خلافات الإخوان في السودان ...إلى أين تنتهي؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

خلافات الإخوان في السودان ...إلى أين تنتهي؟

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

[size=18]قبيل قراءة الفاتحة على روح ما كان يسمى بالحركة الإسلامية في السودان:

تأملات وذكريات

د. عبد الوهاب الأفندي
[email protected]

في سبتمبر من عام 1975، وبعد أيام من الانقلاب الفاشل ضد الرئيس نميري الذي قاده المقدم حسن حسين عثمان ذلك الشهر، طرق بابي في مقر إقامتي بالخرطوم 3 الصديق العزيز عبدالرحيم محمد حسين (وزير الدفاع السوداني الحالي) الذي كان كثيراً ما يسعدني بزياراته، فمنعته من الدخول وطلبت منه ألا يأتي لزيارتي في ذلك المنزل بعد ذلك. وقد كان من نتيجة ذلك أن حرمت من رؤية الأخ عبدالرحيم إلى أن التقينا لأول مرة في القصر الجمهوري بعد ذلك بخمسة عشر عاماً.

سبب ما حدث كما شرحته للأخ عبدالرحيم حينها هو أن الأخ عباس برشم، أحد القيادات الطلابية من منسوبي حزب الأمة، وأحد قيادات الحركة الانقلابية (أعدم فيما بعد مع ثلة من رفاقه رحمهم الله جميعاً)، كان قد اختبأ في المنزل مع أحد أصدقائه الذي كان يشاركنا السكن في يوم الانقلاب وبقي فيه حتى حل الظلام قبل أن ينتقل إلى مخبئه الذي اعتقل فيه في أم درمان في مساء نفس ذلك اليوم. وعليه فقد كان هناك خطراً من أن تكتشف الأجهزة الأمنية علاقته بنا فتراقب المنزل أو تداهمه. ولأن الأخ عبدالرحيم كان قد التحق حديثاً بسلاح المهندسين في الجيش، فقد تعرضه زيارتنا للخطر.

كنت شخصياً أتخوف من أكون ملاحقاً من الأجهزة الأمنية لأكثر من سبب آخر، حتى قبل الانقلاب. فقد كنت باعتباري المسؤول الإعلامي في المكتب التنفيذي للاتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم أتولى الإشراف على أوجه نشاط عدة في الجامعة من أبرزها أضخم معرض فني ثقافي كانت الحركة تنوي إقامته في ذلك الشهر. وكان ممن تطوع لمساعدتي في تنظيم ذلك المعرض الأخوين الزبير محمد الحسن (وزير المالية الحالي) ومحمد الحسن الأمين (نائب رئيس المجلس الوطني). وبينما كان يقوما بنقل بعض المواد الإعلامية الخاصة بالمعرض من داخلية الطالبات إلى داخلية الطلاب الرئيسية "البركس"، برفقة أخ ثالث لا داعي لذكر اسمه هنا، اعترض طريقهم بعض رجال الأمن وقاموا باعتقالهم. وبمجرد استجوابهم اعترف الأخ الثالث الذي كان حديث عهد بالعمل السياسي، بأنني الذي كلفتهم بنقل هذه المواد.

بعد يومين من الانقلاب استيقظنا في الفجر لنجد داخليات الجامعة محتلة بالآلاف من رجال الجيش والشرطة المدججين بالسلاح كأنهم ذاهبون إلى محاربة إسرائيل، وقد بدأوا بعملية تفتيش منهجية لمساكن الطلاب. وكانت غرفتي أقرب غرف مسؤولي المكتب إلى الباب الخارجي، وكانت خزانة ملابسي تئن من حجم الوثائق السرية. وقد بعث إلى الأخ الصديق التجاني عبدالقادر يطلب مني أن أسارع بإخفاء الوثائق ومغادرة الغرفة. ولم يكن هناك مكان لإخفاء الوثائق سوى بوضعها تحت مرتبة السرير، وقد أسرعت فغادرت الغرفة وأنا لازلت أرتدي البيجاما ودون أن أحمل معي أي وثائق ثبوتية. وقد تجمعنا مع حشد كبير من الطلاب في ميدان في وسط البركس. وقد ظلت الأجهزة الأمنية تفتش المساكن سحابة ذلك اليوم قبل أن تنصرف وتستمر في محاصرة المداخل. وفي مساء ذلك اليوم نشرت أجهزة الإعلام الحكومية كذباً أن كميات من الأسلحة قد وجدت في المساكن الطلابية، وأعلن عن إغلاق الجامعة إلى أجل غير مسمى.

واجهتني شخصياً مشكلة كبرى، بسبب مسؤوليتي عن كمية ضخمة من الكتب واللوحات والملصقات التي أعددناها للمعرض. وكان رجال الأمن يحاصرون مداخل السكن الجامعي ويفتشون الحقائب. وعليه فقد قمنا بتوزيع المعروضات في كميات صغيرة حملها متطوعون ضمن أمتعتهم. وكان من نتيجة ذلك ضياع الكثير منها للأسف. ومازال الأخ كابتن شيخ الدين يلومني –محقاً- على ضياع نصف مكتبته التي كان قد تبرع بها للمعرض لأن من اؤتمنوا لها لم يتمكنوا من إعادتها لأسباب لا علم لي بها.

وبذكر اللوحات فإنني أذكر هنا حادثة طريفة ذات دلالة مهمة في تطور الحركة الإسلامية السودانية. فبينما كنا نعد للمعرض انتدبت طائفة من طلاب كلية البيطرة لمساعدتي في التحضير له (لسبب إجرائي، وهو أن الامتحانات في كلية البيطرة انتهت مبكراً). وعندما حضروا للمساعدة وشرحت لهم فكرة المعرض، خاصة فيما يتعلق بجانب الفنون واللوحات، نظر بعضهم إلى بعض مستنكرين. وكانت كليتا البيطرة والزراعة في الجامعة مشهورتين بأنهما كانا معقل التيار السلفي في الحركة. ثم سألني أحدهم: "هل حظي هذا المعرض بموافقة الإخوة المسؤولين؟" فقلت للأخ إنني أنا المسؤول وأنا أؤكد له إن المعرض يحظي بموافقتي. ويبدو أنهم ذهبوا بعد ذلك لاستفتاء أهل العلم قبل أن يقبلوا في المساهمة في البدع التي كنا نجترح.

بعد إغلاق الجامعة واعتقال عدد كبير من الناشطين، تم إجراء تعديلات في المكتب التنفيذي وتقليصه إلى خمسة أشخاص فقط، وأسندت إلى بموجب تلك التعديلات مهمة الأمين العام ومسؤول الشؤون المالية، وهو المنصب الثاني بعد المسؤول الأخ محمد حسن الباهي. وكنت المسؤول في ذلك الموقع عن الأماكن الآمنة لإخوتنا وعلى رأسهم رئيسا الاتحاد التجاني عبدالقادر والمرحوم داوود بولاد، وأمينه العام ابن عمر محمد أحمد، والإخوة غازي صلاح الدين وسيد كمبال وغيرهم. وكانت مسؤولياتي تشمل أيضاً تأمين قنوات الاتصال بالمعتقلين، وقد كلفت بمهام أخرى لا أستطيع حتى هذا اليوم التحدث عنها.

ويجب أن أعترف هنا أنني كنت بسبب مزيج من السذاجة والتنطع لا أستحل لنفسي أخذ أموال من التنظيم حتى لأغراض الأكل والمواصلات، رغم أننا كنا من المفترض أن نكون متفرغين، وكانت الجامعة أغلقت أبوابها، مما حرمنا من السكن ووجبات الطعام. وقد وجدت نفسي بسبب هذا الموقف ذات يوم سجيناً في المنزل لقرابة يومين. فقد كنت فارقت الأخ الباهي عصر يوم الخميس في بري ولم يكن في جيبي من مالي الخاص سوى عشرة قروش، كانت بالكاد تكفي لأن توصلني إلى المنزل. وقد بقيت ليل الخميس ونهار الجمعة وأنا لا أستطيع الخروج.

وفي صباح السبت جاء لزيارتي في نفس المنزل أستاذي الحبيب إلى نفسي الأخ حافظ السيد، (الذي عنيته حين وصفته مرة بدون تسمية بأنه أقرب من عرفت إلى القديسين –ولا يزكى على الله أحد)، فتبرع لي (بدون أن يكون على علم بورطتي) بمبلغ من المال تقبلته شاكراً. ولوكنت من المتصوفة لقلت إن شيخنا حافظاً كان من أهل الكشف. وقد كنت عنيت الأخ حافظ وأمثاله حين قلت أن حكام السودان ما كانوا ليكونون شيئاً مذكوراً لولا مجاهدات الحركة الإسلامية التي تركوها وراءهم ظهرياً.

وبذكر الأخ حافظ فإنني أذكر أننا ذهبنا للاختباء بمنزله في حي الدكة ببربر بعد المظاهرة التي قمنا بها تضامناً مع انتفاضة شعبان الجامعية عام 1973. ولابد من الاعتراف بأننا لم نكن ننوي التظاهر حينها ولم نكلف به. فقد وصلتنا منشورات لتوزيعها، وأذكر أنني والأخ العزيز صلاح شبرين جئنا إلى المدرسة قبل الدوام بأكثر من ساعة حيث وزعنا المنشورات في كل الفصول ثم عدنا إلى بيوتنا. ثم قمت أنا بعد نهاية استراحة الإفطار بإلقاء خطبة في الطلاب أندبهم فيها للإضراب تضامناً مع إخوانهم في الجامعة. ولكن الطلاب كانوا أكثر حماساً مني فأصروا على الخروج في مظاهرة، وبالفعل خرجت المظاهرة، وطفنا على بقية المدارس ندعوهم للخروج فلم يفعلوا (خرجوا في اليوم التالي). توجهت المظاهرة إلى سوق مدينة بربر، حيث ألقيت أنا في الحشد خطبة ثانية على مرأى ومسمع من الشرطة التي كانت احتشدت لفض التظاهرة. وقد تحمست أكثر من اللازم في الخطبة، ولم ألحظ أن الشرطة كانت تستعد للانقضاض حتى جاء الأخ مامون ابراهيم خوجلي يجر بثيابي لأنزل من على العمود الأسمنتي الذي كنت تسنمته منبراً قرب موقف التاكسي، فسارعنا إلى منزل الأستاذ حافظ للتشاور وانصرفنا منه إلى مكان آمن آخر بعد الغداء.

وفي نفس ذلك اليوم قامت الشرطة بحملة اعتقالات، وجاءوا إلى منزلي لاعتقالي فلم يجدوني. وفي اليوم التالي كنت في طريقي إلى المحكمة لتسليم مذكرة تطالب بإطلاق سراح المعتقلين حين تم اعتقالي، وعلمت بعدها أن بعض الطلبة قد اعترفوا المحققين بأنني كنت المحرض والقائد للمظاهرة. وقد حبست في زنزانة انفرادية بينما كان بقية المعتقلين وعددهم ستة وعشرون معاً في زنزانة مجاورة. وكان الأخ مأمون يتذرع بالذهاب إلى الحمام ليمر من أمام زنزانتي ثم يقول بالانجليزية: "أنكر كل شيء!" وبعد الفراغ من استجوابي تم ضمي إلى بقية المعتقلين، حيث استمتعنا بأكبر وجبة طعام في حياتنا، إذ أن أسرة كل واحد من المعتقلين أحضرت طعاماً يكفي الجميع. ولهذا لم نكن سعداء حين تم إطلاق سراحنا بعد أن وقع أولياء الأمور تعهدات بحسن السير والسلوك نيابة عنا. وقد أغلقت المدرسة بعد ذلك لأشهر، وكان هذا الدوافع لمغامرتي الليبية التي تحدثت عنها في مقالة سابقة، والتي انتهت بمغامرة أخرى تمثلت بالعمل في جريدة الصحافة التي كانت في وقتها في أزهى عصورها تحت قيادة أستاذنا محمد الحسن أحمد عجل الله شفاءه (والذي لم تكن تربطني به أي صلة أو معرفة سابقة، لذا لزم التتنويه).

ولعلي أنتهز هذه الفرصة للإشادة بالزملاء الكرام الذي عاصرتهم وسعدت بالعمل معهم في الصحافة، وعلى رأسهم الأساتذة محمد سعيد محمد الحسن وشريف طمبل وعبدالله جلاب وأحمد طيفور ومحمد صالح فهمي وحسن مختار والفاتح محمد الأمين وآمال مينا وغيرهم ممن تعلمنا على يديهم. وقد كنا نختلف معهم في الرأي، ولكنهم كانوا جميعاً من أصحاب المبادئ، وكانوا يؤيدون ثورة مايو على قناعة. ولم يحدث قط أثناء عملي في الصحافة أن فرض علي شيء يتعارض مع قناعتي أو كتبت شيئاً أخجل منه. وكان ذلك يعود تحديداً للرعاية الكريمة من أستاذي محمد الحسن أحمد ومن الأخ محمد سعيد الذي تبناني وخصني برعاية كادت تخنقني من فرط أبويتها.

حين قررت مؤقتاً ترك الجامعة للعمل في الطيران في مطلع عام 1976، اعترض بعض الإخوة في التنظيم، وعلى رأسهم الأخ الباهي وتمنوا على البقاء، وفعل مثل ذلك أساتذتي في الجامعة وعلى رأسهم الدكتور كمال شداد متعه الله بالصحة والعافية، استنكروا تركي الدراسة وأشفقوا على ضياع مستقبلي الأكاديمي الواعد في عرفهم. ولكني كنت قد حزمت أمري، ولم يكن القرار سياسياً، فليس هناك ما يفرض على من يريد أن يخدم الإسلام أن يبقى في موقع معين، بل حتى ليس من شروط ذلك الانضمام إلى تنظيم معين. بل بالعكس إن قناعتي أصبحت تزداد بأن العمل التنظيمي قد يكون معوقاً لواجب قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خاصة حين يصبح احترافاً. وقد كنت دائماً أحرص على الاستقلال الاقتصادي عن أي جهة سياسية، وهي سنة الأئمة والفقهاء ممكن كانوا يرفضون التكسب بأداء الواجب الديني.

ومن عجائب الأمور أن بعض محترفي النفاق قلب الأمور وجعل حرصنا على أن نكسب رزقنا من عمل يدنا منقصة وسبة، حيث كانوا يرون أن واجب الناشط الإسلامي هو أن يجلس عند أقدام شيخه وينتظر التعليمات (والعطايا) مثل أتباع الطرق الصوفية أو حاشية السلطان، سوى أن هؤلاء كانوامن أوائل من تنكر لشيخهم حين لم يعد يتحكم في الرزق، فتبعوا الرزق وتركوا الشيخ، ثم قاموا يتهموننا بالانتهازية! يا سبحان الله!

وقد جعلنا بعض ما قرأنا مؤخراً نتمنى لو كان بعض ما ينشره بعض المتقولين عنا حقيقة، ونتمنى لو كنا كما زعموا من المهمشين والانتهازيين والمؤلفة قلوبهم. لأنه لوكان ما يوردونه من ساقط القول هو المعبر عن الحركة الإسلامية اليوم، فإنه لا يشرفنا الانتماء لمثل هذا الكيان. ويكفينا أن نحتفظ بالذكريات الحميمة عن إخوتنا سابقاً. ولعل من أبزر آيات السقوط هذا الاعتقاد بأن نشر الأكاذيب والتهم قد يحط من مقام منتقديهم ويرفع من مقامهم، فكانت هذه دلالة إضافية على فقدان العقل بعد التعري من الخلق. ذلك أن غاية ما فعلوا هو أنهم كشفوا أن ما كان يسمى بالحركة الإسلامية أصبحت كياناً خرباً، يتناقل كثير من أفراده الغيبة والكذب وهم يعلمون، ويأكلون لحم إخوتهم أحياء، ويتغدون ويتعشون على البهتان، ويعترفون بأنهم كانوا يظهرون لإخوانهم خلاف ما يبطنون، ويكذبون عليهم كما كذبوا على الأمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه وأبدلنا خيراً منها!
آخر تعديل بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ في الاثنين فبراير 04, 2008 11:23 am، تم التعديل مرة واحدة.
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

[size=24]مسون إنجازا للحركة الإسلامية السودانية:

ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!

د. محمد وقيع الله
[email protected]

(1 من 2)

كم أتمنى أن أقرأ أو أسمع نقدا نزيها للحركة الإسلامية عموما والسودانية خصوصا، فالنقد النزيه الذي يُري الحركة الإسلامية أخطاءها، قد يدفعها إلى معالجتها وتلافيها. والنقد النزيه الذي يعترف للحركة الإسلامية بإيجابياتها، قد يحضها على تجويدها وزيادتها. ولكني تنظر إلى أكثر النقد الموجه إلى الحركة الإسلامية السودانية، فلا أرى إلا جيشانا وهذيانا ونقدا مغرضا لبعض الحاقدين والمنخلعين والمنبوذين من صفوفها، ممن يسلطون عليها عيون السخط، ويغمضون عيون الرضا، ويتنزَّوْن من الغيظ، ويتميزون من الحنق، ويمنون أنفسهم بقرب موت الحركة الإسلامية، ويتحينون ساعة دفنها ليرفعوا عليها الفاتحة كما يقولون!!

أحلامنا التي تحققت:

ولكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيرا أو قليلا، خاصة أؤلئك الذين تخلوا عن الركب او تخلى الركب عنهم، وصاروا يعتذرون لتخلفهم عن ركب الحركة الإسلامية القاصد بتعقبه وتنقصه. لقد انتميت إلى الحركة الإسلامية السودانية وأنا في الحادية عشر من العمر، وأسهمت بقدر محدود جدا في عملها الثقافي العام، وعشت مع أهلها أحلاما كبارا من أحلامها، وراقبت تطورها الوئيد عن كثب او عن بعد، وسجلت انجازاتها ما صغر منها وما كبر، والحق أقول فإنني ما كنت أتخيل قط أن الحركة السودانية السودانية ستصل بنجاحاتها إلى هذا المدى البعيد الذي أمنت فيه نفسها وأمنت فيه الوطن والموطن، واسهمت بقدح معلى في ترقية الحياة وتهذيبها وتشذيبها وضبطها بإطار الإٍسلام.

فقد انتقلت الحركة الإسلامية السودانية - بحمد الله - من طورها القديم لتصبح دولة حديثة، وجيشا مهيبا، وجهازا أمنيا متينا مكينا ركينا يحميها. وأصبحت هي الحركة الإسلامية الوطنية التي تستحق هاتين الصفتين الكريمتين معا. وهذه هي الحركة التي سأتحدث الآن عن انجازاتها بقليل من تفصيل.

الحركة الإسلامية هي الحركة الوطنية:

فمنذ تنفُّذ الحركة الإسلامية السودانية وتمكنها بفجر الإنقاذ الأغر، أصبحت هي الفاعل الأكبر، الذي يدير العمل السياسي السوداني بالمبادرة والاقتدار، بينما لم يعد معارضوها وأعداؤها الحزبيون يشكلون سوى ردود أفعال شاحبة خائبة غارقة في الضلال، فأصبحت الحركة الإسلامية السودانية بذلك هي الحركة الوطنية بحق وحقيق، بينما انتمت أكثر الجهات الحزبية المعارضة لها، إلى جهات أجنبية مشبوهة، لاذت بها، واستذرت بظلالها، ووظفت نفسها في خدمة أجندتها، المضرة بأجندة الوطن، فهذا واحد من أكبر إنجازات الإنقاذ، أنها مازَت لنا الخبيث من الطيب، وأبانت لنا المعلول من الصحيح، وكشفت لنا العميل من الأصيل.

ولدى إحساس الإنقاذ بتبعاتها الوطنية الملحة الكبرى، سعت للتو لإنقاذ الوطن من كيد الخصوم، واتجهت لإنجاز استقلال الوطن الاقتصادي قدر المستطاع، فأخذت ملاحم البناء، والنمو، والدفاع، تتالى لتحقق وعد الإنقاذ الحق.

ففي غضون سنواتها الأولى وفي أقسى ظروف الحصار الذي ضرب عليها تمكنت الإنقاذ من تحقيق إنجازها الأكبر، الذي قلب كل المعادلات، وهو استخراج البترول من باطن الأرض، بعد أن ظل استخراجه وتسويقه في عداد أحلام السياسيين العاجزين القاصرين مجرد(أحلام ظلوط كما عبر من ندم على قوله الآن!) وقد واصل هؤلاء السياسيون هزءهم ومساخرهم اللفظية، عندما هبطت أسعار البترول إلى تسع دولارات في وقت استخراج الإنقاذ له، فقالوا في ذلك ما قالوا من هذر القول، ولكن التاريخ كان في صف الإنقاذ، إذ سرعان ما ارتفع سعر البترول، حتى تخطى اليوم حاجز المائة دولار. ولهؤلاء السياسيين العاجزين الهازلين الهازئين وأتباعهم أرفع هذا السؤال المشروع: كيف كان للسودان أن يدبر اليوم نقدا يستورد به البترول من الخارج بهذا السعر الرهيب؟! وكيف كان يمكن أن تحصل البلاد على البترول اليوم، لو لم تقم الإنقاذ ببعد نظرها الثاقب، باستخراجه من باطن الأرض في ذلك الزمان؟!

لقد أدى استخراج الإنقاذ للبترول إلى تغيير الخريطة الإقتصادية، وأدى إلى تحسن الوضع الاقتصادي باطراد، وبذلك نجحت الإنقاذ في رفع مستوى معيشة المواطن السوداني إلى حد ملحوظ. إذ تضاعف معدل الدخل الفردي خلال خمس سنوات فقط(ما بين 2000 و2005م). ولا يملك من يتعامل بلغة الأرقام إلا أن يقر بأن المواطن السوداني يتمتع الآن بأعلى مستوى معيشي في تاريخه أجمع. هذا من حيث توفر الأشياء الاستهلاكية، وتوفر وسائل الرفاهية التي يجدها الآن، ولم ينعم بها بهذا القدر الكبير من قبل.

وللمتحذلقين الذين يحبون أن يجيئوا بالأوابد، ويتحدثوا عن فناء الطبقة الوسطى، أن يقولوا ما شاؤوا أن يقولوا من قول مستظرف مستطرف في هذا المجال، ولكن العارفين الجادين -غير أولي الحذلقة- والذين لهم حس إحصائي واجتماعي جيد يعرفون أن المواطن العادي – حتى الفقير- غدا يستمتع من أشياء الحياة اليوم بأكثر مما كان يستمتع به الموظف الذي كان عماد الطبقة الوسطى إلى آخر عقد السبعينيات من القرن الماضي!

وبالطبع فإننا لا نعني بهذا ان الفقر قد انقطع دابره في السودان، وأنه قد غاب وذاب، فهو ما زال موجودا متوطنا، لأنه ظل موجودا ومتوطنا منذ آلاف السنين، ولا يمكن أن يقضى عليه في عقد أو عقدين من السنين، ولكن يمكن أن يقال إن الفقر ما عاد اليوم يسيطر على الجميع سيطرة مطلقة أو شبه مطلقة كما كان خلال عهود ما قبل الإنقاذ، فقد خرج الكثيرون من قبضته، وستخف قبضته تباعا باطراد مع مضي الانقاذ قدما في إكمال مشروعاتها التنموية العملاقة، وعلى رأسها سد مروي، الذي شارف على الاكتمال، والذي سيغطي قريبا بقية حاجة بلادنا للطاقة ويفيض، فهو ينتج ما قدره 1250 ميجاوات بينما كل ما انتجه السودان من الكهرباء منذ أن كان السودان لم يزد على 500 ميجاوات!!

هذا الإنجاز الهائل الذي قام على إنشائه أبناء الحركة الإسلامية الأبطال الأماجد، وغيرهم من العلماء، والمهندسين، والموظفين، والعمال الوطنيين الغيورين، لا يرى فيه من يستعجل قراءة الفاتحة على الحركة الإسلامية شيئا ذا بال، لكن إذا قامت على هامشه مظاهرة احتجاج، كما تقوم على هامش أي عمل تنموي ضخم مظاهر احتجاج، فتح صاحبنا عين السخط بأقصى سعتها، ورأى ما يحب أن يرى من المظاهر السلبية، وأعملَ قلمه في الكتابة عنها، وتضخيم خطرها، وأجهد نفسه في التربص، والتفكر، والتدبر، عله يجد صيدا ولو صغيرا في الماء العكر!

وصديقنا الكريم أسامة القائم على هذا المشروع العظيم، نقول له إنه لجدير بك أن تلاحظ وتتحسس تربص الخصوم بهذا المشروع الضخم وغيره، وجدير بك أن تتفادى بحكمتك التي عرفناها فيك قديما، كل ما يبلبل مشاعر بعض الناس وخواطرهم، وهذه فرصة ننتهزها لكي نقول له ولرفاقه من قادة العمل الحكومي الإنقاذي أن يكونوا أكثر كرما مع مواطنينا الكرام، وذلك حتى لا تثور عليهم زوابع وزعازع، تصبح مادة لأقلام أصحاب الريب.

مناسبة للوعظ:

وإنها لمناسبة سانحة ندعو فيها قادة الإنقاذ جميعا لكي يعيدوا مرارا وتكرارا قراءة سيرة سيدنا ابن هشام، ليتذكروا كيف كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يهب لكل من يستحق ومن لا يستحق، هبة من لا يخشى عادية الفقر. قال ابن هشام:" ولما فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من رد سبايا حنين إلى أهلها، ركب وأتبعه الناس، يقولون: يا رسول الله، أقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم، حتى ألجأوه إلى شجرة، فاختطفت عنه رداءه، فقال: أدوا عليَّ ردائي أيها الناس، فوالله أَََنْ لو كان لكم بعدد شجر تِهامة نَعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا"! صلى عليك الله كثيرا يارسول الله، ورَغِم أنفُ هذا الذي يكره منا إيراد هذا الضرب من الوعظ الشجي، ويود أن لو يتمكن من إخراس أصواتنا وإخمادها بتآمره، بل إنه ليحلم بأكثر من ذلك، يحلم بأن يقبرنا ونحن ما زلنا في العنفوان!

مؤشرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية:

وفي الحديث عن الإنجازات الإيجابية للإنقاذ، تفيدنا مراجعة المؤشرات العلمية الإقتصادية الكبرى، أكثر مما يفيدنا الحديث المزاجي الانطباعي الفضفاض، فهذه المؤشرات يقوم على انشائها علماء اقتصاديون من كبار أهل الاختصاص، وعن طريقها نتمكن من رؤية الصورة العامة للأداء الإقتصادي الكلي للقطر، وهذه المؤشرات أقوى دلالة على ما نقول في شأن التقدم الاقتصادي الذي أحرزته الإنقاذ. وهنا فإننا لن نلجأ إلى استجلاب معلوماتنا من جهات أو مصادر بها أدنى شبهة محاباة للإنقاذ، بل سنأتي بها من جهات ومصادر بها شبهات العداء العظيم لها، ولكن هذه الجهات والمصادر مع شدة عدائها للإنقاذ، فإنها تلتزم الحق، وتقول الحق، ولا تتنكر للحق، كما ينكره، ويتناكره، ويغفله، ويتغافله، هؤلاء الذين يستعجلون رؤية مأتم الحركة الإسلامية السودانية، ويكادون يرفعون الأيدي لقراءة الفاتحة عليها!.

تقول الإحصاءات الاقتصادية العلمية التي اصدرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتاريخ 13 ديسمبر الماضي، أن السودان تمكن من تحقيق مستوى نمو اقتصادي بحوالي عشرة بالمائة لعام 2006م.(النسبة بالضبط هي 9.3%). وان اتباع السودان لسياسات اقتصادية حسنة، منع اختلال ميزانيته العامة منذ عام 1999م، كما أدى إلى استقرار سعر الصرف النقدي. وذكرت مؤشرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن إجمالي الناتج الداخلG.D.P.)) في السودان قد بلغ 97.19 بليون دولارا أمريكي في عام 2006م ، وأن حجم الميزانية العامة لهذا العام قد بلغ 7.227 بليون دولارا أمريكيا، وأن حجم إنتاج البترول في هذا العام قد بلغ 344,700 برميل يوميا، وان حجم الاستهلاك المحلي منه قد بلغ 66,000 برميل يوميا، وان حجم الصادر من البترول في هذا العام قد بلغ 279,100 برميل يوميا، وان معدلات الأمية والفقر، قد تناقصت كثيرا عما كان في الماضي، إذ انحدر معدل الأمية إلى % 38.9 من عدد السكان، بينما انحدر معدل من يعيشون دون خط الفقر إلى 40% من عدد السكان.

وبجانب هذه الإحصاءات فقد حفلت مؤشرات C.I.A.)) لهذا العام بمعلومات إيجابية كثيرة عن نمو الاقتصاد السوداني، في مجالات البنية التحية، والنقل، والاتصالات، والتعليم، والإعلام، لا يتسع المجال لإيرادها جميعا في هذا المقال، وهذا يكفي، ونقول إن حسب العاقل، المنطقي، الشريف القصد، الذي لا يماري، ولا يكابر، هذا التمثيل القليل، الذي يغني عن التفصيل الطويل، وفي هذا المعنى قالوا قديما: حسب القلادة ما أحاط بالجيد! ولكن مع ذلك فإن استمرأ هذا الشانئ الناعي مكابرته، أو كابر قرين له جاءتهم الاحصاءات لفيفا.

إن هذه الاحصاءات العلمية تدحض ضربة لازب، جل ما يتكلم به الصحفيون المحبطون، هؤلاء الذين وطنوا انفسهم على عداء صميم للإنقاذ، وصاروا لا يتحدثون إلا عن نقم الحياة ومصائبها الكبار، ويتناسون ويتجاهلوا كل آلائها ونعمها الجسام، وفي هذا الموقف النفسي المرضي ما نظنه سببا من أسباب البلاء، نجتهد في مكافحته، كما نكافح أسباب التخلف جمعاء، فالتخلف في بلادنا لا يدعو إليه - مع الأسف - سواد الجهلة وحشو العوام، وإنما هؤلاء المثقفين الذين نصبوا من انفسهم خفراء على التخلف، يحرسونه ويحمونه، ولا يريدون لبلادنا ان تتجاوزه قيد انملة، ولذلك ما تنِي اقلامهم تنزف وتنساب، وتمطرنا بمقالات الكنود، والجحود، وغمط الحق، وبخس الناس أشياءهم الثمان!

أساس التنمية الأعظم:
ولكن تضليل هؤلاء الكتاب لن ينطلي على الناس، مع اتساع الوعي الذي تراهن عليه دولة الإنقاذ، التي آلت على نفسها منذ عامها الأول أن توسع رقعة التعليم العام، والجامعي، وفوق الجامعي. فقد جاءت دولة الإنقاذ وعدد من كانوا يحصلون على القبول في الجامعات السودانية لا يكاد يتجاوز الستة آلاف، أما اليوم فقد جاوز ربع المليون، ينتمون إلى أكثر من ثلاثين جامعة، منها ما يقبل وحده، كل ما كانت الجامعات السودانية قبل الإنقاذ!

وما فعلته الإنقاذ بشأن توسيع التعليم وإتاحته للجميع، كان بإمكان

الحكومات السودانية ان تفعله من قبل، ولكن عقلية التخلف، وثقافة خفارة التخلف، التي أشرنا إليها قبل قليل، كانت تمنع هؤلاء الناس من النظر بجدية (وثورية!) إلى أمر التعليم. فقد انطبع في أذهانهم (النخبوية الضيقة) ان أي توسيع للتعليم سيؤدي لا محالة إلى الحط من مستواه، ولذلك فالأفضل ألا يفكروا في هذه الخطوة على الإطلاق.

وعندما جاءت الإنقاذ بنظرها التقدمي القومي الأصيل المسؤول، واتجهت إلى إصلاح الوضع التعليمي، واتخذت قراراتها بشأنه تلك القرارات الجذرية، التي نفذتها ولم تتراجع عنها، ما بقي لهؤلاء المعارضين، سوى ان يصخبوا ويشغبوا، ما وسعهم الصخب والشغب، ولكنهم مهما صخبوا أو شغبوا فلن تغلق جامعة من اجلهم، ولن يخفض عدد المقبولين لمؤسسات التعليم العالى من أجل ترضيتهم، فهذه شؤون من شؤون التنمية والنهضة الحقة، وهذه رسالة الحضارة الإسلامية في نشر العلم والثقافة، وهذه أمور لن تفرط فيها الإنقاذ، لأنها تراهن على نشر التعليم وتركيزه أول ما تراهن ، ولكنا نرجوها فقط ان تزيد من الصرف علي التعليم كما ينبغي.

وبجانب دور التعليم، وبداخلها، فقد افلحت الحركة الإسلامية السودانية، بالتعاون مع نصرائها، من أهل الحق، وأرباب الغيرة والحدب على الدين، والأسخياء المبادرين إلى الجود، المنفقين المبتغين لما عند الله تعالى، في تشييد عشرات الآلاف من المساجد وخلاوي القرآن.

وتشييد المساجد، والزوايا، والخلاوي، ليس غريبا على السودانيين في أي عهد من عهود التاريخ الغابر و الحديث، ولكن من يستطيع ان ينكر هذه الحقيقة الماثلة، التي تقول إن عدد المساجد التي شيدت خلال عهد الإنقاذ، كان أكبر بكثير من عدد المساجد التي شيدت في السودان طوال تاريخه الطارف والتليد؟! إن هذه حقيقة لا ينكرها إلا من غدا ينكر وجود الحركة الإسلامية في الأساس، ويتمنى لها ان يطويها الردى ذات يوم قريب!!

اتساع نطاق الدعوة على الله:

وفي هذه المدارس، والجامعات، والمساجد، وفي وسائط الإعلام، اتسع نطاق الدعوة إلى الله تعالى، في عهد الإنقاذ، ولم تعد الدعوة مجرد إرشادات فاترة تقرأ من كتب متهالكة، في خطب الجمعة، والنعاس يلف الأذهان، ولا مجرد خطاب دعوي تنظيمي نخبوي معقد، منحصر في الحِلَق التربوية للإخوان المسلمين. وإنما اتسع نطاق الدعوة إلى الله تعالى، وامتد ليشمل برامج التعليم العام، التي باتت تحفظ الناشئة قدرا كبيرا من القرآن الكريم، يقرأونه بتجويد خلاب أخاذ، وهو قدر من الحفظ ما كان يتاح في الماضي إلا لطلاب الجامعات الإسلامية، والمعاهد العلمية، والخلاوي!

واليوم فقد صار صغارنا بفضل مناهج التعليم يعرفون من تفاصيل الفقه اكثر مما يعرف الكبار، وأَضحى خطباء الجمعة، بفضل وجود الجامعات الإسلامية، علماء شرعيين ذوي تأهيل ممتاز، يخرج المصلون من خطبهم كل أسبوع بمحصول غزير من حصاد العلم الشريف.

وفي مجال الدعوة إلى الله تعالى، فقد أتاحت الإنقاذ لكل حركة إسلامية جادة، كالحركة السلفية والحركات الصوفية، أن تعمل على نشر افكارها ومُتَبَنياتها بحرية كاملة، وأن تبذل أقصى جهودها لكي تعمق وتؤكد خط الدعوة العام. ولولا وجود الإنقاذ بتوجهها الإسلامي المتسامح، وبقوتها الأمنية الحازمة، فقد كان مجرد وجود الحركات الإسلامية في السودان، معرضا للخطر، ومعرضا لقهر العلمانيين المتطرفين، إذا حكموا بلادنا، أو مالأوا الحكام، وظاهروهم، وقدموا لهم استشاراتهم المشبوهة، لمقاومة المد الإسلامي و(تجفيف مصادره) كما يحلو لبعضهم ان يتحدثوا جهارا نهارا في بعضا الأقطار.

وهكذا أعانت الإنقاذ على نشر الدعوة إلى الإسلام، وأرست مبدأ الوسطية في الأذهان، وكافحت شتى ضروب التطرف والانحراف. ولا غرو فقد جاءت الإنقاذ من رحم الحركة الإسلامية السودانية، بأفكارها الكبيرة المؤصلة جيدا، ولذلك فقد أفلحت، أيما فلاح مُعجب، في صد أتباعها، وغير أتباعها، عن التعلق بالقضايا الخلافية الصغيرة، سواء على صعيد العقيدة، أو الشريعة، أو الفقه، أو التمذهب الدعوي، والحركي. ووجهت الإنقاذ أكبر همها وجهودها إلى حماية العقيدة، والوطن، وتطبيق مقررات العقيدة، والشريعة، في سائر شؤون الحياة، فانحصر بذلك الخلاف بين الدعاة، وقل الجموح، ولُجم الجنوح إلى التطرف، والتكفير، والإرهاب.

وهذه الصفات المرذولة الأخيرة، هي من ضمن صفات بعض الحركات الإسلامية، ضيقة الحظيرة، والعطن، وهي حركات منتشرة في كثير من بيئات العالم الإسلامي، ولكن لم تكن في عدادها هذه الحركة الإسلامية السودانية الماجدة المسددة بعون الله تعالى وفضله.

(ونتابع في المقال القادم، القول في إنصاف الإنقاذ، وتعداد منجزاتها حتى نبلغ بها الخمسين، ولو شئنا لبلغنا بها مائة وزيداً!)


خمسون انجازا للحركة الاسلامية السودانية (2-2)

ليقرا الفاتحة على نفسه من يريد ان يقرأ عليها

محمد وقيع الله

تقول الإحصاءات الاقتصادية العلمية التي أصدرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتاريخ 13 ديسمبر الماضي، إن السودان تمكّن من تحقيق مستوى نمو اقتصادي بحوالى عشرة بالمائة لعام 2006م. (النسبة بالضبط هي 9.3%). وأن اتباع السودان لسياسات اقتصادية مناسبة، أدى إلى منع اختلال ميزانيته العامة منذ عام 1999م، كما أدى إلى استقرار سعر الصرف النقدي. وذكرت مؤشرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن إجمالي الناتج الداخلي (G.D.P.) في السودان قد بلغ ( 97.19) بليون دولار أمريكي في عام 2006م، وأن حجم الميزانية العامة لهذا العام قد بلغ (7.227) بليون دولار أميركي، وأن حجم إنتاج البترول في هذا العام قد بلغ (344,700) برميل يومياً، وان حجم الاستهلاك المحلي منه قد بلغ (66,000) برميل يومياً، وان حجم الصادر من البترول في هذا العام قد بلغ (279,100) برميل يومياً، وأن معدل الأمية والفقر، قد تناقص كثيراً عن ما كان في الماضي، إذ انحدر معدل الأمية إلى (38.9%) من عدد السكان، بينما انحدر معدّل من يعيشون دون خط الفقر إلى (40%) من عدد السكان.
وبجانب هذه الإحصاءات فقد حفلت مؤشرات (C.I.A.) لهذا العام بمعلومات إيجابية كثيرة عن نمو الاقتصاد السوداني، في مجالات البنية التحية، والنقل، والاتصالات، والتعليم، والإعلام، لا يتسع المجال لإيرادها جميعاً في هذا المقال، ونقول إن حسب العاقل، المنطقي، الشريف القصد، الذي لا يماري، ولا يكابر، هذا التمثيل القليل، الذي يغني عن التفصيل الطويل، وقد قالوا قديماً: حسب القلادة ما أحأط بالجيد! ولكن مع هذا فإن استمرأ هذا الشانئ الناعي مكابرته، أو كابر قرين له جاءتهم الاحصاءات لفيفاً.
وهذه الاحصاءت العلمية تدحض ضربة لازب، جل ما يتكلّم به الصحافيون المحبطون، هؤلاء الذين وطّنوا أنفسهم على عداء صميم للإنقاذ، وصاروا لا يتحدّثون إلا عن نقم الحياة ومصائبها الكبار، ويتناسون ويتجاهلون كل آلائها ونعمها الجسام، وفي هذا الموقف النفسي المرضي ما نظنه سبباً من أسباب البلاء، نجتهد في مكافحته، كما نكافح أسباب التخلّف جمعاء، فالتخلّف في بلادنا لا يدعو إليه -مع الأسف- سواد الجهلة وحشو العوام، وإنما نصب بعض مثقفينا من أنفسهم خفراء على التخلّف، يحرسونه ويحمونه، ولا يريدون لبلادنا أن تتجاوزه قيد أنملة، ولذلك ما تنِي أقلامهم تنساب، وتمطرنا بمقالات الكنود، والجحود، وغمط الحق، وبخس الناس أشياءهم الثمان!
أساس التنمية الأعظم:
ولكن تضليل هؤلاء الكتاب لن ينطلي على الناس، مع اتساع الوعي الذي تراهن عليه دولة الإنقاذ، التي آلت على نفسها منذ عامها الأول أن توسع رقعة التعليم العام، والجامعي، وفوق الجامعي. فقد جاءت دولة الإنقاذ وعدد من كانوا يحصلون على القبول في الجامعات السودانية لا يكاد يتجاوز الستة آلاف، أما اليوم فقد جاوز ربع المليون، ينتمون إلى أكثر من ثلاثين جامعة، منها ما يقبل وحده، كل ما كانت الجامعات السودانية قبل الإنقاذ!
وما فعلته الإنقاذ بشأن توسيع التعليم وإتاحته للجميع، كان بإمكان
الحكومات السودانية ان تفعله من قبل، ولكن عقلية التخلف، وثقافة خفارة التخلف، التي أشرنا إليها قبل قليل، كانت تمنع هؤلاء من النظر بجدية (وثورية!) إلى أمر التعليم. فقد انطبع في أذهانهم (النخبوية الضيقة) أن أي توسيع للتعليم سيؤدي لا محالة إلى الحط من مستواه، ولذلك فالأفضل ألا يفكروا في هذه الخطوة على الإطلاق.
وعندما جاءت الإنقاذ بنظرها التقدمي القومي الأصيل المسؤول، واتجهت إلى إصلاح الوضع التعليمي، واتخذت قراراتها بشأنه تلك القرارات الجذرية، التي نفذتها ولم تتراجع عنها، ما بقي لهؤلاء المعارضين، سوى أن يصخبوا ويشغبوا، ما وسعهم الصخب والشغب، ولكنهم مهما صخبوا أو شغبوا فلن تغلق جامعة من أجلهم، ولن يخفض عدد المقبولين لمؤسسات التعليم العالي من أجل ترضيتهم، فهذه شؤون من شؤون التنمية والنهضة الحقة، وهذه رسالة الحضارة الإسلامية في نشر العلم والثقافة، وهذه أمور لن تفرط فيها الإنقاذ، لأنها تراهن على نشر التعليم وتركيزه أول ما تراهن، ولكن نرجوها فقط أن تزيد من الصرف على التعليم كما ينبغي.
وبجانب دور التعليم، وبداخلها، فقد أفلحت الحركة الإسلامية السودانية، بالتعاون مع نصرائها، من أهل الحق، وأرباب الغيرة والحدب على الدين، والأسخياء المبادرين إلى الجود، المنفقين المبتغين لما عند الله تعالى، في تشييد عشرات الآلاف من المساجد وخلاوى القرآن.
وتشييد المساجد، والزوايا، والخلاوى، ليس غريباً على السودانيين في أي عهد من عهود التاريخ الغابر والحديث، ولكن من يستطيع ان ينكر هذه الحقيقة الماثلة التي تقول إن عدد المساجد التي شيدت خلال عهد الإنقاذ، كان أكبر بكثير من عدد المساجد التي شيّهدت في السودان طوال تاريخه الطارف والتليد؟! إن هذه حقيقة لا ينكرها إلا من غدا ينكر وجود الحركة الإسلامية في الأساس، ويتمنى لها أن يطويها الردى عن قريب!!
اتساع نطاق الدعوة على الله:
وفي هذه المدارس، والجامعات، والمساجد، وفي وسائط الإعلام، اتسع نطاق الدعوة إلى الله تعالى، في عهد الإنقاذ، ولم تعد الدعوة مجرّد إرشاد فاتر يقرأ من كتب متهالكة في خطب الجمعة، ولا مجرّد خطاب دعوي تنظيمي نخبوي معقد منحصر في الحِلَق التربوية للإخوان المسلمين. وإنما اتسع أمر الدعوة إلى الله تعالى، وامتد ليشمل برامج التعليم العام، التي تحفظ الناشئة قدراً كبيراً من القرآن الكريم يقرأونه بتجويد خلاب، وهو قدر من الحفظ ما كان يتاح في الماضي إلا لطلاب الجامعات الإسلامية، والمعاهد العلمية، والخلاوى، واليوم فقد صار صغارنا بفضل مناهج التعليم يعرفون من تفاصيل الفقه أكثر مما يعرف الكبار، وأضحى خطباء الجمعة، بفضل وجود الجامعات الإسلامية، علماء شرعيين ذوي تأهيل ممتاز، يخرج المصلون من خطبهم كل أسبوع بمحصول غزير من حصاد العلم الشريف.
وفي مجال الدعوة إلى الله تعالى، فقد اتاحت الإنقاذ لكل حركة إسلامية جادة، كالحركة السلفية وغيرها، أن تعمل على نشر أفكارها ومُتَبَنياتها بحرية كاملة، وأن تبذل أقصى جهدها كي تعمّق وتؤصل خط الدعوة العام. ولولا وجود الإنقاذ بتوجهها الإسلامي المتسامح، وبقوتها الأمنية الحازمة، فقد كان مجرّد وجود الحركات الإسلامية في السودان، سيتعرض لقهر العلمانيين المتطرفين، إذا حكموا بلادنا، أو مالأوا الحكام، وظاهروهم، وقدموا لهم مستشاراتهم المشبوهة، لمقاومة المد الإسلامي و(تجفيف مصادره) كما يحلو لهم أن يتحدثوا جهاراً نهاراً في بعض الأقطار.
وهكذا أعانت الإنقاذ على نشر الدعوة إلى الإسلام، وأرست مبدأ الوسطية في الأذهان، وكافحت شتى ضروب التطرف والانحراف. ولا غرو فقد جاءت الإنقاذ من رحم الحركة الإسلامية السودانية، بأفكارها الكبيرة المؤصلة جيداً، ولذلك أفلحت، أيما فلاح مُعجب، في صد أتباعها، وغير أتباعها، من التعلق بالقضايا الخلافية الصغيرة، سواء على صعيد العقيدة، أو الشريعة، أو الفقه، أو التمذهب الدعوي، والحركي. ووجهت أكثر همها وجهدها إلى حماية العقيدة، والوطن، وتطبيق مقررات العقيدة والشريعة في سائر شؤون الحياة، فانحصر بذلك الخلاف بين الدعاة، وقل الجنوح إلى التطرّف، والتكفير، والإرهاب.
وهذه الصفات الأخيرة، هي من ضمن صفات بعض الحركات الإسلامية، ضيقة الحظيرة والعطن، المنتشرة في كثير من بيئات العالم الإسلامي، ولم تكن في عدادها هذه الحركة الإسلامية السودانية الماجدة المسددة بعون الله تعالى وفضله.
(ونتابع القول بإنصاف الإنقاذ، ونعدد منجزاتها حتى نبلغ بها الخمسين، ولو شئنا لبلغنا بها مائة وزيداً!).
الصحافة
25/1/2008
آخر تعديل بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ في الاثنين فبراير 04, 2008 11:21 am، تم التعديل مرة واحدة.
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

وخمسمائة إخفاق شاهدات ضد وقيع الله

ماذا فعل بك جهاز الأمن أيها الإسلامي المستنير؟

مصعب أحمد الأمين
[email protected]

نعم نقرأ على أنفسنا الفاتحة لأنه صلى الله وعليه و سلم قال وما أدراك أنها رقية . وما من معيون بأعين منا أفلا نقرأها؟

بمثل ما تمنيت اعترافا نزيها بنجاحات الحركة الإسلامية تاق السودانيون لسماع اعترافات (مجاملة) للمعنيين المغيبين . وقبل أن تسمع تقريظا من أعداء نجاحات الإنقاذ كما جاءت في دفاتر C.I.A عليك أن تسمع لخطاب وزير المالية وابتزازه للنواب المعينون عندما طالبهم بإجازة الميزانية ويا ترى ماذا عسى التنظيم قد يكون قد قال لهم؟ و كيف لم يستخلصوا من الوزير تعديلا؟ اذكر القراء الذين قد لا يجدون وثائق سي آي ايه بخلاصة ميزانية الحركة الإسلامية :

لا وظائف

لا زيادة في المرتبات

لا مشاريع رعاية اجتماعية

نعم زيادة جمارك

نعم زيادة قيمة مضافة

نعم بيع المؤسسات الحكومية

لم ندرس اقتصاد و لا نحتاج ان نفهم من أي علامة او عبقري فهامة!!

لم نسمع بتقليص الوظائف السيادية

لم نسمع بتخفيض رواتب الجيجا ( و الجيجا ألف ميجا و الميجا ..... ك.ب) دستوري الذين يفوق عددهم عدد برلمانيي الهند و الصين مجتمعين . لماذا هم في وظائفهم؟( الفاسدة ) أليس من اجل الشعب؟ الآن الشعب في ظرف ميزانيته ( الدقيق) يحتاج لكل ما يصرف إليهم أنفسهم !!! و استطرادا هل فرض هذه الجيوش الجرارة من الوزراء و البرلمانيون كان من تلقاء حركات التمرد ؟ الم يكن كافيا ان يمثل في برلماننا مائة نائب؟ و المائة كثيرة مع التعيين ! و مفوضيات مفوضيات و مجالس مجالس ؟ كم الثمن؟ و من يدفع الثمن ؟ و لماذا هناك ثمن أصلا؟ حتى أصبحت من الممكن أن تقول في السودان إذا سئلت ماذا يشتغل فلان ابن فلان فبقال كوز فتقول أمره مقضي الأرباب!!

والآن أيها العالم النحرير

الم يأتك نبأ ديوان المراجع العام إذ سأل بعد فوات الأوان وين الفلوس يا ( أخوان)؟

مع العلم أن هناك جهات لا يمكن أن تراجع زي ميزانية القصر الجمهوري و جهاز الامن و فيه نكتفي بشهادتك فيهم وهي غير مجروحة ليس من ( شاف ) كمن ( قرأ) فأنت قلت في مراجعة أفندية الأفندي كان لك معهم شأنا ، فهل الناس الشافتم عينك بي رأيك ممكن المراجع يجي جنبهم ؟!

إذن ربما يجب أن تقرأ بعينيين ( ان شاء الله .. لزوم الحبكة) و التنويع لا يضر للانتماء ( الغزيّ فهل انا الا من غزية ... البيتَ) قضية!!!

و الآن سؤال للبروفسور وقيع الله طبعا في الإحصاءات ( قشرة المقال : من قشر إذا تأنق في لبسه) كم خرجت جامعات الإنقاذ و كم وظفت حكومة الإنقاذ؟ ومن وظفت حكومة الإنقاذ؟ و السؤال الأخير لا يحتمل المماحكة لماذا تضمنت اتفاقيات السلام و التي ستليها قبول الإنقاذ بتوظيف المواطنين من تلك البلدان التي وقعت الإنقاذ معها اتفاقيات السلام في ابوجا و نيفاشا؟ أم الأمر تمامة جرتق و فقه مرونة على وزن فقه الضرورة (مع تسليمنا بوجود فقه الضرورة لكن كما قرره الفقهاء الأصوليون من أن الضرورات تقدر بقدرها و ان عدتم لموضوع التوسع دون تقدير لضرورة عدنا )

أما انها قولك إنها أمنت نفسها فنؤيدك فيه و هل فعلت غيره اما الوطن فماذا قدمت الإنقاذ لأهلها ؟ و الجنوب ؟! هل تذكرونه ؟ و الله مشتاقين بقالنا سنين ما شفناك !! ليس سوى براميل نفط هي ما تربطنا به ؟ اذن فمن هذا المواطن؟؟؟ If this is the fish, where is the cat?

و لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، و الإيمان بالله و عبادته الحقة هي غاية خلق الإنسان الدعوة الي الله و تذليل مشاكلهم من أعظم القربات هنا متفقين: من يا أستاذ الفلسفة الإسلامية ( ربما أكون غلطان) من قسم الحركة السلفية ( أنصار السنة كما يسمون أنفسهم) الي فرق خلافاتها تحل بالاحتياط المركزي؟ الجماعة التي أثنيت الثناء الجميل على مؤسسها الفعلي المغفور له باذن الشيخ محمد هاشم الهدية قدس الله سره ، مع ما لمزت به الشباب الذين رباهم بأنهم تزيدوا بإثبات ( الإصبع) كأنهم قد ابتدعوا شيئا او قالوا بشيء يتبرأ منه الشيخ و هذه التفاتة للروح التي ( أصلت) لشق الجماعة و لا نريد أن ننكأ جراحا اندملت، فالشيخ الذي ذكرت مآثره كان يطالب بمساجد الجماعة ( طبعا و ليس الحركة) التي صودرت. ولن أسالك لماذا يدفع الناس رسوما لقضاء الحاجة في المساجد و للتوضؤ !!!

و نجئ لمسألة الجامعات و ثورة التعليم ، اولا نسأل الله ان يبارك لأهل السودان في جامعاتهم و مدارسهم فنقول ان ثورة التعليم هي سرقة و تحريف لمشروع الطبيب البروفسور عن حزب الأمة ( ربما اسمه محجوب نسيت اسمه بالضبط لكن اذكر مناسبة فوزه بجائزة علمية دولية رفيعة من ال WHO) المهم الرجل طرح هذا المشروع و هاجمته الراية التي كنت تكتب فيها و إن أنسى لا أنسى مقال المرحوم الثائر محمد طه ( الذي افجعنا رحيله ) و لكن يومها لم تكن ثورته لله و الحرية لكن كانت للجبهة و ( التي اخلص لها إخلاصا خالط عظمه و لحمه حتى ظله يوم أطلق عليه رصاص الإرهاب و ركلات رجال الأمن) كما قلت كان من أكثر من انبرى تحريضا عليه رحمة الله ضد المشروع الذي أراد البروفسور فيه أن يتدرج في ثورة التعليم و يشرك الشعب في تكاليف التعليم فحرضت الجبهة الطلاب و الناس ضده( و طبعا تسجيل هذه الملاحظة ليس نبش قبور الأموات فالراحل قلمه كان صادقا جسورا و كما قيل :

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى بالمرء نبلا ان تعد معايبه

و لكن كما كان يكتب الكاروري على شال ترابي الجبهة لا ولاء لا تبديل

و لن أذكرك بان سياسة تحرير الاقتصاد و التي عرفت في أيام الانقلاب الأولى الكالحة بسياسة التحرير او المشروع الثلاثي انما كان من وضع الاقتصادي السوداني المفخرة الخبير د. التيجاني الطيب يوم ان كان وزير دولة بالاقتصاد، اذن سرقت الإنقاذ مشاريع فكرية جاهزة و وضعت عليها ديباجة من جمجمة نخرة كتب تحتها من صنع الإنقاذ.

و كلامنا بدأ عن الفساد ونعود بالذاكرة لمهازل محاكمة رموز الديمقراطية و لم يؤخذ على احد سوى حفارة للسيد البنا قال العقيد القذافي انه فعلا أهداها للشاعر الفحل (قبل كونه سياسيا)

و انت تقول انك انضممت للحركة الإسلامية و انت ابن احد عشر فأقول لك انا انضممت لها و انا ابن تسع او عشر من اسرة سلفية . و قلمي فدا الحق و الحقيقة للحركة او عليها .

كنا نظن بعد الرابع من رمضان ان عهدا مضى يمجد فيه الناس الباطل و الظلم عندما كان الناس في تنظيم الجبهة لا يعرفون (لا) و ايام كانت حتى لاءهم نعم زمن الإشارة و السيخ و الغواصات . حسبنا ان عهد التقية قد ولى و اننا رجعنا لإخوان الوطن بقلب سليم . فها انت تعود بنا لتكتيك الثمانيات و موضة الشارلستون . أي غبار و صدأ و بلى و قدم تطل من سحارة منطقك ، لكن لعلني أجد لك العذر الذي وجده أهل الكهف حينما أفاقوا من نومهم و اذ بعثوا بورقهم الذي اصدر قبل ثلاثة مئة سنة و تسع !! فربما غبت عن السودان فغابت عنك كل الأشياء!

فضحتنا يا شيخ وقيع الله الناس لديهم قنوات و انترنت و رجعت الجرايد و تغيرت الدنيا !!! لن ادعوك للذهاب لقسم الأرشيف على أهمية الذاكرة لكن اصحي يا ...... و حتى بريش ربما نسيه الناس!!

لكن من زاوية أخرى ، هل لجهاز الأمن دخل في المنطق الذي استخدمته ؟ ربما ، فأنت في مراجعتك للأفندي المابغباك و هو بالفعل قد جنح و خرف شطح هو و نطح: انك تعرضت لمضايقة من ناس أمونة فهل غيرت هذه المضايقة مجرى منطقك و أعادتك إلي Pre_Ingaz Era قل تحرر من الخوف ماذا قالوا لك ؟ هل كتبوك تعهد؟ هل أقسمت و ها أنت تبر بقسمك؟ ديل كيزان و ناسي و انا بعرفهم!!

بقي أن اقول لك لن أقرأ خمسين الانجازات التي ستكتب عنها!! تعرف ليه؟ لأن أي انجاز مهما كان عظمه ( حتى الثورة المهدية إلي أنت مكجن حفيد مفجرها، فهمت الإشارة يا بروفسور ؟ طبعا من مقالك و لا علاقة له بما سبق مع رباح اقطع ليك من مقالك دا ذاتو غالي و الطلب رخيص طيب خذ: أحلام ظلوط كما عبر من ندم على قوله الآن!) اكرر أي انجاز مهما كبر ليس امتياز لاستحمار الناس و الدوس عليهم و على كرامتهم و حرمان آحادهم الكثيرين . و على طاري الكرامة تعرف كما اعرف أن العراقيين لو دانوا للأمريكان أكيد سيكون حالهم أفضل من الآن لكن بدون كرامة وكذلك المحصورين المحبوسين في غزة الأبية فك الله عنهم حصارهم و نصرهم على اليهود و فك اسر الأقصى ، كان أيضا حالهم سيكون أفضل مما هم عليه لو رضوا بالدنية،

( هات واحد ضربة لازب و سكت الربش على حساب المعلم سي وقيع )

إذن استخراج النفط و بناء سد مروي بالدين الذي قفز ل 30 مليار و النفط الذي يدر 500 مليون دولار ( و لا و لا و لا (أعلاه)) ليست بالتي تحول أهل السودان للإنقاذ مقتوينا.

لكن اقرب لزمانه و منطقه منك نديدك الكرنكي و هو يكتب على هذا الرابط

و بعد لا تكابر يا جدو وقيع تحتاج لتنويع قراءتك اكثر و بعينيين و محتاج لتقبل إخوانك في الدين و الوطن من غير أهل الإنقاذ بصدق اكبر و الأرض لله يورثه امن عباده من يشاء.

و نقاط صغيرة منهجية لك مني هدية:

عندما ينقد الناس حكومتهم عند عجزها عن التوظيف في ذات الميزانية التي تزيد عليهم فيها بالتكاليف و تزيد الأسعار من الخضار الى الرغيف ، من حق هؤلاء المساكين ان يقولوا للزبير الا فارحل يا زبيرا او اقيف !!

فإذا البترول و لا ذهب بني شنقول لم يشبع هذا الغول الأخطل فما عساه خزان مروي يفعل ؟؟ وإذا اشتكى الشعب أو تململ فلماذا كوز السبعينات يزعل!!!

سودانبل
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد 113 - الأثنين 28 يناير 2008


الصـــــاوي والبحث عن الإستنارة في صحـــــراء الإسلاميين..!

التجاني الحاج عبدالرحمن

إبتدر الأستاذ عبدالعزيز حسين الصاوي نقاشاً ثراً ووعراً في ذات الوقت، عبر سلسلة مقالات لـ "البحث والتنقيب عن مكامن للإستنارة في صحراء الإسلاميين&

quot; وهو يعني فيما يعني ـ حسب تفسيره ـ البحث عن التفتح العقلي والقابلية لاستخدام الوسائل العلمية والمنطقية في التعامل مع شئون الحياة المختلفة، بفكرة "وداوني بالتي كانت هي الداء". وقد تابعت ـ تقريباً ـ كافة ما كتبه في هذا الصدد. لكن أجد نفسي هنا على خلاف مع الأستاذ الجليل على هذا الموقف على صعيد الرؤية والمنهج معاً. وسأحاول تبيان مواضع هذا الإختلاف قدر الإمكان.
لا يختلف إثنان على أن الإسلاميين السودانيين ـ وهم المعنيون بالخطاب في مقال الأستاذ الصاوي ـ ينحدرون حسب تصنيفات الباحثين، إلى التيار السلفي، وبصورة أكثر دقة إذا كنا نصنف السلفية إلى حقلين أساسيين هما الشيعة والسنة. فالإسلاميون في السودان يقعون ضمن التيار السني، وفي داخله يتموضعون فيما يتم تعريفه بأهل "السنة والجماعة"، وهذا التيار تاريخياً هو الذي هزم فكرة التنوير التي بدأت مع المعتزلة في نهايات الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية، وتم تتويج هذا الإنتصار لاحقاً عن طريق الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" واضعاً بذلك آخر مسمار في نعش حركة التنوير داخل الثقافة الإسلامية العربية. لذلك فكل التيارات التي برزت حديثاً في الحقل السني هي نتاج هذه المعركة التي إنتهت بانتصار أهل السنة والجماعة. ومن دون الخوض في تفاصيل هذه الفترة والتي أودعها الدكتور الجابري في مشروعه "نقد العقل العربي"، إلا أن الدرس المستفاد من ذلك هو أن هذه التيارات لا علاقة لها بالتنوير أو الإستنارة من قريب أو بعيد، وهذا يعود لأسباب متعلقة بالرؤية والمنهج. لذلك فالباحث عن الإستنارة داخلها، فعلاً كالباحث عن الماء في صحراء قاحلة والذي وإن وجد، فهو مجرد واحات معزولة عن بعضها البعض(!)، وقد كان الأستاذ الصاوي دقيقاُ جداً في اختيار العنوان لما له من مدلول حول صعوبة تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك؛ فلنحاول إجلاء هذا الإختلاف المنهجي والرؤيوي حتى لا نكون ممن يلقون القول على عواهنه.
يعتمد التيار السلفي في فهمه وتفسيره لمتغيرات الحياة على ما يسميه منهج النقل، بمعنى؛ النقل عن السلف الصالح، والذي يأتي في صيغة "عن فلان..عن فلان" وهو ما يتم تعريفه بـ "السلسلة الذهبية"، والتي وبمرور الوقت أكتسبت سلطة وقفت على قدم المساواة مع سلطة المقدس. وقد تعرض هذا المنهج للنقد العنيف في عهد المعتزلة والذين كانوا يغلبون العقل على النقل. ولا يبدو حتى الآن في التاريخ المعاصر أن تغييراَ قد حدث ليطيح بهذا المنهج، ويعيد الإعتبار للعقل داخل أوساط التيارات الإسلامية/السلفية، بل ما زال منهج النقل سائداً حتى يومنا هذا.
عليه؛ طالما ظلت المعرفة وطريقة التعاطي معها مقيدة إلى هذا المنهج الذي يسد الطريق سداً أمام الإبداع العقلي، ستظل مسألة الإستنارة محدودة السقف، في أفضل الشروط، بالمدى الزمني والتاريخي الذي يعود بنا إلى حدود الإمام الغزالي وماقبله، أي أننا نعيش حقيقة وواقعاً داخل الزمن المستعاد بتعبير الجابري(!).
إن مايبرز من ثنايا حديث الصاوي من أن لابد:
"... أن نستعيد للاذهان حقيقة أن أول حزب إستخدم الكومبيوتر في إدارة أعماله هو الجبهة الإسلامية القومية، [وبالتالي] فإن البحث في كيفية تحويل رصيد الإنفتاح والاستنارة هذا من الإمكان الى الواقع يغدو ضرورة قصوي لأنه سيؤدي الى الإضعاف الحقيقي للنموذج الديني السياسي تياراً وسلطة بخلخلة الركيزة التحتية التي يقوم عليها وينقذ جهود المعارضه في مجال الصراع ـ التعايشي السياسي مع النظام من اللاجدوى...".
يفهم منه وكأنما استخدام التكنولوجياً بواسطة الإسلاميين مدخلاً، لهذه الإستنارة (!!)، لهو حقاً مدخل غير موفّق، لذلك أجد نفسي هنا على أشد الخلاف مع الأستاذ الصاوي حول هذه النقطة. نعم إن الإسلاميين أو الجبهة الإسلامية أول من استخدم هذه التقنيات لتطوير عملهم السياسي في السودان، والمجاهدين الأفغان أيضاً استخدموا التكنولوجيا (صواريخ الإستنجر التي رفضت الولايات المتحدة أن تعطيها حتى لأقرب حلفائها)، وتنظيم القاعدة مثال حي لمدى قدرة السلفيين على استخدام التكنولوجيا بكفاءة عالية حيرت أعتى أجهزة الإستخبارات في العالم. لكن بالرغم من ذلك ظلوا ـ أي السلفيين بما فيهم الجبهة الإسلامية ـ متخلفين على عدة أصعدة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع التطور الذي حدث في المجالات القانونية، والدستورية، والنظم السياسية وغيرها أي العلوم الإنسانية، والتجربة الماثلة أمامنا تبرهن على ذلك. وهنا لا يفهم المرء كيف تكون هذه التيارات على مقدرة كبيرة باستخدام التنكولوجيا، لكنها متخلفة لدرجة كبيرة فيما يتعلق بالديمقراطية(راجع حيدر إبراهيم: الحركات الإسلامية وقضية الديمقراطية) وحقوق الإنسان، والنظم السياسية، بمعنى التقدم على صعيد العلوم الإنسانية.
هذا التناقض، له جانبان يمكن تفسيرهما به:
أولاً: بشكل عام، هذه التيارات تتعامل مع العلوم بانتقائية، تأخذ ما تريده منها وترفض ما يتعارض معها ـ بمعنى أنها تأخذ منها ما يخدم مصالحها السياسية، وترفض تلك التي تتعارض مع هذه المصالح، وهو الأمر الذي يرتد في نهاية التحليل إلى أصله كصراع سياسي بحت، يعري زيف الخطاب الديني الذي يغطي رغبات الإستحواذ على السلطة ـ وبلغة علمية أنها تأخذ الناتج النهائية لهذا التقدم ولا تعترف بالمنهجية التي قادت إليه. وهو ما ولد في داخل الدول والشعوب الإسلامية والعربية بشكل عام ثقافة الإستهلاك. ولهذا جذور قديمة أيضاً داخل حقل الثقافة العربية الإسلامية نفسها، فقد كانت العرب قديماً تعتبر أن المهن ممارسة تحط من قدرهم ومكانتهم الإجتماعية، والعربي الأصيل في تعريفهم هو من يهتم "بأخبار العرب، ونسبهم وشعرهم". أما المهن، فهي من عمل الموالي والعبيد، لذلك نجد أن كل الذين نبغوا في المهن والعلوم المشتقة منها (العلوم التطبيقية بالتعبير المعاصر مثل الطب والهندسة وغيرها) ينحدرون إلى الموالي، ويظهر ذلك من كنياتهم مثل السرّاج، (صانع السروج)، أو السيوفي (صانع السيوف) أو الإسكافي (صانع الأحذية). وحتى الذين نبغوا في العلوم النظرية في الإسلام كانوا من الموالي أيضاً وأشهرهم حسن البصري. لذلك، فاستخدام التكنولوجيا حديثاً بواسطة هذه التيارات لا يسند قضية أن ذلك قد يقود إلى إستنارة داخلهم، لأن التحول المنهجي في فهمهم لم يحدث حتى الآن، وسيظلون في حالة غربة عن التقدم العلمي، يعيشون على إستهلاك منتوج الحضارة، يرفضون دائماً الفلسفة التي إنبنت عليها. وبداهة فإن أي مشروع للتنوير يتجاوز الأسس الفلسفية التي قامت عليها المعرفة والتقدم العلمي، ويتعامل مع منتوجاتها فقط، لن يلد إستنارة مهما بدت عليه من مظاهر المدنية والتحضر، والتي تبقى كقشرة خارجية تزول مع الزمن، وهذه نقطة منهجية حاسمة.
لذلك، فإن النتيجة النهائية التي خلص إليها الأستاذ الصاوي من أن ذلك:
" .. سيؤدي الى الإضعاف الحقيقي للنموذج الديني السياسي تياراً وسلطة بخلخلة الركيزة التحتية التي يقوم عليها وينقذ جهود المعارضة في مجال الصراع ـ التعايشي السياسي مع النظام من اللاجدوى...".
هي بناء للمجهول، ومعركة مع خيال، لأنها نتيجة قامت على قراءة غير صحيحة. وإلى أن يتحقق إفتراض أن الإسلاميين فعلاً وقولاً ومنهجاً مع العلم والعقلانية، أي أنهم يأخذون التقدم العلمي كمنتوج وفلسفة ومنهج معاً، يصبح بالتالي وصولهم إلى نقطة الإستنارة هو نتيجة منطقية. لكن طالما ظل هذا الفصل قائماً فسيظل حفر الأستاذ الصاوي مجرد حرث في البحر ليس إلا، ولن يؤدي إلى خلخلة في الركيزة التحتية التي يقوم عليها، ولن ينقذ جهود أي معارضة ولن يؤدي إلى تعايش سلمي، لأنه وببساطة هذه الركيزة بقيت بمنأى عن أي تأثير.
ثانياً: إن ربط هذا الإنقلاب الإفتراضي في تركيبة الإسلاميين بالبحث عن مكامن الإستنارة في صحرائهم بالتطور على صعيد الفكر العلماني، في تقديري هو ربط تعسفي لا جدوى منه، ويعيد تدوير أزمة التيار العلماني نفسه، والذي ـ وللأسف الشديد ـ ظل يعاني ولفترة طويلة يرهن نفسه لإبتزاز الحركات الإسلامية والى وصمه تارة بالإلحاد والشيوعية، وتارة بالعلمانية، وفي كلا الحالتين، ومن خلال إتباع المنهج العلمي في التحليل نصل أن ذلك لم يكن إلا مبارزة سياسية خاضها الإسلاميون بوعي تام لمحاصرة التيار العلماني في زاوية ضيقة من حلبة الصراع السياسي، وقد إستسلم العلمانيون لهذا الإبتزاز المهين (!!).
ولإجلاء هذه النقطة لابد من إزالة الغبار حول مفهومي العلمانية والدينية حتى يتأطر فهمنا لهذا الإبتزاز في مستواه الفسلفي والسياسي. فمسألة العلمانية يتم تفسيرها في إطارها التاريخي الذي نشأت فيه، والذي تلخّص في مقولة "فصل السلطة الدينية عن السلطة الزمنية"، وتم التعبير عن هذا الموقف الفلسفي/التاريخي بصيغ عديدة، مثال، فصل الدين عن الدولة، الدولة المدنية، ما لله لله، ومالقيصر لقيصر والدين موقف باطني... وإلخ من الصيغ. وهو في نهاية التحليل صياغة لموقف ورؤية جديدة للحياة قامت على فصل بين المناهج التي تتبعها الأديان في تناول المعرفة، وبين ذلك الذي يتبعه العلم، ولخصه التراث الإسلامي في مقولة "أنتم أدري بشئون دنياكم". ومدخل الإبتزاز الذي قامت به التيارات السلفية في السودان حول هذه النقطة إنها ربطت مابين هذا الفصل والإلحاد، بمعنى أنها نظرت إلى كل من يأخذ بهذا الموقف على أنه ملحد، وبالتالي ربطت بشكل تعسفي ما بين قضية معاملات وقضية عقيدة، وهو ما لم يفطن له العلمانيون، ووجدوا أنفسهم محاصرين في زاوية ضيقة تحاكمهم في إعتقادهم من غير جريرة، جعلت الكثيرين منهم وفي خريف عمرهم، تجدهم إما ينتمون إلى هذه التيارات الإسلامية/السلفية أو المتصوفة، في رحلة تطهر وندم على ما فات من ماضيهم العلماني وغيره، وكأن ما كانوا يدافعون عنه من قيم ومواقف فكرية، هي نزوات صبا (!)
لذلك فإن الموقف الصحيح هو ليس في البحث داخل الإسلاميين عن مكامن الإستنارة، وإنما إستنهاض هذه الإستنارة داخل العلمانيين المهزومين في فكرههم وضميرهم الديني. والتأكيد من جديد على أن هناك إختلاف منهجي عميق في تناول المعرفة يجب الإعتراف به هو أن الأديان هي في نهاية المطاف مسألة إعتقاد لا تتطلب بالضرورة البرهنة عليها والسؤال فيها قائم على الإيمان وعدمه بينما السؤال في العلم لا يقف عند حدود الإدراك فحسب، بل يجب البرهنة عليه عقلياً. لذلك عندما وضع المفكر محمد أركون مقولته بأن الحركات الإسلامية وفي سياق رهاناتها الزمنية ودون أن تعي ذلك تقوم بأكبر عملية علمنة في التاريخ، إنما كان يشير إلى نقطة جوهرية، هي المسافة الشاسعة في الحياة اليومية لهذه التيارات بين ما تعتقد فيه، وبين ما تمارسه فعلياً، وما يتولد من ذلك من تناقضات ومواجهات على صعيد الوعي، والوجود. وهو قضية فلسفية قديمة تتمثل في المواجهة ما بين الصورة/المثال، المثالية/المادية، الفكر/الواقع، الممكن الذهني/الممكن الموضوعي ... وإلخ من المصادمات.
لذلك فالمعارضة السودانية التي يعمل جاهداً الأستاذ الصاوي على إعانتها على الخروج من مأزقها، إنما يسلك بها طريقاً محفوفاً بالمخاطر وملئ بالثعابين، وهو وهم في بحثهم عن شعلة الإستنارة داخل الإسلاميين كالمستجير من الرمضاء بالنار. وكان من الأفضل أن يستنهض فيها العقلاينة، ويحررها من ربقة الخضوع لإبتزاز السلفيين لهم في دينهم وضميرهم، ودفعهم لقيادة المواجهة عن "يقين علمي"، كما يحدث في المغرب العربي.
نقطة أخيرة:
حقيقة لقد أثبت التيار الديني/السلفي تقدمه على التيار العلماني في الجانب التكتيكي. فبقراءة سريعة للواقع الماثل نجد أن أقوى تيارين في الساحة ينحدران إلى أصول إسلامية (المؤتمر الوطني في الحكومة و المؤتمر الشعبي/حركة العدل والمساواة في المعارضة). ولم ترصد حتى الآن إختلافات عميقة بين هذه التيارات عدا ما أصبح يصرّح به الترابي مؤخراً، ولهذا لنا فيه قولاً سننتظر إلى أن تتضح الملامح النهائية لهذه السلفية الجديدة.
لذلك ففكرة إستخراج الدواء من الداء بالبحث عن " الاستنارة وسط الاسلاميين واستثمارها لمصلحة المجتمع والسياسه" لا أعتقد أنها موفقة، ولا حتى أن هؤلاء الإسلاميين من الغفلة بحيث أنهم جاهلون بما يفكر فيه الآخر، بل أذكياء بما يكفي، وهذا هو مدخلنا عما سكتنا فيما يقوله الترابي، لأن الذين على السلطة اليوم هم مجرد زبد بحر سيذهب جفاء، وقد قال فيهم عمار بن ياسر قولته قبل أكثر من 14 قرناً من الزمان، يحلمون بأن يصيروا "جبابرة ملوكاً" في حركة التاريخ ليس إلا. أما الآتي فهو ما يجب مناقشته حتى لا نعيد دورة التاريخ في شكل ومظهر جديد



الاخداث
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

هذا هو المستور في قضية طريق الإنقاذ الغربي وصراع الإسلاميين في السلطة

ثورة الأقاليم لن تقود إلى شئ دون تغيير في المركز

الحركة الإسلامية هي التي قررت ترقية البشير إلى رتبة الفريق

ألمانيا - هايدل بيرج: أبو زيد صبي كلو

دعا نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج محمد، إلى إسقاط الحكومة، وقال إن إسقاط نظام الإنقاذ شرط من شروط توبته عن مشاركته السابقة في الحكومة، ورأى أن الثورات التي تندلع في بعض أقاليم دارفور لن تقود إلى شئ إذا لم يحدث تغيير في المركز.
وكشف على الحاج، أسرارا تذاع لأول مرة عن انقلاب الإنقاذ في العام 1989م واختلافات الإسلاميين وقضايا الحكم الاتحادي، كما تحدث عن رؤيته للخروج بالبلاد من الوضع السياسي الراهن.
ودافع بشدة عن الاتهامات التي طالته بخصوص أموال طريق الإنقاذ الغربي، وتحدث ببعض التفصيل عن ما قصده في السابق من عبارته الشهيرة ( خلوها مستورة).
وكان نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج، يرد على سيل من الأسئلة والانتقادات والاتهامات وجهتها له مجموعة من الناشطين والمهتمين بقضايا دارفور، بينهم قيادات حزبية وسياسيون وأكاديميون وصحافيون وقانونيون وحقوقيون وناشطون في تنظيمات المجتمع المدني، وذلك في لقاء عقد الأسبوع الماضي بفندق ريقا بمدينة هايدل بيرج الألمانية.
وبدا علي الحاج حديثه في اللقاء بالشكر والتقدير للأسئلة التي طرحت، وقال إنه يعتقد مثل هذه الأسئلة قد تتكرر ولكن قد لا تتكرر مثل هذه الجلسات، مشيرا إلى أن الفترة التي قضاها في الخارج تجعل من المرء يستقبل ويستدبر من أمره ماذا يمكن أن يفعل، واعتبر أنها عملية مستمرة ومنتظمة لا تقف عند ليلة أو يوم، وقال إن عديداً من الناس يقومون بالاتصال به عندما يجدون أي حديث أو كتابة عن علي الحاج، وليس هم من دارفور، وقال انه عندما كتب مقالتين عن طريق الإنقاذ الغربي وصله حوالي 210 رداً عن طريق الـ Email ، 59% منهم لا صله له بهم من قبل، فضلاً عن الاتصالات الهاتفية، وعندما قام بتعقيب ختامي على المقالتين ترك رقم هاتفه والـ Email لأنه شعر بأن هناك معلومات كثيرة غائبة عن الناس وأن المشكلة ليست في تقديم المعلومات للناس بقدر ما أنه مواجه بمعالجة المشكلة.
# طريق الإنقاذ:
انخرط الدكتور علي الحاج مباشرة بعد هذه المقدمة في الكشف بالتفصيل عن ما قصده في السابق من عبارته الشهيرة (خلوها مستور).وقال إنها عبارة شغلت الناس و جاءت في سياق قضية طريق الإنقاذ الغربي، ودافع عن دوره في إنشاء طريق الإنقاذ الغربي وكيفية التصرف في أمواله، وانتقد بشدة الاتهامات والأحاديث التي دارت حول القضية خاصة المتعلقة به شخصيا، وقال: هناك بعض الحديث أصفه بـ(بالسافل جداً) وأستحي الحديث عنه، بل لن أعطي نفس الصراحة والحرية للحديث عنه لأنه وبكل المعايير البشرية (حديث سافل جداً).
وذكر أنه عندما أطلق عبارة ( خلوها مستورة) كان يعلم أشياء يعرفها العديد من أعضاء الحركة الإسلامية، معتبرا أن قضية طريق الإنقاذ الوطني ليست قضية فساد، مشيرا إلى أنه لم يتستر على أحد.
وقال إنه وقف في مواجهة الرئيس، وقال له لا (NO ) عندما أراد الحصول على أموال طريق الانقاذ الغربي لصالح دعم السكة حديد، وأضاف: (أسألوا اللواء التيجاني آدم الطاهر).
وأردف: عندما بدأنا في تنفيذ كبارى ( الجنينة كجا وتلولو وأزوم وكبري باري) وقعت مشكلة كبيرة جداً بين إدارة الطريق وبين وزير المالية السابق الدكتور عبد الوهاب عثمان، وذلك عند توقيع عقد تنفيذ الكباري، - وكان الهادي بشرى وقتها وزيرا للطرق والتيجاني آدم الطاهر موجودين- وكان الزبير - رحمه الله - رئيساً للجلسة، إذ كان عبد الوهاب يعتقد أنه لا يمكن أبدا إمضاء العقد بواسطتي مع الشركات الأجنبية (الخواجات) وهي الطرف الثاني في العقد لكني قلت له : (أنا رئيس اللجنة الشعبية العليا للطريق وأموال الطريق جُمعت من سكر المواطنين وليست أموال الحكومة لذلك فأنا من مضيت العقد.وذكر الدكتور علي الحاج أن هذه القضية تسببت بعد ذلك في سوء العلاقة بينه وبين وزير المالية السابق عبد الوهاب عثمان إلى حين مغادرته المنصب الحكومي.
وقال إن كل ماقام به في إدارة طريق الانقاذ الغربي لم يك من منطلق انه من أبناء دارفور وإنما هو ضمن الواجبات والمهام التي كان يقوم بها في الحكومة.
وتحدث على الحاج عن أهمية طريق الانقاذ الغربي وفائدته الاقتصادية على السودان ككل، معتبرا أن تلك الفائدة كانت ستكون أكبر من التي سيحصل عليها أهل دارفور. وأضاف أنه أبلغ آهل دارفور حينها أن الطريق سيتيح لها نقل منتجاتهم - ( على ظهر بوكس) - إلى العاصمة الخرطوم، ولكن بالمقابل فإن المستثمرين واصحاب العمل ورجال الأعمال سيجدون فرصاً أرحب وسوقاً رائجاً في دارفور.
وأكد لم يتم اخذ مليم واحد من مال طريق الانقاذ الغربي، وأنه منع ووقف في طريق أي شخص أراد اخذ أي مبلغ من مال الطريق، وقال إن أكثر شخص كان يريد الحصول على أموال الطريق هو الرئيس لصالح مشروعات أخرى، وذكر علي الحاج انه وقف أمام مكتب الرئيس بالقيادة العامة وقلت له في هذا الموضوع( لا) وذهب الرئيس وأعترف للنواب بأنني منعته من اخذ مال الطريق.
وقال انه لا يحتاج لتنظيف سجله من شئ، معتبرا أن التشكيك فيه أو اتهامه بفساد مالي يستدعي السؤال من أين يأتي الاتهام؟
وقدم الدكتور علي الحاج سردا لبداية عمله في طريق الانقاذ الغربي، وقال إن الانقاذ بعد مجيئها قررت أن تمنح أي مواطن سوداني وقية من سلعة السكر، لكن إدارة طريق الانقاذ الغربي رأت أن أهل دارفور وكردفان والجنوب لم يحصلوا على نصيبهم في وقية السكر، وكان كل السكر الذي يمنح لدارفور يصبح من السواقط، ويحصل أهل دارفور على نسبة 35% فقط من نصيبهم من السكر.
وأردف أنه عندما جاءت إدارة الطريق للحصول على حصة السكر كلها لبيعه كل عامين في السوق الحر لأن أسعاره كانت مجزية، بيد أن الرئيس رفض منح كل حصة السكر للطريق.
ودافع على الحاج عن رجل الأعمال المرحوم آدم يعقوب، وقال إنه لم يتدخل في قضية السكر، وإنما إدارة الطريق هي التي أدخلته لأن الحكومة منعت السوق الحر من شراء السكر، ووجه الرئيس بأن يأتوا بنص كمية السكر والحكومة تتكفل بـ 50% من التكلفة، وفعلا تم الحصول على السكر وتم بيعه ودخل عائده في الطريق، ولكن الحكومة الاتحادية ساهمت فقط بحوالي 5% وهي ليست نقدا وإنما عبارة عن إعفاءات جمركية.
وقال إن مشروع طريق الانقاذ الغربي تمت مناقشته قبل البدء في تنفيذه، ونوقشت موضوعات مسار الطريق وطوله ودوره لمدة سنتين مع المهندسين والمرحومين الحاج آدم يعقوب وأبو حمد حسب الله وآدم يوسف، وأن انطلاقة العمل لم يك خبط عشواء ، وإنما تم ذلك وفق تخطيط علمي.
وأشار الدكتور علي الحاج الى انه لم يعترض على وجود طريقين يسيران في آن واحد بشرق النيل وغربه على الرغم من أن عدد السكان في الشمالية ونهر النيل لا يتعدون المليون ونصف، لكننا لم نعترض على خدمتهم ولكننا كنا نقول في ذات الوقت هنالك أكثر من 21 مليون منتج لا نخدمهم، وهذه هي الحجة التي تحدثت مع الرئيس حولها وأعضاء الحركة الإسلامية ، ليس لأنني من دارفور ولكن اعتقد أن السودان نفسه ليس فيه توازن وهذا ما قلته عندما تحدثت عن عدم التوازن، ليس في دارفور فقط وإنما في مناطق أخرى، ففي جبال الانقسنا والروصيرص الكهرباء لم تك متوفرة في حين كانت أسلاك الكهرباء تمر من فوق رؤوس أهلها، وتحدثت في هذه القضية حتى تم توصيل الكهرباء للروصيرص.
واتهم الدكتور علي الحاج متنفذين في السلطة لم يسمهم بأنهم رفضوا إنشاء الطريق بحجة بأنه سيأتي بأهل دارفور إلى المركز، وقال عندما كنت وزيرا بديوان الحكم الاتحادي أبلغوني أن طريق الانقاذ الغربي سيأتي بكل أهل دارفور وغرب أفريقيا وهؤلاء إذا وصلوا الخرطوم فلن يعودوا أبدا.وأضاف: ( عندما استمع إلى مثل هذه الأحاديث يصيبني الغثيان وأعتقد أنها لا تستحق الحديث). وقال إنه في ذلك الوقت لم يك يتباكي على مثل هذه الاعتراضات وإذا ما واجهته مشكلة يرجع بها إلى الحركة الإسلامية لمعالجتها داخل التنظيم.
وفي هذا الجانب، قال نائب الأمين لحزب المؤتمر الشعبي ووزير الحكم الاتحادي الأسبق أن أهل دارفور أخذوا عليه أشياء عديدة إبان توليه مهام حكومية، وقال إن البعض منهم واجهوه بأن نائب رئيس الجمهورية السابق الزبير محمد صالح يذهب كل أسبوع إلى أهله في الشمالية ويقدم لهم المساعدات، وأضاف( كنت أقول لهم أنا ما عندي حاجة أمنحكم لها وليس لي صلاحية) صحيح أنني قمت بأشياء كثيرة في المركز ولكنها في المستقبل لصالح أهل دارفور وغيرهم سواء كان ذلك خلال عملي في الحكم الاتحادي أو تقرير المصير أو طريق الانقاذ الغربي.
وأشار الدكتور علي الحاج إلى انه كان يحاول عندما يتعاطى مع المشكلات حسب الوضع الموجود لكل مشكلة ووفق هذا يجد عذرا لكل شخص اخذ علي مأخذا بأنه لم يعمل شيئا لدارفور، وأردف: اعتقد أن حديثهم إلى حد كبير كان صحيحا.
# كنت واحدا من منظري الإنقاذ:
وفي سياق رده على الأسئلة التي طرحته عليه في اللقاء، كشف الدكتور علي الحاج، أنه كان ضمن مجموعة من الأشخاص الذين فوضتهم الحركة الإسلامية لوضع برنامج حكومة الانقاذ بعد انقلاب 1989م، وقال: عندما جاءت الإنقاذ كنت من ضمن السبعة الذين فوضهم مجلس الشورى الذي تكون من 60 شخصاً، وافق 45 منهم على الانقلاب ورفض ستة منهم نحن ستة والسابع هو الأمين العام للحركة وكنا المسئولين عن وضع برنامج الإنقاذ وغيرها.وقال إنه قام بأداء القسم على هذا الأساس ووفق هذا المفهوم، معتبرا أنه عندما يتحدث عن الإنقاذ ليس كفرد أو مضاف، لذلك واجهت مشكلة مع بعض الذين كانوا يقولون لي انه ليس من حقي قول كذا أو فعل كذا. وقال إن ذات المشكلة تواجه الحكومة الآن.
وذكر الدكتور علي الحاج أنه أصبح عضوا في الحركة الإسلامية منذ عام 1953م عندما كان طالبا في المرحلة الوسطى ودون أن يقوم بتجنيده أي احد، ووفق ذلك يعتقد الدكتور علي الحاج أنه لم يتقاعس أبدا يوما عن القيام بواجبه في الحركة الإسلامية ولكنه استمر عضوا في الحركة طوعاً وكرهاً في السراء والضراء.
ودافع عن أدائه في الحركة الإسلامية وحكومة الانقاذ، وقال انه لم يتسبب في أذية أي شخص، ولم يأخذ شيئا، لكنه أكد انه لا يعتبر نفسه شخصا ذليلا بهذا القول على الرغم من أنه أقر بأنه رجل مطيع وليس عاصياً، وأضاف إذا اخطأ الرئيس في شئ أقول له هذا خطأ ولي مواقف مع الرئيس، مشيرا إلى انه لم يك يتحدث إلى المسئولين الأدنى بل يذهب بموقفه ورؤيته إلى الرئيس مباشرة.
وقال إنه كان عندما يذهب للرئيس برأي أو حديث حول قضية ما فإذا لم يستجب الرئيس فإنه كان يذهب به إلى الحركة الإسلامية، وضرب مثلاً بالقرار الذي اتخذه الرئيس بتغيير عاصمة ولاية سنار من سنجة الى سنار، وقال إنه رأى أن القرار ليس دستورياً حسب مواثيق وقانون ديوان الحكم الاتحادي وان مهمته مع الرئيس ليس أن يكون مبررا لقرارات الرئيس، ولذلك - يقول الدكتور علي الحاج- قمت بجمع أعضاء المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية بمشاركة الرئيس، وقرر المكتب إلغاء قرار الرئيس، وأضاف: اشعر أنني قد قمت بواجبي بحكم الوضع الذي كنت فيه، صحيح أنني كنت مجتهداً ولا أبرئ نفسي فقد أخطئ وقد أصيب في أشياء كثيرة.
وعاد الدكتور علي الحاج مجددا الى الحديث عن اكبر المشكلات التي واجهته خلال وجوده في السلطة، وقال إن البعض في الحكومة كانوا يرغبون في حصر دوره بدارفور وأن يكون الدكتور علي الحاج ممثلا لدارفور في الحكومة، وقال انه ظل دائما ضد هذا التوجه وأنه ظل يؤكد على أنه ابن دارفور ومع قضايا أهلها ولكنه لا يدعي انه يمثل دارفور، مشيرا الى أن هذه الأزمة لا تزال مستمرة مع الحكومة، حيث تتهمه الحكومة بالتنسيق مع نشطاء من أهل دارفور من بينهم محمد إبراهيم دريج فيما يتعلق بقضية دارفور الآن.وقال إن الحكومة تروج بأني ودريج متآمران وعملاء، رغم أنها المرة الأولى التقي فيها دريج بألمانيا.
بيد أن الدكتور علي الحاج رأى أن الحكومة بمحاولة حصره في قضية دارفور، تريد تحجيم دوره ونشاطه السياسي مثلما يقولون لأهل دارفور الآن أن حدودهم تنحصر فقط في حدود 1956م على حد قوله.
# شروط التوبة:
أعلن الدكتور علي الحاج خلال رده على الأسئلة التي طرحتها مجموعة من الناشطين الدارفوريين في اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي بفندق ريقا بمدينة هايدل بيرج الألمانية، توبته عن مشاركته في نظام الانقاذ، وقال إن من شروط توبته عدم العودة للمشاركة والعمل على إسقاط الحكومة.
وقال الدكتور على الحاج انه عندما يتحدث عن الحكومة لا يتحدث بوصفه مستجديا، بل يتحدث كجزء أصيل من الحركة التي جاءت بالإنقاذ، مشيرا الى دوره في مجموعة السبعة التي فوضها مجلس شورى الحركة الإسلامية لوضع برنامج الانقاذ، وقال: ( نحن الذين جئنا بالبشير رئيساً للحكومة وهو كان برتبة عميد، وقمنا بترقيته إلى درجة الفريق ولم تقم بذلك القوات المسلحة).
وذكر أنه بات يملك قناعة تامة الآن بضرورة سقوط هذا النظام، وأضاف: (لأنني ساهمت فيه ومن شروط التوبة الإقلاع عن الذنب وعدم العودة إليه مرة أخرى) وأردف اعتبروني تائباً.
# صراع المناصب:
ومن المساءل التي أثارها المشاركون في لقاء ألمانيا مع الدكتور علي الحاج، قضية ترشحه لمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية بعد رحيل الزبير محمد صالح، حيث قال الدكتور علي الحاج إنه واحدة من القضايا التي تسببت في تثير الحكومة ضده وهي واحدة من الأسباب التي عصفت بوحدة الحركة الإسلامية وأدت الى الانشقاق.
وذكر أنه لم يتقدم أبدا بترشيح للمنصب، إنما الحركة الإسلامية هي التي رشحت ثلاثة هم الدكتور الترابي والدكتور علي الحاج والأستاذ علي عثمان، مشيرا الى أنه نال أعلى الأصوات وبعده الدكتور الترابي ثم علي عثمان وتم تقديم قائمة الأسماء للرئيس الذي اختار علي عثمان.
وقال الدكتور علي الحاج إنه بعد هذه الخطوة تلقى إشارات مباشرة من الأستاذ علي عثمان بأنه يعتقد حصول ( كذا وكذا في هذا الموضوع وأن الترابي تخلى عنه)، وأردف بل قام علي عثمان بإرسال شخص لي، وقال: إنهم نزعوا منه منصب نائب الأمين العام وتم منحه لعلي الحاج).
وامسك الدكتور على الحاج في الخوض في موضوعات أخرى على صلة بقضية النزاع حول منصب النائب الأول السابق، وقال هناك مشاكل كثيرة حصلت وفي هذه المسائل لم أجد نفسي في وضع يسمح أن اتحدث عنها لان في نهاية المطاف بالنسبة لي هي أن الحركة الإسلامية رشحتني من ضمن الثلاثة وهذا (enough) (كفى)، وان الرئيس لم يختارني هذا OK (حسناً) لأنه قراره، واعتبره كان قرارا منصفا، فانا لست ذليلاً،فعندما كان الرئيس يتخذ قراراً غير صحيح أقول له No.
ويواصل الدكتور علي الحاج في كشفه عن المخبوء من تلك السنوات، قائلا:إن الحكومة عرضت عليه منصب وزير الخارجية عندما كان وزيرا لديوان الحكم الاتحادي وأن البعض في الحكومة كان غير راضي بالخطوات التي اتخذها في مجال الحكم الاتحادي، وابلغوه أنهم يعتقدون إنها وزارة ( عرجاء)، لكن الدكتور علي الحاج قال انه رفض المنصب وأبلغ الدكتور الترابي والرئيس البشير أنه سيذهب من الحكم الاتحادي إلى البيت رأسا، وانه لن يذهب لأي وزارة أخرى ومن الأفضل إقالتي بدلا من إبعادي للخارجية.
# تقرير المصير:
وتحدث الدكتور علي الحاج عن سياسته حول الجنوب إبان توليه مسؤولية ديوان الحكم الاتحادي، وقال إن قرار منح حق تقرير المصير للجنوب لم يكن قراره وإنما قرار الحركة الإسلامية، مشيرا إلى أن كافة القرارات التي اتخذها كانت تقرر وتعتمد ويؤمن عليها من داخل تنظيم الحركة الإسلامية، معتبرا أن الذين في السلطة الآن لم يكونوا راضين عن هذه القرارات سواء حول تقرير المصير أو قضية طريق الإنقاذ الغربي، وإنهم يريدون فقط من الحركة الإسلامية الإيمان والعمل بما قرروه هم وحدهم.
# الأوضاع الراهنة:
وحول رؤيته للأوضاع السياسية الراهنة في السودان، رأى الدكتور علي الحاج أن الأزمة ليست في دارفور أو الجنوب، وإنما المركز، معبرا أنه في حال لم يحدث تغيير في المركز فإنه لا يمكن للولايات أن تفعل شيئا بثورتها بعيدا عن المركز

الصحافة
3/2/2008


البنية التحتية للفساد

د. التجاني عبد القادر

(1)

عندما أُجريت أول انتخابات برلمانية في السودان بعد استقلاله عن بريطانيا في عام 1956، جرى حديث عن "فساد" سياسي في إحدى الدوائر النائية التى تقع في إقليم دارفور، إذ ذكر أن مرشح الدائرة قام باستضافة المواطنين في منزله في محاولة لنيل أصواتهم. شكلت محكمة للنظر في الموضوع ووجهت بأن تعقد جلساتها في موقع الحدث حتى يرى الناس العدالة تسعى بينهم. فلما وصل أعضاء المحكمة ومحاميا الإتهام والدفاع الى موقع "الجريمة" فوجئوا بأنه لا يوجد مقر مناسب لايوائهم، كما لم يكن يوجد بالطبع فندق أو منزل للإيجار في ذلك الزمان، فعرض عليهم ممثل الدائرة "المتهم" أن يستضيفهم في منزله، فقبلوا العرض، وما كان أمامهم إلا أن يقبلوا، ثم فوجئوا للمرة الثانية بأن أعداداً من المواطنين أتوا الى صناديق الإقتراع من قرى بعيدة، فلم يجدوا مأوى غير منزل مرشح الدائرة "المتهم" (مثلهم في ذلك مثل أعضاء المحكمة الموقرة ومحاميي الدفاع والإتهام) ، فقدم لهم الظل والطعام والشراب "بالمجان" ثم توجهوا بعد ذلك الى صناديق الإقتراع ليمارسوا حقهم "الديموقراطي" في حدود السرية والحرية اللتين ينص عليهما القانون. تداولت المحكمة قليلاً في شكوى الفساد ثم أصدرت قراراً ـ بعد أن تناول أعضاؤها إفطاراً راقياًـ ببراءة المتهم ونزاهة الإنتخابات، ولعله قد ذكر في حيثيات الحكم أن استضافة الناخبين فى مثل ذلك الموقع لا تعتبر رشوة أو فساداً سياسياً.

وإذا تسرعنا في إصدار الأحكام لضحكنا من سذاجة المواطنين، ولعجبنا من فساد المرشح وهيئة المحكمة، ولكن إذا صبرنا على هذه التفاصيل (والتى توجد بقية منها لدى الأستاذ أحمد سليمان المحامي) وتأملنا جوهر الحكاية فسيتضح أن هناك لعبة عملية ثلاثية الأركان، يشارك فيها زعيم رئيسي، وقطاع شعبي، وبعض سماسرة التجار. فالزعيم هو الذى يطعم، في ظاهر الأمر، ويأوي ويقضي الحاجات، ولكنه، في حقيقة الأمر، لا يسدد فاتورة الطعام والإقامة، وإنما يقوم بذلك التجار المصطفون خلفه، المصطادون به، أما القطاع الشعبي فلا يرى في الزعيم إلا أنه خازن "تكية" ينفق منها بالليل والنهار، وما على الناس إلا أن يتعرضوا لنفحاته، وإذا طلب من أحدهم في مقابل ذلك أن يتوارى خلف ستارة، ويرمي بقصاصة من الورق على صندوق من الخشب فإنه سيفعل بكل سرور، إذ أنه لن يخسر شيئا ولا يعتبر أنه قد قام بعمل يخل بالشرف أو المروءة، ولا يهمه من قريب او بعيد حقيقة أن هناك "ستارة" أخرى خلف الزعيم يتوارى بها "السماسرة" الذين دفعوا "مقدماً" فواتير الطعام والمواصلات و الحملة الدعائية وينتظرون نصيبهم عند وزارة التجارة أو الطاقة أو الخارجية أو حتى عند المجالس البلدية.

نستطيع أن نقول إذن أن الفساد الذى يظهر في النظام الإنتخابي أو القضائي له بذور دفينة في التربة الثقافية، وقد يعمل النظامان السياسي والقضائي على إماتة تلك البذور كما قد يعملان على إحيائها. والثقافة السائدة في تلك العينة من المواطنين هي أن "الزعيم الحقيقي" هو الذي يطعم الناس ويؤويهم ويقوم في حاجاتهم الخاصة والعامة، والزعامة لا تنشأ ولا تستمر إلا بالبذل الجزيل والكرم الفياض، وهي الثقافة نفسها التى تعود جذورها الى عهد معاوية الأموي وهرون الرشيد العباسي و سيف الدولة الحمداني، وقد عبر أبو الطيب المتنبي عنها أوضح تعبير حينما قال يمدح سيف الدولة:

( فيوماً بخيل تطرد الروم عنهمو.......ويوما بجود تطرد الجوع والفقرا)، وذلك وصف دقيق وصادق ليس فقط لشجاعة سيف الدولة وكرمه، وإنما هو وصف دقيق كذلك للنفسية الشعبية المقهورة والمهمشة والتي تتشوق الى القادة "العظام"، والعظمة هنا لا تقاس بالإستقامة أو العدل أو الإجتهاد في المصالح العليا للأمة، وإنما تقاس بالثراء العريض والبذل الذي لا ينقطع. ولقد كنت من قبل أظن أن هذا من عيون القصائد المادحة، ولكني اليوم حينما أعيد قراءة هذه القصيدة أتساءل ما إذا كانت صورة المهانة والإذلال التي رسمها أبوالطيب بطريقة غير مباشرة عن "شعب" سيف الدولة هي من قبيل المبالغة الشعرية أم هي تصوير صادق لنفسية شعبية منهارة، وواقع مجتمعي بلغ آخر مرحلة في الإنحطاط الحضاري؟

وكيفما كان الأمر، فإنه سيترتب على مثل هذا الوضع أن يشرع الزعيم، أي زعيم، في البحث عن موارد مالية خاصة تمكنه من "مواكبة" تلك الثقافة، فينفق جهراً ما يملك وما لا يملك، وبدون هذه الموارد "الخاصة" لا يستطيع أحد في مثل ذلك المناخ الثقافي أن يحافظ على زعامته السياسية (أو حتى الدينية ). وبسبب تلك الثقافة تجد كثيراً من الزعماء السياسيين يحرصون على توفير موارد مالية خاصة تكون تحت تصرفهم المباشر خارج القنوات المالية المعلومة للكافة، ولن يكون ذلك ميسوراً إلا باثنتين: أن يتحول الزعيم الى رأسمالي يعمل بصورة مباشرة في حقول التجارة والصناعة والإستثمار، أو أن يبرم شراكة "ذكية" غير معلنة مع بعض عناصر الرأسمالية من خلال عدد من "الموالين الأذكياء" الذين يوظفون علاقاتهم السحرية بالزعيم فتنهال عليهم العقود والصفقات، والعمولات، دون أن يعلم الزعيم "بالتفاصيل" (علما بأن كل العفاريت تقبع تحت التفاصيل). وأشهر من سار على الطريقة الأولى في تاريخ السياسة السودانية المعاصرة هو السيد عبد الرحمن المهدي، والذي استطاع أن يكون قائداً محبوباً ليس فقط بسبب قامته الفارعة وحديثه العذب ولكن بسبب أنه تحول (بعون وتشجيع من الإدارة البريطانية) الى رأسمالي موسر، يبني "السراية الشامخة" في وسط الأكواخ، ثم يبسط الموائد الطويلة، ويرفد بالهبات السخية، استمداداً من مشاريعه الزراعية وعقاراته وشركاته، وقد صار ذلك كما هو معلوم ميراثاً اقتصادياً ورصيداً سياسياً يعتمد عليه آل المهدي الى يوم الناس هذا (وقد قال فيه المحجوب، إن لم تخني الذاكرة، شعراً يشبه ما كان أبو الطيب يقول في سيف الدولة)

(2)

أما من كان يضارع السيد عبد الرحمن في الجهة الأخرى فهو السيد علي الميرغني، فقد كان هو الآخر رأسمالياً كبيراً، له سراياه وحدائقه، وله مزارعه وعقاراته التى لا تقل عن مزارع وعقارات المهدي، وكان يقوم على استثمار تلك الأموال عدد من الخلفاء والمريدين، فصار في مقدور هذين السيدين، المهدي والميرغني، أن يرفعا الى مواقع الوزارة من يريدان، بل أن الحكومة كلها كانت في بعض الأحيان تنسب إليهما، كأنها جزء من ممتلكاتهما، فيقال "حكومة السيدين" ولا يقال حكومة السودان. وهكذا، وبمرور الزمن تأسست وتوطدت علاقة "بنيوية" بين الثقافة الشعبية والزعامة السياسية والسوق. وهي علاقة غير عادلة يضطر فيها قطاع مقهور من قطاعات الشعب أن يتنازل ـ تحت وطأة الجوع والجهل- من مقام المواطنة الحرة المسئولة ليلتصق عضوياً بزعيم كبير، يتردد على "راكوبته" أو سراياه أو صالونه حتى يتقي الجوع والفقر، ويضطر فيها الزعيم الكبير من ناحية أخرى أن يخفض من سقف نقائه الأخلاقي ليحافظ على علاقته النفعية مع بعض الفئات الرأسمالية، يوفر لها غطاءً سياسياً مناسباً تتخطى به قوانين المنافسة التجارية الحرة، فتوفر في المقابل أرباحاً هائلة يكون للزعيم نصيب معلوم منها، فيرمي شيئاً من الفتات الى جمهوره البائس الفقير، وينفق ما تبقى على زوجاته وأصهاره وخيوله، فيقوى بذلك الحبل "السرى الفاسد" الذى يربط الزعيم بالشعب من ناحية، ويربط الزعيم بالمافيا، من ناحية أخرى، حيث يوفر الزعيم الغطاء "القانوني والأخلاقي" اللازم، وتوفر المافيا الموارد اللازمة لشراء الأصوات (إذا كان الزمان زمان ديموقراطية)، أو لشراء السلاح والعتاد (إذا كان الزمان زمان هرج ومرج ونضال عسكري).

وليس السودان بدعا في هذا، فالسياسة في بعض الديموقراطيات الكبرى ترتكز هى الأخرى على مثل ما ذكرنا من أنماط الفساد الناعم الذى لا يعاقب عليه القانون. خذ مثلا حالة كلنتون، الرئيس الأمريكى السابق، حينما أحاطت به الفضيحة الأخلاقية في عام 1998، وأدرك أنه يحتاج لمبالغ أضافية للصرف على الموقف الإعلامى والسياسى الملتهب، فاتصل سماسرتة بالفنانة دينس ريك(Denise Rich) وطلبوا منها أن تنظم سهرة خاصة لدعم الحزب/الزعيم، فأقيمت سهرة نجومية حاشدة حضرها الرئيس ونائبه وزوجتاهما، فبلغ دخل السهرة ثلاثة مليون دولار، ذهبت لدعم الزعيم/الحزب. الى هنا فالأمر يبدو عادياً لمن لا يعلمون، اذ ما الغضاضة أن يرفه الرئيس عن نفسه وعن زوجته وأصدقائه المقربين، ولكن الغضاضة كانت بادية لمن كانوا يعلمون أن الفنانة دينس ليست مجرد فنانة وإنما هى زوجة مارك ريك، أحد رجال الأعمال المتنفذين، والذى هرب من الولايات المتحدة وتخلى عن الجنسية الأمريكية منذ عام 1983 وذلك بسبب تجاوزات ضرائبية بلغت 48مليون دولار تتعلق باتجاره في النفط الإيراني برغم قانون الحظر الأمريكي،(وعليك أن تراقب باستمرار قافلة النفط إن كنت تهتم بظاهرة الفساد المعاصر) وهذا أيضا أمر عادي يحدث في دنيا السياسة والمال، فليس من المستبعد أن يكسر أصحاب الأموال رقبة كل قانون يتعارض مع مصالحهم، ولكن غير العادي هو أن يصدر الرئيس كلينتون قبل يوم واحد من مغادرته البيت الأبيض عفواً رئاسياً يشمل "مارك ريك"، فيؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الملايين التى جمعتها الفنانة دينس لم تكن "تبرعاً" للحزب/الزعيم بقدر ما كانت "ثمناً" للعفو الرئاسي، وهذا بالطبع هو نمط "الفساد البنيوي" الذى تتضافر فيه مؤسسات الثقافة والمال والقانون تضافراً يزعج الحادبين على النظام الديموقراطي في أمريكا، إذ ينفصل النفوذ السياسي/الدستوري بصورة كبيرة عن النظام الأخلاقي، ويتحول "الموقع السياسي" في بعض الأحيان الى سلعة، ويتحول "السماسرة" الى نجوم تنشر أخبارهم وصورهم على شاشات التلفزيون(على عينك يا تاجر).

وخذ مثلاً ثانيا: حالة الرئيس الفلبيني الأسبق جوزيف استرادا، الذى كان شعاره حينما صعد الى الرئاسة: "استرادا من أجل الفقراء" ولكنه أخذ يتوغل في الفساد ويستلذ به حتى خلع خلعاً عن الرئاسة على إثر ثورة شعبية عارمة. جاء في حيثيات فساده أنه كان يشرف على عملية نهب كبرى يقوم فيها عملاؤه بالحصول على عائدات ألعاب المغامرة غير القانونية وإيداعها في حساباته الخاصة، وفى حسابات أفراد من أسرته، وفى حسابات أعضاء من العصابة الحاكمة معه، وكان الرئيس استرادا يعتمد على لويس سينغسون (Singson) أحد حكام الأقاليم الموالين له، ولكن حينما حاول الرئيس أن ينقص أو يوقف العمولة التى كان يتقاضاها سينغسون، قام الأخير بتهديد الرئيس فما كان من الرئيس إلا أن يدبر حادثة اغتيال له(كما يحدث كثيرا في مثل هذه الحالات) ولكن سينغسون نجا من المحاولة الفاشلة، ثم أختفى من فوره ليتصل من مقره السري بأجهزة الإعلام ليكشف للجمهور حلقات الفساد الرئاسي، فانتفضت الجماهير المطحونة بالفقر وأطاحت بالرئيس استرادا. لقد ارتكب استرادا خطأً كبيراً حينما ظن أنه يستطيع أن يرشو الجماهير بشىء من مال الرشوة الذى توفره له عصابات المافيا، ثم يهدد المافيا بالنفوذ الشعبي والقانوني الذي توفره له الجماهير، ففقد الجماهير، وفقد المافيا وفقد مقعد الرئاسة. ولا غالب إلا الله.

أما نحن في السودان، إن كان لابد من عودة لما انقطع من الحديث، فقد أطل علينا عهد جديد بعد عهد السيدين، صودرت "سرايتاهما"، وحولت بعض منازلهما الفخمة الى مرافق عامة بدعوى الصالح العام، وقسمت المديريات السابقة الى ولايات صغيرة كثيرة، ووضع على رأس كل واحدة والٍ(بدعوى تقصير الظل الإدارى، وهى عبارة جميلة ولكن لا أحد يعرف لها معنى)، وصار بعض إخواننا "الغبش" الذين كانوا يأكلون مثلنا الفول والعدس، ويساكنوننا في أم ضريوة والدروشاب، ويبتاعون مثلنا قمصانهم وأحذيتهم من سعد قشرة وسوق ليبيا، صار هؤلاء المستضعفون في الأرض ولاة ووزراء، فاستبشرنا خيراً أول الأمر، وصرنا نفاخر بهم الأمم، وكنا إذا تحدث فيهم متحدث نكاد نقطع لسانه، مراهنين على معدنهم الأخلاقي، ونقائهم الثوري. كنا نحدث أنفسنا بأنا قد عثرنا على الصخرة التى ستسد بوابة الفساد، وتقطع الطريق على السماسرة والمافيات، وتنعطف نحو الفقراء والمحرومين، وتنقطع لبناء الوطن الممزق والأمة المكلومة، ولكن ذلك كان وهما كبيراً، إذ صار نفر ممن ولي أو استوزر لا ينظر إلا الى عطفيه، ولا يبني إلا "سراياته" الطويلة، ولا ينفق إلا على حاشيته، ولا يقرب إلا عشيرته الأقربين. ثم قسمت الدولة الى "مناطق نفوذ"، فصار كل وزير أو وال يتخندق في منطقة نفوذه، تزول الجبال الراسيات ولا يزول، وتنهار البنايات، وتنشب الحروب وينهار السلام، ويضج الناس، و"سعادتة" باق لا يتزحزح، يدور حوله السماسرة والمقاولون، وممثلو الشركات، بل إن بعضهم قد أنشأ له شركات خاصة، فيتفاوض باسم السودان في بداية الإجتماع، ثم يتوارى فى الجانب الآخر من المكتب ليتفاوض باسم شركاته(على عينك يا تاجر).إن هذا لأمر عجاب.

الفارق الوحيد بين هذا اللون من الفساد والألوان السابقة أن بعض السابقين كانوا يسترون فسادهم بشىء من الكرم، يطعمون الجياع ويكسون العراة، وكان بعضهم ينفق على الحركة الوطنية الناشئة، وعلى الصحافة وعلى الطلاب المعسرين، ويعول الأرامل ويرعى اليتامى، أما في عهد "تقصير الظل الإداري" هذا فصرنا نرى فساداً لا يستره ظل من الكرم، نرى العمارات الشاهقة تجلب لها الزينات والفرش من بلاد بعيدة، ولكن لم نرها يوما تستضيف مسكيناً أو يتيما.

والسياسة ضربان، كما يقول الراغب الأصفهاني، "إحداهما سياسة الإنسان نفسه وبدنه وما يختص به، والثاني سياسة غيره من ذويه وأهل بلده، ولا يصلح لسياسة غيره من لا يصلح لسياسة نفسه". وهذا فارق جوهري بين نظام إسلامى كنا نرجوه، ونهدف نحورنا للهلاك دونه، ونظام جديد صرنا نراه، فإذا لم يدرك هذا إخواننا وأصدقاؤنا من الغبش القدامى، فلنرفع "الفاتحة" عليهم، وعلى السنوات الطويلة التى أضاعوها من عمر أمتنا المنكوبة، ولنواصل المسيرة الشاقة ولكن ليس في اتجاه "الربذة"- كما يتمنون.


العدد رقم: 795 2008-01-29

حديث المدينة
عدو عاقل..!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2008-01-28

[email protected]



عطفاً على ما كتبته هنا قبل يومين (الجمعة).. أهديكم صورة أخرى للطريقة التي يوزن بها (الرأي الآخر) في أدب الحركة الإسلامية.. الأستاذ الطيب مصطفى في صحيفة (الإنتباهة) أمس كتب: (ألم يكتب أحد المارينز السودانيين من دعاة ثقافة الإستسلام قبل نحو شهرين معاتباً ومتهكماً من حماس منكراً أن تجاهد ضد من تجلس في حضنه, ويزودها بالكهرباء والوقود. إنها ظاهرة عبد الله بن أبي التي نراها في فلسطين والعراق وأفغانستان تتكرر بأشكال مختلفة..).
وليس صعباً أن يدرك القارئ أنه يقصد بهذه الكلمات.. كاتب هذا العمود (حديث المدينة).. وليس المشكلة هنا في اعتراضه على ما ورد في العمود بل في منكرين يرتادهما بأوثق ظن.. الأول استخدامه لتعبير (أحد المارينيز السودانيين..) وهو تعبير سهل رائج الاستخدام بألفاظ متحركة تبدأ من كلمة (طابور) ولا تنتهي في كلمة (عميل) وسر رواج استخدامها أنها لا يشترط فيها برهان ولا دليل.. ولا يقف مستخدموها أمام منصة قاضٍ ليثبت صدق قوله..
لكن كل ذلك (كوم.. وكوم آخر) اعوجاج الفهم في الواضح السهل.. كتبت هنا قبل فترة.. وقلت إن حركة حماس تخلت عن دورها (الحركي) عندما اختارت أن تصبح حكومة.. فصار أهم انجازاتها تقسيم ما تبقى من فلسطين الى.. غزة والضفة.. وانتصرت في الحرب.. حربها ضد منظمة فتح.. ورأيت بنفسي مجاهدي حماس يسجدون لله (سجدة الشكر!!) فوق جثث اخوانهم من حركة فتح بعد أن دكوا آخر معاقلهم في غزة.. وبعد أن ألقوا ببعض شباب فتح من الطابق العاشر في بناية بغزة..
وقلت ألم يكن الأجدى أن تظل حماس حركة بدلاً من حكومة.. طالما أن هذا هو حصاد الحكومة.. وقد ارتاحت إسرائيل وتركت المعركة لغيرها منذ تسلمت حماس الحكم.. وانشغل الفلسطينيون من الجانبين بحرب شوارع مريرة لم تنجح جلسات الصلح في مكة نفسها أن تكف أيديهم عن دمائهم..
ثم تساءلت كيف تحارب حماس إسرائيل.. وهي تتلقى كامل مرتبات موظفيها من الاتحاد الأوروبي.. وتتحرك سيارة السيد اسماعيل هنية نفسه بوقود تمده به إسرائيل.. ونصف الكهرباء من إسرائيل.. كيف تصفع من تجلس في حِجره؟؟ أليس من الأصوب أن يكون أول ما تقوم به حماس أن تتخلص من هذه التبعية.. أن تبدأ حربها بتحرير وطنها من التبعية لإسرائيل وعطائها.. قبل تحريرغزة من حركة فتح..
هناك بترول وغاز طبيعي في غزة لماذا لا تركز حماس على استخراجه؟؟ لماذا لا تقرأ حماس الآية الكريمة (وأعدو لهم...).. ولماذا لا يبني الفلسطنيون وطناً لا يطلب مرتبات موظفيه من أوروبا.. فهناك دول أصغر من فلسطين وتقدم الغذاء للعالم أجمع.. مثل هولندا..
الحرب في عالم اليوم ليست مجرّد (رجالة..) وحناجر هتّافة.. هي تخطيط وذكاء واستراتيجيات.. في يدك اليوم أرض ووطن.. موطء قدم.. منه أبدأ.. اصنع وطناً بإنسان قوي.. حرر الإنسان من شح نفسه.. واصنع وطناً لا يهزم إسرائيل فحسب.. بل كل العالم الأول..
أليس هذا ما فعله رجل يتيم من مكة بلا حيلة ولا قوة.. أسس دولة (الإنسان أولا) على أرفع حقوق الإنسان ولو كان من غير الملة.. فالتهمت دولته بعدها ليس يهود بني قريظة.. بل كل العالم المتحضر من أقصى الفرس الى أدنى الروم..
كما قلت لكم يوم الجمعة.. الطيب مصطفى ورهطه يعانون من مشكلة في (نظام التشغيل!) Operating system لا يجدي معها أي Debugging للبرنامج التطبيقي.. لا بد من إصلاح منهج التفكير أولاً..



السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

تناقضات على الحاج

الدكتور علي الحاج: من شروط توبتي اسقاط الحكومة !!

هذا هو المستور في قضية طريق الإنقاذ الغربي وصراع الإسلاميين في السلطة

ثورة الأقاليم لن تقود إلى شئ دون تغيير في المركز

الحركة الإسلامية هي التي قررت ترقية البشير إلى رتبة الفريق

ألمانيا - هايدل بيرج: أبو زيد صبي كلو

دعا نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج محمد، إلى إسقاط الحكومة، وقال إن إسقاط نظام الإنقاذ شرط من شروط توبته عن مشاركته السابقة في الحكومة، ورأى أن الثورات التي تندلع في بعض أقاليم دارفور لن تقود إلى شئ إذا لم يحدث تغيير في المركز.
وكشف على الحاج، أسرارا تذاع لأول مرة عن انقلاب الإنقاذ في العام 1989م واختلافات الإسلاميين وقضايا الحكم الاتحادي، كما تحدث عن رؤيته للخروج بالبلاد من الوضع السياسي الراهن.
ودافع بشدة عن الاتهامات التي طالته بخصوص أموال طريق الإنقاذ الغربي، وتحدث ببعض التفصيل عن ما قصده في السابق من عبارته الشهيرة ( خلوها مستورة).
وكان نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج، يرد على سيل من الأسئلة والانتقادات والاتهامات وجهتها له مجموعة من الناشطين والمهتمين بقضايا دارفور، بينهم قيادات حزبية وسياسيون وأكاديميون وصحافيون وقانونيون وحقوقيون وناشطون في تنظيمات المجتمع المدني، وذلك في لقاء عقد الأسبوع الماضي بفندق ريقا بمدينة هايدل بيرج الألمانية.
وبدا علي الحاج حديثه في اللقاء بالشكر والتقدير للأسئلة التي طرحت، وقال إنه يعتقد مثل هذه الأسئلة قد تتكرر ولكن قد لا تتكرر مثل هذه الجلسات، مشيرا إلى أن الفترة التي قضاها في الخارج تجعل من المرء يستقبل ويستدبر من أمره ماذا يمكن أن يفعل، واعتبر أنها عملية مستمرة ومنتظمة لا تقف عند ليلة أو يوم، وقال إن عديداً من الناس يقومون بالاتصال به عندما يجدون أي حديث أو كتابة عن علي الحاج، وليس هم من دارفور، وقال انه عندما كتب مقالتين عن طريق الإنقاذ الغربي وصله حوالي 210 رداً عن طريق الـ Email ، 59% منهم لا صله له بهم من قبل، فضلاً عن الاتصالات الهاتفية، وعندما قام بتعقيب ختامي على المقالتين ترك رقم هاتفه والـ Email لأنه شعر بأن هناك معلومات كثيرة غائبة عن الناس وأن المشكلة ليست في تقديم المعلومات للناس بقدر ما أنه مواجه بمعالجة المشكلة.
# طريق الإنقاذ:
انخرط الدكتور علي الحاج مباشرة بعد هذه المقدمة في الكشف بالتفصيل عن ما قصده في السابق من عبارته الشهيرة (خلوها مستور).وقال إنها عبارة شغلت الناس و جاءت في سياق قضية طريق الإنقاذ الغربي، ودافع عن دوره في إنشاء طريق الإنقاذ الغربي وكيفية التصرف في أمواله، وانتقد بشدة الاتهامات والأحاديث التي دارت حول القضية خاصة المتعلقة به شخصيا، وقال: هناك بعض الحديث أصفه بـ(بالسافل جداً) وأستحي الحديث عنه، بل لن أعطي نفس الصراحة والحرية للحديث عنه لأنه وبكل المعايير البشرية (حديث سافل جداً).
وذكر أنه عندما أطلق عبارة ( خلوها مستورة) كان يعلم أشياء يعرفها العديد من أعضاء الحركة الإسلامية، معتبرا أن قضية طريق الإنقاذ الوطني ليست قضية فساد، مشيرا إلى أنه لم يتستر على أحد.
وقال إنه وقف في مواجهة الرئيس، وقال له لا (NO ) عندما أراد الحصول على أموال طريق الانقاذ الغربي لصالح دعم السكة حديد، وأضاف: (أسألوا اللواء التيجاني آدم الطاهر).
وأردف: عندما بدأنا في تنفيذ كبارى ( الجنينة كجا وتلولو وأزوم وكبري باري) وقعت مشكلة كبيرة جداً بين إدارة الطريق وبين وزير المالية السابق الدكتور عبد الوهاب عثمان، وذلك عند توقيع عقد تنفيذ الكباري، - وكان الهادي بشرى وقتها وزيرا للطرق والتيجاني آدم الطاهر موجودين- وكان الزبير - رحمه الله - رئيساً للجلسة، إذ كان عبد الوهاب يعتقد أنه لا يمكن أبدا إمضاء العقد بواسطتي مع الشركات الأجنبية (الخواجات) وهي الطرف الثاني في العقد لكني قلت له : (أنا رئيس اللجنة الشعبية العليا للطريق وأموال الطريق جُمعت من سكر المواطنين وليست أموال الحكومة لذلك فأنا من مضيت العقد.وذكر الدكتور علي الحاج أن هذه القضية تسببت بعد ذلك في سوء العلاقة بينه وبين وزير المالية السابق عبد الوهاب عثمان إلى حين مغادرته المنصب الحكومي.
وقال إن كل ماقام به في إدارة طريق الانقاذ الغربي لم يك من منطلق انه من أبناء دارفور وإنما هو ضمن الواجبات والمهام التي كان يقوم بها في الحكومة.
وتحدث على الحاج عن أهمية طريق الانقاذ الغربي وفائدته الاقتصادية على السودان ككل، معتبرا أن تلك الفائدة كانت ستكون أكبر من التي سيحصل عليها أهل دارفور. وأضاف أنه أبلغ آهل دارفور حينها أن الطريق سيتيح لها نقل منتجاتهم - ( على ظهر بوكس) - إلى العاصمة الخرطوم، ولكن بالمقابل فإن المستثمرين واصحاب العمل ورجال الأعمال سيجدون فرصاً أرحب وسوقاً رائجاً في دارفور.
وأكد لم يتم اخذ مليم واحد من مال طريق الانقاذ الغربي، وأنه منع ووقف في طريق أي شخص أراد اخذ أي مبلغ من مال الطريق، وقال إن أكثر شخص كان يريد الحصول على أموال الطريق هو الرئيس لصالح مشروعات أخرى، وذكر علي الحاج انه وقف أمام مكتب الرئيس بالقيادة العامة وقلت له في هذا الموضوع( لا) وذهب الرئيس وأعترف للنواب بأنني منعته من اخذ مال الطريق.
وقال انه لا يحتاج لتنظيف سجله من شئ، معتبرا أن التشكيك فيه أو اتهامه بفساد مالي يستدعي السؤال من أين يأتي الاتهام؟
وقدم الدكتور علي الحاج سردا لبداية عمله في طريق الانقاذ الغربي، وقال إن الانقاذ بعد مجيئها قررت أن تمنح أي مواطن سوداني وقية من سلعة السكر، لكن إدارة طريق الانقاذ الغربي رأت أن أهل دارفور وكردفان والجنوب لم يحصلوا على نصيبهم في وقية السكر، وكان كل السكر الذي يمنح لدارفور يصبح من السواقط، ويحصل أهل دارفور على نسبة 35% فقط من نصيبهم من السكر.
وأردف أنه عندما جاءت إدارة الطريق للحصول على حصة السكر كلها لبيعه كل عامين في السوق الحر لأن أسعاره كانت مجزية، بيد أن الرئيس رفض منح كل حصة السكر للطريق.
ودافع على الحاج عن رجل الأعمال المرحوم آدم يعقوب، وقال إنه لم يتدخل في قضية السكر، وإنما إدارة الطريق هي التي أدخلته لأن الحكومة منعت السوق الحر من شراء السكر، ووجه الرئيس بأن يأتوا بنص كمية السكر والحكومة تتكفل بـ 50% من التكلفة، وفعلا تم الحصول على السكر وتم بيعه ودخل عائده في الطريق، ولكن الحكومة الاتحادية ساهمت فقط بحوالي 5% وهي ليست نقدا وإنما عبارة عن إعفاءات جمركية.
وقال إن مشروع طريق الانقاذ الغربي تمت مناقشته قبل البدء في تنفيذه، ونوقشت موضوعات مسار الطريق وطوله ودوره لمدة سنتين مع المهندسين والمرحومين الحاج آدم يعقوب وأبو حمد حسب الله وآدم يوسف، وأن انطلاقة العمل لم يك خبط عشواء ، وإنما تم ذلك وفق تخطيط علمي.
وأشار الدكتور علي الحاج الى انه لم يعترض على وجود طريقين يسيران في آن واحد بشرق النيل وغربه على الرغم من أن عدد السكان في الشمالية ونهر النيل لا يتعدون المليون ونصف، لكننا لم نعترض على خدمتهم ولكننا كنا نقول في ذات الوقت هنالك أكثر من 21 مليون منتج لا نخدمهم، وهذه هي الحجة التي تحدثت مع الرئيس حولها وأعضاء الحركة الإسلامية ، ليس لأنني من دارفور ولكن اعتقد أن السودان نفسه ليس فيه توازن وهذا ما قلته عندما تحدثت عن عدم التوازن، ليس في دارفور فقط وإنما في مناطق أخرى، ففي جبال الانقسنا والروصيرص الكهرباء لم تك متوفرة في حين كانت أسلاك الكهرباء تمر من فوق رؤوس أهلها، وتحدثت في هذه القضية حتى تم توصيل الكهرباء للروصيرص.
واتهم الدكتور علي الحاج متنفذين في السلطة لم يسمهم بأنهم رفضوا إنشاء الطريق بحجة بأنه سيأتي بأهل دارفور إلى المركز، وقال عندما كنت وزيرا بديوان الحكم الاتحادي أبلغوني أن طريق الانقاذ الغربي سيأتي بكل أهل دارفور وغرب أفريقيا وهؤلاء إذا وصلوا الخرطوم فلن يعودوا أبدا.وأضاف: ( عندما استمع إلى مثل هذه الأحاديث يصيبني الغثيان وأعتقد أنها لا تستحق الحديث). وقال إنه في ذلك الوقت لم يك يتباكي على مثل هذه الاعتراضات وإذا ما واجهته مشكلة يرجع بها إلى الحركة الإسلامية لمعالجتها داخل التنظيم.
وفي هذا الجانب، قال نائب الأمين لحزب المؤتمر الشعبي ووزير الحكم الاتحادي الأسبق أن أهل دارفور أخذوا عليه أشياء عديدة إبان توليه مهام حكومية، وقال إن البعض منهم واجهوه بأن نائب رئيس الجمهورية السابق الزبير محمد صالح يذهب كل أسبوع إلى أهله في الشمالية ويقدم لهم المساعدات، وأضاف( كنت أقول لهم أنا ما عندي حاجة أمنحكم لها وليس لي صلاحية) صحيح أنني قمت بأشياء كثيرة في المركز ولكنها في المستقبل لصالح أهل دارفور وغيرهم سواء كان ذلك خلال عملي في الحكم الاتحادي أو تقرير المصير أو طريق الانقاذ الغربي.
وأشار الدكتور علي الحاج إلى انه كان يحاول عندما يتعاطى مع المشكلات حسب الوضع الموجود لكل مشكلة ووفق هذا يجد عذرا لكل شخص اخذ علي مأخذا بأنه لم يعمل شيئا لدارفور، وأردف: اعتقد أن حديثهم إلى حد كبير كان صحيحا.
# كنت واحدا من منظري الإنقاذ:
وفي سياق رده على الأسئلة التي طرحته عليه في اللقاء، كشف الدكتور علي الحاج، أنه كان ضمن مجموعة من الأشخاص الذين فوضتهم الحركة الإسلامية لوضع برنامج حكومة الانقاذ بعد انقلاب 1989م، وقال: عندما جاءت الإنقاذ كنت من ضمن السبعة الذين فوضهم مجلس الشورى الذي تكون من 60 شخصاً، وافق 45 منهم على الانقلاب ورفض ستة منهم نحن ستة والسابع هو الأمين العام للحركة وكنا المسئولين عن وضع برنامج الإنقاذ وغيرها.وقال إنه قام بأداء القسم على هذا الأساس ووفق هذا المفهوم، معتبرا أنه عندما يتحدث عن الإنقاذ ليس كفرد أو مضاف، لذلك واجهت مشكلة مع بعض الذين كانوا يقولون لي انه ليس من حقي قول كذا أو فعل كذا. وقال إن ذات المشكلة تواجه الحكومة الآن.
وذكر الدكتور علي الحاج أنه أصبح عضوا في الحركة الإسلامية منذ عام 1953م عندما كان طالبا في المرحلة الوسطى ودون أن يقوم بتجنيده أي احد، ووفق ذلك يعتقد الدكتور علي الحاج أنه لم يتقاعس أبدا يوما عن القيام بواجبه في الحركة الإسلامية ولكنه استمر عضوا في الحركة طوعاً وكرهاً في السراء والضراء.
ودافع عن أدائه في الحركة الإسلامية وحكومة الانقاذ، وقال انه لم يتسبب في أذية أي شخص، ولم يأخذ شيئا، لكنه أكد انه لا يعتبر نفسه شخصا ذليلا بهذا القول على الرغم من أنه أقر بأنه رجل مطيع وليس عاصياً، وأضاف إذا اخطأ الرئيس في شئ أقول له هذا خطأ ولي مواقف مع الرئيس، مشيرا إلى انه لم يك يتحدث إلى المسئولين الأدنى بل يذهب بموقفه ورؤيته إلى الرئيس مباشرة.
وقال إنه كان عندما يذهب للرئيس برأي أو حديث حول قضية ما فإذا لم يستجب الرئيس فإنه كان يذهب به إلى الحركة الإسلامية، وضرب مثلاً بالقرار الذي اتخذه الرئيس بتغيير عاصمة ولاية سنار من سنجة الى سنار، وقال إنه رأى أن القرار ليس دستورياً حسب مواثيق وقانون ديوان الحكم الاتحادي وان مهمته مع الرئيس ليس أن يكون مبررا لقرارات الرئيس، ولذلك - يقول الدكتور علي الحاج- قمت بجمع أعضاء المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية بمشاركة الرئيس، وقرر المكتب إلغاء قرار الرئيس، وأضاف: اشعر أنني قد قمت بواجبي بحكم الوضع الذي كنت فيه، صحيح أنني كنت مجتهداً ولا أبرئ نفسي فقد أخطئ وقد أصيب في أشياء كثيرة.
وعاد الدكتور علي الحاج مجددا الى الحديث عن اكبر المشكلات التي واجهته خلال وجوده في السلطة، وقال إن البعض في الحكومة كانوا يرغبون في حصر دوره بدارفور وأن يكون الدكتور علي الحاج ممثلا لدارفور في الحكومة، وقال انه ظل دائما ضد هذا التوجه وأنه ظل يؤكد على أنه ابن دارفور ومع قضايا أهلها ولكنه لا يدعي انه يمثل دارفور، مشيرا الى أن هذه الأزمة لا تزال مستمرة مع الحكومة، حيث تتهمه الحكومة بالتنسيق مع نشطاء من أهل دارفور من بينهم محمد إبراهيم دريج فيما يتعلق بقضية دارفور الآن.وقال إن الحكومة تروج بأني ودريج متآمران وعملاء، رغم أنها المرة الأولى التقي فيها دريج بألمانيا.
بيد أن الدكتور علي الحاج رأى أن الحكومة بمحاولة حصره في قضية دارفور، تريد تحجيم دوره ونشاطه السياسي مثلما يقولون لأهل دارفور الآن أن حدودهم تنحصر فقط في حدود 1956م على حد قوله.
# شروط التوبة:
أعلن الدكتور علي الحاج خلال رده على الأسئلة التي طرحتها مجموعة من الناشطين الدارفوريين في اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي بفندق ريقا بمدينة هايدل بيرج الألمانية، توبته عن مشاركته في نظام الانقاذ، وقال إن من شروط توبته عدم العودة للمشاركة والعمل على إسقاط الحكومة.
وقال الدكتور على الحاج انه عندما يتحدث عن الحكومة لا يتحدث بوصفه مستجديا، بل يتحدث كجزء أصيل من الحركة التي جاءت بالإنقاذ، مشيرا الى دوره في مجموعة السبعة التي فوضها مجلس شورى الحركة الإسلامية لوضع برنامج الانقاذ، وقال: ( نحن الذين جئنا بالبشير رئيساً للحكومة وهو كان برتبة عميد، وقمنا بترقيته إلى درجة الفريق ولم تقم بذلك القوات المسلحة).
وذكر أنه بات يملك قناعة تامة الآن بضرورة سقوط هذا النظام، وأضاف: (لأنني ساهمت فيه ومن شروط التوبة الإقلاع عن الذنب وعدم العودة إليه مرة أخرى) وأردف اعتبروني تائباً.
# صراع المناصب:
ومن المساءل التي أثارها المشاركون في لقاء ألمانيا مع الدكتور علي الحاج، قضية ترشحه لمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية بعد رحيل الزبير محمد صالح، حيث قال الدكتور علي الحاج إنه واحدة من القضايا التي تسببت في تثير الحكومة ضده وهي واحدة من الأسباب التي عصفت بوحدة الحركة الإسلامية وأدت الى الانشقاق.
وذكر أنه لم يتقدم أبدا بترشيح للمنصب، إنما الحركة الإسلامية هي التي رشحت ثلاثة هم الدكتور الترابي والدكتور علي الحاج والأستاذ علي عثمان، مشيرا الى أنه نال أعلى الأصوات وبعده الدكتور الترابي ثم علي عثمان وتم تقديم قائمة الأسماء للرئيس الذي اختار علي عثمان.
وقال الدكتور علي الحاج إنه بعد هذه الخطوة تلقى إشارات مباشرة من الأستاذ علي عثمان بأنه يعتقد حصول ( كذا وكذا في هذا الموضوع وأن الترابي تخلى عنه)، وأردف بل قام علي عثمان بإرسال شخص لي، وقال: إنهم نزعوا منه منصب نائب الأمين العام وتم منحه لعلي الحاج).
وامسك الدكتور على الحاج في الخوض في موضوعات أخرى على صلة بقضية النزاع حول منصب النائب الأول السابق، وقال هناك مشاكل كثيرة حصلت وفي هذه المسائل لم أجد نفسي في وضع يسمح أن اتحدث عنها لان في نهاية المطاف بالنسبة لي هي أن الحركة الإسلامية رشحتني من ضمن الثلاثة وهذا (enough) (كفى)، وان الرئيس لم يختارني هذا OK (حسناً) لأنه قراره، واعتبره كان قرارا منصفا، فانا لست ذليلاً،فعندما كان الرئيس يتخذ قراراً غير صحيح أقول له No.
ويواصل الدكتور علي الحاج في كشفه عن المخبوء من تلك السنوات، قائلا:إن الحكومة عرضت عليه منصب وزير الخارجية عندما كان وزيرا لديوان الحكم الاتحادي وأن البعض في الحكومة كان غير راضي بالخطوات التي اتخذها في مجال الحكم الاتحادي، وابلغوه أنهم يعتقدون إنها وزارة ( عرجاء)، لكن الدكتور علي الحاج قال انه رفض المنصب وأبلغ الدكتور الترابي والرئيس البشير أنه سيذهب من الحكم الاتحادي إلى البيت رأسا، وانه لن يذهب لأي وزارة أخرى ومن الأفضل إقالتي بدلا من إبعادي للخارجية.
# تقرير المصير:
وتحدث الدكتور علي الحاج عن سياسته حول الجنوب إبان توليه مسؤولية ديوان الحكم الاتحادي، وقال إن قرار منح حق تقرير المصير للجنوب لم يكن قراره وإنما قرار الحركة الإسلامية، مشيرا إلى أن كافة القرارات التي اتخذها كانت تقرر وتعتمد ويؤمن عليها من داخل تنظيم الحركة الإسلامية، معتبرا أن الذين في السلطة الآن لم يكونوا راضين عن هذه القرارات سواء حول تقرير المصير أو قضية طريق الإنقاذ الغربي، وإنهم يريدون فقط من الحركة الإسلامية الإيمان والعمل بما قرروه هم وحدهم.
# الأوضاع الراهنة:
وحول رؤيته للأوضاع السياسية الراهنة في السودان، رأى الدكتور علي الحاج أن الأزمة ليست في دارفور أو الجنوب، وإنما المركز، معبرا أنه في حال لم يحدث تغيير في المركز فإنه لا يمكن للولايات أن تفعل شيئا بثورتها بعيدا عن المركز

الصحافة
3/2/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 801 2008-02-04

حديث المدينة
فيديو كليب..!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2008-02-04

[email protected]


الدكتور علي الحاج.. القيادي الإسلامي الذي تولى مناصب وزارية وسياسية وتنظيمية رفيعة.. قبل وخلال فترة الإنقاذ (ون).. ثم اختار المنفى السياسي في ألمانيا بعد المفاصلة الشهيرة بين حزبي الوطني والشعبي لخصت له صحيفة (الصحافة) حواراً مع زميلنا الصحفي أبو زيد صبي كلو.. فقال إن كفارة مشاركته في حكم الإنقاذ.. هي (اسقاط حكومة الإنقاذ)..
ويبدع الدكتور علي الحاج في تصريحاته فيقول (إنه ضد حمل السلاح!!) لكن في المقابل يطالب (حركات دارفور بأن تنقل المعارك إلى الخرطوم بدلاً من دارفور..)..!!
ثم يبلغ الابداع منتهاه.. إذ يقول إنه لن يعود إلى السودان ما لم يكن هناك تغيير في القضايا التي خرج من أجلها.. وتتضح هذه القضايا عندما يكمل الجملة فيقول "إن المشاكل بينه والحكومة بدأت عندما رشحته الحركة الإسلامية مع الدكتور حسن الترابي وعلي عثمان لمنصب النائب الأول بعد وفاة الزبير محمد صالح..".. أم القضايا.. المنصب..!!
ويتكرم دكتور علي الحاج بالكشف عن مفاجأة كبرى.. سر طريق الانقاذ الغربي الذي جُمعت له الأموال من أفواه ولايات غرب السودان الست فذهب مع الريح –الطريق وليس علي الحاج– فقال "مال طريق الإنقاذ لم يُسرق ولم يحول لشراء السلاح للمجاهين في أفغانستان.." وأرجع عدم تنفيذ طريق الإنقاذ الغربي إلى اعتقاد (البعض!!) بأنه إذا اكتمل سيشكل مقلباً كبيراً لأنه سيأتي بأهل الغرب وأهل أفريقيا..
تصوروا.. أهل الغرب الذي كانت لهم مملكة مستقلة حينما سقط السودان كله في يد الاستعمار.. والذين قادوا الثورة المهدية وزحفوا من (الأبيض) في غرب السودان حتى أطاحوا بحكم غردون.. أهل الغرب بكل هذا الإرث، يعجزهم الوصول إلى الخرطوم إلا على طريق مسفلت.. إذا منعوا من تشييده انقطعت صلاتهم بالمركز وتنكب بهم الطريق بعيداً عن الخرطوم..
هذا (الفيديو كليب) السريع.. يبهر الأنظار بالصورة المجسمة الواضحة التي يقدمها لتحليل مأساة يعيشها هذا البلد.. فمشكلة الساسة عندنا ليس في مسلكهم الذي يدفع فاتورته الشعب، فحسب.. بل في أنهم يفترضون أن الشعب طفل صغير غرير يسيل اللعاب على صدره.. تقنعه مثل هذه الحجج العجيبة.. حسنا.. (البعض) الشرير قرر عدم اكمال طريق الإنقاذ الغربي حتى لا يأتي أهل الغرب وأفريقيا عبره.. لكن أين المال؟
الدكتور علي الحاج ليس كأيٍّ من الرجال.. سياسي قديم تولى الوزارة في مختلف العهود.. وكان في قلب مطبخ صناعة القرار في الحركة الإسلامية ثم في حكومتها –الانقاذ- حتى آخر رمق قبل أن يقلب الرئيس البشير الطاولة بمن فيها.. مستبقاً سويعات قليلة قبل أن يصبح هو (المقلوب)..!!
د. علي الحاج –الآن- حدد لنفسه شروط كفارة ذنوبه في الانقاذ.. بأن يطيح بسلطة الانقاذ.. لكن كيف؟. وهو هناك في ألمانيا من وراء سبعة بحور.. أليس الأجدر أن يعود إلى بلاده ليطيح بالحكومة بأعجل ما تيسر..!!
من الحكمة أن يدرك د. علي الحاج أن (كفارته).. يجب أن تتمدد إلى كل اليتامى والأرامل.. الذين خلفتهم الحرب المريرة في دارفور.. الحرب التي صنعها مع رفاقه الآخرين في الحركة الإسلامية.. في الجانبين.. فـ(الإنقاذ) لم تكن مشروعاً في القصر الجمهوري وحده.. حتى تصبح كفارته مجرد اسقاطه في القصر.. الأوجب تمديد حالة الكفارة إلى الإرث الضخم في كل الآفاق.. خاصة في دارفور التي يصر الدكتور حسن الترابي أن مفتاحها في جيبه.. وأنه قادر على اخماد نارها (قبل أن تقوم من مقامك..) على رأي جن سيدنا سليمان.


السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

( 2-3)
على الحاج: تعرضت لـ (الاغتيال السياسي) من نافذين في السلطة

إنقلاب الإنقاذ ليس خاطئاً ولكن المعالجة لم تكن سليمة

مثلث حمدي يمثل برنامج المؤتمر الوطني



طريق الإنقاذ الغربي والترشيح لمنصب نائب الرئيس أثار البعض ضدي

ألمانيا - هايدل بيرج: أبو زيد صبي كلو

في الحلقة السابقة من هذا الحوار الذي دار بين نشطاء دارفوريين ومساعد الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج، دعا الأخير، إلى إسقاط الحكومة، وقال إن إسقاط نظام الإنقاذ شرط من شروط توبته عن مشاركته السابقة في الانقاذ، وكشف أسرارا تذاع لأول مرة عن انقلاب الإنقاذ في العام 1989م واختلافات الإسلاميين وقضايا الحكم الاتحادي، وفي الجزء الثاني من الحوار الذي عقد الأسبوع الماضي بفندق ريقا بمدينة هايدل بيرج الألمانية، يواصل الدكتور علي الحاج الحديث عن المستور في قضية طريق الانقاذ الغربي الشهيرة، ويكشف تفاصيل مثيرة عن أحداث وقعت اثناء توليه مسؤولية ديوان الحكم الاتحادي، وتتصل هذه الوقائع بالرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه والمشير الراحل الزبير محمد صالح وآخرين، كما تحدث على الحاج، عن ما أثير بشأن السجون والتعذيب في سنوات الإنقاذ الأولى، ودوره في أزمة دارفور وعلاقته بالحركات المسلحة.
واكد على الحاج أن أموال طريق الإنقاذ الغربي لم تذهب للسلاح، معتبرا أن مثل هذا الحديث(كلام ساكت)، واضاف(البعض قال باعوا الأموال بالسلاح والبعض الآخر قال تم تحويلها للمجاهدين الأفغان).
وذكر أن مشكلته مع الحكومة انه ذهب للبرلمان وكشف له الوضع في طريق الانقاذ بالاحصائيات. وقال إنه كشف للهيئة البرلمانية لنواب دارفور وكردفان الوضع بالأرقام، وأبلغهم عن حجم المبالغ وأوجه صرفها وأكد لهم سعي إدارة الطريق في تنفيذ المشروع، مؤكدا أن الحكومة لم تسهم إلا بـ(5%)، معتبرا ان هذا الحديث أثار حفيظة الحكومة.
واستطرد أنه عندما عقد لقاء المكاشفة بمجلس الوزراء وتحدث النواب هاتفه النائب الأول السابق المشير الزبير محمد صالح بعد ان عاد من الاجتماع الى مكتبه وأبلغه بالهاتف (يا اخي انت ليه تجيب النواب عشان يستهزأوا بنا) او حديث من هذا القبيل على حسب قول علي الحاج - الذي قال انه أبلغ المشير الراحل أنه عندما جاء سيدنا موسى غاضباً أمسك بذقن اخيه موسى، وأضاف أنه قال للمشير ( يا اخي لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي أنا قلت هذا الحديث أمامكم حتى لا أفرّق بينكم وبين الناس). وهذا الكلام قلته لاخونا الزبير وهو الآن في رحاب الله وأنا أشهد على ذلك، ومنذ ذلك الوقت لم اسمع منه شيئا.
وقال الدكتور علي الحاج ان إثارة موضوع اموال الطريق جاء بعد الترشيح لمنصب النائب الأول، وفي هذا الاتجاه قال عبدالباسط سبدرات لعبد القادر منعم منصور كيف تأتو لنا بشخص من الغرب كي يكون نائباً اولاً لرئيس الجمهورية هذا لا يمكن أن يحدث أبداً هذا ما قاله سبدرات وحصلت مشاكل معاه وعندما ارسل لي علي عثمان زول وحدث كلام كثير وحصل الأمر الذي دعا شخصين نافذين في السلطة للتفكير في (cheracter assassination الاغتيال السياسي). وقال علي الحاج إنه كان بعيداعن القصر ولكن لديه من كان يأتي له بالاخبار، وتساءل هل من المعقول ليس لديّ حتى خفير او مراسلة في القصر او القيادة العامة يأتي لي بالاخبار هذا الحديث جاء في هذا الاطار، على اساس انهم عملوا حتى تقرير وزارة العدل برئاسة عبدالناصر ونان، وعندما طلع التقرير هاتفوني وقالوا لي التقرير (طلع كويس) وفي الآخر الرئيس قال لهم (إذا التقرير لو طلع كده علي الحاج حيبشّع بينا)، ولازم تغيروا التقرير، وعلى كده المسألة كلها انتهت.)
وجدد علي الحاج حديثه عن اموال الطريق وقال: ( اريد أن اقول انا لا اعلم ان قروش الطريق سرقت او اكلت أبداً الذي اعلمه ان اي شيء قيل عن الطريق غير صحيح والمبالغ التي صرفت في الطريق حتى الكباري الاربعة التي استجلبت لاول مرة في تاريخ السودان والتي بعضها موجودة حتى اليوم في ميناء بورتسودان اعتقد مثل هذا العمل في ناس ما عايزنوا). ورأى أن وزير المالية السابق عبدالوهاب لم يك راغبا في المشروع( هو نفسه ما عايزوا) مشيرا الى ان هذا الموقف أحدث مشكلات بينه والحكومة فضلا عن قصة الترشيح لمنصب النائب الاول لرئيس الجمهورية ( عملت مشاكل كبيرة جداً في ذهن هؤلاء الناس وتحدثوا كثيراً) وأضاف (هذا جزء من القضية)، وأضاف الشخص الذي نقل لي حديث علي عثمان موجود الآن في الخرطوم وأنني أبلغت هذا الشخص قائلا (كلام علي ده فيهو دين واجابني الرجل ما فيهو دين) لكن الغريب أن نفس الشخص التقيته في مكة وفي الحرم المكي وروى نفس القصة، وكان معنا يوسف عبدالفتاح وآخرون.
وقال الدكتور علي الحاج لمحاوريه إنه بهذا الحديث يرغب في تهييج أهل دارفور واهل السودان لصالح قضيته مع السلطة، معتبرا أن هنالك قضايا موضوعية، واردف (انا احاول ان اكون منصفاً ما استطعت لكني أيضا انا بشر).
وأكد أن ماتم في طريق الانقاذ سواء كان كيلومتر او نصف كيلو متر، فإن ذلك تم من مال الناس ومساهمة الحكومة 5 في المائة، عبارة عن اعفاءات جمركية وليست مالاً نقداً، رغم أنهم ابلغوني أن الطريق سيكون مقلباً كبيراً بالنسبة لنا لأنه سيأتي بأهل الغرب، وقالوا كلاما كثيرا جدا وهو وفق معايير القرن العشرين ( حديث سافل جداً) لمجموعة تدعو للاسلام، وعندما قلت عبارة (خلوها مستورة) لم تك المسألة مسألة أموال حصل عليها آدم او احمد، ولكن المسألة ابلغ واسوأ بكثير من قصة الاموال، لذلك عندما أتحدث عن هذه المسائل أتحدث باعتباري كنت جزءا من النظام، وأنني الذي اتيت بهؤلاء الناس الذين اعرفهم اكثر من الذين يحضرون هذا اللقاء وبعضهم جلس مع الرئيس البشير ساعة او ساعتين او يوم او يومين وتساءل كم منكم جلس مع علي عثمان ساعة او ساعتين او يوم او يومين او مع نافع او عوض الجاز، انا هنا اتحدث عن أشخاص عشت معهم في السراء والضراء وبرامج والله سبحانه وتعالى يحاسب كل شخص حسب معرفته( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنهم مسؤولا).
وفيما يخص الحديث عن المركزية، أقر علي الحاج، بانه قام بزيارة مع زين العابدين محمد احمد عبدالقادر الى الاقليم الغربي الذي كان يضم كردفان ودارفور واقنعه بضرورة فصل دارفور عن كردفان باعتبار لا يمكن ادارة دارفور من الابيض، وبالفعل استطعت بلورة الفكرة مع ابناء دارفور بالخرطوم خاصة الطلاب وتم فصل دارفور عن كردفان واصبح اقليما.
اما قصة الذين يقولون إن علي الحاج منع الرئيس البشير من بالعاصمة السنغالية داكار، وان لدي سلطة ونفوذ كبير وقصة الرئيس المصري حسني، فإن هذه الاشياء غير صحيحة فعلي الحاج ليس هو الذي يقوم بذلك، لكني صحيح كنت موجودا بداكار ولكن ليس انا الذي منع الرئيس من مقابلة الرئيس حسني مبارك، كل الحكاية نسبت اليّ حتى الرئيس في الآخر يقول لحسني مبارك إن علي الحاج هو الذي منعه من مقابلته، فإذا كان الرئيس هو من قال هذا الحديث فماذا افعل انا؟.
للمراجعة (وقال علي الحاج إن معرفته بالرئيس تمت بالغيب بمعنى ان للحركة الإسلامية مجموعة من الضباط في الجيش ليس لنا معرفة بهم نعرفهم بالغيب لأن اسماءهم حركية لم نلتق بهم في يوم من الايام ولكن في اخوانا شغالين معاهم ويقومون بنقل الكلام عنهم وكله صحيح والبشير وغيره لم اسمع به الا قبل اسبوع من الانقلاب، وانا في طريقي الى امريكا على رأس وفد معين حتى إذا سمعت بحصول الانقلاب علمت ان مجموعتنا هي التي قامت به.(وأضاف أن الرئيس عمر البشير لم يك الشخص الاول لقيادة السلطة عقب تنفيذ الانقلاب وانما كان الخامس في الترتيب فالاول كان (مختار محمدين الذي استشهد في الناصر والثاني نزلوه معاش)، اما معرفتي الشخصية بالرئيس فانه شخص هاذل ليس جادا وهو الانطباع الذي خرجت به، صحيح دخلنا في مناقشات مع الرئيس وهو يقول كلام غير مقبول، وفي مرة داخل اجتماع، قال الرئيس : (انا زول جعلي طريقتي في ادارة الاجتماعات كده اذا عجبكم عجبكم ما عجبكم انا كده).
للمراجعة (قلت، لرياك مشار وموسى المك كور الكلام ده غير صحيح، هو سمع الكلام زعل مني جداً ولكن هذه هي الحقيقة والا انا مع علي الحاج وفي اجتماع آخر قال ايضا حصلت انتخابات ولكن الموجودين في المكتب القيادي من عنصر معين في عنصر غير ممثل عنصر العرب غير ممثل في الهيئة القيادية ده الرئيس ذاتو هذا هو الواقع والتعامل الذي وجدته القضية ليس في دارفور وانما في المركز، وفي الناس اللي جبناهم عشان ما نقوم بتعميم القضية وانتو يا ناس دارفور ما عايزين كلامي ده ولكن لازم اقوله وهم عارفين انا بقول الكلام ده لسوء الحظ هذا هو الواقع.)
وتحدث علي الحاج عن فترة شغله منصب وزير بديوان الحكم الاتحادي، حيث قال البعض إنه لا يوجد شي اسمه رئيس للديوان وان الوزير بديوان الحكم الاتحادي يكون تحت رئيس الجمهورية، وقاموا دون علمي بإصدار قرار بأن يكون المشير الزبير رئيساً لديوان الحكم الاتحادي.واعتبر علي الحاج هذه الخطوة بأنها بغرض حجبه من الرئيس، وقال إنه وافق على هذا الوضع لأنه يعلم ان السياسة هي فن الممكن والمتاح، ووفقا لذلك تعاملت مع المشير الزبير بوصفه رئيس ديوان الحكم الاتحادي وأقنعته بالحكم الاتحادي وكنت أنقله معي في كل زيارة أقوم بها ولكن بعد سنة او سنتين حصلت مشاكل من بينها أن البعض رأوا أن النائب الثاني للرئيس جورج كنقور لا يعمل في شئ، وفي اجتماع برئاسة الشيخ حسن الترابي وبحضور الرئيس والزبير وعلي عثمان، الجميع قالوا إن جورج ما عندو شغل وان الجنوبيين فقط الذين يجلسون معه، وقلت لهم في الاجتماع بعد حديثهم إن القضية ليست في جورج كنقور لأنه ليس الشخص الوحيد الذي يأتيه الجنوبيون، وانني الموجود في الديوان لا يأتيني ولاة نهر النيل والشمالية ويذهبون الى القصر، وقلت لهم: لا تظلموا جورج كنقور، وحينها كنت ادرك تماما ما اقول لأنني لست معقداً واعرف الواقع.
وأضاف علي الحاج أنه أبلغ الاشخاص الذين حضروا ذلك الاجتماع أن ولاة نهر النيل والشمال لم يأتوا الى الديوان الا عبدالرحمن سر الختم والي نهر النيل لأنه كانت لديه مشكلة مع مدير السكة الحديد حسن خليفة، وأنني انا power seeker ) باحث عن السلطةوأن أي شخص يذهب للقصر امنحوه او لا تمنحوه ما يريد، فهذا ليس من شأني، وعندما جاءني الحاج آدم يوسف والي جنوب دارفور وتحدث معي عن طريق الانقاذ الغربي قلت له: أنك عندما كنت واليا للشمالية هل حصل أن جئت الى الديوان فقال لي لازم يكون في عدالة قلت ليه ما في عدالة انا أعلم ما في عدالة، فقد كنت أنت واليا في الشمالية سنتين ثلاث ولم اراك أبدا في الديوان فانا كنت فقط التقي المسؤولين في حكومة الجنوب والانقسنا وجبال النوبة.
وأستدل الدكتور على الحاج بدور الشيخ حسن الترابي في ذلك الوقت، بالقول إن الترابي قال في ذلك الاجتماع أنه لا داع لوجود رئيس للديوان فالمسألة تنسيقية، وأقترح الترابي أن يرأس الديوان جورج كنقور، وأن يرأس مجلس الوزراء المشير الزبير ترأس مجلس الوزراء وأن لا يحضر الرئيس أي مجلس للوزراء، وكان مفهوما- حسب علي الحاج- أن الشيخ الترابي كان يرغب أن يكون الرئيس كرئيس للجمهورية والزبير نائبا اولا يمسك مجلس الوزراء وبهذه الطريقة يترك ديوان الحكم الاتحادي الذي كان البعض يريدون له شخصية معينة.
واشار علي الحاج أنه تحدث مع علي عثمان في مرحلة لاحقة، وان الاخير كان يعتقد ان حديثي في ذلك الاجتماع كان له اثر وقد يكون حديثه صحيحا.
وبعد ذلك كان من المقرر أن يصدر قرار مكتوب بتعيين جورج كنقور رئيساً للديوان، بيد ان القرار لم يصدر ولكن الرئيس اتى بجورج كنقور في الديوان وكان في معيته احمد ابراهيم الطاهر الذي كان بحوزته قرار التعيين الذي من المفترض ان يمضي عليه الرئيس ولكنني لم اسأل عن امضاء الورق ببساطة لأن الرئيس نفسه أتى بجورج كنقور، وبعدعها عملت مع كنقور كما كان يحدث مع الزبير، وخلال هذه الفترة أبلغني علي عثمان أن هذا القرار غير مقبول لدى البعض ولكني قلت له [sorry] آسف لا استطيع عمل شيء القرار حصل وجميعكم كنتم تلعمون به خلال ذلك الاجتماع.
وأعرب علي الحاج عن عدم سعادته عن الحديث عن هذه الامور، وقال كل هذه الاحاديث تعتبر مشاكل داخلية وانا لست سعيداً بروايتها وقولها ولكن عندما يسألني الناس احاول الرد عليها، واعتقد من الاشياء الكبيرة جداً التي حصلت كانت على علاقة بالذي كان يجري في مسألة الحكم الاتحادي الذي كان ما في زول راضي عنها كقرار من الحركة الاسلامية نعم ولكن من ناحية الواقع هؤلاء كلهم غير راضين بالموضوع.
وفي موضوع السجون والتعذيب في المعتقلات، قال علي الحاج إن من حسن حظه أنه لم تكن له صلة بالاجهزة الأمنية وان الاجتماعات الامنية التي تعقد لم يكن جزءاً منها لانه في السنوات الاربع او الخمس الاولى للانقاذ كان مسؤولاً عن الشؤون الاقتصادية.
وقال إنه لا يمكن ان يتصور أو يصدق وجود بيوت الاشباح والشأن الامني الذي يتحدث عنه الناس، معتبرا ان شخصاً مثل الدكتور نافع الذي عرف بانه sckoler باحث هو الذي يصنع تهم الاعتقال، وقال انه لا يتهم مسؤولاً امنياً بذلك. وقال انه لا يقول ذلك لتبرئة نفسه فكل من لديه تهمة ضده أو ضد الشيخ الترابي التقدم بها للقضاء، وقال إنه لا يبرأ نفسه من مسؤولية ما قامت به الاجهزة الامنية في تلك السنوات، لكني أقول انه يجب أن تحصل محاسبة للاجهزة الامنية ونقدم كلنا للمحاكمة للنظر في القضايا المرفوعة ضد اي شخص.
وحول مسألة تقسيم الولايات، قال إن الفكرة جات من التجربة النيجيرية التي بدأت بـ «16» ولاية ثم «25» ولاية ثم اكثر من ثلاثين ولاية، وشعرنا من التجربة ان السلطات تنزلت للولايات وبصورة اكثر بهذه الخلفية لفكرة تقسيم الولايات وكنا نريد نعمل العاصمة بانتيو مسارين.
وعندما كان حاكم دارفور الطيب إبراهيم محمد خير قام بالتعبئة لجهة عدم قبول تقسيم الاقليم وطرح لهم آراء وافكار كثيرة لذا عندما جاء طرح قرار عدم تقسيم دارفور قلت للزبير في الاجتماع أنه قرار الوالي وليس رغبة أهل دارفور وعندها اتصل المشير الزبير بالوالي حينها الطيب سيخة وقال له كيف تقول لناس دارفور يجب ان الا يقسم الاقليم ولماذا لا تتركهم يتخذوا قرارهم فقال له الطيب محمد خير إن حديثه ذلك كان ( كلام عساكر) لكني قلت اذا لم يتم تقسيم الاقليم سيحدث ذلك مشكلة.وبدأنا في تقسيم الولاية الى ثلاث ولايات فيما كان البعض يريدون اربعة مثل سلطان المساليت والبعض رأى أن القصد من التقسيم اضعاف الولاية والفور (NO)ولكن ذلك لم يكن صحيحا.
وأضاف علي الحاج ان الحكم الاتحادي قائم اساساً على زيادة عدد الولايات وليس ان تنقص، وحسب علمه في الحكم الاتحادي فإن لم يجد في اية منطقة او دولة أن طبق فيها حكم اتحادي وتقلصت الولايات فيها بل انها كانت تزيد ، وانا مع تقسيم دارفور الى ولايات وليس الاقليم الواحد لأني ضد المركزية في الخرطوم وانا مع المحليات باعطائها المزيد من الصلاحيات والسلطات.
وقال ان على الذين يطالبون باقليم واحد لدارفور أن لا يظنوا انه سيصبح مثل الجنوب فالآن جوبا حلت مكان الخرطوم في الجنوب والاتجاه الاصلح أن تتجه الرؤى نحو المحليات مباشرة باعطاء مزيد من الصلاحيات و تقوية المحليات لأسباب كثيرة من ضمنها تقوية النسيج الاجتماعي في المحلية المعنية لأن الناس أقرب لبعضهم البعض اجتماعياً خاصة في ما يتعلق بالتزاوج والتشاور والتفاهم في القضايا التي تتعلق بحياتهم ومجتمعهم ومشاكلهم اكثر من الولاية. ومن التجربة نجد ان المال المخصص للمحليات عندما يتنزل للولاية تأخذ منها شيئا ولا تصل كاملة للمحليات ففي نيجيريا مال التعليم يذهب مباشرة من المركز للمحلية المعنية وهذه آراء للمستقبل.
وحول قضية انشاء الامارات بولايات دارفور، قال علي الحاج إنه لم تكن هناك استراتيجية في هذا الشأن بواسطة الديوان وليس له علم بذلك وليست هنالك شئ في الديوان يتعلق بانشاء امارات او عموديات او مشيخات وانما والي غرب دارفور الاسبق محمد احمد الفضل هو الذي قام بهذا العمل واعتقد عندما قام بتنفيذ هذا العمل لم يشاور احداً وقابلت ود الفضل بعد انشاء الامارات وقلت له مع من تشاورت عندما اتخذت هذاالقرار الذي اعتبره سيئاً ومشيناً واعتقد انه ليس مدركاً بما قام به واقول ليس من سياستي اتخاذ مثل ذلك القرار .
اما السؤال بشأن وجود قانون او دستور، قال علي الحاج ان الوالي اتخذ القرار لوحده دون تشاور، ولكن حتى لا تظلموا الوالي ويكون الأمر منصفا ومتوازنا فحتى الرئيس لا يعمل ولا يلتزم بالقانون والدستور الذي وضعناه نحن فهذه هي المشكلة وحتى عندما نواجه الرئيس بضرورة العمل بالدستور والقانون فإن اخواننا يقولوا لنا مرروا قرار الرئيس وكنت أرى كيف أقوم بتمرير قرار وانا المسئول عن هذا الأمر!!؟ وهذ الامر تسبب لي في مشكلة ولكنها ذاتية واعتقد ان أهل دارفور غير مسؤولين عن انشاء الامارات، ولكنها تجربة دخلنا فيها واعتقد يجب ان نتعلم منها كما حدث في قضية الجنوب وموضوع جورج كنقور.
ورأى أن الانقلاب الذي قامت به الحركة الاسلامية ليس خطأ وانما معالجتها للقضية كانت بطريقة غير سليمة هذا هو الخطأ وقد تحدثت مع الصادق المهدي قبل يومين هنا في المانيا فقلت له المشكلة الخرطوم لذا يجب ان نتفق كيف يحكم او يدار الخرطوم .
وحول مثلث حمدي قال انها ليست ورقة حمدي لان حمدي لا يستطيع عمل ذلك ولكن الورقة برنامج المؤتمر الوطني يتم تنفيذه الآن وقال انه لو لم يتحصل على النسخة الاصلية المكتوبة بالانجليزية اخيرا لما صدق ذلك.
واعترف علي الحاج أنه تلقى اتصالات من الحركات المسلحة الدارفورية ولكنه لم يتصل بهم وكان منذ اول الوهلة ضد حمل السلاح، وانه اذا كان لابد من حمل السلاح فيجب ان لا تكون المعارك في دارفور وانما في الخرطوم هذا هو رأى لان المشكلة اساساً في الخرطوم وليست في دارفور هذا الرأى قلته للشفيع محمد احمد وخليل ابراهيم وعبد الواحد محمد نور عندما قابلتهم في العاصمة الاريترية اسمرا وقلت لهم يجب اخذ العبرة من تجربة سوني عام 1965م التي قررت تنفيذ نفس العمل الذي قامت به الحركات الآن بضرب الفاشر في شهر ديسمبر من عام 1965م ولكن قمت مع نواب دارفور بمقابلة الزعيم الازهري والمحجوب ودريج لوقف تنفيذ المخطط واندلاع الحرب في دارفور وذهبت الى الفاشر وقلت لمجموعة سوني وانا ما زلت اؤمن بذلك قلت لهم اذا أردتم أن تديروا معركة يجب ان لا تديروها في دارفور صيروا رجالا واستلموا الخرطوم هذا كان رأيي وهذه قناعتي حتى الآن وقلت لهم مهما عملتم لن تحققوا شيئاً عبر السلاح لانه في نهاية المطاف سيكون الحل سياسياً وعليه لابد من العمل السياسي الذي يتطلب تضامناً وبعد نظر والاتصال بالآخرين وضربت لهم مثلاً بالجنوبيين (انانيا ون وانانيا تو) الذين كانوا لوحدهم حتى الحركة الشعبية بدأت لوحدها لن تحقق شيئاً الا عندما ضمت الى صفها جبال النوبة والانقسنا والتجمع الوطني وحتى المؤتمر الشعبي في مذكرة التفاهم الوطني حقق زخماً سياسياً، واعلامياً للحركة الشعبية وحققوا من خلالها كثيراً من مطالبهم وتم ذلك منذ وقت مبكر منذ عهد الراحل قرنق.
وقال علي الحاج إنه كان ضد ذهاب الحركات المسلحة بدافور الى ابوجا وأبلغهم عند اتصالهم به بأنه ضد ذهابهم لابوجا واللجوء الى العالم الافريقي والاسلامي والعربي ولو كنت في مكانكم لن اذهب الى العالم الافريقي او العربي او الاسلامي واذا كان لابد من ذلك سأذهب للحكومة الافريقية والعربية والاسلامية في الخرطوم.. وذلك لأن العالم الافريقي والعربي والاسلامي ليست لهم ارادة، وقال علي الحاج : انا كنت في الايقاد التي عملت تحت مظلته منذ نوفمبر من عام 93 وحتى عام 95 ولم تعمل او تتخذ شيئاً مع هذه المنظمة الافريقية واعتقد انهم ليست لهم مقدرة فالنيجيريون كانوا افضل في عهد الرئيس بابانجيدا ولكن في نطاق محدود قلت هذه الآراء وبصورة واضحة للحركات المسلحة في دارفور التي دخلت في الآخر في مجالات ومشاكل كثيرة جداً لم يستطيعوا استيعابها.
وأكد علي الحاج انه لم يتلق توجيها من الشيخ الترابي للعمل مع الحركات المسلحة وان اعتقال الترابي ليس جراء ذلك وانما هذا حديث الاجهزة الأمنية لانهم قل ما يصدقوا في حديثهم.
وعلى هذه الخلفية، قال علي الحاج انه كان يرغب في أن يستمع الى هذا الرأي من شخص غير امني لأنه يعلم ان الآخرين يدركون رأيه في الحركات المسلحة بدارفور، ولكم لانهم «غبيانيين» لا يرغبون بالحديث لانهم يريدون حصر القضية في دارفور وانا لست منزعجاً عن ذلك لان الالمان وغيرهم عندما يذهبون من الخرطوم ويعودون يقولوا لي الخرطوم تقول انت وراء قضية دارفور وهو فهم الحكومة وجهاز الامن. واعتقد ان الصورة بدأت تتضح اكثر بالنسبة للقضية القائمة رغم ان الحكومة غير راغبة ورأي أن القضية او المشكلة هي الخرطوم وليست دارفور. ورأى علي الحاج أنه من الضروري اجراء اصلاح او تغيير الوضع في الخرطوم ، وقال انه يعني بذلك هنا اعني ان يشارك الجميع في اصلاح هذا الوضع وليس المؤتمر الشعبي والآن انا عاكف في كتابة مقالات داخلية خاصة بي تتعلق برؤية جديدة لقضية السودان ومسائل تاريخية اعتقد ان كل المشاكل تعود للخرطوم باعتبارها حاضنة ومفرخة لها واعتقد ان الحزبية كانت افضل بكثير من الشمولية وانها لا تحدث فيها القبلية لان كل حزب يريد كسب جميع الناس وحتى لو ارادت الاحزاب الميل الى القبلية او اي جهة فإنها تتستر عن ذلك ولكن هؤلاء لا يتسترون.

الصحافة 5/2/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية:
ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!
(4)
د. محمد وقيع الله
لقد قلنا في المقال الماضي إن من فضائل الإنقاذ أنها مازت الخبيث من الطيب، والزبد من الصريح، والعميل من الأصيل، وكانت هي الطيب والصريح والأصيل، وكانت حركة سودانية وطنية مائة بالمائة، وشهد لها بذلك خصومها أجمعون، إذ لا يوجد من يدعي اليوم أدنى ادعاء بأن الإنقاذ كانت امتداداً أو ظلاً لقوة أجنبية من أي نوع.
ومن فضائل الصادق المهدي السياسية، أنه شهد بهذا الحق من أول يوم للإنقاذ، فقال إنه اختفى يوم الانقلاب عليه في 30 يونيو 1989م وتوارى خصيصاً من أجل أن يستكشف هوية من قاموا بالانقلاب، ومن يقف وراءهم من القوى الخارجية، ولما تبيَّن له أنه لا توجد أي قوة أجنبية وراء الانقلاب جاء ليفاوض من قاموا به.
قطع الأذناب الأجنبية:
ولما كانت الإنقاذ حركة سودانية وطنية، سليمة، مائة بالمائة، بريئة من الإنتساب إلى الخارج، فقد كان طبيعياً أن تتجه لتصفية كل وجود أجنبي ذي نزعة وصائية أو تآمرية على البلاد. فقامت بتصفية المؤسسة العسكرية، وهي أخطر مؤسسات الوطن، من النفوذ الضارب لحزب البعث العراقي.
وإذا كان يحمد للرئيس الأسبق جعفر نميري، أنه صفى الجيش السوداني، من النفوذ الضارب للحزب الشيوعي، الذي كاد أن يستولي على السودان بأكثر من انقلاب، فإن مما يحمد للإنقاذ أنها صفّت الجيش من نفوذ حزب البعث العراقي- فرع السودان، والذي كان على وشك أن ينفذ انقلاباً يتسلم به مقاليد الحكم، ويعيد في بلادنا إنتاج المذابح والجرائم والمآثم، التي أتاها طاغية العراق هناك.
ومن ملامح الأصالة الوطنية التي لا تخفي في سمت الإنقاذ، أنها لم تعتمد في حماية الوطن على الجيش وحده، بل قامت منذ أيامها الأولى بتدريب الشباب السوداني على حمل السلاح ليذودوا به عن وطن الجدود، وهكذا نشأ خلال العقدين الماضيين جيل سوداني متين، صاعد، مدرب في غالبه، على حمل السلاح، وعلى استخدامه بكفاءة جيدة، وهذه ظاهرة جديدة لم يشهدها السودان منذ عهد الدولة المهدية. وفي التدريب العسكري تدريب على الجد، والرجولة، وتحمل المسؤولية، انعكس على تربية الشباب السوداني بشكل عام، فقلت فيه النـزعة الاعتمادية القديمة، وغدا يقبل على تكاليف الحياة وملاقاة صروفها بتحدٍ، وعُرام، وصدام، وكأن هذا الجيل الصلب، هو الجيل الذي خاطبه شاعر الإسلام، العظيم ألطاف حسين حالي بقوله:
أنت في عالم الصراع فهيء ü لك زند المصارع الجبار
لا تخف من خطوب وكن أنت خطباً ü وجحيما ومارجا من نار!
وقد اهتمت الإنقاذ بأمر الجيش السوداني من كل النواحي، لاسيما ناحيتي التدريب والتسليح، فأصبح جيشاً عالي المهنية، لا يعاني من قلة التسليح كما كان عليه الأمر، قبيل قيام الإنقاذ. ولأول مرة في تاريخ السودان صار الإنتاج العسكري صناعة وطنية، وأخذ الجيش السوداني يعتمد، بشكل شبه كامل، على المنتجات العسكرية المحلية، من الرصاصة، إلى الدبابة، إلى راجمة الصواريخ.
لقد أنقذت الحركة الإسلامية السودانية، بهذا التخطيط العبقري، الأصيل، المعتمد على الذات، هذا الوطن ومواطنيه، من الوقوع في قبضة حركة التمرد، التي كادت أن تستولي على الخرطوم في عام 1989م، حينما كان الجيش السوداني يتحطم ويتآكل، ونظام الحكم الطائفي يهترئ ويتقوض، ومنصور خالد يوجه إنذاراته الشامتة في الشماليين، يأمرهم فيها بالتهيؤ لوصول حاكم يحكمهم، ليس بعربي ولا مسلم، ولا ديمقراطي، وإنما هو حاكم يأتي مستنداً على الرماح!
التأصيل الإسلامي:
وليست دعاوى الإنقاذ في الأصالة، والوطنية، والإسلامية، دعاوى تشدق كدعاوى الأحزاب، وإنما كانت دعاوى لها براهينها العملية، الصادقة، في التأصيل الوطني، الإسلامي، لمجالات الحياة المختلفة، كمجال القانون، والاقتصاد، على الخصوص. حيث حافظت الإنقاذ على إسلامية القوانين، الجنائية، والمدنية، وقامت بصياغة مواد محكمة للقوانين مستمدة من الشرع الإسلامي الحنيف. وقد نسي العلمانيون المتطرّفون التعساء الشهر الميلادي، الذي صدرت فيه، فلم يسمونها به، فتعساً لهم وأضل أعمالهم!
وقد طبقت الإنقاذ تلك القوانين باعتدال تام، وربما ببعض التحفظ، لأن الأهم في هذه المرحلة، وهي مرحلة طويلة شائكة، هو تمكين تلك القوانين، وكفكفة هجوم العلمانيين، والقوى الغربية عليها. واليوم لا يكاد شخص جاد يتحدث بنقد القوانين الشرعية في السودان. وقد يئس العلمانيون من امكانية تغييرها بعد أن تأصّلت كثيراً وتعمّقت، وأمست القوانين العلمانية الفاسدة المفسدة نشازاً لا يتفق مع الواقع الاجتماعي والإسلامي المتطوّر في البلاد.
إن هذه القوانين التي صاغتها وطبقتها وحرستها الإنقاذ، لم تجد أدنى مقاومة من الشعب، بل وجدت كل الترحيب والدعم منه. وليس أدل على ذلك من أن الدكتور منصور خالد، قد واجه شيعته من العلمانيين (اليساريين!!) العابثين، الذين وجهوا له اللوم لأنه مع دهاقنة حركة التمرد قد خانوا العلمانية بموافقتهم على حكم السودان بقوانين الشرع، قائلا: إن الوسطاء «هكذا قالها، وهو يعني القوى الغربية التي تساندهم في حركة التمرد!» قد حدثونا في نيفاشا بأن نقلع عن عداء الشريعة، لأن السودان لم يشهد ولو مظاهرة واحدة ضدها، فلو لم تكن الشريعة تطبق برضا الشعب لثار الشعب عليها!
ومالم يقله منصور خالد لشيعته، التي تعرف ذلك أفضل منه، هو أن الإنقاذ لم تبد طوال تاريخها أدنى تنازل في أمر الشريعة، وما كان لها، وأنى لها، فهي ماضية بحكم الله، تطبقه على عباده، وذلك مجد عزير من أعز أمجاد الإنقاذ، وهي لن تتنازل عن ذلك المجد الذي شرفها الله به، مهما تطاول عليها الخصوم والأعداء.
تحرير الاقتصاد وتأصيله:
وفي مجال الاقتصاد قامت الإنقاذ، بتأصيل مبادئ الاقتصاد الإسلامي ما أمكن في الاقتصاد السوداني، وعن طريقها حررت الاقتصاد السوداني من داء الربا، الذي هو حرب على الله تعالى، كما جاء في التنزيل. وعالجت داء الكساح الذي أعجز القطاع العام عن أن ينهض بأمر الاقتصاد، وحررت أسعار السلع، حيث كان نظام الأسعار، نظاماً مشوشاً ومهتزاً، وغير قائم على أساس راسخ، وكان مصطنعاً ومزوراً إلى حد أن الدولة كانت تدعم كل شيء بما في ذلك سعر الدولار!
وأحيت الإنقاذ في الشعب السوداني، قيم الاعتماد على الذات، وعزائم السعي العفيف في طلب الرزق، (لا الارتزاق!)، وكافحت أمراض التبطل العطالة، والتواكل والتبعية، ونفسية الزهد الكاذب، التي ظلت متوطِّنة منذ قديم الزمان، فأصبح الكل الآن يتطلّع إلى وضع حياتي أفضل، وإلى نوال ميزات كريمة يستحقها، ويسعى لها سعيها، غير قانط، ولا يائس من أن يحصل عليها وعلى كل ما يريد.
الشكوى من الفساد الاجتماعي ظاهرة إيجابية:
وفي الحقيقة، فإن فترة حكم الإنقاذ، قد أصلحت الكثير من خلل الثقافة الشعبية السودانية، فتوارت مظاهر فساد كانت ضاربة الأطناب، كفساد السفور، والخمور، والفجور. وقد كان القانون الوضعي الفاسد المفسد يقنن، منذ استقلال السودان، وقبل ذلك، تجارة الخمر، والدعارة، ويحميها، وكانت لتلك التجارات مناظر يندى لها الجبين، وكان السياسيون العلمانيون يتوانون عن مقاومة تلك المنكرات، التي ورثوها عن الإنجليز، ويتفنن المثقفون العلمانيون في انتحال الحجج الزائفة لتأييد تلك الأوضاع المزرية وتثبيط جهود مقاوميها.
ولنذكر هنا، أن الرئيس الأسبق، نميري، كان له فضل السبق في مقاومة الفساد الأخلاقي المقنن، ولكن بسقوطه كادت أن تسقط جهوده في هذا الاتجاه، لولا أن قامت عليها الحركة الإسلامية، قبل الإنقاذ فحمتها من أن تلغي أو تكتسح، وجاءت الإنقاذ فعززتها ودعمتها، ورشدتها، وزادت عليها، بعون الله.
واليوم إذا اشتكى الناس من بعض مظاهر الفساد الأخلاقي التي تطفح بين الحين والحين، فتلك محمدة كبرى، أن الناس صاروا يحتدُّون في نقد الفساد الأخلاقي، ويشجبونه أشد الشجب، ويحثون الدولة، ويحضونها، للقضاء عليه قضاء مبرماً، وإلا فقد كانت الكثير من أنماط الفساد التي يتشكي الناس منها اليوم، تبدو طبيعية لأنها كانت مقننة، تتمتع بحماية الدولة، وقوتها، في سالف دهر قريب!
إن الاهتمام بمكافحة المنكرات والمفاسد الاجتماعية، كان قد اختفى من أجندة السياسيين، منذ عهد الدولة المهدية، التي كافحت المنكرات كفاحاً لا هوادة فيه. وقد غرس الغزاة الذين دمروها، في أذهان بعض النخب المتغرّبة، التي تابعتهم في أفهامهم السقيمة، مفاهيم (الأخلاق النسبية). بمعنى أن الأخلاق مسألة نسبية، فما يراه زيد منكراً ليس بالضرورة أن يكون كذلك عند عمرو، وزعموا لهم أن الدين لا علاقة له أصلاً بالموضوع، وأن مسائل الحلال والحرام، هي من مسائل الثقافات المتخلفة، التي يجدر بالمتحضرين أن ينأوا عن الإلتزام بها!
ولذلك كنت ترى الكثيرين من أتباع ذلك الفهم المنحرف، يتباهون بالمعاصي، والمفاسد، ويسخرون من شمائل المتدينين، الذين يشتقون حدود الأخلاق، مما قال الله تعالى، وقال رسوله، صلى الله عليه وسلم. ولم يكن لأولئك المتدينين الوقَّافين عند حدود الله تعالى ومحارمه، مكان كريم لدى كثير من تلك المؤسسات (القومية!) التي شادها لنا الإنجليز، وقاموا بتأصل قيمهم الغربية فيها ووطدوها، وكثيراً ما كانت مجالس الناس، حتى عقود قريبة، تردد شوارد التبكيت، والتنكيت، بمتدينين من منسوبي تلك المؤسسات (القومية!)، شاءوا أن يصلوا، وصمموا على أن يجتنبوا الخمر!
ولكن الله تعالى (يخلق ما يشاء ويختار). فمن أعماق تلك المؤسسات، جاءت الإنقاذ لتطهر البلاد من الأرجاس، ولتعلي قيم الأخلاق. وقد طهرت تلك المؤسسات، أول ما طهرت، وجعلت من منسوبيها أمثلة تحتذى في سمو الأخلاق.
الصحافة
6/2/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

لا يمكننا الحديث عن اسلام او اسلاميين
عبد الوهاب الافندى

(1)
من التلفزيون السوداني كان أحدهم يقرأ في خشوع أدعية مؤثرة في استغفار الذنوب وطلب العون الإلهي لعباد الله الفقراء إليه. جاء هذا بعد برنامج آخر في تقديم وأداء وشرح المدائح النبوية.
(2)
في الغرفة الأخرى كان المذياع المثبت مؤشره دوماً على راديو 4 يبث برنامجه المعهود من الأخبار والحوارات والبرامج الأدبية والفنية. لم أكن أركز على أي مما كان يبثه الجهازان، فقد كان علي أن أنطلق مسافراً خلال أقل من ساعة، فكنت أنتقل من غرفة إلى غرفة في تجهيزات اللحظة الأخيرة، وكانت هناك اتصالات هاتفية مهمة لا بد من إنجازها.
(3)
توقفت فجأة أثناء هذا الحراك المحموم لأن شيئاً ما فيما كان يبثه المذياع استحوذ على اهتمامي. كان هذا وقت فقرة كتاب الأسبوع التي كنت في العادة أتابعها باهتمام إذا كان في الوقت متسع، لأنها تلخص في برامج متتالية مدة كل منها ربع ساعة كتاباً من عيون الكتب. ولم يكن في الوقت متسع اليوم، ولكن كان لا بد على الأقل من توقف لأن سياق ما كان يحكى أوحى بأن الأمر له علاقة بالسودان.
(4)
كانت الراوية تتحدث بصيغة المتكلم عن تجربة عايشتها في مكان ما، تولت فيها علاج مرضى في مكان معزول، منهم أطفال مصابون بالملاريا الدماغية، وهي داء قاتل ما لم يعالج بسرعة، إضافة إلى أمراض أخرى ملحة لا حصر لها. ولسبب ما لم يكن أمام المرأة سوى سويعات معدودة لمعالجة المرضى، وقد فرض على الفريق المعالج أن يغادر بأوامر من جهات أمنية رغم أن المرضى كانوا يصطفون بالعشرات في انتظار العلاج.
(5)
لم يطل بي الأمر لكي أدرك أنها كانت تتحدث عن دارفور. فقد كان ملخص كتاب "قلب دارفور"، مذكرات ليزا فرينش-بيكر، وهي ممرضة نيوزيلاندية تطوعت مع فريق منظمة أطباء بلا حدود لمساعدة ضحايا النزاع في مدينة نيالا ومناطق جنوب دارفور. وكانت الصورة لمتطوعين أجانب يجتهدون في تقديم المساعدة لمرضى يتهددهم الموت، وجهات رسمية من جيش وشرطة تطلق عليهم النار أو تمنعهم من أداء عملهم، مما يترتب عليه موت الكثير من الأطفال المرضى.
(6)
في الغرفة الأخرى كان الدعاء الخاشع ما يزال ينساب من القناة السودانية، كناية عن التقوى والخشوع والامتثال لأوامر الله ونواهيه. ولكنه بدا لي في تلك اللحظة أجوفَ خالياً من كل محتوى.
(7)
خلال اليومين التاليين تابعت حلقات الكتاب. كانت هناك روايات مرعبة عن مواطنين شردوا في العراء بحيث لا يصلهم العلاج والخدمات. كان القادة العسكريون بحسب صاحبة الرواية يمنعون الفرق الطبية من معالجة المرضى بمختلف الحجج، ولكنهم قد يسمحون بدقائق إضافية إذا قدم لهم الفريق أدوية مجانية لاستعمالهم الشخصي. وفي النهاية قام القائد العسكري بطرد الفريق الطبي لأنهم عالجوا طفلين أصيبا بطلقات نارية ولم يبلغا السلطات كما طلب منهم. وقد منح الفريق ساعة واحدة لإغلاق عيادته والمغادرة.
(8)
ليس أمام المستمع إلا أن يصدق رواية شاهد العيان. وقد تكون للجانب الآخر روايته، ولكنني أشك في أنها تبرر حجب العلاج عن المرضى المشرفين على الهلاك، وهو علاج كان يجب أن توفره الدولة للناس أساساً، فإن لم تستطع فإن أضعف الإيمان هو ألا تحجب رحمة الله عن عباده.
(9)
كان في الحلق غصة وأنا أنطلق في رحلتي المبرمجة إلى عاصمة أوروبية قريبة كان علينا أن نناقش فيها السياسيين حول كيفية التعامل مع الحركات الإسلامية. وكنا نعتزم أن نجادل بأن الحوار مع الإسلاميين هو الطريق الأمثل، وليس الإقصاء. ولكن أية حجة تركها القوم لنا ممن لم يقرأوا قوله تعالى "ليس البر بأن تولوا وجوهكم قبل المشرق أو المغرب" إلى آخر الآية وغيرها من الآيات البينات؟ إذا كان بعض "الإسلاميين" يرى أن غاية الجهاد هي تشريد ومطاردة النساء والأطفال من المسلمين المؤمنين العابدين القانتين، وحرمانهم من أبسط الخدمات، في حين يخف غير المسلمين سراعاً لنجدتهم، فيمنعون. هل بقي من إيمان من يجترح مثل هذه الكبائر مثقال ذرة أو دون ذلك؟ وهل أصبح بإمكاننا أن نتحدث عن إسلام أو إسلاميين؟

الصحافة
9/2/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

[B]خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية:
ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!
د. محمد وقيع الله
(5)
تحدثنا في المقال الماضي عن مجاهدات الحركة الإسلامية السودانية، في مساقات متعددة، مما حفظت به هوية البلاد وأصالتها، ووقفت حارساً دونها، من أن يعدو عليها أولئك المتآمرون، من أصحاب الأجندة الغربية والشرقية، ووكلاء القوى المتربصة بالسودان.
وسنقف اليوم عند مفاصل من جهاد الحركة الإسلامية الذي آتى ثمره، ولكنه ما عاد يذكر لطول العهد عليه. ولكن لا بد من التذكير به على كل حال، لأنه جهاد حق، ولأنه يحمل أقوى دلالة على أصالة هذه الحركة العتيدة، وعلى ثباتها على عهدها، وعلى أنها حركة لا تتحوَّل، ولا تتبدَّل، كما يتحول، ويتبدل، بعض من التصقوا بصفوفها وتشبثوا بثوبها زمناً، ثم نضتهم عنه، ونفضتهم، فسقطوا، وعادوا يتمنون لها السقوط!
الإنجاز التاريخي المتصل:
إن ما أثر عن المجاهد الإسلامي الكبير الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد قوله: إنه لولا جهاد الحركة الإسلامية السودانية على صعيد القوى الحديثة، لكان احمرار السودان يشع على إفريقيا اليوم!
قال ذلك القول في أواسط سبعينيات القرن الميلادي الماضي، وبه استطاع ببصيرته الإيمانية النافذة أن يقوم جهاد الحركة الإسلامية الفكري والمذهبي ضد الفكرالشيوعي الوافد، الذي وجد له ملاذاً آمناً في السودان، فنمى واستقوى واستفحل، في الإعلام، والنقابات، ودور العلم، وإدارات الحكومة، وقطاعات الجيش، حتى بدا بنفوذ خطير مرعب، ارتاع له الكثيرون، وخشوه، وتملقوه، ولم يتصد له إلا الإسلاميون الأبطال الأماجد، فواجهوه بالتحرّك المناقض والمتفوّق عليه، فكراً، وتنظيماً، وعدة، وعتاداً، واخلاصاً، واحتساباً، فردوه على أعقابه حسيراً، كسيراً، مخذولاً بعد أن كان -كما كان يقال- أكبر حزب شيوعي في خارج المنطقة الشيوعية! وفي قول آخر أكبر حزب شيوعي في أفريقيا والشرق الأوسط معاً!
وقد كانت ملاحظة الشيخ عبد الماجد حكيمة حقاً، فقد كان الحزب الشيوعي السوداني، مهيئاً بتلك العدة الضخمة، كي يكتسح الحكومات الحزبية الكسيحة في السودان، مدعوماً بالنفوذ الأجنبي، وليصبح رأس الرمح الدامي، الذي يدمي أفريقيا كلها، ويصبغها بلون الفكر الأحمر، ويحمِّل السودان أوزار تلك الغزوات، التي جاءت أفريقيا من قبل السودان، فدمرتها كما دمر الشيوعيون أوطاناً أخرى من أعز أوطان الإسلام في ألبانيا، واليمن (الجنوبي)، وافغانستان، والصومال، وأثيوبيا، وغيرها من الأوطان التي عاثوا فيها فساداً وإفساداً، ودمروا بنيتها التحتية والفوقيه سواء!
هذه المغبات الكالحة حالت دونها بالنسبة لأوطان أخرى في افريقيا (من بينها السودان) الحركة الإسلامية السودانية، حيث قامت ثلة قوية صامدة من جند الله، فشدوا المئزر، وشمّروا لجهاد الشيوعيين، وقارعوهم، ولاحقوهم في أوكارهم في (القوى الحديثة!) في مجالات الإعلام، والمنتديات الفكرية، والمنابر النقابية، والبرلمان. فعروهم مما تدثروا به من زائف الشعارات، وفضحوهم على حقيقتهم المعادية للدين، والوطنية، والديمقراطية، وأنجوا بفضل الله تعالى، البلاد والعباد، من كوارث الخراب المنطوية هذا الإهاب.
إن جهاد الحركة الإسلامية لكسر مؤامرات الحزب الشيوعي لتمزيق السودان (باستخدام الشعارات الاثنية هذه المرة!) لا يزال جهاداً متصلاً متلاحقاً، ولا يزال يحسب لها في إنجازاتها تلك التي تحدث عنها الشيخ عبد الماجد في السبعينيات. وحركة تحافظ على ولائها العتيد لهذا البلد الكريم، وعلى عهد حمايتها له من مكائد أعداء الله جميعاً، ليست حركة في طور تهاوٍ أو موات، وإن تهاوت وماتت عزائم بعض من عاشوا في أكنافها شهوراً معددوة، تلبثوا بها متأملين أن يأكلوا من غنائمها أكلاً كثيراً في العاقبة، فلفظتهم لفظ النواة، فأمسوا يتمنون لها الموات!!
ومن بِرِّ الحركة الإسلامية السودانية بوطنها، أنها حافظت على ترابه وعلى سلطته المركزية من أن تجتاحها حركة التمرد. ثم كان من الانجازات الكبرى للحركة الإسلامية السودانية أنها كللت ذلك الجهد القديم، بأن تمكّنت من حل مشكلة الجنوب حلاً شاملاً، نرجو أن يكون هو الحل النهائي لهذه المشكلة ذات الإعضال.
لقد قامت الحركة الإسلامية بتشكيل أقوى سد حال دون استيلاء حركة التمرد على البلاد في خلال عقد ثمانينيات القرن الماضي، وكان شدها لأزر الجيش، وكان موكب أمان السودان أعظم معلم حشد القوى السودانية الوطنية المخلصة ضد حركة التمرد فأفزعها وأفزع حلفاءها من الشماليين اليساريين وغيرهم.
وخلال تنفذها في الحكم في آخر ذلك العقد حشدت الحركة الإسلامية السودانية، قواها النضالية كي ترد طغيان التمرد، وتفك احتلاله لمدن الجنوب ومناطقه، فأجلته عن أكثرها بصيف العبور، ومعارك الميل الاربعين وغير ذلك، وقدمت الحركة الاسلامية من أبنائها آلاف الشهداء والجرحى في هذا السبيل.
ولما انصاعت حركة التمرد، وجنحت للسلم، جنحت إليه الحركة الاسلامية صابرة مصطبرة، طويلة البال، بشكل مذهل أذهل حتى المزايدين المتطرفين من المتمردين. وربما كانت محادثات الحل السلمي بين الحركة الإسلامية ممثلة في الانقاذ، وحركة التمرد، هي اطول محادثات سلمية في تاريخ السياسة في العصر الحديث، ولكنها انضجت الحل على تلك النار البطيئة، فجاء حلاً مفصلا، مقننا، رضي به الطرفان، وكانت الحركة الإسلامية، كما العهد بها، سخية، أريحية، بعيدة عن التعصب، والغلو، فأعطت لحركة التمرد أكثر مما كانت تحلم به من الامتيازات.
ولم يكن ذلك تفريطا من الانقاذ، كما يقول نقاد الانقاذ، الذين لا يعجبهم كل ما يأتي من طرف الانقاذ، خصوصا أولئك الذين اكتالوا كثيرا من (الميرة) من مال الانقاذ (أولئك الذين عملوا في إعلامها -في وزارة الإعلام- قسم الإعلام الدعائي الخارجي، وليس في دبلوماسيتها كما يزعمون!) وعادوا يقولون الآن إن الإنقاذ قد دللت حركة التمرد وشجعت الأقاليم الأخرى على التمرد رجاء أن تنال نيلها، وهذا قول باطل لا يأتي إلا من خواطر الانتهازيين الذين مردوا على أخذ العطاء وأكل (الميرات)!
أما الانقاذ فقد كان فكرها وهي تتصدى لحل مشكلة الجنوب، فكراً كبيراً بحجم الوطن وواسعاً بسعة آماله الفساح، لقد كانت لا تزال ترى ان اهدار الارواح، أرواح المواطنين جميعا، بما فيها ارواح المتمردين، والبسطاء الذين تستغلهم وتجعلهم وقودا لتلك الحرب، أغلى بكثير من أي موارد مادية يمكن ان تقتسم، قسمة عادلة أو ضيزى، وليكن اقتسامها في صالح لخوة الوطن الجنوبيين، إن كان ذلك كافياً لسفك الدماء السودانية التي هي أغلى دماء في الوجود، فمن يرفض ذلك إلا من كان في قلبه غل للوطن وللإنقاذ؟!
لقد قدمت الحكة الاسلامية السودانية، ممثلة في الانقاذ، بعض أعظم من أنتجتهم من رجال الفكر، والحركة، والجهاد، ليمثلوها في لقاءات التفاوض مع المتمردين، فواصلوا كلال الليل، بكلال النهار: فكراً، واقتداراً، وصبراً، حتى حققوا للوطن هذا الإنجاز النفيس، صلح نيفاشا، الذي رضيه الجميع، إلا ما كان من اعترضه من أحزاب الفساد التي تريد أن تنقض عليه لتنقضه، وهيهات، وهيهات، وهيهات!
البر بالشعب والأرض:
ومن بِرِّ الحركة الإسلامية السودانية، بشعبها السوداني الكريم، أنها
عملت على توزيع حقوق الناس، ومنحها لهم بأكثر مما فعلت أي حكومة في تاريخ السودان. ولنضرب المثل هنا بقيام الإنقاذ بتوزيع الأراضي السكنية على الناس. حيث تم في عهد تولي الحركة الاسلامية الحكم، توزيع الاراضي بسخاء على كل المستحقين من المواطنين الكرام.
إن هذه الأراضي كانت موجودة من قبل، وكان المواطنون الكرام محتاجين اليها من قبل أشد الاحتياج، وكانت الحكومات الوطنية موجودة من قبل بالطبع، ولكنها لم تفعل شيئا يذكر في هذه الناحية، إذ كانت لا تزال تفكر وتتصرف بوحي الإرث الإداري الاستعماري القديم، الذي كان يقول إنه لا يمكن توزيع الاراضي على المواطنين بهذه الكثافة الكبيرة، لأنه لا يمكن تقديم خدمات لهم، حيث لا يتوفر الماء، ولا الكهرباء، ولا العلاج، ولا التعليم، ليكفيهم جميعاً!
كانت تلك هي الحجة الجاهزة للحكومات السابقة جميعا (إمكانات مافي!!) وإذا كان للإنجليز عذرهم وسببهم لعدم توزيع الأراضي، في أنهم لم يكونوا يريدون تنامياً حضريا في السودان، حتى لا يتطور الوعي ويتكتل الناس في حركات مطلبية وثورية ضدهم، فما بال الحكومات الوطنية، سواء كانت حكومات انتخاب، ام حكومات استيلاء (بتعبير الماوردي)، تماطل، وترفض توزيع الاراضي السكنية على المستحقين؟! أكانت هي ايضا تخشى من تنامي الحضر واستيقاظ الوعي الشعبي؟! أم انها كانت تقلد بلا وعي سلفها الحكومي الإداري الإنجليزي؟! أم ان السبب كان خليطا من هذين السببين؟!
لا أريد ان أجيب على هذا السؤال، ولغيري أن يجيب عليه مجتهدا ومتحريا الصواب، ولكني أكتفي بالقول بأن حكومة الحركة الإسلامية السودانية ممثلة في الانقاذ لم تخش أي اعتبار من تلك الاعتبارات الذرائعية الحذرة المتخوفة، بل إنها راهنت ولا تزال تراهن على حالة ازدياد حالة التحضر أكثر مما يراهن البعض على حياة البداوة.
والإسلام الذي تستلهمه الإنقاذ، كان منذ يومه الأول، ولا يزال، يدعو إلى حياة التحضر، وينهى عن حياة البداوة استمرائها، وقد ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أنه نهى ان يرتد المرء أعرابياً (أي بدويا) بعد هجرته، وما ذلك إلا لأن حياة البداوة هي معقل ركين حصين، من معاقل الجهل، والفقر، والتخلف، يصعب اقتحامه إلا بنور العلم والحضارة والإسلام!
واهتداء بهذه المفاهيم الهادية، طرحت الحركة الإسلامية السودانية، كل المحاذير والمعاذير والذرائع، وانخرطت في تنفيذ أضخم خطة اسكانية في تاريخ السودان، واستطاعت عبرها ان تملِّك مئات الآلاف من المواطنين اراضٍ سكنية بالعاصمة والاقاليم. وقدمت لأكثر تلك الاراضي ما استلزمته واقتضته من خدمات المياه، والكهرباء، والطرق، والمدارس، والمستشفيات، ونقاط بسط الامن الشامل، وغير ذلك من المستلزمات.
صحيح جداً أن تخطيط تلك الاراضي، وتوزيعها، شابه بعض الخبط والظلم، كما يشوب أي عمل كبير مثل هذا، بعض الخبط والظلم، ولكن هل من العدل والنصفة ان يحصر البعض حديثهم على هذه النواحي السلبية وحدها، ناسين ومتناسين دوافع، وأقدار، ونتائج، هذا العمل التنموي التحضيري العظيم؟!
لا يفكر ويقدر كذلك إلا أصحاب الرؤية الإنشطارية المغرضة. أولئك الذين اشتطوا في الماضي، في مدح الإنقاذ بالباطل،لأكلهم حينها أموالها بالباطل، وها هم يشتطون في نقدها حالياً بالباطل، فحديثهم جله إذن أماني نفس، وأوهام، وأضغاث أحلام صغار الأحلام! وابشري بطول سلام يا حركة الإسلام.

الصحافة
13/2/2008
[/b]
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية: (6)

ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!

د. محمد وقيع الله

ترى هل يدري أبناؤنا الذين يرفعون شعيرة الأذان بأمان واطمئنان في كل آن بمساجد جامعة الخرطوم ومصلياتها العديدة، أنه قد كان دون تمتعهم بهذا الحق البدهي جهاد طال، جهاد قام به جيل باسل من أسلافهم، قارع عصابات التغريب بتلك الجامعة، التي أنشئت نواتها الأولى بعد ثلاث سنوات فقط من معركة كرري، لتصبح رأس الرمح لتغريب السودانيين وإبعادهم، قليلاً قليلاً، عن دين الإسلام..
جهاد في سبيل البدهيات:
وبحكم النشأة الأولى، والتوجيه التغريبي المتواصل، كانت أجواء ما كان يسمى بكلية غردون التذكارية عند النشأة، ثم كلية الخرطوم الجامعية، قبيل الإستقلال، ثم جامعة الخرطوم من بعده، أجواء تعادي صوت الأصالة الإسلامية الحق، وتكره ما يردده ويؤكده كل حين وهو نداء الصلاة، وهكذا ظل رفع الأذان في الوسط الجامعي (المتغرب) أمراً مستنكراً، وبقي من يقوم به شخصاً منبوذاً، يستحق أن يتحرّش به أتباع التغريب من يساريين ويمينيين.
ولكن تلك الثلة الفدائية المحتسبة من طلائع الحركة الإسلامية بالجامعة، أصرت على رفع نداء الصلاة، كائناً ما كان الأمر، ولم يثنها عن ذلك وعيد أو تهديد، وظل أفراد تلك الثلة المرابطة على ثغور الإيمان، يتحمَّلون الأذى كلما رفعوا عقيرتهم بالأذان، حتى اضطروا إلى أن يكونوا من بين أنفسهم كتيبة حماية لمن يكلفونه برفع النداء، لئلا يقع عليه اعتداء، وعندها فطن أبالسة اليسار إلى حيلة ينفذون بها إلى من يطلق نداء الصلاة، فتسلَّقوا أعلى المباني وأخذوا يبصقون على رأسه من هناك!
هذا طرف من الجهاد الذي بذله الإسلاميون لمجرَّد أن ينالوا حق ممارسة بعض شعائر الدين المهمة في الجامعة، وهو الحق الذي انتزعوه بقوة إيمانهم، ومضاء سواعدهم، ثم ملَّكوه للآخرين ممن لا يتجرأون على خوض مثل هذا الجهاد، أو لا يرون له ضرورة على الإطلاق، أو أولئك الذين لهم قابلية عجيبة للرضوخ للإرهاب الأدبي الإعلامي اليساري، وهو الإرهاب الذي لا يزالون يمارسونه بصور شتى على الناس حتى الآن!
اللا طائفية السوقية:
هكذا بدأ جهاد الحركة الإسلامية قبل أكثر من نصف قرن، من أجل أداء فريضة الصلاة، وصلاة الجماعة بالذات. وقد بقيت صلاة الجماعة في الجامعة تقليدا ينفر منه كبار العلمانيين، من الأساتذة، بل عامة الأساتذة. وحكى مؤرخ كتب في تاريخ الحركة الإسلامية السودانية خبر ذلك، وتحدّث عن جهوده لإقناع بعض الأساتذة -ومنهم من كان يحسب على (العروبيين) والإسلاميين- لتأييد مشروع يرمي لإقامة مسجد جامعة الخرطوم (الحالي)، فضاعت جهوده سدى، لأن الأساتذة احتجوه بأنه لا يجوز إنشاء مسجد بالجامعة إلا إذا أقيمت بها كنيسة للنصارى!
من قال لأولئك الأساتذة الكرام (وهم مسلمون!) إنه لا بد أن تقام كنيسة بجامعة الخرطوم؟! النصارى لم يقولوا لهم ذلك، ولكنهم تصوروا الأمر كذلك، لأن جو التغريب الذي أنشئت في ظله المدرسة، ثم الكلية، ثم الجامعة، هو الذي كيف أذهانهم لتفهم الأمور كذلك!
وتلكم هي-بحق- عقلية (اللا طائفية السوقية)، السوقية حقاً، التي تحدث عنها كثيراً الثائر الجزائري الفيسلوف عمار أوزيغان. كان عمار، رحمه الله، فيسلوفاً ماركسياً، على مستوى أوروبا كلها، ثم أسلم، وكتب كتابه الأروع (الجهاد الأفضل). وتحدث مستهزئاً ببعض المتعلمين المسلمين المتغربين، ممن شهدهم، يترك أحدهم الصلاة، إذا كان بمحضر من لا يصلون، وذلك حتى لا يؤذي مشاعرهم بإقامته الصلاة مع تركهم إياها! أو يرفض أحدهم أن يشرب الخمر، ولكنه لا يقول إنه يرفضها لأنها حرام في شرع الله، وإنما يعتذَّر بوضعه الصحي، قائلاً إن طبيبه قد منعه من معاقرتها!
كانت العقلية المتفرنجة السائدة بجامعة الخرطوم شيئاً قريباً من ذلك حتى ستينيات القرن الماضي. ولذلك شاءوا أن يعرقلوا مشروع بناء مسجد الجامعة، حتى لا يؤذوا مشاعر النصارى، كما زعموا. ذلك مع أن النصارى لم يكونوا يعترضون على إقامة المسجد، ولا يرون في بنائه افتئاتاً على حقوقهم أو استفزازاً لمشاعرهم.
ولكن كانت تلك هي الحجة التي انتحلت من قبل المسلمين التغربيين لإثبات (لا طائفيتهم السوقية!) وعطلوا بها مشروع قيام المسجد إلى أن تصدى لإنجازه بالفاعلية الحركية اللازمة شهيد الإسلام عبيد ختم، والحبيب الراحل محمد كبير، ومجاهدون آخرون، لهم في عنق الجيل الحالي، من أبناء جامعة الخرطوم، وأجيالها اللاحقة دين كبير. فهؤلاء المجاهدون البررة هم الذين توجوا بإقامة هذا المسجد، جهود الحركة الإسلامية السودانية الحافلة، التي بدأت منذ أكثر من نصف قرن، لتعظيم فرض الصلاة، وهو الفرض الذي سيظل، على رأس أعمال الحركة الإسلامية السودانية على الدوام.
النحت في (ظلط) البلادة:
هذه اللمحة من التاريخ ترينا كيف كانت الحركة الإسلامية السودانية تنحت في (ظلط) البلادة والتجمد، في أذهان ذراري مسلمين، ظلوا يقاومون مجرّد رفع شعيرة الأذان بالجامعة، وحاربوا طويلاً فكرة إنشاء مسجد بها، حتى أقنعتهم الحركة الإسلامية أن ذلك بالإمكان، وما أقنعتهم بذلك إلا بالجهاد الماضي وعزائم الإيمان.
إن هذا جزء عزيز من إنجازات الحركة الإسلامية السودانية، وجانب حي من تراثها الغالي، الذي نرجو أن يعرفه الأبناء. وإن الحركة الإسلامية السودانية، صاحبة هذا التراث الفاخر، وهذه الإنجازات الضخمة المتنامية، ستظل حركة حيَّة يقظة لن تموت، بإذن الله، حتى تحقق أهدافها جميعاً، وتحبط مكايد ودعوات خصومها أجمعين، لا سيما هؤلاء الشانئين الذين انبتُّوا عنها، ثم نبتوا في حزب الشيطان! (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون). المجادلة: 19.
لكل شعيرة جهاد:
هذا عن جهاد الحركة الإسلامية في سبيل رفع شعيرة الأذان. وقد كان لكل شعيرة أخرى من شعائر الدين جهاد بذل دون تقريرها واستقرارها. وحدّث ولا حرج عن حق إطلاق اللحى للشباب، وحق لبس الحجاب الشرعي للفتيات (ودع عنك حديث النقاب إلى حين!). كان إطلاق اللحية مثار السخرية الكبرى وسط السفهاء، وأما تحجيب النساء (بل حتى مجرد أدائهن الصلاة!) فقد كان مثار عجب واستهزاء وإيذاء لبنات حواء.
وإذا شئنا أن نتحدّث عن شأن الحجاب والإلتزام الديني للفتيات، فقد خاضت الحركة الإسلامية السودانية هنا جهاداً فكرياً وحركياً تحديثياً هائلاً، أعاد إلى الفتيات الثقة بهذا الدين، بعد أن صوره المبطلون عدواً لدوداً للمرأة، فخيّبت المرأة ظنهم، بأن أصبحت أعظم نصير لهذا الدين.
في الجامعة الإسلامية يختلفون مع القرآن:
وأحب أن أتحدّث الآن عن جامعة أم درمان الإسلامية، التي تلقيت العلم بها، وأعرفها أفضل مما أعرف جامعة الخرطوم، وإن كنا ندين للحركة الإسلامية بجامعة الخرطوم بالفضل. كنا حتى أواسط سبعينيات القرن الميلادي الماضي نسمع بجامعة أم درمان الإسلامية أصوات طالبات يتحدثن على المنابر العامة (ربما كن شيوعيات يكتمن إيمانهن بدينهن!) يتحدثن فيقلن إنهن يختلفن مع القرآن في هذا الشأن أو ذاك! ولا يجدن أدنى حرج في أن يقلن هذا القول النُّكر بجامعة الإسلام، ومما كن يقلن إنهن يختلفن فيه مع القرآن، موضوع حجاب المرأة المسلمة، الذي كان غريباً جداً في الأوساط الجامعية، بما فيها جامعة أم درمان الإسلامية، ولم تكن بالجامعة الإسلامية حتى ذلك الحين أكثر من ثلاث عشرة طالبة محجبة، تخرج منهن في سنة واحدة ثمانية، وأبقين وراءهن خمساً يواصلن النضال!
ولكن ما أن صدرت رسالة (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع) التي وصلتنا في صورة خطوط عريضة، ثم قام الطالب (حينها) علي الخضر بخيت، بمعونة آخرين، بإكمال تحريرها، بإدخال النصوص، والأدلة، والأمثلة، عليها، حتى شع نورها، ونور الفكر والالتزام الإسلامي، في أوساط الطالبات، وتسابقن على الإهتداء بشرع الله.
وما أن مضت أعوام قلائل حتى تنامى الوجود الإسلامي وسط الطالبات. ثم حلت رائدة من رائدات البعث الإسلامي بالجامعة، هي فضيلة الدكتورة سعاد الفاتح البدوي، حفظها الله، التي جاءت عميدة لكلية الطالبات، واتخذت القرار الطبيعي، بفرض الحجاب على جميع الطالبات.
ومع أننا كنا ضد قراراها ذاك إذاك، إلا أنه بمضي الوقت اتضح أنه القرار الصحيح الرشيد، الذي صار في ما بعد الأساس المرشد لتعميم زي المرأة المسلمة بعموم السودان، فحيّا الله تعالى، أمنا وشيختنا سعاد الفاتح البدوي، وأسبغ عليها حلل الرضا، والصحة، والعافية، والإحسان، فكم لها في خدمة الإسلام، في السودان وخارجه، من شأن وأي شأن.
المعالجات المتأنية الهادئة:
هذه الحركة الإسلامية طويلة العمر، واسعة الأفق، رحبة الفكر، ظلت تعالج الأوضاع الروحية، والاجتماعية، وأوضاع الهوية الإسلامية، والقومية، بتأن وصبر تام. ولذلك يحق أن يقال في أمرها: كم قطعت من أرض وكم أبقت من ظهر!
لم تلجأ الحركة الإسلامية السودانية إلى التسرع، ولا إلى التعسف، ولا إلى مصادمة المزاج العام، لأهل السودان، بل تسرّبت فيه بنفس اللطافة، والسماحة، التي تسرّب بها الإسلام إلى السودان قبل خمسمائة عام!
لقد كان دخول الإسلام إلى السودان متأخراً جداً، كما حدثنا بذلك المؤرخون، فقد صدنا عن الدخول مبكراً في دين الإسلام، أولئك المحاربون الذين كانوا يدعون (رماة الحدق)، فهم الذين منعوا دعاة الإسلام من دخول السودان، لمدى سبعمائة عام، وهكذا لم يتمكّن الإسلام جيداً في بلادنا إلا بعد سقوط مملكة سوبا، في مطالع القرن السادس عشر الميلادي.
ولكن مع هذا التأخير الكبير في ورود دين الحق إلى السودان، فسرعان ما تجذَّر هذا الدين، وتعمّق في أرض بلادنا الطيبة، التي نبذت عنها الأوثان والصلبان، وأتت مقبلة لترشف من نبع الإيمان. وقد جاهد العلماء والصوفية وأنصار المهدي في ترسيخ الإسلام في السودان لحقب طوال، واستمر الشأن كذلك حتى أتت الحركة الإسلامية الحديثة، وقد أتت هي الأخرى متأخرة زماناً إلى بلادنا، حيث طرقتها في آخر ما طرقت من أقطار العروبة والإسلام، بعد منتصف أربعينيات القرن الماضي، ولكنها كم وجدت من آذان صاغية، وعقول صافية، وكم أوجدت من دعاة أفذاذ، علقت قلوبهم بالدين، واستيقنوا حقائقه، واستلهموها، ونافحوا عنها في إخلاص، وصدق، ووفاء، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً، ولذلك فقد بقي غِراسهم وسيبقى غِراس خير أبداً بإذن الله.
أما المنسلخون القلائل، ممن بدلوا، وانحرفوا عن خط الحركة الإسلامية السودانية، من بعد أن عاشوا في أحضانها شهوراً معدودة، ثم عادوا ليرتزقوا منها لمدى أعوام في عهد الإنقاذ، ثم تفرّقوا عنها، ثم تفرغوا لحربها، والتأليب عليها، وكتابة الدراسات الأمنية الزائفة عنها للأعداء، فهؤلاء ليسوا بضارِّينها شيئاً بإذن الله، أولئك:
إن سمعوا الخير أخفوه، وإن سمعوا شراً أذاعوا، وإن لم يسمعوا كذبوا!



الصحافة
20/2/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »


فلنواصل الحوار مع د. محمد وقيع الله
إنكار الحقائق الساطعة لا يخفيها ولا ينفع الوطن
عبد الله الأمين المحامي
[email protected]
كان د. عبد الوهاب الأفندي قد كتب مقالا رفع فيه الفاتحة على روح من أسماها بالحركة الإسلامية، وقدم العزاء لذويها، وهو بعض ذكرياته «الشجية» من أيامها، ومن البديهي أنه لم يكن يقصد حكومة الوحدة الوطنية الحالية، ولا حتى حكومة الإنقاذ السابقة، وإنما قصد الحركة الإسلاموية قبل أن تصل إلى السلطة، والتي كانت حركة نشطة في الوسط السياسي، خارج السلطة، ومن الواضح أن حديثه عن موتها إنما يعني أنها ماتت نتيجة لسياسات «الإنقاذ» الفاشلة، ثم نتيجة لاضطرار حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى تجاوز مرحلة الإنقاذ نفسها، بكل شعاراتها الدينية، ومشروعها «الحضاري» الإسلاموي، والتحول إلى مرحلة حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية، والتي جعلته حزبا وطنيا، وليس دينيا، بمعنى أنه قد صار ينافس باسم الوطن لا باسم الإسلام، ويشارك مسيحيين في إقامة دولة الوطن، لا دولة الدين، وفي كفالة الحقوق المتساوية على أساس المواطنة، لا على أساس الدين، ويقبل أن يكون نائب رئيس الجمهورية مسيحيـًا، الخ، وكل ذلك، بطبيعة الحال، مخالف للفهم السلفي للإسلام الذي كانت تقوم عليه الحركة الإسلاموية، قبل أن تصل إلى السلطة، أو قـل مخالف للشريعة الإسلامية السلفية التي كانت تدعو لتطبيقها.. وهذا يعني أن الحركة الإسلاموية قد ماتت في حادث اصطدامها بقطار العصر، عند وصولها إلى السلطة.. والواقع أن الحركة الإسلاموية قد ظلت تحمل بذرة فنائها، في داخلها، منذ نشأتها في مصر على يد مؤسسها حسن البنا، لأنها لم تقم على فهم جديد للإسلام يناسب مقتضيات العصر، وإنما قامت على إدعاء تطبيق الشريعة الإسلامية السلفية التي تقضي بأن يكون الحكام مسلمين بالضرورة، وأن يدفع المسيحيون «الجزية» عن يدٍ وهم صاغرون، أي ذليلون مهانون، كما تقضي بأشياء أخرى كثيرة لا تتوافق مع مقتضيات العصر، فالشريعة الإسلامية السلفية لا تسع العصر الحاضر، وإنما تضيق عنه، بينما يسعه الإسلام، في مستوى أصوله المكية، وفقا لما دعا إليه الأستاذ محمود محمد طه، ولم يتوصل إليه بالتفكير المجرد، وإنما بالعلم المتحصل عن طريق التقوى، قال تعالى: «واتقوا اللهَ ويعلمكم اللهُ، واللهُ بكل شيء عليم» صدق الله العظيم.
وكردٍ على مقال الأفندي المذكور، كتب د. محمد وقيع الله مقالا بعنوان «خمسون إنجازًا للحركة الإسلامية السودانية، ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها» نشر بهذه الصحيفة مجزءًا في 24 و25 و30 يناير 2008م.. والواقع أن وقيع الله لا يدافع عن الحركة «الإسلامية» التي عناها الأفندي، ولا عن ابنيها معا «المؤتمرين الشعبي والوطني»، وإنما يدافع عن «المؤتمر الوطني» بالتحديد، فهو قد انتقد الترابي في مقال سابق ووصفه بأنه من دعاة النقمة والخراب.. فدفاعه عن الحركة «الإسلامية» إنما هو في حقيقـته دفاع عن «المؤتمر الوطني» فقط.. ومما جاء فيه قوله: «والحق أقول فإنني ما كنتُ أتخيل قط أن الحركة الإسلامية السودانية ستصل بنجاحاتها إلى هذا المدى البعيد الذي أمّـنت فيه نفسها وأمّـنت فيه الوطن والمواطن، وأسهمت بقدح معلى في ترقية الحياة وتهذيبها وتشذيبها وضبطها بإطار الإسلام» انتهى.. فأما تأمين «المؤتمر الوطني» لنفسه، إن كان يعني تمكين نفسه من مفاصل السلطة والثروة، وإقصاء الآخرين، فقد نجح فيه ردحا من الزمن، ثم بدأ يفشل فيه أخيرا، وهو على كل حال لم يكن إنجازا ايجابيا، وإنما كان احتلالا آحاديا للبلاد، ونسفا لأبجديات العدل، ونهبا لثروات الشعب.. وأما الوطن والمواطن، فلم يوضح لنا كيف قام «المؤتمر الوطني» بتأمينهما، والواقع أنه في مرحلته السابقة «مرحلة الإنقاذ» قد فعل العكس، إذ أثار الحروب والنزاعات والفتن الدينية والعنصرية، في كافة أنحاء الوطن، فزعزع بذلك أمن الوطن والمواطن، بل وأوشك أن يلقي بالوطن في هاوية التمزق والاقتتال، وهذه حقائق يعرفها الجميع، ولا تجدي المغالطة فيها.. وأما «ترقية الحياة وتهذيبها وضبطها بإطار الإسلام» فلم يذكر أية نماذج لها، ولعله يقصد منع البارات، ومنع المطاعم في نهار رمضان، وما إلى ذلك، فإذا كان يقصد ذلك، ويظنه تهذيبا أو ضبطا اسلاميا للحياة، فقد كان قائما في عهد حكومة الأحزاب التي انقض عليها الحزب الإسلاموي، بزعامة الترابي، ليلا، وفق خطة خداعية، درامية، اعتقـلوا فيها زعيمهم، الترابي، نفسه، ثم زعموا أنهم قوميون، لا ينتمون لأي حزب، وأن رأيهم في «الجبهة الإسلامية» أنها «ركن من أركان الفساد، كسائر الأحزاب» الخ.. ورغم أن ذوي الفـِطـَر السوية يعلمون بداهة أن أية حركة سياسية، تدَّعي الدين، ثم تفتـتح عهدها في السلطة بمثـل هذا الخداع، ما لم تأسف وتعتذر عنه، وعن غيره من خطاياها في حق الشعب، فإنها لن تنجح بصفتها حكومة، ولن تنفع الشعب، ولن تنفع نفسها باعتبارها حركة، ولن تكون لها إنجازات ايجابية، بيد أني مع ذلك سأحاول مناقشة وتقييم ما يدعيه وقيع الله من إنجازات.. فلقد أقاموا لاحقا دولة «التمكين» الإسلاموي، ثم انتزعت الحركة الشعبية منهم، فيما بعد، حق فتح البارات في الجنوب، وفتح المطاعم في نهار رمضان، حتى في الخرطوم، وهذه أيضا حقائق يعرفها الجميع، فإذا سلمنا جدلا بأن منع البارات، ومطاعم نهار رمضان، وما إلى ذلك، يعتبر تهذيبا وضبطا اسلاميا للحياة، فأيهما الذي كان هذا «التهذيب والضبط» مطبقا في عهده بصورة أوسع: حكومة الحزب الإسلاموي الذي أسقط حكومة الأحزاب، أم حكومة الأحزاب؟؟.. والحق أن تهذيب الحياة لا يكون إلا بتوعية وتربية إسلامية، لا يعرفها الإسلامويون، وقد ذكرتُ طرفا منها في مقال سابق، نشر بهذه الصحيفة في أربعة أجزاء، من 22 حتى 25 يناير 2008م.
تأمين النظام لنفسه:
ثم يقول وقيع الله: «فلقد انتقلت الحركة الإسلامية السودانية ـ بحمد الله ـ من طوْرها القديم لتصبح دولة حديثة، وجيشا مهيبا، وجهازا أمنيا متينا مكينا ركينا يحميها، فأصبحت هي الحركة الإسلامية الوطنية التي تستحق هاتين الصفتين الكريمتين معا» انتهى.. فالمؤتمر الوطني، في نظره، قد صار وطنيا لأنه أمّـن نفسه بهذه الصورة، فمعيار الوطنية عنده هو تأمين النظام لنفسه، فإذا أخذنا بهذا المعيار فإن كافة الأنظمة الدكتاتورية المستبدة في العالم تعتبر وطنية لأنها لا تقصِّر في تأمين نفسها.. ثم يقول: «فمنذ تنفذ الحركة الإسلامية السودانية وتمكنها بفجر الإنقاذ الأغر، أصبحت هي الفاعل الأكبر، الذي يدير العمل السياسي السوداني بالمبادرة والاقتدار، بينما لم يعد معارضوها وأعداؤها الحزبيون يشكلون سوى ردود فعل شاحبة خائبة غارقة في الضلال، فأصبحت الحركة الإسلامية السودانية بذلك هي الحركة الوطنية بحق وحقيق، بينما انتمت أكثر الجهات الحزبية المعارضة لها، إلى جهات أجنبية مشبوهة، لاذت بها، واستذرت بظلالها، ووظفت نفسها في خدمة أجندتها، المضرة بأجندة الوطن، فهذا واحد من أكبر إنجازات الإنقاذ، أنها مازت لنا الخبيث من الطيب، وأبانت لنا المعلول من الصحيح، وكشفت لنا العميل من الأصيل»، انتهى.. ولم يحدد لنا الجهات الأجنبية «المشبوهة» التي انتمى إليها، حسب زعمه، أكثر الأحزاب، كما لم يحدد الأجندة الأجنبية المزعومة التي خدموها.. والواقع أن أغلب حديثه، عن معارضي «المؤتمر الوطني» من الأحزاب الأخرى، إنما هو مثـل هذا الحديث، مجرد اتهامات مرسلة بلا تحديد وبلا دليل، فإذا كان يقصد لجوء التجمع الوطني إلى القاهرة وأسمرا، فقد كان سبب ذلك استبداد حكومة الإنقاذ السابقة، وطغيانها، فقد حلت الأحزاب، وصادرت دورها وممتلكاتها وحرية العمل السياسي، وبطشت بالمعارضين، ومارست التعذيب، الخ، مما ألجأ الأحزاب إلى الخارج، ثم إن الحركة الإسلاموية نفسها قد سبق أن لجأت إلى الخارج، في العهد المايوي، حيث اشتركت مع الصادق المهدي آنذاك في إرسال «المجاهدين» من ليبيا لزعزعة الأمن والاستقرار بغرض إسقاط مايو.. ويبدو أن وقيع الله يحب أن يصدِّق الشعارات الإسلاموية دون أن ينظر في مدى تحقيقها على أرض الواقع، فقد أكثروا، في عهد «الإنقاذ» السابق، من ترداد شعارات وعبارات مثـل «استقلال القرار» و«العقيدة والوطن» و«الأرض والعرض» و«أميركا روسيا قد دنا عذابها» الخ، وفات عليهم أن الله تعالى إنما يمتحن الصدق، عند كل من يبالغ في إدعاء الدين، أو البطولات، أو الفضائل، لنفسه، فيضعه على المحك، فيفضح مبلغ عجزه عما يدَّعي، ولذلك صارت الإنقاذ أكبر مطيع للدول العظمى، وللضغوط الخارجية، في ما هو ايجابي وفي ما هو سلبي، على حدٍ سواء، فمن قبيل الطاعة في الايجابيات طرد من كانت تأوي من المتطرفين الأجانب، وقبول اتفاقية السلام مع السودانيين، بما تتضمن من تفاصيل، منها الاعتراف بالتعددية وعودة الأحزاب وكفالة الحريات وإنهاء مرحلة «الإنقاذ» الدينية، والتحول إلى مرحلة «الشراكة» الوطنية، الخ، وأما الطاعة في السلبيات، فإن من السلبيات الضارة بالشعب السوداني، والتي أطاعت الإنقاذ فيها قوى «السوق الحر» العالمية، سياسة الخصخصة و«التحرير» الاقتصادي، حيث يوضع الشعب، بأكثريته الفقيرة، تحت رحمة الشركات الخاصة، التي لا يهمها سوى الربح الوفير، تتحكم في حاجاته الحياتية الضرورية، مثل العلاج والتعليم والكهرباء والماء والتموين والاتصالات، الخ، علما بأن الشعب هو صاحب الحق الأصلي في البترول، وفي غيره من المال العام، وفي كافة الأراضي والمنشآت والمرافق العامة التي تباع لجهات خاصة، ولا يعـلم الشعب بكم تباع، وأين تذهب أثمانها، وأين تذهب الضرائب، لا سيما أن الحكومة، بسياسة «التحرير» نفسها، لم تعد تقدم دعما يذكر حتى للخدمات الضرورية مثل العلاج والتعليم وغيرهما
ثم يقول وقيع الله: «ولدى إحساس الإنقاذ بتبعاتها الوطنية الملحة الكبرى، سعت للتو لإنقاذ الوطن من كيد الخصوم، واتجهت لإنجاز استقلال الوطن الاقـتصادي قدر المستطاع، فأخذت ملاحم البناء، والنمو، والدفاع، تتالى لتحقق وعد الإنقاذ الحق» انتهى.. والواقع أنها سعت لبسط سلطانها الآحادي على كل البلاد، بما فيها أراضي الجنوب ذات البترول الوفير، فواجهت معارضة في ذلك، من أحزاب وحركات سودانية متعددة، وهي ما عناه بعبارة «كيد الخصوم»، فأخذت ملاحم الحرب، وليس البناء، تتالى، ولكنها فشلت في النهاية، فاضطرت الإنقاذ إلى قبول السلام بثمنه، وهو مشاركة الآخرين معها في السلطة وفي الثروة، فالسودان وثرواته ليس ملكا لها وحدها.
استخراج البترول:
ثم يقول وقيع الله: «ففي غضون سنواتها الأولى وفي أقسى ظروف الحصار الذي ضرب عليها، تمكنت الإنقاذ من تحقيق إنجازها الأكبر، الذي قلب كل المعادلات، وهو استخراج البترول من باطن الأرض، بعد أن ظل استخراجه وتسويقه في عداد أحلام السياسيين العاجزين القاصرين» انتهى.. ومن يقرأ هذا الحديث يتصور أن عملية استخراج البترول تتطلب أن يقوم الحكام أنفسهم، من رؤساء ووزراء، بحمل أدوات حفر بدائية مثل «الطورية» و«الأزمة» في أيديهم، ثم يقومون بحفر الأرض حتى يخرج منها البترول، مما يوحي بأنها عملية شاقة ومضنية للحكام، وأن تسويقه معضلة كأنه شيءٌ لا يرغب أحد في شرائه.. والواقع أن بيع البترول لا يحتاج تسويقا لأنه الطاقة التي يحتاج إليها كل العالم، وأما عملية استخراجه فليست سوى اتفاق مع شركة أو شركات أجنبية على استخراجه مقابل ثمن معين، تأخذه من البترول نفسه بعد استخراجه، فهل هناك حكومة تعجز عن مثـل هذا الاتفاق؟ وهل هناك حكومة في العالم وُجد في أرضها بترول ثم عجزت عن استخراجه أو تسويقه؟.. إن وقيع الله يحاول أن يصور استخراج البترول وتصديره وكأنهما معجزة، خارقة، ليختـلق للإنقاذ بطولة، أو أفضلية على سواها، ولكن هيهاتَ هيهات.



فلنواصل الحوار مع د. محمد وقيع الله 2/2
عبد الله الأمين ، المحامي
[email protected]
إنكار الحقائق الساطعة لا يخفيها ولا ينفع الوطن
ثم إن الإنقاذ لم تستخرج البترول في سنواتها الأولى، كما يدعي، وإنما تأخرت في استخراجه نحو عقدٍ من عمرها، وذلك بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، مما جعل بعض القوى الضاغطة في المجتمع الدولي تفرض عدم التعامل معها، إلى أن تعاملت معها أخيرا بعض الشركات الآسيوية، واستخرجت لها البترول.. والحق أن استخراج البترول، إذا لم يكن مصحوبا بسياسة عادلة في توزيع الثروة، فإن استخراجه عندئذٍ لا يمثـل إنجازا ايجابيا وإنما يمثـل نهبا لثروة الشعب.. ولقد سبق أن أشرتُ، في مقالي السابق، سالف الذكر، إلى بعض ملامح سياسة العدل في توزيع الثروة، ومنها أن يكون أهم وأغلب وسائل الإنتاج، ومرافق الخدمات، ومشاريع التنمية، مملوكــًا للقطاع العام، لا للقطاع الخاص، مع توزيع هذه الوسائل والمرافق والمشاريع على مختلف المناطق الجغرافية، وتوسيع فرص العمل والوظائف فيها، وأن يكون معيار التعيين الكفاءة وليس الولاء، مع التقريب بين مستويات الأجور والمرتبات، وذلك يبدأ برفع الحد الأدنى للأجور وخفض الحد الأعلى، بحيث لا يزيد الفرق بين أعلى مرتب «مرتب رئيس الجمهورية» وأدنى مرتب «مرتب خفير أو فرَّاش» عن عشرة أضعاف، كبداية، ثم تتجه السياسات، كلما تحسن الوضع الاقتصادي، إلى رفع الحد الأدنى للأجور بمعدل أكبر مما ترفع به الحد الأعلى، بحيث تضيق الشقة بين الحدين، إلى أن تضيق إلى أقصى حد ممكن، مع دعم وتوسيع فرص العلاج والتعليم وغيرهما من الخدمات الحياتية الضرورية، في كافة أنحاء البلاد، إلى آخر ما يدخل في معنى العدل في توزيع الثروة.
ثم يقول وقيع الله: «وقد واصل هؤلاء السياسيون هزءهم ومساخرهم اللفظية، عندما هبطت أسعار البترول إلى تسع دولارات في وقت استخراج الإنقاذ له، فقالوا في ذلك ما قالوا من هذر القول، ولكن التاريخ كان في صف الإنقاذ، إذ سرعان ما ارتفع سعر البترول، حتى تخطى اليوم حاجز المائة دولار. ولهؤلاء السياسيين العاجزين الهازلين الهازئين وأتباعهم أرفع هذا السؤال المشروع: كيف كان للسودان أن يدبر اليوم نقدا يستورد به البترول من الخارج بهذا السعر الرهيب؟ وكيف كان يمكن أن تحصل البلاد على البترول اليوم، لو لم تقم الإنقاذ ببعد نظرها الثاقب، باستخراجه من باطن الأرض في ذلك الزمان؟» انتهى.. فكأن الإنقاذ، في زعمه، قد علمت «ببعد نظرها الثاقب» أن أسعار البترول سترتفع بحيث تعجز البلاد عن شرائه، ولذلك قامت باستخراجه في ذلك الوقت بالذات، قبيل ارتفاع أسعاره، حتى تغني البلاد عن شرائه، عند ارتفاع أسعاره، ولكن هذا الزعم لا صلة له بالواقع، وإنما هو محاولة بائسة لاختلاق فضيلة للإنقاذ، بأية وسيلة، فالواقع أن الإنقاذ لم تكن لتتأخر لحظة عن استخراج البترول، منذ استيلائها على السلطة، لو وجدت شركة أجنبية تتعاقد معها في ذلك الوقت، وذلك لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال أن البترول، في ظنها، سيقويها ويدعم سلطانها ويقيم لها دولة «التمكين» المنشودة.
مستوى دخل الفرد:
ثم يقول وقيع الله: «لقد أدى استخراج الإنقاذ للبترول إلى تغيير الخارطة الاقتصادية، وأدى إلى تحسن الوضع الاقتصادي باضطراد، وبذلك نجحت الإنقاذ في رفع مستوى معيشة المواطن السوداني إلى حد ملحوظ. إذ تضاعف معدل الدخل الفردي خلال خمس سنوات فقط، ما بين 2000 و2005م، ولا يملك من يتعامل بلغة الأرقام إلا أن يقرَّ بأن المواطن السوداني يتمتع الآن بأعلى مستوى معيشي في تاريخه أجمع. هذا من حيث توفر الأشياء الاستهلاكية، وتوفر وسائل الرفاهية التي يجدها الآن، ولم ينعم بها بهذا القدر الكبير من قبل» انتهى.. والواقع أن «معدل الدخل الفردي» في الاحصاءات إنما يعني «متوسط دخول الأفراد» فهو يقاس عن طريق قسمة الدخل القومي الإجمالي على عدد السكان، ويكون حاصل القسمة هو «مستوى دخل الفرد» أو «معدل الدخل الفردي» ولكن الدخل القومي الإجمالي، في الواقع، لا يوزع على السكان بالتساوي، بل وفي عهود الفساد السياسي يذهب جله إلى قـلة قـليلة، بينما لا تجد الأكثرية منه سوى الفتات، ولذلك فإن «معدل دخل الفرد» الاحصائي، لا يصلح كدليل على مستوى الدخل الفعلي لدى أغلبية الأفراد، ولذلك فلا عبرة به، فإذا كان الاقتصاد إنما ينمو ويتحسن لصالح قـلة قـليلة دون الأكثرية، فما هي أهمية نموه وتحسنه؟.. وكنتُ قد ذكرتُ ذلك في مقال سابق، فكان مما رد به وقيع الله على هذه النقطة قوله: «والواقع إن الذي لا قيمة له إنما هو منطق المحامي هذا الذي يجادل به. فهذا هو المقياس الاقتصادي العلمي العالمي المتبع في تحديد درجات التقدم الاقتصادي لجميع حكومات العالم، فلماذا تستثنى منه الإنقاذ؟ هل تستثنى لمجرد أن هذا المحامي الفاضل لا يستلطفها، ولا يبدو هذا سببا كافيا للاستثناء» انتهى.. ولكني لم أطلب استثناء الإنقاذ من هذه الاحصاءات، لقياس حجم الدخل الكلي الإجمالي، مثلا، وإنما أوضحت أن هذه الاحصاءات، عندما تتحدث عن مستوى دخل الفرد، فإنها إنما تعني «متوسط» دخل الفرد، أي الدخل المتوسط، بين دخول الأفراد ذوي الدخول العليا، ودخول الأفراد ذوي الدخول الدنيا، وذلك لأنها إنما تقسم الدخل الإجمالي على عدد السكان، وحاصل القسمة هو «متوسط دخل الفرد». وبديهي أن هذا «المتوسط» ليس مرتكزا في تحديد نسبة الفقر «نسبة عدد الفقراء إلى مجموع الشعب» فقد يكون المتوسط عاليا، والفقراء أكثرية في ذات الوقت، لا سيما إذا كانت الحكومة تطبق سياسة غير رشيدة، وغير عادلة، في توزيع الثروة، كما فعلت الانقاذ
سياسة «التحرير» الاقتصادي:
وأما زيادة حجم السلع والخدمات، بمختلف أنواعها، والكمالية منها بصورة خاصة، في أواخر عهد الإنقاذ، فهو صحيح، وسببه فتح السودان كسوق «حر» لمنتجات الشركات الخاصة، الأجنبية والمحلية، تنفيذا لسياسة «التحرير» الاقـتصادي، وكلمة «حر» في وصف السوق، وكلمة «تحرير» في وصف الاقـتصاد، إنما يقصد بهما امتناع الدولة عن سن قانون لحماية المستهلك، يضع قيودا على الإنتاج، أو على الأسعار، أو على وسائل التسويق، بمعنى عدم تدخل الدولة بين المنتج والمستهلك، وترك السوق «حرا» مع تخلي الدولة عن الإنتاج للقطاع الخاص، مما يعني ترك المستهلكين فريسة للمنتجين، وحيث أن هدف الشركات الخاصة إنما هو تحقيق الربح لنفسها، ولا تهمها مصلحة المستهلكين، ولا تعنيها، فإن سياستها، في كل مكان، هي العمل على تسويق ما تـنتج، وليس إنتاج ما يُسوَّق، أو قـل، بعبارة أخرى: السعي إلى خلق حاجة المستهلك لما تـنتج، بهدف خلق الطلب لما تنتج، وليس إنتاج ما هو مطلوب أصلا، أو ما يحتاجه المستهلك أصلا.. وهناك في الواقع سلع وخدمات سلبية ووهمية، عديدة، ضارة بالمستهلك، وهي السلع والخدمات التي لم يكن يحتاج إليها المستهلك أصلا، أو كان بإمكانه أن يستغـنى عنها بغيرها، مما هو أقـل سعرا منها، ولكنه مع ذلك يرغب فيها، هي بالذات، نتيجة تعرضه لتأثير ايهامي، يوهمه بالحاجة إليها، ويخلق رغبته فيها، في ظل غياب التوعية والترشيد، وغياب قانون يحميه.. ومن أبرز وسائل التأثير الايهامي الدعايات والإعلانات، التي تـتبارى وتـتـنافس وتـتـفـنن وتبدع في وسائل ترغيب المستهلك في ما تقدم من سلع أو خدمات، حتى أن العديد من الشركات قد صار يقدم جوائز قيمة، كسيارة جديدة مثلا، كل شهر، أو كل عام، أو كل يوم خلال شهر معين من كل عام، بحيث تعطى الجائزة، عن طريق الاقـتراع، لأحد مستهلكي السلعة أو الخدمة التي تقدمها الشركة، مما يجعـل الملايين، ممن لا يحتاجون إلى السلعة أو الخدمة، يشترونها رغم عدم حاجتهم لها، وكل منهم يمني نفسه بأن يكون أحد الفائزين بالجائزة، فتحقق الشركة بذلك أرباحا طائلة، تغطي بجزء يسير منها ثمن الجوائز التي تقدمها، بينما يصير الباقي ربحا صافيا لها.. ومن السلع والخدمات السلبية والوهمية ما هو ضار صحيا، كالسجاير وأمثالها، ومنها ما هو ضار اجتماعيا وأخلاقيا، كالسلع والخدمات التفاخرية والتبذيرية، مثـل «آخر صيحات الموضة» في عالم كذا وكذا، من السلع والخدمات، ومنها ما هو ضار ثـقافيا وأخلاقيا، كالسلع والخدمات الإفسادية والتضليلية، مثـل الأفلام والأغاني الهابطة والمبتذلة، التي تباع في أشرطة أو أسطوانات، ومثـل السلع والخدمات التي تتعامل مع المرأة كأنها مجرد «أنثى» لا دور لها في الأسرة وفي المجتمع، ولا قيمة، سوى «الأنوثة والجاذبية» الخ.. ويجب أن نعلم أن كل السلع والخدمات السلبية، والوهمية، ضارة اقـتصاديا، لأنها إنما تمتص الأموال من أيدي المستهلكين، وهم الأكثرية، وتحولها إلى أيدي أصحاب الشركات المنتجة لتلك السلع والخدمات، وهم الأقـلية، دون أن تقدم نفعا حقيقيا للمستهلكين، فتساهم بذلك في المزيد من الإفقـار للأكثرية الفقيرة، والمزيد من الإثراء للأقـلية الثرية.. ولعل في ما تقدم بعض التوضيح لطرف يسير من سوء وسلبية ما يسمى بالتحرير الاقـتصادي، وهو في الحقيقة ليس تحريرا اقتصاديا، وإنما هو، على العكس، تسلط اقـتصادي، تمارسه الأقـلية الغنية، على الأكثرية الفقيرة، بينما تقف الدولة «التي يفترض أنها نائبة الشعب» متفرجة، فلا تصدر قانونــاً يحمي المستهلكين من تسلط المنتجين عليهم، والإضرار بهم، ونهب أموالهم.. بينما لو كانت الدولة ذات حكومة ديمقراطية رشيدة ومسؤولة، وتولت هي إنتاج السلع والخدمات، بقطاعها العام، لاتجهت إلى إنتاج ما يحتاجه المستهلك، وما ينفع المستهلك، من الضروريات، ثم من الكماليات، لأنها لا تهدف إلى الربح بقدرما تهدف إلى مصلحة الشعب، وترقيته، وإثـرائه، وترفيهه، ثم إنها حتى لو حققت أرباحا مما تنتج فإن أرباح الدولة توظف لمصلحة الشعب نفسه لأنها مال عام.. هذا وسنواصل، بإذن الله تعالى، مناقشة وتقييم بقية ما يدعيه وقيع الله من إنجازات، ومن إحصاءات، في مقال لاحق.
عبد الله الأمين المحامي

الصحافة
21/2/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الجبهجيون في السودان .. لم يراجعوا ولم يتراجعوا ..!!

مداخلة في سجالات سابقة

الطيب كباشي الفزاري

الرياض/ المملكة العربية السعودية
[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

غداة أبريل 1985م أطل على الشعب السوداني تنظيم سياسي جديد متخذاً اسم " الجبهة القومية الإسلامية" والذي هو جبهة الميثاق الإسلامي حيث كان عمادها جماعة الإخوان المسلمين .

ملأ هذا التنظيم أركان الدنيا الأربعة وشغل الناس بأنه آت بما لم يأت به الأوائل وشن حملات شرسة (حقاً وباطلاً) ضد القوى السياسية السودانية وجاءت الانتخابات وكان هذا التنظيم عمادها الثالث ولكنه للأسف لم يحافظ على الكسب السياسي الثمين ولم يقتنع به بل تطاول لأكل الكعكة كلها حيث شن حملات لا أخلاقية ضد رئيس الوزراء (السيد الصادق المهدي) بغية إضعافه وألصقوا به تهماً باطلة ووضعوا المتاريس أمام حكومته فكانوا بذلك مثلاُ سيئاً لمن يتخذ الإسلام شعارا ًله.وبذا مهدوا لانقلابهم في يونيو 1989م حيث بدأ فصل جديد من التمكين والشرور لم يعرفه السودانيون من قبل

توالت سنون الإنقاذ حاملة معها فيروس الجبهة الطفيلي حتى كان رمضان 2000م حيث انشق القوم إلى ما يعرف بالمؤتمر الوطني والشعبي.

لم يتعظوا بكل ما حدث وواصلوا تجاربهم البائسة والغريب في الأمر أنهم حتى هذه اللحظة بعد أن وصل السودان إلى حالة التلاشي ما زال من يحسبون أنفسهم من المثقفين والمفكرين سادرين في غيهم لا يتنازلون قيد أنملة عن مواقفهم السابقة والتي أثبتت الأيام مدى فقرها وبؤسها ومجانبتها للمنطق السليم . ترى ماذا نسمى هذه الحالة ؟!!

حالة الأفندي ووقيع الله والتجاني وغيرهم :

الدكتور/ عبد الوهاب الأفندي ، الأستاذ الجامعي مؤلف كتاب "الثورة والإصلاح السياسي في السودان" ، رجل إنقاذي حتى النخاع ، شارك في مفاوضات أبوجا بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية ، بالفعل فقد كان منظر الإنقاذ الخارجي والمنافح الأوحد عنها عندما عز الأصدقاء ولكنه فجأة قلب ظهر المجن لولية نعمته الإنقاذ مع العلم أن الإنقاذ هي من عرفته للعالم وسوقته في أوروبا كوجه سوداني مثقف بعدما التحق بإحدى جامعات بريطانيا ينافح عن الديمقراطية المذبوحة في بلده .

الدكتور/ الأفندي كال السباب للديمقراطية الأخيرة واتهمها بالعجز في مؤلفه " الثورة والإصلاح السياسي في السودان" وهو يعلم تمام العلم أن الديمقراطية لم تذبح إلا من داخلها ومن المشاركين فيها والذين كانوا يسودون الصحائف عن عجز الحكومة وافتقاد الأمن وإن قرنق سوف يشرب القهوة في المتمة وغيرها من تلك الترهات التي كانت تنشرها الصحف الجبهوية ، وكيف رأي الشعب السوداني أن قرنق قد شرب الفهوة فعلاً في القصر الجمهوري لا في المتمة فقط .. ما علينا .

ولكن برغم ذلك فالدكتور الأفندي الآن عضو في معهد ديمقراطي في بريطانيا ويحمل صفة أستاذ علوم سياسية بإحدى الجامعات البريطانية العريقة ولكنه حتى الآن لم يعترف علناً بأنه طلق مساندة الشمولية طلاقاً بائناً ، بل كثيرا ما نشاهد في فيه ماء عندما يطل علينا عبر قناة الجزيرة . أعتقد أنه مصاب بفيروس الجبهة وهو فيروس للذين لا يعلمونه " يسبب مرضاً أيديولوجياً عضالاً يمنع صاحبه من الاعتراف بخطئه حتى ولو عرفته الخاصة والعامة ".

أما الدكتور/ محمد وقيع الله لم يعرفه الناس بداية زمن الإنقاذ لأنه كان مهاجراً في أمريكا ولكنه أطل فجأة في إحدى الصحف اليومية يذم النظام الديمقراطي الأخير ويصف رئيس الوزراء السابق (السيد الصادق المهدي* ) بالضعف شأنه شأن زميله الأفندي وينعي على الحكومة الديمقراطية عدم توفيرها لأمن المواطن رغم إنه وزمرته كانوا مسؤولين مسؤولية كاملة عن حفظ النظام الديمقراطي وتهيئة سبل استمراره . قد ينسى السيد/ وقيع الله وأمثاله أو يتناسون كون النظام الديمقراطي قد عمل كثيراً من الأشياء المفيدة في فترته القصيرة لم تفعلها الإنقاذ طوال تاريخها الذي يقارب العقدين ألا وهي أنها خفضت سعر رطل السكر من (3) جنيهات إلى (125 قرشا) نزولاً عند رغبة الجماهير المتظاهرة (الآن ماذا فعلت الإنقاذ عندما تظاهر الناس .. القصة معروفة) وشادت طريق كوستي الأبيض إلا عشرون كيلومترا فقط وهو انجاز ضخم لا يدانيه أي إنجاز بمعيار الدولة الراشدة مع علمنا أن هؤلاء الأزلام يعتبرون مثل هذه الأفعال من قبيل المنح الحكومية ولا ينظرون إليها كانجاز ضخم ومهم لمصلحة الجماهير لأنهم ينظرون إلى الكراسي ولا ينظرون إلى من هم خارج مكان الكراسي (للمعلومية فإن هذا الانجاز قد تم في غضون ثلاث سنوات فقط إذا ما قورنت بثلاث سنوات من عمر الإنقاذ أي من العام 1989 إلى 1992م – ماذا فعلت الإنقاذ في هذه الفترة غير تغيير العملة وحجز أموال المواطنين بالبنوك دون وجه حق واحتكار فئة الخمسين جنيهاً لفترة من الزمن ليستفيد منها الأحساب وتمزيق وجه السماحة السودانية بإعدام ثمانية وعشرين ضابطاً ليلة العيد دون محاكمة !!!).

· لفائدة القراء كثير من محبي الشهرة في السودان لم ينالوها إلا بعد أن بدأوا بسب هذا الرجل (السيد الصادق) والجرائد لا تباع إلا إذا كانت عناوينها الصادق قال والصادق فعل (مدحاً وذماً)، طالعوا الأعداد القديمة من جريدة الوفاق للراحل محمد طه محمد أحمد وغيرها من الصحف مثل (ألوان) و(صوت الشارع) و(الأسبوع) حالياً وعلى عهد فترة الديمقراطية الثالثة.

في إحدى كتاباته في الصحف الاسفيرية كتب الدكتور/ وقيع الله عن هجرته في أمريكا وكيف أن أمريكا بلد ينقصها الكثير من الحريات مع العلم أن الكل يعرف أن أمريكا بلد يتمتع بالحريات العامة وتبز في هذا المجال كثيراً من دول العالم رغم ظلمها وجبروتها خارج حدودها .

(قد ينكر الفم طعم الماء من سقم / وقد تنكر العين ضوء الشمس من رمد). ما لكم كيف تحكمون....

وفي مكان آخر دافع الدكتور/ محمد وقيع الله عن الدولة ذات القبضة الأمنية في معرض إشادته بالدولة الأموية حتى وإن كانت الإنقاذ التي وصل السودان في عهدها إلى دولة فاشلة حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية .

لقد اهريق حبر كثير من قلم الدكتور/ وقيع الله في مدح دولة الإنقاذ بيد أن هذا الدرب قد سلكه خلق كثير قبله وتركوه لأنهم أحسوا بخطل التجربة وفقرها وبعدها عن الحق الأبلج .

يقول الدكتور/ وقيع الله في مقاله (تأملات في (أفندية) الأفندي عبد الوهاب الأفندي:

جلاوزة الإنقاذ السابقون: مالكم كيف تحكمون؟!)

ومن هذا يتضح أن نظام الحكم الحالي الذي ادافع عنه، وسأظل أدافع عنه ما حييت، إذا استمر كما هو، هو النظام الوحيد الذي عاصرته وتأذيت منه على الصعيد الشخصي اشد الاذى وأبلغه، فلقد عارضت وعاديت نظام النميري في معظم سنيه، وما نالني منه كبير أذي، وعارضت نظام الصادق المهدي، طوال سنيه، وما نالني منه ادنى اذي. أما نظام الإنقاذ فهو وحده النظام الذي لحقني منه الأذي البليغ، ولكني مع ذلك لم أنقلب عدوا له، لأنني لا أحسب الأمور على المستوى الشخصي البحت، كما يحسب الافندي حساب الارباح والخسائر الشخصية (في الرتب والمرتبات!).. وإني وإن نالني من هذا النظام، ومن رويبضته وزعانفه المرذولة، اشد الاذى، فإنني لن اتحول عن مناصرته، التي لا القى منها مكسبا الا اذى هذا الافندي وشيعته. وهذا أمر لا يهمني كثيرا فالقضية عندي قضية مبدأ أؤمن به، إذ أؤمن بضرورة الاستقرار في حكم السودان.

وبعد هذا كله لم يوضح وقيع الله كيف يكون الاستقرار السياسي لأنه ببساطة يرى الاستقرار السياسي بالحديد والنار لا بالتراضي . إنها حالة ذهنية غريبة لم تمحها سنون اغترابه في أمريكا مدة طويلة. هذا المنطق اعترفت بخطئه الإنقاذ نفسها حيث نصت على التداول السلمي للسلطة في اتفاقية نيفاشا (أي لم تر ما يراه الدكتور/ وقيع الله).



ويعود الدكتور/ وقيع الله مرة أخرى ليقول في مقاله لو غير ذات سوار انتقدتني:

الاستقرار السياسي وعبقرية الإنقاذ!

عبقرية الإنقاذ:

وقد قلنا إننا نفضل أن نرجع إلى الاحصاءات العلمية الموثوقة، بعيدا عن الكلام التعميمي السطحي، الذي يتردد أحيانا على أفواه بعض المعارضين غير الموضوعيين (وليس كل المعارضين كذلك بالطبع، ففيهم أناس لهم منطق رزين، رصين، ونستفيد حقا مما يقولون) . وحسب الاحصاءات العلمية التي قدمتها المنظمات الدولية المحايدة، فقد قفز إجمالي الدخل القومي السوداني من(10.3) بليون دولار في عام 2000م الى (18.5) بليون دولار في عام 2004م. الى (23.3) بليون دولار في عام 2005م. وفقز مستوى الدخل الفردي في السودان من (310.0) دولار سنويا في عام 2000م الى(522.0) دولار في عام 2004م. الى( 640.0) دولار في عام 2005م. ( أي أنه تضاعف خلا خمس سنوات). وارتفع إجمالي الناتج المحلي في السودان من( 12.4) بليون دولار في عام 2000م الى (21.6) في عام 2004م, والى( 27.7) بليون دولار في عام 2005م.

كل الشعب السوداني يعرف أن هذه الأرقام لا تعني له شيئاً إلا في مخيلة المتشنجين المولعين بالأرقام من شاكلة الدكتور/ وقيع الله لأنها ببساطة هي مجرد أرقام لا غير.

هذه الأرقام لم تعالج مريضاً مات على باب المستشفى وهو لا يجد دواءاً أو تلميذاً ترك المدرسة وهو يحبو على سلم التعليم لأن أهله عجزوا أن يدفعوا رسوم الدراسة . كما إن هذه الأرقام خلفت أمراضاً لم يعرفها العقل الجمعي للسودانيين من قبل مثل الإيدز والفشل الكلوي والسرطان والحمى المجهولة والسل والنزفية وغيرها من الأمراض الخبيثة ومستشفيات وشفخانات ومراكز صحية ونقاط غيار (Clinics) معدومة الخدمات تعشعش فيها الطيور والغربان وتسكن فيها القطط والكلاب وجيوشاً من الأميين (خذ جولة خارج الخرطوم لترى بأم عينك أطفالاً من المتسربين من المدارس (فاقد تربوي) يلعبون الكرة في أطراف القرى والنجوع عند ساعات الصباح الأولى والتي من المفترض أن يكونوا في تلك الساعة داخل فصول الدراسة وشباباً محبطاً عجزت دولة الأرقام عن توفير التعليم المجاني لهم (المكون الأساسي لفئة البائعين المتجولين وماسحي الأحذية وسائقي الركشات والكماسرة وصبية الورش والهائمين على وجوههم في العاصمة الرقمية) والمدارس المتهاوية والتي يجلس جل طلابها وتلاميذها على الأرض والمبنية من اللبن والقش وقلة عدد المعلمين المؤهلين) والعاطلين وألوفاً من المهاجرين إلى خارج بلادهم حتى وإن كانوا صوب إسرائيل.

عن أي عبقرية تتحدث يا رجل ، لقد أورثت هذه العبقرية بلداً ممزقاً وشعباً جاهلاً ومريضاً اللهم إلا إذا كنت ترى العبقرية في الأبراج الشاهقة والبنايات العالية والسيارات الفارهة المملوكة لفئة محدودة من الناس والجسور المعلقة والتي يمر من تحتها قطيع من الحزانى والمهمومين.

(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) سورة الحج ، الآية 46.

أيها القارئ الكريم إن أمثال الدكتور/ وقيع الله دائماً يحاولون أن يقفزوا فوق الحقائق ويزوروا الحاضر المعاش فضلاً عن التاريخ حيث قال لا فض فوه في المقال السابق رداً على الأستاذة / رباح الصادق والدكتور الأفندي :

وقد عجبت كثيرا لزعمهما المتكرر ان استخراج البترول لم يسهم في تحسين أحوال المواطنين. وردا على ذلك أقول إنه لو لم يكن للبترول السوداني من فضل إلا أنه قد كفي لتسيير مئات الآلاف من السيارات التي نراها في شوارع الخرطوم لأوفى وزاد على الوفاء. هذا مع ملاحظة أن عدد سيارات الخرطوم قد تضاعف خلال الأعوام القليلة الماضية نحو عشرة أضعاف، وكاد يصل عددها إلى نصف مليون سيارة، كما تفيد لغة الأرقام، وكما قد تفيد النظرة الخاطفة لمن ينكرون لغة الأرقام، فهل هذه السيارات الكثيرة المتكاثرة تسير بالماء؟ أم بالهواء؟ ..إنها تسير بالبترول الذي استخرجته بعبقريتها وعزمها وحزمها - وقبل ذلك وبعده بفضل الله تعالى وحوله وطوله - دولة الإنقاذ؟!.. هذا ولا نريد أن نذكر الناس – وهم لم ينسوا بعد - بصفوف البترول والخبز التي كانت تتطاول ولم تنته إلا عندما جاء عهد الإنقاذ!

نعم إن الإنقاذ استخرجت البترول ولكن هذا الانجاز لم يأت في عامين أو ثلاثة وهي عمر الفترة الديمقراطية ، الآن الكل يقول إن المواطن لا يحس به بل ويتمنى أن تعود تلك الأيام الخوالي حيث التعليم المجاني والعلاج الصحي المتوافر (لم يسمع الناس وقتها بالدواء الدائر ولا المحاليل الملوثة ولا الشاش الطبي المغشوش ولا بروميد البوتاسيوم أو التقاوي منتهية الصلاحية) أكاد أجزم أنه لو استخرج البترول في الفترة الديمقراطية لبخسوه .

إن ألد أعداء الإنقاذ ليسوا هم أعدائها الذين يعادونها وإنما الذين يدافعون عنها حقاً وباطلاً لا أن ينصحوها بأن اتخذي منهاج الهدى ، ولم يحثوها على التصالح مع مواطنيها عملياً وليس صورياً وأن هذا البلد فسيفساء لا تحكمه النظرة الأحادية ودونك أزمة الشريكين ومشاكسات حاملي السلاح في دارفور.

إن الدكتور/ وقيع الله رجل نام طويلاً واستيقظ فجأة ليردد ما عهده عندما كان طالياً ينافح الجمهوريين في جامعة الخرطوم – فق أيها الرجل من منامك فالدنيا تغيرت والرم الجادة عسى أن يتوب عليك ربك ويلهمك الصواب لتراه وتعمل به حقاً لا قولاً من نافلة حدثنا فلان عن فلان مداً للسان التقعر بالعلم - لا خير في علم لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً .

كنا نود لو أن الدكتور/ وقيع الله عاد وقال لأهله الإنقاذيين ، يا قومي ما هكذا تدار الأمور ، لقد جئتكم من بلد بنبأ عظيم ينام الناس فيها ولا يخافون جوعاً ولا عرياً ولا سطوة حاكم ولا محكومً ، الكل محفوظ حقوقه ، بلد تقدم الرعاية الاجتماعية لمواطنيها دون من أو أذى ، بلد نظيفة منظمة تموت قططها من التخمة ، بلد نتمنى أن تأخذوا ما فيها من تخطيط وتعليم وحضارة وكل جميل فيها بما يتناسب وعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا ، بلد يقدس فيها العمل ولا مجال فيها للكسالى والحالمين ، بلد عانقت الثريا وسخرت من الثرى .. إن نتبعها في هذه نكن حتماً جاراً للقمر نمد لساناً طويلاً للثرى وأهله المغبرين.

ولكنه عاد مأزوماً متشنجاً متشحاً بالشمولية تعوزه هيبة العلماء وحكمة الشيوخ ليدافع عن مشروع (لحم رأس) اعترف بفشله بعض منظريه من أمثال الشيخ ياسين الإمام والدكتور على الحاج.

سُئل الديك يوماً ماذا رأيت في رحلتك الأخيرة إلى الشرق فقال إنه لم ير شيئاً لأنه ذهب ورأسه إلى أسفل وعاد بذات الهيئة.

اعتقد أن الدكتور/ وقيع الله قد فاته كثير من ميري الإنقاذ أثناء فترة اغترابه في أمريكا وعاد ليتمرغ في ترابه من جديد ولكن هيهات.. لقد تغير لون التراب وتنازع الميري آخرون من أخوة يوسف.

أما الدكتور/ التجاني عبد القادر فقد كان والحق يقال أشجعهم وأنصحهم لدولة الإنقاذ ومشروعها الحضاري وإن كنا نتمنى أن يواصل نصحه بصورة أكبر ويتبرأ من كل ما ارتكبته الإنقاذ في حق هذا البلد باسم الإسلام والوطنية أملاً في التعافي الوطني بين جميع أبنائه بعيداً عن لغة وسلوك أوردتا دولاً أخرى موارد الهلاك (فلنعتبر مما يجرى في الجارتين تشاد وكينيا).

يقول الدكتور/ التجاني في مقال له بعنوان إخواننا الصغار ومشاريعهم التوسعية الكبرى

أشرت فى مقال سابق لإرهاصات تحول إستراتيجي وقع فى مسار الحركة الإسلامية، فذكرت أن ذلك التحول قد يتبلور فى اتجاه تحالف ثلاثى بين «القبيلة» و«السوق» و«الأمن»، وألمحت لاحتمال أن «تبتلع» القبيلة تنظيمنا الإسلامي الحديث، كأن يتلاشى فى أنساق من التحالفات و الترتيبات والموازنات التى تتلاقى فيها المصلحة الاقتصادية، والانتماء القبلي، وتحرسهما شبكة من الكوادر والتدابير الأمنية. اذ أنه بدلا من أن يضعف التنظيم الاسلامى الولاءات القبلية أو ينجح فى ادراجها فى الولاء الاسلامى العام فقد تتكاثر بعض العناصر القبلية داخل تنظيمنا الإسلامى وتستخدمه مستقوية بالأجهزة الأمنية لمصالحها الجهوية والعرقية.

هذا ما ذكره الدكتور/ التجاني وهو بكل تأكيد نعي لهذه التجربة الفطيرة التي شوهت وجه الدين الحنيف حيث تبلورت الولاءات القبلية دون الولاء الحق (الدين) ومزقت هذا الوطن إلى دويلات. في دولة الإنقاذ بات الكل يحمي بيضته بالسلاح لا مكان فيه للحوار وهي دولة إن سارت هكذا دأبها فلتحجز لها من الآن مكاناً في المكتبات لتعتبر بها الأجيال القادمة وإن بدت ذات جسور وقصور وشوارع مضاءة وأبراج عالية ولسان يقطر فصاحة وبياناً .

اعتبروا يا أولي الألباب من دورة التاريخ واستعدوا له من الآن ليكتبكم من بناة الأوطان لا من هادميها.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم إنه سميع مجيب...

عن سودانابل
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »



-

خمسون إنجازا للحركة الإسلامية السودانية:

ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!

د. محمد وقيع الله
[email protected]

(4)

تحدثنا في المقال الماضي عن مجاهدات الحركة الإسلامية السودانية، في مساقات متعددة، مما حفظت به هوية البلاد وأصلتها، ووقفت حارسا دونها، من أن يعدو عليها أولئك المتآمرون، من أصحاب الأجندة الغربية والشرقية، ووكلاء القوى المتربصة بالسودان.

وسنقف اليوم عند مفاصل من جهاد الحركة الإسلامية الذي آتى ثمره، ولكنه ما عاد يذكر لطول العهد عليه. ولكن لابد من التذكير به على كل حال، لأنه جهاد حق، ولأنه يحمل أقوى دلالة على أصالة هذه الحركة العتيدة ، وعلى ثباتها على عهدها، وعلى أنها حركة لا تتحول، ولا تتبدل، كما يتحول، ويتبدل، بعض من التصقوا بصفوفها وتشبثوا بثوبها زمنا، ثم نضتهم عنه، ونفضتهم، فسقطوا، وعادوا يتمنون لها السقوط، واشهرهم واشدهم سلاطة لسان، وبجاحة قلم، هو أستاذ الإنتهازية الأول وسط الإسلاميين!

الإنجاز التاريخي المتصل:

إن ما أثر عن المجاهد الإسلامي الكبير الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد قوله: إنه لولا جهاد الحركة الاسلامية السودانية على صعيد القوى الحديثة، لكان احمرارا السودان يشع على إفريقية اليوم!

قال ذلك القول في اواسط سبعينيات القرن الميلادي الماضي، وبه استطاع ببصيرته الإيمانية النافذة ان يقوم جهاد الحركة الاسلامية الفكري والمذهبي ضد الفكرالشيوعي الوافد، الذي وجد له ملاذا آمنا في السودان، فنمى واستقوى واستفحل، في الاعلام، والنقابات، ودور العلم، وإدارات الحكومة، وقطاعات الجيش، حتى بدا بنفوذ خطير مرعب، ارتاع له الكثيرون، وخشوه، وتملقوه، ولم يتصد له الا الاسلاميون الأبطال الأماجد، فواجهوه بالتحرك المناقض والمتفوق عليه، فكرا، وتنظيما، وعدة، وعتادا، واخلاصا، واحتسابا، فردوه على اعقابه حسيرا، كسيرا، مخذولا بعد ان كان - كما كان يقال- أكبرحزب شيوعي في خارج المنطقة الشيوعية! وفي قول آخر أكبر حزب شيوعي في افريقية والشرق الاوسط معا!

وقد كانت ملاحظة الشيخ عبد الماجد حكيمة حقا، فقد كان الحزب الشيوعي السوداني، مهيئا بتلك العدة الضخمة، لكي يكتسح الحكومات الحزبية الكسيحة في السودان، مدعوما بالنفوذ الاجنبي، وليصبح رأس الرمح الدامي، الذي يدمي افريقية كلها، ويصبغها بلون الفكر الاحمر، ويحمِّل السودان أوزار تلك الغزوات، التي جاءت افريقية من قبل السودان، فدمرتها كما دمر الشيوعيون أوطانا أخرى من أعز أوطان الإسلام في ألبانيا، واليمن(الجنوبي)، وافغانستان، والصومال، وإثيوبية، وغيرها من الاوطان التي عاثوا فيها فسادا وإفسادا، ودمروا بنيتها التحتية والفوقيه سواء!

هذه المغبات الكالحة حالت دونها بالنسبة لاوطان اخري في افريقية (من بينها السودان) الحركة الاسلامية السودانية، حيث قامت ثلة قوية صامدة من جند الله، فشدوا المئزر، وشمروا لجهاد الشيوعيين، وقارعوهم، ولاحقوهم في أوكارهم في (القوى الحديثة!) في مجالات الاعلام، والمنتديات الفكرية، والمنابر النقابية، والبرلمان. فعروهم مما تدثروا به من زائف الشعارات، وفضحوهم على حقيقتهم المعادية للدين، والوطنية، والديمقراطية، وأنجوا بفضل الله تعالى، البلاد والعباد، من كوارث الخراب المنطوية هذا الإهاب.

إن جهاد الحركة الإسلامية لكسر مؤامرات الحزب الشيوعي لتمزيق السودان(باستخدام الشعارات الاثنية هذه المرة!) لا يزال جهادا متصلا متلاحقا ، ولا يزال يحسب لها في إنجازاتها تلك التي تحدث عنها الشيخ عبد الماجد في السبعينيات. وحركة تحافظ على ولائها العتيد لهذا البلد الكريم، وعلى عهد حمايتها له من مكائد اعداء الله جميعا، ليست حركة في طور تهاوٍ أو موات، وإن تهاوت وماتت عزائم بعض من عاشوا في أكنافها شهورا معددوة، تلبثوا بها متأملين ان ياكلوا من غنائمها أكلا كثيرا في العاقبة، فلفظتهم لفظ النواة، فأمسوا يتمنون لها الموات!!

الحفاظ على السلطة المركزية المسقرة:

ومن بِرِّ الحركة الإسلامية السودانية بوطنها، أنها حافظت على ترابه وعلى سلطته المركزية من أن تجتاحها حركة التمرد. ثم كان من الانجازات الكبري للحركة الاسلامية السودانية أنها كللت ذلك الجهد القديم، بأن تمكنت من حل مشكلة الجنوب حلا شاملا، نرجو ان يكون هو الحل النهائي لهذه المشكلة ذات الإعضال.

لقد قامت الحركة الاسلامية بتشكيل اقوى سد حال دون استيلاء حركة التمرد على البلاد في خلال عقد ثمانينيات القرن الماضي، وكان شدها لأزر الجيش، وكان موكب امان السودان اعظم معلم حشد القوى السودانية الوطنية المخلصة ضد حركة التمرد فأفزعها وأفزع حلفائها من الشماليين اليساريين وغيرهم.

وخلال تنفذها في الحكم في آخر ذلك العقد حشدت الحركة الاسلامية السودانية، قواها النضالية لكي ترد طغيان التمرد، وتفك احتلاله لمدن الجنوب ومناطقه، فأجلته عن أكثرها بصيف العبور، ومعارك الميل الاربعين وغير ذلك، وقدمت الحركة الاسلامية من أبنائها آلاف الشهداء والجرحى في هذا السبيل.

ولما انصاعت حركة التمرد، وجنحت للسلم، جنحت اليه الحركة الاسلامية صابرة مصطبرة، طويلة البال، بشكل مذهل أذهل حتى المزايدين المتطرفين من المتمردين. وربما كانت محادثات الحل السلمي بين الحركة الاسلامية ممثلة في الانقاذ، وحركة التمرد، هي اطول محادثات سلمية في تاريخ السياسة في العصر الحديث، ولكنها انضجت الحل على تلك النار البطيئة، فجاء حلا مفصلا، مقننا، رضي به الطرفان، وكانت الحركة الإسلامية، كما العهد بها ، سخية، أريحية، بعيدة عن التعصب، والغلو، فأعطت لحركة التمرد اكثر مما كانت تحلم به من الامتيازات.

ولم يكن ذلك تفريطا من الانقاذ، كما يقول نقاد الانقاذ، الذين لا يعجبهم كل ما يأتي من طرف الانقاذ، خصوصا أولئك الذين اكتالوا كثيرا من (الميرة) من مال الانقاذ (أولئك الذين عملوا في إعلامها - في وزارة الإعلام- قسم الإعلام الدعائي الخارجي، وليس في دبلوماسيتها كما يزعمون!) وعادوا يقولون الآن إن الإنقاذ قد دللت حركة التمرد وشجعت الأقاليم الأخرى على التمرد رجاء أن تنال نيلها، وهذا قول باطل لا يأتي إلا من خواطر الانتهازيين الذين مردوا على أخذ العطاء وأكل (الميرات)!

أما الانقاذ فقد كان فكرها وهي تتصدي لحل مشكلة الجنوب، فكرا كبيرا بحجم الوطن وواسعا بسعة آماله الفساح، لقد كانت ما تزال ترى ان اهدار الارواح، ارواح المواطنين جميعا، بما فيها ارواح المتمردين، والبسطاء الذين تستغلهم وتجعلهم وقودا لتلك الحرب، أغلى بكثير من أي موارد مادية يمكن ان تقتسم، قسمة عادلة أو ضيزى،. وليكن اقتسامها في صالح إخوة الوطن الجنوبيين، إن كان ذلك كافيا لسفك الدماء السودانية التي هي أغلى دماء في الوجود، فمن يرفض ذلك إلا من كان في قلبه غل للوطن وللإنقاذ؟!.

لقد قدمت الحكة الاسلامية السودانية، ممثلة في الانقاذ، بعض أعظم من أنتجتهم من رجال الفكر، والحركة، والجهاد، ليمثلوها في لقاءات التفاوض مع المتمردين، فواصلوا كلال الليل، بكلال النهار: فكرا، واقتدارا، وصبرا، حتى حققوا للوطن هذا الإنجاز النفيس، صلح نيفاشا، الذي رضيه الجميع، إلا ما كان من اعترضه من أحزاب الفساد التي تريد أن تنقض عليه لتنقضه، وهيهات، وهيهات، وهيهات!

البر بالشعب والأرض:

ومن بِرِّ الحركة الإسلامية السودانية، بشعبها السوداني الكريم، أنها

عملت على توزيع حقوق الناس، ومنحها لهم بأكثر مما فعلت أي حكومة في تاريخ السودان. ولنضرب المثل هنا بقيام الإنقاذ بتوزيع الأراضي السكنية على الناس. حيث تم في عهد تولي الحركة الاسلامية الحكم، توزيع الاراضي بسخاء على كل المستحقين من المواطنين الكرام.

إن هذه الاراضي كانت موجودة من قبل، وكان المواطنون الكرام محتاجين اليها من قبل أشد الاحتياج، وكانت الحكومات الوطنية موجودة من قبل بالطبع، ولكنها لم تفعل شيئا يذكر في هذه الناحية، إذ كانت ما تزال تفكر وتتصرف بوحي الإرث الإداري الإستعماري القديم، الذي كان يقول إنه لا يمكن توزيع الاراضي على المواطنين بهذه الكثافة الكبيرة، لأنه لا يمكن تقديم خدمات لهم، حيث لا يتوفر الماء، ولا الكهرباء، ولا العلاج، ولا التعليم، ليكفيهم جميعا!

كانت تلك هي الحجة الجاهزة للحكومات السابقة جميعا (إمكانيات ما في!!) وإذا كان للإنجليز عذرهم وسببهم لعدم توزيع الأراضي، في أنهم لم يكونوا يريدون تناميا حضريا في السودان، حتى لا يتطور الوعي ويتكتل الناس في حركات مطلبية وثورية ضدهم، فما بال الحكومات الوطنية، سواء أكانت حكومات انتخاب، او حكومات استيلاء (بتعبير الماوردي)، تماطل، وترفض توزيع الاراضي السكنية على المستحقين؟ّ! أكانت هي ايضا تخشى من تنامي الحضر واستيقاظ الوعي الشعبي؟! أم انها كانت تقلد بلا وعي سلفها الحكومي الإداري الإنجليزي؟! أم ان السبب كان خليطا من هذين السببين؟!

لا أريد ان أجيب على هذا السؤال، ولغيري أن يجيب عليه مجتهدا ومتحريا الصواب، ولكني أكتفي بالقول بأن حكومة الحركة الإسلامية السودانية ممثلة في الانقاذ لم تخش أي اعتبار من تلك الاعتبارات الذرائعية الحذرة المتخوفة، بل إنها راهنت وما تزال تراهن على حالة ازدياد حالة التحضر أكثر مما يراهن البعض على حياة البداوة.

والإسلام الذي تستلهمه الإنقاذ، كان منذ يومه الأول، وما يزال، يدعو إلى حياة التحضر، وينهى عن حياة البداوة استمرائها، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه نهى ان يرتد المرء أعرابيا(أي بدويا) بعد هجرته، وما ذلك إلا لأن حياة البداوة هي معقل ركين حصين، من معاقل الجهل، والفقر، والتخلف، يصعب اقتحامه إلا بنور العلم والحضارة والإسلام!

واهتداء بهذه المفاهيم الهادية، اطرحت الحركة الإسلامية السودانية، كل المحاذير والمعاذير والذرائع، وانخرطت في تنفيذ اضخم خطة اسكانية في تاريخ السودان، واستطاعت عبرها ان تملك مئات الآلاف من المواطنين اراضي سكنية بالعاصمة والاقاليم. وقدمت لأكثر تلك الاراضي ما استلزمته واقتضته من خدمات المياه، والكهرباء، والطرق، والمدارس، والمستشفيات، ونقاط بسط الامن الشامل، وغير ذلك من المستلزمات.

صحيح جدا ان تخطيط تلك الاراضي، وتوزيعها، شابه بعض الخبط والظلم، كما يشوب أي عمل كبير مثل هذا، بعض الخبط والظلم، ولكن هل من العدل والنصفة ان يحصر البعض حديثهم على هذه النواحي السلبية وحدها، ناسين ومتناسين دوافع، وأقدار، ونتائج، هذا العمل التنموي التحضيري العظيم؟ّ!

لا يفكر ويقدر كذلك إلا أصحاب الرؤية الإنشطارية المغرضة. أولئك الذين اشتطوا في الماضي، في مدح الإنقاذ بالباطل،لأكلهم حينها أموالها بالباطل، وهاهم يشتطون في نقدها حاليا بالباطل ، فحديثهم جله إذن أماني نفس، وأوهام، وأضغاث أحلام صغار الأحلام! وابشري بطول سلام يا حركة الإسلام.
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية ?7?:
ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها??

د. محمد وقيع الله

تحدثنا في المقال الماضي عن جوانب من الإنجازات التاريخية الباقية للحركة الإسلامية السودانية، على مستوى القضايا الروحية التربوية العميقة، ورأينا كيف اكتسحت بجهادها الروحي الصافي، التحدي الارهابي العلماني، التغريبي عامة، واليساري منه خاصة، الذي توطّن في مؤسسات التعليم التي أنشأها المستعمرون، ليجتالوا بها أبناء البلاد المستعمَرة، لاسيما في أصقاع العالم الإسلامي، عن دينهم، وتقاليدهم، وروح أصالتهم. ولكن انقلبت فصول التاريخ في السودان خاصة على هؤلاء المستعمرين المتجبرين، إذ انبثقت الحركة الإسلامية، ونمت، وترعرعت، واستفحلت، في تلك المهاد نفسها التي هيأوها لاستنبات حركة التغريب.
في هذا المقال سنتحدث عن بعض منجزات الحركة الإسلامية السودانية، على المستوى النفسي، لأن هذا الشخص الشانئ الذي دعا عليها بالموت، وغدا يستعجل أوان الدفن، زعم أنها قد غرست في أتباعها روح الاستبداد، وطبائعه، وقد آن لنا أن نريه أنها ما فعلت غير أن وطّدت فيهم ورسّخت طبائع الرجولة، والشرف، والعزة، والأنفة، ومقارعة الاستبداد.
في علم النفس السياسي?
فلقد ربّت الحركة الإسلامية السودانية أتباعها على الحرية الكاملة، وعدم الخضوع إلا للنص الإلهي وحده، ونشأتهم على روح المساواة، وعدم الخضوع لأي زعامة مدعاة، فلم يتأسس كهنوت، ولا ازدهرت طائفية في حنايا هذه الحركة الفتية الأبية. ثم أقامت الحركة الإسلامية السودانية، ممثلة في الإنقاذ، أول حكومة لا تطلب من الناس أن يقدسوها أو يقدسوا حكامها الذين هم بشر من البشر? ?يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق?، ويخطئون ويصيبون، كغيرهم من الناس، ولا يتعالون على الناس، فأين هم من الناس الذين أصدروا في أيامهم، الأمر الجمهوري الرابع، الذي يقضي بعقوبة الإعدام على من ينتقدهم بكلام أو اشارة بالابهام؟ وأين هم ممن سبق هؤلاء وتلوهم، من الحكام الحزبيين، الطائفيين، الذين يقبِّل الناس أياديهم، ويعاملونهم بوصفهم كهنوتاً مرة، وبوصفهم بشراً سياسيين مرة أخرى، ووصف الكهنوت هو الألصق بهم في معظم الحين?
إن الحكام الذين أنجبتهم الحركة الإسلامية السودانية، ممثلين برجالات الإنقاذ، لا يريدون من أحد أن يتملّقهم، وهذا معروف عنهم منذ يومهم الأول ومشهور وطرد الشهرة، وأبلغ دلالة عليه أن صور زعيم الإنقاذ، الرئيس البشير، لا تعلق في دواوين الدولة، وأرجو أن يكون هذا تقليداً مستمراً حتى اليوم، فالذي يمنع تعليق صوره في مكاتب الحكومة، ما أظنه يحب أو يقبل أن يتملقه أحد. ودعنا نفرض جدلاً أن البشير، أو غيره من رجالات الإنقاذ، يحبون أن نتملقهم، ويريدونا أن نفعل ذلك، فإنا لن نفعل ذلك أبداً ولم نفعله قط!
وإني بصفة خاصة لم أدافع عن الإنقاذ، ولا ادافع عنها الآن، لأنني قريب منها، أو قريب من مسؤوليها، بل إني أبعد عنها وعن مسؤوليها من كل هؤلاء المثقفين الإسلاميين المتشائمين الذين عملوا فيها، وغدروا بها، وانقلبوا لها أعداء?
وليست لي من صلة، ولو على المستوى الشخصي، بأيٍّ من مسؤولي الإنقاذ، ولم أتشرَّف بلقاء أحد منهم ?سوى دعوتي عشاء أقامهما في داريهما لاستقبالي الصديقان الدكتور مجذوب الخليفة، رحمه الله، والبروفيسور أحمد مجذوب أحمد، أبقاه الله ذخراً للسودان ونهر النيل?، وما عدا ذلك فصلتي بأهل الإنقاذ هي صلة من بعيد. ولو كانت صلة قربى، لكنت أستغللتها لأسمعهم صوت النقد الصريح لا صوت المديح?
إننا لو كنا منصفين حقاً، ولو كنا على وعي حقيق، بالأبعاد النفسية في التحليل السياسي، وهذا جانب مهم من جوانب التحليل السياسي البنيوي، لقدرنا للحركة الإسلامية السودانية، ممثلة في الإنقاذ، حق القدر، تباعدها عن تقديس قياداتها، وحسبناه منجزاً أساسياً على صعيد التربية السياسية والوطنية الدينية لهذا الشعب، فتقديس البشر لا يكون إلا على حساب المبادئ، وحساب الحق، والعقل، والإفراط في ذلك يقود، بلا أدنى شك، إلى الشرك، وما أعجبه من قول فاه به أحد أئمة الحركة الإسلامية العقلية، العلامة العظيم مالك بن نبي، وهو قوله? إنه متى ما اختفت الفكرة برز الوثن?
فالوثنية السياسية، التي تلغي عالم الأفكار، بعد أن تقوم بتجسيمه في هياكل الزعماء، يأتي بها هؤلاء الطائفيون السياسيون، كما تأتي بها كوادرالعقائديين اليساريين، ليغطوا بها عجزهم الكبير، الخطير، في مجال التفكير، والتنظير، والتقدير، والتدبير، أما الحركة الإسلامية السودانية فهي حركة عقلانية، عملية، ذات اقتدار، وانتصار، ولا تحتاج إلى أن تتدثر بثياب الكهانة، ولا تقدس أفراد البشر الفانين?
العافون عن الناس?
إن الحركة الإسلامية السودانية لا تقدس قادتها، ولا تستهين بعضويتها. ومما يحسب لهذه الحركة، من السجايا الخيرة، أنها بقيت طوال عهدها، حركة أريحية متسامحة مع الناس بشكل عام، ومع عضويتها بشكل خاص، سواء في ذلك من بقوا على عهد الولاء، والمصابرة، والتضحية، والبذل، أو ممن انعزلوا عنها أو عزلتهم، لأسباب محددة ووجيهة جداً. فهي تحاول أن تقيم معهم أفضل العلائق، أو علائق السلم على الحد الأدنى، وتعمل وتأمل أن يتجاوب معها هؤلاء، ويستجيبوا للتعاون في إنجاز المشترك المتفق عليه من الأهداف الوطنية والدينية.
ومن هؤلاء من يَرجع بنفسه، أو يُسترجع، وبعضهم وهم قلائل من أصحاب النفسيات المنكوسة، من يشتط في عداء الحركة الإسلامية إلى آخر الشوط، حتى يشتهي لها الموت، كي يخلو له الجو ويحلو، ويرتاح من عقد تاريخه القديمة معها، وتجارب الفصل الأليم التي طالته عندما منعته الحركة من الكتابة في صحافة مايو المؤممة، التي كان يرأسها محمد الحسن أحمد، الذي كانت له به علاقة على نحو ما، وكانت تلك الصحيفة تمثل رأس الرمح في الهجوم على الحركة الإسلامية والطلابية في أعقاب ثورة شعبان، فرفض أن يمتثل للأمر الحق، وفصل لذلك جزاء وفاقاً، ثم سومح، ثم غدر، ونكص.
ولا أخفي سراً إن قلت إن أكثر من اتصلوا بي عن طريق الهاتف، أو البريد الالكتروني، يرجونني أن أكف البأس عن هذا الغادر الناكص، هم من أفراد الحركة الإسلامية السودانية، ومن رجال السلك الدبلوماسي بوجه خاص، وبعض المتعاطفين مع الحركة الإسلامية والإنقاذ. وقد قدرت لهؤلاء عواطفهم الكريمة المتسامحة، وأنا أعرفها سلفاً، وأعرفها جيداً، ولكن أعرف أيضاً أن ما أنا بصدده من سجال، لا بد أن ينجز بشكل حاسم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة.
لقد تسامحت الحركة الإسلامية السودانية مع كل خصومها المفرطين في العداء، وما زال البشير يعفو عنهم ويعفو، ?عفو القادر المحتكم?، وهم ما زالوا لا يقدرون ولا يشكرون، ولا يرعون هذه العواطف الكريمة السامية كما ينبغي. وصاحبنا هذا بالذات، المتمني لنا الموت، قد صفحت عنه الحركة الإسلامية السودانية كثيراً، وأغضت عنه إغضاءً وفيراً، رغم أنه فجر في الخصومة معها، وأصبح ظهيراً عليها، ونصيراً لمعارضيها، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وأهل الكفر المبين، وأنا شخصياً لم اعتد عليه، ولم أبدأه بنقد أو هجوم، ولم اجرِّحه كما زعم، وزعم من اعتذروا إليه، وكل ما هنالك أني كشفت حاله، فوجدته مثخناً بالجراح، فوضعت الملح على الجراح، فتعالى منه الصراخ?
خلع الزعماء المتسلطين?
هذا وما دام هذا الشخص المتعجل موتنا، قد جرنا إلى الحديث عن الفضائل النفسية، للحركة الإسلامية السودانية، فلننتهز هذه الفرصة إذن، ولنعطف عنان القول، لنتناول منجزاً آخر من المنجزات التاريخية على هذا الإتجاه.
فمما عرف عن الحركة الإسلامية السودانية، أنها الحزب السوداني الوحيد، الذي تخلص خلال نصف القرن الماضي، من رؤسائه الكبار بسلام. فقد تمكّنت الحركة من أن تتخلّص من ثلاث من زعمائها واحداً إثر الآخر بأقل الأضرار. أولهم هو ذلك الزعيم الذي تخلصت منه في خمسينيات القرن الماضي، وثانيهم في ستينياته، والثالث في آخر القرن.
وبذلك تخلّصت الحركة من داء الطائفية، الذي يقعد بالحركات السياسية التقليدية، والآيديولوجية، معاً، ويصيبها بالتجمد، والعجز، والعقم، والموات، الذي تشهده الأحزاب السودانية الأخرى.
ومما نلحظه جليّاً من دراسة تاريخ الحركة الإسلامية السودانية، القديم منه والحديث، أنه لم يتبع عمليات التخلّص من هذه الزعامات المنحرفة انشقاق كبير في الحركة، إلا ما كان من انشقاق عام 2000م، ولكنه انشقاق لم يخل من فائدة كبرى، حيث سلمت سفينة الدولة من تشاكش أكثر من ربان، وهو أمر بدع لا نرضاه، ولا تقره أحكام السياسة الشرعية، التي علمنا إياها الماوردي، هي الأحكام التي نرتضيها، ونفخر بها، لأنها الحق عين الحق، ونرجع إليها ونعمل بها في شأن تنازع الحكام?
كما لم تخل تلك التجربة من فائدة أخرى، إذ نفت عن الحركة الإسلامية السودانية خَبثها، بعد أن صهرتها، وطهرتها، وأبعدت عنها الأوشاب التي تسّربت فيها، ورضيت لنفسها أن تسرب أسرار الحركة الإسلامية، وتكشفها للأعداء، ولقد شهدنا فيما مضى أن طلاب المدرسة الثانوية الصغار المنضوين تحت لواء الحركة كانوا يأنفون من إتيان هذا الصغار، فغدا به يصبح دأب بعض الكبار?
مهما يكن فقد تخلّصت الحركة الإسلامية السودانية في عام 2000م من زعيمها السابق أو نائبه، الذين مرَدَا على نشر الأسرار، وتخلّصت أيضاً من صحافيين إثنين من أتباعهما ارتكبا نفس الأوزار، وبقيت بعد ذلك، بمنجاة من الأخطار.
وهذا من فضل الله تعالى على الحركة الإسلامية السودانية أن خلصها من أمثال هؤلاء: ?لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم? ?النور?11?? وبعد ذلك تبقى الحركة على تسامحها حتى على من حملوا عليها السلاح إذا فاءوا إلى ظل السلم وأصغوا إلى صوت الحق، والنصفة، والعدل. وكذا أفعل بخصوم الحركة الإسلامية السودانية أيضاً? ولكن قبل ذلك لا أرضى أبداً أن أرى منظر الفجار وهم يقذفون الأبرار بالأحجار?

الصحافة 26/2/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

/ محمد وقيع الله والانقاذ/جبريل حسن احمد
By
Feb 29, 2008, 18:25



د/ محمد وقيع الله والانقاذ

د / محمد وقيع الله وارث وشبعان ومحمي من الانقاذ ويده ممدودة لنعيمها ولا يدري بان في السودان بشر ذاقوا الويل والعذاب على يد نظام الانقاذ. وقيع الله الغارق في نعيم الانقاذ يتحدث عن مجاهدات الحركة الإسلامية وقد أعماه النعيم من رؤية معاناة السودانيين ممن يدعون بانهم اسلاميين ، نذكره ببعض ما حدث بوضوح وصراحة دون رتوش وزينة مع انه يعتقد بان الله كلف الإسلاميين بتطهير المجتمع من الرذائل والموبقات وكل ما يعملوه غايته اصلاح السودان والسودانيين ونقول له ساندت الحركة الاسلامية النميري في أحلك واظلم ايام حكمه وقد كانوا السوس الذي هد نظام نميري ،أوهمت الحركة الاسلامية النميري بانه امام وخليفة للمسلمين ومصلح القرن العشرين وباسم النميري وتحت غطاء شرع الله كم يدا قطعت وكم شخصا صلب وكم مسكينا اعدم . محمود محمد طه الرجل المسن ساقته الحركة الإسلامية الى حتفه وطبولها تقرع ، اتهموه بالردة بل هم المرتدون بتأييدهم لحاكم جائر وتقطيعهم لأيادي فقراء وجياع المسلمين ، انتهزوا نشوة النميري بالإمامة فسرقوا خزائن السودان ، الترابي كبير وقائد الإسلاميين كان موظفا في حكومة السودان وكذلك كان والده وانه لم يمارس عملا يتكسب منه بعد ان بارح الوظيفة غير الابتسامة وترديد اقوال عقيمة أربكت المسلمين و دفعت أساتذة جامعات كالطحان ان يكتبوا عن ضلاله وتضليله ، دفع الترابي مائة الف دولار كمشارك في تأسيس بنك التضامن الإسلامي في زمن كان راتب وكيل الوزارة في السودان لا يتعدى تسعون جنيها وكانت اغلب اسماء مؤسسي البنوك والشركات من الإسلاميين الذين كانوا حكام السودان الحقيقيين في أواخر عهد النميري . قال د / وقيع الله ان الصادق عبد الماجد قال لو لا جهاد الحركة الاسلامية لكان احمرار السودان يشع على افريقيا اليوم ، هل هذا القول حقيقة ام انه ادعاء مفضوح ، نكبة الشيوعيين حدثت على يد النميري عندما كانت الحركة الاسلامية نسيا منسيا لا لون ولا رائحة ولا طعم لها. كل السودانيين يعرفون ان انقلاب هاشم العطاء الناجح كان وراءه الشيوعيون وان الانقلاب على هاشم كان قادته هم الشاوشية والأنفار في الجيش السوداني الذين جردهم هاشم من سلاحهم فتمردوا عليه فأعادوا النميري ثم بمعاونة مصر وليبيا .انتقم نميري من الشيوعيين فأباد كل قادتهم ومفكريهم منهم عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق وغيرهم وكان النميري بالمرصاد لكل نبته شيوعية في السودان ومن هذا يتضح ان لا دور للحركة الاسلامية في إضعاف الحركة الشيوعية . النميري هو الذي مكن الحركة الاسلامية التي كانت في الماضي ذبابة تعيش على فتات الاحزاب الطائفية التي تهكم عليها د / وقيع الله بقوله ان حكوماتها كانت كسيحة . تقديرا لأفضال نميري الجزار الذي اباد الانصار في الجزيرة ابا و ود نوباوي والشيوعيين في الخرطوم والجنوبيين أعادته الحركة الاسلامية من منفاه في مصر الى الخرطوم وهو الان يعيش في رغد من العيش في كنف الانقاذ ، رأيناه واقفا بجوار رئيس الحركة الاسلامية عند افتتاح أول أنبوب يضخ النفض للشمال وانهم بصدد تشييد جامعة باسم نميري والرجل الثاني في نظام نميري المباد ابو القاسم محمد ابراهيم كرمته الحركة الاسلامية بتعيينه وزيرا للصحة وهو الان عضو برلمان عن الحركة الاسلامية وطبعا هذا كله من مجاهدات الحركة الاسلامية التي نسي الدكتور الفطن ذكرها .

استولت الحركة الاسلامية على الحكم في السودان في عام 1989 ،فماذا حدث،هل يتذكر وقيع الله ام يحتاج لتذكرة وما دام الدكتور لا يري الجانب المظلم من الانقاذ فعلينا واجب تبليغه بما فيه ونقول له في ايام معدودات أفقرت الحركة الاسلامية الشعب السوداني بتغيير العملة والتلاعب في قيمة الجنيه فتبخرت مدخرات الناس وارتفعت الاسعار فازداد الحكام الاسلاميين ثراء وأصبح العامة فقراء فكثر المتسولون في الشوارع وانهارت الروابط العائلية وانتشرت الرذيلة وهرب من استطاع الى الخارج ، طردوا الموظفين الغير متأكدين من ولائهم من الخدمة وكذلك الجنود والضباط واعدموا و قتلوا من البشر اعداد لا يحصيها الا الله . اهل الخرطوم يتذكرون ثمانية وعشرون ضابطا ذبحوا في ليلة مظلمة ويتذكرون دكتور على فضل الذي عذب حتى الموت ومجدي الذي قتل بدم بارد وسرق ماله ونقيض لهذا الفعل الشنيع اعدموا العقيد عبد الرحيم محمد صالح الذي ترك خلفه جيش من الاطفال لانه اختلس ويتذكرون بيوت الاشباح التي كان ضيوفها كبار الاطباء والسياسيين منهم دكتور احمد سراج والمحامي الصادق الشامي وغيرهم من الطلبة والعمال . هل سمع الدكتور المداح بمأساة القرويين في دار فور وقرارات مجلس الامن ضد الانقاذ ومطالبة محكمة الجنايات الدولية بتسليمها احمد هارون وكوشيب ، قيل ان د / عبد الوهاب الافندي وهو من قادة الاسلاميين بعد ان تأكد له ان الانقاذ ضلت الطريق أباح بالحقيقة حيث قال ان احمد هارون وكوشيب مأمورين و دورهم ثانوي في الجرائم التي ارتكبت في دار فور وذكر بان كبار المجرمين موجودين في مجلس الوزراء وقد قال هذا في تلفزيون الجزيرة وقال اخر ان المجرمين موجودين في القصر الجمهوري .

قال الدكتوران الحركة الاسلامية حافظت على تراب السودان وعلى سلطته المركزية و نقول له أين حلايب وكم منطقة في دار فور لا سلطان لحكومة الخرطوم عليها وحتى في جبال النوبة بكردفان توجد مناطق لا تحكمها الخرطوم وكذلك ابيي ونقول للدكتور الهمام كفاك نوما داخل المباني الآلية للسقوط ونهمس في أذنه بان السودان الان تحكمه مجموعة من المطلوبين للعدالة الدولية ولا هم لهم غير الإفلات من دعاوى اوكابو والانصياع لاوامر امريكا وبامرها طردوا الاسلاميين من السودان ومن بينهم بن لادن وايمن الظواهري وتجسسوا على المقاومة العراقية في العراق .

قال الدكتور وقيع الله ان الحركة الشعبية انصاعت للحركة الاسلامية و نقول له الحركة الشعبية بعد ان أشبعت الانقاذ لكما على الرأس لمدة خمسة عشر عاما ادركت الحركة الاسلامية انها تسبح ضد التيار فانصاعت ووقعت على ما طلبت امريكا منها التوقيع عليه والحركة الشعبية اخذت حقوقها جبرا لا كرما من الانقاذ ورجالها اليوم موجودون في القصر ومنفردين بحكم الجنوب.

تكلم الوقيع عن احزاب الفساد السودانية نقول له فتشت الانقاذ دفاتر الاحزاب في فجر حكمها فلم تجد فاسدا واحدا لتسجنه وبمرور الزمن انكشف الغطاء عن الانقاذ وتبين ان الفساد من طبائعها هل يعرف الوقيع كم يملك عبد الرحيم محمد حسين من المال ولمن تعود الشركات الكبيرة في السودان وكم يملك عبد الحليم المتعافي والي الخرطوم وهل قرأ دكتور الوقيع تقرير المراجع العام واين ذهب التقرير الذي اشار بان بعض الإدارات غير مسموح بمراجعتها و ان الخزينة العامة فقدت بلايين الجنيهات بسبب الفساد.

تحدث الوقيع عن توزيع الانقاذ للأراضي وعدم توزيعها في زمن الحكومات السابقة نقول له انه لا يعرف الحقائق وعليه ان ينظر لحدود الخرطوم في زمن الاستعمار والى حدودها في عام 1989 وان يقوم بهذه المراجعة في كل المدن . عدد سكان العاصمة زاد زيادة كبيرة في عهد الانقاذ حيث ان حروب الهامش التي اشعلتها الانقاذ خلال سنوات حكمها اجبرت الناس على الانتقال للعاصمة وهذا رفع الإيجارات وأسعار الأراضي فوزعت الانقاذ الاراضي على محاسيبها ليستفيدوا من الوضع الذي خلقته كما ان الانقاذ باعت ممتلكات الدولة لجماعتها بالبخس الاسعار وباعت اراض بدعوى انها استثمارية للإنفاق على حروبها وأمنها وبذخ وزرائها وولاتها وكل شيء في زمن الانقاذ ممكن ومباح . اذا سمح الدكتور الهمام ان يجيبني على هذا السؤال اجابة دقيقة ومفصلة وهو الدكتور الباحث العارف يشئون الاراضي، ما هو نصيب الجنوبيين الذين عاشوا في اطراف الخرطوم لمدة قد تزيد عن ثلاثين عاما من توزيع الاراضي الذي يتفاخر به الدكتور ودقيق هذه تشمل عدد القطع التي خصصت لهم ومواقعها .

جبريل حسن احمد



ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

جدلية فقه النفي

محمد أحمد عثمان

في المقال السباق (أركتايبز الحركة الإسلامية) أفدت بأن أولى مسببات تفكيك الحركة الإسلامية تمثّلت في (الشمولية) وتسفيه أمر (الجماعة) وإلغاء الشورى وتوطيد أركان الهيمنة المطلقة عبر ميكانزم أوهام (العقل المطلق) في تمكين (الفرد المطلق). ولعله وبأسباب ثقافة هذا (الفرد المطلق) الممسك بخطام زمام ناقة الجماعة عجز أفرادها عن التحرر والخروج عن سياج دائرة الفرد المغلقة. وفي السهول والمراعي والبراري الواسعة بالولايات المتحدة وأستراليا وكندا تقوم الكلاب المدربة برعي الماشية حتى إذا خرجت بعض الأبقار عن مسارات الرعي وجانبت القطيع تقوم تلك الكلاب المدربة بردها.
وفي سابق عهد (الحركة الإسلامية) كان كل من يبادر برأي أو مشيئة مخالفة أو مُجادلة للمألوف الراتب يُطلِق عليه (حرس) وأزلام الزعيم لفظه (الحُمرتجي) كنوع من الحرب النفسية بأسباب التشكيك والإرهاب حتى لا يخرج على نهج (القطيع) والتبعية المطلقة لمأثورات وأهازيج وأفعال وأقوال (الزعيم) حتى لو كانت خارجة على المألوف. وفي هذا السياق وصم (م.ع) أحد أفراد الحرس جعفر شيخ إدريس لمجرّد إبداء آراء معارضة وناقدة للزعيم -بطائر البطريق penguin.
ولأنه يجهل خصائص طائر البطريق وبدلاً عن القدح والهجاء مدح حارس الزعيم دون وعي منه ورغم أنفه جعفر شيخ إدريس. والذي يرى طائر البطريق وقوفاً على الساحل كي يستريح بعد رحلة صيدٍ مضنٍ مخر فيها عُباب البحار وغاص في أعماقها لا يمكنه أن ينتقص أو يضفي صفة الخمول على ذلك الطائر العظيم. ولعلنا عندما نقرأ مأساة بؤس النزعة الشمولية المتأصلة في (الفرد المطلق) غير القابل للنقد والجرح والتعديل في (خريف البطريرك) للكولمبي جابرييل جارسيا ماركيز تخضع دالة (طائر البطريق) تلقائياً لقيد الشطب sous rature بأسباب الإثم المرتكب في عدم القدرة على فهم واستخدام النصوص.
ولعلني مثل (فرناندو بيسوا) في كتابه (اللاطمأنينة) إصدارة المغرب، منشورات وزارة الثقافة ص424 أقول ما يقول بأن (الامتياز الوحيد للدراسة يتمثل في الاستمتاع بكل ما لم يقله الآخرون). وكانت (الحركة الإسلامية) منذ نشأتها الأولى حركة جماعية لا تعمل بإنطوائية وخيانية (مسجد الضرار) بل تعمل بثقافة الانفتاح الفطري التوحيدي نحو الله (إن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) وكانت (الحركة الإسلامية) في سِنِّيها الأولى قبل التجذر والشتات تنعم بالشفافية قبل أن تكتنفها غواية الغموض ليقف منسوبوها على أعراصها وقد أعياهم (الدليل) كما وقف الراحل توفيق صالح جبريل أمام (دامر المجذوب): (أيا دامر المجذوب لا أنتِ قريةٌ / بداوتها تبدو ولا أنتِ بندرُ).
وانتكست (الحركة الإسلامية) وارتكست بأسباب الخوف والرعب من إبداء الرأي أو الدعوة للتغيير والرفض. لتتحول (الجماعة) من فرس مُطَّهم إلى (ناقة) جرباء. وفي هذا الاتجاه يقول (مايكل هاردت وأنطونيو نيغري) في كتابهما (إمبراطورية العولمة الجديدة) مكتبة العبيكان، الرياض ص470: (إن الشعور الذي لا بد من استثارته في سبيل فرض السيطرة الفعالة هو الخوف) فأنت (حمرتجي) إذا أبديت رأياً وطائر بطريق حتى لو كنت في قامة جعفر شيخ إدريس. فالرجل من أهل السبق وللسابقين مكانتهم ورمزيتهم وحقهم الطبيعي في التصحيح والنقد والوجود. ولعلنا نذكر أن الراحل طيب الذكر الشيخ الطيب السراج عطَّر الله ثراه كان قامةً في لغة الضاد وأصولياً يدفع عن لغة العرب هجين العصرنة والتحديث والركاكة والضعف، ولهذا جابه منتقديه من دعاه المحاكاة لثقافة الأفرنج قائلاً: (ماذا تنوط بثوبي أيها الشاني/ ليس الذي نُطت يا لا شيءَ من شأني). ولأن جزالة الشيخ الطيب السرَّاج مما يُدرك من العلم والدُّربة والفصاحة ولا يحصره التعريف تطاول عليه شعراء الهجين اللفظي حسداً من عند أنفسهم ولهذا انتفض غاضباً ليقول فيهم: (وهناك أبناء اللكيعة بصبصت/ أذنابها وترى العبيد عبيدا). ولم يكن السراج وحده يجابه الحفالة والغواية والأضغان و(القرف) فقد قال الشاعر الفحل محمد عبد القادر كرف : (فذرني والمقرفين الغواة/ أولى الضغنِ والعتكات المُصِنَّة) (عسى الله يحسر من كيدهم/ ويرمي أنوف العِبِدي الأقِنَّة).
وربما تبدو (الحركة الإسلامية) في مثالها الواقعي التطبيقي العملي مثل (العربة) بأجزائها المتعددة كما جاء في قصيدتي (يا ولدي لا تركب معنا 7/7) والموجودة الآن بإرشيف سودانيز أون لاين وسودانايل بالإنترنت. والقصيدة تنم من جهة في هذه الجزئية عن التخصصية بكل أبعادها وتنم عن دلالات (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) من الجهة الأخرى أو بصيغةٍ أدَّق كما جاء في الحديث الصحيح (إذا وُسِّد الأمر غير أهله فانتظر الساعة). وحتى نخرج عن النسق التجريدي اللاواقعي ومنهج (الشيخ) المقيد بحدود الولاء لا البراء نقدم مثال (ب. ط) (على سبيل المثال لا الحصر) والذي تم تعيينه مديراً للبنك الزراعي رغم وجود العشرات من أبناء الحركة الإسلامية الذين يحملون درجات الدكتوراة والماجستير في الاقتصاد الزراعي من جامعات عالمية مشهورة ويملكون خبرات جمة في هذا المجال التخصصي. ولا يعني هذا وبالضرورة سوى أن القيادة المزعومة للحركة الإسلامية لا ترى أبعد من أقدامها وأرانب أنوفها ولا تدري أنه بفعلها اللامسؤول ودون وعيٍ منها تُسَّفِه وتنتهك حرمة أعضائها بما ينافي قانون العمل التخصصي ويثير الفوضى وينتهك حرمة المهنة.
وتلكم جزئية من وسائل الاستخفاف والعفوية والسذاجة ونفي العقل الآخر في أخص خصائص المهنية بمدلولها العلمي وأبعادها التخصصية. ونوعية من أنواع ممارسة (النفي المتعمّد) بفقه الممسك بخناق السلطة بثقافة الإبريق والفروة وألفية ابن مالك. وكيف يتسنى لمن لم يتعاط بقاعات المحاضرات علوم الحشرات وأمراض النبات ومكافحة الآفات ووقاية النباتات والإرشاد الزراعي والمحاصيل والهندسة الزراعية والري irrigation والتخطيط والائتمان الزراعي وإدارة المشروعات... إلخ. أن يتبوأ مقعد إدارة البنك الزراعي ويتعامل مع المزارعين اللهم إلا إذا كان يبحث عن إمرأة ينكحها أو أراد من أتى به إخراجه من (بند العطالة) على حساب الآخر (المنتمي للحزب) والذي ليس له قيمة حتى في أخص خصائصه المهنية. ويرى الرجل الخارق (السيوبرمان) في زبانيته بمبلغ علمه اللدني وعلى الدوام وَصْفة أصحاب الصنائع السبع Jack- of- all trades. وفي مثال سياق السرد فالحوار هو المدير والوالي وعضو المكتب القيادي ورئيس مجلس الشورى والمنشق بعد سبغ الكتاب.
ولأنه (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) تتبلور الآراء وتنمو وتزدهر وتتدافع العقول لإنتاج الرأي الصائب. وفي مادة (رأي) بلسان العرب لابن منظور كانت العرب تستخدم الرأي في الدلالة على ما يعتقده الشخص ويراه بعد فكر وتأمل عقب إعمال البحث والنظر والتنقيب والتمحيص بهدف معرفة أوجه الصواب. شريطة (أن يكون الرأي فيما تتعارض فيه وجهات النظر وتتباين وتختلف في إدراكه العقول) كما يقول (ابن القيم) في (إعلام الموقعين) (إصدارة بيروت: دار الجيل 1973م، 1/65) وبطبيعة البشر تختلف الآراء وتتباين وربما تصطدم على طرفي نقيض. وفي الجاهلية اختلفت الرؤى حول الموت إذ يقول زهير ابن أبي سُلمى (رأيتُ المنايا خبط عشواء) بينما يقول لبيد بن ربيعة (إن المنايا لا تطيشُ سهامُها). ويقول طرفة بن العبد (لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى) وكأن (لبيد) و(طرفة) يقرآن أم الكتاب (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد). وفي الإسلام بعد خيانة يهود بني قريظة تباينت القراءات في تفسير وتأويل الأمر الرسولي بعد أن ساء صباح المنذرين (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُصَلين العصر إلا في بني قريظة).
وتبقى (حرية الرأي) مجرد مصطلح ليس له معنى ولا طعم ولا رائحة إذا عجز الأفراد عن ممارسة حقوقهم الطبيعية في طرق الفكر والنظر والتعبير والاجتماع والإقتناع بأسباب وضع القيود والأغلال، وإعمال أدوات النفي والتخدير بشمولية فقه (الفرد المطلق). ففي تصور ومنهجية المؤتمر الشعبي الذي يتباكى (شيخه) ويردح على الحريات العامة والشورى والبيعة والعهود والمواثيق عند خطابه للناس بالولايات يتناسى هذه المبادئ في المؤتمر العام لحزبه عندما يغمط عمداً وبسبق الإصرار واجهات وممثلي ومناديب هذه الولايات ومجالس شوراهم حقهم الطبيعي في شفافية الترشيح والاختيار الحر عبر (القائمة المشيخية) التي يفرضها بعصي الشمولية وحق النقض وثقافة (لا أريهم إلا ما أرى). ويأتي الشعبيون من كل الولايات زرافات ووحداناً من أجل التصويت وأداء البصمة والتمتع بخطابات الشيخ المكرَّرة وحصاد القيمة المضافة بثقافة (نظرة يا أبو علي) لتحقيق متلازمتي (ذرية بعضها من بعض) (ووالله لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه). وشكراً لله وحمداً إذ خيَّر عباده بين الكفر به والإيمان (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف: 29.. أما قائمة (الشيخ) المفروضة على القطيع وفقاً لقانون حمورابي فإما أن تُؤخذ كلها أو تُرفض كلها. وبهذه الثقافة الآحادية اللاشورية لا يملك (الشيخ) الإستعداد لسماع أصوات الإحتجاج والرفض وهتافات التغيير بعد أن غلب الطبع على التطبَّع. أما وقد سمع الله قول المُجادِلة التي اشتكت زوجها (أوس بن الصامت) إلى الله في سورة (المجادلة:1) بعد أن ظاهرها فمن واجب الشموليين ورغم أنفهم أن يسمعوا آراء الآخرين ويفكوا قيود الجماعة وأغلالها وفق دلالات النصوص التي لا تقبل الشك ولا التأويل (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظَّاً غليظ القلب لانفضَّوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر...) آل عمران: 159، (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم) الشورى: 38.
والشورى بصيغة موجزة تعبّر عن اجتهاد الجماعة لاستكشاف الرأي الأصوب. وبالطبع لا توجد شورى خارج نطاق الرأي والرأي الآخر والذي هو انعكاس لتعددية العقول واختلاف الرؤى الفكرية. ولعلنا ندرك أن (المدونات الفقهية) التي ارتبطت بفقهاء كبار بقامة أئمة المذاهب الأربع والشيخين وابن حزم وابن تيمية وابن كثير والقرطبي... إلخ، ظهرت بفضل جهود جماعية شورية وفي ذلك يقول المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي في كتابه (الحريات العامة) ص122 (لم يكن مالك بن أنس يعبّر عن رأيه بل عن اجماع الحركة الفقهية في المدينة وتقاليدها، ففقهه كان شورياً. ولم يكن أبو حنيفة يُفتي من ذات رأسه وإنما كان يجلس ومعه أركان مدرسته منهم أبو يوسف وزفر وغيرهم وكان يجري بينهم الحوار ويبرز الرأي من خلاله. فما كان الفقيه يعتزل برأيه بل يجمعه إلى آراء الناس. وما كان الإمام الفقهي يستبد الفتوى ويبتدرها ولهذا لا ينبغي أن يكون الرأي السياسي ولا الإمامة السياسية إلا كذلك) انتهى. وتؤكد هذه المعاني التأصيلية التي أوردها الغنوشي مقولة الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كما أوردها الإمام الغزالي في رسالة الطريق المستقيم (القاهرة: المكتبة التوفيقية ص 217): (لا تعرف الحق بالرجال بل أعرف الحق تعرف أهله). وفي نفس المنحى يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس (القاهرة: مكتبة الصفا ص 188): (الإنقياد إنما يكون إلى ما جاءت به الشريعة لا إلى الأشخاص. فمن نظر إلى تعظيم شخص ولم ينظر بالدليل إلى ما صدر عنه كان كمن نظر إلى ما جرى على يد المسيح (ع) من الأمور الخارقة ولم ينظر إليه فأدعى فيه الألوهية، ولو نظر إليه وأنه لا يقوم إلا بالطعام لم يعطه ما لا يستحقه). وهكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وكان ابن امرأة من قريش تأكل القديد. وكان (صلى الله عليه وسلم) يستشير أصحابه لا يقطع رأياً دونهم ولا ينطق عن الهوى فيما لا خيره لأصحابه فيه بفعل قدسية «الوحي».

الصحافة
3/3/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية:
ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها..!!
محمد وقيع الله
«8»
كان سيدنا كعب بن مالك، رضي الله عنه، ممن تخلفوا عن ركب الحركة الإسلامية، يوم زحف تبوك، وبقي في المدينة يماطل ويتلبث، حين طابت الظلال والثمار، وكان يتلفت حوله، فلا يرى فيمن بقي معه بالمدينة، إلا منافقا أو ضعيفا، وآذاه ذلك وأرَّقه، وعبر عما وخزه من الألم، فقال: كان«يحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء».
ولكن كعبا بنقائه وصلابته، صبر ولم يتمادَ، ولم يخن عهد الدعوة وميثاقها، ولم يغدر بالدعوة أو يطعنها، كما خان صاحبنا وغدر وطعن. لقد خيب كعب بن مالك ظنون أعداء الإسلام، الذين قعدوا وهم غير معذورين، كما خيَّب ظنون أعداء الإسلام الذين أرادوا أن يستميلوه إلى جانبهم، حتى يكتب لهم التقارير المفصلة عن مسار الحركة الإسلامية، وخططها، ويعمل موظفا «برتبة ومرتب» في آلة الدعاية لديهم، فيقوم بهجاء الحركة الإسلامية والتعريض بها، فقد كان كعب شاعرا مُفْلِقا «أي صحفيا ضليعا بلغة اليوم، فقد كان الشاعر هو الذي ينافح وقتها عن الدعوات، والحركات السياسية، والحكومات!».
قال كعب، رضي الله تعالى عنه: فبينا أنا أمشي بالسوق، إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام، ممن قَدِم بالطعام يبيعه بالمدينة: من يدل على كعب بن مالك؟ فجعل الناس يشيرون له إليَّ، حتى جاءني فدفع إليَّ كتاباً من ملك غسان... فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة، فالحق بنا نُواسِك. قلت حين قرأتها، وهذا من البلاء أيضا، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك، فعمدت بها إلى تنُّور فسجَّرته بها..!!
الأصيل والعميل:
فها هو كعب بن مالك الداعية الصحابي الصادق الأصيل، يعي خطورة موقفه الذي بدأ بالتخلف عن الركب الزاحف، ويدرك أنه ربما ينجر بعد ذلك إلى ما هو أخطر من ذلك، بارتكاب الخيانة الأعظم: خيانة عهد الدعوة، وميثاقها، ومعاونة أهل الكفر عليها، فاستيقظ ضميره بلا تراخٍ ولا انتظار، ولم يكن في حاجة إلى أن يفكر أكثر وأكثر، فهذا العرض السخي، الذي جلبه له أحد عملاء الامبراطورية الرومانية «إحدى القوتين العالميتين العظميين حينها!» لم يستحق لديه إلا أن يحرق فوريا، فأخذه وسجَّره حالا في التنور..!!
فهل يا ترى يملك صاحبنا، هذا الذي يجادلنا، شيئاً من صلابة كعب بن مالك، رضي الله تعالى عنه، ووفائه، ونقاء ضميره الديني، فيسجِّر كتب الدعوات التي تترامى إليه من المراكز ذات الصلة الوثقى بالاستخبارات البريطانية، والاميركية، والتي ما تَنِي تطلب منه الرأي والمشورة الناجزة في أساليب التصدي للمسلمين؟!!
إن أملنا في ذلك، وفيه ضعيف، جد ضعيف! فها هو يدين حركة المقاومة الفلسطينية علنا كمطلوب من متطلبات العمل بمعهد بروكنجز، ومعهد السلام بواشنطون، وكلاهما من معاهد المحافظين الجدد، والقدامى، وعتاة الصهاينة، ولقد أرضى صاحبنا بإدانته للمقاومة الفلسطينية، كبير الصهاينة الذي يتزعم ذلك المعهد، فقربه إليه، وأسبغ عليه المنح، التي يُشترى بمثلها أمثاله.
وإذا عرفنا أن كبير الصهاينة بذلك المعهد، هو ذات الشخص الذي دبر مسألة الرسوم الكرتونية المسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كشفت ذلك إحدى صحف فيلادلفيا، في العام قبل الماضي، فربما نقف ذات يوم قريب على سر علاقة صاحبنا هذا، الناقم على الحركة الإسلامية السودانية، الراجي موتها، بذلك الصهيوني العتيد، فقد أمسينا لا نستغرب صلات معارضي الإنقاذ بالصهاينة، فها هم يصافحون الصهاينة «مصافحات غير عفوية ولا بريئة كما يزعمون!»، وها هم يزورون إسرائيل ويستنجدون بها، وها هم قد قرروا أخيرا أن يقيموا مكاتب لحركاتهم التخريبية، المتمردة في دارفور، في عقر ديار الإسرائيليين، وفي عز أيام غطرستهم، وعدوانيتهم، التي يبيدون بها جماعيا أهل فلسطين..!!
وإذا كنا لا نستغرب مكائد السياسيين من خصوم الإنقاذ، فإن استغرابنا يزيد ونحن نطالع مطالع الخيانة عند بعض مؤيدي الإنقاذ وجلاوزتها القدماء، هؤلاء الذين صرحوا بطموحاتهم الزائدة على الحد، عندما زعموا أنهم شركاء في الإنقاذ، وليسوا أجراء لديها، مع أنهم ما كانوا إلا مجرد أجراء لديها جاءوا إلى خدمتها بإغراء المرتبات والامتيازات والعلاوات والبدلات.
فقد قامت ثورة الإنقاذ، ثم تأسست دولة الإنقاذ، ولم يسهم أمثال هؤلاء في التمهيد لها بشيء، فقد ظلوا أبعد ما يكونون عن ساحات العمل اليومي، دع عنك ساحات الفداء، ولا يغرن أحد تشدق صاحبنا هذا، بأنه لولا جهاده لما صار المشير عمر البشير، ولما صار الشيخ على عثمان، فيما صارا فيه من مجد ومن علياء، ومن أسف فإن صاحبنا صدق زعمه هذا، كما صدق أشعب وهمه، ولهذا ظن صاحبنا، وظنه إثم مُتَجانفٌ لإثم، أن إبعاده عن الخارجية كان افتئاتا على حق أصيل له!
بين الخارجية والإعلام:
ولقد كنت في السابق قد أوردت معلومتين متضاربتين بشأن «رتبة» صاحبنا هذا في خدمة الإنقاذ، في أعوام التمكين، وزمان الشدة على المخالفين، أولاها أنه عمل بالخارجية، وثانيها أنه عمل بالثقافة والإعلام، والصحيح أنه عمل وزيرا مفوضا «برتبة» ملحق إعلامي «ومرتب» مقطوع لتلك الرتبة، وسار سيرته التي يعلمها الكل، في مسار التطرف البالغ، في تأييد الإنقاذ، بالحق وبالباطل، بلا تريث، ولا تورع، ولا اكتراث، وبذل جهده كله في تغطية وتبرير جرائرها، وبطشاتها الأولى، ولم يقدم صاحبنا هذا حتى يوم الناس هذا نقدا ذاتيا، لا مجملا ولا مفصلا، يتناول أخطاءه الأولى، التي لا يزال يلاحقه بها المتضررون، في أروقة المنظمات الدولية وساحات الإعلام، ولا يريد صاحبنا أن يتفضل حتى بمجرد ردود على هؤلاء الذين يلاحقونه، ويتقدمون ضده بالاتهامات على صفحات الصحف والانترنت..!!
صحيح أن صاحبنا عمل بوزارة الخارجية، ولكنه وصل إلى منصبه بالخارجية، بطريقته الانتهازية الفريدة، التي فاق بها كل الانتهازيين العالقين بأطراف الحركة الإسلامية السودانية، ممن تكاثروا على أبوابها في أيام الطمع، وتراجعوا عن رحابها في أيام الشدة الفزع.
فالمعروف أن الملحق الإعلامي، يكون في العادة تابعا لوزارة الإعلام لا الخارجية، وكذلك يكون الملحق العسكري تابعا لوزارة الدفاع لا الخارجية، وكذلك الملحق التجاري يتبع لوزارة التجارة لا الخارجية. ولكن صاحبنا هذا باعترافه قد قام باختراق القاعدة الدبلوماسية الوطيدة، وأصبح الملحق الإعلامي الوحيد، المعين على وجهين: وجه ظاهر معلن للناس، وهو وجه الملحق إعلامي، ووجه خفي مخفي عنهم كوزير مفوض..!!
وهذا مما يدل على قوة صلة صاحبنا هذا بقادة التنظيم الذي درج على أن يدعوه خطأ على أنه «سوبر- تنظيم»، ويدل كذلك على عظيم تودده إلى هؤلاء القادة في «المايكرو- تنظيم» كما يجب أن يسمى، أولئك الذين منحوه، لسبب وجيه، نفهمه، ونتفهمه جيدا، تلك المعاملة التفضيلية، التي ضنوا بها على أبناء الحركة الإسلامية السودانية الأوفياء المجاهدين، وصناع الإنقاذ الحقيقيين واعطوها إياه. فأبناء الحركة الإسلامية الأصيلين الأماجد لا يُشتَرَوْن بالمناصب والأعطيات والصدقات، ولا يبيعون الحركة الإسلامية مهما بلغ الإغراء، وهذا يُشترى بالثمن البخس، ويَبيع الحركة الإسلامية بثمن بخس!
ومهما يكن، وسواء أعمل صاحبنا هذا بالخارجية أم بالإعلام، فإن نتائج أعماله وصنائعه سيَّان، لقد عمل صاحبنا بوظيفة إعلامية شبيهة بوظيفة الشاعر في بلاطات الحكام في العهود الخالية، فهو إذن قد كان «شاعرا» كشعراء البلاط الأموي، يرضى فيمدح، ويسخط فيهجو، يمدح الخلفاء، ويهجو المعارضين، ويشتط في الحالتين، ويتكسب قوته بهذا السبيل، كما يتكسب الشاعر الأموي قوته بهذا السبيل، وذلك مع فارق واحد جوهري مهم، هو أن شعراء بني أمية كانوا «مخلصين»، ولم ينقلبوا على سلاطينهم كما انقلب هذا على سلاطينه.
فهل تعلم صاحبنا هذه المراوغة من الشاعر الشيعي الرافضي الخبيث دِعَبْل الخزاعي، الذي فاجأنا بالحديث عن حبه له، وإيثاره إياه، والاستشهاد بشعره، مع أن دِعبلا هذا كان قد حشا ديوانه بأشنع السوءات وافظعها، عندما هجا أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وسائر الصحابة الأجلاء، من المهاجرين والأنصار، الذين حضروا أعظم مجلس شورى في التاريخ، في يوم السقيفة المجيد.
جيل القيادة الجديد:
لقد ظن صاحبنا بنيله لتلك المعاملة التفضيلية في وزارة الخارجية، أنه كادر ذو قيمة نادرة يعز وجود مثيل له، وأن الإنقاذ لا يمكنها أن تستغني عنه، ذلك مع أن الإنقاذ تملك آلاف الكوادر غيره، بعضهم أفضل منه كثيرا، حتى في المجال الذي برع فيه وهو مجال الإعلام، وجلهم من أهل الصدق، والوفاء، والغيرة على الإسلام.
وهذه ميزة خاصة للحركة الإسلامية السودانية، دون سواها من الحركات الحزبية السودانية الأخرى، لأنها ربت جيلا إسلاميا، رساليا، محتسبا، من أصحاب المهارات القيادية المصقولة في مجالات مختلفة، وهؤلاء هم الذين يقودون البلاد بنجاح الآن، وربما صح أن نسميهم جيل شعبان، أو جيل دبك، كما يحلو لأحدهم أن يقول، وهذا الجيل هو الذي خاض ملاحم الكفاح اللافحة، يوم كان صاحبنا يحبر مقالاته في صحافة مايو المؤممة.
هذا الجيل الذي ربته الحركة الإسلامية السودانية، وعجمت عوده بمعاركها، ومجاهداتها النبيلة، هو الجيل الذي خبر طلائعه عن قرب عمنا الفاضل، الشيخ مضوي محمد أحمد، الذي مهما اختلفنا معه فلن نصفه بغير الصدق، فقد عُرف الزعيم الاتحادي الشيخ مضوي محمد أحمد هذا الجيل الإسلامي الصلد المجاهد، أيام الندوات السياسية ضد مايو، وأيام المعتقلات الطوال، ووبخ قومه من الاتحاديين، لأنهم لم ينتجوا قادة سياسيين وإداريين مدربين ومقتدرين مثلهم، أو مثل بهاء الدين، كما قال..!!
ولكن كم في الحركة الإسلامية السودانية من أمثال بهاء الدين؟! إنه يوجد فيها من أمثاله عشرات المئين..!! فهي حركة «ديناميكية» مستقبلية، لا تتوقف ولا تدور إلى الخلف، كما تدور دوائر الأحزاب السياسية السودانية الأخرى، بلا استثناء قليل أو كثير.
إن أكثر قيادات الحركة الإسلامية السودانية، هم في طور الشباب أو الكهولة، ومعهم شيوخ قليلون، والتركيبة القيادية للحركة الإسلامية السودانية، تماثل الشعب السوداني بتركيبته العمرية تماما، حيث لا يحتكر القيادة السياسية في الحركة الإسلامية السودانية، مجموعة قليلة، من الطاعنين كثيراً في السن، الأمر الذي تعاني منه الأحزاب الساسية السودانية الأربعة الأخرى، التي «يتحكر» في قيادة إحداها شخص منذ عام 1963م، وفي الثانية شخص منذ عام 1965م، وفي الثالثة شخص منذ عام 1968م وفي الرابعة يتحكم من هو الأحدث عهدا بالقيادة، لأن وصوله إلى منصبه هذا لم يكن إلا في عام 1971م..!! وأمثال هؤلاء أحرى أن يقودوا البلاد إن تمكنوا فيها إلى الخلف كما يفعلون بأحزابهم، أما قادة الحركة الإسلامية السودانية فإنهم يقودون البلاد والحركة الإسلامية إلى غد وضئ، رغم مشاكسات الرجعيين الراجعين بأحزابهم وأنفسهم إلى ظلام الأمس الوبيل.
سوسيولوجيا الحركة الإسلامية:
وكما شكلت الحركة الإسلامية السودانية، على مستوى القيادة، تركيبة متماثلة مع التركيبة العمرية للشعب السوداني، فقد شكلت على مستوى القاعدة تشكيلة قومية متجانسة مع التشكيلة القومية السودانية. فعضوية الحركة الإسلامية السودانية موزعة توزيعا إثنيا متكافئا بين أقاليم السودان الأربعة، بما فيها جنوب السودان رغم ظروفه المعروفة.
وقد عملت الحركة الإسلامية السودانية بوعي ثاقب على أن تكون تشكيلتها القاعدية قومية متناسقة مع تشكيلة هذا البلد العظيم. ولحسن الحظ، فقد نشأت الحركة الإسلامية السودانية، في أوساط العلم، ومعاهد التعليم الحديث، واكتسبت أكثر عضويتها من تلك البيئة الكريمة، حيث تم تجنيد أكثر المريدين، وتم تسليكهم في سلك الطريقة، وهم في سن البراءة، والمثالية، والطهر والتطهر.
ولما كان قبول الطلاب في تلك المدارس والجامعات، يتم على أساس غير جهوي، ولا عرقي، ولا طائفي، فقد نشأت الحركة الإسلامية على ذلك النهج، بِمَنْجَاةٍ من عقد الجهوية والعرقية والطائفية وعقابيلها. ثم ساعدت تعاليم الإسلام المتفوقة، والمتجاوزة لنُعرات التعصب للأرض، والعرق، في توجيه أتباع الحركة الإسلامية السودانية ومنسوبيها، وجهة لا جهوية ولا عنصرية ولا قبلية، فلم يسمع فيها قبل انشقاقها الأخير، صوت ناعق ينعق باسم قبيلته دون الإسلام.
وفي أكثر دهرنا الذي عشناه في رحاب الحركة الإسلامية السودانية، لم نكن نسمع كلمة صريحة، ولا كنائية، تشير إلى توجه إقليمي، أو قبلي، أو عرقي، أو نحو ذلك، فكان ذلك مما لا يصرح به، ولا يشار إليه، ولو على سبيل المزاح، لأنه أمر «جاهلي»، منكر، منافٍ لمفاهيم الحركة، ومُتَبَنَيَاتِها، ومقاصدها، وركائزها الخُلقية الكبرى، وإذا كانت هذه المشاعر المنحرفة قد ثارت أخيرا في بعض الأوساط التي انخلعت عن سعة هذا المفهوم الإسلامي الجامع، واعتصمت بتخوم القبلية الضيقة، فإنما جاء ذلك بفعل من كانوا يضمرون قديما ما لا يظهرون، وقد كان طبيعيا أن يخرج هؤلاء من الحركة الإسلامية السودانية، التي لا تتسع لغير الولاء لله تعالى، ولرسوله، صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين أجمعين، بمختلف أعراقهم، ومنابتهم، «من دون فرز» قبلي أو جهوي.
«ونواصل الحديث في تفصيل إنجازات الحركة الإسلامية السودانية وفضح خصومها في الأسبوع القادم بإذن الله».


الصحافة
5/3/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

رداً على د. محمد وقيع الله
أحلام وقيع الله التي تحققت ..!!


خالد أبواحمد –[email protected]


صُدمت كما صُدم غيري من الصورة التي أعتبرها قبيحة تلك التي ظهر بها د. محمد وقيع الله والتي لا اعتبرها ذلة قلم بل هي مكمن الداء للكثير من دعاة التبصر، الذين يرون أن علومهم النظرية التي تلقوها تجعلهم على بصيرة من أمور الحياة أكثر من غيرهم، ولو كان الاخرين قد اعتمدوا على التجربة بالبرهان والدليل العملي بعيدا عن التنظير.
كنت أضع في ذهني صورة جميلة للغاية عن د. محمد وقيع الله ولو أنني لم ألتقي به إلا مرات قليلة وعلى عجالة أيام فترة التنظير للحركة الاسلامية في منتصف الثمانينيات وكنت أقرأ له كثيراً عندما يكتب عن الفكر الإسلامي،وتشدني مقالاته الرصينة، ولا زلت استمتع بها بين الفينة والأخرى أطالعها عبر موقع الجالية السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي فترة من الفترات أيام الديمقراطية الثالثة كانت هناك أقوال تتداول داخل مجتمعات الحركة الإسلامية مفادها أن د. حسن الترابي سئل ذات مرة عن خليفته في قيادة الحركة، وتقول الرواية أن الترابي قال "محمد وقيع الله- التجاني عبد القادر- أمين حسن عمر"، وفي رواية أخرى قيل "أحمد عثمان مكي قائد ثورة شعبان عليه رحمة الله ومغفرته- محمد وقيع الله – المحبوب عبد السلام" وهنالك روايات أخرى، والشاهد في المسألة أن اسم محمد وقيع الله ورد في كل الروايات المتداولة الأمر الذي جعل له حظوة واحترام القاعدة له وتقديره، ونحن السودانيون جميعنا نحتفي بالعُلماء وأهل الذكر، ونطرب لمطالعة إنتاجهم الفكري والأدبي مثلما أطربتنا من قبل مقالات مالك بن نبي ومحمد عبده والإمام حسن البنا إلخ، وقبل عقود من الزمان كان هذا الإنتاج له قيمته الفكرية والحضارية ولعب دوراً كبيراً في فتح الآفاق نحو التزود بالعلم وبالمزيد من التفكر والتأمل في هذا الكون العجيب.
المهم كان محمد وقيع الله يمثل بالنسبة للشباب الإسلامي القدوة الحسنى والأمل المُرتجى، وشخصي الضعيف سعدت أيما سعادة لكون واحداً من نخبة الإسلاميين الشباب يتزود بالعمل من الجامعات الأمريكية والغربية بحيث يُصبح رصيداً للحركة الإسلامية مع باقي الكفاءات والكوادر التي تقود دولاب العمل الإسلامي، لكني لم أتوقع ألبته أن أفجع في محمد وقيع الله هذه الفجيعة،لكن..
ولكن هذه تقطع القلب .. وتهده هداً..!
وعندما جاءت مساجلة د. وقيع الله مع د. الأفندي سقط في مخيلتي ذلك (المثال) الجميل والذي كنت أحبه وأترقبه كلما أصدر نتاجاً،،، مقالاً كان أو محاضرة تتداولها المجتمعات بالرصد والإعجاب والمفاخرة.
ولكنه سقط تماماً مثل أصنام كفار قريش، كانوا يصنعون التماثيل من العجوة، وعندما يجوع أحدهم يأكله ويسد به رمقه، أو صنماً من الخشب عندما تضيق به الدنيا يكسره ويرفسه رفساً برجليه..!.
كنت أقرأ ردود د. محمد وقيع الله باندهاش شديد وما فيها من سب وشتيمة وهمز ولمز لا تليق أبدا بالعُلماء ولا بالسنوات الطويلة والعجاف التي قارع فيها وقيع الله المكتبات وأُمهات الكُتب والمراجع، وحقيقة لم يسقط في يدي بل في يد الجميع الذين أتوقع أن يكونوا قد صُدموا أكثر مني، وعندما يكون السب والشتم وعدم المصداقية ديدن العالم (بكسر اللام) فما شان ضئيلي المعرفة من أمثالي، ليته وقف عند سب وشتم (الأفندي) إذا به يُعدد خمسون انجازاً لحكم (الإنقاذ) ليس هذا فحسب بل طفق ينتقد مواقف الآخرين من القائمين على السلطة التي قال فيها من لم يقله مالك في الخمر..
ومبعث الألم هنا أنني يوما ما كنت أظن و(أن بعض الظن اثم) أن الاسلاميين أكثر من غيرهم إعمالاً لأدب الحوار تنزيلاً لكل معاني الدين القيم على أرض الخلافات، لكن للأسف بالدليل العملي سقطت لدي هذه النظرية وخاب ظني تماماً خاصة في مرحلة الخلافات فيما عرف بالرابع من رمضان، ثم جاء د. محمد وقيع الله ليؤكد أنه حتى قادة الشباب من المفكرين هم على الدرب سائرون ومُقتدون..!!
ويوماً ما تابعت بسعادة غامرة مساجلات تحلت بالأدب الرصين والاخلاق الاسلامية الحقة في حوارات جمعت د.منصور خالد والاستاذ محمد ابوالقاسم حاج حمد عليه الرحمة والمغفرة، تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ، ثم تابعت مساجلات اخي العزيز المرحوم طه أبوقرجة مع د. خالد المبارك وما اتسمت به من أخلاق رفيعة في أدب الحوار، ثم أصبحت أقرأ لـ د. الطيب زين العابدين و للاستاذة أبوبكر القاضي و كمال الجزولي والحاج وراق وعثمان ميرغني، وجدت واقعية وأدب حقيقي في التناول جاء به الاسلام، لكنني لم اتوقع أبدا أن تكون هنالك مساجلة لـ د.محمد وقيع الله بهذا المستوى من الانحطاط بل الحقد والكراهية على كاتب عالم ومفكر بسبب أنه انتقد النظام نقد موضوعي وبأدب اسلامي رصين، ولم يجنح إلى الشتيمة والهمز واللمز.
لا أحمل كراهية ضد الأخ محمد وقيع الله ولا أعتبر نفسي في هذا المحك مُنافساً له فهو رجل قد رزقه الله تعالى ويسر له الدراسة وتلقي العلوم حتى نال درجة الدكتوراه وهنيئاً له بذلك، أما العبد الفقير لله لم أنل حظاً من العلم الأكاديمي كما أوتي وقيع الله، والآن أسابق الزمن مع أولادي لتلقي العلم، لكنني أفتخر بتجاربي في الحياة وخبرتي الطويلة في المجال الإعلامي والحمد لله التي بلغت قرابة الربع قرن من الزمان، واعتبر نفسي استفدت من الحركة الإسلامية أكثر بكثير من أخي وقيع الله لأن تجربتي هنا تجربة متكاملة نظرية وصقلت بالعمل في ظل (الإنقاذ) التي عصفت بنا في كل أرجاء السودان شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وهذا فضل من الله لا يُقدّر بثمن، ونلت معرفة لم ينلها الأخ وقيع الله، فكل دراسته الأكاديمية المرتبطة بجوانب الفكر الإسلامي ما هي إلا تجارب نظرية فقط، مهما وصل صاحبها من علوم نظرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن يصل للنتائج التي وصلنا إليها نحن الذين عشنا فترة التنظير والتطبيق، وشاهدنا بأم أعيننا مخازي ومآسي وكوارث التطبيق.

السقوط المدوي
والدكتور محمد وقيع الله في موقفه من تقييم نظام (الإنقاذ الوطني) مثل ذلك الطالب الذي غاب عن الدراسة سنوات طويلة ثم رغب آخيراً في مواصلة دراسته لكن مع دفعته الدراسية، وأصر إصراراً شديداً على أن يمتحن معهم ففعل لكنه سقط سقوطاً مدوياً..!!
شخصياً أحسب أن الحركة الإسلامية في السودان مدرسة كبيرة نال كل منا نصيبه من المعرفة حسب استعداده الشخصي وميوله والبيئة التي عاش فيها، لكن أخينا محمد وقيع الله غاب عن هذه المدرسة سنوات طويلة وحضر معنا مرحلة من مراحل التنظير، وقبل مرحلة التطبيق بكثير غادر السودان ولم يعش معنا مراحل الابتلاءات ولا مراحل الفتن، وجاء مُؤخراً في مرحلة السقوط والانهيار لمبادئ الحركة، يُريد أن يغالط الحقائق والواقع والمنطق والشواهد التي لا ينكرها إلا عليل سقيم، وكان يكفيه فقط أن يذهب الى تجمعات جرحي الحرب من ضحايا الألغام يدرك حجم الأسى وحجم ما وقعت فيه (الانقاذ) وكان يكفي محمد وقيع الله أن يذهب الى منظمة الشهيد ويفتح الملفات ليعرف الأعداد الحقيقية لضحايا الحرب في السودان من الكفاءات والخبرات ومن طلبة الجامعات في كل التخصصات ليدرك بوعي كامل حجم الدمار والخسارة التي اوقعتها (الانقاذ) في السودان.
وعندما يُعدد الأخ وقيع الله انجازات (الإنقاذ) المادية فإنه لم يأتي بجديد ولم ينكر أي من المعارضين للحُكم هذه (الانجازات) المادية التي أبعد ما تكون من جوهر ما جاءت به الحركة بعد الانقلاب المشئوم في 1989م، كما انه ليس من المنطقي أن نُحاكم النظام بالانجازات التي ذكرها وقيع الله، حتى الانجازات التي تحدث عنها وقيع الله إذا تطرقنا فيها إلى التفاصيل سنثبت الكثير من الأخطاء والعواقب المستقبلية التي تحيطها والقنابل المؤقوتة في أكثر من مكان، لكن السودانيين يحاسبون النظام بالنهج الذي جاء به، وبالبرنامج الذي أعلنه من خلال حركته اليومية في الإعلام والعلاقات الدولية والدبلوماسية، كما لم يكن في حسابات الذين اجتمعوا في ذلك الشهر من العام 1989م ليقرروا ما إذا كانت ساعة التغيير حانت أم لا أن يضعوا الانجازات المذكورة في حساباتهم، أبداً كان الهم الكبير يتلخص في (التمكين لدين الله في السودان)، وقد طالع القُراء مقالات محمد وقيع الله التي عدّد فيها انجازات النظام انه هرب بشكل واضح وجلي من التطرق إلى نتائج الحكم في تردي الأخلاق وانتشار الدعارة بكل أنواعها والجريمة المنظمة، والزيادة الفلكية في أعداد المصابين بالإيدز (الآن يعقد في العاصمة الخرطوم مؤتمر دولي يبحث مشكلة انتشار المرض في السودان) وانتشار المخدرات بين طلبة الجامعات، والازياد الخطير في معدلات الطلاق، والهجرة الى الخارج، وهرب د. محمد وقيع الله هروب النعامة من الملفات التي تتحدث عنها الصحافة السودانية في ذات الايام التي كان صاحبنا يدبج في مقالاته مُعدداً إنجازات دولة بني أمية في السودان، هارباً من ملف (الأطفال مجهولي الوالدين) وموتهم بالعشرات يومياً ودفنهم بعيداً عن الأعين.
انجازات (الإنقاذ)
تحدث وقيع الله عن انجازات النظام على محيط (التدين) والارتقاء بالإنسان السوداني، هذا هو المحك الحقيقي لكنني هنا لا بد أن أقدم مختصراً للدروس العملية التي غاب عنها الأخ وقيع الله سنين عدداً، وشخصي صحفي وإعلامي وحركي غصت في أعمق مؤسسات الحركة الإعلامية والجهادية والتنظيمية، الأمر الذي يؤكد أن ما أقوله ليس أكاذيب ولا إملاءات من أحد انما أحداث عشتها لحظة بلحظة.

التجاوزات الإنسانية وانتهاك التشريعات الإسلامية والدولية..!!
كل السودان عاش سنوات الحديث عن تمسك الحكومة بالإسلام بل والدفاع عنه من كيد المتربصين، لكن من خلال معايشة في "مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي" كمعد للبرنامج التلفزيوني الشهير بدأت تتكشف لي من خلال الأشرطة الخام التي كانت تأتينا من مناطق القتال ما لا يمكن أن يتصوره عاقل، و تحديداً من أحد الأشرطة الخام التي جاءتنا من منطقة شمال أعالي النيل متحرك (هدير الحق) عندما دخلوا منطقة شالي في النصف الثاني من التسعينات وهرب جنود الحركة الشعبية كان هناك طفل في الـ 14 أو 15 من عمره لم يتمكن من الهرب قاموا بقتله مع صيحات التكبير والتهليل وتم قتل كل الأسرى الذين كانوا داخل المعسكرات، وكان الشريط الخام يحتوي على مشاهد ليس لها أي علاقة بمن يدين بالإسلام ديناً، وعندما كنت أشاهد الشريط لفت بي الدنيا وكنت أحسب نفسي في كابوس لكنها كانت الحقيقة، علماً أن الأشرطة التي كانت تصلنا من مناطق القتال لا يشاهدها إلا مُعد الحلقة والمخرج، ويمنع منعاً باتاً للآخرين مشاهدتها لما فيها من تجاوزات.
وفي الكثير من الأشرطة التي كانت موجودة في مكتبة المؤسسة كانت مشاهد دخول القوات الحكومية إلى بعض القرى في جنوب السودان منظراً لا يمكن أن يُنسى من ذاكرتي أبداً، حيث يتم حرق البيوت المصنوعة من القش في مشاهد همجية وأحياناً يكون هناك بشر داخل هذه البيوت وتسمع صراخ العساكر وهم في حالة هستيريا ويطلقون النار عشوائياً، لا يمكن أبداً أن يكون ذلك إسلاماً مهما كانت المبررات، وضرب القرآن الكريم والحديث النبوي الواضح عرض الحائط إذ يقول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم:
"لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا إمرأة ولا شيخاً فانياً ولا مُنعزلاً بصومعته, ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء"، لكنهم يا رسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم فعلوا أكثر من ذلك بكثير...
المؤسسة نفسها (ساحات الفداء) تعج بالفساد المالي والإداري وكان يرأس مجلس إدارتها الوزير الحالي أسامة عبد الله محمد وزير الدولة بالري المسئول الأول عن خزان مروي، ويديرها مدير مكتب المؤتمر الوطني بالقاهرة حالياً كمال حسن علي، وكان نفر من السُراق يلعبون بالمال لعباً باعتبار المؤسسة فوق الجميع، والكُل يخاف منها حتى رئاسة الجمهورية كانت تخشى سؤال القائمين على أمر المؤسسة خوفاً من ردة الفعل، حيث كان القائمين على المؤسسة يذكرون للبعض أن (ساحات الفداء تابعة لأمن الثورة) وكان البعض يقول (ساحات الفداء تابعة لإبراهيم شمس الدين) في حين أن المرحوم العقيد إبراهيم شمس الدين نفسه كان يتحفظ على ما يحدث في المؤسسة من تصرفات ومن ألاعيب.
ويوماً ما كان لدي عمل مع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اللواء آنذاك عبد الرحمن سرالختم باعتباره المسئول عن التوجيه المعنوي وكان اللقاء بخصوص إنتاج حلقة خاصة بمناسبة عيد الجيش الذي يحتفل به سنوياً في 14 أغسطس، وبعد الانتهاء من الحديث والنقاش حول الحلقة، قام سرالختم بإغلاق باب مكتبه فقال ليّ ضاحكاً ( وهو الآن حي يُرزق) " ياخي بكل الصراحة أنا عاوز أعرف إنتو تابعين لمنو..؟؟" فضحكت ولم أرد، فكرر سؤاله مرة أخرى "إنتو تابعين لمنو ومن حقي أن أعرف انتو تقوموا بشغلنا ونحن سعيدين بذلك لإمكانياتكم الضخمة وعملكم المُتقن، وانا ما عارف انتو مدنيين ولا عسكريين، لكن قول لي انتو مع سعادة إبراهيم شمس الدين..؟؟ ولا تابعين للتنظيم؟؟"، ومن هنا يدرك القاري كيف أن القائمون على المؤسسة كانوا يلعبون على ضبابية أيلولة المؤسسة، وهذه المسألة كانت تعود بالفائدة على هولاء من كل النواحي الاجتماعية والأدبية والمالية.
فعلاً كانت أسئلة عبدالرحمن سرالختم وجيهة للغاية وقد لا يتصور المرء المنصب الكبير للناطق الرسمي والمكانة الكبيرة التي يتميز بها ومدير المكتب برتية عميد والموظفين العسكريين بالرتب العالية، ورتبة لواء في الجيش السوداني ليس بالأمر الهين، كونه لا يعلم شيئاً عن جهاز إعلامي كبير يتقمص دور إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، وليس له أي سلطان عليه، والميزانية كانت مفتوحة ويتم شراء الأجهزة من دبي بدون مناقصات، وقد أثري مجموعة من ثلاثة أو اربعة أشخاص ثراءً كبيراً بسبب موجات الشراء العشوائية، وتم نشر كل ما يتعلق بالفضائح المالية، ولا حياة لمن تنادي ذلك لأن الفساد انتشر في السواد الأعظم من دولاب الدولة، فيما مؤسسات الحركة (الإسلامية) بعيدة كل البعد عن الرقابة المالية، ليس هذا فحسب بل مؤسسة مثل (ساحات الفداء) يخاف منها الكثير من الناس، الأمر الذي جعل وزارة المالية تصرف للمؤسسة شهريا مبلغاً كبيراً بدون وجه حق، في حين أن الامكانيات التي تزخر بها المؤسسة يجعلها داعمة وليس تتلقى الدعم، لا رقابة مالية ولا إدارية والمسئول الأول من المؤسسة أحد (رجالات) علي عثمان محمد طه ومرفوع عنه القلم..!!

دولة العدل الرشيدة..!!
وقد لا يصدق المرء أن القائمين على هذه المؤسسة هم أنفسم القائمين على أرواح أبناءنا في معسكرات الخدمة الالزامية، فمجموعة من رجال المستقبل طلاب على وجه الجامعات ماتوا ضرباً مبرحاً داخل معسكرات الخدمة (الوطنية) الإلزامية، وعندما ذهبت إحدى أسر الضحايا إلى وزيرالعدل تشتكي القوات المسلحة بعد أن أكد تقرير الطبيب الشرعي د.عبد الله عقيل بمشرحة مستشفى الخرطوم أن الوفاة كانت لنتيجة ضرب في أماكن مختلفة من الجسم، قال لهم وزير العدل آنذاك (عل محمد عثمان ياسين)" أذهبوا أن القوات المسلحة مؤسسة سيادية لا أحد يستطيع محاكمتها".
اخي وقيع الله التقرير الطبي موجود والشهود موجودين والدكتور الطبيب الشرعي عبد الله عقيل سوار موجود، ليس قضية واحدة بل قضايا كثيرة..!! هذه دولة الإنقاذ التي تدافع عنها وتطلب وُدها..!!
كلما أسرد هذه الواقعة أتذكر نفسي وأنا انشد وأهتف باندفاع الشباب
لا أبالي لا أبالي انني شعبُ رسالي********** قد تربى بين قرآن وساحات القتال
مسلم قالت جموعي لست بعثي لا شيوعي *** عانقت أصلي فروعي رافضاً أي انفصال
سوف نبني بالعقيدة دولة العدل الرشيدة****** لا دويلات عديدة شيدت فوق الرمال
قد عشقت البندقية هاتفاً عندي قضية ******سحق حزب الماركسية انه حزب ضلالي
وقد بان أن كل ماكانت تخالفه الابيات أصبح واقعاً..
السودان وقد أصبح دويلات عديدة- انفصل عن كل تجاربه السياسية السابقة وعن محيطه الاسلامي بهذه التجربة التي لا يمكن أبداً أن نجد لها وصفاً يمكن ان يليق بما فعلته في السودان- حزب الماركسية الشيوعي السوداني ما أظن أنه اذا استلم الُسلطة يوماً أن يفعل في السودان ما فعلته (الانقاذ) وأهم شئ أنه سوف لا يتاجر بالدين ولا يرفع شعار الاسلام، وأن البندقية التي استخدمتها الحركة الاسلامية لم تجلب لنا إلا الدمار والقتل والابادة الجماعية التي أصبحت وصمة عار في جبين الحكم وهو يتحدث ويرفع شعار الاسلام، وقد بان واضحاً أن القضية هي الانتصار للنفس وقد سادت عقلية (التكويش) وقريباً ستظهر العقارات التي تم شراؤها في تركيا وفي ماليزيا، حتى زوجة الرئيس الجديدة أصبحت تنافس كبار التجار في العاصمة وقد تم إعطاؤها مشروع صالات وقاعات كبيرة لعدد من الجامعات، ثو قامت بشراء منتجع كبير في إحدى دول النمور الآسيوية، وبعد أن كانت محبوسة بين جدران بيوت جهاز الأمن بالقرب من المطار أصبحت ست أعمال كبيرة تتحدث بالارقام الكبيرة، فيما تم إعطاء أصغر أشقاء الرئيس رخصة لتصدير الماشية السودانية التي أصبحت حكراً على أشخاص بعينهم.. رحمك الله أخي عثمان حسن البشير طبت في علياءك بًعداً عن أكل السحت وقد كنت تقود الموتر (السوزوكي الأسود) وتجتهد في تعليم الناس قراءة (القرآن الكريم) وتحتفل وتسعد عندما تجد الجميع قد جلس على الأرض وبدأت التلاوة وزرفت الدموع الحرى محبة في الحبيب المصطفى.

فساد المهندس..!!
وثالثة الأثافي أن (المهندس) المدير العام لمجموعة شركات أحد البنوك السودانية المشهورة قد أفسد فساداً ليس له نظير في تاريخ السودان، وقد كُنا في الوسط الصحفي في فترة ( 1994-1998) نتبادل وثائق فضائحه المالية ونحن صحفيي الحركة (الإسلامية) نعرفه جيداً ونعرف الفاسدين معه وعندما أصبحت المسالة حديث كل مجالس الحركة الإسلامية قررت أحد الجهات وضع حداً لفساد الرجل المهندس فتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأعرف شخصياً رئيسها وقدم ملف الفساد بالأدلة إلى ديوان الثراء الحرام وأثناء البحث والتقصي ودراسة القضية جاء وفد من جهة عليا وطلب ملف المهندس الفاسد وعرّف أحدهم نفسه بأنه مرسل من (رئاسة الجمهورية) لاستلام ملف فساد الشخصي المعني بل قام بتأنيب القائمين على أمر الديوان على فعلتهم ونيتهم في محاسبة الرجل.. وإلى هذه اللحظة لم يُقدم الرجل للمحاكمة أما مجموعة البنك فقد راحت في خبر كان، هذه قصة يعرفها كل قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية وكل المنتمين للمؤتمرين الوطني والشعبي..!!.

هذا قليل من كثير..!!
هرب وقيع الله هروباً مخزياً عن ملفات الفساد المالي ووهنا أقتبس فقرة من مقال الاستاذ أسامة بابكر حسن في رده على وقيع الله "فطوال عمرنا هذا لم نسمع بأي مسئول، صغيراً أو كبيراً في حكومة الإنقاذ وقف أمام محكمة في أي قضية، بينما وقف الإمام العظيم أستاذ الإنسانية علي بن أبي طالب الذي منحهالرسول (ص) صفة " أقضى الناس" أمام قاضي دولته في خلاف مع يهودي على درع، والإمام يعلم كذب اليهودي في دعواه، لكنه وقف أمام القاضي لكي تنتظم ثقافة العدل المجتمع ليثبت في المجتمع حديث الرسول (( الناس سواسية))، ولكن حدث ذلك في أمريكا في عهد كلينتون الذي لا يحكم بالإسلام ووقف حاكم أكبر دولة في العصر الحديث أمام المحكمة وهو لم يضع قانوناً للحسبة شرط به أئمة المساجد آذان الناس تنظيراً".!!
أطفال جيش الرب
بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، أنني شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في جنوب السودان في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانبنا بحوالي الألف طفل من مجموع 2000 طفل كان موجودين تحت قيادة جيش الرب في المنطقة الاستوائية، والأطفال اليوغندين التابعين لجيش الرب الذين كانوا معنا في ذلك اليوم تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاماً من الجنسين، وبالكاد تميز الذكر من الأنثى.
كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يُدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا تحديداً يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلي الملابس تماما مما تُصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال، بينما هي في الخفاء وهناك على بعد 72 ميلا من عاصمة جنوب السودان
... يا إلهي.. انه أمر فظيع..
مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن وهولاء لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطي، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار الذين استخدمهم (الانقاذ) يا د. محمد وقيع الله..!!
تصور يا وقيع الله كم هي مكلفة تلك الحملة التي اقامتها حكومة (الانقاذ) عندما تم خطف أطفال دارفور من قبل منظمة فرنسية..؟؟ تتذكر كيف أن الحكومة السودانية جيشت الإعلام والرجرجة والدهماء وتباكت على الأطفال والطفولة البريئة، وكيف أن التلفزيون السودان جند كل برامجه ضد المنظمة الفرنسية المسكينة لخطفها الأطفال..!!
دارفور وأحداث تشاد
د. محمد وقيع الله لم يعش معنا المرحلة العملية في حياة الحركة الإسلامية التي نعتبرها الميدان الحقيقي للكفاءة والانقياد لأوامر الدين الحنيف، ومرحلة التنظير كانت جميلة وزاهية ولكن ميدان العمل أظهر أننا ضُعاف أمام حقائق الحياة، نعم هناك انجازات مادية ولكنها لا تساوي شيئاً ألبته مع الكوارث والمآسي التي جلبتها (الإنقاذ) للشعب السوداني ومهما حدث من انجازات في نظره ونظر الآخرين لا يمكن أبداً رُؤيتها عندما ننظر إلى كارثة دارفور، أخي وقيع بكل الأمانة والصدق أن قادة (الانقاذ) هم الذين تسببوا في اندلاع شرارة مشكلة دارفور،كنت أعمل في صحيفة (دارفور الجديدة) ليس لي مصلحة في أن أكذب على النظام لكن الحقيقة الساطعة كالشمس أن الذين تذكر انجازاتهم عندما غرتهم الحياة الدنيا لم يتحملوا مطالبة الأهل في دارفور بحقوقهم، فقاموا بضربهم بالطائرات قاذفة اللهب وحرقت بيوتهم، وأظنك طالعت أحاديث د.علي الحاج في صحيفة (الصحافة) في اللقاء الصحفي وكيف أن عنجهية أهلنا الشماليين وعنصريتهم هي التي كبدتنا جميعاً ملايين الضحايا في الجنوب والغرب ومكنت من دخول القوات الدولية بلادنا..!!.
ومن إنجازات (الانقاذ) التي تحدث عنها وقيع الله هي أن الشرخ بل الجرح الكبير الذي حدث في السودان بسبب مشكلة دارفور لا يمكن ألبته علاجه بالساهل ويحتاج لعقود من الزمان بعد حل المشكلة (إذا تم حلها)، ولدي الكثير من الاخوة الاعزاء من أبناء دارفور الذين راحت أسرهم ضحايا لمجازر القوات المسلحة السودانية على قراهم، أحد الاخوة قد وصل الى السويد من بعد معاناة ومطاردة من أجهزة الأمن السودانية الى تشاد ثم الى الكاميرون ثم الى فرنسا فالسويد واتصل بي من هنا بتوقيت مكة المكرمة الساعة الثانية صباحاً حكى لي كيف ان طائرات الجيش غارت على منطقتهم في غرب الجنينة وكان سارحاً مع الماشية وعندما رأي الطائرة في الجو تدق الارض بقذائفها جرى مسرعاً إلى منطقته ثم الى بيت فرأى والدته وشقيقاته على الأرض والدماء قد أغرقت المكان، وكان يحكي لي ويبكي بأعلي صوته ويسألني " أبواحمد انت عشت معنا هل نحن انفصاليين..؟؟" و"هل نحن أشرار يرسل أخواننا في الخرطوم الطائرات لتقتلنا..؟؟" كانت لحظات صعبة للغاية ولم أنم ليلتها ولم أهنى بالنوم منذ تلك المكالمة قبل أكثر من 3 سنوات.
الآن في الوقت الراهن كل العالم أصبح يدرك بوعي تام أن الحكومة السودانية لا تريد حسم قضية دارفور، وقد كشفت التقارير الإخبارية أن أيادي حكومة النظام في أحداث شاد كانت واضحة جدا جداً وقد راح ضحية لذلك عشرات الأنفس البريئة، وعندما حاولت بعض الصحف نشر جزء بسيط جداً من معلومات خاصة بتدخل أيادي حكومية في أحداث تشاد تم اعتقال رُؤساء تحرير تلك الصحف، وأفرج عنهم بعد ضغوط شديدة من الحركة الصحفية في بلادنا وقد أصبحوا هم خط الدفاع الأول عن السودان وليس الحكومة التي تدافع عن انجازاتها.

محاولة اغتيال مبارك في أثيوبيا 1995م
من أكثر الفترات العصيبة التي مر بها السودان كونه يتهم لأول مرة في تاريخه الطويل بمحاولة اغتيال رئيس دولة مجاورة هو محمد حسني مبارك في أثيوبيا، وأتذكر أن الرئيس البشير ود.حسن الترابي كانا قد أقسما بالله قسماً غليظاً بأن السودان برئ من محاولة اغتيال الرئيس مبارك لكن المخابرات المصرية قد قامت بخديعة مخابراتية تم الكشف بعدها على الذين قاموا بالمحاولة من أكبرهم الى أصغرهم، وتم تصفية عدد من (الصغار) وفي وضح النهار، وقد كسبت مصر (أخت بلادي) معركتها ضد السودان التي استمرت آلاف السنين وانتصرت آخيراً حيث وضعت السودان في (مُخباها) بالمعنى البحريني وفي (جيبها) بالمعنى السوداني تلعب به كما تشاء، وبسبب محاولة الاغتيال هذا نالت مصر ما لم تنله من السودان لآلاف السنين وهي الآن تدافع عن السودان دفاعاً مستميتاً وقد وُهبت الأرض في الشمال وأدخلت شركاتها العقارية للعمل في السودان (عايرة وأدوها صوت) لتبني لنا المباني الفخمة الخدمية منها والعامة..!!.
أحلامنا التي .....
لا يستحي د. محمد وقيع الله عندما يقول أن "أحلامنا تحققت" ... يا الله.. يا الله....كم هذا الكلام مُقزز ومُبكي..إذن كان حلم وقيع الله كابوس في ليلة شديدة العتمة نام صاحبها نجساً والعياذ بالله ويمضي ويقول:
"لكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيرا أو قليلا"،
قد يكون قد تحققت لـ د.محمد وقيع الله كل أمنياته لكن أعضاء الحركة الإسلامية المنتشرين في كل بقاع العالم يؤكدون عكس ذلك تماماً فالانجازات لا تتعدى البترول الذي لم ينتفع به الشعب السوداني ولا من المؤمل ان ينتفع به في القريب، الخدمة المدنية وقد دُمرت تماماً فحتى درجة وكيل الوزارة أصبحت وظيفة سياسية بالتعيين السياسي وقد كانت هي المرجعية المهنية والقانونية في كل وزارة، وكان وكيل الوزارة دائما هو القبلة التي يتجه اليها الجميع في كل شئ، هو الأب والأخ والصديق والزميل وهو المسئول الأول الأب الروحي للجميع بدون فرز، أما وأن (الانقاذ) قد أحالت هذه الخاصية إلى الصالح العام، وأصبحت الوزارات تدار بالكذب والنفاق والتملق، والخدمة المدنية ليس بالشي الهين الذي نتقاضى الحديث عنه، فهي العمود الفقري للتطور البشري على مر العصور.
وعن مشاريع التنمية حدث ولا حرج وقد بيعت كل المشاريع التي كانت تُوفر الغذاء للمواطنين (الرهد الزراعي- النيل الازرق- النيل الابيض – السوكي – الشمالية-إلخ).
التجارة أصبحت فقط للموالين للنظام وكذلك التصدير والاستيراد لقادة النظام وأعضاء المؤتمر الوطني من العضوية النشطة سياسياً واقتصادياً، منظمات النفع العام جميعها للموالين، أما التي يقودها غير موالين للحكم توضع العقبات في طريقهم ثم لا يستمرون في العمل.
الصناعات كذلك غالبيتها لأعضاء النظام خاصة القطاعات المؤثرة وهولاء تُوفر لهم التمويلات المصرفية وتزال أمامهم كل المعوقات.
التعليم والتعليم العالي.. لا يحتاج مني لحديث فالكل يعلم والأمر جلي للعامة وباعتراف الكثير من المسؤولين في النظام.
الدبلوماسية أيضاً كتاب فاضح مفتوح الكل قرأه ويكفي فصيحة قنصلية دبي فقط، وقد تحولت السفارات جميعها الى مراكز مخابرات في الخارج والعمل القنصلي ما هو إلا ديكور، والعقلاء من السودانيين في الخارج يعرفون حتى رتب الدبوماسيين الأمنية وتخصصاتهم الأمنية، والآن قد عرف السودانيين من خلال ما ينشر في الاعلام أن ضباط الأمن هم الذين يتولون منصب (القنصل) في غالبية سفارات السودان في الخارج.
ومن هنا لا أرى أي انجازات غير استخراج البترول وتصديره، دون أن يرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.
لكن حلمنا في الدولة الاسلامية قد تحول إلى كابوس، بل أصبحت دولة مافيا اقتصادية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
هذا الحديث يذكرني أحد الاخوة من الصادقين عندما كنا في انتخابات الإعادة في دائرة أمبدة 1988م بعد وفاة نائبها المرحوم صلاح الصديق المهدي كنا في مدينة امدرمان مستنفرين للعمل في هذا الدائرة التي تنافس فيها الشيخ صادق الكاروري من الجبهة مع أحد قادة حزب الأمة، وعندما كانت تأتي بنا الحافلة في منتصف الليل او الساعات الأولى في الصباح كان يحدثني أخي ويقول الظاهر قصة الدولة الاسلامية بعيدة جدا" وروحنا نتذكر الصحابة الأجلاء ثم شهداء الحركة أمثال عبدالإله خوجلي و حسن سليمان و عبدالله ميرغني والامام الهادي المهدي (تقبلهم الله في الخالدين)، فبكي أخي بكاءً كثيراً ، وحقيقة أن أشواقنا للدولة الإسلامية الحقة لا يمكن أن يصفها إنسان، فهي دولة العدل.. ودولة الدين.. دولة الرحمة.. دولة الصدق.. ودولة التسامح الديني، دولة نعيش فيها كلنا مسلمين ومسيحيين ويهودا ووثنيين في مكان واحد، نعم نختلف في عقائدنا لكن نحتمي ببعضنا البعض ونهرب من بعضنا لبعضنا البعض لا تفرق بيننا المناطق ولا الجهويات ولا القبليات ولا الكسب الدنيوي.
ترى كم من الآلاف من كادر الحركة الذين خرجوا من النظام مبكراً عندما تأكد لهم أن النظام يسير نحو عكس ما كانوا يعملوا من أجله السنين الطوال..؟؟؟ ترى كم من الشباب الذين غادروا محطة (الانقاذ) وهربوا بدينهم من جحيم زيد وعبيد، نرى كم من الآلاف الذين قدمتهم الحركة في جنوب السودان ، مسيرة طويلة من الصديقين والشهداء الذين عافت أنفسهم نعيم الدنيا من شهداء 1973م إلى عبيد ختم البدوي وأحمد عثمان مكي ومحمد عثمان محجوب مرورا بالهيثم عبدالهادي الحسن ويوسف سيد والبادرابي والمنصوري وعلي عبدالفتاح، وعبدالله جابر وعبدالله بابكر، وحسين سرالختم وشقيقه خالد، والكثير من الذين لا يعرفهم د.محمد وقيع الله باعوا حياتهم رخيصة من أجل دولة العدل الرشيدة.
ومن هنا أسأل الله للدكتور محمد وقيع الله أن تكون هذه شهادته لـ (الانقاذ) فيُبعث بها يوم القيامة يوم تصطف الخلائق جميعها أمام رب العزة والجلالة كل بمظلمته وذنوبه،حينها يكون الكثير من الناس في موقف لا يحسدون عليه، فشهادة للنظام الذي قتل الأبرياء في الجنوب وفي دارفور والشرق وداخل المعتقلات وداخل معسكرات الخدمة الإلزامية لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون من أهل الجحيم لأن ما قاموا به من مجازر حقيقة وليس إدعاء كاذب، كل الشواهد والأدلة ستقف أمام رب العالمين في يوم يخسر فيه الظالمين ومن أيدهم وساندهم.
فإذا كنت قد دافعت عن (الانقاذ) كل هذا الدفاع (بالصح والكضب) فمن الذي يدافع عنهم يوم العرض..يوم الدين.. يوم الحساب،وإذا كان للنظام أقلامه وكُتابه وقنواته الفضائية تمجد كل أعماله وتصدق أكاذيبه فتذكر أخي د. محمد وقيع الله قول الله عز وجل وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]..
وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].
وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].
وفي يقيني التام أن الظالم مهما مكث في كرسي الحكم يوما ماً سيطاله الحساب في الدنيا والاخرة والتجارب علمتنا ذلك من الديكتاتورصدام حسين الذي أصبح يمثل أكبر النماذج القريبة جدا لعالمنا ولواقعنا، وأمامنا قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ الشعراء:227
هذه بعض من صفحات من تاريخ النظام المخزي كُتبت بصدق وبأمانة ويكفي أن كاتبها خارج السودان يعاني البعد عن الأهل وعن الأسرة، ويُعرف لدى الجميع في البحرين أنه أبعد الناس عن ممثلية النظام وحتى عن مقر الجالية، سبعة سنوات خارج الوطن..
أتمنى من الاخ د. محمد وقيع الله أن يطالع هذه السيرة وان يسأل عن كاتبها وعن صحة ما كتبه
وإذا ادعت الامور لكي أزيد فيما كتبت فسوف آتي لا محالة..
أضف رد جديد