قراءة في خطبة وخطاب السيد الإمام - محمد سليمان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

قراءة في خطبة وخطاب السيد الإمام - محمد سليمان

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

قراءة في خطبة وخطاب السيد الإمام في عيد الأضحى

بقلم: محمد سليمان



(1)
شن السيد/الإمام الصادق المهدي هجمة شعواء على ما أسماها بالعلمانوية وعلى ما وصفه ب (التكتل العلمانوي) وذكر أنه سيعمل على تخليص الوطن من براثن العلمانوية، كما حرض القوات المسلحة بكافة مكوناتها ل(حماية الوطن) من الانجراف نحو (الاستلاب العلمانوي). لا يهمنا هنا ماذا يعني السيد الإمام الصادق المهدي تحديداً ب مصطلح (علمانوي) أو الفرق بينه وبين مصطلح (علماني) الذي يتحاشى السيد الإمام استخدامه لغرض في نفس يعقوب، ولكن القاسم المشترك بين المصطلحين بالتأكيد لا يقل عن فصل الدين عن الدولة، وهذا هو مربط الفرس.
المفارقة هنا هي أن السيد الإمام الصادق المهدي لم يطلق هجمته الشعواء تلك على العلمانية أو العلمانوية، سمها ما شئت، من دار حزب الأمة ولا من منبر للندوات السياسية أو الثقافية، وإنما أطلقها، من على منبر مسجد الأنصار بود نوباوي وفي صلاة عيد الأضحى المبارك، أي في مناسبة دينية في طقس تعبدي في مكان ذي قدسية دينية، فهل هناك صورة فاضحة من صور استغلال الدين في السياسة أكثر من هذه الصورة، وهل هناك ما يدعم حجة العلمانية وضرورتها وضرورة التمسك الحازم بها وبفصل الدين عن الدولة أكثر من هذا المشهد؟!!! ولا يغيب عن الذاكرة أن نفس هذا المسجد كان قد أغلق في وجه المتظاهرين وطردوا منه في عام 2012 بحجة أنه دار للعبادة لا للسياسة.
(2)
نفهم تماماً أن يكون للسيد الصادق المهدي خلافاته مع وموقفه من التيار العلماني/العلمانوي، ولكن من المؤسف جداً أن يندفع السيد الإمام لاتهام ذلك التيار (وهو يقصد تحديداً الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو) بأنه (يحظى بدعم خارجي تقدمه القوى اليمينية الأمريكية الإنجيلية)، بينما محركات الطائرة الخاصة التي حملته هو ورهط من أحبابه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور مؤتمر فقهي لم تتوقف بعد، مقروءاً مع زيارة السيدة الدكتورة مريم الصادق لنفس الدولة من قبل وفي وقت حرج من تطور ثورة ديسمبر المجيدة لتقديم واجب شكر ما.
السيد الصادق المهدي يدرك جيداً أن القوى اليمينية الأمريكية الإنجيلية هي قوى دينية في الأساس وأنها، لو صح أنها قدمت دعماً لحركة السيد عبد العزيز الحلو، فهي لن تقدمه لأن تلك الحركة علمانية، وإنما ستقدمه لدعم تقرير المصير وتقسيم السودان، كما ذكر السيد الصادق في خطبته ذاتها. لقد انقسم السودان من قبل وانفصل الجنوب ليس بسبب العلمانية أو الدعوة إليها، وإنما بسبب إصرار إسلاميي الإنقاذ على الإبقاء على دولتهم الدينية مهما كان الثمن، فهل يريد السيد الإمام الآن، من وراء هجومه على التيار العلمانوي ومن خلال دعوته القوات المسلحة للتدخل ل (حماية الوطن) أن يقود البلاد في نفس الطريق؟!
(3)
ذكر السيد الصادق المهدي في خطبته أن ثورة ديسمبر المجيدة قد (جردت النظام من دعاويه الإسلاموية)، كما ذكر أن التكتل الوطني الذي يدعو له سيتصدى لأجندتي (الإسلاموية) والعلمانوية المدمرتين للوطن. السيد الصادق المهدي قائد ومفكر إسلامي بارز (ونعني بإسلامي أنه ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي)، ولذلك يبدو حريصاً جداً، وبعكس تناوله لمسألة العلمانية والعلمانيين، على التفريق في حديثه دائماً بين ما يراه إسلامياً وما يراه إسلاموياً. إن تقسيم تيار الإسلام السياسي نفسه، أو قبوله بتقسيم الآخرين له، إلى إسلاميين (بمعنى أتقياء- معتدلين) وإسلامويين (بمعنى متطرفين- أصوليين- إرهابيين) هو أحد التكتيكات الخادعة (مثله مثل الوسطية) التي يستخدمها ذلك التيار في إخفاء وجهه الحقيقي، ولكن استخدام المصطلحين هو في النهاية مجرد تكتيك وليس مسألة مبدئية بحال من الأحوال. على سبيل المثال، لقد ظل السيد الصادق المهدي يصف النظام البائد على الدوام بإنه نظام إسلاموي، ولكنه لم يحدث مطلقاً أن وصف النظام الإيراني، والذي لا يقل قمعاً أو فساداً أو بشاعة عن نظام الإنقاذ، بأنه نظام إسلاموي، وإنما ظل يشير إليه دائماً باعتباره نظام (الثورة الإسلامية الإيرانية).
إن السيد الصادق المهدي يستخدم الآن لفظ (الإسلاموية) في الإشارة إلى نظام الإنقاذ لا لتمييز نفسه (كإسلامي) عن ذلك النظام، وإنما لخلق مساحة تمكن أولئك الإسلامويين الإنقاذيين من العودة للمشهد السياسي من جديد، لا كإسلاميويين، وإنما بعد أن يتم تعميدهم على يديه كإسلاميين. هؤلاء الإسلامويون هم الذين كان يعنيهم السيد الصادق المهدي، دون أن يسميهم، حينما ذكر في خطبته إلى أن (من أهم عيوب المرحلة أن قوى الحرية والتغيير أقصت قوى سياسية تستحق المشاركة في الفترة الانتقالية)، وهم الذين سيشكلون مع حزبه قلب قوى الوسط السياسي أو قوى الأجندة الوطنية أو التكتل الوطني ..إلخ، التي شرع في تكوينها.
(4)
شن السيد الصادق المهدي أيضاً هجوماً لاذعاً على الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك متهماً إياها بالفشل. وحينما يتهم السيد الصادق المهدي جهة ما بالفشل فينبغي على تلك الجهة أن تأخذ ذلك الاتهام على محمل الجد لأنه لا يأتيها من شخص عادي أو بسيط وإنما من خبير في المجالين، رئاسة الوزراء والفشل. يذكر السيد الصادق المهدي، في التدليل على فشل الحكومة الانتقالية، أن رئيس الوزراء (حل مجلس الوزراء بصورة انفرادية ... لإن الإقالة والتكوين الجديد لم يكونا نتيجة تقويم وتشاور). ومع اتفاقنا مع السيد الصادق في ملاحظته هذه إلا أننا لا يمكن أن ننسى، من ناحية أخرى، أن سنة حل الحكومات بصورة انفرادية دون استقالة رئيسها بل وحلها ثم إعادة تكوينها لاستبعاد وزير بعينه لم يستنها السيد رئيس الوزراء الحالي!
إن فشل إدارة المرحلة الانتقالية بصورة عامة وفشل حكومة الدكتور حمدوك على وجه الخصوص في التصدي لكثير من مهام الفترة الانتقالية لم يعد من الممكن فعلاً مواراته، غير أن هناك فرق كبير بين الإشارة إلى ذلك الفشل بهدف تصحيح الأخطاء وتجاوز الإخفاقات، وبين الإشارة إليه بهدف إشاعة اليأس والإحباط والدفع في اتجاه التخلي عن الفترة الانتقالية برمتها. إن إشارة السيد الصادق المهدي القاطعة في خطبته إلى أنه يرفض زيادة الفترة الانتقالية (يوماً واحداً) وتلويحاته المتكررة بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة ترجح رغبته في إنهاء الفترة الانتقالية بأعجل ما يمكن وسواء تم إنجاز مهامها أم لم يتم. إن تجربة الشعب السوداني مع إنهاء الفترتين الانتقاليتين السابقتين دون إنجاز مهامهما، كانت تجربة مريرة وأدت في كل مرة إلى إجهاض الفترة الديمقراطية التي تلت، فهل نحن على أبواب تجربة فاشلة ثالثة؟
(5)
لفت انتباهي استخدام السيد الصادق المهدي في خطبته لتعبير (القوى الوطنية الديمقراطية).هذا التعبير (القوى الوطنية الديمقراطية) ليس مجرد توصيف لطائفة من الشعب، وإنما هو مصطلح ينتمي إلى سياق تاريخي حافل وتحليل عميق لحركة الثورة في السودان، يعرف مرحلة ما بعد التحرر الوطني بأنها مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية الني تنجز مهامها قوى الثورة الوطنية الديمقراطية في إطار الجبهة الوطنية الديمقراطية والتي تشمل الطبقة العاملة والفلاحين والبرجوازية الوطنية والمثقفين الثوريين والرأسمالية الوطنية غير المرتبطة بالاستعمار. لقد تم تجاهل هذا المصطلح وغاب تماماً عن أدبيات اليسار السوداني منذ فترة طويلة، والآن ها هو السيد الصادق المهدي ينتزعه انتزاعاً وعنوة من قاموس اليسار السوداني وينفض عنه الغبار ليطلقه على قوى سيتسنم هو زعامتها. رسالة السيد الصادق المهدي صريحة وواضحة وهي أنه قد أعد العدة لمنازلة اليسار و(العلمانويين) في كل الميادين بما في ذلك ميادينهم التاريخية ووسط قواهم الوطنية الديمقراطية ذاتها، فهل قوى اليسار والعلمانية والقوى الوطنية الديمقراطية قادرة على السمو فوق خلافاتها الصغيرة وتوحيد نفسها للتصدي لهذه الهجمة ولحماية الثورة؟
أضف رد جديد