الانقاذ إلي أين يا محسنين..؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صلاح شعيب
مشاركات: 121
اشترك في: الاثنين مايو 30, 2005 12:06 pm

الانقاذ إلي أين يا محسنين..؟

مشاركة بواسطة صلاح شعيب »


المشكلة التي نعايشها في السودان الآن تكاد تقودنا إلي إستنتاجات وتوقعات كثيرة, ولكن من الصعب الجزم أن هناك توقعا ما أو إستنتاجا ما يمكن أن يصدق أو يجافيه الصواب, والسبب هو طبيعة السلطة التي لا تعتمد سياسة راسخة في الثبات أو تستطلع مسائل المبدأ أو تتبني خطا منهجيا في السياسة ووفقه نستطيع أن نقيس الحسابات, فالشئ الذي يتضح من خلال تجربتنا مع هذه السلطة هو إنها حتما قادرة علي أن تغير جلدها بين لحظة وأخري فما قررته بالامس يمكن أن تلقيه قبل نهارة اليوم الذي يلي, فضلا عن ذلك فإن "سياسة اليوم باليوم" والتي برعت فيها الانقاذ تجعل كل شئ واردا.
وللتدليل علي ما نقول إن البدايات الاولي للانقاذ شهدت أسلوبا قمعيا بلغ قمته من نوع بيوت الاشباح ثم تغيرت المسيرة إلي الحوار حول الوطن والتنادي للزود عن حياضه, كانت السياسة الاقتصادية تبيح جز الرؤوس لسبب الاتجار في العملة, والان يحق للمرء مزاولة هذا النشاط بين فرندات السوق العربي من دون أن يرقي هذا الفعل إلي الاتهام الذي تصل عقوبته حد السجن ولو ساعة واحدة.
بالنسبة للمنهج السياسي الذي إتبعته الانقاذ في بادئ أمرها كانت لا تملك حلولا واقعية لمشاكل "جملة أهالي السافل" وكان الشئ النقيض هو إنها إستنت المؤتمرات الحوارية كوسيلة لامتصاص معرفة الاختصاصيين في شؤون السياسة والاقتصاد في وقت كانت تتري أخبارا عن تعذيب المعتقلين بأقسي الانواع, ثم إتضح أن تلك المؤتمرات بتوصياتها ما قامت وكلفت تلك المبالغ الهائلة إلا لصرف الانظار عن إتهام الناس للانقاذ بإنها إسلاموية, فمن جهة ضمت قوائم المشاركين في هذه المؤتمرات شخصيات متباينة من ألوان الطيف الفكري والسياسي مع تقليل الظل الكادري الجبهجي في المقاعد والمنصات حتي لا ينكشف أمر وجهة منظمة للانقاذ.
فيما بعد نكصت الانقاذ عن لغة التحاور المؤتمراتي الفوقي الذي يدثر ما هو جار ٍ تحت الارض من تخطيط للهيمنة وتعذيب وقمع للمعارضين, فالتوصيات التي خرجت بها المؤتمرات لم تساو ثمن الحبر الذي كتب بها, وصارت الانقاذ, بعد إنكشاف امرها, تعتمد علي سياسات تنظيمية يجود بها كادرات الجبهة من الصف الثاني, وشيئا فشيا تركت الانقاذ كل ما فعلت وسدرت في التجريب السياسي المشابه للتجريب المسرحي علي طريقة بريخت, حيث كل شئ خاضع للجدة في الفكرة والتصور المنماز والمفارق, وربما جاء هذا التجريب بسبب أن الاسلاميين إكتشفوا أن فكرة الحاكمية لله لم تسعفهم حقا في التعامل مع مشاكل وأزمات اليومي السوداني من بنزين ورغيف ودواء ..إلخ , ففقه العبادات شئ وفقه المعاملات شئ آخر, وبالتالي لم يحل ما رأوه إقتصادا إسلاميا مشاكل الناس الملحة, فديوان الزكاة لم يسد رمقا وإن سياسة البكور لم تزد إنتاج قطن طويل التيلة وإن أحاديث الشيخ أحمد حسن ذو اللكنة "الشايقية" لم تقلل من الفساد المالي الذي إستشري في دواوين الحكومة, كما أن سعي الدكتور عمر أحمد فضل الله, شقيق الكاتب إياه, حول تسخير الجن لخدمة الاستراتيجية الاقتصادية لم يخلق لا بني إقتصاد ولا دورة مال ولا حتي بنيات تأسيسية من طرق وكباري ومصانع ومشتشفيات, بإختصار بات الاسلاميون يتعاملون مع شؤون السودان تعاملا علمانيا قحا وصاروا أيضا أهل دنيا لا ينسون حظهم منها بما يخص ترقية أوضاعهم الاجتماعية تاركين أمر الدين جانبا, ولو أن العلمانية تتيح مجالا لحرية التفكير الديني , فإنهم "باسلاميتهم العلمانية" في تسيير شؤون العباد تنكروا لهذا الشرط ..لقد لاحقوا الصوفيين بالإستعلاء والغمز وحاولوا تدجين أو إستقطاب أهل المسيد بمؤتمر الذكر والذاكرين الذي إنعقد "بجنينة الحيوانات" تحت رعاية علي عثمان محمد طه فلا أرضا قطعوا هناك وحاولوا إستقطاب الشيخ البرعي بعد أن كرموه في قاعة الصداقة مع الفنان احمد المصطفي وحمدنا الله عبدالقادر ولما فشلوا إنتاشته سهام شيخهم , نعم لم يحترموا العلمانية ذاتها وسدروا في ملاحقة غير المنقبات بالجلد, وأذكر أن شخصا بدينا ملتحيا تجاوز العقد السادس بكثير , وكان يرتدي ما يشبه ملابس الدفاع الشعبي حيث يقضي سحابة يومه حول الجامع الكبير بالخرطوم حاملا في يده سوطا يلاحق غير المنقبات اللائي كن يزاولن الغدو من محطة مواصلات لاخري, وبذات الكيفية كان هناك آخرين منتشرين في مواقع متميزة بالخرطوم بحري وامدرمان يمارسون هذه "المهمة الرسالية" دون أن تشكك السلطات المحلية في هذه المهمة وربما هي التي تواطأت لابتدار هذه المهنة, وهكذا فإن الاسلاميين قد إنتهوا بإمتياز إلي علمانيين بالوجه الاقبح, وحين لم تعسفهم بسملاتهم التي يدشنون ــ أو بالاحري قل يأبنون والامر بصلة إلي عثمان خالد مضوي ـــ بها مناقشة مسائل المعاش ولا حتي حوقلاتهم حول كيفية إعادة صياغة السودانيين إسلاميا وإعادة المجد المفقود لدولة الاسلام لجأوا مرة أخري للمايويين والتكنوقراط الذين تم كشطهم, فرأينا بدرالدين سليمان وسبدرات وإسماعيل الحاج موسي والفاتح عروة وعلي نميري وأحمد عبدالحليم وغيرهم وقد بذلوا مجهودا "مباركا" في فك العزلة, والثابت أنه كان لا بد للدوائر أن تصيب الاسلاميين الذين واجهوا عسرا في تسيير الشأن الداخلي والتعاطي مع الخارجي, لذا ــ وبوجود هؤلاء "المايويين الميامين" ـــ قللوا من تجريب "الاسلامي بالعلماني" المفتوح علي فضاءات مسرح الحياة السوداني وعلي فضاء الدنيا التي تفطرت فجأة علي العولمة وإقتصاد السوق الحر, ورويدا رويدا يعود عقلهم "المزنوق" إلي ساحات العمل بعقلانية مع ما هو غير مرتبط بفقه العبادات, ولكن مرة أخري ينمسخ "الاجر أو الاجتهاد " السياسي ويبقي لا هو تجريبي محض أو عقلاني "تماما".وهكذا تنوب النائبات عليهم بين كل فينة وأخري , يحاولون تارة إعتيال الرئيس حسني مبارك ثم يدفعون ثمنا باهظا لتأييد صدام حسين, ثم تارة أخري يتوددون لمبارك لفتح منافذ الاقليمي والدولي الموصود قبالتهم, وتارة أخري يحاولون تقعيد الدولة دستوريا وما أن يخلصوا من هذا المهمة حتي ينقلبون علي أنفسهم رغم ما بهم من خصاصة تماسك ..وعبر كل هذه الانعطافات لا تجد لهم فرقا منهجيا بين نظامهم المتلبس بالدين وأنظمة الشرق الاوسط العلمانية بل وإن الذي هو أنكي وأمر إنهم تورطوا في إعطاء صورة شائهة لدين الله ودين السودانيين.
في الرياضة كانت السلطة وفي إطار إعادة الصياغة تغير ألقاب اللاعبين التي إشتهروا بها فلاعب مثل بكمبا لا بد أن يصف المذيع الراحل علي الحسن مالك تابلوهاته الرائعة بأسم مخالف للقبه كأن يقول "..الكرة الآن مع جاد الحق ضيف الله ويمررها إلي محمد موسي سليمان" ويقصد بالاخير هذا الثعلب, إلي أن تغير هذا التغيير في الاسماء وبدا في الحقيقة أن بكمبا سيظل هو باكمبا وأن الثعلب ليس هو البعشوم لذا رأي المتنفذون أن امر أسماء اللاعبين لا يرقي أن يكون مجالا للعمل أجل العودة إلي الجذور ــ الاسماء, ماحمد وماعبد وما لم...,
أما في الجبهة الثقافية فإن تجفيفا كبيرا في مواعين الثقافة تبع مجيي الانقاذ ومنع كتابا كبارا من التقرب نحو المؤسسات الثقافية وذلك لأن "الهدف الموضوعي" كان هو إتاحة المجال لإعادة الصياغة الثقافية وبالتالي شهدنا صعود "مفكرين جدد" أمثال أحمد عبدالعال وأمين حسن عمر وأسحق أحمد فضل الله والصافي جعفر وغيرهم من الاشاوس الذين كانوا يريدون أسلمة الثقافة, والان إنفتحت المؤسسات للذين كانوا موصوفيين بالكفر والالحاد,
أما في مجال الفن فحدث ولا حرج, فقد تعرض أهل الفن إلي هجمة شرسة في المعاش ومنعوا من التسجيل عبر الاذاعة والتلفزيون وأوقف تسجيل الاغاني العاطفية في الوقت الذي صعد فيه شنان وقيقم ومحمد بخيت كفنانين رساليين وحظيوا بمباركة كبار رجال السلطة الذين كانوا يجاوبون في الروبرتاج الصحافي أن فنانهم المفضل هو ذلك الذي تمتلئ حنجرته بأغاني الجهاد والحماسة ولكن لم تدم هذه السياسة طويلا فقد تقرر فتح المجال للاغنية العاطفية.
ونواصل
أضف رد جديد