حسن موسى في معرض "آفريكا ريميكس" بمتحف الفن الحديث

Forum Démocratique
- Democratic Forum
ÚÒ ÇáÏíä ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 33
اشترك في: الخميس أكتوبر 13, 2005 9:42 am

مشاركة بواسطة ÚÒ ÇáÏíä ÇáÔÑíÝ »

الأستاذ حسن موسى

تحية طيبة،

يقول الأستاذ حسن موسى " الريميكس هو أيضا محاولة لرسم صورة عكرة للقارة و لأهلها و لثقافاتهم ، صورة تسوغ للأوروبيين أن ينظروا للأفارقة يهلكون جوعا و عطشا و تقتيلا دون أن يروا في بلاء أفريقيا ما يثير العجب. و لم يتعجبون و الظلام الذي فرضوه على القارة يموّه عليهم رؤية أهلها السود؟ وثمة مثل افريقي ( من تدبيري) يقول: من المستحيل رؤية رجل أسود في عالم مظلم بالذات حين لا يرغب أحد في رؤيته. و الصور العكرة لأهل القارة كثيرة لا يمر علينا يوم الا و تخرج علينا ألة البروباغاندا الأفريقانية فيها بجديد محير.." انتهى

ويقول الأستاذ حسن موسى في موضع آخر في نفس البوست "المهم يا زول ، أنا ضد حوار الثقافات و لي في ذلك أسباب سأفصلها لاحقا. و الحاشية في اسم اللوحة باب للريح يستحق الفتح ، أما فكرة " الظاهرات التائهة " انتهى

للأسف اتيت متاخرا، وربما بوقت ليس بقليل، وإذا سمح لي الأستاذ حسن موسى ان أتوجه بسؤالين ولكن قبل ذلك لي كلمة قصيرة:

بدءا، قد لا تجدوني بقريب من مجالكم من ناحية اختصاص، الفن التشكيلي ورصفائه، ولكني أحاول ان أتابع واحصل على قيض مما ينشر هنا هناك من خلال النصوص فقط لتعذر مثل هذه الأنشطة في البلد المضيف، أو بلاد الظمأ كما اسميتها في واحدة من مساهماتك، وعلى كل وقع هذا عندي موقعا حسنا منذ ان قرأت "شقاق باب التصاوير السوداني" وفيه اكتشفنا حسن موسى و"جهنمه" التي تلاشت مع أول نسخة مصورة تصل سرا في زمن الاسلامويين غير الرحيم ونحن بعد في الجامعة وتوثقت عرى لا يعرفها هو وقد لا يكون ذلك مهما بالنسبة له لكن العقل وحده هو ما اتجه إلى هناك حسب ظني البسيط ..... على اني اطلب من الأستاذ حسن بوجه خاص، وبقية أعضاء المنبر ممن يمسسه السؤال، بذل ما أمكن:


إذا كنت تعتقد ذلك في الريمكس، حسب الاقتباس أعلاه، فلماذا شاركت في معرضه؟ وهل تكفي حكاية الموزة الثالثة؟

أيضا حسب الاقتباس الثاني، لماذا تقف ضد حوار الحضارات؟

________________________
"تعريجة" أخيرة خارج "الوقت":
يبدو البعد السياسي واضحا في كتابات حسن موسى وهو متمكن منه على ما يبدو، ولا ادري كيف كان سيكون الوضع اذ1 كان حسن موسى سياسيا!! النجوم في بلادي تسطع بعد موتها، كانها تعمل "باثر رجعي"، وحسن موسى يكسر القاعدة، هل من "كاسر" آخر يتجرأ على هذا التيه الذي ادخلتنا فيه الجبهة الإسلامية؟
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

"Jazz is a white term to define Black people. My music is Black classical music."
Nina Simone
العباره أعلاه جاءت علي لسان مغنية الجاز الأميركيه الشهيره (نينا سيمون) وترجمتها وفق فهمي وأجتهادي هي (أن موسيقي الجاز هي ذلك التعبير الذي أطلقه البيض للتعريف بموسيقي السود.أما موسيقاي فهي موسيقي الكلاسيك عند السود).

الرئيس الأمريكي بوش في مراسم توقيعه علي القانون العام رقم 108 - 72 الموقع في أغسطس العام 2003 والذ ينص علي الأعتراف بأن موسيقي الجاز تمثل كنزاً أميركياً وطنياً نادراً وثميناً ، حيث أنها تعد مصدر الهام لبعض من رواد الفن ألأميركي المبدع. فضلاً عن أنها تعد واحدةً من أعظم ما تصدره الولايات المتحده مِن ثقافتها. فقد أستعملها الراقصون ومديروا الرقص ، والشعراء والروائيون ، ومنتجو الأفلام ، وملحنو الموسيقي الكلاسيكيه والموسيقيون المختصون في شتي أنواع الموسيقي مصدر الهام لهم في أعمالهم.

من خلال النموذجين أعلاه وما يفصل بينهما من تأريخ سنقوم بتتبع تأريخ موسيقي الجاز بوصفها واحده من النمازج المهمه للريميكس حالة كونه مفهوماً أيجابياً تحقق وفق المعايير ألأجتماعيه التأريخيه غير المتكافئه و التي من خلالها فرضت موسيقي الجاز نفسها كسلطة جماليه وضروره أجتماعيه رغماً عن ما ووجهت به من رفض وسخريه وعدم أعتراف لا لسبب سوي انها موسيقي العبيد المجلوبيين قسراً الي الأرض الجديده الولايات المتحده الأميريكيه ويجب أن لا ننسي أن كلمة جاز ( Jazz) التي صارت رقماً صعباً ومفارقةً تاريخيه تعني في الأساس (وسخ) او (سكن) وقد أطلقها البيض علي السود عندما هموا بمعالجة الموسيقي الكلاسيكيه التي فرضها عليهم واقع القهر والأستعباد وتوظيفها بما يتفق مع أحاسيسهم وخيالاتهم وبثها شجونهم ورفضهم الكتوم عبر انظمتهم النغميه التي تعذر فهمها آنذاك علي البيض فوصموها ذلك الوصم.سأحاول أن أن أنطلق من مفهوم أن ما يعرف اصطلاحاً بموسيقي الجاز بداء في الأصل مرفوضاً بل محتقراً ومن ما ساعرض له ادناه من سرد تأريخي تقريبي لتلك الموسيقي التي هي نتاج ثقافات متعدده وفق ظروف جديده في أرض جديده وحيثيات جديده لثقافات موسيقيه كائنه من قبل. يعني ريميكس

موسيقي الجاز تأسست وتجذرت في حوالي بدايات القرن التاسع عشر بالتحديد بعد أستجلاب العبيد الأفارقه الي الولايات الجنوبيه في الولايات المتحده الأمريكيه وكان ظهورها بشكلها الذي تعارفت عليه فيما بعد في مدينة (نيو اورليانز) حيث كان يسمح للعبيد فقط في أيام ألأحد بالتجمع في ميدان (الكنغو) للترويح عن نفسهم من عناء ايام العمل الشاق طيلة أيام الأسبوع بالرقص والغناء والموسيقي وكانويستخدمون الألآت الموسيقيه الغربيه التي وجودها عند أسيادهم حيث كان ممنوع عليهم آنذآك أستخدام الألآت الأفريقيه المحليه مثل الطبول والكشاكيش وما شابه وكل ما من شأنه أن يذكر بتلك القاره التي جلبو منها بقصد محو ثقافتهم للسيطره عليهم والحد من قدراتهم التنظيميه التي قد تؤدي الي تمردهم الشئ الذي جعلهم مجبرين علي أستخدام الألآت الغربيه بما أنهم لا يستطيعون العيش بدون الموسيقي والرقص ومحاولة بث احساسهم ومشاعرهم والتعبير بتلك الألآت التي ووظفت وصنعت لعزف أنظمه موسيقيه مختلفه جداً من تلك ألأنظمه النغميه التي حملوها معهم من أفريقيا الشئ الذي فتح آفاق مخيلتهم وحفزهم لأنتاج أصوات جديده أعتماداً علي التحريض الذي حققته الأصوات الصادره من النظم الموسيقيه الجديده عليهم او ربما تحايلهم لمحاولة صياغة ثقافتهم الموسيقيه عبر هذه الألآت المجبرين علي التعامل معها. وحيث أنهم كأنو يشكلون الشريحه ألأدني من الطبقه ألأجتماعيه الدنيا سعي البيض الي السخريه من ثقافتهم هذه وبداء الأمر وكأن ما يقدمونه من فن موسيقي لا يتجاوز حد أضفاء روح المرح والفكاهه والضحك بالنسبه للبيض في حين أنه كان بالنسبه للعبيد ألأفارقه شجن وأسي. ومن ثم أطلقوا عليه تسمية (جاز) او بمعني آخر (وسخ) لاحتوائه حسب ما يري البيض علي أصوات (غير نظيفه) وهم يقصدون بالتحديد عدم أنسجامها مع النظام النغمي ذو ألأصول الغربيه او بالتحديد النظام النغمي الذي قام الموسيقي الألماني الشهير( يوهان سيبستيان باخ) بتعديله من النمازج النغميه التي سبقته .منذ ذلك الحين تتطورت موسيقي الجاز وأنتشرت في كافة الولايات الباقيه في اميركا بعد الحرب العالميه الثانيه ايضاً توسعت وأنتشرت في بقية البلدان الأخري خاصةً الأوروبية منها.

الشكل ألأساسي لفرقة الجاز وفق النموزج النيواورليانزي(1930_1900 )كانت تتكون من ألألآت( بيانو) (توبا)و(بانجو) هذا للمجموعه الأيقاعيه الهارمونيه لاحقاً حلت آلة ( الجيتار) مكان اآلة(البانجو) واآلة الكونتر باص مكان آلة (التوبا).1920 جاء الدرمز ليتصدر مجموعة الألآت الأيقاعيه هذا بألأضافه الي الألآت (الكورنيت) او (الترامبيت)(كلارنيت)(باصون او الفاجوت) المكونه للمجموعه الميلوديه اللحنيه.ومع ظهورمجموعات(السوينق) الكبيره في الثلاثينيات جاءت الآت النفخ الخشبيه والنحاسيه مثل (الساكسفون) و(الترمبون) وهلم جرا.

.المكونات الأساسيه أي اللحنيه لموسيقي الجاز تنتمي وتتحدر بشكل أساسي الي تقاليد الثقافه الموسيقيه الأفرواميركانيه والأويرواميركانيه.لاحقاً أخذت موسيقي الجاز أيضاً تقاليد ثقافات موسيقيه أخري مثل تقاليد الموسيقي اللاتيناميركيه او حتي الآسيويه.
كما هو معروف أن موسيقي الجاز هي ذلك الخليط المركب الذي يحتوي علي عدة ثقافات موسيقيه جاءت نتيجه لجلب العبيد الأفارقه الي القاره الأميركيه أذن هذه هي نقطة الألتقاء الأساسيه والمؤسسه علي مجموعه تم جلبها قسراً الي مكان لم تكن تفكر في يوم من الأيام أن تكون فيه.
العناصر الأساسيه لموسيقي الجاز كما اسلفت ترجع وبشكل أساسي الي الموسيقي الشعبيه لسكان غرب أفريقيا او يمكن القول النسخه التي قام الأفارقه الذين نشأو في المستعمرات المقامه علي الأراضي الأميريكيه بتطويرها ، وكذلك الموسيقي الشعبيه لسكان اوروبا وبالتحديد ما يسمي بفن الموسيقي للقرنيين الثامن والتاسع عشر. من تقاليد الموسيقي الغرب أفريقيه جاءت طريقة الأداء الصوتي الغنائي والتي تمنح المغني براح كبير وواسع للاداء الصوتي الحر المنطلق.وكذلك تقليد فن الأرتجال والتجاوب الصوتي الذي يتمتع به المغني الأفريقي( السؤال والجواب) فوق ذلك التراكيب والتشكيلات الأيقاعيه المعقده مثل تأخير( الدم)او ما يعرف بالسانكوبيشن او السنكبه وطريقة ايراد الجمل اللحنيه العكسيه الأيقاع الصادره من مختلف الالآت الموسيقيه المصاحبه للمؤدي. أضافةً الي بعض العناصر الأخري التي جاءت نتيجةً للواقع الجديد الذي فرض علي العبيد الأفارقه والذي أظهر نفسه فقط في الظروف الجديده مثل أغاني العمل وبروز وتشكل أيقاعات جديده تأتي متأثرة بأيقاع النشاط العملي الجديد الذي فرضه واقع العبوديه ومن ثم جاءت تأثيرات أغاني الهدهده وأغاني الرفض والتمرد ولاحقاً الأغاني الدينيه والروحيه مثل (القوزبيل) وفوق ذلك كله ما يعرف بالتراث الموسيقي الأنساني العالمي المتمثل في أغاني البلوز ( الشجن)

في القاعده العامه لموسيقي الجاز يعتمد الموسيقي بشكل أساسي علي الأرتجال الذي فيه يقوم بتحطيم ألأشكال الكلاسيكيه الأعتياديه في قوالب التلحين والتأليف في نمط الموسيقي الغربيه الكلاسيكيه. وألأرتجال عادةً ما يكون مصاحب بترديد مركبات هارمونيه معينه بشكل تكراري في حين يقوم عازفي الألآت الموسيقيه المصاحبه بعزف نوتات او جمل لحنيه هي في الأساس عباره عن محاكاة لأسلوب فن الغناء عند ألأفارقه المتميز بما يعرف في علم الموسيقي (بالقليساندو) أي الأنتقال الأنزلاقي الذي يمر عبر ابعاد نصفيه صغيره وهو ما يعرف في علم الموسيقي( بالعلامات العرضيه) المقصود منها خلخلة النظام النغمي المحدد لخلق جمل تعبيريه مفاجئه و مؤثره وهذه الأصوات هي بالتحديد ما قام البيض بنعتها و تسميتها بالأصوات غير النظيفه والتي علي أساسها تمت تسمية موسيقي (الجاز) هذه التسميه ذات المعني السلبي المتعالي وفي أحسن الأحوال أطلقوا عليها اسم ألأصوات الزرقاء أشارة الي الحزن الذي يرمز اليه اللون الأزرق في المخيله الجمعيه لمعظم الغربيين ونسميها نحن الدرجات الحساسه وهي توجد في بعدي الثالثه والسابعه للنظام النغمي الطبيعي او المعدل.وبشكل نادر يتم أستخدامها في بعد الخامسه في السلم الصغير الميلودي صعوداً ويتم تفاديها هبوطاً او نزولاً. ويمثل السلم الصغير الميلودي الهارموني القالب النغمي الذي تؤلف عليه قطع موسيقي الجاز وذلك بعد تحويره بتفادي الأبعاد الحساسه ليصبح نظامه النغمي خماسياً هذا بالأضافه الي أستخدام المؤثرات الصوتيه البشريه مثل الكرير او الهمهمه والصفقه كانت هذه العناصر من المشخصات الأساسيه لموسيقي الجاز.الذي انطلق بدون عوائق في تطور مستمر الي يومنا هذا.
قصدت من هذه النبذه القصيره عن موسيقي الجاز وبأيراد بعض من التفاصيل التقنيه البحته أشراك اكبر قدر ممكن من غير المهتمين في تفهم مثالي الذي اسعي من خلاله الي وضع تصور عن مفهوم الريميكس من خلال مجال الموسيقي بطبيعة التخصص وأعرف جيداً أن كل جنس او مجال من مجالات الفنون الجميله وحسب تخصصه النوعي يمكن أن يوجد مفهوم مختلف عن الريميكس من الجنس الآخر المختلف عنه في التعبير. مثلاً عندما قام الأستاذ حسن موسي بطرح مفهومه للريميكس من خلال ممارسة فن التشكيل واستخلص منه رؤيته كفنان تشكيلي والتي توصل فيها الي أن مفهوم الريميكس ليس هو سوي خديعه كبيره تحكيها ذهنية المركزيه الأوروبيه لتصنيف الثقافات المختلفه منها وبالتحديد الأفريقيه فيما يسمي (بألأفريكانيزم) ولكن في نفس الوقت يمكن أن نتناول مفهوم الريميكس من خلال ممارسة فن الموسيقي ومن خلال الرصد التأريخي لها ونطلع بي نتيجه مختلفه تمام الأختلاف عن تلك التي يمكن استخلاصها من نفس مفهوم الريميكس المصاغ عبر الفن التشكيلي ربما لأن فن الموسيقي يتميز بشعبيته وسهولة تناوله الشئ الذي لا نجده في أشكال فنيه أخري مثل التشكيل الذي غالباً ما يتسائل الناس فيه دائماً ويطلبو من الفنان التشكيلي تفسير لوحاته وعرض مضمونها وأيضاً فن المسرح الذي يتطلب درجة وعي نوعي للتعامل مع لغته الدراميه ودلالاته البصريه من خلال عملية التمثيل او ربما لأن فن الموسيقي هو في مجمله فن فطري سليقي وهذا لا يعني بالضروره أن بقية أشكال وأجناس الفنون الأخري غير فطريه لكن القصد هو الممارسه اليوميه لفن الموسيقي التي تسهل من عملية التلقي ولا تتطلب أنتباهاً قصدياً.
من خلال العرض أعلاه لتأريخ تكون موسيقي الجاز نجد التغير الواضح في النظر والرؤيه الي موسيقي الجاز من الرفض المتهكم الي الأعتراف بها ككنز وطني.أعني أنه في بداية الأمر ترفض الثقافات وبشكل قاطع العناصر الجديده عليها ولكن هذا الرفض غالبا ما يكون الي حين أن تثبت الثقافه قوتها عبر ما تقدمه من محتوي غني يستطيع أن يطرح نفسه غير آبه بهذه المسميات التصنيفات العابره وما ذكرته من مثال في موسيقي الجاز خير دليل علي ذلك وفي أعتقادي أن الثقافات وفي عملية تطورها وتلاقحها تتخذ صوره هي أشبه بتلك التي تحدث في عملية التخصيب الجنسي حيث نجد أن البويضه تعمل علي رفض الحيوانات المنويه ومنعها من أختراقها وتخصيبها مستخدمه في ذلك كل الأمكانات الدفاعيه الذاتيه المتوفره لها الي يأتي الحيوان المنوي القوي الذي يستطيع أختراق جدار البويضه وتخصيبها ليتخلق جنين جديد منتخباً لأفضل العناصر الوراثيه للوالدين بمعني أن عملية التفاعل الثقافي المعقده لا تتم كما نتصور عبر حوار الثقافات سلمياً أو بالتراضي بل هي تعتمد بشكل أساسي علي الأختراق وربما التصادم الذي يتطلب أن تحشد الثقافه التي تريد التعبير عن نفسها وفق ظروف غير متكافئه كل عناصر قوتها لتقديم نفسها كنموذج لا يمكن تجاوزه وأعتقد أن هذا بالتحديد ما يقوم به الفنان (حسن موسي) عملياً وبه أستطاع أن يوسع رؤيته كفنان تمثل اعماله ورؤاه جزء من صورة الوجود الكوني وليس كفنان يجتهد للعمل تحت تصنيف او ترميز صادر من حكم مسبق فوقي مثل تصنيف الأفريكانيزم.
في بداية التسعينيات من القرن المنصرم وفي أحدي الفعاليات المسميه( بمهرجان الخرطوم الدولي للموسيقي).آنذاك وفي ورشة عمل أقيمت في معهد جوته جمعت كل الفرق والمجموعات المشاركه يعني الفرق الأجنبيه والسودانيه وكانت من بين الفرق ألأجنبيه المشاركه فرقه المانيه وفي أثناء النقاش وتجاذب أطراف الحديث وتبادل وجهات النظر قام واحد من أعضاء الفرقه الألمانيه وعبر عن دهشته وأستغرابه كون أن كل الفرق السودانيه المشاركه لم يكن من بينها من قام بتقديم نموذجاً فولكلورياً شعبياً وعبر بذلك عن خيبة أمله حيث أنه كان يتصور وبمجرد وصوله لمدينة الخرطوم أن يجد كل أشكال موسيقي الأدغال والصحراءمن طبول ودفوف ورقص بشكله التقليدي فقط كونه آتياً الي أفريقيا لكنه أصيب بخيبة أمل حين وجد مجموعات مثل (فرقة السمندل)( ومجموعة عقد الجلاد) و(مجموعة عزه الموسيقيه) وغيرهم وجدهم يلبسون الزي الكلاسيك ويستخدمون آلآت موسيقيه غربية الصنع والمنشأ.بل يقدمون في بعض الأحيان أعمال لكبار الموسيقيين الكلاسيكيين أمثال (يوهان سيبستيان باخ) و(بيتهوفن) و(موتسارت).يعني بالواضح كان يريد أن يجد متحف بدائي شعبي او حتي ربما فرقة الفنون الشعبيه لكي يتوافق الواقع مع الصوره الذهنيه الموجوده في رأسه مسبقاً والغير قابله للتغيير بل ربما يجب أن يتغيير الواقع.
قصدت من هذه الحكايه أنه بالفعل هناك موسيقيين موجوديين في اوروبا او في الغرب بصورة عامه وهم كثر يسعون الي تحقيق هذا ألأعتقاد وقبول الحكم المسبق الذي يسعي أن يصادر منا كموسيقيين كل التراث الموسيقي العالمي ويضعنا فقط في ماضي تقليدي بدائي لا يمكن فهمنا خارج أطره بأي وكأن أن الموسيقي الغربيه الأوروبية هي فقط نتاج اوروبي بحت لم يتعامل بأي حال من ألأحوال مع الثقافات الموسيقيه العالميه الأخري. بل أن الغرب هو مصدر العلم الموسيقي الوحيد وكل ما يجمعنا مع ذلك العملاق الهائل ليس سوي مشروع للتعلم قدر الأمكان.

نواصل
وليد يوسف
السايقه واصله
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

[size[color=darkblue]=24]الاعزاء الوليد و نجاة و عز الدين
قال المثل ما حك ظهرك مثل ظفرك و أنا ناوي على ترجمة الحوار المنشور في مجلة
Africultures
لكني مشغول هذه الايام بغوايات أخرى فضلا عن أن ترجمتي لنص حكايات الموز ما زالت تلكلك في" أم صميمة" بينما وصل الصبيان" جبل حلة" .
و للأخ عزالدين الشريف كل العرفان على أسئلته التي تفتح للريح أكثر من باب في أسباب حضوري في ساحة الفنأفريقانية، و في خصوص فساد حوار الحضارات و ما ترتب عليه من عجائب المخلوقات الثقافية المعاصرة، كـالمخلوق العجائبي المسمى بـ " الفن الافريقي المعاصر" . و هذا يردنا لسيرة الريميكس في حديث الوليد و ما كان من أمر الجاز الذي يدّعي الامريكان ملكيته و يبرزون في سبيل دعم دعواهم الوثائق و الفرمانات و لا حول و لا قوة الا بالله ..
المهم يا زول، في الانتظار أهديكم هذه الأحاجي الافريقية التي استخدمتها لتأطير طقس تشكيلي قبل سنوات ، و لكم العتبى حتى ترضون أو كما قال
مودتي
حسن














خمسة ألغاز أفريقية
لتجنّب مزالق الفن الاوروبي



1-
في فمي لسانان يتناقضان و لا يكذبان
و في صدري قلبان يجهلان الخيانة
و ان خفقا لأكثر من غرام
و خطواتي على دربين متعارضين
يؤديان الى نفس المصير
فمن أنا؟

2-
من غرفتي أنظر عبر النافذة
فأراني ماشيا في الشارع
فأين أنا؟

3-
لقد وُلدت في التقويم القمري
ثم متّ في التقويم الشمسي
و لو نظرت اليّ لوجدتني حيّا أرزق
فكيف يجوز أمري؟




4-
لقد علّموني الكتابة من اليمين الى اليسار
كما علّموني الكتابة من اليسار الى اليمين
بل و علّموني الكتابة من الأعلى الى الأسفل
لكني عاجز عن قراءة ما أكتب
لماذا؟

5-
كنت متوحّشا أحيا على شرع الغاب
و ما كان ذلك ليضيرني في شيء
و صرت بربريا أحيا على شرع الحضارة
و لا بأس عليّ
فكيف تفسّر أمري؟











CINQ DEVINETTES AFRICAINES
pour déjouer les pièges de l’art européen



1- J’ai deux langues dans ma bouche qui disent
deux choses contradictoires sans jamais mentir.
J’ai deux cœurs dans ma poitrine qui battent
pour diverses passions sans jamais trahir.
Je suis deux chemins opposés qui mènent
vers le même destin.
Qui suis-je ?

2 – Je suis dans ma chambre, je regarde
par la fenêtre et je me vois
marcher dans le rue ?
Où suis-je ?

3 – Je suis né dans le calendrier lunaire
et mort dans le calendrier solaire
mais je suis encore vivant.
Comment est-ce possible ?

4 – J’ai appris à écrire de droite à gauche
de gauche à droite, et même de haut en bas,
mais je n’arrive pas à me relire.
Pourquoi ?

5 - J’étais un sauvage vivant selon les lois de la nature,
Ce n’était déjà pas si mal.
Maintenant, je suis un barbare vivant
selon les lois de la civilisation, et ce n’est
pas mal non plus !

Hassan MUSA
12 Février 1997














FIVE AFRICAN RIDDLES
to foil the european’s art

1 – The two tongues in my mouth never lie,
Even when they tell two contradictory facts.
The two hearts in my chest never betray,
Even when they beat for several passions.
And the two opposite roads I follow
Lead straight to destiny,
Even when they go around.
Wh am I ?

2 – I am in my room looking through the window,
And I see myself walking in the street.
Where am I ?

3 – I was born in a lunar calendar
and died in a solar calendar.
Now look at me, I am still alive.
How is it possible ?

4 – I learned to write from right to left;
from left to right, and even from top to bottom,
but I can not read my own handwriting.
Why ?

5 – I was a savage
surviving according to the laws of nature,
it was’nt that evil.
Now I am a barbarian
surviving according to laws of civilization,
it is not that bad either.
How could you explain that ?

Hassan MUSA
12 February 1997




[/color]
ÅÓãÇÚíá Øå
مشاركات: 453
اشترك في: السبت سبتمبر 10, 2005 7:13 am

مشاركة بواسطة ÅÓãÇÚíá Øå »

الأعزاء نجاة حسن نهالاكم سعيد, شكرا على هذا البوست الذي سعدت بقراءته وخاصة لانه يهبنا فرصة الاستمتاع ببعض من ابداعات سيدنا موسى( يا النبي نوح على حد عبارة حسن الجبارة) في الرسم, بالرغم من أنها معروضة اي الرسومات على شاشة الكمبيوتر الا انها تعكس عن اتقان ومهارة يدوية عالية تسطيع ان تطاوع هذه العقلية الشديدة التشابك التي وراء الرسم. بالمناسبة أستاذ حسن كنت قد باشرت بترجمة مقابلتك التي ارسلت لي صورة منها اليوم وقلت انبهك اذا ما بديت الترجمة فيكمنني ان اريح من حك جلدك بضفرك, وتوفر طاقة الحك في الرسم. اها قلت شنو؟
مع خالص التحايا
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الأخ اسمعيل
سلام و كلام
جاء في الاثر أن" من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" فتأمل.
ياخي أنا كما تقول العبارة الجاهزة " عاجز عن الشكر" و امتناني بلا حد تجاه أريحيتك الفكريةالفياضة.و ترجمتك لنص المقابلة شيء مفرح كونك رجل عارف بدروب اللغة الفرنسيةو اشتباهاتها المعلومة و الخفية مثلما أنت عارف بشعاب لغة العربان و جخانينها الغميسة و أنا يا صاحبي أثق في كلماتك و أتجمّل بها عند كل قراءة.
خالص مودتي
حسن
ÅÓãÇÚíá Øå
مشاركات: 453
اشترك في: السبت سبتمبر 10, 2005 7:13 am

مشاركة بواسطة ÅÓãÇÚíá Øå »


الأعزاء نجاة حسن والمتداخلين تحية طيبة
شكرا الأستاذة نجاة مرة أخرى على هذا البوست وارجوا أن تعذروني للتأخير في بسط الترجمة.
الرسم, الشعر, الموسيقى, السينما و المسرح, كل هذه الأشياء الضرورية للحياة البشرية إذا لم تأخذ حيزا طبيعيا في حيواتناا فإننا لا شك غير متزنين. ذبلت روحي وأنا أرى خريجي كلية الفنون في السودان وهم يكابدون في مجتمع لا تعير اهتماما لهذا الجانب من الحياة والتي تشكل الأرضية الهامة لزراعة شخصية سوية وغرسها في تربة مجتمع تتقاذفه ريح صر صر كالسودان ولن يتأتى هذا إلا بالتربية والتعليم وبالذات الفنون ولن نمل من ترديد هذا ما دمنا قد اخترنا أن نقاوم الركوب في هذا القطار السريع الذي يسير بجنون نحو فنائه مارا بمحطات العولمة, الكسب السريع, الأصولية والوصولية.
ÅÓãÇÚíá Øå
مشاركات: 453
اشترك في: السبت سبتمبر 10, 2005 7:13 am

مشاركة بواسطة ÅÓãÇÚíá Øå »

Dear all, i will supply the rest of the translation this evening sory for the nonaccomplished work.
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



الصديق إسماعيل،

كل عام وأنت والأسرة بخير.
وألف شكر لك على الترجمة.

نجاة


ÅÓãÇÚíá Øå
مشاركات: 453
اشترك في: السبت سبتمبر 10, 2005 7:13 am

مشاركة بواسطة ÅÓãÇÚíá Øå »



الأستاذة نجاة تحية طيبة
لقد قام الأستاذ حسن بمراجعة الترجمة وقام مشكورا بتصحيح بعض الأخطاء التي وردت في النص المترجم وعلية أعيد بسط الترجمة مرة ثالثة بعد التصحيح والتنقيح ومعذرة لهذا التغيير.




صحيفة ثقافات إفريقية

ترجمة لحوار مع الفنان حسن موسى

نشر في ثقافات إفريقية الإلكترونية
أجرى الحوار لوسي تويا وتيري وليام كوديدجي
LucieTouya et Thierry William Koudedji

أنطلق في حياتي من مبدأ بسيط وهو أن الناس أذكياء.

حسن موسى فنان سوداني متعدد المواهب فهو رسام، مصمم قرافيك ومعلم لكنه يعرف نفسه ببساطة كصانع صور. التقينا به في جنوب فرنسا حيث يقيم، وكان أن فتح لنا أبواب فنه وأفكاره. لقد تقدم للمعرض الجماعي الذي أقامهAfrica Remix تحت عنوان فن قارة، بمركز بومبيدو في أغسطس الماضي، بعملين فنيين. وتعد هذه سانحة أن نكتشف عمل هذا الرجل الكريم والملتزم والذي لا يدعنا دون أن يثير تساؤلات.

لقد نشأت في مدينة بغرب السودان وتعيش في فرنسا منذ سنوات عديدة وتمارس فيها الإبداع (الرسم) والتعليم كيف تتعايش كفنان وكفرد مع الثقافتين؟

لا أقول بأنني أحمل ثقافتين، لدي ثقافة واحدة لكنها معقدة التركيب، وهي التي أتقاسمها مع العالم، إنها تتعلق بثقافة السوق، ثقافة المجتمع الاستهلاكي الذي بنى معالمه حسب منطق سوق الرأسمالية العالمية. إضافة لبعض العناصر وافدة من ثقافات البحر المتوسط, من التقاليد المسيحية الخ من ما يسمى بالغرب. أما الكليشيه المعتادة (العبارة اليومية المبتذلة) التي تقول بأنني أحمل من جانب ثقافة عربية إسلامية شرقية أو إفريقية ومن جانب أخر أحمل ثقافة غربية، فإنها تعد في ظني انحرافا واضطراباً في الرؤى أن نفكر في مفهوم الثقافة بهذه الطريقة. لأنه ليست هناك غير ثقافة واحدة سيطرت وابتزت الثقافات الأخرى، لكنها بالغة التعقيد وذات تشابك عظيم. فعندما أخذ إحدى الدوائر جانبا، كالمرجعية العربية الشرقية أو الإفريقية, فاجد نفسي دائما في داخل منظومة ثقافية هضمت وعضونت ثقافات أخرى في داخلها. إنني اعتبر نفسي انتمي بصورة نهائية إلى هذا العالم. ليست هناك عوالم وثقافات أخرى فكلنا شركاء داخل هذه الدائرة الثقافية, لكن يجب علينا مبدئيا أن نعي مدى تعقد وتشابك ثقافتنا. هذا هو ما أحاول أن اشتغل عليه في أعمالي الفنية.

انك تلامس عدة مجالات من خلال أعمالك الفنية وفي نفس الوقت تعرف نفسك كصانع صور ما هو مشوارك الفني؟

كنت مبهورا بالصور منذ طفولتي. وتطبعت، أولاً بأول، بتقاليد فن الرسم الأوربي، لأن تلك الصور كانت مثار فضولي. كنت أراها في الكتب المدرسية، في المجلات، في الإصدارات، على البطاقات البريدية وعلي كل منتجات فن الرسم والتشكيل. وهكذا أردت أن أصنع ذات يوم مثل تلك الصور التي كانت تكشف لي عن عالم عجيب. فيما بعد في كلية الفنون بالخرطوم تعلمت تقنية صناعة الصور وحاولت تملّك تصاوير تقليد الفن الأوربي. اليوم، وكصانع صور أو عندما أتحدث عن هذا المجال فإنني أجد نفسي في داخل تاريخ الفن الأوربي. أشعر بنفسي وريثا له، ولو أنني اشعر في نفس الوقت بأنني وريث تواريخ أخرى والتي ربما يجهلها من هم في جيلي من الأوربيين. أعمل كشخص يمتلك عدة أدراج، فهناك درج الخط العربي، درج الرسم الأوربي ودرج الرسم بالمائيات الصينية، وهكذا. إنني أحيا بكل هذه العناصر المركبة. وهي تمدني بعلبة أدوات تسمح لي بعمل ما أحب من صور.

إذن، كأنك تقوم بمد جسور بين بقاع مختلفة في شخصيتك، وبالتالي هل تعد أعمالك من الصور التي ترافق كتاب الأحاجي الموجه لجمهور الأطفال، هل تعدها وسيلة عبور لطفولتك؟

الصور التي تتحدث عنها توجد في كتب الأحاجي التي صممتها، إنها تعتبر بصورة رسمية كتبا للأطفال لكنها موجهة أصلا للكبار واعتبرها كتباً للصور أساسا، فأنا لا أعدها كنوع من الكتب التوضيحية. إنها قبل كل شيء تضم صورا أحبها. غالبا ما نتحدث عن كتب موجهة للأطفال لكن الكبار هم الذين يختارون في نهاية الأمر، هذه الكتب تتوجه إليهم في الغالب وكأنها تقول لهم, هذا ممتاز لأطفالكم. لكن إذا تجاوزنا نظرة الكبار، فان أطفال اليوم يملكون قدرة بصرية معقدة ومتطورة جدا. فمثلا, الطفل الذي في سن العاشرة علية لكي يلعب بان يتمكن من إدارة ثلاثة بؤر صورية للفعل على شاشة اللعبة الإلكترونية، فهكذا نجد انه عليه أن يراقب ثلاثة أشياء في نفس الوقت، إضافة لذلك يلزمه أن يدير اللعبة بأصابعه. إنها تجربة بصرية معقدة تتجاوز قدرات الكثيرين من الكبار. فعندما أتوجه للأطفال بكتبي وصوري، فإنني أعي جيدا بأنني أمام جمهور متطلب. ولهذا السبب أعتقد أن نظرة الأطفال النافذة ستقلب موازيين وطرق صناعة الصور في السنوات القادمه. وسوف تكون هنالك صور عديدة التي لن يتسنّى لها أن تمر.

بمناسبة معرض افريكا ريمكس، قمت بتقديم عملين أدوات للعبادة والعارية الأمريكية الكبرى، قماشة الرسم عبارة عن مجموعة من الأنسجة التي ضبطت وخيطت مع بعضها البعض لماذا هذا الخيار ؟

العمل على القماش يعد إحدى وسائلي التقنية التي أستعملها..وجدت نفسي يوما ما أمام إشكالية الخلفية أو الصفحة العذراء. لأن الخلفية البيضاء (العذراء) ليست خالية لكنها بيضاء. وعندما أبدأ الضرب بالريشة على جسد اللوحة البيضاء يجب على أن أتعامل مع هذا البياض. هذه العملية قادتني إلى التساؤل عن البداية الفعلية للصورة. فهي تبدأ أولاً في الرأس ثم تنعكس على الخلفية. ونفس السؤال نجده قائماً فيما يخص نهاية اللوحة، ولأن أمر البداية والنهاية يعد مسألة من صميم الأفكار الدينية، التي تسمح للناس أن يبنوا عالماً بين الاثنين بتحديد يوم القيامة. أعتقد أن اللوحة توجد في مكان ما داخل علب رؤوسنا، وفي لحظة ما نجد لها خلفية مناسبة لتمثيلها ومن ثم نتقاسمها مع نظرة الآخرين. ولا يعني والحالة هذه أن اللوحة قد وصلت نهايتها حالما سجلت ووضعت على الخلفية إننا نراها باستمرار في داخل عقولنا، وينبغي العمل عليها وتحسينها بصورة دائمة. ولكي أواجه مسألة البداية على مستوى اللوحة، بدأت العمل أولاً على الورق. إنها خلفية تحمل آثارها وكذلك عناصرها الخاصة بها. ولها تاريخها الخاص لترويه وتدعى بأنها منجزه. باشرت عملي كشخص يلعب مع الشخص الذي بنى هذا الخطاب البصري على خلفية الورقة، بحثت عن منفذ من خلاله يتسنّى لي أن انزلق إلى داخلها لأبنى فيها عالمي أنا حتى أشعر بأنني أملك كل شيء. وهكذا وجدت نفسي يقظاً فيما يخص نوعية (جسد اللوحة). في وقت ما أخذت ملاءات قديمة مطبوعة، محاولاً إدخال طريقتي في تشكيل الصورة. ولذلك أرى لوحاتي.كتكملة لما هو موجود. لأن وجودي في العالم ما هو إلا تكملة لما هو موجود من قبل. في ظني هنالك الكثيرين من الفنانين الذين يتصرفون وفق هذه الطريقة. بعض الرسامين يفعلونه بوعي والبعض الآخر دون وعي. النسيج ، أي نسيج يعتبر عنصراً موجوداً وله وظيفة بطبيعته، كأنسجة تسجيل الأحداثً ذات الطبيعة الرمزية والتقنية أنه أي النسيج يفتح لي مجال لاستطلاع جمالي غير متوقع العواقب وهكذا عندما أجد نسيجاً مطبوعاً عليها زهر عباد الشمس فهو يقودنا إلى شخص يسمى Van Gogh. بنفس الطريقة التي يقودني بها نسيج مطبوع بالموز إلى جوزفين بيكر. إنها مسألة حتمية ولا أستطيع أن أتخطاها. فيما يخص لوحة (أدوات عبادة) ففي اليوم الذي وجدت فيه القماش منقوشاً بعناصر تعود إلى القرن التاسع عشر, بدأ لي في أول وهلة كعالم مميز يشبه عالم الأشياء المتحفية. في ذلك الزمان ، كنت مشغولاً بصورة سارة بارتمان، تلك التي يسمونها La Vénus Hottentot . ولقد أثار فضولي ما تمثلها بقدرها في المخيلة المعاصرة . هذه الفتاة الأفريقية التي جلبت إلى أوربا في القرن التاسع عشر لكي تعرض كحيوان ، أو كشيء في معرض، وكان الناس يتوافدون لمشاهدتها كأنهم في حلبة سيرك. لقد مثلت بها الشخصية الأفريقية، وبعد موتها، تم استرجاع جسدها في فرنسا وحنّطوه وحفظوا فرجها ومخها في علب زجاجية ظلّت معروضة في متحف الإنسان (ميوزي دو لوم) إلى وقت قريب.إنها تشكل أيقونة لسوء الفهم الإفريقي العظيم والمعاصر والذي لم يعترف به أحد بعد. الصورة التي استعملتها هنا تتمثل في جبس سائل مـُقـَوْلَـبْ فوق جسدها. فالذين صمموا هذه الصورة وقدموها بهذه الطريقة أرادوا أن يعرضوها كما كانت، أي كل بطنها وأعضائها التناسلية بدعوى إظهار حقيقة ذلك الجسد. حينما رأيتها أول مرة وجدتها صورة مشبعة بالعنف والشراسة البالغة. فأردت أن أعرض هذا أدخلت في لوحتي جسد بارتمان كعنصر متحفي معرض للنظر لأنها كانت هكذا في حياتها كلها معروضة حتى بعد موتها داخل علب في أحد أكبر المتاحف الباريسية. أدخلتها ضمن عناصر أخرى متحفية مطبوعة على القماش. ثم أدخلت بعد ذلك شكل حارس ملائكي وقررت أن كون أنا هذا الحارس كنت أهم حينذاك بأن أحيطها بأكبر قدر من الحراس. وبدا لي كل هذا كوسيلة لرد الاعتبار لهذه السيدة. في منطق التواصل، يتعلق الأمر بالنسبة لي في إعادة الصور للعالم، أن نعيد العالم صورها. فهي، أي الصور، لها خصائص الضربات واللكمات. إننا نأخذ ونعطي اللكمات كذلك نقوم بإرسال وتوصيل العنف لأننا نستقبلها بذات الطريقة، كما يحدث هذا في حالات أخرى. كنت مؤخراً في لندن بصحبة بعض الأفارقة المتعلمين وكانوا يتساءلون إذا ما كان ممكنا للفن أن يغير العالم. أنا لست راغباً في تغيير العالم وإلى ماذا نغيره؟ كلنا يعرف النتائج المترتبة على ما فعله الذين أرادوا تغيير العالم. لا أريد أن أغير العالم كما لا أريد من العالم أن يغيرني. جورج بوش ورايس يريدون أن يغيروا العالم ويرسلوا الجنود لإقامة الديمقراطية وتغيير المجتمع ولكن مقابل ماذا؟ ما هو الثمن؟ وعوداً للبدء، أقول عندما يرسل العالم لي صوراً متعفنة وعنيفة، أقوم أنا بدوري بإرسال نفس الصور إليه. ورد الصور طريقة في المقاومة، إنها خط دفاع بالنسبة لي.
تركيبة لوحة "أدوات عبادة" والتي في شكل صليب، تستدعي موضوع الصلب في اللوحات الكنسية ونجد فيها موضوع النحت الجنائزي التذكاري.
إنني أعلن عن قرابتي الفنية مع فناني عصر النهضة ، القرنين السادس والسابع عشر. لوحاتي تقوم على تلك المرجعية وبشكل مقصود. في هذا الإرث أخذ هذه التصاوير التي هي اليوم مجرد تصاوير متحفية ، إنها لوحات ميته أصبحت عناصر لدراسة تاريخ الفنون, عناصر للعبادة إذا جاز التعبير لكنني عندما أستعيرها في مواضيعي فإنني أعرّضها لمعاملة جديدة فلنقل بأنني أثيرها من جديد وانشط فيها تلك الطاقة المهدودة لكي يكون محفزاً للتفكير في أعمالي. نعم فالمسألة كما لو كنت أدخل إلي مشرحة موتي وأستخلص الجثث ثم أبعث فيها الحياة من جديد، فإذا نجحت في أن أعيد إحياء جثث اللوحات العظيمة التي وسّمت تاريخناً فيالها من قدرة هائلة. أعتقد أن تأثير الصورة بشكل عام هو تأثير قوى بشرط أن يظل المعنى المراد إعطائه من خلق الصورة فعالاً. ويطرح هذا الواقع معضلة كبيرة، لأن الصورة في النهاية ما هي إلا كمثل زجاجة في البحر. أنا أكتب خطاباً وأودعها الزجاجة التي تم رميها في البحر، قد يصل الخطاب إلى أحد لا يستطيع أن يقرأ كتابتي أو إلى أحد يستطيع أن يقرأني ولكنه لا يفهم ما أقوله له من خلال الخطاب، دائماً ما أكتب العنوان عنوان اللوحة بالخط العريض، و بهذه الطريقة لا أظن إننا سنخطىء في فهم موضوع الصورة حينذاك. لكن كوني أخذت في الاعتبار كل شيء، فذلك لا يعني أن الناس يمكن أن يفهموا معنى صورتي. بطريقة ما، أو في لحظة ما تعتبر عملية إبراز النص الذي يؤطر العمل شيئاً محبطاً بالنسبة لمنطق الصورة، ولكنها يمكن لها أن تنجح أحياناً وإذا نجح لقاء العنوان المكتوب والصورة المرسومة فذلك مصدر رضاء كبير لي.

هل تتحدث لوحة أدوات للعبادة عن مسألة تقديس الفن المعاصر؟

أعتقد أن الفن أصبح اليوم أداة للعبادة . فمثلاً إذا سألنا أحداً في داخل مسرح أو متحف، "هل يؤمن بإله؟"، فيمكن أن يكون جواب الأغلبية بالنفي. لكننا إذا سألنا، "هل تعتقدون في الفن؟"، فالناس سيجيبون بالإيجاب. لأن الفن أصبح شيء من قبيل الاعتقادات الدينية. فالمواد الفنية أصبحت أدوات عبادة دينية ينتجها الفنانين. إنهم أصبحوا وكأنهم أنبياء مندمجين في النظام الحالي بمعنى أنهم أصبحوا تحت سيطرة السلطة، سلطة مدراء المتاحف وسوق الفن، وسلطة النقاد ومؤرخي تاريخ الفن. لكن هناك اعتقاد بقدسية عالم الفن وهو في ظني آخر المقدسات. فالفن يبدو أنه يحتل المساحة الشاغرة بين عالم ديني قديم ومندثر وعالم ديني على قيد الظهور. إن اهتمام السلطات السياسية والاقتصادية بالفن وصرف مبالغ طائلة في هذا المجال يكشف عن القوة التي يتمتع بها الفن . أعتقد أنها مسألة ذات صلة بعقيدة مركزية في ديانة توحيد السوق. وهي عقيدة الملكية الخاصة لممتلكات عالمنا. الفن مفهوم قدسي يبرر عمل الفنان كملكية خاصة, بينما العمل الفني خلق أصلاً للعام لأنه ليس هناك سبب بأن يكون خارج إطار الصالح العام من جمهور المستفيدين الذين في داخلهم يتطور الفنان. إننا نتحدث عن الفنان كما لو كان نبيا، لكن الأنبياء ليس لهم حقوق الملكية التي يحددها السوق لصالح الملاك القانونين إن الجانب المقدس من الفن هو الذي يبررملكية الفنان لحقوق الوحي والإلهام. إنها فكرة عجيبة واعتقد إنها من صميم مجتمعنا المعاصر.فصاحب العمل يحسب نفسه مالكا لعماله، لأدواته ولكل ما يمكن أن يكون مصدر طاقة في مجال ملكيته. اليوم، لقد تم تضييق الحوار الذي يدور حول شهادة اختراع الكائن الحي بين كل من ممثلي شركات الصحة الصناعية والمؤسسات الدينية. ولا يعد هذا الحوار حوارا ذا مخاطر، بالنسبة لديانة السوق، إذا بقي في حدود المباديء الاخلاقية للثقافة الأوروبية أو حتى عند حدود الكاثوليكية. لكننا يمكن أن نفهم أهمية المشكلة عندما ننظر أليها على ضوء الأزمة التي نشبت بين الدول الفقيرة والشركات الصناعية العاملة في مجال الصحة حول أمصال مرض نقص المناعة المكتسبة الأيدز. ربما هنا تكمن الصلة بين الحياة، السوق وعالم الفن المقدس. هنالك علاقة بين هذين العالمين، لا ادري نوعيتها لكنني أعتقد أنها في حالة تشكل وينبغي أن نتأملها عن قرب.

ماذا يعني وجه بن لادن في لوحة العارية الأمريكية العظيمة؟

تعد هذه اللوحة اختصارا من وجهة نظر علم تاريخ الفن، فهي سمحت لي بإيجاد حلقة ربط بين إحدى لوحات الرسام الفرنسي "بوشي" وهي صورة كانت فضيحة في زمانها. وأعمال فنان البوب آرت "وسلمان" الذي قام بإنجاز سلسلة من اللوحات المسماة Great American Nude إضافة لهذا هناك حالة عالمنا المعاصر الذي أصبح فيه بن لادن كأيقونة. لقد قمت هكذا بإيجاد وصلة ربط بين عالم اليوم وعالم تاريخ الفنون وبالتالي فهي، أي اللوحة تعد عملاً على أيقونات متعددة ومعاصرة تحديداً. إنني أطرح سؤالاً هنا من أين خرج بن لادن؟ إنها في الواقع فضيحة أمريكية. إنهم هم الذين شكلوه مثل فرانكنشتاين. لقد قاموا بتسليحه لكي يحارب الذئب الشرير في تلك الحقبة. حدث أنه كسب الحرب ثم انقلب ضد مشكليه وصناعه. ما كان يهمني في الأمر هو أن بن لادن وجه أمريكي. إنه يخرج من المنطق الأمريكي في إدارة العالم لقد بنيت العمل في هذا الاتجاه. هنالك العلم الأمريكي كأيقونة من أيقونات عصرنا. إنها أيقونة عجيبة في حياتي. أتذكر حتى الآن المظاهرات الأولى التي سرت فيها وأنا طفل في السودان. والتي كانت ذات صلة بالولايات المتحدة، عمري آنذاك العاشرة أو الحادية عشر. كانت هناك مظاهرة أثر زيارة قام بها نيكسون أو شيء من هذا القبيل. لم أكن أفهم شيئاً حينذاك وسط أولئك الطلبة الذين كانوا يهدرون غضباً Down down U.S.A فيما بعد عرفت بأنهم كانوا يقولون: تسقط تسقط أمريكا. في لحظة ما قاموا بحرق علم أمريكي، مرسوم على قماش بطريقة تنقصها المهارة، أمام البعثة الأمريكية. فهمت بأن العلم كان عنصراً من صميم المظاهرة. كما لو أنه يجسد البشر. فيما بعد اشتركت في مظاهرات حرق فيها العلم الأمريكي أبان فترة الحرب في فيتنام أو أبان أزمة الشرق الأوسط. يمثل العلم الأمريكي أيقونة ذات جبروت لا مثيل له. فيما بعد اكتشفت "جاسبر جونز" وفنانين آخرين عملوا على العلم الأمريكي. إنه أيقونة مفتاحية. كل هذه العناصر عبارة عن صور توجد معاً تتقاطع وتلتقي مع بعضها بطريقة تلقائية. إنها تتجاذب مع بعضها البعض كالمغنطيس لتشكل الوجه جديد. أعمل على أقمشة مرتقة ومخيطة أحياناً بطريقة سيئة لأنني لا أجيد الخياطة بالماكينة أو بالأحرى أحاول أن أخيط بطريقة سيئة حتى أتحايل على التقنية. إنها في نهاية الأمر تتعلق بحرفة يدوية. إنها تحايل لكي أتستطيع أن أخلق صورة تشبهني. أعرض الأشياء التي أجيد صنعتها جنبا إلى جنب مع الأشياء التي لا أجيد صنعتها، لأن عملي في النهاية هو كل هذه الأشياء معاً.

إضافة إلى ممارسة تقنية الرسم، نجدك تمارس الكتابة النقدية في بعض المجلات، وتلقي محاضرات كيف فرض هذا المنهج نفسه عندك؟

إنها الإرادة في التصحيح لأننا قد نعبر عن أنفسنا بشيء وأحيانا يفهم الناس شيئا أخر. انتقد ما يحدث لي كما انتقد نظرة الناس إلى. يمكن أن أقول أنني أصبحت ناقدا مجبرا. أقوم بإنتاج كلمات لأؤطر بها صوري، أو لتصحيح حديث يخصني، أو للتفاعل ضد أوضاع تحتم تدخلي فيها.

لوحاتك الفنية تعج بوجوه أسطورية كالقديس سباستيان، الذي يفتح مجالات للتأويل والمعاني الفنية والسياسية كيف تستعين بهذه المرجعيات؟

يعد القديس سباستيان أحد معالم كتاب الإنجيل، وجه إنجيلي، ويأتي اهتمامي بالإنجيل لسبب كونه كتاب المنتصرين. لقد احتلت الحداثة الرأسمالية مكانها في العالم كله، على نمط المجتمع الأوروبي المسيحي، عن طريق الإنجيل والمبشرين. قد يرتاد الناس الكنائس قليلا لكننا نجد مبادئ المسيحية ذائبة في الفضاء الثقافي السائد، فأيا كانت أصولنا، بوذيين، مسلمين، أو يهود فنحن منصرين بطريقة أو بأخرى. والانجيل بعد ذلك يعتبر ميراث إنساني أو "غنيمة حرب" كما يقول كاتب ياسين. على عهد دراستي تاريخ الفن بكلية الفنون، انتهيت إلى حقيقة إنني لن أفهم نصف تاريخ فن الرسم الأوروبي دون قراءة الإنجيل. انه فن قام في خدمة المؤسسات الدينية، فالقديس سباستيان، القديس جورج، مريم العذراء والمسيح يشكلون جزءً من تجربتي التشكيلية. أنا أنتفع بالقديس سباستيان نموذجا لأنه يشكل بالنسبة لي مسندا لا مثيل له في خلق لوحات مركّبة تتناسب مع الرسالة التي أريد إيصالها. فالقديس سباستيان هو ذلك الرجل الذي يقرر الذهاب إلى الموت بقدميه، لأنه إن لم يذهب نحو الموت فلن تكن الحياة ذات معنى بالنسبة له. الحياة مليئة بمثل هذه الوجوه التي تذكرنا بسان سباستيان، فلذلك قمت برسم سباستيان بوجه فان جوخ أو بوجه شي غيفارا. في وسع الناس العاديين أن يصبحوا مثل القديس سباستيان. أتناول بنفس الطريقة القديس جورج وهو يقتل التنين. انه شيق، لانه من الوجوه النصرانية القليلة التي تعمل بهذا العنف. وسيذهب القديس جورج المعاصر ليقتل التنين ويدمر متحف بغداد، كما يفعل كثير من القديسين الجورجيين الذين يدمرون في أماكن كثيرة بفضل خراقة قوتهم. هذه هي الأشياء المتناقضة التي تتداخل في حيواتنا وأعالجها من خلال هذه الشخصيات الإناجيلية.

عندما نتأمل لوحة القديس جورج، فانه يذكرنا بـ "البراق" (مطية النبي محمد إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج).
عندما أختار الشخوص، فأنا أختارها حسب الجمهور الذي أتوجه إليه بالخطاب، لأنني أعرف ما ستثيره من ردود أفعال. أنا أعيش في فرنسا منذ عشرين عاما، ربما لو كنت في السودان، لاستعملت وجوه غير الوجوه المسيحية. فخيل"البراق" كائن عجيب غرائبي يحمل النبي إلى السماء مارا بالقدس، إنه يعمل بفاعلية في داخل المجتمع الإسلامي. لكنه يفقد فاعليته هنا. كان في استطاعتي أن ابني صورة كتلك، لكنها ستشاهد هنا كصورة دخيلة وغريبة اكزوتية. وأنا لا تهمني هذه. تعطي لوحاتك انطباعا بأنها تنطلق من حركتين، فمن جهة هناك حركة استوعبت تاريخ الفن الغربي، وحركة مقاومة نابعة من هذا العالم التوفيقي، من جهة أخرى.

ماذا هناك من فعل للمقاومة في أعمالك؟

المقاومة مسألة مركزية في حياتي، ليس وحسب في أعمالي الفنية. إننا نحاول أن نقاوم، نحاول أن نجتاز الحواجز، لكن أحيانا قد لا يكون هنالك خيار، نتخلى. اصعب الأشياء هو أن تفكر في خط التراجع، حينما يكون الأمر غير محتملا. أتذكر قصة حدثت معي قبل عشر سنوات، أثناء درس في الرقص على أنغام موسيقى الجاز، كنت الأفريقي الوحيد في الدرس. في لحظة ما، كان على المجموعة أن تقوم بحركة معينة ونحن نرقص. كنت من ضمن الذين نجحوا في أداء حركة الرقص. أخذتني المعلمة نموذجاً وقالت لبقية التلاميذ (أنظروا إلى حسن، فبما انه إفريقي فقد قام بأداء الرقصة بطريقة تلقائية). لم أجرؤ حينذاك، لأقول لها بأنني قادم من بقعة في إفريقيا يعد فيها رقص الرجال عيبا. نرقص حينما نكون صغارا، لكن الأمر يصبح فيما بعد شأنا للفتيات والنساء، لكنني لم أجرؤ لأنني كنت محفوفا بنظرات الإعجاب التي كانت تطوقني، كأنهم ينظرون إلى الإفريقي الذي يجري الرقص في عروقه مع الدم. فلا يحتاج إلى بذل جهد للتعلم، بينما كنت أجتهد وأتعب في أداء هذه الرقصة. لقد بذلت جهدا كبيرا لتعلم هذه الحركات لكن لم يكن سهلا كذلك أن أشرح هذا لهؤلاء الناس الذين كانوا ينظرون نحوي باعجاب. وهنا، إذن، يأتي فعل التراجع، لقد قبلت بهذه الهالة التي حولي هالة الراقص الإفريقي بينما كانت المسالة ضد طريقتي وكينونتي في الحياة. لكننا نستطيع أن نقاوم، فكما أشرت سابقا، لا أريد أن أغير العالم وفي الوقت نفسه، لا أريد من العالم أن يغيرني وهنا المعضلة. فمسألة استمراري في الرسم، بالرغم من وجود حواجز وأشياء معطلة، اعتبرها فعل مقاومة. فالرسم يفقد أولويته أحيانا أمام شروط البقاء. فنحن منقادين بأشياء أخرى كثيرة.

انك تقاوم مفهوم الفنان الأفريقي الذي يعرفك في إطاره الذين يحترفون العمل في مجال الفن المعاصر؟ في المقابل تتحدث عن الفنافريقانية ماذا تعني بذلك؟

الفنافريقانية مفهوم ديناميكي ابتكرته مؤسسات تجهل الواقع الاجتماعي للأفارقة. انه الفن الذي يفترض الأوروبيون أن الأفارقة ينتجونه. ويتم التفكير فيه هنا في أوربا للأفارقة. وهذا الفن الذي يعرض، أثناء التظاهرات الفنية الاوروبية التي تدور حول الثقافة الإفريقية، تتوجه أساسا لجمهور أوربي. فكل شيء يتم صنعه هنا، الرعاة أوروبيون والفنانون يعيشون في أوربا في أغلب الأحيان، وإذا كان بعضهم في إفريقيا، فان نظرتهم دائما ما تكون تجاه أوربا الخ. وعليه، يمكن القول بان مصطلح الفن الأفريقي هو جزء من هذه الآلة الاقصائية والتي تعي بأن الأفارقة المولودين في إفريقيا يعدون جزءً من مشهد الفن المعاصر لكنها لا تقبلهم داخله حتى وان كانوا عباقرة، وبالتالي يتم وضعهم في داخل منظومة الفن الغير الأوربي. إن الفنافريقانية ابتكار له عدة وظائف، لكنه لا علاقة له به بفن وواقع القارة الإفريقية، ويمكن أن ننتمي لهذه المنظومة أو لا، لكنني أشير هنا إلى النتائج. وأعتقد انه وفي أغلب الأحيان يكون نتاج بعض مفاهيم الجيوسياسية الأوروافريقية. فالأفارقة لا يملكون المال اللازم للقيام بمثل هذه التظاهرات وبالتالي غالبا ما يأتي الدعم المالي من قبل الأوربيين أو الأمريكان، من خلال شركات ومصانع لها مصالح استراتيجية في إفريقيا.

حسناً، ما هو رأيك تجاه ممول معرض افريكا ريمكس القائم في مركز بومبيدو، وهو ليس سوى شركة توتال؟

لابد من وجود أمير راعي للفن، إنها فكرة من صميم التقاليد الأوربية. في عصر النهضة كان هنالك أمراء وملوك، فيما بعد في فترة الجمهورية الفرنسية هنالك رؤساء. اليوم، وفي عصر العولمة لقد تم إحلال دور الأمير بالشركات الضخمة التي تدير كل شيء. ففي هذا الاتجاه, يمكن لشركات مثل توتال، مايكروسوفت وموبيل أن تنشط من أجل الفن, وحري بها أن تقوم بهذا النشاط بصورة علنية. فيمكننا أن نعرف حينذاك أين مكاننا بالضبط، بدلا من أن يتستروا خلف قناع منظمات المساعدات الإنسانية. وبالتأكيد هنالك أسئلة كثيرة يمكن أن تثار ما دمنا نتحدث بهذه الطريقة. فمثلا, لماذا تهتم هذه الشركة بالفن الأفريقي؟ وبأي نوع من الفن الأفريقي؟ هل هنالك سلطة فكرية داخل هذه الشركة تقرر في مصير الفنانين؟ وبأي منهجية؟ هذه نماذج أسئلة مشروعة. ومن ثم أسأل نفسي هل لدي مصلحة كفنان أن أنتمي لمشروع كهذا؟ وإذا لم أنتمي ما هي النتائج المترتبة على ذلك؟ إنها أسئلة يجب أن يثيرها الجميع، الفنانون ومناصرو الفن. وفي الختام ما هي النتائج المترتبة، على المدى البعيد من عمل هذا النوع من الممولين المناصرين للفن؟

لكن وبالرغم من ذلك فأنت تقوم بالاشتراك في هذه التظاهرات، كيف تفسر هذا الالتزام؟

أعتقد أن الجميع في فضاء الفن الإفريقي يعرفون كيف أفكر، وقد ينظرون إلي، أحيانا، كشخص مزعج، فكلما كان هنالك تجمعا للفنانين الأفارقة، فإنني أجاهر برأي في أن الفن الإفريقي ليس سوى أكذوبة كبيرة. لكنني في نفس الوقت أجد نفسي معهم، لأنني لا أملك مكانا أخر. انه المكان الوحيد الذي يسمح بعرض ما أقوم به من عمل. لكن حتى إذا توفرت لي منابر أخرى أعرض فيها أعمالي، فإنني سأستمر في ارتياد هذا المنبر لأنه لا يشكل مجالا للفن وحسب انه أيضا مجال لممارسة العمل السياسي. وكل الذين يعملون في هذا المجال، سواء اللجان المنظمة للمعارض ومناصري الفنانين، على درجة من الوعي بالبعد السياسي لهذه التظاهرات. لكن هنالك كثير من الأفارقة الذين لا يعون مسألة تداخل السياسة مع الفن. وفي هذا الاتجاه، أعتقد انه يمثل مجالا سياسيا ثمينا لأننا حينما نفهم وظيفتها يمكننا حينئذ أن نغير مجرى وأهداف التظاهرة كلية. لا ينبغي أن نترك المجال كلية لسيطرة اللجان المنظمة لهذه التظاهرات.

ألا تعتقد بأن خطابك هذا يصب في خدمة مناصري الفنانين والمؤسسات بإعطائهم وزنا وعمقا أكبر؟

كلا، إنني أنطلق من مبدأ بسيط وهو: الناس أذكياء! فإذا أخذنا معرضاً كبيراً يزوره حوالي 60 ألف متفرج في الأسبوع، فسنجد عدداً من المشاهدين يتمتعون بدرجة من الحساسية لكي يفهموا الخطاب المزدوج المبثوث وينتقون ما يصلح. في اعتقادي أن الناس أذكياء بما فيه الكفاية لكي يعيشوا ويتأقلموا مع عالم يتطور بسرعة مذهلة، فقبل ثلاثين عاما لم يكن هنالك أحدا يتصور بانهيار الاتحاد السوفيتي وحائط برلين وأن ينتهي نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا. واعتقد أننا سنضحك بعد بضعة سنوات لفكرة أن يضعوا الفنانين السود معا تحت مسمى (انتم الفنانون الأفارقة). فعندما نعيد التفكير اليوم في ما حدث قبل قرن حينما تم جلب الأفارقة لكي يعرضوا في حديقة حيوانات، ويأتي الناس لمشاهدتهم هنا في باريس، فبنفس الطريقة تعتبر افريكا ريمكس وافريكا 05 وكل التظاهرات التي تتم باسم الفن الإفريقي حدائق حيوانات الحاضر. فربما سيأتي اليوم الذي سيقول فيه الناس، بعد ثلاثين أو خمسين عاما: كيف سمحوا بتنظيم شيء من هذا القبيل؟

صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »


سلام للجميع

أها يا وليد، ها هو نص الحوار الذي أجرته مجلة "ثقافات أفريقية" مع حسن موسى.
جزيل الشكر للصديق إسماعيل طه على ترجمته لهذا الحوار.

عامر مودتي
نجاة

صورة العضو الرمزية
ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã
مشاركات: 814
اشترك في: الأحد أكتوبر 23, 2005 4:48 am
مكان: الخرطوم/ 0911150154

مشاركة بواسطة ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã »

كود: تحديد الكل

«اكزبيت بي».. التاريخ الأسود للعذاب 

 
عصام أبوالقاسم


تسمح واقعة الغاء قاعة اربيكان سنتر في لندن خلال شهر سبتمبر الماضي، لعرض ادائي من اخراج الجنوب افريقي بريت بيلي كان منتظراً تقديمه تحت عنوان «اكزبيت بي» (exhibit b) للجمهور البريطاني، بمقاربة واعادة فحص واختبار طائفة واسعة من الاسئلة المتعلقة بعلاقة المسرح، والفن بشكل عام، بمسائل ذات صلة بحركة القيم والتاريخ والاستعمار والفضاء والجمهور والأداء. كانت تلك هي المرة الأولى، منذ تأسيسها قبل 32 سنة، كما أوردت وكالات صحفية، التي تضطر فيها القاعة اللندنية إلى إلغاء أحد عروضها المبرمجة متأثرة بحملة توقيعات احتجاجية اتهمتها بالعنصرية وطلبت ايقاف العرض الذي كان مقرراً تقديمه ثماني مرات خلال الأسبوع ذاته.

العرض يعيد، في شكله العام، تمثيل ما كان عرف بعروض «حديقة الحيوان البشرية» في القرن الثامن عشر في أوروبا، حيث كان الأفارقة يساقون من مجتمعاتهم ليتم عرض أجسادهم للفرجة والتسلية في الساحات العامة وأقفاص السيرك في لندن وسواها من عواصم أوروبية، وكانت تلك الفرجة تسند ليس فقط بجماعات الإقطاعيين وتجار الرق من الأوروبين ولكنها كانت تحظى برعاية سخية من مؤسسات علمية وأحزاب في لندن وباريس وغيرهما.

لماذا الإلغاء؟ من الطبيعي، في الوقت الراهن، وبخاصة في أوروبا، أن يُنظر إلى شأن الغاء أو حجب أو حظر تظاهرة فنية كفعل «غير طبيعي»، فهو ليس فقط يتعارض مع التاريخ العريض والممتد لـمجتمع «الأنوار»، كما رسم صورته البلغاري تزفيتان تودرورف، في الدفاع عن خدمة حرية التعبير والمساواة والعدالة، ولكنه يبدو أيضا كفعل بلا معنى ولا قيمة في عالم توشك وسائل الإعلام والتعبير ان تكون علامته المميزة. وفيما يتصل بالفنانين على وجه التحديد فلعلهم لم ينعموا قط بوفرة في الوسائل التي تصل بأصواتهم إلى العالم كما حصل معهم أخيرا؛ ناهيك عن حقيقة ان أي حجب أو تعليق لعمل فني ما في عصرنا الراهن، وخصوصاً مع هذه الفورة الإعلامية التي نعيشها، يعطيه امكانية أفضل للذيوع والانتشار.

تُرى هل كان مخرج العرض ينتظر موقفاً مماثلاً ام انه كان يسعى إليه في عاصمة المسرح العالمي، أكان ينتظر استجابة مشابهة وهل يمكن القول انه مع ظهور هذه الحركة الاحتجاجية ان العرض بلغ مقصده!؟

لقد تردد عقب الغاء العرض ان السبب هو «الخشية على أرواح المؤدين والموظفين والجمهور» فلقد زادت نسبة المحتجين على العرض إذ وقع أكثر من 23000 معترض في عريضة الاحتجاج وبما انه ليس معروفاً كيف يمكن ان تتطور هذه الاحتجاجات ارتأت قاعة اربيكان سنتر ان توقف العرض.

ثمة سؤال آخر، ويتعلق بـ «بيريت بيلي» الذي أراد لعرضه ان يذّكر بتلك الفظائع التي مورست على مواطني القارة المجهولة انطلاقاً من نظرة المستعمر العنصرية إليهم بوصفهم «الحلقة الانتقالية» بين الانسان والقرد؛ فهل غفل المسرحي الجنوب افريقي ام تغافل عن المسار الطويل والشائك والعالي الكلفة الذي قطعته بريطانيا، على سبيل المثال، منذ اصدارها قانون منع تجارة الرق في 1834م، مرورا بسحبها جيوشها من مستعمراتها في افريقيا والهند، لأجل ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق و«هلمجرا»؟

كيف يمكن فهم توجهه إلى انجاز هذا العرض في هذا الوقت تحديداً حيث غدت أوروبا جنة الحالمين بالحرية والعيش الكريم وحقوق الانسان، وخصوصا لدى الافارقة؛ فأوروبا استقبلت على مر السنين الماضية آلاف الفارين والنازحين واللاجئين من أهوال الحرب والعسف والظلم والاضطهاد، في ارتيريا والسودان والكنغو أو الصومال وغيرها من بلدان القارة السمراء، وفي السبيل إلى رحابها الرحيب دفع أفارقة حياتهم ثمناً، إما غرقاً في البحر أو رمياً برصاص شرطة الحدود في البر أو عطشاً في الصحراء أو تعثراً فوق الأسلاك الشائكة!

بالمقابل، كيف يمكن فهم اعتراض هذه النسبة العالية من المحتجين على تقديم العرض؟ أيتعلق الأمر بنزعة تطهرية في الوسط الاجتماعي اللندني تستثقل حتى مجرد اعادة النظر إلى ما اقترفه الأسلاف ام ان الأمر يتجاوز ذلك إلى أمور أكثر تعقيدا؟ على أي حال، كيف يمكن تفسير مثل هذا المستوى الحاد من الاعتراض على عمل فني ما ان لم نفسره كـشكل من أشكال «الردة الثقافية» وكقطع مع المسار التطوري للحياة المدنية في لندن؟

القارة المكلومة

ما قدمه بيلي في عرضه «exhibit b» على تنوعه وتوزعه بين سنوات عدة إلا ان ثمة ضفيرة اساسية تربط حلقاته وهي: أفريقيا. فهذه القارة المكلومة تحضر في العرض من خلال صورتين، في الأولى تأتي عبر ماضيها حين كانت عبارة عن غابة يصطاد فيها «الخواجة» طرائده «البشرية» ويمسخها اما بحبسها في حظيرة أو بعرضها للفرجة في ساحات لندن وباريس وبرلين. وفي الصورة الثانية تحضر افريقيا عبر سيرة المهاجرين واللاجئين والنازحين الجدد بخاصة أولئك الذين انقطعوا في منتصف الطريق من دون ان يبلغوا لندن أو باريس وسواهما من عواصم «جنة الأرض»!

ما كان ملفتاً ومثيراً في العرض انه جاء صامتاً واعتمد على ما تقوله الأجسام المعروضة بصمتها وبوضعياتها لا بالحوار الملفوظ أو الخطب أو الشعارات المعبرة عن ادانة أو شجب!

إذن، بيلي اكتفى بعرض النماذج البشرية الحية ولكن المصمتة، وإلى جانبها حشد بعض العلامات والاكسسوارات والاغراض الشخصية التي في مقدور الناظر أن يحيل بعضها إلى الوقت الراهن كما يمكن لبعضها الآخر ان يفتح عينه على المسافة الحضرية، بين الأمس واليوم، وأن يساعده على تكوين صور أو تصورات، متفاوتة التأثير حول ما حصل.

بيد أن البعض من الجمهور أساء فهم «صمت» العرض، ونظر اليه كاستعادة لشيء حقيقي ولكن بطريقة متواطئة أو مخاتلة أو متقبلة لما كان يحصل من فظائع من طرف المستعمرين ضد الأفارقة!

يمكن، بالطبع، فهم مثل هذا التأويل مع ما يغمر وقتنا الحالي من أحوال فنية غريبة وعجيبة إلى درجة حملت الناقد الفني دون كوهن للقول اننا «نعيش في عالم قد يصبح فيه الفن الهابط خالداً لأنه يجعل الناس سعداء..» بحيث قد «يجد الهواة وعاملات النظافة على حد سواء صعوبة في التمييز بين الفن الحقيقي وذاك عديم القيمة..»!

كما ان كون المخرج بريت بيلي من «البيض» ذوي البشرة البيضاء في جنوب افريقيا ساعد أصحاب هذا الرأي السلبي على الاقتناع بطريقتهم المغالطة في النظر إلى العرض!

استعادات سيريّةيستعيد العرض صوراً وسيراً عدة من الماضي، ومنها: صورة وسيرة الكنغولي «أوتا بينغا» الذي أسره أحد الباحثين الأوروبيين في 1904 في الكونغو، وقيّده بالسلاسل ووضعه في قفص، تماما كالحيوان ونقله من ثم إلى الولايات المتحدة، حيث عرض في متحف «سينت لويس العالمي» إلى جانب أنواع من القردة، وتم تقديمه بوصفه «حلقة انتقالية» بين القرد والانسان، في تأثر مباشر بالنظرية الداروينية. وبحسب بعض المصادر فإن بينغا نُقل لاحقاً إلى حديقة حيوان في نيويورك وتم عرضه إلى جانب أنواع اخرى من القردة في سلسلة لـ»التطور الطبيعي للانسان». ولكن، كنتيجة لسوء المعاملة وعجزه عن المقاومة انتحر بينغا في وقت لاحق.

الصورة الأخرى التي يطرحها بيلي في عرضه المثير للجدل هي للسيدة «سارتجي بارتمان» التي تحولت إلى «ايقونة» دالة على بؤس تلك المرحلة الأوروبية، فهذه السيدة التي عرفت بلقب «فينيوس الهوتينتوت» أٌخذت إلى لندن في سنة 1810 وهي في العقد الثاني من عمرها وأُخضعت هناك إلى تشريحات لاستكشاف جسدها الذي كان يتميز ببدانة ملفتة، قبل ان تنقل لتعرض في السيرك عارية تماماً، حيث كانت تجبر على تمثيل دور الحيوان.

وفي وقت لاحق نقلت بارتمان إلى باريس وهناك ايضا جرى استخدامها في السيرك كما أخضعت للمزيد من التشريحات في بدنها من قبل علماء واطباء فرنسيين مثل جورج كوفييه وسواه، لتأكيد فكرة مفادها ان الأفارقة هم الجنس الأدنى فيما البيض هم الجنس السامي!

وبعد موتها، قطعت جثتها وفرزت تفاصيلها العضوية وعرضت في فترينات بمتحف الانسان في باريس حتى 1975.

وفي أوقات تالية، ألهمت سيرة بارتمان العديد من الناشطين في تشكيل جبهات وجمعيات مناهضة لاستغلال الأفارقة، كما ان الطريقة التي عوملت بها بارتمان وبعدها أوتا بينغا وسواهما من الافارقة، المكونة مما هو علمي «التشريح» وشعبي «السيرك، أو فرجة الساحات العمومية»، ساهم في تشكيل الصور الذهنية والمتخيلات والرؤى الأوروبية الزائفة حول افريقيا والأفريقيين إلى الوقت الراهن، كما يؤكد نجوجي واثيونغو مواليد 1938 في العديد من كتاباته القارئة لمرحلة ما بعد الاستعمار في القارة السمراء.

بيد ان الكاتب الكيني نفسه يتحدث الآن عن مرحلة جديدة يعيشها العالم بفضل ما حصل من تطورات في حقل التكنولوجيا بصفة خاصة وثمة ارضية واحدة تتشارك جميع شعوب العالم في زراعتها وفلاحتها، والمنتجات، السلع، والقيم، الأفكار، يتم انتاجها في افريقيا كما في اميركا ويتم تلقيها على ذات الطريقة وعلى نحو متكافئ بين الجميع؛ أفلا يستدعي ذلك طريقة جديدة لقراءة علاقة أميركا وأوروبا ببقية قارات العالم؟ [جدل العولمة/ ت. سعد البازعي: كلمة ـ هيئة ابوظبي للسياحة والثقافة / كلمة ـ 2014].

على ان الأمر بالنسبة لبيلي ليس كما يبدو لواثنغي. ففي كلمته لمناسبة اليوم العالمي للمسرح ينطلق المسرحي الجنوب افريقي من فكرة «القطب الواحد»، إذ يقول ان هذا «العالم غير متكافئ القوى» وان «قوى بطش متعددة تحاول أن تقنعنا بأننا أمة واحدة، وبأننا جنس واحد، نوع واحد، دين واحد، أيديولوجية واحدة، أو إطار ثقافي واحد هو الأعلى والمعلى على غيره..» [رسالة اليوم العالمي للمسرح: ت. يوسف عيدابي/ مجلة المسرح ابريل 2014ـ الشارقة].

إذن، لِمَ الاحتجاج على عرض (exhibit b) وما الذي تمثله تجربة استعادة بيلي لـبارتمان ولرفاقها من ضحايا السعار الاسترقاقي؟

فينوس أفريقيا

بحسب بعض المصادر فإن قصة «فينوس افريقيا» جرت مسرحتها حتى في بدايات القرن التاسع عشر في فرنسا ولكن في شكل ساخر وخليع، فمسار الشابة الذي انتهى بامتهانها الدعارة وادمان الخمر كان مغرياً لرواد العلب المسرحية المتهتكة في ذلك الوقت لتقديم خلطة درامية معجونة بالغرابة والوحشية والجنس!

ثمة تجربة مهمة في الاشتغال الفني على صورة بارتمان سجلها الفنان السوداني حسن موسى في معرض «أفريكا ريميكس، الفن المعاصر في القارة الأفريقية». الذي استضافه متحف الفن الحديث في باريس 2005، حيث اعتمد موسى على صورة فوتغرافية لبارتمان، أخذت لها بعد تحنيطها في متحف الانسان، على ما ذكر التشكيلي السوداني، وقام بوضع الصورة في قلب لوحته وهي محاطة بمجموعة من الحرس، وقد شاء الرسام ان يجعلهم بأجنحة وفي هيئة ملائكية ولكن بأيديهم اسلحة بدائية؛ في تعالق دال مع المفهوم المسيحي لـ «الملاك الحارس» الذي افتقدته «بارتمان»!

ولكن العمل الفني الذي انجزه موسى وبسبب من طبيعته التشكيلية ولارتباطه بنوعية مختلفة من وسائط العرض لم يجد نفس الصدى الذي وجده فيلم «فينوس السوداء» الذي انجزه المخرج التونسي الحائز على السعفة الذهبية عبد اللطيف كشيش سنة 2010 حول سيرة المرأة ذاتها وحاز اعجاب جمهور العديد من مهرجانات السينما العالمية جماليا ودلالياً.

سواء لوحة موسى أو فيلم كشيش وحتى العرض الادائي لبيلي، كل ذلك يبدو متصلاً ليس في اشتغاله فنياً على ذاكرة أو سيرة بارتمان وليس أيضا في تحققه خلال السنوات القليلة الماضية ولكن في كونه جاء على خلفية مطالبة جنوب افريقيا بما تبقى من جثمان بارتمان وذلك بعد ان شاهد بعض المثقفين الجنوب افريقيين اجزاء منها معروضة في «متحف الانسان» في باريس، وعلى رغم ان المطالبة بدأت في 1995 إلا ان جنوب افريقيا «التي لم تكن قد سميت بهذا الاسم على أيام بارتمان» لم تتسلم الرفات حتى 2003 حيث صوّت البرلمان الفرنسي لصالح السماح بتسليم رفات سارة بارتمان وجرت مراسم التسليم في شكل رسمي نقله التليفزيون الجنوب افريقي وسط حالة لافتة من الشعور بالابتهاج والانتظار وسط موظفي وزارة الثقافة الجنوب افريقية.

إلا.. لندن!

عوداً إلى بدء، قدم بريت بيلي عرضه في أكثر من 12 مدينة أوروبية وحتى في بريطانيا حيث قدم عرضه في مهرجان ادنبرة في اغسطس الماضي من دون ان يواجه أية صعوبات أو تظاهرات احتجاجية لا هو ولا فريق عمله عدا في مدينة لندن، حيث بدا الموقف المعارض لتقديم العرض حاداً وغريباً وخطراً. يتعلق الأمر هنا بـ»فضاء العرض» فتقديم العرض في محطة مترو أو جراج أو في مكان عمومي ما يختلف عن تقديمه في اطار مهرجان مسرحي، فأن « تقدم افعالا مسرحية تهاجم المعتقدات والقيم السائدة داخل مسرح أو متحف امام جمهور مهيأ لأن يتقبل مثل هذا السلوك الراديكالي فهذا شيء، ولكن ان تقدم هذا العمل في الشارع وفي منطقة ملغومة بقوى سياسية واجتماعية لا يمكن التنبوء بها فهذا شيء مختلف تماما [ضمن: سياسة الفضاء المسرحي: نجوجي واثنغو: فصول ـ 2003].

وبهذا المعنى لم يكن بريت بريئاً طبعا حين اختار ان يتجول بعرضه في أوروبا؛ فهي مع ما قطعته من مسافة طويلة في السبيل إلى التحضر والترقي إلا انها لم تتجاوز بعد ذاكرتها الاستعمارية ومع ما شهده تاريخها الحديث من عمليات تقييم وتقويم ونقد واعادة نقد وادماج واندماج لعشرات الآلاف من الأفارقة والآسيويين إلا انها ما زالت أوروبا كما ما زال بين سكانها أولئك الذين يفكرون بذهنية «البيض» ويزحمون فضاءات عواصمها ووسائل اعلامها ومجالس نوابها بالخطابات المطولة المشحونة بروح الكراهية ضد الأفارقة على وجه الخصوص والمتكلمة دائما حول مخاطر «الهجرة» و»الحدود المفتوحة»... إلخ.

وذلك ما أراد ان يقوله بريت بيلي عبر عرضه الذي لم يًفهم أو فهم بطريقة مفرطة.

الواقع، ليس ذلك ما يقوله بريت بيلي وحده بل هو ما أرادت قوله أيضا بطريقتها المخرجة السويدية «نسيم عقيلي» حين قدمت في يونيو الماضي عرضها المسرحي الموسوم «الأرض تحترق» في اطار مهرجان اسبوع السياسيين في «الميدالن» وكان مصيره الإيقاف هو الآخر بعد تهجم بعض المتطرفين على فريق العمل الذي استلهم مواجهات المهاجرين مع الشرطة في ضاحية هوسبي مايو 2013، ليظهر الضغوط والصعوبات التي تواجهها فئة المهاجرين في المجتمع السويدي.
 

https://www.alittihad.ae/details.php?id= ... ticle=full
إيمان أحمد
مشاركات: 774
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:27 pm

مشاركة بواسطة إيمان أحمد »

For the joy of reading... and rereading

Iman
أضف رد جديد