بداية ثورة فكرية-ثقافية في السودان!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

بداية ثورة فكرية-ثقافية في السودان!

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

أعزائي المؤسسين لهذا المنبر الجديد، الجاد، تهنئة بهذا الجهد المبدع، الخلاق. هذا المنبر يشرف السودانيين في المخبر، كما يشرفهم في المظهر. تحياتي لكل القائمين على أمره، وكل من أسهم في إخراجه بهذا االثوب القشيب، وفوق ذلك التحية لمن يثرونه بالحوار الهادف الرزين المنتج. أرجو أن أكون عضواً منتجاً بينكم!

وفي بداية مشواري معكم أحب أن أؤكد بأنني أزعم بأن السودان والسودانيين مقبلون على ثورة فكرية-ثقافية حقيقية، بدأت وتائرها تتسارع، وتؤثر حتى على أكثر جيوب مجتمعنا تكلساً. وأسهم في هذا الباب بمقالات متسلسلة، أنزلها في سودانايل وفي سودانيز أونلاين. وقد رأيت أن أنزلها هنا أيضاً لعلها تثير حواراً هادفاً، مدركاً أن هذا هوالسبيل الوحيد لملاحقة القراء الجادين المستغرقين في فيضانات العصر المعلوماتي، التي لا تكاد توفر وقتاً لاحد ممن يهمهم مصير الإنسان في هذا الكوكب المحزون. إلى الحلقة الأولى من المقالات التي يجري حوار حولها في سودانيزأونلاين عند الوصلة:

https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1117808730

****************************************
التجمع المعارض و لجنة الدستور المزيف: هل آن أوان الثورة الفكرية-الثقافية؟ (1)

حملت صحيفة "سودانايل" الإلكترونية الغراء، خبراً -صباح الأحد 29 مايو المنصرم- مفاده أن التجمع المعارض يرفض المشاركة في لجنة الدستور المكونة، في أغلبها، من الحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر الوطني الحاكم. وقد ورد في الخبر عن لسان مساعد رئيس التجمع الأستاذ فاروق أبو عيسى أن التجمع يؤكد رفضه القاطع للمشاركة في لجنة صياغة الدستور. وً أن القوى السياسية الحية، ممثلة في التجمع، ومؤسسات المجتمع المدني الوطني-الديمقراطي، ترى بأن أي دستور يصدر عن هذه اللجنة ناقص وسينتهي ميتاُ، وإن لم يمت فسيمشى أعرجاً. و هذه هي عين الحقيقة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ السودان السياسي. مسألة الدستور الانتقالي، الأعرج، المزيف، الواهن، لن تمر، ولا ينبغي لها، دون أن تضع الشريكين في "السلطة والثروة!" في محك طاحن مع كل القوى الفكرية والسياسية الأخرى في السودان.

لعمري، فإني لم أطلع على تصريح عن التجمع صدر بهذه القوة والصمامة وحسن التعبير منذ إنشائه. وقد بدأت أحس، بفعل من هذا التصريح، بأن التجمع المعارض ربما يخرج من مواته المعهود إلى حيز يسمح له بالحياة الخصبة الفاعلة. والدور المأمول للتجمع كان دوماً هو الفعل النافذ في الواقع السياسي السوداني تجاه تفكيك دولة الهوس الديني التي يبدو أنها، بزيها المخادع، قد بدأت تلف الحركة الشعبية الباسلة في لفافتها المنتنة. أرجو ألا أكون مفرطاً في التفاؤل –عن دور التجمع- فقد كنت من قبل كذلك، وقد خذلني التجمع أيما خذلان، كما خذل أولى قربته في الحركة الشعبية لتحرير السودان -بمثلما خذل كل القوى الحيةالحقيقية، خارج إطار هيكله المتكلس، والواهن في آن معاً. ربما تبعث كلمات الأستاذ فاروق أبوعيسي فينا دواعي استنهاض قوانا الحية، كأفراد، وكمجتمع -وكمؤسسات تمثل المجتمع السوداني النبيل- داخل وخارج التجمع. لأول مرة في التاريخ غير المشرف للتجمع الوطني أشعر - مثل غيري من الكثير من المثقفين السودانيين المخذولين- بأنه يمكنني أن أدعم التجمع الوطني المعارض، إن هو صحح مساره المعوج.

أقول "ربما" يكون ذلك. نعم، ربما، فقد خذل التجمع الوطني المعارض الشعب السوداني أيما خذلان، ولا يزال يمارس الخذلان، لولا بصيص من نور يبدو من ثنايا تصريحات الأستاذ فاروق أبوعيسى. فقد ظل التجمع، منذ تكوينه، يمارس العادة الرذيلة، عادة تقاعس القوى الشمالية الإسلامو-عربية عن الواجب الوطني . فقد ظلت حليمة تمارس قديمها، كما يفصح المثل السوداني البليغ. ولم يحفظ للتجمع بعض حيويةٍ غير وجود الحركة الشعبية المؤثر في ركابها المتعثر. أما وقد استقلت الحركة الشعبية عن هذا الركاب، واختارت طريقها الشائك -باتفاقها مع قوى الهوس الديني- فقد بدا لي بأن التجمع، بعد ذلك، منزوع الروح، وهامداً، وهو لم يكن بأفضل كثيراً من هذا الواقع علي كل حال. حتى قبل استقلال الحركة الشعبية بموقفها الشجاع تجاه وقف نزيف الحرب لم يكن موقف التجمع يشرف الأحرار. أما الحركة الشعبية فقد اختارت في سبيل حقن دماء السودانيين مهادنة عدو العشب السوداني الحقيقي: الهوس الديني وقواه بكافة ألوان طيفها.

قول الأستاذ فاروق، إن صح كما أوردته الصحيفة، يبعث على الأمل في الحياة عن الموات المحقق الذي ينتظر نتائج أعمال لجنة الدستور. أجد نفسي، بسبب من هذا الانبعاث، مستعداً للبدء في إعادة تقويمي لقدرة التجمع في التصدي لقضايانا الكبرى. هذا إن هو قام بالتصدي لهذه القضايا أصلاً. هناك قضايا كبرى تحتل –عند من ينتمون للقوى الحية المعارضة ،خارج التجمع- مكان الصدارة في لائحة العمل الفكري-السياسي عند حملة مشاعل التنوير -المكتوين بنيران تلك القضايا الكبرى.

قبل أن أنفذ إلى جوهر ما أريد إيصاله للقارئ الكريم عن أسباب هذا التحول عندي، أحب أن أوكد أمراً ظللت أؤكده في إسهامي المتواضع في الشان السوداني المعارض - من خلال مشاركاتي في منبر "سودانيل" وجريدة "الوطن" القطرية الغراء، ومنابر فكرية وسياسية واجتماعية أخرى. ما أحب تأكيده هو أن الحركة الشعبية لتحرير السودان، في تقديري، هي أهم فاعل سياسي اليوم في السودان. وأينما ذهبت تذهب معها روح المعارضة الحقيقية لمشروع السودان القديم. الحركة الشعبية، بحق، هي عصب الشأن السياسي السوداني الراهن. وهي لم تصل إلى موقفها القوي الراهن إلا بالبسالة الشاخصة، وبإسالة كثير من الدماء، وتحمل تبعات شهدائها الأبرار، في فترة لم ترزأ فيها كافة القوى السياسية بمثلما رزئت به هذه الحركة الباسلة.

وقد تم ذلك للحركة الشعبية أولاً لعدالة قضيتهاً. ثانياً، لنصاعة حجتها الأخلاقية لبناء سودان جديد. ثالثاً، لقوة شكيمتها العسكرية، التي تبدت فيها بسالة منقطعة النظير لمقاتليتها – و كثيراً بغير أجر مادي. هذا في حين كرست فيه الحكومة قواتها المتهوسة - دفاع شعبي كانت أو قوات مسلحة- وكل إمكانات الدولة، ودافع الضرائب السوداني الجائع المقهور، في سبيل "السلطة والثروة!!" ولو كان ذلك بتقتيل أهل السودان الجوعي وإذلالهم حتى يقبلوا مشروع الهيمنة و التسلط والثراء الحرام، مشروع الهوس الأساس، عن صغار. ولم تنل قوى الهوس ما أرادت!!! فقد صمدت الحركة في ظل ظروف محلية وإقليمية بالغة التعقيد. وقد مات من جراء تكريس ضرائب الشعب الجائع لصالح آلة الموت. أهدرت ضغمة الحكم الفاسدة في السودان دماءً عزيزة. أهدرت دماء البواسل من طرفي الحرب: شباب حركة الهوس الديني الذين غرر بهم الترابي وعلى عثمان ومن لف لفهم من العبدة المخلصين للسلطة والثروة، وجنود الحركة البواسل. كان هناك شهداء من الطرفين. أهرقت الدماء في حرب، أهدرت فيها أموال كانت تجبى قسراً من شعبنا الجائع المقهور.

الضرائب في حياة الشعوب الحرة يبعث بها الموات وتحفظ بها الأرواح. غير أن قوى الهوس الديني كرستها لقتل الناس وإذلال الأحرار، والحط من كرامة الإنسان وتجويعه وتعذيبه في كافة أرجاء القطر السوداني الحبيب - من أقاصيه إلى أقاصيه. أذلت طقمة متهوسة، محدودة، تتمثل في قوى نظمت نفسها أشد التنظيم. ولم يحصد السودان والسودانيين من تنظيمها، وإمكاناتها المالية، وفسادها الأخلاقي والإداري، غير الدمار والبوار. فكان ذلك تجلياً من تجليات الانسياب الجارف لطوفان الهوس الديني الذي أنذرنا به الأستاذ محمود محمد طه، فلم نستمع ل!!

الآن أنفذ إلى جوهر مقالتي هذه: "هذا، أو الطوفان!!!!!!!" أتذكرون هذه المقولة؟ أيذكر الأستاذ فاروق أبو عييسى قائلهاا؟ القائل بها هو الصانع الحقيقي لنهضة السودان القادمة: الأستاذ محمود مخمد طه. وقد يبدو هذا القول مستغرباً، والأستاذ محمود محمد طه قد مضى لانفاذ شأنه الجليل: شأن شهداء الحق، شهداء الحرية، شهداء السودان الأصلاء، وهو سيدهم قاطبة. ولكن التجمع نفسه ماكان ليكون لولا موقف الأستاذ محمود محمد طه الصميم الباسل في الثامن عشر من يناير في العام 1985. ربما لا يعرف كثيرون بأن نواة التجمع في بذرتها الأولى تكونت في ذلك اليوم المشهود.

إذا كان التجمع يعني ما يقول به وأنه سيقاطع لجنة الدستور، وإذا لم يخذلنا مجدداً هذه المرة، كما خذلنا مئات المرات -شأنه في ذلك شأن القوى الشمالية الصفوية التي ظلت تخادعنا فتخذلنا- فإننا سنضع الحركة الوطنية الحرة في مسارها الصحيح: مسار تفكيك دولة الهوس الديني!!! لقد ظلت القوى القديمة المتكلسة داخل التجمع –بما فيها الحزب الشيوعي- تخون، دون هوادة، عهودها التي تقطعها منذ مطلع تشكيلها. وسيفعل التجمع خيراً إن هو وضع نفسه في الموضع المشرف، الصحيح، وانبرى بحسم، وصرامة، وبسالة وفحولة في تنفيذ مشروع تفكيك نظام الهوس الديني المتهالك. ولكن شرط أن يسرى هذا الموقف الصحيح روحاً، تبعث الحياة في التجمع وفينا كلنا، هو أن تجعل القوى الحية –داخل وخارج التجمع- أمر مواجهة الهوس الديني أولوية تضمخ بها كل رسالتها الإعلامية وكافة أوجه نشاطها الفكري والسياسي. على التجمع المعارض أن يبني علي هذه الأولوية كأفة استراتيجاته للعمل السياسي المعارض، النزيه الشريف، في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ صراعنا مع قوى الجهل من أجل كرامة وحرية إنسان السودان الطيب الصابر المقهور.

إذا فعل التجمع ذلك، فإنه سيضرب بيد من حديد على تسلط قوى الهوس التي تحاول تمرير مشروعها المتهوس في ثوب جديد، بمخادعة رذيلة، مكشوفة لذوي البصائر - خارج وداخل التجمع. إن فعلت قوى التجمع ذلك، ومعها القوى الحية خارجه ستصبح له قضية عادلة، لأول مرة في تاريخه. وسيصحح التجمع مساره بقوة وعدالة رسالته عالية الأخلاقية، فيكسب بذلك زخماً لم تعرفه الساحة السياسية السودانية من قبل. التجمع المعارض الآن بلا قضية غير قضايا "السلطة والثروة!!" مثله مثل أهل الهوس!!! مثله مثل المؤتمر الوطني الوطني الحاكم باسم الدين، وهو "الجشع" الفاسد اللاعق للدنيا والبائع للدين!

إن تبنى التجمع ما نقترحه له في تصميم رسالة مواجهة شاملة ضد مشروع الهوس، فإن المتهوسين لن يستطيعوا أن يزايدوا على قوى التجمع. بل سيضطرون لتغيير جلدهم ليواكبوا هبة السودان الكبرى نحو آفاق الكرامة والحرية والعدالة. وسيدعم أهل السودان قاطبة رسالة التجمع، إن أصبحت لديه قضية، خاصة وأنها محمية بحمى سليل السيد الحسن الميرغني "أب-جلابية." من سيستطيع مقاومة رسالة الصوفي الباذخ السيد الحسن الميرغني، الذي رسخ للدين الإسلامي في السودان، كما لم يفعل أحد في زمانه؟ من سيستطيع أن يزايد في دين السيد محمد عثمان الميرغني، حفيد ذلك الرجل الشامخ؟ يقال أن السيد الحسن الميرغني عاش لله في الله وبالله داخل "جلابية" واحدة، كان يغسلها بنفسه، بعيداً عن أعين الناس لأنه لم يكن يملك سواها!! أين ذلك من سفهاء أهل الهوس، الدين يأكلون الدنيا بالدين، ويشترون سمهم الزعاف من مال حرام وتقتيل بظلم؟


نواصل.
آخر تعديل بواسطة Haydar Badawi Sadig في الأربعاء يونيو 22, 2005 3:40 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

التجمع المعارض ولجنة الدستور المزيف: هل آن أوان الثورة الفكرية-الثقافية؟ (2)

إن تولى السيدين محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي وكافة القوى الوطنية الحية مهمة مجابهة مشروع الهوس، مع أعوانهم -من أمثال الأستاذ فاروق أبوعيسى ود.الشفيع خضر، وغيرهما- من خلال العمل على انجاز دستور نظيف، يحفظ كرامة المواطن ويصون حريته، لأمر مرجو اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى. وفي ذلك يمكن أن يتحد التجمع والقوى الحية خارجه توحدا تاريخياً يشترك في برامج الحد الأدني من سقف القضايا الوطنية الكبري غير القابلة للمساومة.

هنا ستضطلع نخب شمالية، لأول مرة في تاريخ البلاد، بقضية عادلة تكسب قوتها، لا من كثرة الأعداد وتوفر الإماكانات فحسب، بل بنصاعة الحجة، وقوة منطق العدل، الذي أوصل الحركة الشعبية للمكان الذي وصلت إليه اليوم. القوى الحية خارج التجمع، بما فيها أعداد مقدرة من جمهوريين أعرفهم، ستخوض المعركة الفكرية الكبري القادمة في مواجهة المتهوسين وفي مواجهة مشروعهم المتحايل، إن جعل التجمع قضية مواجهة الهوس، ابتداءً من مشروع الدستور المزيف، قضية ذات أهمية كبرى. الواجب الحاسم والحازم في هذه المرحلة يجب أن يكون مواجهة مشروع الدتسور المزيف، وإن اقتضى ذلك التضحية بالمشاركة في "السلطة والثروة!" وليثبت لنا مثقفونا من الساسة بانهم قادرون على اضطراح أهواء أنفسهم اللاهثة نحو المناصب في سبيل الله، والوطن. فليثبتوا لنا بأنهم يدركون بأن حصر التفاوض في موضوعات السلطة والثروة ونصيب هذا الفريق أو ذاك منها لن يعيد غير انتاج الأزمة. ولم نرتض ذلك للحركة إلا لأنها تفاوض عن حقوق تاريخية أجهضت. أما أهل الشمال من الساسة فإنهم كانوا دوماً في مفاصل السلطة ومباهج الثروة، فماذا فعلوا بهما؟ القضية ليست أن تملك السلطة والثروة، القضية هي كيفية توظيفهما لصالج شعب مقهور، جائع، يهده الجهل والتخلف!!

أي دستور يهزم حق الحياة وحق الحرية، فإنه دستور مزيف، لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به. واحتواء الدستور على مادة تقول بأن أهل الشمال ستحكمهم الشريعة الإسلامية يؤكد لا دستورية الدستور المزيف الذي تقوم بصياغته لجنة الدستور. المتهوسون يبيتون أمراً بليل، كنا تعودوا دوماً. فإنهم يريدون أن يزيادوا بالدين لكي يستخدموه ضد الخصوم بمصادرة حقهم في الحياة وحقهم في الحرية، متى تهددت مصالحهم في التمتع "بالسلطة والثروة!!"
هذه هي القضية: المواجهة الحاسمة للهوس الديني وتجلياته في مشروع الدستور المزيف!! من الخير للتجمع أن يفهم هذا وأن يتبنى رسالة إستراتيجية، وإعلامية، جديدة، محددة، وبسيطة في شكلها، قوية في المضمون، تقوم بها كوادر تعرف بأن القيام بنشرها عبء عظيم ومسؤلية تاريخية، توظف لأجلها كل الوقت، وكل الجهد، وكل المال، وزبدة الفكر الحر، وكل الكوادر من كافة ألوان الطيف الديني والحزبي والفكري في السودان. نعم، يجب أن تكون المفاصلة المدنية الحاسمة هي سلاحنا الأخلاقي ضد الهوس الديني. هذه المفاصلة المدنية التاريخية يسميها السيد الصادق المهدي "الجهاد المدني."

وتسميه قوى اليسار بالنضال المدني، ويسميه الجمهوريون بالثورة الفكرية والثقافية، والقصد واحد. نحتاج إلى مواجهة فكرية-ثقافية-سياسية باسلة، حاسمة، في مواجهة قوى الشر المستحكمة، تحاكي مواجهة الحركة الشعبية الباسلة لها عسكرياً. مهمة القوى الوطنية كافة اليوم هي أن تنهض بقضيتها الأم، وبواجبها الأكبر في هذه المرحلة، واجب معاضدة الحركة الشعبية بدفع انجازها التاريخي في مواجهة الظلم إلى آفاق جديدة. أخضعت الحركة الشعبية قوى الهوس للجلوس لطاولة المفاوضات، فقامت بمهمة عظيمة. أما القوى الشمالية فمازالت ترواح مكانها الذي تركها عنده المستعمر إلا قليلاً. بأدوات السلم، وبحزم وحسم الثوار، ولعدالة قضيتنا وقوتها الأخلاقية، نستطيع أن نضع الأيادي في الأيادي وأن نحدث ثورة فكرية-ثقافية . إذا رسمت هذه المواجهة رسماً متعقلاً، مستخدمة كل وسائل الاتصال والانتقال المتاحة، فإنه لن يقف في طريقها حائل مهما عظمت التضحيات.

هذه مواجهة لا بد منها لترسيخ مشروع الحركة الشعبية، الذي هو هو مشروع السودان الجديد الذي بشر به الأستاذ محمود محمد طه، حين عارض الحزبين الكبيرين، الأمة والاتحادي، قبل وبعد الاستقلال. لم يعد الحزبان اليوم هما الحزبين، ولم تعد القواعد هي القواعد، ولم يعد السيدان هما السيدين. هناك تحولات في الواقع السوداني أثمر حالة حراك جديدة، أدت إلى تحالف عظيم بين الحركة الشعبية وسليل السيد الحسن "أب-جلابية."

وقد أن للسيد الصادق المهدي، بسبيل الحراك المستمر للقوى السودانية الحية، أن يختم فصول تسكعه السياسي. ونأمل أن يكون حسن ظننا بأنه بالفعل بدأ ينهي تلك الفصول في محله. فقد بدأت تظهر منه بوادر أنه يدرك مخاطر المرحلة، بعد أن ذبلت قواعده وانتمت إلى قوى جديدة في دارفور وغيرها. السيد الصادق المهدي ظل يعرض خارج ساحة العمل السياسي النظيف المشرف، وقد تسبب ذلك في الكثير من مآسينا الراهنة. ولكن بدأت تظهر منه بوادر أنه قابل للتغيير، ولا نرجو إلا انضمامه للصف الوطني الشريف، بعد أن خذل الأقربين والأبعدين. نرجو أن يتحول السيد الصادق المهدي، وهو رجل بارع، ماكر، ذو دهاء، وحنكة، لتوظيف قدراته لبناء سودان للجميع يتسع له ولغيره، لا أن يستمر في توظيفها في جني الحنظل وتضميخ الأيادي بالدماء –كما فعل في الماضي بترسيخه لمشروع السودان القديم بتحالفه المدمر مع نسيبه "الترابي."

نواصل.
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

التجمع المعارض ولجنة الدستور المزيف: هل آن أوان الثورة الفكرية-الثقافية؟ (3)

د. حيدر بدوي صادق
[email protected]

آن للسيد الصادق المهدي - كما أشرنا في الحلقة السابقة من هذه السلسلة - أن يصبح فارساً في المعنى، بعد أن رايناه في صور يركب الخيول، فإن الفروسية الحسية التي لا تترجم إلى فحولة فكرية وأخلاقية لا تحصد غير الموت الذليل. أن له أن يدرك بأن السودان ليس ملكاً له، ولأسرته، ليتوارثوه جداً عن جد. نحن نرجو منه الكثير إن هو تاب وأناب وآب للصف الوطني. آن للسيد الصادق المهدي أن يتوب وأن يؤوب، فإن في التوبة رحمة، وفي المكابرة سوء العواقب. وليعلم بأنه مذنب، فإن عليه أن يتذكر تبعات مؤامرته ونسيبه الحسيب على الحزب الشيوعي وتبعاتها. وليتذكر بأنه أول من سلح المليشيات العربية وتبعات ذلك، والأثر المستمر من تلك التبعات على الأزمة الراهنة في دارفور. وغير ذلك من الذنوب الكثيرة المثيرة الخطرة. مثله يجب أن يكون لديه حس تاريخي، يخرجه من حالة "تخانة الجلد" التي ظل يتمع بها طيلة عمله الوطني "اللاوطني."

مثل الصادق المهدي من السودانيين، ممن أتيحت لهم فرص التعليم -التي حرم منا معظم أفراد شعبنا لجهالات ورعونات سياسية ارتكبها هو أكثر مما ارتكبها غيره- قبيل عهد الفسوق السياسي، فسوق الجبهة المتهوسة- عليه أن يفهم بأن الكيد والمكر والتحايل الذي مارسه هو مع نسيبه غير محمود العواقب. نعم، الصادق اليوم تقابله نتائج سوء المنقلب السياسي والديني والفكري. التسيد على شعبنا الطيب، بغير حق، واللعب بدينه لأغراض السلطة والثروة غير محمود العواقب!!

وقد ظلت سود لعواقب وسوءها تلازم الصادق، حاكماً كان أو محكوماً. فهو لم ينل مايريد وهو حاكم بأن ينصبه الشعب كقائد ملهم!! ولم يحقق لشعبه ما وعده به مراراً وتكراراً، بل إنه لم يعصم من أن يكرر أخطاءه مراراً وتكراراً. كل هذا وهو الذي قد أتيحت له في أهم مفاصل تطور المشروع السياسي السوداني فرص لم تتح لحاكم من قبل. آن للسيد الصادق أن ينهي تسكعه السياسي، وتبضعه في بضاعات الهوس والطائفية المنكرة. آن للعقل المتميز الذي يتميز به السيد الصادق أن يوظف للخير بدلاً من الشر، وقد بلغ به من العمر عتياً. آن لهذا العقل الجبار، المكار، المخادقع، أن يصبح سنداً للأخيار، لا لأهل المكر الأشرار -وأولهم نسيبه، الذي لا يمارس التوبة إلا للمخادعة، كما يفعل الآن يريد أن يوهمنا بأنه أصبح مع التعددية والحرية والعدالة الاجتماعية.

وفي نهاية المطاف، وما للمطاف نهاية، لن تكون عاقبة الجهد المقدور، الكبير، المنتظر، من كل القوى السياسية الحية مجتمعة، غير الخير. لن تكون نتيجتها غير وضع حدٍ لعبث العابثين، ومكر الماكرين، ولعب اللاعبين، من سفهاء الإسلام السياسي. نعم، المتهوسون يعبثون بديننا العظيم!! هذا العبث الذي تقوم به قوى الهوس الديني بعقول وقلوب الناس، داخل وخارج السودان لن يكون محمود العواقب، إن قدر للمتهوسين أن يبيعوا بضاعتهما لكاسدة الفاسدة مرة أخرى كما فعلوا مراراً وتكراراً -وقد كادت بعض فئات المجتمع السوداني والمجتمع الدولي أن تشترى تلك البضاعة المتهوسين. آن لهذا العبث أن ينتهي إلى نهايته الطبيعية: الموت المحتوم. لا يجب أن نسمح للمؤتمر "الوطني" أن يبيع الوطن في سوق نخاسة الإمبريالية الأمريكية وأجهزة مخابراتها.

هناك حملة تسويقية تمويهية كبرى، الباعة فيها من أمثال "صالح قوش" وقطبي المهدي، وعلى عثمان محمد طه، وأهل الجبهة الإسلامية اللاقومية، لا يفترون في محاولة تمريرها على أنها بضاعة صالحة. المؤتمر "الوطني" يريد أن يبيع "الوطن" أيها النبلاء الكرام من أبناء شعبنا البطل. هبوا ضد هذه الخيانة. هؤلاء خانوا أبيهم، وأذلوه، وركعوه، فظل يلهثت يطلب ود الحركة الشعبية الباسلة. ومن يذل أبيه ويخونه لا يرجى منه خير. ومن يعاقق أبيه لن يعيه أن يبيع وطناً بأسره.

المؤتمر الوطني ليس بوطني على الإطلاق، وقد آن للسيدين، محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي، أن يساهما في تعبئة الشارع السوداني برسالة محددة، واضحة القسمات، وأن يسخرا كل وسائل الاتصال لإحداث ثورة حقيقية. ربما أصبح هذان السيدان أكثر حنكة، بفعل تجاربنا المريرة، المرة تلو الأخري. ربما يكونان الآن أكبر دراية بأسباب فشل حزبيهما منذ الاستقلال، بسبب الخبرات السياسية التي كسباها. وهما يدركان، أكثر من غيرهما، بأن حزبيهما، مثل كافة الأحزاب السياسية، يعانيان من أزمات مستحكمة. و لن يعيد لها حيويتها، في تقديري، غير رسالة مشتركة قوية، تجتمع كل القوى السياسية فيها على برنامج حد أدني، سقفه أعلى من السقوف الواطئة التي قام علهيا البناء الهش للتجمع الوطني الديمقراطي.

نعم يجب أن يكون ناتج مخاضنا الراهن سقفاً "وطنياً" حقيقياً، عالياً. برنامج الحد أالأدني، ذي السقف العالي، كما سلفت بذلك الإشارة، هو أقل ما يمكن أن تتوقعه جماهير وقوى شعبنا الرابض في انتظار الهبة الكبري ضد الظلم والطغيان. من غير هذا، لا يكون إلا الطوفان. لقد خانت حركة الهوس الدين الشعب السوداني، وستخونه مرات ومرات، مثلما خانت أبيها، ومثلما خانت، ومازالت تخون حلفاءها، إن سمحنا لها بذلك. ولن نسمح لها!! لقد باعوا أنفسهم، ويريدون أن يبيعوا الوطن، بمؤتمرهم " اللا وطني!" لقوى الاستخبار و "الاستكبار" الدولي.

أهل الخيانة هؤلاء يكادون يخونون الشعب السوداني مرة أخرى. وقد آن لشعبنا الذكي أن ينتفض، وأن تنتهض قواه الحية "خارج" وداخل التجمع، في مواجهة خيانات المتهوسين، بتركيز الرسالة الإعلامية حول المادة التي يستغل فيها الدين بواسطة الدستور. هذه المادة وضعت لتركيع أهل الشمال وإذلالهم باسم الدين وباسم الله الرحيم متى دعت الضرورات المتصورة لدى قوى الهوس. هذه الضرورات هي تركيز السلطة والثروة في أياديهم. ضرورات حفظ الثروة والسلطة بأي ثمن وأي سبيل، هو المطلب الأساسي لأهل الهوس، وهم يريدون أن يستمر تسلطهم علينا في الشمال، على أيسر تقدير، بخاصة لو قدرللجنوب الانفصال عن الشمال باختيار أهله. ولن ينفصل الجنوب، لو قام أهل الشمال بواجبهم المقدور في مواجهة الهوس الديني من عقر دار الإسلام الحق، إسلام غالبية أهل السودان، إسلام السيد الحسن، إسلام المتصوفة، إسلام الجمهوريين!!!

لا يجب أن نسمح لديننا الحنيف أن يستغل مرة أخرى. ولا يجب أن نسمح لمسخ مشوه من الإسلام أن يحرك مجريات الأمور في بلادنا. الطغمة المتهوسة الفاسدة، الخبيثة، الحاكمة اليوم آن لها أن تذهب من حيث أتت، لأن الزبد ظل يذهب جفاء عبر التاريخ. ولن يبقى الزبد إلا إذا تقاعس التجمع كما ظل يفعل، وكما ظللت قوى الشمال تتقاعس وتخون العهود منذ مطلع الاستقلال -كما ظل يذكرنا بذلك والدنا الكريم السيد أبيل ألير، هذا الرجل الخير، الذي ظل يعمل لحقن دماء السودانيين، رغم خذلان أهله في الشمال له ولكل الأحرار في بلدنا لحبيب.

نواصل الأسبوع القادم.
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

التجمع المعارض ولجنة الدستور المزيف: هل آن أوان الثورة الفكرية-الثقافية؟ (4)

د. حيدر بدوي صادق

[email protected]

الصلح خير. هذا ما يتبادر للذهن بعيد توقيع التجمع والحكومة لاتفاق سيفضى، لا محالة، إلى توسيع هامش الحريات الذي ضيقه المتهوسين تضييق الخائف المتحفز لعداوة صنعها بيديه. وضعتنا قوى الهوس في نفق ضيق، وقد كانت تلك نعمة في ثوب نقمة. الجرعة المكثفة من الهوس التي تجرعنا مرارتها علمتنا، كشعب، أن ضيق الأفق وقلة الفكر، والهوس الديني، لاتنتج عنها إلا المآسي الماحقة. وفي تعلمنا لهذا الدرس نحن سابقون لغيرنا من شعوب المنطقة. وقد أصبح قادة الرأي عندنا مدركون لخطورة الهوس الديني لأننا صدرناه للعالم، بعد أن كابدنا الويلات التي كالها علينا في عقر دارنا.

الصلح مع قوى الهوس هذه المرة يجب أن ينتج عنه تفكيك بنية العقل المتهوس وإعطائه أدوات فكرية جديدة. وههنا يجب أن نذكر، مثلما ظللنا نفعل في مواضع أخرى، بأن كثير من المتهوسين الذين دبروا لأحداث 11سبتمر أقاموا في السودان في التسعينيات من القرن الماضي -مدداً سمحت لهم لإعادة ترتيب أوضاعهم الفكرية والمادية، وتغيير أولوياتهم وأدواتهم، واستراتيجياتهم لتواكب عصر العولمة. فقد عاش بن لادن في السودان خمسة أعوام حسوماً، تدرب فيها على المنطق العقلي الذي يقول "أمريكا قد دنا عذابها!" هذا بعد أن كان همه إقليمياً محضاً. لقد تعولم إرهاب أسامة بن لادن بسبب ثمرات العقل المتهوس في السودان في زمن "المؤتمر الشعبي-العربي-الإسلامي،" الذي ظن الدكتور حسن الترابي أنه به سيثور العالم حتى يرضخ لمنطقه المعوج!

ظلت نخب الهوس تشغل نفسها "بالثروة والسلطة،" عصبا الدنيا، على الرغم من إدعائها بأنها تقيم الدين!! رغم الضعف الظاهر لهذه القوى، ومحاولتها لتجميل وجهها الدميم، فنحن لسنا بمأمن من هذه القوى ومكرها بعد. لقد اضطرت القوى المعارضة للقبول باختزال مشروع الهوس في مادة "دستورية" لن تكون نتيجة إدراجها فيه إلا ما يشابه الدمار الذي أحدثته قوى الهوس. يكفينا أن نفكر ملياً في محاكمة محمد طه محمد أحمد، الذي خذله مشروع الهوس، وكاد أن يخرجه من الملة وأن يعلن ارتداده عن الدين. هذه هي الخطورة الكامنة في إدراج مادة تحكيم الشريعة في شمال السودان في الدستور. وهذا ما يدعونا لأن نسميه الدستور المزيف. هذه المادة تضمن لقوى الهوس أن تعود لقديمها في كبت الآخرين والتضييق علي حرياتهم في كافة أوجه الحياة لتأمين "سلطتهم وثروتهم!" في هذه المادة تكمن جرثومة تفكيك السودان.

ولكن عناية الله بشعبنا ستقودنا، بما تعلمناه، إلى تفكيك سلطة الهوس الديني على رقاب مواطنينا الطيبين المسالمين، الذين استحال بعضهم إلى قتله مجرمين مغرر بهم. أما إذا لم يصح أننا تعلمنا، فإن النتيجة ستكون "طوفاناً" جديداً!!!! وما ذاك إلا لأن أهل الهوس يبيتون النية على استخدام نصوص مدرجة في اتفاقية السلام، كما في الدستور المقترح، أرغموا الحركة على قبولها، بمثلما أرغمتهم الحركة على الانصياع لمطالب السلام.

أقول ذلك لاؤكد على نقطة جوهرية. وهي أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد قامت بواجبها الوطني خير قيام. وكاد أن يكتمل هذا الدور، لتدخل بعده الحركة دورة جديدة من دورات حياتها المتصلة، كأعظم قوة فاعلة في تاريخ السودان العسكري الحديث. نعم، هذه القوة الضاربة فعلت للسودان، ولوحدته ومستقبله وخيره، ربما أكثر مما فعلت القوات المسلحة التي وظفها المتهوسون، والطائفيون من قبلهم ، لقهر و قتل شعب الجنوب الطيب، الذي ذاق المر.

آن لأهل الشمال من السودانيين، بكافة ألوان الطيف الفكري والسياسي، أن ينهضوا بقضيتهم العادلة بمثلما نهضت به الحركة الشعبية. القوى الشمالية، المعارضة منها بصفة خاصة، لا بد لها أن تسدد للحركة الشعبية، ولباقي أهل السودان، الدين الكبير المستحق عليها. فالحركة الشعبية أعطت التجمع، ومعظم القوى الفاعلة خارجه، فرصة استمرارية المشروع الثورى السوداني ضد قوى السودان القديم. وقد آن لبعض قوى السودان القديم، داخل وخارج التجمع، أن تجدد من هياكلها الميتة بأن تبعث فيه حياةً جديدة، وأن تنتزع سلطة الدين من طغمة فاسدة، عابثة - آن لها أن تنهي احتكار ديننا الحنيف لغايات خبيثة.

آن للسيد النبيل محمد عثمان الميرغني، وللسيد الصادق المهدي، أن ينهضا بتعبات مشروع التجديد الإسلامي، الذي أشعل جذوته الأستاذ محمود محمد طه. "هذا، أو الطوفان!"

آن لهما – مع القوىالشمالية الحية قاطبة- أن يعاررضا مشروع الهوس بالحجة الدينية المقنعة، لا بتبني مشروع الهوس من حيث يدريان، أو لا يدريان. هذا يجب أن يكون بدون مطمع في "السلطة والثروة." آن للأحزاب الكبيرة والصغيرة أن تتوحد في مضامين رسائلها الإعلامية واستراتجياتها للمدى القريب والبعيد، لتركز على مواجهة مشروع الهوس الماحق الذي مازال يخيم على صدور السودانيين في الشمال. آن لنا جميعاً أن نحدد أهدافاً ومضامين مشتركة، محددة، نعمل يموجبها على تصعيد مواجهة المتهوسين. وأفضل فرصة متوفرة لفعل ذلك الآن هي العمل على تعديل المادة التي تجاعل الشماليين محاكمين تحت وطأة فهم المتهوسين للشريعة، التي ظلوا يفارقونها مفارقة المعرض عن دينه، والمبقي على القشور. فإن لم يتم التعديل فإن المقاطعة لأعمال لجنة الدستور واجبة. هذه خطوة أولى هامة. فإن الدستور المزيف واتفاقية السلام ليسا كتباً سمواية لا تقبل التعديل.

هذه الخطوة ستجعل التجمع يثور نفسه ويوجد لنفسه دوراً جديداً، مشرفاً، بالتعاون مع الجمهوريين الراغبين في المشاركة، وحزب الأمة، وحركتي "حق،" وغيرهم من القوى المؤثرة فكرياً وجماهيرياً. المهمة الحاسمة القادمة يجب أن تكون توظيف هذه اللحظة التاريخية، وتوظيف استغلال أهل الهوس لهذه اللحظة والمادة السامة التي حشروها حشراً في حلوق الجميع، والمتمثلة في المادة التي تنصص على تطبيق الشريعة على أهل الشمال. أهل الهوس ليسوا أهل شريعة وليسوا أهل دين. إنهم أهل دنيا، وإن لم ندرك ذلك بالأمس، ولم ندركه اليوم، فسندركه في الغد، بعد المزيد من الدماء، والدمار، والإذلال، كما تدلل نذر ذلك في أحداث سوبا-الأراضي، وفي محاكمة محمد طه محمد أحمد.

أهل الهوس يتحكمون في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن. وقد أعدوا أنفسهم إعداداً كبيراً بأجهزة أمنية ضخمة - منها الظاهر، ومنها المستتر- للمرحلة القادمة. وقد برعوا في ذلك من قبل، وبعد، وصلوهم لدهاليز وحبائل "السلطة والثروة!" أما الآن وقد نهبوا ثروات البلاد، فإن أهل الهوس لم يرعووا عن قتل أهلنا في حي سوبا-الأراضي، الذين استفذوا بغير داعي، غير داعي جشع وطمع أهل "السلطة والثروة!"

تحكم أهل الهوس في أجهزة الشرطة والأمن، مع تضمين مادة سامة في الدستور، يمكن أن تحرك بموجبها هذه القوى في القمع والتدمير، بصورة لن تؤمنا منها الحركة الشعبية، ولا قوى التجمع، التى قد تشارك في الحكومة الانتقالية. هذه القوى القديمة-الجديدة لن تستطيع مواجهة الهوس المنظم بغير مشروع ثوري فكري-ثقافي. وهذا المشروع لا يوجد إلا في فكر الأستاذ محمود محمد طه، الفكر الجمهوري، مضافاً إليه التثوير للتفكير الذي تفرضه اللحظة التاريخية الراهنة على قادة الرأي المستنيرين.

أهل الهوس هم الذين وظفوا أجهزة الشرطة والأمن لمجابهة مواطنين أبرياء أصحاب حق في "قطعة" أرض في وطنهم الواسع. أيستكثر من ابتنوا لأنفسهم القصور المشيدة، وأسرفوا في تملك مساحات، وساحات كبيرة، من تربة أرضنا -من مال الشعب السوداني المحزون الفقير، الكسير، والعظيم في آنٍ معاً- أن يسكن مواطن سوداني في قطعة أرض سودانية صغيرة في عاصمة بلاده؟ ثم كم من الشماليين سكنوا عشوائيا من قبل وملكتهم الحكومات المتعاقبة -بما فيها حكومة الهوس- الأراضي "العشوائية" التي سكنوها؟ ألم تفعل تلك الحكومات ذلك عن طيب خاطر دون قتل قاطني هذه المناطق من أهل الشمال؟ أولم يعطى أهل الدروشاب، وغيرهم، قطع الأراضي التي سكنوها بعد إعادة تخطيطها لهم؟ أيستكثر مثل ذلك على أهلنا السود الغر المحجلين؟ أوليست معاملة أهل سوبا-الأراضي هي العنصرية بعينها تتجلى في ثوب جديد، ثوب "سلطة وهيبة الدولة" -وكأن البلاد يعمها العدل والرخاء ولم يبق غير تمتين سلطة وهيبة الدولة من المارقين؟ إلى أين يريد أهل الهوس سوقتنا في سبيل السلطة والثروة، وباسم الدين؟ ولماذا نحن صامتون، وكأننا صم بكم؟

لا يجب أن تمر حادثة قتل المواطنين في أحداث سوبا مروراً عارضاً، كأن حياة أهل الهوامش –الذين لم يعودوا كذلك بسبب ثورتهم الظافرة بعون الله- لا تساوى شيئاً؟ حياة الشرطي الشمالي الذي يموت وهو يقمع أهله، لا يجب أن تكون أغلى من حياة مواطن يستفزه هذا الشرطي، وإن كنا نحزن، حزناً عميقاً، على موته. إلى أين نريد لأهل الهوس أن يسوقونا؟ لقد بدأوا الآن يبثون الرعب في أهل العاصمة من كافة الأديان والأعراقهل أه بترويج خطاب عنصري يشكك في أهل الجنوب من قاطنيها ونواياهم. إن المتهوسين لن تعييهم الحيلة لمزج الهوس مع سم العنصرية، فهما من نفس الشاكلة. فيما تبادر إلينا فإن طمع أهل "الثروة والسلطة" المتهوسين في مساحة سوبا-الأراضي، التي أصبحت ذات قيمة اقتصادية عالية، هو السبب في محاولة التهجير القسري للقاطنين فيها من أهلنا!!
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

أرجو أن يتابع قرائي الكرام ههنا، ما يدور من حوار حول موضوع هذا الخيط في منبر سودانيزأونلاين على الوصلة:

https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1117808730

فإنه، في تقديري، يجرى بصورة بدات تعينني شخصياً على حفز تفكيري نحو زاويا جديدة يمكن بها النظر إلى موضوع هذا الخيط، وهو "الثورة الفكرية-الثقافية" في السودان.

أعلم أن كثيرين من القراء ههنا ربما لا يستسيغون أسلوب خطابي أو محتواه. كما أعلم أن بعضهم يقاطع سودانييزأونلاين لأسباب معلومة، لا أقرهم عليها، وإن كنت احترمها. أقرهم عليها لأن مستوى الحوار هنا كثيراً ما ينزلق إلى مهاوي لاغرار لها. ولكن لا أرى بأن مواجهة تلك الحالات تكون بالانصراف عنها بصورة تؤكد "صفوية" المثقف السوداني، التي أودت بنا، هي الأخرى، إلى مهالك انتشار ظواهر الهوس الديني بسبب الانعزال الصفوى للمثقفين، ليس حساً فحسب وإنما بخطابهم الصفوى المتعالم كذلك.

مع ذلك فإنني أوكد أهمية قيام مثل هذا المنبر الرائد، الذي أرجو أن يجد سبيله في تثوير الفكر السوداني من خلال تنزيل الأفكار الكبيرة إلى أرض الواقع، في الخطاب وفي العمل.

أكرر دعوتي لمتابعة الحوار في سودانيزأونلاين على الوصلة:

https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1117808730
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »


التجمع المعارض ولجنة الدستور المزيف: هل آن أوان الثورة الفكرية-الثقافية؟ (5)
د. حيدر بدوي صادق
[email protected]
هل سيهيئ التجمع نفسه للقيام بواجبه الوطني في حماية المواطنين من سوءات العنصرية والهوس؟ إن أهل الهوس هم الذين قتلوا أهل سوبا-الأراضي لانتزاع تلك الأراضي وتوظيفها لمصالح أهل االحظوة منهم. هذا فيما ترويه الأخبار المتواترة عن أسباب بدايات تلك المواجهة الدامية التي راح ضحيتها العشرات من أبناء شعبنا. وعلى القوى الوطنية المدنية في الخرطوم أن تشرع في التحقيق في هذا الأمر الخطير بجهودها الذاتية وألا تنتظر من الحكومة القيام بتحقيق نزيه. فقد جربنا أهل الهوس عشرات المرات فلم "يحققوا" في جرائم ترتكبها الدولة باسم الدين. والآن باسم تنظيم العاصمة والترحيل المنظم وبسط الأمن "الشامل!" تفوح ورائحة العنصرية الكريهة من آباط مرتكبيها.

أهل الهوس لم يحققوا في جريمة بمثل هذا الحجم بنزاهة على الإطلاق. وهم ليسوا من النزاهة في شئ، ولم نسمع أنهم عاقبوا متهوساً واحداً لارتكابه جرماً بهذا الحجم. هذا، على الرغم من أن مرتكبي مثل هذا الجرم كثر في صفوف المتهوسين. إن لم ينهزم مشروع الهوس.، فستنهزم جميع قوى الخير في السودان، وهذا ما لن يكون! أهل الهوس لديهم من "السلطة والثروة" ما قد ييسر لهم بناء عشرات الأجهزة الأمنية والعسكرية، الخفية والمعلنة، التي ستبث الذعر في نفوس السودانيين إن تهدد مشروعها بأكثر مما تهدد. أهل الهوس يظنون أنهم قد دبروا أمرهم بليل، وأنهم "أعدوا" ما استطاعوا لنا من قوة ومن رباط خيل! أهل الهوس لا يريدون لإسلام السيد الحسن "أب-جلابية" أن يسود، لانه يهدد مصالحهم! أهل الهوس يعدون أمرهم بليل لخيانة الشعب السوداني مرة أخرى، كما خانوا أبيهم المخذول، الدكتور حسن الترابي، فهم أهل خيانة وخسة، وخبث؟

وقد آن لخبث الهوس أن يجتث من أرض السودان الطاهرة، طهر دماء من ضمخوها بدمائهم من أهل الجنوب الحبيب، والمخدوعين المضللين من أبناءنا البواسل، الذين أرسهلم الترابي إرسالاً ليموتوا ميتة جاهلية، ثم ليأتي هو فيذوق بعضاً مما أذاقه للناس. نسأل الله أن يقيل عثرته، فإنا لا نشمت في عدو بمثل ما شمت علينا أعداؤنا يوم قتلوا أبينا الأستاذ محمود محمد طه.

أما أهل الحركة الشعبية فإنهم يدخلون أتوناً لا قبل لهم بها. فهم غير جاهزين تنظيمياً، ولا مالياً، ولا عسكرياً، ولا أمنياً، مثل غريمهم التاريخي وحليفهم المرحلي المخادع الراهن. الحركة الشعبية لا تستطيع بمفردها مواجهة مشروع الهوس الديني، لأن هذا المشروع تمدد في بعض العقول والقلوب فأفسدها. ولا يصح إصلاح هذا الفساد بغير ثورة فكرية وثقافية شاملة لا تملك الحركة الشعبية بمفردها أدواتها.

فهل يستطيع التجمع المعارض مواجهة كل التحديات التي يتطلبها التصدي بالفكر الحر لمشروع الهوس الديني؟ وهل يعني حديث الأستاذ الفاضل فاروق أبو عيسى عن الصمود في وجه دولة الهوس بأننا ربما نكون قد بدأنا الخطوة الأولى في طريق المواجهة الديمقراطية، الفكرية-الثقافية، الشاملة لمشروع الهوس؟ أم أنه يعني بأن أهل التجمع لا يهمهم غير كراسي السلطة، كما دللت على ذلك مواقفه السابقة –حين جعل من نصيبه في "السلطة والثروة" أمراً أساسياً؟ ألا ينبغي أن يتوجه التجمع المعارض إلى وجهة مقاومة تزييف الدستور في مواده الأساسية التي تصادر حق الحياة وحق الحرية، متى رأت السلطة أن توظفها لذلك؟ ماذا سيمنع السلطة في شمال السودان أن تطبق ما تظنه حداً للردة ضد معارضيها السياسيين؟ ألم توظف تلك السلطة أجهزة الدولة ومساجد وزارة الشؤون الدينية لمحاكمة محمد طه محمد أحمد، الإبن العاق لأهل الهوس لإسكاته؟ هل يتورع من يفعل ذلك بالأقربين من أن يفعل أسوأ منه مع الأبعدين؟ وهل تستطيع الحركة الشعبية أن تقف في وجه تطبيق ما يمرره المهوسون في السلطة على أنه أمر شرعي بموجب المادة التي تقول زيفاً أن أهل الشمال تحكمهم الشريعة الإسلامية؟


الوضع السياسي الحاضر فيه تعقيدات كبيرة، على الرغم من بشائر التحول الديمقراطي. ولن يكفينا شرور هذه التعقيدات إلا العمل الفكري والثقافي الخلاق، والمواقف السياسية المهدية بأنبل الأخلاق. أما وقد بدأ التجمع الوطني الديمقراطي في طريق غير الطريق الذي سلكه من قبل، فإننا نرجو أن يتواصل هذا الأمر إلى غايته. فإذا كانت غايته هي تخليص عقول السودانيين وقلوبهم من سلطان الهوس الفتاك، فإني لعلى يقين بأن السودان سينهض نهضة تطبق آيات الأفاق!

ولنبدأ بمواجهة السلطة الراهنة. فإنه بوجود حليفنا التاريخي، الحركة الشعبية، في ركابها، وبضغطنا نحن من خارجها، سنصل إلى غاياتنا بحول الله. ولتكن البداية بالتركيز على المادة السامة في الدستور المزيف التي تصادر الحقوق الاساسية للمواطنين! ولتكن البداية في أن نمنع زج ديننا الحنيف في تكييفات دستورية مزيفة لم توضع إلا لتسخير السلطة في البلاد وثروة البلاد لخدمة مصالح فئة قليلة مارقة عن أصول ديننا الحنيف!! هذه الفئة المارقة عن بنل السودانيين لم تتعفف من أن تبيع نفسها لقوى "الاستكبار!" ولأجهزة مخابراته!!

هذه هي حقيقة التحديات التي تواجهنا، فهلا إرتفعنا لمستواها؟ وهلا تقدم التجمع الوطني المعارض في التصدي لها؟ أم أنه سيكون، مثل أهل الهوس، لاهم له إلا نصيبه من "السلطة والثروة!!؟؟"

هذه كلها أسئلة بمقدور التجمع أن يجيب عليها باقتدار إذا اختار طريق المواجهة لمشروع الهوس الذي يحاول أهله أن يعيدوا انتاجه في هيئة جديدة.
أضف رد جديد