في طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن حقق شريعته الفردية كفاحا فأصبح بذلك أصيلا، يرجو أن يكون الأصيل الواحد وعلى شك، بحسب ما طلب أن يقال عنه".

فقولك إن الأستاذ محمود قد حقق شريعته الفردية كفاحاً يناقض قول الجمهوريين إن الإنسان الكامل يكون بين جميع الناس وذات الله في اطلاقها. فاذا كان هناك انسان كامل بين الذات وجميع الخلائق... فكيف يمكن اذن للأستاذ محمود، أو اي شخص آخر، بمن فيهم النبي الكريم، أن يتلقى من الله كفاحا!!! ثم يصير أصيلا؟

علي أساس زعمكم الغريب هذا، لا توجد أي فرصة لأي انسان أن يتلقى من الله كفاحا. أكثر من هذا، ليس هناك فرصة لأي انسان أن يكون أصيلا، وسبب ذلك يرجع الي ان الجمهوريين يقولون إن كل الناس، فيما عدا صاحب المقام المحمود، إنما "يحققون الأصالة والفردية داخل إطار التقليد النبوي".
إذن، أما أن يكون الاستاذ محمود هو صاحب المقام المحمود الذي نفيته أنت عنه أو أن يكون أصيلا داخل التقليد!! وغني عن البيان أن الأستاذ محمود قد ترك التقليد، مما يدحض جميع مزاعمك.
لكل تلك الأسباب لم يكن للجمهوريين أي إيمان بالأستاذ محمود حتى يتم اكراههم عليه.

ولعلك تذكر أن حصر الأصالة في شخص واحد.. ونفيها عن جميع الناس إلا في إطار التقليد قد كان سبب خروجي من الفكرة الجمهورية عام ١٩٨٢، لأن ذلك القول يتناقض مع كل ما كان مطروحاً من قبل، وهو أن الأصالة حق للجميع وأن "الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"، أي لها وقت تنتهي فيه، وأنه ليس في الأصالة تقليد، كما هو وارد في كتب الأستاذ محمود ما نصه: "بيد أنه ليس في الأصالة تقليد".

لكل تلك الأسباب مجتمعة ليس هناك أي معنى لقولك إن الأستاذ محمود يرجو أن يكون صاحب المقام ولكنه على شك!!!! لأنك تقول إن النبي الكريم قد حقق المقام في البرزخ وإنه سيعود.
المسألة ليست عودة للحياة الدنيا، كما قد يتبادر للفهم، ولكن المسألة أكثر من ذلك وهي بداية اليوم الآخر وتحقيق جنة الأرض "وأشرقت الأرض بنور ربها وجيء بالنبيين والشهداء". هل تذكر ما سبق أن نقلته من كلام الأستاذ في أواخر الستينات من تلك الجلسة المسجلة؟:
((المسيح مات ورفع روح.. بعدين بينزل روح.. وهو الوقت البجي فيهو المسيح هو في الحقيقة بعث الأرواح كلها.. موش المسيح وحدو البيبعث .. كل الأنبياء والأولياء والصالحين بيبعثوا لتملأ الأرض عدلاً كما ملئت جور.. ويبعثوا: بتجي أرواحهم في أجساد ماشة في الأرض هسع ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ) .. من يشاء من عباده ، دا، فيهم الدرجات المختلفة: في ناس على قدم النبي وفي ناس على قدم موسى وفي ناس على قدم عيسى وفي ناس على .. بالصور دي.. المسيح الأخير بكون من أم وأب، في الأرض وبتكون معجزته في ناحية تانية، في كمالاتو- كمالات عقله وجسده.. كمالات خلقه.. كمالات مقدرته وقوته، علمه وإرادته وقدرته وحياته، هي البتكون المعجزة.))
أرجو تأمل قول الأستاذ في كتاب "من دقائق حقائق الدين" وأقترح عليك إعادة قراءة الكتاب كاملا:
الصلاة وسيلة الحركة في المراقي:

وأوكد ما يكون هذا العمل في الترقي المستمر إنما هو بمنهاج الصلاة فالصلاة.. في الإسلام صلاتان، كما هو الأمر في كل الشئون القرآنية، والإسلامية كما سبق أن بيّنا.. صلاة في المعنى البعيد، وهي تلك التي فرضت يوم المعراج، بعد سدرة المنتهى، حيث تخلف جبريل، وسار النبي وتريا (من غير واسطة) إلى مقام ورد في القرآن وصفه هكذا: (إذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى..) هذا مقام أحدية، وترية.. وفي ذلك المقام لم يكن بين النبي وربه واسطة، ورُفع حجاب الفكر عن النبي، فتوقف، فلم يتجاذبه الماضي: (ما زاغ البصر)، ولم يتجاذبه المستقبل: (وما طغى)، وإنما توحد مكانُه، وزمانه، فعاش في لحظته، فكان وحدة ذاتية، في وحدة مكانية في وحدة زمانية حققت له الوحدة من جميع الوجوه، فرأى الواحد.. وقال عبارة عن هذا المقام: (ليلة عُرِجَ بي انتسخ بصري، في بصيرتي، فرأيت ربي..).. هذه هي الصلاة الأصلية، وهي المعبر عنها بـ (ذكر الله) من الآية الكريمة: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء، والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون..).. وقد عبر عنها المعصوم بقوله: الصلاة صلة بين العبد وربه.. وهناك الصلاة في المعنى القريب، وهي الصلاة الفرعية (الشرعية)، التي فرضت يوم المعراج، في مقام: (قاب قوسين، أو أدنى..).. وهذا المقام قد كان جبريل مرافقا للنبي فيه، وقد كان النبي، لمكان رفقة جبريل له (شفعيا) لم تتم له (الوترية) بعد.. وقد فرضت عليه الصلاة الفرعية ههنا ـ في مقام (الشفعية) هذا ـ وجاءه جبريل، في الأرض، بتفاصيلها ـ طهارتها، وهيئتها، وأوقاتها ـ وقد قال المعصوم عنها: (الصلاة معراج العبد إلى ربه).. وقد جعلت الصلاة المعراج هذه وسيلة إلى الصلاة الصلة.. وقد قيل للنبي الكريم في أمر التوسل بها، والعروج عليها، إلى المقامات العلا: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا..) والمقام المحمود هو المقام الذي ليس بينه وبين الله واسطة، وهو بين الله وبين جميع الخلائق.. وصاحب المقام المحمود هو أول قابل لتجليات الحقيقة الإلهية المطلقة.. ومنه امتدت جميع المخلوقات ـ علويها، وسفليها ـ هو مقام أحدية وترية.. هذا المقام هو مقام الصلاة الكبرى ـ الصلة ـ وإليه توصل الصلاة الصغرى ـ صلاة المعراج ـ إذا أحسن استعمالها..

المسيح الأخير هو الحقيقة المحمدية "الشهيد" "الله". وكما جاء في خاتمة كتاب المسيح: الأمر لا يخلو من خفاء. جاء عن الشيخ ابن عربي في كتاب عنقاء مغرب ما يفيد معنى تحقيق جنة الأرض "ببعث الشهيد" "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا":
فذاك الأقدسي إمام نفسي * يسمى وهو حي بالشهيد
وحيد الوقت ليس له نظير * فريد الذات من بيت فريد
لو أن النور يشرق من سناه * على الجسم المغيب في اللحود
لأصبح عالماً حياً كريما * طليق الوجه يرفل في البرود
قال تعالى: " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا"..
كما لا يفوتني التعليق على هذه العبارة من النص بعاليه :

" والمقام المحمود هو المقام الذي ليس بينه وبين الله واسطة، وهو بين الله وبين جميع الخلائق.. وصاحب المقام المحمود هو أول قابل لتجليات الحقيقة الإلهية المطلقة.."
فعبارة "ليس بينه وبين الله واسطة" لا تعني استحالة تحقيق أفراد الأمة المسلمة المقبلة تحقيق الأصالة خارج إطار التقليد عبر الشهود الذاتي كفاحا، وإنما تعني أن قمة هرم الخليقة واحد.
أكتفي بهذا القدر الآن على وعد بالمواصلة.

مع خالص المودة وفائق التقدير
ياسر الشريف
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

مواصلة لما سبق بعاليه.

تحية طيبة إلى الأخ الأستاذ بدر الدين ولمتابعي الخيط

عودة إلى العبارة الأخيرة مما اقتبسته سابقا من قول الأخ بدر الدين

لكل تلك الأسباب مجتمعة ليس هناك أي معنى لقولك إن الأستاذ محمود يرجو أن يكون صاحب المقام ولكنه على شك!!!! لأنك تقول إن النبي الكريم قد حقق المقام في البرزخ وإنه سيعود.
نعم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حقق المقام في الإلمامة بالمعراج عند شهود الذات "وليس في شهود الذات مقام، وإنما هي إلمامة خاطفة، وجمعية مستغرقة، ينادي عندها منادي الطبيعة البشرية ((يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا))" ثم حققه بالنزع عند الموت وصار، من برزخه، يمد به كل أنوار الولايات منذئذ. ونعم، الأستاذ محمود تحقق بالشهود الذاتي، بتوسيل النبي الكريم له، وصار بذلك صاحب شريعة فردية، وكان يرجو أن يكون هو من "يُلْقَى عليه الروح" الذي جاء في قول الحق عز وجل "يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق".
يقول الشيخ النابلسي في القصيدة التي أنشدتها إخلاص في جلسة الكابلي بعاليه:
والروح روح الحـق عن إذن الإله بكل أمري
مني السلام على حتى انقضي بطلوع فجري
والأمر على مرحلتين، الأولى تمت في يوم 18 يناير 1985،: "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ " والثانية تنتظر وهي نفخة القيامة "ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"..
الجدير بالذكر أن هذه الآيات هي التي صُدِّر بها كتاب "عودة المسيح"..
تأمل أبيات الشيخ محي الدين ابن عربي وهي تعني وارث المقام النبوي:
يا أهل يثرب لا مقام لعارف ورث النبيّ الهاشميّ محمدا
عم المقامات الجسام عروجه وبذاك أصبح في القيامة سيدا
صلى عليه الله من رحموته ومن أجله الروح المطهر أسجدا

قولك:


رابعاً: أراك قد أهملت قولي عن الرمزية وعن ضرب الأمثال. وأنا لا أحب أن أزايل مقامي هذا قبل أن أؤكد لك أن الأستاذ محمود كان يتحدث بالرمزية وكان يضرب الأمثال بالمسيح المحمدي وبغيره في مواضع كثيرة...ولعل من أبلغها ما ورد في كتاب عودة المسيح: "ولذلك فإن المسيح الأخير إنما هو المسيح المحمدي في معنى أنه يجيء بالرسالة الثانية من الإسلام التي عاشها محمد، وظلت مدخرة، في القرآن، وفي سيرته، لتعيشها بشرية القرن العشرين".

فمن هو صاحب الرسالة الثانية من الأسلام؟

ومن هو الذي عاشها في القرن العشرين؟

أليس هو الأستاذ محمود؟

بفهمي لهذه الرمزية، وبفضل من الله وعناية فقد التقيت بالأستاذ محمود مرة أخري كما وعد وكما أوفى "إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا"، ولم يجر لقائي بالأستاذ محمود علي ذلك النحو السطحي الذي تصورته ثم أسقطته علي فهمك لما ورد في الشريط المسجل عن القديس بطرس.
في تقديري أن المسألة ليست رمزية وضرب أمثال فقط وإنما قبل كل شيء هي حقيقة.
أنا النور المبين ولا أكنِّي * أنا التنزيل يعرفني ابن فني
فصاحب هذا البيت وهو الشيخ النابلسي قد قال أيضا:
إن تكن بالله قائم * لم تكن بل أنت هو
أنت ظل الغيب من * أسمائه والشمس هو
الأستاذ محمود هو صاحب الرسالة الثانية بمعنى أنه هو الذي بشَّر بها، وعاشها، وأخيرا دفع في سبيلها حياته مسلماً وجهه لله، "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا"... "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" ، فكان مثله كمثل المسيح عيسى عليه السلام.. كتب الأستاذ محمود في مقدمة كتابه "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد":
((وفي قول الله تعالى: ((وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين* ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب، وهو يدعى إلى الإسلام؟ والله لا يهدي القوم الظالمين)) إشارة لطيفة إلى الأحمدية والمُحمّدية.. فإنه قد جاء مُحمّد بنبوة أحمدية، ورسالة مُحمّدية.. فكان أحمد المشار إليه من وجه، ولم يكنه من وجه.. فدعا إلى الإيمان تفصيلا، ولم يدع إلى الإسلام إلا إجمالا، في معنى ما بلغ القرآن، وفي معنى ما سار السيرة.. وقد استجابت له أمة المؤمنين.. وسيجئ مُحمّد بنبوة أحمدية، ورسالة أحمدية، فيدعو أمة المؤمنين، ويدعو غيرها من سائر الأمم إلى الإسلام، ويفصل، في التشريع، وفي التفسير، ما أجمل في القرن السابع.. وسيستجاب له استجابة مستفيضة، ذلك بأن وعيد الله يومئذ سيستعلن.. وذلك حيث يقول جل من قائل: ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين..)) ووعد الله سيتحقـق، وذلك حيث يقول، تبارك من قائل: ((اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا..))
طبعا هناك من يقول "وأين هي الاستجابة المستفيضة"؟ فما حدث هوعلى النقيض، فقد انتهى بمقتل الأستاذ محمود، والإجابة هي أن الاستجابة قادمة لا ريب "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا". هذا النص الذي وضعته بعاليه جاء في حديث الأستاذ عن الأحمدية والمحمدية ويحسن أن أضعه كاملا لمصلحة القراء جميعا:

الأحمدية والمُحمّدية

لقد أنى للناس أن يميزوا، بصورة دقيقة، ليس بين النبوَّة والرسالة فحسب، وإنما بين الأحمدية والمُحمّدية أيضا.. فالأحمدية نبوَّة، والمُحمّدية رسالة.. ونبينا مُحمّد بن عبد الله جمع بين الأحمدية والمُحمّدية.. فهو أحمدي النبوَّة مُحمّدي الرسالة.. أو قل هو مما يلي الله أحمدي، ومما يلي الناس مُحمّدي.. هو أحمد في السماء، ومُحمّد في الأرض..
والفرق بين الأحمدية والمُحمّدية كبير.. المسافة بعيدة بين الأحمدية والمُحمّدية.. فإن المُحمّدية تنزل من الأحمدية، اقتضاه حكم الوقت وعين مستواه حاجة الأمة في القرن السابع، وطاقتها.. وهذه المسافة تمثل الفرق بين السنة والشريعة، وهذه تحكي الفرق بين مستوى النبي، ومستوى الأمة، وهو فرق شاسع جدا.. وقد قلنا مرارا كثيرة إن النبي لم يكن من مجتمع القرن السابع الميلادي، وإنما هو قد أتاهم من المستقبل ـــ أتاهم من القرن العشرين ـــ وهو، وإن عاش معهم، فإنما كان يعايشهم، ويعاشرهم، ولكنه لم يكن منهم.. فقد كان هو المسلم الوحيد بينهم، وكانوا هم المؤمنين.. فقد روي عنه أنه قال ذات يوم: ((واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي.. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي.. واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!! قالوا من إخوانك يا رسول الله؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعيـن منكم!! قالوا: منا، أم منهم؟ قال: بل منكم!! قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون على الخير أعوانا)).. وروح هذا الحديث في التفريق بين الأصحاب والإخوان.. فقد كان المؤمنون أصحابه، ولم يكونوا إخوانه.. وإنما إخوانه المسلمون، وهم لم يكونوا حاضريه يومئذ وإنما كان هو فرطهم.. وقد عبر عنهم بقوله:((الذين لما يأتوا بعد)): وحديثه عنهم، وتعبيره، مأخوذان من قول الله تعالى في الآيات الكريمات التي صدرنا بها هذه المقدمة، وذلك قوله: ((وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم)) فبعد أن تحدث عن الأميين الذين بعث فيهم نبينا: ((هو الذي بعث في الأمّيين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكّيهم، ويعلّمهم الكتاب، والحكمة، وإن كانوا، من قبل، لفي ضلال مبين)) جاء ليقول: ((وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم)).. فالأولون هم الأصحاب، والآخرون هـم الإخوان الذين قال عنهم نبينا في حديثه ((الذين لما يأتوا بعد)) أخذا من عبارة القرآن: ((لما يلحقوا بهم)).. وعبارة النبي: ((للعامل منهم أجر سبعين منكم)) مأخوذة من القول الكريم: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم))..
ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين: الأمة المؤمنة ـــ الأصحاب.. والأمة المسلمة ـــ الإخوان.. وإنه بذلك صاحب رسالتين: الرسالة الأولى مُحمّدية، والرسالة الثانية أحمدية.. أو قل الرسالة الأولى الشريعة التي فصلها للأمة، والرسالة الثانية السنة التي أجملها، ولم يفصّلها إلا في معنى ما مارسها، وعاشها دما ولحما..
وهو قد قال: ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بـدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء، يا رسول الله؟ قال: الذين يحيـون سنتي بعـد اندثارها..)) وهو حديـث قد أشرنا إليه من قبل في كتابـنا: ((لا إله إلّا الله))، ولفتنا الانتباه إلى أنـه لم يقـل يحـيـون شـريعتي، وإنما قال: ((يحيون سنتي)).. ولا بد لمن يريد أن يعرف دقائق الدين أن يملك المقدرة على التمييز بين الشريعة والسنة، وذلك أمر يقصر فيه كثير من الناس، ممن يتصدون للحديث عن الدين، إن لم نقل كلهم..
وفي قول الله تعالى: ((وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين* ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب، وهو يدعى إلى الإسلام؟ والله لا يهدي القوم الظالمين)) إشارة لطيفة إلى الأحمدية والمُحمّدية.. فإنه قد جاء مُحمّد بنبوة أحمدية، ورسالة مُحمّدية.. فكان أحمد المشار إليه من وجه، ولم يكنه من وجه.. فدعا إلى الإيمان تفصيلا، ولم يدع إلى الإسلام إلا إجمالا، في معنى ما بلغ القرآن، وفي معنى ما سار السيرة.. وقد استجابت له أمة المؤمنين.. وسيجئ مُحمّد بنبوة أحمدية، ورسالة أحمدية، فيدعو أمة المؤمنين، ويدعو غيرها من سائر الأمم إلى الإسلام، ويفصل، في التشريع، وفي التفسير، ما أجمل في القرن السابع.. وسيستجاب له استجابة مستفيضة، ذلك بأن وعيد الله يومئذ سيستعلن.. وذلك حيث يقول جل من قائل: ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين..)) ووعد الله سيتحقـق، وذلك حيث يقول، تبارك من قائل: ((اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا..))



إذن الذي يطبق الرسالة الثانية هو المسيح المحمدي، أو الرسول أحمد المبعوث "في القيامة سيدا".

قولك
ختاماً: بناء على ما تقدم فقد أصبح واضحا أن الجمهوريين لا يعتقدون أن الأستاذ محمود هو صاحب المقام المحمود. ويترتب أيضا على فهمهم هذا أن الاستاذ محمود ليس أصيلاً تاركا للتقليد، لأن صاحب المقام المحمود هو الأصيل الواحد الذي وحده يترك التقليد في هذه الحياة الدنيا.
التعقيب جرى في ما سبق فليراجع.
قولك:
لذلك السبب ولغيره تنازل الجَّمهوريُّون عن استاذهم، وحلوا حزبهم الذي ظل معطلاً منذ 18 يناير 1985، فيما عدا كتابات متضاربة هنا وهناك قام بها بعض الجمهوريين، مخالفين بذلك رأي كبير الجمهوريين الأستاذ سعيد شايب والذي قال صراحة إنه غير مأذون له ولا لغيره بالدعوة للفكرة الجمهورية.
توخيا للدقة علينا أن نقول أن الحزب الجمهوري كان محلولا منذ انقلاب مايو 1969، والذي حل مكانه بعد ذلك هو حركة وتنظيم الأخوان الجمهوريين، وهذا التنظيم أدى دوره حتى استنفده، وتوَّجَه الأستاذ محمود بتلك الوقفة المشهودة حيث جسَّد قول الله تعالى "إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى".. كل ما يقوم به الجمهوريون الآن هو محاولة التعريف بالأستاذ محمود وبتراثه الذي تركه مكتوبا أو مسجلا. وهذه مناسبة لتعريف أو تذكير القراء بحوار صحفي أجري مع الأستاذ سعيد الطيب شايب ونشر في 6 يناير 1986 في صحيفة الأيام:
https://www.alfikra.org/article_page_vi ... &page_id=1
قولك:
وأخيرا، عاد الجمهوريون للنشاط في جماعات متفرقة ومتناقضة تبحث عن التبرير لموقفهم من الأستاذ محمود وتبحث عن تغطية لانكارهم لمقامه الباذخ الشامخ في تلك التعليلات الواهية كالفداء والإكراه والعودة...الخ الي درجة تزوير حقائق التاريخ وصناعة شخصية أخري للأستاذ محمود كالشخصية التي أظهرها الفيلم الوثائقي موضوع هذا الخيط والتي تحصر الأستاذ محمود في كونه "أحد" المفكرين الحداثيين او كشهيد يجسد معارفه على منصة الاعدام وتخفي أصالته وفرديته وسيرته الروحية وتركه للتقليد.
الأستاذ محمود أصبح شخصية عالمية، من حق جميع الناس تداول الحوار والتوثيق حول حياته وتراثه وأفكاره.
قولك
ثم تتواصل عملية تزوير التاريخ والمسخ والتشويه والتقليل من شأن الرسالة الثانية واعتبارها مجرد مشروع إصلاحي لقائد قاوم الاستعمار أو فهم جديد يقوم على طريق محمد والأصول والفروع.
لا أعتقد أن أحدا من الجمهوريين يقلل من شأن الرسالة الثانية من الإسلام، كما أن الواقع في العالم يرتفع كل حين نحو مقولاتها، ولذلك من واجب كل من يستطيع أن يعرف الناس بتراثها وبحياة الأستاذ محمود أن يفعل. هذه المحاضرة للأستاذ محمود بعنوان "الدين ورجال الدين عبر السنين" كنت أنت يا بدر الدين مدير جلستها في مدني يوم 22 ديسمبر عام 68 عقب مهزلة محكمة الردة. حفظ هذه المحاضرة ووضعها في يوتيوب وفي موقع الفكرة alfikra.org هو نموذج من نماذج حفظ تراث الفكرة الجمهورية وتعريف الناس بها.


https://www.youtube.com/v/eepuRDdsz4s
وفي الختام لك خالص المودة وفائق التقدير
ياسر الشريف
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

تعقيب جديد من الأستاذ بدر الدين يوسف دفع الله السِّيمت على د. ياسر الشريف المليح:



نعم، تنازل الجمهوريين عن الأستاذ محمود صحيح، ولكن الخطأ هو انكارهم لذلك التنازل، ثم ابتداعهم لعقائد متناقضة ونسبتها لشخص الأستاذ الجليل محمود محمد طه.

عزيزي الفاضل الدكتور ياسر المليح

تحيتي وتقديري

الشكر موصول لك لمواصلة الحوار في مقالين بعد تعقيبي الأخير، وأود أن اضيف هنا ما يلي:

أولا: فيما يتعلق بموضوع الإكراه فأنه لا يجوز الحديث في هذا الصدد الا بعد إثبات الإيمان الذي يقع عليه الإكراه. ولقد أوضحنا في المرة السابقة أن إيمان الجمهوريين الأربعة قد انهار لحظة وقوع الاغتيال والموت الحسي للأستاذ محمود، وقد جاء حديثك مؤكدا لذلك في قولك: "كان الجمهوريون ينتظرون تنزل المقام"، الأمر الذي لم يحدث بل حدث عكسه تماما. هذا الانهيار في الإيمان يجعل حديثك عن الإكراه واستدلالك بقصة عمار بن ياسر المروية في كتب خصومه ليست ذات معني.
هذا فضلا عن أن مشاهدة تنفيذ الحكم رغم قسوتها لم تكن السبب في اي إكراه كما تزعم وانما كانت السبب في رفع الإيمان الذي كان قد عصمهم من قبل عن التنازل في وجود الأستاذ وفي ظل قناعتهم أن الأستاذ لن يقتل.

ومما يزيد الطين بلة، حديثك عن شك الأستاذ!! وعدم إسلامه!! وفجوات تطبيقه للإسلام!! والذي أخرجته عن سياقه، وأتيت به بصورة مبتورة وناقصة توحي بالتقليل من قدر الأستاذ العظيم.

إن العارف الكامل عندما يمد بصره في جلال حضرة العز، يعنو وجهه للحي القيوم ويخضع لسطوة الإطلاق، وفي هذه السبحات العليا ورد قوله تعالي عن النبي الكريم في القرآن "وما أدري ما يفعل بي ولا بكم"، أو الحديث الشهير "أعرف عارف بجانب الله أحمق من بعير"، والذي كان يردده الأستاذ محمود في مثل هذا السياق السامي.

ثانياً: أما عن رأيي في تنازل الجمهوريين الذي ورد في ردى علي الأستاذ خالد الحاج فالطبع ما أزال عند رأيي، سيَّمَا وأم الجمهوريين كانوا، وما يزالون، مقلدين وليس لهم قدم في ترك التقليد الذي كان عليه الأستاذ محمود مما يجعل إقدامهم على الإعدام في أمر لا يعرفونه تهوراً لا معني له. لذلك أنا ما أزالُ ثابتاً على صحة رأيي في تنازل الجمهوريين الأربعة.. وقد سبق لي أن أشدت بموقف الأستاذ سعيد شايب، كبير الأخوان الجمهوريين، الذي حقن دماء إخوته.

أما الخطأ الذي أشدد عليه النكير فهو إنكار الجمهوريين لذلك التنازل بتبريرات واهية وعقائد خرافية على شاكلة الإكراه، والفداء، والعودة المزعومة.

وأسوأ من ذلك كله اصطناعهم وابتداعهم لشخصية متناقضة للأستاذ محمود تطعن في قدره العظيم، وتزعم أنه لم يحقق المقام المحمود، بل لم يحقق الأسلام في قمته وإنما كان يتردد بين الشك والفجوات في تطبيق الاسلام... ثم إنك ذكرت على استحياء أن الأستاذ كان أصيلاً ومحققا لشريعته الفردية، مناقضاُ بذلك نظرية الأصيل الواحد في هذه الحياة الدنيا التي قد كانت سببا لخروجي من الفكرة في العام 1982.

ثالثاً: الشكر موصول لك لإيراد اللقاء الذي تم مع أخي الأستاذ سعيد في العام 1986: هذا التحقيق لا ينهض حجة لك بل عليك. فقد أثبت الأستاذ سعيد المقام السامي للأستاذ محمود والذي يقصر عنه تطاول المتطاولين، وتحدث بلسان بليغ عن جريمة اغتيال الأستاذ وضرورة التحقيق فيها، ورد الاعتبار لابن السودان العظيم، وطالب بالغاء قوانين سبتمبر. وجميع تلك القضايا الهامة لم يطالب الجمهوريون باي واحدة منها حتى الآن!

إضافة الي ذلك فإن الأستاذ سعيد بعد ذلك التحقيق لم يقدم محاضرة عامة عن الفكرة الجمهورية، ولم يكتب كتابا. بل إنه أعترض على الكتب التي أصدرها بعض الجمهوريين، كما اعترض على التنظيمات التي أقامها بعض الجمهوريين كالخط العام مثلاً. وغني عن البيان أن بعض القيادات الجمهورية اتهمت الأستاذ سعيد بالطائفية! وخرجت عليه، وظل الجمهوريون بعد ذلك مهادنين لنظام الانقاذ فيما عدا مواقف الأستاذة أسماء محمود محمد طه وبعض الأوفياء من الجمهوريين.

رابعاً: وإن تعجب، فعجب إيرادك لوصية الأستاذ محمود المؤرخة في مايو 1951، والتي كتبها في أثناء خلوته المجيدة، والمتعلقة بسداد بعض ديونه من حقوقه في أعماله، ويشمل ذلك كفالة أبنائه، وطريقة دفنه في حالة وفاته قبل خروجه من الخلوة.. وأحب أن الفت نظرك الكريم الي أنه قد تم تنفيذ تلك الوصية بخروج الأستاذ من الخلوة، عارفا مكتملا.

خامساً: أما اعادتك لحديث الأستاذ عن نزول الروح في العباد ونصيحتك لي باعادة قراءة كتاب "من دقائق حقائق الدين"، فهو يدلل على اهمالك لحديثي عن ضرب الأمثال، والذي يؤسفني أنك قد صددت عنه: "ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون". فالأستاذ محمود كان يلقي اليه الروح في اللحظة الحاضرة وكان يضرب لكم الأمثال، في ذلك اليوم، كما كان يفعل كل يوم.

أما أنت فقد ذهبت بحديث الأستاذ الي الماضي، ثم أسقطت فهمك له على المستقبل، ولم تكتف بذلك، بل ذهبت للجزم بحتمية حدوث ما تصورته في المستقبل بقولك إن "الاستجابة قادمة بلا ريب". وأنا أسألك من أين أتيت بهذا الجزم القاطع عن المستقبل؟!!

ويجدر هنا أن نذكرك، ومن ورائك الجمهوريين، بأن الجرأة علي الله بهذه الصورة التي تؤكد حدوث وقائع في المستقبل، هي التي أوردت الجمهوريين موارد الهلاك، حينما لم يتحقق تصورهم المتوهم عن الأستاذ محمود يوم 18 يناير 85، فتنازلوا عنه وكفروه.

سادسا: أما قولك بأن: (("ليس بينه وبين الله واسطة" لا تعني استحالة تحقيق أفراد الأمة المسلمة المقبلة تحقيق الأصالة خارج إطار التقليد عبر الشهود الذاتي كفاحا))، فهو قول منكر، ويناقض ما ورد في كتب الجمهوريين. مثلا: ((ففي هذه الدورة من دورات الحياة، دورة الحياة الدنيا، تتحقق الفردية في قمتها، في مستوي ترك التقليد، لرجل واحد هو صاحب المقام المحمود، الذي يتم له إنزال هذا المقام من الملكوت، وتجسيده على الأرض.. أما جميع من عداه فهم يحققون الأصالة والفردية داخل إطار التقليد النبوي)).

من الواضح أنك قد أوردت عبارة "خارج إطار التقليد عبر الشهود الذاتي كفاحاً" من عندك ليستقيم لك القول بأن الأستاذ محمود قد كان أصيلا.. مع أن النص أعلاه يترتب عليه أحد أمرين لا ثالث لهما: أما أن يكون الأستاذ محمود هو صاحب المقام المحمود الذي يصح في حقه وحده ترك التقليد، أو أن يكون الأستاذ محمود قد كان مخطئا في تركه للتقليد لأنه لم يحقق المقام المحمود.

سابعا: سؤالي ما يزال قائما: اذا كان النبي عليه السلام في الدار الآخرة، واذا كان الأستاذ محمود في الدار الآخرة، فمن هو صاحب المقام المحمود الذي تنتظرون عودته؟ وتتحدثون عنها بهذه الثقة؟ وتضللون بها الناس؟ هل تنتظرون عودة النبي محمد بن عبدالله؟ أم الأستاذ محمود محمد طه؟ ولا أريد أن أشق عليك فأسالك مرة أخري عن ايمان الجمهوريين الذي تقول إنهم أكرهوا عليه لأنك قد تجنبت الاجابة عليه في المرة السابقة بوضوح وبصورة مباشرة.

ختاما أرجو أن تقبل خالص تحياتي وتقديري


بدرالدين يوسف السيمت
مركز دراسات التأويل
16 يوليو 2020
أضف رد جديد