أسماء محمود تكتب.. معضلة الدستور الدائم

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

أسماء محمود تكتب.. معضلة الدستور الدائم

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »


أسماء محمود تكتب ..معضلة الدستور الدائم
منذ 18 ساعة
محمود - أسماء محمود تكتب ..معضلة الدستور الدائم
بقلم : أسماء محمود

منذ استقلال السودان 1956 تبادلت حكوماتنا ديمقراطية وعسكرية وضع دساتير مؤقتة وانتقالية ولم نفلح حتى الآن في وضع دستور دائم للبلاد. يرجع هذا الفشل لأسباب كثيرة أهمها فشل النخب الحاكمة في المقام الأول للاهتمام بالقضايا الأساسية في بناء الدولة والانصراف بالهم للوصول إلى السلطة. يُضاف إلى ذلك عدم اهتمام الأحزاب السياسية بتوعية الشعب وإفساح مجال واسع في هياكلها لإتاحة فرص واسع لأعضائها لممارسة الديمقراطية، بل ظلت رئاسة الأحزاب عند ذات القادة لأكثر من نصف قرن. الديمقراطية تنمو وتزدهر بالممارسة. والممارسة تكسب الشعب الوعي الذي يؤهل للمزيد من تطبيق الديمقراطية. لهذه الأسباب وغيرها ظل شعبنا مغيب الوعي إلى حد كبير ويمكن استغلاله وتوجيهه من الحكومات المختلفة التي تسيطر على أغلبيتها الطائفية بشقيها مؤتلفة مع الإخوان المسلمين والتي استغلت الدين لسوق الشعب إلى الاستكانة والتسليم لحكمها رغم مفارقته للقيم المتعارف عليها في ديننا وفي قيمنا الاجتماعية.

ثم جاءت الأنظمة الديكتاتورية مايو 1969 والإنقاذ يونيو 1989 والتي تفردت فترات حكمها باستغلال الدين وفرضت تشريعات وسمتها بالشريعة الإسلامية والشريعة منها براء.. فقد فارقت هذه القوانين نصوص الشريعة الواضحة. مثال ذلك، فقد فرضت تطبيق الحدود في وقت ضيق ومسغبة ومعلومٌ أن الحدود لا تطبّق في مثل التردي الاقتصادي الحاصل في ذاك الوقت. وقد أباحت قطع يد السارق من المال العام كما نَصّت على الشروع في الزنا وأباحت أخذ البيِّنة بالقفز فوق الأسوار وفرضت الجلد مع السجن والغرامة كعقوبة في الحدود. هذه مجرد أمثلة لتوضيح مفارقة قوانين سبتمبر للشريعة ذاتها. وكما ذكرت في مقال سابق، فبالرغم من مطالبة الثوار في ثورة أبريل 1985 وإجماع القانونيين والسياسيين المستنيرين على خطلها لم تستطع الحكومة الانتقالية ولا المنتخبة ديمقراطياً برئاسة الصادق المهدي من إسقاطها، بل ظلت بعض مظاهرها موجودة حتى الآن. وأخشى أن تمر فترة الحكومة الانتقالية بالرغم أن من مهامها الإصلاح القانوني وإلغاء كل القوانين المعارضة للدستور والحقوق الأساسية، أخشى أن تنقضي هذه الفترة دون إلغاء لبقايا هذه القوانين المجحفة بحقوق المواطنين وغير الدستورية.

ولذلك وبعد ثورة ديسمبر المجيدة ونحن نستشرف عهد الديمقراطية التي كانت نتيجة إلى ثورة لا مثيل لها في التاريخ فلا بد من العمل بخطوات واسعة لإصلاح قانوني شامل للتأكد من دستورية القوانين، ولإيجاد دستور دائم يقوم على مراعاة التنوع في السودان بحيث يجد فيه كل مواطن نفسه، مرآة تعكس آمال وتطلعات جميع المواطنين. وهناك قول شائع واضح الخطأ. يتحدّث بعض الناس بأن الدستور ينبغي أن تحدده الأغلبية المسلمة ولهذا الفهم خطر كبير يجعل الأقليات مواطنين من الدرجة الثانية بدلاً من الحقوق المتساوية بين جميع المواطنين بغض النظر عن الاختلافات التي تقوم على النوع أو العقيدة أو الجندر …الخ. ومن خطل الرأي أن يظن ظان أن الحقوق الأساسية حق الحياة وحق حرية الرأي يمكن أن تسلب من أي شخص عن طريق إنكار الأغلبية لها. هذه الحقوق تأتي مع الإنسان منذ ميلاده وقد عبر عنها سيدنا عمر بن الخطاب أبلغ تعبير حين قال قولته الشهيرة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا).

وهناك من يدعو بأن تحدد مصادر تشريع وأن ينصص في الدستور الدائم على أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع. وخطورة التنصيص على ذلك تكمن في أن الشريعة كمصدر إنما يحتكم إليها عند صياغة القوانين مما يجعل الكثير من القوانين غير دستورية. ذلك لأن ليس في الشريعة دستورا. الشريعة نزلت في القرن السابع الميلادي في المدينة. وهي القوانين التي طبقت في ذاك المجتمع لحل مشاكله. وبطبيعة الأشياء فإن القوانين إنما تستلهم حاجة المجتمع وطاقته. توضع القوانين وفقاً لذلك لتكون حلاً للمشاكل التي تواجه المجتمع في الزمان والمكان المعينين. وبهذا المنطق فإن المجتمع الذي عاش على قانون الغابة حيث من غلب سلب لا يمكن أن يشرع له في مستوى الحقوق المتساوية. وعلى الحقوق المتساوية اعتمدت الدساتير. فالمجتمع الذي رفض الدعوة إلى الفضيلة والقيم الرفيعة التي جاء بها الإسلام ودعا له رسوله صلى الله عليه وسلم ورفضها ذاك المجتمع وأصر على القتل، وقطع الرحم ووأد البنت، بل تآمر للقضاء على حياة من جاءهم بالدعوة للحرية والعدل والسلام، كان لا بد أن تصادر حريته بقوانين تناسبه. ولم يكن مفهوم الدستور حاضراً كما لم تكن الديمقراطية ممارسة في ذاك الوقت. ولذلك صودرت حريتهم وحملوا على مصلحتهم بالقوة كالطفل الذي يجبر على شرب الدواء. جاء الجهاد ومنه جاء حكم الشورى. وليس للمستشار رأي ملزم عند من يسأل الاستشارة. فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم جعل وصياً على أمته يستشيرهم أن رأى وجاهة رأيهم أخذ به، وإلا فينفذ ما يرى. وليس في هذا ديمقراطية، وإنما هي وصاية الفرد الرشيد على الجماعة القاصرة. وكما هو معروف أن الديمقراطية تعني الأخذ برأي الأغلبية مع احترام حق الأقلية. ومن عدم دستورية الشريعة أيضاً عدم المساواة بين النساء والرجال حيث جعل الرجل وصياً على المرأة وجعلت المرأة مواطناً من الدرجة الثانية، نصف الرجل في الشهادة، وفي الميراث، وربعه في الزواج، وهو القيم الذي يطلق متى شاء. وكذلك جعل غير المسلم مواطناً من الدرجة الثانية ليس له حق تولي رئاسة دولة المسلمين ولا الوظائف العليا كما عليه أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر، وهناك الرق الذي ينتج عن الجهاد. إذا قرئت هذه القوانين على أساس أنها طبقت في القرن السابع، فإننا نجد حكمتها وملاءمتها لذاك الوقت. أما إذا أخذت بكل تفاصيلها لتطبق في مجتمع القرن الواحد وعشرين، فإننا سوف نجد المفارقة الكبيرة في التطبيق. ولذلك عندما نجعل الشريعة مصدرنا في الدستور فإن تعارضها واضح سيواجه تطبيق الحقوق الأساسية التي ينبغي أن تتسق مع نصوص الشريعة مصدر التشريع، التي تميز بين الناس من حيث النوع والعقيدة الخ.. ولذلك فشلنا في تطبيق وثيقة الحقوق في واقعنا السياسي والاجتماعي المنصوص عليها بالدستور المؤقت 2005 كما فشلنا في أن نكسب القضايا التي رفعت أمام المحكمة الدستورية بعدم دستورية الكثير من القوانين لتعارض نصوصها مع الحقوق الأساسية في الدستور.

ما الحل إذن؟ الحل يكمن في وضع دستور إنساني يُراعي إنسانية الإنسان ويعتبر الإنسان غاية في ذاته حتى وإن كان أبلهاً وكل ما عداه وسيلة إليه. هذا الدستور الإنساني ينبغي أن يحقق حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة.. وأن يأخذ في الاعتبار حاجة الإنسان المعاصر وطاقته.. وسيأتي شرح ذلك في مقالات لاحقة بإذن الله.


الرابط هنا

أضف رد جديد