قراءة نقدية لمسرحية تجنيد اجبارى

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

قراءة نقدية لمسرحية تجنيد اجبارى

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

مسرحية تجنيد إجباري
او كيف يختبئ البستان في الوردة
مسرحية تجنيد إجباري قدمت في يوم الافتتاح خارج المسابقة من اخراج الاستاذ ياسر عبد اللطيف نتاج ورشة دراماتورجيا الممثل تمارين في الارتجال والكتابة المشهدي ومن اداء نصر الدين عبد الله، حمد النيل خليفة، رفعت السر، على يونس، جسور ابو القاسم، حسين عثمان، غازي عثمان، محمد فاروق، محمد جابر، بشير عبد الرحمن، وامنة امين. المسرحية من نوع المسرح التوثيقي التسجيلي لحدث معروف وهو اغتيال عدد 150 طالب في معسكر العيلفون لتجنيد الشباب بتاريخ 2 ابريل 1998 قبل ايام قليلة من عيد الأضحية المبارك.
قبل رفع الستار نستمع الى عزف موسيقى عذب من الة الساكسفون. قسم بناء العرض الى ستة مشاهد تبدأ بمشهد دخول ممثل يذكر اسمه الحقيقي رفعت السر عثمان ثم يسرد معلومات عن اسرته اطفاله الاولاد والبنات، ثم يظهر حسين ادم، محمد بشير محمد جابر. حسين عثمان، محمد فاروق، على يونس، حمد النيل يحكى كل واحد عن حياته الخاصة لنكتشف انهم جاءوا من كل مدن السودان المختلفة الخرطوم امدرمان بورتسودان، نيالا، الابيض، الحاج يوسف، سنار، يحكون حكايات بسيطة عن ذكريات صغيرة مثل مشاهدة المسلسلات في التلفزيون وحياة دون كهرباء وسقوط المطر في الابيض وسبل كسب العيش في سنار. مشهد افتتاحي تبدو فيه ملامح شخصيات العرض وشخصيات المعسكر.
المشهد الثاني داخل معسكر التدريب والشباب يرددون جلالات الجيش:
الليلة وى وى يابنية
زاندوية يا بنية
الليلة انا جيت يا بنية
شغل بدمو يابنية غلبني صمو يا بنية
شغل بى صوفوه يا بنية غلبنى اشوفو يا بنية
ثم مرة اخرى منولوجات كل واحد منهم يحكى كيف تم اعتقاله وسوقه لمعسكر التجنيد الإجباري. قصص بسيطة وصادقة وعفوية أحدهم يحكى عن ذهابه لشراء الصعود لخاله فيقع في الاعتقال واخر يحكى عن ذهابه مع صديقه لتناول فتة البوش. وثالث يحكى عن خروجه مع والدته بحثا عن الدواء. ورابع يبحث عن اكمال الكيف بفنجان قهوة في السوق يقوده للاعتقال.
المشهد الثالث بأسلوب تقريري يدخل الممثل ومخرج العرض ياسر عبد اللطيف متقمصا دور المذيع ويبدا بقراءة خبر وتعليق عن مجزرة العلفون بصوته الدرامي الرعاش يقرا في الثاني من ابريل من العام 1998 حصد الرصاص ارواح عدد 150 من مجندي معسكر العليفون ويصرح الجدير بالذكر ان قائد المعسكر هو القيادي في المؤتمر الوطني كمال عبد اللطيف والذى تمت مكافاته بترقيته كأمين عام للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم ثم مندوبا للسودان بالجامعة العربية...والمعروف ان جرائم القتل لا تسقط بالتقادم ويحاكم عيها كما حدث في سيراليون ورواندا من قبل محكمة العدل الدولية.
في المشهد الرابع اختلطت السخرية بالحزن وقائد التدريب يستعرض خصوصية الافراد من خلال تفتيش اغراضهم الشخصية. يعاقب أحدهم على حمله نشا ((وهو مشروب شعبي)) اهدته اليه خالته بالطواف في ارجاء المعسكر وهو يردد خالتي الخرقاء سوت لي نشا. وعقوبة أكثر قسوة على شاب حمل معه فتيل جلسرين ان يتجرع الجلسرين. وسخرية من وجود كتاب للطيب صالح وكتاب لعلى الملك في بعض الحقائب ليعلن قائد المعسكر هنا لا نحتاج لكتب ونعرف كتاب واحد فقط هو القران الكريم.
في المشهد الخامس وفى استراحة من التدريب تنثال الحكايات والذكريات. أحدهم يحكى عن حلمه بالزواج من ممثلة سورية جميلة ظهرت في مسلسل. وحكاية عن حلم أحدهم بوالده وامامه جثث مقطعة واشلاء ودماء وكأنه يتنبأ بالكارثة القادمة للمعسكر...وحكاية عن حلم بدراسة السينما في الهند. وحكاية عشق اغنيات الفنان الراحل خوجلي عثمان. واحدهم يفاضل بين الاطعمة أحب الطحينة ومديدة الحلبة ومديدة الدخن وأكره ملاح ام تكشو وام رقيقة...وقصيدة شعر غزلية تتلى في السمر.
في المشهد السادس يدخل رجل الدين المؤدلج يخاطبهم ارى وجهكم النيرة وارى فيكم مشاريع شهداء والحور العين في انتظاركم.
في المشهد السابع يجلسون على الارض واما كل واحد منهم صحن كبير من الالمنيوم يقسمون فيه قطع الخبز لتجهيز وجبة البوش الفقيرة والمكونة من ماء الفول وبعض البهارات...ومع اقتراب ايام عيد الأضحية المبارك تتداعى ذكرياتهم عن العيد والطعام الدسم العامر بالشواء واللحوم في مفارقة مع واقع حالهم في اعداد وجبة البوش يتذكرون ايام العيد والشواء والشراب والتجمع مع الجيران. بصوت خافت وايقاع بطيء يرددون اغنية الفنان النور الجيلاني جانا العيد وانت بعيد ابيت ما تعود ما تبارك العيد يتصاعد ايقاع الغناء ويدخل عزف الساكسفون يصاحب الاداء بلحنه الشجي يدخلون في نوبة من الانسجام والتصفيق والرقصي. فجاءة يدخل صائحا الداعية المؤدلج غناء في المعسكر يصدر فورا اوامره الى قائد التدريب بأرسالهم الى مناطق الحرب والعمليات يرفض قائد المعسكر محتجا بانه يستلم الاوامر فقط من ادارة المعسكر.
في المشهد الثامن يعود الداعية المؤدلج مرتديا زيا عسكريا ويصدر الاوامر في اشارة ذكية لاندماج السلطة الدينية والسلطة العسكرية.
في المشهد التاسع يذكر أحدهم زملائه بأحد زملائهم سب الدين للمدرب وقدا سلك ((قدا سلك تعنى هروبه عبر السلك الشائك للمعسكر)).. يحملون شطنهم الحديدية ويبذؤن في الطرق بقوة على اسلاك المعسكر اشارة لاستعدادهم للهروب.
بقعة ضوئية قوية متزامنة مع مؤثر صوتي قوى يرقدون على خشبة المسرح جثث مغاطاه بالأكفان البيضاء.
المشهد العاشر والاخير الممثلة امنة امين معلقة على سور المعسكر وفى منولوج باكي ومؤثر تندب ابنها عوض من ضمن ضحايا المعسكر تنوح الليلة حي ووب الليلة حي وووب الرصاص مطر مطر مطر.
ومع ابتهالات العيد الله الله الله أكبر لا إله الا الله
الله أكبر كبيرة وسبحان الله بكرة واصيلا
تختم مشاهد المأساة
العرض لامس وترا سياسيا طازجا والجمهور مشحون بأحداث الثورة والجمهور شاهد على مجزرة اعتصام القيادة نجح المخرج في وضع مرآة امام مجزرة العيلفون عكست صورتها مجزرة القيادة لتخاطب جرحا لم يزل ينزف في ذاكرة جمهور تفاعل مع العرض بالهتاف والتصفيق.
لم تكن التقريرية والتوثيق في العرض خصما على جودته الفنية فانقضاء فترة زمنية طويلة من الحدث مكن من نضوجه فنيا لدى المؤلف والمخرج.
البناء الدرامي لنص العرض اختصر الحوار واستعاض عنه بمنولوجات للشخصيات في المشهد الافتتاحي وكل شخصية تقدم نفسها وفى مشهد رواية كل شخصية عن طريقة اقتياده للمعسكر وفى مشهد حديث الذكريات عن ايام العيد في كل هذه المنولوجات نجد طرفي معادلة الاتصال والانفصال ففي الحديث عن ذكريات العيد نجد الانفصال في اختلاف تفاصيل كل ذكرى عن الاخرى وفى الاتصال نجد خيط رابط بينها وهو الاشتياق والفرحة وبهجة الاعياد وفى الحديث عن وقائع الوقوع في قبضة العسكر للالتحاق بالمعسكرات نجد الانفصال في احداث وطريقة الاعتقال ونجد الاتصال في انسانية وبساطة ما يطلبه الشباب من فنجان قهوة او وجبة جماعية مشتركة او شراء دواء للحبوبة. المنولوجات وان بدأت ظاهريا كحالات فردية او خطاب مبتور ولكنها في سياق عام عبرت عن عقل مشترك ومشاعر متقاربة.
نسج المخرج عرضه عبر ثنائيات ضدية متعددة كبرى وصغرى مثل ثنائية الفرد وحريته وذاتيته في مقابل جماعية قمع السلطة وهي تسحق الفردية بالقمع والقهر لينام بالأوامر ويأكل بها ويصحو بها. ثنائية المطالب البسيطة في حق التمتع بإجازة العيد في مقابل سلطة المنع والحرمان...ثنائية ضدية ثقافية بين حق المواطن في اختيار الكتب التي يحبها مقابل سلطة تفرض كتابا واحدا هو القران الكريم. ثنائية ضدية بين محاولة سلمية للهروب مقابل سيل منهمر من الرصاص او غرق في النيل فالبحر من الامام والرصاص من الخلف.
اجاد طاقم الاداء وبرز على نحو خاص الممثل المخضرم نصر الدين في دور رجل الدين الداعية والممثل حمد النيل في دور قائد التدريب والممثل رفعت السر في دور مجند والفنانة القديرة امنة امين في منولوج الختام.
اقتصد المخرج في استخدام عناصر العرض فالسينوغرافيا اختصرت في سرير للنوم يتحول الى خيمة تارة والى سور المعسكر تارة أخرى. وقطع إكسسوارات بسيطة من شنطة حديدية قديمة وعدد من صحون الالمونيوم، الملابس زي تدريب المجندين من الدمورية الرخيصة باهتة الالوان وزى عسكري للمجند والداعية. الموسيقى شكلت عنصرا ايجابيا في العرض بالة الساكسفون وعزفها الحي الشجي المصاحب.
من المشاهد التي اختصرت وكثفت كثيرا من الجمال في لحظات قليلة وتماهت مع عبارة شاعرنا الكبير محمد المكي ابراهيم عن اختباء البستان في الوردة.
مشهد دخول الداعية مرتديا الذي العسكري ليختصر مأساة استمرت 30 عاما من استبداد سلطة جمعت بين الديكتاتورية العسكرية والادلجة السياسية الاخوانية.
ومشهد طرق الشباب على سلك المعسكر تسقط بقعة ضوء وصوت مؤثر صوتي قوى ثم اكفان بيضاء. بأدوات بسيطة وفى ثوان قليلة أشعل المخرج ذاكرة المتفرج بشريط احداث طويلة فيها الهروب وإطلاق النار والصرخات والصعود الى المراكب ومحاولات السباحة والغرق في النيل وثكلات الامهات وبكاء الاباء واليتم في ليلة العيد.
ومشهد منولوج امنة امين وهي تنوح وتبكي لفقدان ابنها الليلة حي ووب الليلة حي ووب الرصاص مطر الرصاص مطر كتلوهم كتلوهم.
شكرا ياسر على هذه الوردة التي يفوح اريجها وعطرها وهي تتفتح عن خباء الحديقة.
أضف رد جديد