وثائـــــــــــــق .. مُهـــــمـَـــــــلة .. !!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مَـنْ هذه المرأة السودانية

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


فات علىّ تحميـل هاتين الصورتين فى الرسالة أعلاه المعنونة (بمناسبة اليوم العالمى للمرأة):

صورة

صورة

مَـنْ هذه المرأة السودانية ياترى التى تقدّم برنامجاً ما من إستديوهات الـ بى بى سى.

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

المُـقارنة بين القصيدتين

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


ملاحظات على القصيدتين

ما الذى يجعلنى أعتقد أن قصيدة (شعاع النور) المكتوبة بقلم (الكُـوبْــيَة) هى مسوَدّة القصيدة قبل التعديل، و المكتوبة بقلم الحبر السائل الأسود هى شكلها النهائى بعد التعديل ؟ الإجابة على ذلك تكون: لأسباب شكلية و أخرى موضوعية.

الأسباب الشكلية:

1) "النوتة" و القلم هما من الأدوات التى يحملهما معه المرء لتدوين الخواطر و الملاحظات متى ما إحتاج لذلك، فهما يكونان جزءاً من الشخص الذى يعلم أن الخواطر و الملاحظات تهبط عليه فى أى وقت لذا وجب عليه الإستعداد لهما بـ"النوتة" و القلم متى ما طرآ (1). و قد عبّر عن صلة هذا النوع من الناس بالورقة و القلم .. الشاعر الذى تكرّس مثالاً يُحتذى بين قبيلة عُشاق الأدب من السودانيين:

الخيلُ و الليلُ و البيداءُ تعرفنى و السيفُ و الرمحُ و القرطاسُ و القلمُ

و إذا كنتُ شاهداً على أن القلم كان دوماً رفيقاً لـ(محمّـد عَبيدِى بَرْدَويل) و هو فى سِـنْ مُتأخـّرة (2)، و أنه كثيراً ما كان يحمل معه فى غديّهِ و رواحه للعمل "نوتة" كهذه:


صورة

أحد أصناف "نوتات" سكك حديد السودان "سابقاً" عليها تاريخ 1964.

فإنه لابد – و بما أنه خـَـبـِرَ ملكة الشعر فى فترة مُبكّرة من العُمْـر - أنه فى عُـنفوان شبابه، و قد أصبحت "ليلى" الشعر تراوده بشكلٍ مُتواتر .. تتلوّن و تتبدّى له مُـتلاعبةً بخياله، أن أعدّ لها العُدّة ليتصيّدها متى ما برَقت له، و ذلك بحرصه على الدوام إصطحاب "نوتة" و قلم (الكُوبْـيَة) - قلم (الكُوبْـيَة) الذى كان لصيقاً بمُعظم مََنْ كان يعمل فى السكة حديد - فأصبحا رفيقيهِ الدائمين. و عليهِ، "النوتة" و قلم (الكُوبْـيَة) تحديداً، بصفتهما هذه سهلة الحمل فى الحركة و التنقل، قمينة بإعتبارهما يرمزان للأعمال الخام أو التخطيط الأوّلى. و بالتالى مِن الأرجح أن الإستعانة بهما كانت أثناء الترحال و عدم الإستقرار، و لنا فى "شهادة الترحيل" أعلاه دليل لا يقبل الشك على مرافقة هاتين الأداتين لـ(محمّـد عَبيدِى بَرْدَويل) فى حلِّهِ و ترحاله.
و العكس من ذلك نلمسه فى القصيدة المكتوبة بالحبر السائل الأسود على ورقة "فـُلُسكاب". إذ ليس من العملى إصطحاب مَحْـبَرَة و ريشة (3)مع و رق "فـُلسكاب" لتدوين الخواطر و الملاحظات متى ما عنـّت، بالتالى لابد أن القصيدة المكتوبة بالحبر السائل أُنجـِـزَت خلال فترة إستقرار تسمح بإستخدام المحبرة و الريشة على مكتب أو طاولة.

2) كذلك خط قلم (الكُوبْـيَة) ، رغم أنه حافظ لدرجة كبيرة على حدّة سنـّـتهِ خلال أبيات الصفحة الأولى من القصيدة، إلاّ أنه فى الصفحة الثانية - المكتوبة على ظهر نفس الورقة الصغيرة - بدأ يفقد إلى درجةٍ ما هذه الحِدّة كلّما إقتربت القصيدة من نهايتها، و ظهر الخط أكثر سرعة و إهمالاً كل ما إقتربنا من هذه النهاية. و مردُّ ذلك أن "ليلى" الشعر بصورتها المتلوّنة المُتأبّية حد الدلال، تكون كريمة أحياناً فتأتى الصورة التى توحى بها و بالتالى صياغة المُتلقى لها بشكلٍ واضح و بليغ - هذا ما يجعلنا نرى بعض الأبيات فى القصيدة واضحة الصورة مُحكمة الصياغة، و المُتمثلة فى أبيات القصيدة التى لم تـُجرى عليها أى تعديلات فى القصيدتين - و لكنها كانت تبخل أحياناً أخرى فتأتى هذه الصورة ضبابية مُهتزة تنقصها أشياء، و بعضها الآخر يبدو كما لو كان مُجرّد إلتقاط للصور الشعرية المُتنزّلة فى تلك اللحظة و تـرك أمر مراجعتها و إجراء تحسينات دقيقة علي صياغتها فيما بعد. فالشاعر يبدو فى قصيدة (الكُوبْـيَة) كما لو كان فى سباق مع الخواطر التى كانت تبرقُ و تترى فى تلك اللحظات بالفعل الإيحائى المُتأبّى تارة و المبسوط بما يفيض تارة أخرى لـ"ليلى" الشعر، و هذا ممّا يُرجّح أنه تمّ كتابة القصيدة فى جلسةٍ واحدة (4). و فى نفس الوقت لا يمنع من أن إيقاعها و صورها الشعرية الباهتة كانت تترائى له قبل الشروع فى كتابتها - قد يكون منذ وَعيهِ و شعوره بظلم شعبه و تجبّر المُستعمر - بزمنٍ طويلا، حتى جاءت اللحظة التى تفجّرت فيها و إنسالت شعراً سلسبيلا.

بينما نجد أن قصيدة الحبر السائل كُـتِـبَت بمَهَلة على ورقة "فـُلسكاب"، و يظهر ذلك من الخط – الذى حافظ على سرعة وتيرته من بداية القصيدة إلى نهايتها، سوى بعض ما تبدّى فيه من "إنفعالات إلقائية" ظهرت فى رسم بعض الكلمات مثل: (النيران/ سطر 18) – و فى تسطير الورقة و ترقيم السطور و تقسيم الأبيات بصورة تحملنا على الإعتقاد بأنه تم إعداد القصيدة بهذه الصورة خصيصاً لغرض إلقائها أمام جمهور. بمعنى أن هذا الشكل الذى نراه لورقة "الفـُـلسكاب" من ترقيم و تسطير و تقسيم هو تنفيذ لعمل إخراجى على الورق لعمل إلقائى لا يخلو من أداء مسرحى أمام الجمهور:


صورة

تخطيط القصيدة الإلقائى

ــــ

1) هذا النوع من الناس الذى يُنتج إبداع فيهم مِنْ يحرص على إصطياد خواطره و مُلاحظاته فى لحظة تبدّيها لذلك يصطحب دوماً معه تلك الأدوات فتأتى أعمالهم مُحكمة واضحة المعالم و لها جاذبية، و منهم مِنْ لا يحتاج لها لتمتـّـعه بذاكرة قوية تسمح له لحظة الحاجة و الإنتاج إسترجاع تلك الخواطر و الملاحظات من الذاكرة، و منهم مِنْ لا يكترث لتسجيل تلك اللحظات النادرة فيعانى فيما بعد من القلق و الإحباط عندما تـُلح عليه رغبة الحاجة الإبداعية و الإنتاج، فيندم على ما فاته حيث لا ينفع الندم و يقعدُ ملوماً محسورا .. لقد أضاع الفرصة النادرة التى لا تتكرّر. و قد كان الوالد حريصاً و دقيقاً.

2) شقيقتى الصُغرى كانت تـُهديه دوماً أقلاماً أنيقة .. و لشد ما كان يُعجب بها، و هو على علم بالماركات الجيّدة، و لديه من الماركات القديمة عدد منها.

3) أدوات الكتابة من مَحبرة - غالباً بحبر أسود - و الرّيشة التى تغمس فيها، مع أقلام حبر سائل (تروبل)، كانت من موجودات "الفترينة"، و لا أعلم ما إذا كنت سأعثر على بعض منها أم أنها فـُقِدَت كلها.

4) فى أحاديثه مع خدنه الشاعر (كُـدُودَة)، كان الوالد يأتى على ذكر "ليلى" و أجواء وحى الشعر، كأن يقول: { فى هدأت الليل و عندما كنت مسافراً بخيالى .. هبط وحى الشعر، أو تبدّت "ليلى" الشعر، فأنشدتُ .. } و يقرأ لـ(كُـدُودَة) بصورة مسرحية أبياتاً من إحدى قصائده، بعدها قد يُحاججه (كُـدُودَة) فى أن البيت الفلانى مسروق من فلان، أو أن هناك خطأ فى وزن بيت ما، أو فيما لو قال كذا كان أفضل، بينما كان الوالد من الجهة الأخرى يدافع عن قصيدته، و أحياناً أخرى يُهللُّ (كُـدُودَة) من الطرب فيأخذه الحماس و ينشدُ من عنده .. فيأتى دور الوالد لنقده .. و هكذا.
و على "ليلى" الشعر هذه - التى واضح أنها كانت تسكنه مُضنيةً إيّاهُ شقاءاً و مُسْعِـدَةً إياهُ إنتصاراً - سمّى أولى خلفه و بنته البكر، و لمّا كان حظها فى هذه الدنيا العبث ليس كما تمناهُ لها، فقد كان سوء حظها هذا أحد الخناجر التى غدرت به.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

الأسباب الموضوعية

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



الأسباب الموضوعية:

لأننى لا أستطيع أن أتخلّى عن الفكرة المُتـَخيّـلة لكتابة قصيدة (الكُـوبْـيَة) أثناء رحلة بالقطار من (عطبرة) إلى (الخرطوم)، ثم تعديلها و إعادة كتابتها لاحقاً على طاولة أو مكتب فى (الخرطوم بحرى)، سأقوم برسم هذه الصورة المُتخيلة مُستعيناً بثلاث مشاهد وصولاً إلى التصوّر النهائى الذى خرج به الأداء الإلقائى للقصيدة أمام الجمهور: 1) بداية العمل الشعرى من لحظة إستعداد الشاعر لهذه الرّحلة، و ساشير لهذا المستوى بـ"الفلاش باك" - 2) ثم عند وصوله لـ(الخرطوم بحرى) و جلوسه على مكتب لتعديل و كتابة مسوَدّة القصيدة بالحبر السائل الأسود و سأشير له بـ: "أثناء التعديل". 3) ثم عند إلقاء القصيدة المعدّلة أمام الجمهور و سأشير له بـ: "على المسرح".

و رغم أننى أفترض أنه قد يكون وراء هذه الرّحلة "مهمّة عمالية عاجلة" كتلك المهمة التى تعرّفنا عليها فى اللقاء أعلاه، أو قد يكون الشاعر إضطر لقضاء مُدّة شهر الإيقاف القابل للتمديد – بما أن شهر الإيقاف عن العمل لم ينتهى عند كتابة القصيدة فى تاريخ 12 مارس 43 - مع أصدقاء أو معارف فى (الخرطوم بحرى) (1)، و قد يكون وافق ذلك مناسبة إجتمع لها مناديب العمال من السكة حديد (الخرطوم) و (وابورات النقل النهرى ببحرى) .. أو قد يكون إجتماعاً - على خلفية أحداث صدام (عطبرة) العمالى - لمجموعة من السياسيين و الخرّيجين و المثقفين دون أن يكون لهم إنتماء حزبى واضح، و قد تكون علاقة (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) بالعمل السياسى بدأت بالإنتماء للجمعيات الأدبية التى كانت شائعة آنذاك و منها خرج عدد مقدّر من قادة السودان فى كل المجالات، و قد يكون إنتمى تحديداً للجمعيات التى لها موقف مخالف لأفكار الأحزاب و أسلوب عملها، نوع الجمعيات التى كانت تـُمجّد العلم و الثقافة و تقديس العمل و بناء المجتمع و الإنسان و تكريمه و تمليكه المعرفة و ترقية حبه و إخلاصه للوطن، و وسيلتهم فى ذلك قد تكون الشعور بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع و المبادرة فى الفعل (2). و قد يكون (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) فى هذا الإجتماع مندوباً عن العمال. و ممّا يُرجّح عدم إنتماء المجتمعين إلى جهات حزبية مُعلنة مُخاطبة القصيدة لهم بـ:

و لا تزكّوا الأحزاب تـُـفشى كفاحكم فبعد قضاء العرض يتبع النقـلُ

===***===

رغم هذا الإفتراض الذى سنعتمد بعض أجزائه لنتمكن من رسم تلك الصورة، أرى أن الوثيقة التالية قد تحسم أمر وجود (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) فى (الخرطوم بحرى) فى تلك الفترة:


صورة

وثيقة طلب تصريح شحن عدد 2 جالون (سّـمْنْ) مقدّم من (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) إلى (مراقب المجلس البلدى بالأبيض)

نص الوثيقة:

إلى جناب مراقب المجلس البلدى بالأبيض

بعد الإحترام أرجو التكرّم لى بتصريح عدد 2 جالون سمن من الأبيض إلى الخرطوم بحرى و لجنابكم جزيل الشكر.

16/11/1944
مقدمه
محمد عبيدى بردويل
بمصلحة الوابورات بالخرطوم بحرى


و قد علّق مراقب المجلس البلدى خلف هذا الطلب بتاريخ 18/11/1944

صورة

تصريح نمرة(....)
يسرى فقط لمدّة سبعة أيام
تصريح لمحمد أفندى العبيدى بترحيل جالون واحد (عشرة أرطال) سمن للخرطوم بحرى.

مراقب المجلس البلدى
18/11/1944


===***===

إنها تحسمه لصالح إفتراض نقله إلى (وابورات الخرطوم بحرى) بالنقل النهرى، حيث، من هذا الطلب، واضح أنه كان يعمل هناك. إن هذا الإفتراض أقرب إلى الصحة إذا وضعنا فى الإعتبار أن السلطات كانت تعمَدُ إلى إبعاد العناصر النشطة من مركز الفعل إلى الأطراف (3)، و يُصبح إفتراض النقل هذا أكثر رجاحة خاصة و أنه أعقب أحداث صدام عمال (عطبرة) بالإدارة الإستعمارية أوائل عام 43 (4). و لكن، فى كل الأحوال، هذا لا يُغير شىء فى خطتنا لمعرفة الظروف التى كُتِـبَت فيها القصيدة و معرفة لماذا تمت التعديلات عليها و كيفية إلقائها النهائى أمام الجمهور، و قبل كل شىء لا يغير من كون أنها أُعدّت خصيصاً لإلقائها فى مناسبة مُعينة أمام مجموعة من المُناضلين "الصفوة !" فى ذاك التاريخ.

عليه، و بما أنه عند تعديل البيت أعلاه تم حذفَ كلمة الأحزاب و أُستبدلت بكلمة "مُتملق" يتجسّس على الحركة الوطنية "العمالية" ثم "ينقل" أخبارها إلى أعدائها، هذا يعنى أن الحركة العمالية مُنذ ذاك الوقت بدأت تشهد تسلل النفوذ الحزبى إليها ممّا يُفسّر لنا حرصها لاحقاً على أن تظل بمنأى عن ذلك عند إنشاء (هيئة شؤون العمال). ما يعنى أن الشاعر كان يضع بعض "أخوان الصفا" المُنتمين للأحزاب السياسية فى خانة "المتملقين" الجواسيس على الحركة العمالية و على مجموعة الوطنيين اللامُنتمين إلى عضوية الإحزاب السياسية. أقول ذلك و أنا أعلم أن أبرز ما ميّز (محمّـد عَبيدِى بَرْدَويل) كنقابى هو مناداته و تمسّكه بإستقلالية العمل النقابى عن العمل الحزبى و السياسى، لقد كان مُخلصاً للرّأى القائل بأن النقابة يجب أن يكون لها قرارها المُستقل عن ما يفرضه نفوذ الأحزاب و التغيّرات السياسية الطارئة - و لا ننسى أن (هيئة شؤون العمال) عند قيامها حرصت على التأكيد على عدم إنتمائها الحزبى و السياسى و أنها أُنشئت لخدمة مصالح و قضايا العمال فقط - و لابد أن موقفه هذا قد كلفه خصومات و عَنت كبيرين. و المبدأ الثانى الذى كان متمسكاً به هو: الديمقراطية.

و لكن فى قصيدته هذه عند تعديل ذاك البيت لابد أنه رآى أن ليس من اللائق الإشارة للأحزاب بصورة مباشرة لعلمه بوجود هذه الإنتماءات الحزبية بين حضور جمهور ذاك اليوم، فصاغ نفس معنى البيت بالإشارة لـ"المُتملقين" الجواسيس بينما فى قرارة نفسه كان يقصد المُنتمين للأحزاب السياسية الذين يحاولون نقل معارك أحزابهم السياسية إلى العمل النقابى و إفساد مجهودهم المُبادر دون الإستعانة بأى جهة عند بدئهم بناء هذا الصرح العمالى الجبّار (5):

حـذارى أن يخلـط بكم مـتمـلـق يغـربل ما فى ســرّكم ثم ينـقـلُ

ـــــــ

1) أقام الوالد بـ(الخرطوم بحرى) لفترة لا أدرى على وجه التحديد مدّتها و تاريخها، و هى الفترة التى فكر فيها الإرتباط بالوالدة.

2) كان الوالد يُقدّر العلم و العلماء و يقدّس العمل، حرص على أن ينال أبنائه دراسة كل المراحل حتى الجامعة ما عدا "ليلاهُ" لظروف إستثنائية، و حرص على أن يعملن بناته الخريجات فى مجالات جديدة على المرأة السودانية، مثل الفندقة، و كان يضرب لهم مثلاً بالنساء المتفوّقات أكاديمياً و المتوليّات لمناصب قيادية و كله أمل أن مستقبل بناته سيكون كذلك. لقد كان يُنجز كل الأعمال اليدوية و الذهنية بنفسه، و يقوم بأعمال التشييد و التوصيلات بنفسه و التى تستغرق تفكيراً ذهنياً و جهداً عضلياً كبيرين، و كان يقـدّر عالياً مَنْ يمُد يد العون لمساعدته أثناء إنهماكه فى العمل دون أن يُطلب منه ذلك، فيقول لك : {أن "فلان" راجل ميدانى}. و أعتقد أن أهداف هذه الجمعيات نستطيع أن نقرأها على شعار مجلّة (نهضة جمعية الخريجين)
3) كان (محمّـد عَبِـيدِى بَرْدَويل) مُصنـّـفاً من قبل الإدارة الإستعمارية ضمن العناصر الخطرة فيما يُعرف بالـ(Black List)، و توجد وثيقة بذلك بدار الوثائق السودانية.

4) يبدو لى أن هناك أمر نقل آخر للوالد كعقوبة.

5) قصيدة (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) التى سنعرضها لاحقاً و المُعَـنـْوَنة: {إهداء للزميل هاشم العبد بمناسبة إهدائه القصيدة للشفيع} قد تعكس لنا تبرّمه مِن و لومه لِمَنْ إستبدل إنتماءه النقابى العمالى بالإنتماء الحزبى السياسى. و معلوم أن الوالد كان قد إنتمى فيما بعد لـ(للوطنى الإتحادى) و تحديداً كان من أتباع (الأزهرى) و قد شاركه المُعتـقـل. حين كنت فى حوالى الرابعة أو الخامسة، شهدت زيارة الأخير له فى (مدنى)، أذكر عربة بيضاء أنيقة و مجموعة مواتر حمراء لامعة كنا نجرى خلفها نـُهرّجُ فرحين مع أطفال الحلة .. لنكتشف فجأة أن هذه "الزفـّة" مُتجهة إلى بيتـنا، فتركنا جموع المتظاهرين الأطفال و دلفنا إلى منزلنا، لقد جاء مُعزّياً للوالد فى وفاة أخيهِ الأكبر: (سعيد عبيدى بردويل) بـ(عبرى). و لكن يبدو أن هذا الإنتماء جاء لاحقاً، و المرجح أنه بقلق الشاعر فيه قد تقـلّب متأملاً و مجرّباً التوجهات السياسية المُعبّرة عن مصالحه التى كانت تمور بها الساحة آنذاك، و المؤكد أنه كان متابعٌ و مُطلعٌ على المشهد السياسى لما نجده لعدد من المناشير السياسية بين أوراقه، مثل هذا المنشور السياسى الصادر عن (الحركة السودانية للتحرّر الوطنى) بدون تاريخ :


صورة

نص المنشور:

أيها العمال

بالأمس أصدر عبد الله بشير نشرته التضليلية ..... بدلاً من أن يهاجم فيها حكومة السودان لإنتزاعها لأجازات العمال الإسبوعية راح يعزى التقصير على إتحاد العمال الع..... بدعوى أنه غارق فى مشاكل أخرى تلك المشاكل خلقها .... عبد الله بشير نفسه بسياسته المعادية للإتحاد بدلاً من أن يهاجم مدير السكة الحديد لنزعه لهذه الإجازات راح يدافع عنه بحرارة و يبحث له عن المبرّرات المكشوفة بأنه سيرد هذه الإجازة بعد ثلاثة أشهر.
لقد قلنا دائماً أن عبد الله بشير هو أحد العملاء المخلصين للحكومة و أنه لم يُخلق إلاّ للدفاع عن مصالحها و أن جميع مواقفه تؤكد عداءه المستمر لكل مصلحة الطبقة العاملة.

يسقط عبد الله بشير ربيب الإستعمار

أيها العمال:

إن الهجوم الغادر الذى شنه عبد الله بشير على الجرائد الحرّة التى تكشف مواقفه الخائرة و تهاونه فى حقوق العمال فى إجورهم و حرياتهم و إجازاتهم إنما يمثل تلك السياسة التى درج عليها مكتب الإتصال و الصحافة الساقطة المعادية لمصالحكم. إن عبد الله بشير بدلاً من أن يراعى لمصالح الكادحين المحتاجين لإجازاتهم الإسبوعية لتصريف مشاكلهم العائلية الضخمة يريد أن يسخر جهودكم و راحتكم لخدمة مصالح أسياده و أولياء نعمته.

عاشت الجرائد الحرّة التى تكشف مواقف عبد الله بشير الخائرة

أيها العمال:

إننا نحن الشيوعيين ندعوكم للدفاع المستميت عن إجازاتكم و أجوركم و حرّياتكم و أن أى تعقيد أو تهاون فى الدفاع عن إجازاتكم المحلية ربما يعقبه هجوم غادر على أجوركم و ساعات عملكم التى كسبتموها بنضالكم الدامى و أن كشف عبد الله بشير و تحطيم مؤامراته التى حاكها مع مدير السكة الحديد لن تتم إلاّ إذا أجبرتموه للدفاع عن هذه الإجازات.

عاش كفاح العمال من أجل الدفاع عن مصالحهم

الحركة السودانية للتحرّر الوطنى

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الاثنين يوليو 01, 2013 1:05 am، تم التعديل 6 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

الوعى بالعمل النقابى عام 1944

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


جاء عند (سعد الدين فوزى) صفحة 47:

{.. و منذ فترة مبكرة ترجع إلى عام 1944، كانت النقاشات تدور وسط العمال المهرة فى عطبرة حول "أهمية الوحدة" و "الحاجة للتنظيمات النقابية". و دون التقليل من دور أى أسباب أخرى، كانت النقاشات نتيجة لإنتشار النشرات التى كانت تصدرها وزارة الإعلام البريطانية أيام الحرب عن طريق الصحافة البريطانية و التى كانت تحتوى على دراسة حول التنظيم النقابى. و قد كانت تلك الدراسة موضوع دراسة و نقاش فى نادى خريجى المدرسة الصناعية (1). و على العموم، يمكننا تتبع إهتمامات العمال بقضية التنظيم النقابى فى صفحات (العامل السودانى)، الصحيفة التى كان يصدرها نادى عمال الخرطوم بعد أغسطس 1946، ففى العدد الأول المؤرّخ فى أغسطس:


غلاف العدد الأول من مجلة (العامل السودانى) الصادرة فى (1/ أغسطس/ 1946)

صورة

كانت هناك مقالتان، الأولى كتبها عامل من عطبرة و الثانية كتبها عامل من الخرطوم. و كان عنوان الأولى (نحو تنظيم نقابى) (2):

مقال (نحو النقابات) بقلم: (الفاضل آدم) نـُشر فى العدد الأول من مجلة (العامل السودانى)

صورة


و عنوان الثانية (نريد تنظيمات نقابية):

مقال (نريد النقابات) بقلم: (سليمان على أحمد) نـُشر فى العدد الأول من مجلة (العامل السودانى)

صورة

بعد ذلك تتابعت المقالات حول التنظيمات النقابية، و كانت أهمها دراسة مطوّلة كتبها أحد العمال المهرة فى عطبرة. و الذى إستطاع أن يلعب، فيما بعد، دوراً هاماً فى نقابة عمال السكة حديد. و مع أنه من الخطأ المبالغة فى تأثير تلك المقالات و الكتابات فى وسط عمالى تسوده الأمية، فمن الواضح أن التحرّك من أجل تكوين التنظيم النقابى كان تحركاً مخلصاً، بمعنى أنه يعكس رغبة حقيقية، من جانب العمال المهرة، لنوع ما من التنظيم النقابى. و هو ماتحمّلوا بالفعل مسئولية القيام به.}(3)

و يُشير (سعد الدين) فى الهامش إلى مقالى (سليمان على أحمد) و (الفاضل أحمد)، و هما المقالين المعروضين أعلاه فى العدد الأول من مجلة (العامل السودانى). و المقصود بـأهم {دراسة مطوّلة كتبها أحد العمال المهرة فى عطبرة}، هو دراسة (عبد الله بشير): (الطريق إلى تنظيم نقابى) التى لم أصادفها حتى الآن. و (عبد الله بشير) هذا هو المقصود بمنشور (الحركة السودانية للتحرّر الوطنى) أعلاه.

الغلاف الأخير للعدد الأول من مجلة (العامل السودانى)

صورة

و هو عبارة عن صفحة دعائية لأعمال كراج سيارات، كُـتِبَ تحت الصورة:{ يعلن عبد الله الزبير صاحب و مدير كراج العاصمة بالخرطوم بشارع الملك أن محله على إستعداد تام لكافة ما يلزم لإصلاح العربات و اللوارى و بالمحل قسم خاص لبيع قطع الإسبيرات }

ــــــــ

1) أشرت سابقاً عند إستعراض و ثيقة (شاكر بطرس) عن قانون النقابات حين تساءلت عن مصادر المعلومات التى كان يستقيها العمال حول النقابات، إلى إحتمال أن تكون هناك مصادر أوروبية وصلتهم عبر المُـتعاطفين معهم من موظفى الإدارة الإستعمارية ذوى الميول اليسارية.

2) لاحظ لم يكن (سعد الدين فوزى) دقيقاً فى تسجيل عنوانى هذين المقالين.

3) لاحظ أن التنظير و الكتابة حول ضرورة إنشاء النقابات لم يكن له الدور الفعّال فى قيامها، بل إن ما يجدر التأكيد عليه هنا هو أن الدور الحاسم فى هذا الأمر كان الرّغبة الحقيقية و الفعل المُبادر و العمل المخلص لمجموعة من العمال المهرة الذين تولوا هذه المسؤولية عن وَعى و دون تحريضٍ أو مساعدةٍ من أى جهةٍ كانت، و قد تحمّلوا هذه المسؤولية على أفضل وجه .. و أدّوها على أكمله. و هذا ما يُعيدنا إلى نوع الجهة الفكرية التى كان يتبع لها (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) التى تمكنت فى بداياته من تفجير تلك الطاقات فيه .. قبل تغوّل الأحزاب على ساحتهم العمالية و إدخالها فى إتون الصراعات و التيه.

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الاثنين أغسطس 09, 2010 6:53 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

الأجواء فى السودان عام 1943

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



كيف بدا عام 1943


لا يأتى (الطيب حسن الطيب) فى كتابه على ذكر تاريخ 1943، بل هو يقفز من تاريخ 1938 / 1940 – تاريخ بداية نشوء وَعى العمال بذاتهم و تحرّكهم حسب رأيه – إلى تاريخ 1946 حيث بدأوا العمل الجاد لإنشاء (هيئة شؤون العمال). بينما (سعد الدين فوزى) يذكر تاريخ 1943 فى معرض حديثه عن (جذور الحركة العمالية السودانية):

{ تلك كانت خلفيات عام 1946، العام الأول الذى أعقب نهاية الحرب، و الذى كان يمثل نقطة تحوّل فى تاريخ الحركة العمالية السودانية، فالحاكم العام تحدث عن ذلك العام، فى إحدى تقاريره، بالكلمات الواضحة "إن السودان لا يمكنه الرضى بتجاهل حالة الشعور بالقلق و الإنزعاج التى تأثرت بها شعوب الدنيا خلال السنوات التى أعقبت الحرب مباشرة. و كما أُعلن فى عام 1945، فقد إتخذت إجراءات جادة لإعلام الأهالى بأن إنهاء المنازعات لا يمكن أن يحمل معه، فى لحظاته الأولى، عودة الأمان و الوفرة المحلية، و فى تلك السنة كان أُعلن، أيضاً، بأن الأهالى، فى عمومهم، ظلوا يلتزمون جانب الصبر و الهدوء. و حالما بدأت الحرب تضع أوزارها فى السنوات السابقة ( و يجب أن لا ننسى أن حقائق الحرب قد وصلت إلى نهاياتها، فى نظر أعداد كبيرة من السودانيين، منذ هزيمة العدو فى شرق أفريقيا عام 1941، و فى شمال أفريقيا عام 1943 ) ،بدأت موجات عدم الإرتياح تنتشر بشكل لا إرادى، فى المناطق الحضرية و الكثيفة السكان، و وجدت التعبير عن نفسها فى العديد من حوادث الشغب، و مع صعود حرارة المناخ السياسى، برز الطابع السياسى لكل تلك الأحداث، بهذا القدر أو ذاك." }

من ما ذكره (سعد الدين) عن عام 1943 على لسان (الحاكم العام) نعلم أنه كان عام مفـقود فيه الأمان و قد عانى فيه الناس نـُـدرة فى مواد العيش .. و كان هناك صبرٌ و هدوءٌ تحته وميض نار، و ساده إنتشار لا إرادى لشعور عدم الإرتياح فى المناطق الحضرية كثيفة السكان – و كانت مدينة (عطبرة) من أهم تلك المناطق المأهولة فى السودان آنذاك – و تم التعبير عن ذلك الضيق بحوادث شغب و إنعكس ذلك صعوداً فى حرارة المناخ السياسى.

هذا، و قد أعقب هذه الظروف، التى سادت إبان الحرب و قـُبيل إنتهائها، حالة من الشعور بالقلق و الإنزعاج بعد أن حطّت الحرب أوزارها. إذن فقد كان عام 1943 عام كثيف الضغوط ثقيل الوطأة على صدور الناس، و قصيدة (شعاع النـُّـور) تـُصوّر لنا تلك الأجواء النفسية .. و تـُـخبرنا بما كان لذلك من آثار و إنعكاسات على نفس المُناضل العمالى (محمّـد عَبـِـيدِى بَرْدَويل) الشاعرة .. و كيف أنه عبّرَ عن هذه الأجواء النفسية أمام "إخوان الصفا" ذاك اليوم من عام 1943 .

قد أعود هنا بصور لـ"مانشيتات" الصحف السودانية إبّـان عام 1943.

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الأربعاء مارس 31, 2010 6:34 pm، تم التعديل مرة واحدة.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »


الأخ الأستاذ ياسر عبيدي
فجاة قررت الدخول لبوستك هذا!
ثمة شيئ في كلمة وثائق غير مريح لدي! عندي دوكيوفوبيا لو جاز لي نحت كلمة قبل أن أذهب للنوم!
دخلت فأخذني محتوى وتصميم البوست وسلاسة تناوله من جانبك ووجدت نفسي ألتهم الصفحة تلو الصفحة بشغف عجيب!
إكتشفت أن كراهيتي للوثائق غير مطلقة وأنني في الحقيقة أحب الوثائق القديمة ولونها المصفر الحائل ولا أحب أي وثيقة جديدة
ولو كانت وثيقة عقد أتكسب من ورائه!
ومرد ذلك هو أنني ولجت باب الاطلاع من الكتب التي إحتازها الوالد في مكتبته وكانت كلها صفراء ولها رائحة محببة. ويبدو ان
مصدر الرائحة الاثيرة في الكتب القديمة أستمر حتى وصلتنا كتب دور النشر اللبنانية وكانت على ما أذكر بها نفس رائحة إصدارات
دار الأزهر والدور المصرية. فربما ذلك نوع من الورق! وكان ذلك في منتصف ستينيات القرن الماضي!
المهم توفر ت لي اسباب الاستمتاع بهذا الخيط لأنني سجلت قبل سنتين دار نشر أسميتها "نكتبلك" وهي دار مفتوحة لكل من لديه عزيز
يريد ان يوثق لحياته بغض النظر عن مدى عمومية ذلك العزيز وغايتي أن كتاباَ عن فلان الفلاني ما هو إلا توفير بؤرة ننظر من خلالها
على مجتمعنا السوداني وأفراده وتتوفر كمراجع لكل من أراد أن يعرف بالداتا اسرار وطرائق بناء الانسان السوداني ومفاصل تكوينه النفسي
وفي ذلك فائدة عظيمة للأفراد إذ تخلدهم هذه الكتب العينية وللامة أو إن شئت الاقوام السودانية. لأن الحال إذا استمر كما هو سيصعب علي
القادمين ان يدركوا بعمق كاف كيف صعد وأفل أي من أعلامنا بل أي شخصية تركت بصمة الآن ولو في سياق حياة سلبية كالتاريخ
للهمباتة او اصحاب الجرائم. هذه الدار المعطلة حالياَ تستأجر كتاب متخصصين يصوغون هذه الكتب لمن أراد مقابل أجر يدفعه من له مصلحة
في نشر البيوغرافي أو حتى الاوتو بيوغرافي لاي فرد. لا نقتصر على المشاهير او رجال الخدمة العامة أو الابطال. فنكون مفتوحين على كنوز
معرفية لا تبذل لنا إلا بفكرة كهذه حسب ظني.
وأكثر من مرة رددت أن عبدالله على إبراهيم هو من ألهمني هذه الفكرة بنحته لتعبير لافت استقر في فؤادي وهو تعبير "الكتابة المناقبية " والتي
من بين ما أورد في تعزيزها ذكره لكتابين ألفهما المرحومان مدثر أبوالقاسم، والدي، وأخوه عبد الحميد أبو القاسم عن والدهما كل من زاوية
تناول وسرد مختلف عن الآخر وهو ما يقع في دائرة الوفاء للوالد ولكن قراءة الكتابين تفتح نافذة ربما فريدة في النظر في حال المجتمع وحال
رجالات الدين ومواقفهم المختلفة من قضايا السودان.
احيي فيك هذه الروح المثابرة وأحيي فيك تزيين البوست بتصاميم وزخارف عصرية تجعله جذابا وأقول إن شئت فلا مانع لي من الاستفاضة في
الكتابة عن دار نشر "نكتبلك" ويقيني أنني سأعود لبوستك هذا مراراَ بل في رأيي أنه من أحسن البوستات التي قرأتها حتى الآن!
ولك الف تحية وشكر وكن بخير
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

كتابة الأسافير

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


الأخ العزيز مصطفى مدثر

أشكرك على الدعم و المؤازرة .. و على ما أثرته فى نفسى من رضاء و سعادة. فكرة أن تخرج محتويات "الفترينة" للناس بشكلٍ ما .. هى فكرة ظلت تراودنى منذ رحيل الوالد .. و لكن بأى وسيلة و فى أى صورة تخرج هذه الفكرة هذا ما لم أكن أعرفه مسبقاً. و هكذا بينما أنا "مُـقهِّى" و "مُصنقـِّـع" رقبتى للسماء أفكر عن وسيلة نثر محتويات "الفترينة" على أوسع قطاع .. جاء عصر "الإنترنت"، فحَـقَّ القول بأن: "كل تأخيرة فيها خيرة !".

و إن كنت حتى وقت قريب تتنازعنى الميول و الأهواء عن مدى جدوى نشر مثل هذه المواضيع على "الإنترنت".. و ما إذا كانت وسيلة نشر فعّالة .. إلاّ أننى بدأت أقتنع تماماً بأن "الإنترنت" هى أفضل وسيلة للنشر و هى الأقوى و الأكثر ديمومة – قيل أن كتابة "الأسافير" من لحظة إطلاقها فى الفضاء تظل تسبح فيه مدى الحياة، و يمكن إلتقاطها من قبل كائنات أخرى تعيش فى هذا الكون ! فتاريخ البشرية الـ(Documented) كان، دون أن نعلم، و أصبح و سيظل عبارة عن "صور و أصوات"، فهو لم يعد ما دوّن على الورق، لأن الورق إلى زوال، بل مادوّن فى "الإنترنت" و ما بُثّ و يُـبَث على التلفاز و ما ذيعَ و يُـذاع عبر الترانزيستور، فالصادر عن "هؤلاء" كله يظل فى فلكٍ يسبحون إلى يوم الدين ! - و ذلك لأن إمكانيات إخراج مادة النشر فيها واسعة بدرجة كبيرة و مُتزايدة .. بينما تكاد تتلاشى فيها المعوّقات التى تـُحِدُ من جعل المادة المنشورة أقوى تأثيراً. و هذا كله له علاقة بإجادة تقنيات نوع الكتابة الجديدة.

إن إجادة هذه التقنيات فى غاية الأهمية لمواصلة الكتابة المؤثرة فى هذا العصر، فهذه التقنيات واضح أنها ظلت تأخذ أشكالاً مختلفة عبر التاريخ .. و ثبت أن الأبقى فيها كان دائماً للحديث منها. فنلاحظ مثلاً أن كُتاب "العالم الأول"، أو المحترفين بصفة عامة، كانوا يغـيّرون وسائل الكتابة تبعاً لتغير تقنياتها عبر التاريخ، فـُـتركوا "الدوّاية" و الريشة عندما ظهرت الأقلام المُختلفة، و تركوا القلم حين ظهرت الآلة الكاتبة، و قذفوا باللآلة الكاتبة و الورق حين ظهر الكومبيوتر، و حين ظهرت "الإنترنت" تخلّوا عن دور النشر ذات نفسها. و لأننا فى الأطراف لا نتأثر بنفس قوّة تأثر من هو فى المركز بما يطرأ على تقنيات الكتابة من تطوّر .. ما زلنا لا نتعامل معها بالجدية اللازمة و لا نحاول الإستفادة من إمكانياتها الجبّارة إلى أبعد حدود، و كل ذلك يعود إلى جهلنا بتقنيات أساليب النشر الجديدة و بطئنا فى تكييف أنفسنا لإعتمادها رسمياً.

و إن كان هناك ثمة عزاء لما أمل (محمّـد عَبـِـيدِى بَرْدَويل) أن يكون له من أمر مستقبل "البَـلّـورة"، فهو هذا التأخير الذى كابدته مُحتوياتها حتى تخرج إلى النور فى عصر سباحة الكتابة عبر "الأسافير" بتقنيات النشر الحديثة، ذلك أن خروجها قبل ذلك كان سيكون نصيبه أوراق تأكلها النار و تذروها الرياح، و تختفى عن الوجود بذريعة نفاد الطبعة، لتظهر بعد سنين عددا مُفترشة على الرصيف تتوسّل زبون قد يقدّر قيمتها بأبخس الأثمان.

أقول ذلك و قد لفتتنى فكرة دار نشر (نكتبلك)، هل هى دار نشر عبر "الإنترنت" ؟ لأننى أيضاً تراودنى فكرة تحويل المواضيع التى أكتبها، بل و كُـتب و دراسات لآخرين تعاد كتابتها إسفيرياً مصحوبة بالمؤثرات اللازمة و المناسبة، بأسلوب يحتوى على كل وسائل و تقنيات النشر الحديث فى الموضوع الواحد – و أنت تعلم أنه أصبح هناك كتاب القـُـرص المُدمج "صوت و صورة" - فمثلاً، موضوع (وثائق مهملة) يمكن أن يبدو أفضل من ذلك إذا أتبعناه – أين ما كان ذلك مناسباً - بـ( Video Clips, Rotating Pictures, Animation, Hyper Links for Text & Addresses … etc )، لا سيما إذا وجدنا مبرّر لإستخدام الـ(Audeo)، أغانى و أناشيد كخلفية لنص معين فى الموضوع و حيث كان ذلك مناسباً. فمثلاً، أنا أعلم أن الوالد قد تم تسجيل صوتى له مع طالِـبىْ الماجستير شعبة التاريخ جامعة الخرطوم، تخيل المجهود الذى كان سيوفره علىّ و أنا أحاول الآن تصوّر طريقته الإلقائية لو تمكنت من إستخلاص إلقائه لمطلع قصيدته (شعاع النـُّـور) من هذا التسجيل، هذا فضلاً عن أن إستخدام هذه الوسائل يجعل النص المنشور ينبض بالحيـاة صوراً و حركة و أصوات، و هذه كلها عناصر قوة للنص وفقاً لإسلوب النشر الحديث لم يكن له بها سابق عهد قبل عصر "الإنترنت". و لكن هل من المنطقى أن تظل تلك التسجيلات باقية إلى الآن ؟ أشك فى ذلك بعد أن تسنى لى رؤية إرشيف "مصلحة الثقافة" سابقاً الآيل للإنقراض .. و دار الوثائق السودانية.

نعم، عزيزى مصطفى، أحب أن أسمع المزيد عن دار نشر (نكتبلك).

و أقبل منى وافر إعزازى و تقديرى.

ـــــــ

تنويه: أضفت رسالة عن عام 1943 قبل مداخلتك.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مَـنـظـر

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



الصورة الفوتوغرافية أدناه لكبر حجمها على "الإسكانر" قسّمتها إلى جزئين و ألصقتهما معاً كما هو واضح من منتصف الصورة:


صورةصورة


من المناظر التى كانت تهفو إليها روح (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) الشاعرة. يبدو أن مسقط راسه (تـَـبـَـجْ) (عَبرى) كان دائماً فى مخيلته، لقد تكوّن نفسياً هناك. حين كان يُعلمنى السباحة فى زياراتنا المبكرة لتلك الديار، كان يغطسنى فى النهر ثم يضغط علىّ مانعاً إيّاى من الخروج من الماء حتى أتنفـّـس، و كنت مُحتاراً: لماذا يقسو علىّ هكذا !، شرح لى بأن الإحساس الذى مررت به و أنا تحت الماء بينما كنت أبحث عن أكسجين هو نفس الإحساس الذى سأواجهه حين أُشارف على الغرق، لذا إذا إختبرت هذا الإحساس قبل أن أواجهه فعلياً لن أصاب بالخوف كما لو كان لأول مرّة و بالتالى سأتمكن من التصرّف، فالخوف يشل مقدرة الإنسان على التصرف بشكل سليم. و حكى لى أنه بفضل تلك الخبرة تمكن من إنقاذ "فلان" من الغرق بعد أن كاد أن يسحبه معه إلى قاع النهر.

و كان يُلفت إنتباهى و نحن داخل النهر إلى إختلاف الطبيعة على ضفافيهِ، فيُشير بيدهِ إلى ما يشبه هذا المنظر و هو الشاطىء ناحية سكن الأهالى فى تلك الديار، ثم يُشيرُ إلى الضفة الأخرى و هو يُـردّد بصوت كما لو كان إعلان عن إسم فيلم أو مُسلسل مُثير: (تِـنـْـقـار)، و هو ضفاف عبارة عن صحراء جرداء يُميّزها لون رمالها الأقرب إلى اللون البرتقالى.

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الجمعة إبريل 02, 2010 10:00 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

إلى حين عودة الـ(Mode)

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



صمتت أصوات "قرقعة" أعمال صيانة المنزل و لكن مازال صداها يتردّد فى تلافيف النافوخ. إن أجواء الكتابة حيث يسافر عقل الإنسان لعالم الخيال لينسج الوَهَم تحتاج للسكون و الهدوء التام، و لا ضير من موسيقى مُحبّبة تنبعث خافتة فـتـُحَـفـِّّزكَ على التفكير .. و حبّذا لو تسنى لك تناول مُساعدات خارجية لتشطح بخيالك بعيداً فى تلك العوالم الدُخانية. من أجل ذلك يلجأ مُحترفى الكتابة إلى أكواخٍ بعيدة طلباً للهدوء و هرباً من صخب المدينة .. إلى الغابات و المرتفعات حيث الطبيعة المُخضرة و حيث السكون يعمُ كل أرجاء الكون.

و لابد أن أجواء الضجيج هذه، و إستمرارها عبر السنين مضافاً إليها المسؤوليات و الهموم، هى ما أنهكت و أضعفت روح الشاعر فى الشاعر (محمّد عَبـِـيدِى بَرْدَويل)، فلم يعد يقرض الشعر، و إن ظلت "ليلاهُ" لم تكف عن ملاحقته و معاودة زيارته فى ظروفٍ و أجواءٍ مُعيّنة. لقد كان حين ذاك ـ و كترياقٍ يُهدّىء به مشاعر القلق الذى تثيره فيه "ليلى" ـ يُردّد المُحبّب إلى نفسه من أشعار الغير و القديم من شعره، بل أكاد أجزم أنه كان يعملُ فى تلك السانحات على إكمال و تعديل أبيات بعض قصائده. و لابد أنه، بسبب فقدانه لتلك المَلَكَة، كان قد عانى أيضاً - ما عانيتهُ لاحقاً و مازلت – من حالة: (I want to do, but I cann’t do).

و لمّا كنت لا أتوفــّر على مثل هذه الأجواء الصديقة، و ما تمتـّعت به من بصيص - كان قد سمح لى برسم تصوّر عام لإعادة قراءة قصيدة (شعاع النور) - دمّره صخب الصيانة الذى مازال صداه ينخرُ فى الآذان كالدود، رأيتُ تأجيل هذه القراءة ريثما تهدأ أصداء الضجيج و أعود مرّةً أخرى إلى الـ(Mode)، فهذا ممّا يليقُ بإيلاء العناية المُستحقة للقصيدة و صاحبها فى سعينا لفض أوراق القديم و إعادة قراءة صفحات ذاك التاريخ الموؤُد. و إلى حين ذلك .. سنتابع ما توفــّر من وثائق النشاط الثقافى لخريجى مدارس عطبرة الصناعية عّله يسمح لى بالعودة إلى حيث كنا و يعيدنى من متاهتى و يعيد ما دمّره الضجيج كأصحاب الأخدود، فأصبح سراب يحسبه ظمآن الكتابة فى المتناول .. بينما هو أضغاث أحلام و مفقودٌ مفقود.
ـــــ
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

إنتاج العمال الثقافى المهنى

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


تنويه و تصحيح:

كما لم يكن (سعد الدين فوزى) دقيقاً فى تسجيل عنوانىْ المقالين فى العدد الأول من مجلة (العامل السودانى)، كذلك لم أكن أنا دقيقاً - و بين يدىّ عدد المجلة بشحمه و لحمه - فى تسجيلى لعنوان المقال الأول. فقد جمعت عنوان مقالين فى عنوان واحد كالتالى: (فجر مُشرق و عهد جديد نحو النقابات)، فالمقال المقصود بقلم: (الفاضل آدم) هو: (نحو النقاباتبينما المقال بعنوان: (فجر مُشرق و عهد جديد) هو بقلم: (محمد عَرَفة السيد)، و قد كُتب أعلى الصفحة يمين عنوان المقال الثانى ممّا جعلنى أعتقد أنه عنوان مقال واحد، و لم أُلاحظ تتمّـتهِ المكتوبة أسفل مقال (نحو النقابات). فمعذرة على هذا الخطأ الفادح.
ـــــــــــــــــــ

إنتاج العمال الثقافى المهنى

المقصود بإنتاج العمال الثقافى المهنى هو إنتاجهم الثقافى الذى يهدف لتثقيف العامل مهنياً. و لأخذ فكرة عن هذا الإنتاج سنستعين بالنموذج الأول لهذا النشاط الثقافى العمّالى الخلاق، و هو كُـتـيّب (عبد الله بشير) صاحب دراسة: (الطريق إلى تنظيم نقابى) – أنظر الرسالة عاليه تحت عنوان [الوعى بالعمل النقابى عام 1944] – و الكتيب مطبوع طباعة أنيقة بمطبعة عطبرة الجديدة، و هو العدد الأول من كُـتـُب سلسلة (الثقافة المهنيّة) التى يبدو أن خريجى صنائع عطبرة قد وطنوا أنفسهم على إصدارها لتوفير مصادر باللغة العربية للعامل السودانى حتى يتمكن من رفع ثقافته المهنية و مقدراته العملية، و كما جاء على غلاف الكُـتيّب قد عبّروا عن هذا الهدف تحت شعار: (المجموعة الصناعيّة المُبسّطة لكل عامل) . الكتاب صادر بتاريخ 1959 و ثمنه خمس قروش و هو بعنوان (البرّاد و المُبرّد):

صورة صورة

غلاف الكُتيّب الأول الأخير

صورة

الصفحة الأولى من الكُتيّب و تظهر صورة المؤلف العامل النقابى: (عبد الله بشير)

صورة

نموذج من صفحات الكُتيّب الذى زُيـّـنَ بمجموعة من الرسومات التوضيحية المُتقنة
.........

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مجلة (نهضة جمعية الخريجين)

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


مجلّة (نهضة جمعية الخريجين)

كما سبق أن ذكرت أنه كان لخريجى صنائع عطبرة مجلة ثقافية أسموها: (نهضة جمعية الخريجين) تعنى بالآداب و العلـوم و الفـنون و الإجتماعيات، و تصدرها (جمعية خريجى المدارس الصناعية) تحت إشراف (الجمعية الأدبية). إن جمالية هذه المجلة تأتى من الجهد اليدوى المبذول فيها بحُبْ بائن و ذلك حرصاً على إخراجها فى مستوى إتقان المجلات المطبوعة بالآلة. و لكنى أرى أن فى "يدويتها" هذه تحديداً يكمن سرّ جاذبيّـتها و جمالها.

و يبدو أن خريجى الصنائع كان يحدوهم حماس لمواصلة عملهم الثقافى هذا بحيث عكفوا على إخراج مجلّتهم هذه يدوياً لأكثر من سبع سنوات ! فقد سُجِّـل فى هذا العدد الذى سنستعرضه تالياً، و الصادر فى 18 مارس من عام 1951، على يمين أعلى الصفحة الثالثة: "السنة السابعة"، و على اليسار: "العدد 127". و لمّا كانت المجلة "تصدر يوم الأحد من كل أسبوع"، فهذا يعنى أنها لم تكن تصدر بإنتظام فى هذه المواعيد، أى بمعدّل أربعة أعداد فى الشهر و 48 عدد فى السنة، و إلاّ كانت سنة العدد 127 هذا هى السنة الثالثة لصدور المجلة. و نستنتج من ذلك، بما أن المجلة فى سنتها السابعة، أنها كانت تصدر منذ العام 1944، أى بعد إفتتاح دار العمال الجديدة عام 1940 بحوالى ثلاث إلى أربع سنوات .. و قبل المصادقة على قيام (هيئة شؤون العمال) فى 22 يوليو 1947 أيضاً بحوالى ثلاث إلى ثلاث سنوات و خمسة أشهر. و مع ذلك يظل ما يُلفت النظر فى أمر هذه المجلّة حرص خريجى صنائع عطبرة طيلة تلك السنوات السبع الصبر – و بكل ذاك الإصرار و الحُب - على إصدارها يـدويـّاً ! .. فيا له من إعزاز للثقافة و يا له من إلتزام بالعمل المُنتج و يا لها مِن عزيمة صامدة.

إن إفضل تكريم نستطيع أن نقدّمه لهذه المجلة التى تحدّت "عِتــّـة" الأماكن و شيخوخة الزمن، و للذين كانوا قائمين عليها، هو إستعراض صفحاتها هنا فى هذا المنبر كاملة.

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مجلة (نهضة جمعية الخريجين) 2

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


فى عام 1951 كان رئيس (الجمعية الأدبية) لدار العمال بعطبرة و التى كانت تشرف على إصدار مجلة (نهضة جمعية الخريجين)فى ذاك الوقت، هو: (أنور إبراهيم)، نعلم ذلك من خبر تهنأته بمولودته الجديدة فى صفحة المجلة الثانية. و كان مدير إدارة المجلة: (محمد صالح كرار)، و رئيس تحريرها: (محمود مهدى)، كما هو واضح أعلى الصفحة الثالثة.

غلاف مجلة (نهضة جمعية الخريجين) العدد رقم 127 بتاريخ 18 مارس 1951

صورة

الصفحة الثانية على ظهر الغلاف الأول

صورة

الصفحة الثالثة

صورة

الصفحة الرابعة

صورة

الصفحة الخامسة

صورة

الصفحة السادسة

صورة

الصفحة السابعة و الأخيرة


صورة

فى هذه الصفحة و تحت عنوان (ديوان النهضة
) كتبَ الشاعر (محمّد عَبـِـيدِى بَرْدَوِيل) قصيدة بعنوان (تحيّة للخريجين) كان قد ألقاها فى حفل تكريم خريجى مدارس الصنائع الجُدُدْ (1)، حيث فيها قالا:

أفسحى صدرك كى يحوى الشِـبالا و أفخرى يا دار تيهاً و دلالا
و أحـضنى أبـناءك الغـرّ الآلى نزلوا فـيك خـفـافاً و ثقالا
أنـت لولاهم لما كـنتِ و لا سـطعت شمسك زهـواً و إختيالا
فسقى الله جـبـيـتاً مـعهداً بـيدِ الله مـن المُـزنِ الــزلالا
درجـت تـوقد للـدارِ مـن المـد و المـدود فـيـضاً يتوالا
يا ضـيوف الـدار هـذا اليوم يا سادة الـدار إذا الدهر أطالا
أنـصِـتوا لى لحظة أنـبـئكم عن مواضى الدار يغنى السؤالا
"هـذه اللـمحة أفـضيها لكم فأدرسوها و خُـذوا منها مـثالا"
كان مَـنْ يخرج مـنا سابقاً للحـياة الحُـرّة لا يلـق المـجالا
حـيث يـفدوا فى دياجى لا يُرَ الـنور فى أىٍ من الأفـقِ تتلالا
ذاك قـد صادق صعلوكاً و ذا صـاحب الكأس مع الكأس إبتذالا
فـفـقدنا لذة العـيش مـعاً و تجـرّعنا من الجـهـل المُـذالا (2)
و إخـتلفـنا فى الهـوى و إنقسمت وحدة الأخوة تمزيقاً عُضالا
و ذهـبنا شـيعاً كلٌ يرى حـظه فى مَـنهَـل الفـُسق تـعالى
"هـذه اللـمحة أفـضيها لكم فأدرسوها و خُـذوا منها مـثالا"
ثم لـمّا بلغ الحـال المـدى و سُـقـينا من يد الدهر الـوبالا
بـرزت فكـرتهـا مـن رجـلٍ طـيّبَ الله ثــراه و أحـالا
قـبرك يا عــيـد جـناناً و كـسى جـسداً فيه نعيماً و ظلالا
أنت أنقـذت بنـوك الغـرّ من نكسة التشـريد وَهْـناً و إنحلالا
فوضـعت اللبنةَ الأولى على معقـلٍ فى الأرض قد صال و جالا
"هـذه اللـمحة أفـضيها لكم فأدرسوها و خُـذوا منها مـثالا"
هكـذا قامـت رفـاقى داركـم غـرّة تسـطع فى الكونِ هلالا
مـرتعاً للـهو إن شئت الجمالا مـنبعاً للعلم إن شـئت النـوالا
جـنة الفردوس حُسـناً و بـهاءً روض العِـلم مـقاماً و مـقالا
منبر الآداب إن شئت النـِّـزالا مركز الأعمال إن شئت النضالا
قد حفـظناها من الفوضى و من صـرخات الهَدمِ أعواماً طوالا
و بنـينا فى رُبـاها هـيـئـة ًجمعت أشـتاتـنا و الخـير آلا
هى لـولا وحـدة الـرأى لما صـانها التوفيق و الـرأى مثالا
نحن أســد الدار فابقوا أنتم فى حمى الأســد من الغدر شبالا
و أدخـلوها إخوتى من بعدنا و أجعلوا فى روضها النقص كمالا
"هـذه اللـمحة أفـضيها لكم فأدرسوها و خُـذوا منها مـثالا"
و إذا جـاءكم يوماً فتى يـنـشر الفـوضى و يدعوكم ضـلالا
حكمـوا العـقـل و قـولوا أننا لن نهدم معقلاً يكـسى الجلالا
إن مَنْ يجـرى مع التيار لن يستطع فى الـرأى أن يمكث حالا
فمعـاذ الله أن ألـقـاكم طـوع قـومٍ يـتـمارون إحـتـيالا
بـقـية الدار من الأعضاء أن يلتقوا فى سوحها الزاهـى رجالا
فافسحى صدرك كى يحوى الشِـبالا و أفخرى يا دار تيهاً و دلالا

صورة

غلاف المجلة الأخير، و كُتِبَ بجانب ثمن النسخة: "لا يُـقـدّر بمال"، و فعلاً .. من الجهد المبذول فيها يدوياً و الحب المحاطة به معنوياً، مُضافاً إلي ذلك صمودها عبر الزمن بحفاظها على هيأتها طيلة ستين سنة، فهى بدون شك لا تـقــدّر بـثـمَـن.

ـــــــــ

1) يبدو أن هذه الدفعة كانت من خريجى (مدرسة جبيت الصناعية)، حيث جاء فى هذه القصيدة:

فسقى الله جبيتاً معهداً بيد الله من المُزن الزلالا

و لمّا كنـّا نعلم أن (محمد عَبيدِى بَرْدَوِيل) قضى فترة دراسية فى (جبيت الصناعية) قبل قدومه إلى (عطبرة الصناعية)، و خلالها كان قد ألقى قصيدة فى مناسبةٍ ما يُشيد فيها بالعلم و المعلمين و مدير المدرسة و يغدق عليهم آيات الشكر و العرفان:

أهــلاً بـكـم يا قـصـدنـا و غـاية المنا ــــــ بـقـدومــكــم حــقـقـتمـوا الــمنا
يــا سـادتـى طـابـت بـكـم أيــامـنا ــــــ نـَيـرتـموا بعــلـومـكم لـظـلامــنا
بـكـم العــلا و بـكـم تـزول هــمومنا ـــــ حـقـقـتـموا يـا سـادتـى أحــلامــنـا
..........................
فالتـحـيـا بـاقٍ يـا ســعادةِ مـديـرنـا ــــــ بـالعـلم بـين الـنـاس تـرفـع ذكـــرنا


نستطيع أن نتصوّر أثر ذلك على شاعر القصيدة و ما إنتابته من أحاسيس أثناء إلقائهِ للقصيدة مُرحباً بخريجى مدرسته السابقة (جبيت الصناعية) حيث جاءها فتىً طموحاً يافعاً من أقصى الشمال، و ما لذلك من علاقة بدوره كـ"سيـنـيَر" فى تلك اللحظة مرّ عبر تجارب متنوّعة و هو يُفضى عليهم لمحات من تاريخ دار خريجى الصنائع بـ(عطبرة) آملاً أن يتـّخذوا منها مثالا.

2) كُتِبت هذه الكلمة الملوّنة بالإزرق فى المجلة بالـ"ذ"، و الأرجح أنها بالـ"ز": (مُـزالا).

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت يونيو 05, 2010 10:41 am، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

بعض الأمور لا تتغير ابداً !

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


تنويه
:

لم أنتبه إلى ما سُجّل فى الصفحة الثالثة بأن (نهضة جمعية الخريجين) هى "صحيفة ثقافية إسبوعية"، عندما إعتبرتها مُجلة، فتصميمها و إخراجها يُصرّحان بأنها مُجلة، و لكن يبدو أن لا فرق عند الإصدارات العربية القديمة بين تسمية "صحيفة" و "مُجلة"، و ذلك إذا علمنا أن تلك الإصدارات كانت تعرّف عن نفسها بكلاهما و ذلك كما يبدو من النموذجين التاليين:

غلاف (الوسيلة) "مجلة إسبوعية جامعة" و غلاف (الصباح)

صورة صورة

و كُتب فى الصفحة الداخلية لـ(الصباح): "صحيفة مصرية سياسية إسبوعية جامعة"

صورة

ــــــــــ

إنجذابى و شعورى بالإلفة تجاه هذه المجلة الجميلة يدفعنى للتساؤل ما إذا كان لـ(محمّد عَبـِـيدِى بَرْدَويل) دور فى تصميمها و إخراجها ؟ .. و لمّا كان من شبه المستحيل الجزم بالإيجاب أو النفى، إلاّ أن الترجيح يكون وارد بعثورى على ما يبدو أنه تخطيط غير مُكتمل لغلاف هذه المُجلة:

صورة

فإذا كان هذا الإستنتاج صحيح .. فإن عثورى فى المقابل على أحد أعداد المجلة التى كنا نصدرها خلال المرحلة الجامعية و كنت أقوم بتصميمها، يجعلنى أُردّد فى نفسى كما حدث عند عثورى على مُخطط الغلاف غير المُكتمل أعلاه:

صورة صورة

[marq=right]بعض الأمور لا تتغير أبداً ![/marq]
[marq=left]Some things NEVER Change[/marq]


ــــــ
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مجلة (نهضة جمعية الخريجين) 3

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



المُخطط أدناه:

صورة

الذى كُتِبَ أسفله: "مجلة ثقافية تصدر يوم الأحد من كل إسبوع"، نبّهنى إلى ما فات علىّ ملاحظته على غلاف الإصدارة أعلاه أنها كانت تحمل الصفتين معاً: "مُجلة و صحيفة" و فى نفس العدد، و هو ما يؤكد عدم وجود فرق بين الصفتين لدى "القدماء". مع ملاحظة أن فى أعلى هذا المخطط، مكان المساحة المخصصة لإسم المجلّة، تم كتابة إسمها بقلم الرّصاص و لكن هناك آثار مسح بالمحاية و هى آثار لا تظهر فى الصورة.

كل ذلك أثبت لى، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن نسخة المُخطط الملوّن أعلاه هو كما ذهبتُ إليهِ تصميم غير مُكتمل لغلاف مجلة أو صحيفة (نهضة جمعية الخريجين
)، بل المرجّح أنه مُسوَدة تصميم غلاف العدد 128، لأن هناك بضعة مواضيع للنشر فى المجلة منها قصيدة بقلم: (سِر الختم مختار) مؤرّخة فى 17/ 3/ 1951 عنوانها: (للنهضةِ الغرّاء) تـُشيدُ بالمجلة و تحتفى بعودة صدورها، كُتِبَ أعلاها: "نـُشر بعدد 128":

صورة

للنهضةِ الغرّاء
(1)

إبـشرى هـذى سُعــوُدٌ *** بإبـتسـاماتٍ تعـودُ
أسـفرت بعد حــجـاب *** إذ ْ لهــا مِنـَّا عهودُ
"نـهـضة ٌ" مـيــمونة ٌ *** للنـُــهى "عقد فريدُ"
ـــ
منـك يا دهـرُ جــديدٌ *** هـكذا طيبٌ و جـودُ !!
سَـخِرتْ مـنكَ الليـالى *** و هى فى الآفاق سـودُ
هـفـوَة الأيـام وَعــدٌ *** لك فـيها و وعــيدُ !
أيّـها النـازح مـهـلاً *** إن للـخـيرِ جــنـودُ
إن للبـِـشْـرِ كمـــا *** للـــرّزِيــّات وُرُودُ
شـاعرٌ شـادٍ بلــحنٍ *** للـمـلـذاتِ يـقــودُ
شنـّـفَ الأسماع حـتى *** سَـكـَرَاً هـام الـوجودُ
ـــ
لك يـا "نهضـة" نفـسى *** لبـدايـاتى تـعـــودُ
لك بحر زاخـر الأعماق *** لــمّـاعٌ فـــريــدُ
لك دُرٌّ كلـما غـُصـتُ *** نـفـيـسٌ و نـضــيدُ
ـــ
هـاكِ حيّـينا نـشـيداً *** فـكـفى مِـنكِ الجمودُ
ثم كـونى لى صفـوحاً *** إنْ نَـعَى حــظى مُعيدُ
إنَّ شـيطانى غــيور *** ضيـغم ضـارٍ عـنـيدُ
و كفى الماضـى أذكاراً *** أنَّ لـى فـيه مــفـيدُ
لاحَ برقــُكِ وضـّاءاً *** تـصـاحبه الــرّعـودُ
هــل لنـا غيث قريباً *** ولِـعَ الـرِيَم النـجود !؟
هبط الصَـدّاحُ رَفـْرافاً *** بـقـيـثار يـجـــودُ

سرالختم مختار
17/ 3/ 1951

و لكن كل ذلك أيضاً لا يُقدّم إجابة قاطعة بأن (محمّد عَبـِيدِى بَرْدَويل) له دور فى تصميم و إخراج مجلة (نهضة جمعية الخريجين).
ــــــ

1) الكلمات المشكوك فى صحّـتها مكتوبة باللون الأزرق فى القصيدة.

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

شعار مجلة (نهضة جمعية الخريجين)

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »




صورة



ملحوظة:

سأعود لقصيدة الشاعر (محمّـد عَبـِـيدِى بَرْدَويـل): (تحيّة للخريجين) لمحاولة معرفة مَنْ هو (عِـيْـد) الذى ينعيهِ فى القصيدة و يعتبره أباً روحياً لهم أنقذهم من مخاطر التشريد و الإنحلال و ضلال الشباب، فوضع بذلك اللبنةَ الأولى التى تمخض عن مجهودها داراً ثم هيئة و كياناً للعمال. و محاولة معرفة ظروف الضياع هذه تحديداً، و فيم كان الخلاف بين شباب خرّيجي الصنائع الرّفاق الذى أدى لإختلافهم فى الهوى و إنقسام و تمزّق وحدة أخوتهم تمزيقاً عُضالا، فذهبوا شيعاً كلٌ يرى حظه فى منهلِ الفـُسقِ تعالى.


ـــــــ


شعار مجلة (نهضة جمعية الخريجين)

على الغلاف و أقصى يمين عنوان المجلة يوجد هذا الشعار:

صورة

و قبل الحديث عنه، أود القول أن هذا الشعار قد لا يكون شعاراً ثابتاً للمجلة بما أننا لا نملك أعداد مُتسلسلة منها يتكرّر نفس الشعار علي صفحات أغلفتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك إحتمال – بالنظر إلى مُخطط ما إعتبرناه تصميم غير مُكتمل لغلاف العدد 128، واضعين فى الإعتبار إختلاف شكله عن تصميم غلاف العدد 127 - أن أغلفة أعداد المجلة لم تكن تخرج بصورة مُـتشابهة، و قد يكون تصميمها كان يقوم به عدد من الأفراد كلٌ منهم ينفذ تصميم العدد الموكل إليه بشكلٍ مُختلف. أو حتى لو كان مُصمّم المجلة شخصاً واحداً هناك إحتمال تمتـّعه بحرية تصميم أغلفتها كما يشاء بما أنها تـُصنع يدوياً.

على كلٍ، فى الشعار أعلاه يرمز العمال الخريجين أصحاب المجلة إلى مهنتهم كعمال ليس كما هو مُتعارف عليه بـ"المِطرقة" ذات الضربات القوية الطائشة و المدمّرة و التى ترمز إلى أداة السُّخرة و عمل العمال الشاق، و إنما بـ"الشاكوش" الأنيق الذى يرمز إلى أداة يحتاجها تنفيذ العمل الدقيق المُتقن. دِقـّة و إتقان عمل "الشاكوش" هنا تعزّزهُ أداة "الزاوية الهندسية" المتقاطعة معه فى رسم الشعار، أسفلهما معاً أداة أخرى تـُكمل الدائرة الثلاثية لهذه الأدوات الثلاثة و هى "الكمّاشة"، و هناك سهم صغير يُشير إليها من إتجاه "الشاكوش"، قد يكون هذا السهم للتأكيد على علاقة الأداتين "الكمّاشة" و "الشاكوش" الأولى تنزع المُسمار و الثانية تقوم بتثبيته. و الثلاثة أدوات معاً: "الشاكوش" و "الزاوية الهندسية" و "الكمّاشة" هى رمز لأدوات البناء و التعمير.

و فى إعتقادى، من هذا الفهم البسيط لهذا الشعار، أن هؤلاء العمال الخريجين، الذين كان لهم دور مُميّز فى تأسيس كيان للعمال السودانيين، و الذين صبروا على إخراج هذه المجلّة يدوياً، كانوا يرون أنفسهم عمّالاً مُميّزين ... إنهم - من واقع هذا الفهم للشعار – كانوا يرون أنفسهم: عمّالاً "بنـّـائين"! .....

... و لكن لعدم توفــّـر مزيد من البراهين تـُعضّد من مذهبى هذا فلن أُخاطر أكثر لتأكيد وجهة نظرى هذه.

و ما يُرجح رؤيتهم لأنفسهم كعمال مُميّزين - بجانب المهارة و الدِّقة التى ترمز لها أدوات البناء الثلاثة تلك – هو تسلّحهم كعمال مَهَرَة بالعلم و الزّوْد عن قناعاتهم هذه بالكتابة، و ذلك ما يرمز له الطرف الآخر من الشعار الموجود أقصى يسار إسم المجلة:

صورة

الكُـتب: ترمز للعلم، و المَحْـبَرة و الرّيشة: يرمزان للكتابة .. الكتابة على الورقة المُلتفـّـة التى تحمل كل هذه الرموز و التى سُجِّـل عليها إسم مُجلّة ( نهضة جمعية الخريجين
).


ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

على شرف كأس العالم

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



على شرف كـأس الـعـالـم

صورة

مِـن وَحْـى الـكأس

كـفـى بى تـيــــهاً أن أرى الكأس فى دارى *** و حسـبى فخراً وضعها بين أخيارى
تحمّـلت فى أسبابها الجـهد و الأذى *** و أصبحت مـذهولاً بلبى و أفكارى
و قد نـذرت إلى مولاى من شغـفى *** لو جـاء أبطالنا بالكأسِ فى الــدارِ
أن أملأ الكون نـــوراً يُستضاءُ به *** و أقرض الدهر من نظمى و أشعارى
و عَوْنى اليوم فى سُكرى و فى طربى *** أشـدو القريض وحيداً بين أوكـارى
و ناولـونى كأسى فهى مصدر وحي *** الشعـر منى و إلهامى و أســرارى

****

مـاذا وراءِكِ يا كأس الهـناء و يـا *** مَـنْ قد وضِـعتِ على باقاتِ أزهـارِ
أتـُـنـذرينا بـعـامٍ كلـهُ عـمـل *** أم تـُعلِـنـينَ بأنـباءٍ و أخـــبارِ
أم قد تـُعيـدينَ مـجداً ظلَّ مرتـقباً *** لتـنـقـلى الــدارَ من طورٍ لأطوارِ
إنـى تمـنـيّت أن أحـظى بـفوزكم *** و اللهُ حـقـقَ آرابـى و أوطــارى

****

ألـم تروا الفـنَّ فى أعـلى مظاهره *** يـوم الصــراع و إن لاذوا بإنـكارِ
قـد أزعـموا أن تاجاً كان ناصـرنا *** و تـاجٌ منـّا تـرَبى فى حمى الـدارِ
لمّـا رأيت إبن نـور الدين مُـرتمياً *** بـضربةٍ من سهام الغاصب الـذارى
إنـتاب قلـبى حـزنٌ مـن توجّـعهِ *** و الفـوزُ كان شـفاءً من لـدى البارى
إن الـرياضةَ خـلق مَـنْ تمسّــك *** بالأخـلاقِ فاز من الـدنيا بأنــصارِ
عَـجبتُ من طلعةِ عـبد الله كيف بدا *** مُـحاوراً صوبَ حصن الفاتك الضـّارِ
حـتى تمكن من تسجـيلها عــجباً *** إن الإصـــابةَ جـاءت من دون إنذارِ
كذاك ياسـين فى أقصى الدفاع غدا *** يُـردّد "الشــوتَ" طـلقاتٍ من النـارِ
لا تـنسى نـسراً حكت وثباته رصداً *** مـن الشـهابِ تصدى داخِلِى الغــارِ
فـلا الهِـجوم تـخلّى عن تـفنـّنه *** و لا الـدفـاع تراخى عُـشر مِـعشارِ

****

يا كبتن الدار قـُم و إنهض بـفرقتنا *** و أرقص على الكأس بالمزمارِ و الطارِ
فاليـومُ عيدٌ و هل عيدٌ سـواهُ إذن *** هـلل و كبّر و لا تـخشى مـن العـارِ (1)
إن لـم يكن فوزنا عرسٌ و جلجـلةٌ *** ما كان فـى عـيدنا معنى بـمِـقـدارِ
نصـرٌ مـن الله و الأيـام شـاهدة *** إليـك يا ربـى إجـلالـى و إكـبارى

"محمّد عَبـِـيدِى بَرْدَويـل"
سكرتير دار الخريجين بعطبرة

صورة
ـــــ

وثـيـقة القـصـيدة

صورة

صورة

ـــ

1) تـُـرى هل (عِـيد) هذا تورية لـ(عـيد) ذاك الأب الروحى أعلاه الذى وضع اللبنة الأولى "على معقلٍ فى الأرض قد صالَ و جالا" ؟

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الأربعاء مارس 02, 2016 6:04 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

الرّياضة خُلُق مَنْ تمسّك بالأخلاقِ

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


واضح أن هذه القصيدة نـُظمت بمناسبة فوز فريق دار العمال بعطبرة بكأس منافسةٍ ما. و لابد أنها أُلقِـيَت بحضور أعضاء فريق الدار و حضور الكأس موضوعة ًعلى خشبة المسرح أو على طاولةٍ بين الخشبةِ و الجمهور متوسطة ً باقاتٍ من الأزهار:

[marq=right]ماذا وراءكِ يا كأس الهناء و يا *** مَنْ قد وُضِعتِ على باقاتِ أزهارِ[/marq]



و مِن ما ذكره (محمد عبد الخالق بكرى) فى "بوست": (كـُـرَة الـقــدَم)، نعلم أن هذا الفريق كان يحمل إسم: (الـــــدَّار).

لقد كان الوالد يعشق كرة القدم و يهتم بمتابعة مباريات كأس العالم و كم كان سيكون سعيداً لإنعقاد هذه الدورة فى بلاد (مانديلا العنيد)، و كم كان سيَسْـعَـد لفرحهِ:

صورة

بل كان يعشق الرياضة فى عمومها التى مارس ضروباً منها فى صباه و شبابه – سأعود لتحديد موقعه فى صورة مجموعة "الجُمباز" بمدرسة الصنائع عطبرة - و لازلت أذكر يوم أيقظنى حوالى الثالثة صباحاً لأشاهد معه مباراة (محمّد على كلاى) المنقولة على الهواء مباشرةً بواسطة الأقمار الصناعية، قد يكون ذلك لأول مرّة فى تاريخ تلفزيون (أمدرمان). و فى كرة القدم كان يُشجّع نادى (المريخ)، و أستطيع الآن أن أستنتج لماذا كان "مريخابياً" من ما ورد عند (محمد عبد الخالق بكرى) فى "البوست" أعلاه:

{ في سنة 1938 فكر النوبيون من منطقة وادى حلفا في تأسيس فريق لكنهم اختلفوا في الاسم : واحدين قالو نسمي الفريق نادى الاتحاد النوبي ، التانيين قالوا لا ، نسميهو نادى الشعب الشمالي ، في النهاية اتفقوا على حسم الخلاف بمبارة ضد الجناحين والجناح الذى يستطيع ان يستقطب تشجيع النوبيين يسمى النادى عليهو . اها ، فازوا ناس نادى الشعب الشمالى . التانيين حردوا وتمسكوا بفريقهم حتى سنة 1942 لكن رجعوا بعد داك لاهلهم . الظاهر مع تطور الحركة الوطنية شافوا الاسم تقيل وغيروهو سنة 1951 ليصير اسمه فريق المريخ على المريخ العاصمى . } ... لابد أن أن ميول (محمّـد عَبـِـيدِى بَرْدَويل) لنادى (المريخ العاصمى) تقف وراءه هذه الخلفية، خلفية الإنتماء الإثنى، المُـتمثل فى إختيار أبناء منطقته النوبة بمدينة (عطبرة) لهذا الإسم حين كان وقتها سكرتيراً لدار عمّال السكة حديد بعطبرة.

و كان يُكايد و يناكف شقيقى الأكبر (زهير) "الهلالابى" عند فوز (المريخ) على (الهلال)، و عندما يبدأ (زهير) بالبكاء و يحْرَدْ العشاء، يُغيـّر الوالد نبرة المُكايدة: "هاردلك ياخى أنا بضحك معاك .. خلى روحك رياضية"، إلى أن يسترضيه ليشاركنا وجبة العشاء. كان الوالد يتمتـّع بروح رياضية عالية و لا يأخذ قضية الفوز و الهزيمة بتلك الحدّة، و كنت أشعر أنه كان يستعجب لتعصّـب إبنه هذا و يتساءل مِن أين أتى به يا ترى ؟ و قد كان يرمى من وراء مكايداته تلك تليـين عصبيـّة إبنه التى لا تليق بالروح الرياضية التى يعرفها، و قد نجح فى نهاية الأمر، حيث أصبح (زهير) يناكف فى أحداث المباراة ثم يضرَب العشاء ضرب غرائب الإبلِ و (الهلال) مهزوم.

و لكن فعلاً، كما كان يستعجب (محمّـد عَـبـِـيدِى بَرْدَويل)، مِن أين يا ترى أتى إبنهِ (زهير) بعصبيّـته هذه و هو من صُـلب أبٍ تمتـّعَ بروحٍ رياضيةٍ عالية، بل كان يعتبر الرياضة: "خـُلـُـقُ مَـنْ تمسّـكَ بالأخلاقِ" ؟!

ـــــ
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


كانت هناك مجموعة صور إعتبرتها غير مهمّة فوضعتها فى مكان لم أتمكن من تذكره حتى الآن، وشعرت بخيبة كبيرة بعدها حين إكتشفت لاحقاً أنها الوثائق الوحيدة التى تستطيع أن تساعد فى الإجابة على السؤال الذى إنتهت به الرسالة الأخيرة:

{و لكن فعلاً، كما كان يستعجب (محمّـد عَـبـِـيدِى بَرْدَويل)، مِن أين يا ترى أتى إبنهِ (زهير) بعصبيّـته هذه و هو من صُـلب أبٍ تمتـّـعَ بروحٍ رياضيةٍ عالية، بل كان يعتبر الرياضة: "خـُلـُـقُ مَـنْ تمسّـكَ بالأخلاقِ" ؟!}

ولحين العثور على تلك الصور نرجىء محاولة الإجابة على السؤال أعلاه ونواصل فى موضوع آخر شجّعنى عليه حضور أحد الإصدقاء من الخارج فى عطلته السنوية يقضيها بيننا فى السودان. فقد ذكرت فى الصفحة رقم إتنين من هذا "البوست" وعن الوثيقة رقم [6] ـ (توقيعات قسم النجـّـارين):

صورة

بأنه: {.. حين لاحظت فى هذه القائمة إسمين هما: إسماعيل على دينار رقم (17)، وهارون على دينار رقم (40)، تذكرت عندها أن الوالد كان له صديق عزيز ينتمى لـ"الديناريين".} (والإسمين معلّمين بالخطوط الحمراء فى الوثيقة). ثم دارت الأيام وشاءت أن أتعرف على مَنْ أصبح صديقاً عزيزاً لى .. وعرِفنا معاً لاحقاً أن صديق الوالد المعنى أعلاه هو أحد أقربائه. وقد كان أن ذكرت لى إحدى شقيقاتى أنها وهى فى طريقها للإقامة فى إحدى دول الخليج .. قال لها الوالد أن لديه صديق يعمل هناك إسمه كذا، وأصبحت الآن لاتذكر من الإسم غير "دينار"، وإتضح لاحقاً أن هذا الصديق هو الذى عنيناهُ فى الوثيقة رقم [6]. وقد تأكد ذلك عبر وثيقة أخرى - بتاريخ 27/11/ 1969 - نبذلها هنا على شرف زيارة صديقنا قريب صديق الوالد، وكسانحة نُحيِىْ فيها ذكرى روّاد العمل النقابى من جيل الإستقلال الذين كانوا يحلمون بسودان موحّد ديمقراطى .. مُعافى من العصبيّة والعنصرية والجهوية والحروب الإقليمية، وتحيّةً لهم من جيل مابعد الإستقلال؛ نحن الذين نشهد تبخّر حُلمهم ذاك بكثير من مشاعر الأسى والحَزَنْ .. ونقف مكتوفى الأيدى شُهداء على تمزّق وإحتضار ذاك الوطن:


صورة

صورة


[marq=right]فسيروا معاً يا قومى لاتتفرّقوا **** إذا إنقطع المأمولُ ما إنقطع الوصلُ[/marq]
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


معذرة .. الوثيقة الأخيرة (أو كرت المُعايدة أعلاه)، هى بتاريخ 27/11/1969 وليس 1989، وهو ما لايمكن أن يكون بما أن الوالد رحل فى 1984. تم تصحيح التاريخ فى موضعه.

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

أرفع الصوتَ للكفاح

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


فى الصفحة الثالثة من هذا البوست، وفى الهامش رقم خمسة من الرّسالة المعنونة (الأسباب الموضوعية)، كتبت: { قصيدة (محمّـد عَبـِيدِى بَرْدَويل) التى سنعرضها لاحقاً و المُعَـنـْـوَنة: (إهداء للزميل هاشم العبد بمناسبة إهدائه القصيدة للشفيعقد تعكس لنا تبرّمه مِن و لومه لِمَنْ إستبدل إنتماءه النقابى العمالى بالإنتماء الحزبى السياسى...}. وقد إتضح لى أن إستنتاجى هذا حول مرامى هذه القصيدة لم يكن صحيحاً بعد أن توصّلت إلى أن من أسميته بـ(هاشم العبد)؛ لأنه مكتوب فى القصيدة الوثيقة بخط اليد بهذه الصورة:

صورة

ما هو إلاّ النقابى المعروف (هاشم السّعيد). وقد أكّدَ لى ذلك (صديق الزيلعى) فى زيارته قبل أشهر للسودان حين أريته القصيدة أستفسره عن هذا الشخص المجهول بالنسبةِ لى والمهداة له القصيدة حتى يمكن لى الكشف عن ما وراءها. وكان المؤمّل أن نذهب معاً لزيارته فى منزله لأعرض عليه القصيدة المهداة له ولأسمع منه كل ما يتعلّق بها، ولكن لم يُقيّض لنا ذلك فى هذا الوطن الذى مازال يُعشعشُ فيه طائر الشؤم، وباءت كل محاولاتنا للقائه بالفشل مصحوباً بما يكتظ به هذا البلد من عوارض ولؤم. ورغم أن النقابى (هاشم السّعيد) – متّعه الله بالصحة والعافية – كما علمت من الزيلعى؛ لم تعد ذاكرته كما كانت تسمح بالتداعى والإستطراد، إلاّ أننى كنت على يقين وأنا أتصوّر لقائى به .. فقد كنت نويت حين أجلس بجانبه ودون أن أستفسره عن القصيدة بأسلوب الصاحفيين الرّسمى الرتيب، أن أقرأ عليه دون سابق إنذار أبيات القصيدة المُهداة له من الشاعر (محمد عَبِـيدى بَرْدَويل)، وقد ظللت أتخيّل رَدَّة فعلهِ فى ذاك اللقاء بمجرّد أن أتلو عليه مطلع القصيدة - وكان هذا ما سيُساعد كثيراً فى فهم أبعاد معانيها عنده - ذلك إن كان أثر تلك المعانى بذاك العمق لديه؛ فإنه مهما أصاب ذاكرته من وَهَنْ .. ومهما مرّت على تلك القصيدة الهديّة السنون وطال عليها الزّمن، لأتته صحوة فجائية ولبرقت عيناه وعاد بكامل ذاكرته يحكى لنا عن تاريخ وملابسات القصيدة الهديّة. هذا ما تؤكّده لنا طبيعة الإنسان، فحتى لو كان فى غيبوبة؛ فإن ما يُعيده إلى الحياة هو الذكريات والأصوات التى يُفضّلها ويألفها وهى إليه قريبة ومحبوبة.
إن معرفة شخصية النقابى المُهداه له قصيدة عبيدى وحدها كشفت لنا عن سِر القصيدة، فالنقابى (هاشم السعيد) من أسرة أنصارية معروفة وكان مُنتمياً لحزب الأمة، ولكنه فى مرحلةٍ ما إنضم للحزب الشيوعى وقد كان هذا حدثٌ مُجَلجِل، ويبدو أنه بمناسبة إنضمامه هذا كان قد أهدى قصيدة لـ(الشفيع أحمد الشيخ) – ولقاءنا بهاشم السّعيد كان سيكشف لنا عن قصيدته هذه لتكتمل عندنا الصورة – فقام (محمد عَبِـيدى بَرْدَويل) بمناسبة إهدائه قصيدة للشفيع بإهدائه هو الآخر قصيدة .. فماذا قال:

إرفع الصوتَ للكفاح

قلت ما الصوت يا صديقى أجبنى **** قال شهمٌ يُذكى القِوى ويواســــى
هاشـــم للجهاد يقـرَعُ طبـــــــــلاً **** ثم يدعـــو لـيؤتَ بالأجـــــــراسِ
قـلــت حـقاً كان الهُـتاف عـنـيـفـاً **** فاستصاغت له جميع حواســــــى
قـال فاعـجب لـمازج المـــــاء با **** النارِ وصوت النحيب بالأعــراسِ
قـلـت لاغـرو فهـوَ رب القــوافى **** مُحــكم القـولِ ثابت الأســـــــاسِ
إسـتعـاذ الشـــيطان منه وخــلّــى **** للأنـــاسِ رتـبـة الوســـــــــواسِ

ـــــــــــــــــــ

(يا أخى يا أخا) الزمالةِ والشـعرِ **** والنُـبلِ والـهَــوى والـــمآســـــى
هــاك قـــــولاً ممّن نوّته قــديـماً **** قوله الحق من صديقٍ مواســـــى
فى زمــانٍ ظلَّ الصـراحةُ جُرماً **** لن تجـد مُستـسيغها فى الــــــناسِ

ـــــــــــــــــــ

قد يهــونَ الممات للرجلِ الحُــرِّ **** من العيشِ فى دُجى الأرمــــــاسِ
والنضال الشــريف لاشك يـبـغى **** مستـقـرّاً من المبادىء راســـــــى
أيـنـما تُهـتَ فى البـحارِ شـــريداً **** سوف ترسو يوماً بإحدى المراسى
فـأرفـع الصــوتَ للكـفـاحِ وحدّدْ **** هــــــدفاً ثابـتـاً ثـبات الرّواســــى

(محمد عبيدى)
عطبرة

صورة

وثيقة القصيدة الهديّة، وقد كُتبَ تحت عنوانها:
(مُهداة للزميل هاشم السّعيد بمناسبة إهدائه القصيدة للزميل الشفيع)

صورة


آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الخميس سبتمبر 27, 2012 6:30 pm، تم التعديل 4 مرات في المجمل.
أضف رد جديد