خارج السياق

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
الحسن بكري
مشاركات: 605
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:51 pm

خارج السياق

مشاركة بواسطة الحسن بكري »

[coloأقدم فيما يلي نصوص سردية خرج سياقها الروائي الأصلي. وهي نصوص مجتزأة من أعمال لم تنشر بعد أو أنها أسقطت أثناء التنقيح لأعمال منشورة. سأحاول تنزيل شذرات قصيرة متتالية تناسب طريقة التصفح العجلى التي يتسم بها عادة قراء النصوص الإلكترونيةً!

1

تتتخذ مارلينا من حالة التعدد التي تضرب مشاعري مبررا لاختلاق أصناف مناغاة تقوم على ألحان ألفها خليل حسن. هالني الأمر، إذ طالما عهدت مارلينا مولعة بهدير الفحولة الذي يشكل خلفية غنائية لكافة أشكال الدعابات الجسدية التي أكون طرفا فيها. تلاحظ تأففي من التبدل الذي طرأ عليها فتناديني بصوت حاد أقرب إلي سوبرانو هامس:
- يتعلق هذا بماظ.
ماظ متعلق بالبطولة فقط، مارلينا. فكرت. قلت:
- ماظ؟ مستحيل.
تقول، مصححة:
- خليل حسن.
قطعا خليل . أظل أشدد، أجذب، بالغا أقاصي مارلينا. أكتشف أن خليلا يذهب بنا مذاهب شتى، أحدها على ألأقل ينحو ناحية المزالق البهيجة، العالية. أحاول إبداء تذمري يبنما تتمرغ هي في مسراتها:
- خليل حسن ؟ إبن الكلب سيرى!
بالكاد أسمع صوتها المتسلل مباشرة من كمانة خليل حسن إلى درجة أن ربكة مريعة قد جرت فلم أميز لبضع ثواني ما إذا كنت في حفل موسيقى أم في حضن إمرأة.
- ترم ..ترم .. ترم...
تتوارد إيقاعاتها، خافتة، هامسة، متقطعة. أجدني أحمحم لأجلو صوتي. تنبعث السلالم الغليظة تصاحب أوج فتوتي الهائل. عادة لا اضطر كثيرا إلى اللجوء إلى فتوة هائلة، إذ أدخر هذه لمكافحة الفجائع التي ستحاول تدميري يوم يهن عظمي ويشتعل رأسي. غلظة صوتي تماثل صوت كورال جراري بأكمله. لكن لحن خليل حسن يظل يتردد من بين شفتي مارلينا:
-تررم .. تررم .. تررم.
ثم تهمس في أذني:
- أدخل أكثر.
ثم:
- آه، أجل هكذا .. صه!
منذ مقتل ماظ وهي توازي بينه وبين خليل حسن . تعتقد أن كل الأعمال العظيمة تتم بفضل دوافع متصلة بالغرام. الشعر، الموسيقى، الرسم، الاستشهاد، أو حتى الانتحار كلها.... لكنني تعمقتها بفضل فحولتي فقط. حاولت مجرد محاولة بلوغ نهاية أربي استنادا على الصعود بفتوتي إلى مراقي تحتاج إلى كورال الجراري الذكوري.
تجذب رأسي إلى صدرها فيتوالى هبوب أريج نوار السنط. لأباعد بيني وبين ذروة بهجتي، أضع خططاً تخص مستقبل كفاحي الوطني. أخطر القرارات الوطنية تتم في ظروف مشابهة للوضع القائم حالياً. يتوالى بيننا حوار من جانب واحد. أقول:
- المؤتمر.
تقول:
- يذهب بالربشة بعيدا، بعيدا، فوق أوتار الكمنجة.
- مؤتمر للخريجين فقط. تصوري! كم خريج في البلاد؟
- تررم، تررم. ويعود بالريشة. يذهب ويعود. أي، هكذااااااااااا، هكذاااااااااااا.
تصرخ ملأ صوتها. أقول:
- لماذا لا ننشئ حزباً ثورياً؟
- اليوم خليل فقط، ربما ماظ أيضاً.
- بالكارو، بالحمير، الجمال، دواب من أي نوع.
- واه، واه، هل قلت حمار؟ أحسن، وي.
- منشورات، منشورات. نحن نوزع منشورات.
- خليل حسن، خليل ، يا خلييييييييييييييييييييييل
يفلت خليل من قبضتي هذه المرة. حبيباتي المقربات خط أحمر، سأقول له. أدرك أنني بهذا القدر الذي أدخر من المحبة، سأحيا كيفما أشاء. أما هو فمسكين، سيموت وحيدا، بائسا، في ريعان شبابه.
r=darkblue][/color]
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

ياله من غناء،
كيف نتغنى بالنصوص، أي كيف يصير النص حالة من غناء عزيز؟
انك قد فعلت ذلك، كعادتك استاذ الحسن، فانت تسرد الغناء وتتغنى بالنصوص!
شكراً
شكراَ
صورة العضو الرمزية
الحسن بكري
مشاركات: 605
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:51 pm

مشاركة بواسطة الحسن بكري »

القاص الروائي المبدع عثمان حامد،

شكراً لهذه الكلمات المضيئة عني،
إنها شهادة عزيزة غمرتني بالسعادة.
أنا أيضا كما تعلم فجعتني الحرب في الجنوب. "أحوال المحارب القديم"، مثلا، هي تنوعيات بنحو ما على ثيمة الحرب وهي تستدعي باستمرار كارثة القتال الضاري الذي ظل يطحن الوطن لعقود عديدة. أظن أنك انتبهت منذ وقت مبكر لعمق المأساة في "مريم عسل الجنوب".

مودتي
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

العزيز الروائي الحسن
سلامي ومودتي، وهذه كتابة سريعة لتوضيح لبس يقع فيه كثيرين:
أنا لست عثمان حامد( الروائي، صاحب مجموعة مريم عسل الجنوب)، والذي اكن له كل الحب والاحترام، وبيننا نوع من الاشتباك في الاسم. هو عثمان حامد سليمان، وانا عثمان حامد محمد نور,,, لقد تهاتفنا، الاسبوع الماضي، بعد ان كتب لي وكتبت له، وهو انسان في غاية العذوبة، والشفافية، ويظل رايك في كتابته هو هو: والذي هو نفس رايي فيه. ساحاول معه ومع الاستاذة نجاة وادارة الموقع-سودان للجميع- في البحث عن مخرج، لهذا الاشتباك، فهو-اي عثمان حامد سليمان- عضواً بهذا المنبر ايضاً.
سلامي مجدداً
صورة العضو الرمزية
الحسن بكري
مشاركات: 605
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:51 pm

مشاركة بواسطة الحسن بكري »

الأستاذ عثمان حامد،

آسف للذي حدث.

شكراً جزيلا على قراءتك وتعليقك على هذا النص المأخوذ من رواية لا زلت أعمل عليها.

تحياتي لك ولعثمان حامد سليمان.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

الاستاذ حسن البكري
عمل رائع حقا!
هذا هو الاخفاء الخلاّقّ
ليت لي وقت لأتوسع في فكرة الاخفاء هذه ولكنني صرعت
بهذا الحكي الرائع.
مصطفى مدثر
صورة العضو الرمزية
الحسن بكري
مشاركات: 605
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:51 pm

مشاركة بواسطة الحسن بكري »

مصطفى مدثر،

نعم، بعض الخفاء "يتجلى" هنا. ثمة مشاهد قادمة بينة، ناصعة وتبذل نفسها بمباشرة واضحة.

سعدنا بعودتك وبعودة حكايات المواطن الجديد.

مودتي
صورة العضو الرمزية
الحسن بكري
مشاركات: 605
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:51 pm

مشاركة بواسطة الحسن بكري »

2


- ماظ، ماظ ..
ناديته. كنت أود نجاته، لكن عينيه كانتا تتوقدان بوهج عميق من التحدي. تقهقر صوب الغرفة، حث الخطا إلى الخلف ثم ركز ظهره إلى الحائط، ولم يتوقف أثناء ذلك كله عن إطلاق النيران جهة الأعداء. هتف:
- أنجيا، غادرا بسرعة.
استل من جيب بزته العسكرية كراسة تلخص نشاطات خلايا المقاومة ورماها صوبي. دون أن يتخلى عن بندقيته، يرفع إبهامه مبتسما لما رآني ألتقطها. صاح بالإنجليزية:
- يس!
ثم هتف مردداً:
- غادرا فوراً.
لم يكن بمقدوري توجيه نصائح مماثلة لماظ فقد كان واضحا أنه بلغ نقطة اللا عودة. تأكدت أنه سيقاوم حتى الموت، إذا بدا مستبشرا، كأنه قد وجد تفسيرا لمعضلة الفناء. من ناحيتي، بأرائي المختلفة، أطلقت أحكاما قاسية عليه، رغم تقديري لضراوة قتاله وللشجاعة البالغة التي أبداها. معركتي في المقام الأول هي معركة ضد الموت. لن أدع فرصة واحدة للحياة تفلت طالما لن يؤدي ذلك إلى التفريط في كرامتي. عشرات الحروب تنتظر، فلماذا أستنفد كل بطولاتي في موقعة واحدة؟
تسللنا شرقا تحت وابل الرصاص، جنوبا أسفل الجسر وغربا تجاه كلية غردون. اتخذنا من ضجيج طيور الدوري ستارا لمدارة فزعنا. نركز كل أحاسيسنا في الشقشقة التي فقدت دوزنتها بفعل الإضطراب الجماعي للطيور. لن تبلغ مسامعنا لعلة الرصاص، ولا هدير المدافع وهي تقصف الغرفة التي احتمي بها ماظ، ولن نرى إلا مواطئ أقدامنا. لابد أن رائحة البارود انطلقت، وأن الدماء سالت من جراحنا، لكن أعصابنا، ذلك الضحى الدامي، ستعمل فقط في اتجاه الإنصات إلي الشقشقة. هذه حيلة علمنيها جدي دفع الله الخضر. بهذه الطريقة نستطيع كبت صراخاتنا التي توشك على الإنطلاق ونستطيع خداع كتائب جنود الأعداء المنتشرة بكثافة قبل أن نتمكن من المغادرة سالمين بعد أن تفلح فرق مقاومة سرية في تهريبنا خلف خطوط القتال.
سأشرع الحيلة ذاتها ضد صنوف التعذيب التي تعرضت لها أثناء الدكتاتوريات الثلاث: في كوبر، شالا، مباني أجهزة الأمن قرب القيادة العامة، سرايا 114 بود مدني، بيوت الأشباح المنتشرة بين بري والطائف والخرطوم وسط، في سجن بورتسودان وفي المدن الصغيرة الواقعة على الطريق البري بين الخرطوم ومدني: الحصاحيصا وأبوعشر والكاملين والمسيد.
لمارلينا حججها التي أسستها على حادثة موت ماظ. تظن أنه بالطريقة الدرامية التي اختارها لنهايته قد حقق متعة خالدة، ليس لها أول ولا آخر، ودون إضفاء أي تفسيرات خرافية لشكل الرحيل. رأته يضحك، تبرق عيناه، يتقافز حاملا بندقبته، يصيح، يتقهقهر، يمسك البندقية بيد واحدة ويؤشر بالأخرى: بضع حركات أتاها في اللحظات التي سبقت غيابه عن أنظارنا، قبيل انسحابه إلى داخل الغرفة. بالنسبة إلى مارلينا وربما بالنسبة إليّ أيضاً، وإن كان ذلك بدرجة أقل، ترسخت أحوالة الأخيرة في الذاكرة إلى الأبد، كأنه ظل يؤديها أمامنا دون انقطاع لمئات السنين. لا يقاس عمر ماظ بالعشرين سنة التي عاشها بالفعل، لقد ظل يتجسد بعنفوان متفجر لأكثر من قرن من الحياة الدائبة التي لن يخبو أوارها. لكن لا يخلو الإعجاب الذي تبديه مارلينا بماظ من حماس أنثوي مما يبدل تعاطفي معه إلي نوع من الغيرة، وإن ظللت أتطابق سياسيا مع وجهات النظر التي دافع عنها حتى آخر رمق. لم تكن جماعة الكلية الحربية وجمعية اللواء الأبيض تتقبل أي حلول وسط فيما يخص الجلاء الفوري للاستعمار من البلاد، الأمر الذي لم يكن يروق لبعض الكيانات التي سعت إلى توطيد مكانتها السياسية والروحية تحت ستار الدعم الخبيث للإدارة الاستعمارية.
أضف رد جديد