تنويهات:
1) فى رسالة (شعر العمال) لاحظت أعلى رسالة (عبد الله رجب) أن صحيفة (الصراحة) كانت تصدر وقـتها يومين فى الإسبوع، و هذه المعلومة أيضاً لا تعالج لنا إبهام التباعد الكبير بين تلك التواريخ إن لم تزِدْهُ تعقيداً.
2) لم أحرص فيما سبق على فرز أسماء و مناصب الأداريين الأنجليز و خلطتُ فيما بينها، إذ يتكرّر توقيع "مُدِيرَيـْـن" فى وثائق 1943 بالإضافة للنواب. و من ترجمة ردود خطابات مصلحة السكة حديد على العمال وضح لى أن (Mechanical Department) تـُـشير إلى (مصلحة الورش)، و بالتالى فإن (Chief Mechanical Engineer) هو (مدير عام الورش)، ذاك الفظ الغليظ القلب - لم أعرف إسمه حتى الآن و قد يظهر لاحقاً - و توقيعه هو هذا:
و قد أخطأت فى ذلك حين إعتبرت أن الأخير كان يُوقـّع بالإنابة عن (مدير عام الورش). و يرأس (مدير عام الورش) هذا (المدير العام للسكة حديد)، و كان فى ذاك الوقت هو (س. ر. ويليامز - Williams C. R.). و يُوقـِّع نيابةً عنه (هـ. ت. روبيرتسون - H. T. Robertson)، و بالتالى الأخير هو (نائب المدير العام للسكة حديد)، و هو (1) الذى يظهر توقيعه على خطابات (المدير العام) التى تـُصِـرُّ على مخاطبة خريجى صنائع عطبرة بـ"تلامذة صنائع عطبرة" (2)، و قد كَـتبتُ فيما سبق الحرف الثانى فى إسمه (ر. - R) بدلاً عن (ت. ـ T).
ـــــــــــــــــ
خطوة الإدارة الإستعمارية قبل الأخيرة لحسم صراعها مع العمال:
لم يكن صِـدام العمّـال هذا مُمثـَّـلاً فى مجموعة (البرّادين) تحديداً – حيث خاطبت الوثيقة [2] (يحيى زكريا) أحد قادة هذا الصدام بـ(برّاد بورشة المَرَمّـة)، و كذلك خطاب (مدير عام السكة حديد) الذى سنعرضه لاحقاً كآخر وثيقة من وثائق 1943 و الذى خاطبهم فيهِ بـ"تلامذة البرّادين"، و هم نفس مَنْ دعتهم خطابات الإدارة السابقة بـ"تلامذة القسم الأوّلى بصنائع عطبرة" – صداماً بسيطاً. لقد كان هؤلاء العمال مُضربين عن العمل و فى نفس الوقت يحاولون التفاوض مع الإدارة الإستعمارية لإنتزاع حقوقهم المشروعة. إنتهزت هذه الإدارة المتمرّسة بخبرتها الأوروبية فى التعامل مع الإضطرابات العمالية محدودِّية عدد العمال المُضربين و جهلهم بالإجراءات البيروقراطية فى مثل هذه الظروف و إفتقارهم لكيان نقابى يحميهم من إستبداد رب العمل، فأدارت صراعها معهم بالإستناد على هذه الحقائق، و ظلت تضغط عليهم خلال الفترة من 26/1/43 تاريخ تقديمهم لخطابهم المطلبى الذى فجّر هذه الأحداث و إلى ما بعد تاريخ الوثيقة أدناه 21/2/43. و خلال كل هذه المدة كان (مدير عام السكة حديد) خارج الصورة، و لم يخاطبهم بصورة مباشرة و إنـّما دائماً من خلال نائبه. إن غرض (المدير العام) من خلال خطة التسويف البيروقراطى هذه، هو جعل العمال يرتكبون أكبر عدد من الأخطاء و إظهارهم بمظهر الجاهل بالطرق السليمة فى الحصول على مطالبهم. و فى اللحظة التى تأكد له فيها أن إدارة الصراع بإسلوبه هذا قد أتت أُكلها، نزل بمعدّاته الثقيلة كخطوة قبل أخيرة لكسر شكيمة العمال المُـضربين، مخاطباً إيّـاهم أيضاً هذه المرّة من خلال نائبه.
قبل ذلك كان العمال قد سعوا لتسليم خطابهم أعلاه (وثيقة رقم [6]) بأنفسهم لـ(مدير عام الورش) ذاك الفظ الغليظ القلب صاحب التوقيع أعلاه، فرفض مقابلتهم. و لا أدرى كيف بعد ذلك تمكنوا من إقناع (أحمد أفندى حسن خليفة) – الذى يبدو أنه كان يعمل فى سكرتارية مكتب (المدير العام) – لتوصيل الخطاب باليد إلى (المدير العام) شخصياً. و بهذه الخطوة الأخيرة سمحوا لـ(المدير العام) الذى كان يتابع بحِـرص من على البُعد كل تحرّكاتهم (3) أن يقوم بالخطوة قبل الأخيرة لحسم هذا الصراع بأقل الخسائر لصالحه، ففتح نيران بيروقراطيته عليهم كما فى الوثيقة التالية رقم [7]:
(وثيقة رقم [7]) خطاب مدير عام السكة حديد بتاريخ 21 / 2 / 1943
تنويه: خطاب (المدير العام) مُرقـّم فى شكل خمسة نقاط، فشلت فى جعل هذه الأرقام ناحية اليسار، ستجدونها ناحية اليمين أمام كل فقرة.
نص الخطاب الإنجليزى:
SUDAN RAILWAYS
GENERAL MANAGER’S OFFICE
“PERSONNEL”
ATBARA
21st February, 1943
[align=left]The Elementary Apprentices
Mechanical Department
ATBARA
1/ I have received your letter of 20 / 2/ 1943 addressed to Chief Mechanical Engineer by the hand of Ahmed Eff. Hassan Khalifa. I understand from Ahmed Eff. That the reason you give for this unusual procedure is that the Chief Mechanical Engineer would not see you. What the Chief Mechanical Engineer said was that he did not wish to interview you again, but that if you wished to say anything you should write and state your case, when it will receive attention
This appears to be a poor excuse, there is no necessity to see the Chief Mechenical Engineer to get a letter to him
2/ It is interesting to have your written confirmation that you were satisfied with the explanations given to your representatives by the Deputy General Manager
3/ you are well aware that your statement – “we have been waiting such confirmation but instead we received letters of suspending us …” is untrue
You know quite well that Ahmed Eff. Hassan Khalifa told you on your mentioning this point to him, that he would not convey such a message to the Deputy General Manager and that it was extremely bad manners for you to suggest such a procedure
Ahmed Eff. Advised you to get back to work by 10.00 hours having asked Deputy General Manager and Chief Mechanical Engineer to agree to this later hour
You know these things well, but are now trying to find excuse for your bad behaviour and lack of discipline to escape your just deserts
4/ This Adminstration is not prepared to consider your discharge, its aim is to make you into good craftsmen and good citizens
5/ you have done wrong, take the consequences like men and regain the respect of your comrades and Superior Officers
GENERAL MANAGER
R. T. Robertson
نص الخطاب باللغة العربية:
خريجى مدرسة الصنائع
مصلحة الورش - بعطبرة
(1) لقد وصلنى جوابكم الرقيم 20 / 2 / 1943 المعنون برسم مدير عام الورش صحبة حضرة أحمد أفندى حسن خليفة الذى علمتُ منه أن ما حملكم على ذلك هو أن جناب مدير عام الورش لا يريد مقابلتكم – هنا أقول أن ما قاله مدير عام الورش هو أنه لا يريد مقابلتكم مرة أخرى و لكن إذا كنتم تريدون شيئاً ما عليكم إلاّ أن تحرّروا ذلك كتابةً و سينظر وقـتئذٍ فيها، و على ما يظهر بأن عذركم هذا واهى إذ فى فى الحقيقة لا ضرورة لمقابلة مدير عام الورش لمجرد مناولة جواب إليه.
(2) و لقد سرّنى أن أتناول تأييداً كتابياً على أنكم مقتنعون بما أبداه سعادة نائب المدير العام لمندوبيكم.
(3) و أنكم تعلمون علم اليقين بأن قولكم – "كنا ننتظر مثل هذا التأييد و لقد وصلنا بدله جوابات إيقافنا" فهذا كلام غير صحيح ، و تعلمون جيداً بأن أحمد أفندى حسن خليفة نصحكم عند هذا الطلب بأنه لا يمكنه أن ينقل مثل هذا الإلتماس إلى سعادة نائب المدير العام إذ لم يكن من اللياقة و الذوق فى شىء.
نصحكم أحمد أفندى أن تعودوا إلى أعمالكم فى تمام الساعة العاشرة و لقد إلتمس من سعادة نائب المدير العام و مدير عام الورش قبولكم فى هذه الساعة المتأخرة، تعلمون بذلك جيداً و لكنكم الآن تنتحلون لذلاّتكم و مسلككم الغير مُرضِـى عذراً.
(4) هذه المصلحة ليست على إستعداد للنظر فى أمر إنفصالكم من الخدمة و لكن جُلّ أمانيها أن تراكم عمالاً نافعين و مواطنين مفيدين.
(5) لقد فعلتم فعلاً مُشيناً فتحمّـلوا تبعتهُ، فأرجعوا إلى صوابكم كرجال لتنالوا إحترام أقرانكم و رؤسائكم.
الإمضاء: هـ. ت. روبرتسون
المدير العام
ــــــــــــ
ملحوظة: المقصود (نائب المدير العام) أو كما فى النسخة الإنجليزية عن (المدير العام)، فتوقيعه هذا هو عن (المدير العام للسكة حديد) و هو (س. ر. ويليامز) الذى سيظهر توقيعه لأول مرّة فى الوثيقة قبل الأخيرة لاحقاً.
ـــــــــــ
رغم ما سيبدو لنا من الوثيقة التالية بأن نتيجة هذه المعركة كانت من صالح (مدير عام السكة حديد) و أن العمال قد وجدوا أنفسهم فى غياب كيان يحميهم و جهلهم بأساليب إدارة مثل هذا الصراع مضطرّين للقبول بالهزيمة، إلاّ أن الأمر من جهةٍ أخرى يبدو غير ذلك، فقد أوصل العمال رسالتهم بأن الأمور أصبحت بالنسبة لهم لا تطاق و من مصلحة الإدارة الإستعمارية أن تتحرك لتحسين ظروفهم و إلاّ ستواجه ما لا يُحمَـد عُـقباه، و أن ما قاموا به ليس إلا الشرارة التى إن لم تحرص الإدارة على إطفائها فى مهدها بما يرتضونه فستشتعل النيران فى كل الأرجاء. و هذا ما ستـُـفصِحُ لنا به الوثائق التالية.
>>>>>>>>>>>>>>>>
ــــــــــ
1) يقول (
الطيب حسن الطيب) فى كتابه صفحة 22 على لسان مدير الورش: {
أن السبب فى ذلك (سبب تأخير إنتخابات اللجان) هو أن المكاتبات مستمرة بين عطبرة و الخرطوم و أن الفضل يرجع فى تنفيذ الكثير منها للمستر روبورسن المدير العام لإهتمامه الشديد و ذهابه للخرطوم رغم أن زوجته كانت مريضة، فكان سعادته يعطف كثيراً على العمال و على قضية العمال فالشكر يجب أن يقدم له.}
فقال له الرئيس (
رئيس هيئة شؤون العمال): {
إن الشكر يقدّم أولاً لمدير الورش و مدير الورش يرفعه بدوره لسعادة المدير العام.}، كان ذلك بعد مُنتصف عام 1947 أى بعد حوالى أكثر من عام على نشوء (
هيئة عمال السكة حديد). و أعتقد أن ما يعنيه (الطيب حسن) بمستر (
روبورسون) مدير عام السكة حديد فى ذاك التاريخ، قد يكون هو (
هـ. ت. روبيرتسون) نائب المدير العام فى عام 1943 المُوقـِّع على الخطاب أعلاه، و حلّ محل الأول بعد حوالى ثلاثة أعوام من ذاك التاريخ. و بما أنه إتضح تعاطفه مع قضية العمال فإن هذا يعنى أن الإصرار على مخاطبتهم بـ"
تلامذة الصنائع" كان مفروضاً عليهِ من قِبَـل (
المدير العام) (
ويليامز) و لم يكن هو ـ بما أنه متعاطف ـ مصدر هذه التسمية. إن عدم إتفاقهِ مع (المدير العام) فى هذه المخاطبة تظهر فى ترجمة هذا الخطاب تحديداً (
الوثيقة رقم [7])، الصادر عن (المدير العام) و الذى خاطب فيه العمال كالعادة بـ"
تلامذة الصنائع"، حيث جاءت المُخاطبة فى الترجمة لأول مرّة فى هذه الوثائق بـ"
خريجى مدرسة الصنائع". و ما يؤكـدُ أن مصدر تسمية "
تلامذة" هذه هو (
المدير العام) و ليس (
روبيرتسون) نائبه، أن مخاطبة هذا المدير لهم فى الوثيقة التى قد تكون الأخيرة فى وثائق 1943 و الموّقعة لأول مرّة فى هذه المكاتبات بإسمه (
س. ر. ويليامز) جاءت بـ: "
تلامِـذة البرّادين" !!
2) إن إصرار بعض الإستعماريين على التقليل من المستوى التعليمى الذى حصل عليه السودانيين خريجى مؤسسات التعليم النظامى الإستعمارية قد يُساعد على تفسير تمسُّـك رواد الحركة الوطنية بكلمة (
خرِّجين) هذه. و كأن الأمر فى تلك الظروف التصادمية بين الإداريين الإستعماريين خريجى أرقى الجامعات و منها (
لندن و أوكسفورد) المُستقدمين لهذه الأساليب التعليمية الجديدة على السودانيين، كان يعنى بالنسبة للأخيرين أن تمثلهم و إستيعابهم لها لابد أن يجعل منهم بالضرورة "
أفندية"، و بالتالى لابد أن يجعل منهم فى نفس الوقت متساوون من حيث "
البريتيسج" الأكاديمى مع المُستعمر الذى كان من الجهة الأخرى بإستمرار يبعث لهم إشارات تقول لهم: "
مهما تمثـلتم أساليبنا التعليمية فالكتوف لن تتلاحق !". أقول ذلك و أحسبُ أننى قد رَصَـدْتُ من هذه الوثائق لحظة تسلل لفظة "
أفندى" ـ التى يبدو أنه كان لا يحوزعليها آنذاك سوى المتعلمين ـ إلى أسماء
خريجى مدرسة الصنائع عطبرة. و قد عنى لى أن ذلك كان إصرارٌ من جانبهم على حيازة "
البريستيج" الأكاديمى فى نسختهِ "
التـُركسلامية" ـ على وزن "العربسلامية" ـ أمام لفظة (Sir) التى كانوا ملزمين بها فى مخاطبة المستعمرين. و سأشير إلى لحظة التسلل تلك فى حينها.
3) يقول (
الطيب حسن الطيب) صفــ 6 ــحة: {..
و لا يفوتنى هنا أن أذكر أن هناك جواسيس على العمال ينقلون أخبارهم و نواياهم و حتى خصوصياتهم كانت تجد "إبن الحلال" الذى يبلغها لمكتب شئون المستخدمين. كل هذا و غيره يُحاك فى الخفاء و العمال لا يهتمون و لا يقيمون له وزناً و هم فى بحثهم و الإنشغال بواقعهم لا يكترثون لشىء غير ذلك.}