ماذا نفعل مع المسلمين؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

ياوليد والله شايفك اليومين دى بقيت من الأمس يعنى لى قدام حاتقدم (حقيبة سودان فور اول) :) ...ماتنسى أهم بوست أوباما قو هوم ....الشعوب الأن هى التى تصنع مصيرها بينما السيد أوباما فى أدارته العليا أكثر حيرة من جنرالات العالم العربى فتش لينا ناس اوباما ديل مشوا وين
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

حاتم ألياس / سلامات


والله فكرة جيدة،مسألة تقديم برنامج ( حقيبة سودان فور أوول) دي، حتي لا يضيع الأمس منا وسط زحمة النشر الأنترنتي وسرعته الفَللي، الما بتتلحق وتنطوي في القلب حسرة علي الفايتنا وماقادرين نفوتوا :).

بفتش ليك الموضوع تبع أوباما لو لقيت فيه كجة.

مودتي

وليد
السايقه واصله
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ديموقراطية المسلمين بلا بلا بلا ؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام للجميع
قرأت في موضع أن أوباما قال أن نهاية القذافي يجب ان تعتبر كتحذير للمسؤولين في بلدان الشرق الأوسط الذين لا يقبلون التحوّل الديموقراطي بلا بلا بلا .
البارحة سمعت ساركوزي يقول " يجب ان لا نفرح لموت إنسان [ نفس الـ " إنسان" الذي كان في ضيافته الأليزيوية قبل اشهر ] و أن الشعب الليبي يجب ان يطوي صفحة الخلاف و يفتح صفحة جديدة للديموقراطية بلا بلا بلا ، ثم سمعنا رئيس المجلس الإنتقالي مصطفى عبد الجليل يعلن إلتزام السلطة الليبية بالشريعة الإسلامية بلا بلا بلا.
ثم جاءت الإنتخابات التونسية ـ و تونس في عرف الإعلام الفرنسي المحافظ جزء من المشهد الفرنسي ـ و توقع المتوقعون أن تونس "قلعة العلمانية " المنيعة لا بد وأن تختار دعم قوى العلمانية و الإستنارة و أن الإسلاميين قوة هامشية يجب على العلمانيين إحتمالها كشر لا بد منه بلا بلا بلا .
لكن التوانسة صوتوا بأغلبية ساحقة لإسلاميي حزب النهضة.و منذ نتيجة الإنتخابات و أهل" التونسلوجيا" الفرنسية واجمون كأن على رؤوسهم الطير. غايتو الله يستر ما يرسّلوا ليهم قوات حلف الأطلسي عشان يقعّدوهم بالقوة على مقعد الديموقراطية و العلمانية و الإستنارة بلا بلا بلا..
سأعود
إيمان أحمد
مشاركات: 774
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:27 pm

مشاركة بواسطة إيمان أحمد »

من يوم ما شفت فيديو قتل القذافي وانا بتساءل:
هل لأي ديمقراطية أن تبدأ بمشهد قتل واغتصاب زي ده؟ (وانا لسه ما شفت فيديو اغتصاب القذافي، ولكن كلموني بيه. وحامشي اشوفه).
وبي هنا دول "العالم الأول" خلاص بدت في تقسيم الكعكة الليبية. أمبارح واحد من وزراء كندا قال هم جاهزين ل"مساعدة" ليبيا في حاجتين

أولا: "التنمية". قال في شركات كندية كتيرة ممكن "تساعد" ليبيا في عملية التنمية، وبعدين جاب المفيد. قال "وطبعا دي فرصة جيدة لإقتصادنا". خلي بالك الأساس هو "مساعدة" ليبيا المسكينة! ويا بترول ليبيا جاك زول.

ثانيا: التحول الديمقراطي.
وأنا هنا أتساءل: ديمقراطية من؟

والله أكبر ولله الحمد
إيمان
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

زمن محمود

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا إيمان
شايفة أنحنا ما زلنا وحلانين في طين الديموقراطية الأوروأمريكية.
غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة و يولي الأصلح!








زمن محمود

في المقابلة التلفزيونية التي أجراها الأستاذ الطاهر حسن التوم مع الصديق النور حمد، سأل الطاهر النور عن رأيه في ما يقال عن " عودة " الأستاذ . قال النور " أعتقد أن أفكاره ستنتظر الناس في الطريق"، في معنى أن أفكار الأستاذ كانت سابقة لعصره و أن الناس سيقابلونها في مسارات المستقبل.
ردتني اجابة النور لمناقشة قديمة حول مضمون النسخة السودانية من الحداثة حسب منظور الأستاذ محمود.و أعني تلك المناقشة حول موقف الأستاذ من قضية ختان الفتيات و ما كان من أمر المنازعة التي أدت به في سجون السلطات الإستعمارية و ألصقت بحركته نوعا من سوء الفهم العفوي و الطوعي ما يزال الجمهوريون المنخرطون في العمل العام يكابدون عواقبه السياسية .
في مطلع خيطي عن " جيوبوليتيك الجسد " بضعة تفاكير، لي و لغيري، غرضها فلفلة جوانب هذه القضية البالغة التركيب. لكني أنوّه بهذه المنازعة، القديمة/" الحديثة" ، من واقع كونها تضيئ كلام النور حمد عن أفكار الأستاذ محمود التي "تنتظر السودانيين" في الطريق. و في زعمي المتواضع أن فكرة محمود عن الحداثة تمثل اليوم أمامنا كما اليراعة المضيئة في ظلام الحيرة العويصة التي غمرتنا بها تناقضات المنازعة الطبقية المصرية اليوم.
قاد محمود " ثورة " أهالي رفاعة ضد السلطات الإستعمارية التي اعتقلت ذوي المختونة ، بحجة تواطؤهم على تشويه طفلتهم بذريعة عادة بربرية بغيضة أضرارها الصحية البدنية و النفسية لا تعد.كانت حجة محمود أن تغيير موقف الأهالي من ختان الفتيات لا يحدث بنص القانون و إنما بتوعية الناس الذين كانوا يرون ختان الفتيات أمرا محمودا، حتى ينهضوا على التغيير من تلقاء ذواتهم.
بدا لي أن موقف الإدارة الإستعمارية الذي يرفع شعار التغيير بحد القانون ، و موقف محمود الذي يرفع شعار التغيير بتوعية الناس و بتنمية مجتمعهم ، كمواجهة بين خيارين حداثيين. الخيار الأول، و الذي أسميه خيار " حداثة رأس المال الإستعماري " يسعى لفرض التغيير بقوة السلطة المسلحة المهيمنة على مصائر الناس من واقع هيمنتها على الدولة.و التي تنوي " تحديثهم " سواء قبلوا أم أبوا. والإستعماريون ، كما يزعمون ، وفدوا إلى بلادنا بحجة " تحديثنا ". و هذه "حقيقة" ، لو وافقناهم على معنى "التحديث" حسب مفهومهم للعالم. ذلك أن "التحديث" في مفهوم المستعمرين إنما يعني إلحاق و دمج المجتمعات موضوع الهيمنة بإقتصاد رأس المال و نهب مواردهم و مسخ أهاليها لمجرد سوق لمنتجات الدول الصناعية و تأمين قهرهم ماديا و معنويا حتى يقبلوا بواقع الهيمنة .
أما الخيار الثاني، و الذي أسميه خيار " حداثة الغـُبـُش "، فهو مبدئيا يتجلى في كل موقف محلي معارض لحداثة رأس المال، و هو في هذه الحالة المحددة، حالة " ثورة " أهل رفاعة، يتبدّى في موقف محمود الذي ينتظر التغيير على أرضية الوعي الشعبي و التنمية الإجتماعية. هذا الخيار هو موقف حداثي أصيل، و إن صدر من الأهالي الأميين، لأنه موقف يعتمد على مراعاة حق الناس في تملك مصائرهم بحرية ، و إن أدت بهم تلك الحرية في متاهة الدفاع عن ما يسمى بـ " العادات الضارة". و خيار" حداثة الغبش" المعارض لحداثة رأس المال خطير لأنه ، من جهة ، يطعن في المشروعية الأخلاقية لفعل الهيمنة الإستعمارية الذي جعل أوروبا الإستعمارية تشيح بوجهها بعيدا عن مبادئ التنوير و الديموقراطية و الحرية و حقوق الإنسان. بينما هو، من الجهة الثانية، يؤهل الأهالي المقهورين المعارضين لسياسات الهيمنة ، يؤهلهم لمقام الوريث الشرعي لحركة التنوير الإنساني التي بدأت في أوروبا القرن السابع عشر. و في هذا الأفق يستقيم عندي موقف محمود محمد طه كتجسيد حي للتعبير السوداني لأخلاقيات الحداثة الإنسانية.
هذا الموقف يخرج من ثنايا التاريخ الإستعماري ليذكرنا بأن التناقض القديم بين حداثة رأس المال و حداثة الأهالي الغبش مازال حيا. و أنا أقول قولي هذا و في خاطري المنازعة التي انطلقت في منبرنا ـ و في غيره ـ بين نفر من المراقبين لتطورات الوضع السياسي المصري منذ أن قام الجيش المصري بإنقلابه على سلطة الرئيس المصري المنتخب ديموقراطيا محمد مرسي . و حين يهجم العسكر المصريون على الديموقراطية المصرية الوليدة ، فحركتهم يمكن أن تتفسر بحرصهم الغريزي على صيانة إمتيازاتهم الإقتصادية و الإجتماعية، بحكم أن المؤسسة العسكرية المصرية تستوفي خمسين بالمئة من العون المالي الأمريكي لمصر و الذي يقارب مليار و نصف من الدولارات سنويا. أما تفسير ما حفز المدنيين المصريين على الخروج في مظاهرات تأييد مصادرة العسكر للديموقراطية، فهذه فولة تحتاج لمكيال مغاير يسع اشتباهات السوسيولوجيا و إلتواءات السياسة و الإقتصاد في المجتمع المصري المعاصر و سأعود لمعالجتها في مقام مستقل.

لا أحد يغالط في أن ما حدث في مصر هو إنقلاب عسكري على نظام مدني وصل للسلطة عن طريق الإنتخابات.و حين يدفع الإسلاميون المصريون بكون سلطتهم "شرعية " لأنهم وصلوا للسلطة عن طريق الإنتخابات، فخصومهم لا يتورعون من الطعن في "الشرعية الدستورية" و معارضتها بما عرف بـ " الشرعية الثورية ". و " الشرعية الثورية " أو " الشرعية الوطنية " هي " بت عم " الشرعية العلمانية" التي أخرجها [ من جراب الثقافة الفرنسية] بعض معارضي الإسلاميين الجزائريين الذين كسبوا الإنتخابات ، في 1991،ضد حزب السلطة وسط دهشة الجميع. و في فلسطين سمعنا بعض معارضي الإسلاميين الذين وصلوا للسلطة عن طريق الشرعية الإنتخابية يعارضون شرعية الإسلاميين الفلسطينيين باسم "الشرعية الدولية " التي اسبغها الأوروأمريكيين على نظام محمود عباس لأسباب لا علاقة لها بالخيار الديموقراطي للفلسطينيين.. و غدا حين يتوصل الإسلاميون المغاربة للسلطة عن طريق الشرعية الإنتخابية فلن نعدم من يخرج عليهم باسم الشرعية الشريفية" و على هذا يمكن أن نتخيل صف الشرعيات الطويل الذي ينتظر شعوب الشرق الأوسط حين تختار الشرعية الديموقراطية.
تقول حكمة الأهالي:
إتنين لو قالوا ليك: راسك مافي، ألمسو!
و أنا منذ أيام اتحسس رأسي و اطمئن عليه كلما قرأت اصدقائي الفنانين الديموقراطيين يذكرونني بأن راسي مافي!و أنا أقول قولي هذا و في خاطري سؤال محرج، لكنه " شرعي " ، عن نوع " الشرعية" التي يلتقي عندها الشيوعيين السودانيين مع حزب المؤتمر الوطني، مع النور حمد، مع أمجد فريد ، مع فيصل محمد صالح ، مع الفاضل البشير مع عادل السنوسي مع محمد جمال الدين و "كافة القبائل الرعوية " ـ على قول الصديقة نائلة الطيب ، صاحبة " الشرعية الكريستالية" الشفيفة. [ سلام يا نائلة!أخبارك؟].
حديث الشرعيات طويل و اليد قصيرة فصبركم حتى أعود

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و زمن عبد الخالق

مشاركة بواسطة حسن موسى »



و زمن عبد الخالق

" بحر حفرو و ترابو وين ودّو؟!"
مثل شعبي

و ما الجيش؟
فعلا ما هوية هذا الشيئ الذي نسميه بـ " الجيش" و نتظاهر بالإتفاق على مدلوله بينما واقع المناقشة يكذب هذا الإتفاق و يضيفه لركام الإلتباسات المفهومية التي تلبّك الحوار السياسي المستعر في ساحة الصراع الإجتماعي؟
و في انتظار ما قد تكشفه الأيام من خفايا الصراع الدائر في مصر، لا بد لنا من التأني لفحص حركة الجيش المصري ضمن مشهد جيوبوليتيك الشرق الأوسط. ذلك لأن ما يحدث في مصر بين جيشها و شعبها يؤثر و يتأثر ، بصورة أو بأخرى ،على ، و بمجريات الأحداث في بلدان الشرق الأوسط و في ما وراء بلدان الشرق الأوسط. و لو تطورت المنازعة بين الإسلاميين و العسكريين إلى مستوى حرب أهلية وفق النموذج السوري فهذا التطور المحتمل سيؤثر بشكل مباشر على مجريات السياسة السودانية و ذلك بحكم التشابك و التداخل القديم للعلاقات و الهموم و المشاريع بين مصر و السودان.
و في منظور جيوبوليتيك الشرق الأوسط فمصادرة الجيش المصري الأخيرة للديموقراطية ليست نسيج وحدها، لأنها تندرج ضمن تقليد سياسي شرق أوسطى ابتدره الجيش المصري في مطلع الخمسينات ثم صانه، عبر تعاقب الأنظمة ، من عهد ناصر لعهد السادات لعهد مبارك ، بما يجعل من عهد الرئيس مرسي القصير ، مجرد حادث عرضي أو إختلال سياسي تولى الجيش تصحيحه بسرعة و بحزم. بل أن حركة " الضباط الأحرار " المصرية، الخارجة من رحم الطبقة الوسطى الحضرية، ألهمت عددا من عسكر الشرق الأوسط فجعلوها نموذجا يحتذي للتدبير السياسي على مدى نصف قرن من ديكتاتورية الطبقة الوسطى الحضرية. و بفعل القهر المتصل و التقادم و التعود صارت مجتمعات الشرق الأوسط تتقبّل احتكار العسكر للسلطة و للثروة بمنطق قدري، بدون احتجاج ،و بذرائع عجيبة ماأنزل الله بها من سلطان، من شاكلة أن الجيش يسبغ على الحياة السياسية بعض من طبع " الضبط و الربط " و " النظام" و " الحزم " الذي يميزه، أو أن الجيش ـ حسب الزعم المبني للمجهول ـ يجسد الوحدة الوطنية و يذود عن حمى الوطن أو يضمن الدستور.. إلى آخر الترهات التي يسوّغ عليها العسكريون انفرادهم بالسلطة السياسية.و قد بلغ الأمر ببعض سدنة العسكرولوجيا الشرق أوسطية حد اعتبار الجيش بمثابة حكـَم محايد متعال على الصراع الإجتماعي أو ، على الأقل ،بمثابة قوة سياسية متجانسة و مستقلة بذاتها ، يجوز لها الجلوس على مائدة الحوار بين الفرقاء الإجتماعيين المعنيين بتصريف أقدار المجتمع.
و قد خبر أهل السودان طرفا من هذا الإعتقاد في خرافة الجيش المنقذ ،في وقت مبكر، كما في المنازعة المشهودة التي جرت، على صفحات الصحف، بين بعض قادة الشيوعيين السودانيين في نهاية الستينات، حول موضوع الهوية الإجتماعية للقوات المسلحة.و هي منازعة هيأت لأحد أهم الإنقسامات في تاريخ الحزب.و تفجرت فيها المواجهة بين قادة الحزب مثل معاوية إبراهيم و عمر مصطفى قبيل و بعيد إنقلاب " الضباط الأحرار" في 25 مايو 1969. نشر أحمد سليمان، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي سلسلة من المقالات في جريدة الأيام [ 5 و 6 و8 ديسمبر 1968] دعا فيها لوضع ميثاق سياسي شعبي تنفذه حكومة وحدة وطنية تضمن القوات المسلحة استقرارها:
"..رأيي أن المخرج يكمن في الرضاء و الإلتزام بميثاق شعبي ".." يحدد و يعالج المشاكل الرئيسية التي تخنق البلاد و تحبس انطلاقها نحو آفاق التطور الديموقراطي ، تنبع من صميمه حكومة وحدة وطنية ، تعبر عن المصالح الحقيقية الرئيسية للمجتمع ، تشبه حكومة أكتوبر 1964 ، من حيث تمثيلها للأحزاب و الطبقات الحديثة ذات المصلحة في التقدم. حكومة تنعم بالإستقرار و الحماية التي فقدتها حكومة أكتوبر ".." و لا سبيل ، في نظري ، لهذا الإستقرار غير حماية القوات المسلحة التي يجب الإعتراف بها كقوة مؤثرة و كعامل فعال في حياة البلاد السياسية."[ تقرير عبد الخالق محجوب إلى المؤتمر التداولي، أغسطس 1969 ، أورده فؤاد مطر في " الحزب الشيوعي السوداني ، نحروه أم انتحر؟" ، ص 101، دار النهار ،1971]

. و رد عليه عبد الخالق محجوب ، في ،"أخبار الأسبوع"[ 16 يناير 69]، " و في مجالس الناس كثر الحديث عن القوات المسلحة بوصفها الأمل الوحيد للإنقاذ.و الحديث بهذا الإجمال خطر و يتجاهل تجربة الشعب في بلادنا ".." لقد خبر السودانيون طيلة ستة سنوات حكما عسكريا بعينه هو حكم كبار الجنرالات.".." و ما استطاعوا و ما كان في امكانهم و لا في مصلحتهم ـ إحداث تغيير جوهري في طرق تطور بلادنا ".." ..إن الحديث عن أجهزة الدولة بوصفها قوة اجتماعية منفصلة عن بقية المجتمع، و من ثم اعتبارها شيئا مميزا عن الفئات و الطبقات الإجتماعية التي جربت في السلطة و فشلت، حديث غير سليم و مجاف للحقيقة.فالقوات المسلحة لا تخرج من إطار التحليل الطبقي، و تشكل ، في مستواها الأعلى، و بالتجربة ، جزءا من النادي الذي سقط طريقه الإنتخابي " [ محمد سعيد القدال،معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني،ص ص 198،199، دار كوش ، دار الفارابي،1999 أنظر ايضا فؤاد مطر" الحزب الشيوعي السوداني نحروه أم انتحر " ص 102]].
لكن نفس عبد الخالق الذي كان يدين النزعات الإنقلابية و الذي كان ينتقد سلطة العسكر على أساس أن " القوات المسلحة لا تخرج عن إطار التحليل الطبقي " و أن " الجيش ليس طبقة أو فئة إجتماعية واحدة ، كما أنه ليس جهازا معزولا عن عمليات الصراع الطبقي " و أن دولة العسكر في السودان هي في النهاية دولة البورجوازية المرتبطة بالإستعمار [ تقرير عبد الخالق إلى المؤتمر التداولي، فؤاد مطر 104] . نفس عبد الخالق الماركسي اللينيني الذي يبشر بالتغيير الإجتماعي على قاعدة التربية الثورية للجماهير ضد التفكير الإنقلابي، وجد نفسه يقدم المبررات لقبول الشيوعيين السودانيين لتلك المشاركة العرجاء في حكم إنقلابيي حركة 25 مايو 1969. و ذلك على زعم متفائل بتنامي دور الشيوعيين و الديموقراطيين في شراكتهم السياسية الجديدة الهشة مع العسكريين .ففي الوثيقة التي تقدم بها عبد الخالق محجوب إلى المؤتمر التداولي لكادر الحزب كتب عبد الخالق : " بوجود البورجوازية الصغيرة التقدمية في قيادة الدولة نشأت فترة وسطية في تطور الثورة. و يبني الحزب موقفه من هذه السلطة على أساس أنه يتحالف معها و يدعمها في وجه التهجمات الإستعمارية و الرجعية ، عنيفها و ناعمها " [ " أعمال اللجنة المركزية للحزب، دورة أكتوبر 1970، أورده ف. مطر ،164] .
و عبد الخالق يسند زعمه بـ".. إن فترة الإنتقال تهيئ ظروفا أفضل لنشر الأفكار الشيوعية بين الطبقة العاملة و الجماهير الكادحة " بنص من لينين في " مشروع قرار حول المشكلة القومية و مشكلة المستعمرات " جاء فيه " على الأممية الشيوعية أن تدخل في تحالف مؤقت مع الديموقراطية البورجوازية في المستعمرات و البلدان المتخلفة، و لكن عليها ألا تذوب فيها، عليها في كل الأحوال أن تتمسك باستقلال حركة البروليتاريا حتى و إن كانت تلك الحركة في أقل أشكالها الجنينية ".
و هكذا نجد عبد الخالق، في مؤتمر الأحزاب الشيوعية في موسكو الذي انعقد في 5 يونيو 1969،يقول:
".. و في هذا الجو المليئ بالصراع المعقد و المتشعب في ظل سلطة الثورة المضادة، جاءت السلطة الجديدة في 25 مايو و أعلنت أنها امتداد لثورة اكتوبر 1964 ففتحت الطريق لتحولات كبرى أمام قوى الجبهة الوطنية الديموقراطية في بلادنا لتستكمل وحدتها و تنجز مهمات الثورة الديموقراطية، و هذه سمة مهمة لأحداث السودان الأخيرة. فالتغيير لم يتم بعد إكتمال الجبهة الديموقراطية أو بناء القسم الأساسي منها خلال السير نحو هذا الهدف، فتوافرت بذلك شروط ملائمة لإستكمال بناء الجبهة تحت سلطة إحدى طبقاتها. "[ من وثائق مؤتمر الأحزاب الشيوعية و العمالية العالمي ـ موسكو ، يونيو 1969]
و رهان عبد الخالق المتفائل بمستقبل شراكة الشيوعيين في" سلطة البورجوازية الصغيرة التقدمية" و بفرص "إستكمال بناء الجبهة " قد يبدو غريبا ، وقيل مستهجنا، فيما لو تأملناه على ضوء إختلال توازن القوى بين الحزب الشيوعي المتواضع الإمكانيات و سلطة "البورجوازية الصغيرة التقدمية" التي تتمتع بإمكانات الدولة و بدعم إقليمي و دولي كبير نسبيا. لكن عبد الخالق كان يراهن على عامل خارجي أدخل في تدابير جيوبوليتيك زمن "الحرب الباردة" منه في شئون السياسة السودانية.عبد الخالق كان يراهن على التضامن السياسي و الإقتصادي المتوقع من بلدان المعسكر الشرقي، و على رأسها الإتحاد السوفييتي، لمؤازرة مشروع الجبهة الوطنية الديموقراطية التي كان يرى أن الشيوعيين سيشغلون فيها موقع حظوة.هذه الحسابات هي المسؤولة عن المزاج السياسي الذي كان سوّغ إحساس الشريك الند بين الشيوعيين في علاقتهم بسلطة الضباط الأحرار. و في هذا المشهد يمكن فهم إنقلاب مجموعة العسكريين المحسوبين على الحزب بقيادة هاشم العطا، على مجموعة النميري، في ما يسميه الشيوعيون بـ " حركة يوليو التصحيحية".
إن المضمون الإنقلابي في حديث عبد الخالق محجوب أعلاه، بالنسبة للفرص التي يتيحها إنقلاب " البرجوازية الصغيرة التقدمية" واضح، لا لبس فيه و لا يحتاج لإثبات. فما الذي يحفز مفكر سياسي في ذكاء عبد الخالق لتبرير المسلك الإنقلابي بينما أدبيات الحزب تحذر منه مرارا و تكرارا؟ ذلك لأن ملابسات السياسة الدولية في زمن الحرب الباردة لا تكفي لتفسير قبول عبد الخالق لمبدأ العمل الإنقلابي.و في نظري الضعيف ، أعتقد أن عبد الخالق كان واقعا تحت تأثير ثقافة سياسية بحالها، تحبذ العمل الإنقلابي كوسيلة ناجعة لإحداث التغيير الإجتماعي.
رغم الأدب الوافر الذي بذله الشيوعيون السودانيون في نقد السلوك السياسي الإنقلابي ، و الإلحاح على ضرورة العمل على توعية الجماهير، إلا أن واقع الممارسة السياسية للقوم يظل يطرح أكثر من مؤشر على تأصّل الثقافة الإنقلابية في عادات التفكير السياسي للشيوعيين السودانيين،[ زيهم زي أخوانهم في التكوينات السياسية السودانية]. فالحزب اعترف بتأييده لأثنين من أهم إنقلابات تاريخ السودان الحديث ، في مايو 1969 و في يوليو 1971. و ربما أمكن تفسير النزوع الإنقلابي بعدة أسباب منها ضعف البنية السياسية لحزب آيديولوجي و حداثي قواعده المتواضعة محصورة في القطاع الحضري، بينما طموحه السياسي كبير يتجاوز حدود السودان، و منها الطبيعة المميزة لعلاقة الدولة و المجتمع في السودان.و هي علاقة مطبوعة بإختلال بنيوي تاريخي فيما لو نظرنا إليها من منظور التطور التاريخي الكلاسيكي للدولة الذي تطرحة مناظير العلوم السياسية. فالدولة الحديثة في السودان ليست تعبيرا عن القوى التي تشكل المجتمع السوداني و إنما هي تعبير مادي للقوى التي تهيمن على المجتمع السوداني،إنها دولة أقوى من المجتمع السوداني و تنوي " تحديثه " بالقوة إذا استلزم الحال، لأنها دولة غريبة على المجتمع السوداني، و لو شئت قل إنها دولة أجنبية استنبتها رأس المال العالمي و صانها لترعى مصالح مجتمعات الهيمنة الرأسمالية.و قوى رأس المال العالمي مازالت تسهر على صيانة الدولة التي زرعتها في مجتمعنا منذ القرن التاسع عشر. هذه الدولة الأداة التي تستخدمها القوى الدولية الأجنبية لفرض إرادتها على المجتمع السوداني ، تملك أن تغري بعض الفصائل الإجتماعية المنتمية للطبقة الوسطى ، والتي ورثت مقاليد الأمور من المستعمرين، بإنتهاز جهاز الدولة بالأسلوب الإنقلابي بغاية استخدامه في تحقيق مشروعها الإجتماعي. و من يتأمل في التاريخ السياسي السوداني يلمس السهولة الكبيرة التي تتوصل بها بعض المجموعات العسكرية و المدنية المحدودة العدد و العتاد من الإستيلاء على جهاز الدولة و استخدامه سياسيا و السهولة الأكبر التي يتحصل بها الإنقلابيون على تأييد و دعم من القوى الخارجية ذات المصلحة في التحالف مع من يضمن مصالحها في السودان.. السلوك الإنقلابي وسط ساسة الطبقة الوسطى، لا في السودان وحده، و إنما في منطقة الشرق الأوسط عموما ،قد يجد تفسيره في التقليد السياسي الصفوي الذي لا يثق في قدرة الشعب على التدبير السياسي و يتوجس من الديموقراطية كخطر يتهدد الحظوة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي ورثتها البورجوازية الوطنية من المستعمرين. و من يتأمل في التاريخ السياسي الحديث لبلدان الشرق الأوسط يجد أن السلطة السياسية ظلت على الدوام حكرا لممثلي الطبقة الوسطى الحضرية ، سواء أتوا عن طريق الإنتخابات أو عن طريق الإنقلابات. بينما بقيت قطاعات واسعة من فقراء الحواضر وجملة سكان الأرياف مستبعدة تماما من المشاركة في التدبير السياسي الذي يمس مصالحهم. أو أن مشاركتهم في اللعبة السياسية تتوقف عند حد إستخدامهم الأداتي في المناورات السياسية المدنية و العسكرية التي يدبرها السادة القابضين على مقدرات البلاد..

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و زمن الترابي

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و زمن الترابي


و قد تفتقت الثقافة الإنقلابية السودانية عن تلك الفكرة الجهنمية التي بذلها حسن الترابي في واحدة من أفضل إلتواءاته المفهومية التي تنظّر لما أسماه بـ " سلطات الأزمة ". و هي فكرة تزعم تزويد المجتمع السياسي الديموقراطي بجهاز قانوني غايته صيانة الديموقراطية من خلال مصادرتها لأجل معين ينتهي بإنجلاء الأزمة السياسية التي بررت حجب الحقوق الديموقراطية.بذل حسن الترابي فكرة " سلطات الأزمة " في موضوع التدابير القانونية الإستثنائية التي تهدف لصيانة المؤسسات الدستورية للمجتمع الديموقراطي. بذلها في أطروحته التي نال عليها شهادة الدكتوراة من جامعة باريس ،6 يوليو 1964[ عندي ترجمة لمقدمة رسالة حسن الترابي في " جهنم" رقم 12، أبريل 1999.[size=10]
Hassan A. El TURABI,Les Pouvoirs de Crise dans les droits Anglo-saxons et Français, Etude de droit comparé, Thèse pour le Doctorat en Droit,Université de Paris, Faculté de Droit et de sciences économiques.1964
،
أي في نفس الفترة التي كان الديموقراطيون السودانيون فيها مشغولين بتحضير "ثورة أكتوبر" 1964.و يمكن تلخيص فكرة " سلطات الأزمة" على أساس أن " الأزمة " هي نوع من عسر إستثنائي عابر يعطـّل صفة الإتصال المفترضة في فعل مباشرة السلطة السياسية. هذا العطل الإستثنائي يحصل لأن المؤسسات السياسية القائمة لم تنجح في القيام بأعباء مباشرة السلطة، أو أنها ـ لسبب ما ـ زاهدة في تدبير فعل التوالي على السلطة.و حسن الترابي يرى في مقدمة رسالته أن مشكلة " سلطات الأزمة " تنطرح حين تعصف الأزمات بالضوابط التي تحكم ممارسة الحكم في النظم الدستورية:


فـ " الدستور الديموقراطي الطبيعي ينبني على مبادئ فحواها أن هناك ضوابط وضعت في مجال سلطة الدولة لصالح الحريات العامة للمواطنين. و سلطة الدولة مجزأة و موزعة بين مختلف الأجهزة التي يخضع أداءها لبعض الضوابط القانونية المصممة لدعم انتظام و حصافة الأداء الحكومي. لضمان استقرار هذه القواعد و لتأمين انسجام الإجراءات الحكومية فهناك جملة من الضوابط المتبادلة في الآلية الدستورية . هذا المثال الغليظ للدولة الديموقراطية يعطي الإنطباع بتحديد نشاط الحكومة، بإعاقة سرعة أدائها و قراراتها باسم الإحتراز، و مدلول الأمر هو أن النظرية الديموقراطية تتمخض ف5ي الواقع عن نظام محدود و ثقيل و تصالحي أدخل في منطق التسويات.
و لكن كل هذه العناصر العملية للنهج الدستوري إنما تنطرح بشكلها هذا ضمن الظروف الطبيعية.و في حالة حدوث أزمة جسيمة فإن جملة الملابسات و المبادئ التي انبنى عليها الدستور تتعرض للإختلال. و الأزمة تطرح مخاطر جسيمة تلافيها قد يخلخل التوازن المؤسس بين الحرية و السلطة ، مثلما قد يتكشّف عن طبيعة متناقضة مع التنظيم الطبيعي للسلطات العامة.
من هنا تنطرح مشكلة المصالحة بين ضرورة تدبير حل للأزمة " آكسيون دو كريز"
Action de crise
متكامل و قوي و سريع. و بين صيانة الأشكال الدستورية. و لتكييف الدستور مع احتياجات اللحظة ينبغي تأسيس علاقات جديدة بين الحريات و السلطة العامة، و إدخال إصلاحات مناسبة في نظام الحكومة.
إن أهمية هذه التغييرات لا تعني التحول للنظام الإستبدادي ضمن الديموقراطية الدستورية، فنظام الأزمة ، سواء تم تدبيره بشكل مسبق، أو أن صياغته تمت ارتجالا في وجه الأزمة، إنما يتضمن صلاحيات السلطات الخاضعة للضوابط المادية و الرسمية، و هي سلطات تمارسها أجهزة خاضعة للضبط بطريقة أو بأخرى. إن الدولة الدستورية التي تتحول لنظام الأزمة لا تفقد صفتها كدولة قانون، و الفارق الذي يبدو حينئذ بين النظام الطبيعي و نظام الأزمة يتوقف على مرونة المؤسسات الدستورية."


و ربما كانت عبارة "سلطات الأزمة"
Les pouvoirs de crise
ـ و التي يستبدلها الكاتب أحيانا بعبارة "دولة الأزمة"
Etat de crise
ـ تقوم على نوع من لعب أدبي دارج ، في لغة الفرنسيس، بذريعة إنزلاق المعاني، فحواه قلب العبارة :" أزمة السلطة " ، التي ينطوي في ثناياها إتهام من يباشر السلطة بالعجز و الفشل عن النهوض بمسؤولية السلطة، إلى صيغة " سلطة الأزمة " التي تسوّغ قبول أن من يتولى السلطة في ظرف الأزمة إنما يفعل ذلك لتجنيب الأمة بلاءا أشد هولا من مجرد مصادرة الديموقراطية.و الذي هو إن تم تحت إشراف الرجال القوامين على فعل المصادرة،فهو سيتم بالطريقة القانونية.و لو شئت قل " الشرعية "، يعني زي حد قطع اليد الذي قيل أنه يتم تحت إشراف طبيب يسهر على تجنيب المصاب عواقب الـ " سايد إيفيكتس " و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!. طبعا المشكلة الرئيسية تبقى في هوية هؤلاء الرجال القوامين على مصادرة الديموقراطية و طبيعة الجهة التي فوضتهم و مشروعية تفويض أي كان للقيام بمصادرة المؤسسات الدستورية.

من يقرأ هذا الكلام على ضوء تطورات السياسة المصرية الأخيرة يكاد لا يقاوم التساؤل: ترى هل كتب حسن الترابي هذا الكلام لعناية الجنرالات المصريين الذين اقترفوا " سلطات الأزمة " باسم شرعية " ثورية" نصبوها ضد " الشرعية الدستورية " للرئيس مرسي؟ مندري؟! لكن الحاصل هو أن فكرة المصادرة القانونية للشرعية الدستورية انتظرت المصريين لحوالي نصف قرن حتى يحصلوا على أول سلطة ديموقراطية لكي يشرح لهم العسكريون ـ بجاه الدكتور حسن الترابي ؟[ مندري؟!] ـ أن" نظام سلطات الأزمة" خير لهم لو كانوا يعلمون!.


سأعود
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

سلام حسن

لا اود المقاطعة لكن شفقة بت المِنا سبقت عليّ رغماً وغصباً عنْى.

لم اقرأ فكرة الترابي فى رسالته من قبل وهى الفكرة التى:"تزعم تزويد المجتمع السياسي الديموقراطي بجهاز قانوني غايته صيانة الديموقراطية من خلال مصادرتها لأجل معين ينتهي بإنجلاء الأزمة السياسية التي بررت حجب الحقوق الديموقراطية"

كما وصفتها انت هنا بدقة.

الى ان تقول/تكتب ان سلطة الأزمة "التي تسوّغ قبول أن من يتولى السلطة في ظرف الأزمة إنما يفعل ذلك لتجنيب الأمة بلاءا أشد هولا من مجرد مصادرة الديموقراطية.والذي هو إن تم تحت إشراف الرجال القوامين على فعل المصادرة،فهو سيتم بالطريقة القانونية."

حين وصلت الى هذا الحد من قراءتك لفكرة الترابي توصّلت الى نتيجة مغايرة ادخل الى السياق السوداني منه الى الحالة المصرية الراهنة.

وحسب ماتراءى لى هو ان الترابي كتب هذا الكلام فى اوائل الستينات لعناية كوادر وطلاب وجنرالات الجبهة الاسلامية حتى يسرقوا الشرعية الديمقراطية فى السودان فى 1989 بذريعة التواء مفهومي تبريري بائن حول ازمة السلطة وسلطة الازمة الذى يتلاءم وينسجم مع مفهوم اخر هو فقه الضرورة. هذه قراءة اقرب لطبيعة النخب السودانية فى دورها القيادي المزدوج البائس وأقرب لدراسة سايكولوجية الترابي التائب الذى وقف معارضاً اليوم ضد فكره الذى برّر للانقلاب على الشرعية الديمقراطية فى السودان حينها . وحسب توبته التى لم ينظّر لها او يصحّح منطلقاته القديمة او ينتقدها ويعتذر عن عواقبها القياموية قال بالامس ان الجيش المصري انقلب على الدستور والشرعية. نظرالرابط:

https://www.aljazeera.net/news/pages/39d ... 1bf22dac6e

لااذكر كتابتك فى ذاك العدد من جهنم ولعلك ذهبت فيه الى مايشبه وجهة نظري هنا .
معليش للمقاطعة
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

أنا برضو عذراً للمقاطعة
الممثل المصري الكوميدي الأشهر في العالم العربي(عادل أمام).وهو يجسد شخصية " سرحان عبد البصير" في واحد من مشاهد مسرحيتة ذائعة الصيت (شاهد ما شافش حاجة)،عندما كان يروي قصة مداهمة شركة الكهرباء له بفاتورة الصرف الكهربائي وتهديده من قبل موظف شركة الكهرباء، اما أن يدفع او يقوموا بقطع الكهرباء عن منزله ومصادرة العدة. الطريف في الأمر عدم وجود توصيلة كهرباء بمنزله!!ولكنه كان يردد على نحو مكرر: (دفعت أصلو انا كنت خايف على العدة).
درج الليبراليين والعلمانيين في مصر بعد ثورة 25 يناير على ترديد عبارة أن حزب جماعة الأخوان المسلمين حزب غير ديمقراطي وهم يخافون على الثورة والمكتسبات المؤدية للتحول الديمقراطي من أن يقوم الأخوان بسرقتها، يعني الديمقراطيين من الليبراليين والعلمانيين قاموا بقطع الطريق على الديمقراطية خوفاً على "العدة" بالرغم من عدم وجود توصيلة كهرباء في البيت اللا وهي الديمقراطية ذات نفسها؟ وبذلك حيدفعوا فاتورتها.

وليد



مقال للدكتور الشفيع خضر حول نفس الموضوعة من صحيفة الراكوبة
السايقه واصله
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

تحيتى وليد والهاشمى

وبرضو عذرا للمقاطعة
تقول حكمة الأهالي: 
إتنين لو قالوا ليك: راسك مافي، ألمسو!
عزيزي حسن , انعل ابو الما لمس راسو مية مرة.
واحكى لكم التحولات فى وجهة نظري.
بدات انا مع محمد جمال الدين بصيغة جازمة ان الجيش انحاز للثورة( وفى بالي ان الانحياز لا يبرأ المنحاز من الغرض او حتى التامر) .
لكننى انتهيت, بفضل التداول ونقاش المناقشين, وتصاعد الاحداث, الى التساؤلات بدلا من الجزم. ومحمد جمال الدين هو ايضا انتهى الى تساؤلات.
شوف, انا نقطة ارتكازى هي عدم اغفال تاثير تمرد30 يونيو على اطراف المشهد المصري والقوى خارج مصر. ولا على اي صيغة تتناوله تحليلا.
هنا :عبارة انقلاب الجيش على شرعية مرسى, التى يتداولها الاخوان, تسدل الستاروتنفى الاعتبار اللائق عن مسيرات تمرد الهائلة وتتعمد اغفال فعل الجماهير.
وفى بالي تجربة انكار تظاهرات ديسمبر1988 من قبل الترابى والافندى. للقفز بالقول ان فتحى انقلب على الديمقراطية . وعمدا لا يذكرون ثورة ديسمبر بالرغم من قول الصادق (ما لم يقتلني يقوينى) اذ اقتحمت الجماهير مكتبه . يعنى فتحى محمد على تدخل والحكومة منهارة سلفا.

مصر.وتحركت وجهة نظري لأرى ان الانقلاب, لو كان, فهو ضد تمرد وليس ضد مرسى. باعتبار ان تمرد جبت ما قبلها.
طبعا هذا القول غير دقيق فى نسبة نصر حاسم لتمرد على مرسى.
أذ تدخل الجيش قبل ان تكتمل الصورة.
لذا تحركت وجهة نظرى لأرى ان الجيش (لو انقلب)فقدانقلب على الديمقراطية وليس على شرعية مرسى فقط. اى انقلب على الطرفين, تمرد التى مكنتها الديمقراطية من الفعل حتى القادر على اقتلاع مرسى, ومرسى الذى منحته الديمقراطية شرعيتة.
والحذر فى معنى (لوكان انقلابا) يرجع لان ثوار التحرير ابتهجوا لما اطلقوا عليه هم انفسهم انحياز الجيش .
هذا فى جانب الجهد لصيانة قيمة الديمقراطية.
لكن مصر من جهة اخرى بها وقائع لا يمكن التغاضي عن تاثيراتها الخطرة على الوضع برمته.
تكشف استخباراتهم عن تنظيمات عسكرية موالية للاخوان المسلمين فى سيناء.
المساعدات الامريكية للجيش التى اوردتها انت التى تعادل نصف ميزانيته.

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ديوك العدّة!

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام للفاضلين و الوليد.
يا وليد حكاية العدة تلخص كل تاريخ القهر السياسي الذي تكابده الشعوب التي ابتلاها الله بديوك العدة الميامين و الحمد لله على كل شي.
يا الهاشمي أنا راجع لموضوعة " سلطات الأزمة " في مقام مستقل و تنويهي بها هنا ورد ضمن محاولة إلقاء نظرة واسعة لمنظر الثقافة الإنقلابية في بلاد العربسلاميين.
يا الفاضل البشير إشارتك للتركيب اللاحق بحركة الجيش في محله . من جهة أولى هناك حكومة مرسي المنتخبة و الشرعية و الدستورية إلخ ، و هي حاصل طبيعي لحركة التمرد الشعبي الذي اطاح بنظام مبارك، و الناس الذين خرجوا على سلطة مبارك و منحوا الإسلاميين أغلبية في البرلمان قادرون ـ في نهاية التحليل، بسحب ثقتهم من الإسلاميين و إسقاطهم بنفس المنهج الديموقراطي الذي صعدوهم به.من الجهة الثانية فالمتمردين ما كان بوسعهم تنظيم حركة تمرد بهذه السعة إلا تحت شروط الحياة الديموقراطية التي أتاحها نظام مرسي ، على علاته الظاهرة و الخفية.و لو استبعدنا الجيش من المشهد فربما كان في إمكان حركة تمرد ،و حلفائها ضمن الحركة الشعبية ، خلق واقع سياسي جديد ينتهي بوضع حكومة مرسي في مضيق سياسي لا مخرج منه إلا بإجراء إنتخابات جديدة.و هذا الإحتمال، إحتمال نجاح الحركة الشعبية في فرض إرادتها على حكومة مرسي هو الذي أرعب العسكريين و حلفائهم المحليين و الإقليميين و الدوليين الذين يتوجسون من عواقب استقرار الديموقراطية في بلد مثل مصر، لأن إتاحة الفرصة لتمرد للمضي في ممارسة الضغط الشعبي على الحكومة المنتخبة يعني أن المصريين صاروا قادرين على تدبير المنازعة السياسية بدون حاجة للعنف العسكري.و طبعا وراء العسكريين المصريين ، هناك قوى إقليمية و دولية كثيرة، تعّول على استخدام مصر في ضبط استراتيجيات الحرب و السلام في منطقة الشرق الأوسط. و من جهة ثالثة فلا أحد يجهل أن هؤلاء العسكر الذين سعوا لقطع الطريق على المتمردين و على حكومة مرسي المنتخبة إنما هم ـ في نهاية التحليل ـ خصم بين غيره من خصوم المنازعة الطبقية الحاصلة في مصر، و بهذه الصفة فهم يسعون بالضرورة لحماية مصالحهم و امتيازاتهم. و أول مساعي الحماية هي استبعاد الخصوم الأكثر تهديدا و لو كلفهم ذلك" الشي الفلاني".ضمن هذا المشهد لا مخرج للحركة الشعبية المصرية إلا ببناء أحلاف جديدة غير مسبوقة ـ في تاريخ العالم العربي على الأقل ـ قوامها برنامج عمل سياسي بين الإسلاميين و العلمانيين غايته صيانة الديموقراطية في مصر. لو نجح المصريون في صيانة النبتة الديموقراطية الغضة فهم سيخلقون وضعية سياسية جديدة تفتح آفق النهضة الديموقراطية لشعوب أخري مازالت واقفة تراعي ساكت.
غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة و يولي الأصلح و كدا!.
لكن في إنتظار أن يرعى الحمل آمنا في جوار الذئب و يلعب الولد كرة الماء مع التمساح ، فلا بد لنا من التأني عند اللاعب الخفي الذي يحرّك القوات المسلحة المصرية و يلهمها فجورها و تقواها.

بعيد استيلاء الجيش المصري على السلطة و عزل الرئيس مرسي تميزت ردود الفعل الدولية باعتدال غريب لا يتناسب و فداحة الإعتداء الشنيع على التجربة الديموقراطية المصرية. فرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، التي تعتبر نفسها حامية الديموقراطية في العالم، اكتفى بالتعبير عن " قلقه العميق " على أثر قرار العسكريين المصريين بعزل الرئيس مرسي و الإستيلاء على السلطة ، و دعا العسكريين للعودة إلى الديموقراطية و نصحهم بالسهر على حماية الحقوق المدنية أثناء الفترة الإنتقالية. أما بن كي مون، السكرتير العام للأمم المتحدة، فقد اكتفى بالدعوة لعودة النظام المدني حالما أمكن الأمر. و معظم حلفاء أمريكا من الرؤساء و الملوك الشرقأوسطيين الذين تعودوا على تجييش الجيوش ، وراء أمريكا، لنصرة الديموقراطية، في الكويت و في العراق و في أفغانستان و في ليبيا..إلخ، لم يفتح الله عليهم بأكثر من ابداء "قلقهم" على الأوضاع في مصر، و هذا " أضعف الإيمان " كما جاء في الأثر. لكن موقف " أضعف الإيمان "، الذي تفرضه دبلوماسية مداهنة الحس السياسي للشارع الإسلامي، بالذات في أنظمة مثل تركيا و تونس و المغرب ، يملك أن يضيئ موقف التضامن " ميد إن أميريكا " الصريح مع العسكريين المصريين، و ذلك حين نقرأ رد فعل أقوى حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط اليوم . فالمملكة العربية السعودية ، و قطر و دول الخليج و اليمن ، التي هنأت الإنقلابيين و دعمتهم ، هي كيانات سياسية لا تتمتع بأي هامش مناورة يتيح لها أن تتخذ مسافة نقدية من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ، و بالتالي فموقفهم يمكن أن يقرأ كاستباق صريح لحقيقة الموقف الأمريكي الذي يتوجس من عواقب النزعة الإستقلالية المحتملة من طرف نظام سياسي يجد سنده الشعبي في الممارسة الديموقراطية.

و أظن ـ غير آثم ـ أن التضامن الأمريكي [ و الأوروبي ] مع العسكريين المصريين[ و قيل التوانسة و الليبيين و المغاربة و السوريين و اليمنيين إلخ ] سيعبر عن نفسه بأسلوب أكثر مباشرة مع نجاح الإنقلابيين المصريين في فرض نظامهم كأمر واقع، على الأقل في الأشهر القادمة ، سيّما و منطقة الشرق الأوسط خبرت تجربة مماثلة في مطلع التسعينات، حين وقفت فرنسا و الإتحاد الأوروبي و " العالم الحر " بأسره وراء العسكريين الجزائريين الذين فوجئوا بالصعود الشعبي للإسلاميين الجزائريين في أول إنتخابات ديموقراطية في الجزائر ، فسارعوا إلى إلغاء نتيجة الإنتخابات التشريعية التي تمت في 1991، و هي الإنتخابات التي فاز فيها حزب " الجبهة الإسلامية للإنقاذ " ، ففتحوا الباب واسعا لحرب أهلية دامية دامت لأكثر من عشرة سنوات. و ما زالت بؤرها الباقية تنذر بإحتمال إندلاع الحرب بين الجزائريين.
. بالمناسبة ترتبط الجزائر بالاتحاد الأوروبي بـ "اتفاق شراكة واتفاق يمنح الجزائر 172 مليون يورو (ما يقارب 234 مليون دولار أمريكي) كمساعدات بين 2011 و2013. وفي سبتمبر/أيلول، تم عقد اجتماع للجنة التعاون الثنائي المنبثقة عن مجلس "الحوار السياسي والأمن وحقوق الإنسان".
وتعتبر الولايات المتحدة الجزائر كـ"شريك محوري في مكافحة شبكات التطرف والإرهاب مثل القاعدة، وهي ثاني أكبر شركائنا التجاريين في العالم العربي." وبينما لا تقدم الولايات المتحدة تقريبًا أي دعم مالي للجزائر، فإنها أهم مستورد من الجزائر وخاصة في مجال الغاز والنفط "
على الرابط
www.hrw.org/node/104477

و على كل فإحتمال الحرب الأهلية في مصر وارد و قريب ، و الله يكضّب الشينة، عشان لو اشتعلت مصر بنيران الحرب الأهلية فالرماد كال حمّاد في كافة بلدان المسلمين . ذلك أن الإسلاميين المصريين هم في الواقع طرف من كل تمنحه شروط العولمة شبكة من العلاقات و الروابط و الأحلاف تتجاوز البلدان التي عرفت صعودا سياسيا للإسلام السياسي.
طبعا مواقف الإدارة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي و حلفائهم في بلدان العالم الثالث يمكن فهمها ضمن جيوبوليتيك عولمة رأس المال الذي يفرض تبعاته على الناس أينما حلوا. لكن الأسلوب الذي يقف به عيال المسلمين من عواقب هذه المنازعة الحداثية التي تموّه تناقض العمل و رأس المال تحت غشاء صدام حضارات الشرق و الغرب ، يحتاج منا لمزيد من التأنـّي حتى نتوصل لتفهم ما يحفز فلان و فلتكان على الإنخراط مع "هؤلاء الناس "ضد أولئك الناس .و في هذا المشهد أسعى لعقلنة النزوع العفوي و الإرادي لتغييب أو لتجاهل الوعي بقدرة جماهير الشعب على تملـّك مفاتيح التغيير الإجتماعي بالذات وسط مثقفي الطبقة الوسطى العربسلامية.
و لو استبعدنا من يرون أن العناية الإلهية فوضتهم لإنقاذ الشعب ، فالجماعات الإنقلابية [ المدنية و العسكرية ]هي أفضل أمثلة النزوع العفوي لتغييب الوعي الشعبي. فـ " هؤلاء الناس " يصدرون عن مشروع للتغيير، قد يكون، مبدئيا، "باسم الشعب" و "من أجل الشعب "، لكنهم لا يتصورون الشعب شريكا في تحقيق التغيير، و ذلك ببساطة، لأنهم يعانون من حالة أنعدام ثقة مرضي بالشعب . هذا الموقف يمسخهم لوضعية الوصاية و التسلط على الشعب، على زعم أنهم يعرفون مصلحة الشعب افضل منه.و في هذا المشهد فالأمثلة الكثيرة المتواترة في بلدان العالم الثالث تجعل من نموذج الطغاة الجاثمين على صدور شعوب الشرق الأوسط قاعدة لا تعرف الإستثناء . " هؤلاء الناس " الذين أباحوا لأنفسهم التغرير بالشعب الأعزل و قهره و سرقة سلطته و نهب ثروته ما كان لهم أن يستمروا في ضلالهم لولا تواطؤ ذلك النفر من الرجال و النساء الذين يعتقدون في خرافة الحاكم " المستبد العادل " الذي ينقذ الشعب بعد أن يصادر إرادته و حقوقه و يفرض عليه وصايته ، بل و يستعين عليه ببأس القوى الأجنبية عند مقتضى الحال.


سأعود
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

(وفى بالي ان الانحياز لا يبرأ المنحاز من الغرض او حتى التامر) . 
عفوا اتيت لنصحيح هذه العبارة. لتكون :,
( وفى بالي ان الانحياز لا يبرئ المنحاز من الغرض او حتى التامر)
فى يوم 7ابريل 1985,اليوم التالى لتسلم سوار الذهب السلطة, اصبحنا على غم عظيم, مجموعة منا, توجسا من انقلاب سوار الذهب على الثورة. ولم يطمئن لنا بال الا باطمئنان المتحدثين فى ندوة فى جامعة الخرطوم, مساء الاثنين.وهنا بدا تركيب معنى انحياز
.

وانت ستعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ما فرّطنا في الكتاب من شيئ

مشاركة بواسطة حسن موسى »

[align=right]Nom de Dieu!
أنابيب ضوء كهربائي بلاستيك و ألمونيوم. 300سم في 900سم،2012.








صورة
صلاح النصري
مشاركات: 607
اشترك في: السبت يوليو 01, 2006 12:32 pm

مشاركة بواسطة صلاح النصري »

زمن سمير أمين

ياحسن سلام
مولانا سمير أمين لرفد النقاش

خطاب الدين السياسى
سمير أمين
الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أثارت مقالتي عن الإسلام السياسي المنشورة في مجلة "منثلي ريفيو" الأمريكية والتي ذكرتها في التقديم تعليقات مفكرين اختلفوا مع أطروحاتي القائلة بأن الإسلام السياسي يخدم موضوعيًا أهداف إستراتيجية واشنطن. ولم تفاجئني هذه التعليقات التي أتت بما كنت أنتظره.

1- كان الهدف من المقالة طرح إستراتيجية تسعي إلى إنجاز هدفين هما: دحر خطة واشنطن التي تسعي إلى تكريس السيطرة العسكرية الأمريكية على صعيد الكوكب من جانب، ودحر الإسلام السياسي من الجانب الآخر. وأزعم أن الهدفين لا يقبلان الفصل بينهما. أضيف أن أحزاب الإسلام السياسي "المعتدلة" و"المتطرفة" لا تختلف– في رأيى- من حيث جوهر الهدف الذي تسعي إلى إنجازه، بل فقط في وسائل تحقيقه، وبالتالي فإن الطرفين يتكاملان أكثر من كونهما يتناقضان.

علي أن عرض الأسباب التي دفعتني إلى هذا الموقف يفتح باب النقاش حول مسائل نظرية هامة وأعمق تخص مفاهيم "الحداثة" و"التمركز الأوربي" و"التكوين التاريخي للثقافات السياسية" لمختلف الشعوب وما يترتب عليه من اختلاف في تحديد طابع التحدي.

2- لقد اقترحت فك ألغاز مفهوم "الحداثة" انطلاقًا من تحليل يشدد على مشاركة تبلور الحداثة من جانب، وبزوغ الرأسمالية في الآفاق من الجانب الآخر، حيث إن الظاهرتين لا تنفصلان عن بعض.

ليس هذا المنهج هو منهج خطاب المركزية الأوروبية. بل على العكس تمامًا، أوضحت أن التشديد على هذه العلاقة التاريخية الجوهرية يلغي صلاحية مقولات التمركز الأوربي. وبالتالي أزعم أنني قدمت نقدًا جذريًا لهذا الخطاب، نقدًا يتجاوز سرد ظواهر تجلياته (علي نمط ما قدمه ادورد سعيد).

وتوصلت إلى أن الحداثة "القائمة بالفعل"، بسبب علاقتها المباشرة مع تبلور الرأسمالية التاريخية- وأقصد هنا النمط التاريخي للرأسمالية التي لا يمكن فصلها عن نمط للتوسع على صعيد عالمي له طابع استعماري، "استقطابي" من الأصل- أن هذه الحداثة غير مكتملة، بل غير متناسقة في تأثير فعلها على مجتمعات المراكز والتخوم في المنظومة العالمية؛ فهي حداثة "مشوهة" وأن التحدي الحقيقى- في رأيى- هو كيف يمكن تطوير الحداثة لتتجاوز حدودها الراهنة، وذلك في مقابل الدعوة إلى "التخلص" من الحداثة.

3- أما القول بأن تدهور أوضاع المجتمعات الإسلامية وتفاقم الفقر في صفوف شعوبها هو السبب الذي يقف وراء انتشار دعوة الإسلام السياسي فهو قول صحيح، ولكنه لا يعدو أن يكون بديهية.

إن صميم أطروحتي فيما يخص توسع الرأسمالية على صعيد عالمي يقوم على توضيح الآليات التي أنتجت بالضرورة "الاستقطاب"، بمعني تصاعد اللامساواة بين المراكز والتخوم، وذلك منذ الأصل. ثم قلت إن هذا التوسع ذو طابع استعماري (وهو مصطلح مرادف للاستقطاب) يتجلي في نهاية المطاف في تخريب حضاري بالنسبة لشعوب بأكملها، بل يؤدي أحيانًا إلى إبادتها.

فالمنتظر في هذه الظروف هو بالفعل انبثاق ردود فعل من الشعوب الضحايا. ويمثل الإسلام السياسي نمطًا من رد الفعل المنتظر، بيد أنه لا يمثل النمط الوحيد المحتمل.

فإذا كانت أطروحتي حول الاستقطاب الذي يصحب بالضرورة توسع الرأسمالية التاريخية صالحة، فإن الاستنتاج المنطقي الذي لا مفر من التوصل إليه يتلخص في القول بأن مواجهة التحدي تقتضي الخروج من منطق الرأسمالية، وبالتالي فإن السؤال الصحيح ليس هو معرفة ما إذا كان الإسلام السياسي رد فعل على تدهور أوضاع المجتمعات الإسلامية أم لا (فله طابع رد الفعل دون شك)، إنما السؤال هو ما إذا كان مشروع الإسلام السياسي قادرًا على إنجاز الهدف (الخروج من الرأسمالية) أم لا. وإذا كانت الإجابة سلبية لأصبح هذا المشروع بديلًا قائما على أوهام.

4- لم أجمع في سلة واحدة الإسلام السياسي المعاصر وإسلام المجتمعات في عصور تاريخها السابقة على الغزو الاستعماري. على العكس من ذلك لفت النظر إلى الاختلاف الجوهري بين الظاهرتين.

وقد بذلت بعض المجهود للنظر في مقام الديانات في البناء الاجتماعي "القديم" (أي السابق على الرأسمالية وعولمتها ونوع "الحداثة" التي صحبتها) ودورها في إعادة تكوين المجتمع بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتم التركيز في مقولاتي بهذا الصدد على المقارنة بين نمط "أوربا المسيحية الإقطاعية" من جانب ونمط العالم العربي الإسلامي (قبل الغزو الاستعمارى) من الجانب الآخر، ثم إلقاء بعض الملاحظات حول مقام الديانات والعقائد الميتافيزيقية بشكل عام في عصر الهلنستية (انطلاقًا من الإسكندر ثم الإمبراطورية الرومانية) وفي تاريخ الصين.

وكنت توصلت إلى استنتاج أعطيه أهمية حاسمة، ألا وهو أن مجالات التماثل في دور الأيديولوجية الدينية في هذه المناطق والعصور أهم من أوجه التباين الناتج عن "خصوصيات" كل منها.

كأن الخاص هنا لم يعد كونه تجليًا للعام، وضربت الأمثلة التي أراها مقنعة بصلاحية استنتاجي، وأهمها الاهتمام المماثل هنا وهناك في تطوير فكر يتيح التوافق بين "العقل" (بمعني منطق أرسطو) و"الإيمان".

وقد اقترحت تفسيرًا لهذا التماثل الدال. وهو أن الأيديولوجيا تقوم في جميع هذه المجتمعات التعددية بدور محوري في إضفاء شرعية على نظام حكم له طابع "خراجي" (ويشمل هذا مجموعة من الأنماط الإقطاعية الأوربية وأشكالا أخري "شرقية" إسلامية وصينية وغيرها)، كما اقترحت أن المستوي السياسي (السلطة) هو المسيطر على المستوي الاقتصادي في هذه النظم (في مقابل انقلاب العلاقة وهيمنة "قوانين الاقتصاد" التي تصبح "مستقلة" في النمط الرأسمالى)، وأن النمط المطلوب الفعال للأيديولوجيا المناسبة للقيام بهذا الدور (أي سيطرة المستوي السياسي على المستوي الاقتصادى) هو النمط النمط "الميتافيزيقي المطلق" (في مقابل مقام العلوم الحديثة التي تكتفي بالبحث عن حقائق جزئية ونسبية)، وأن العقائد الدينية (هنا المسيحية والإسلام) مثلت الشكل الذي اتخذه الخطاب الميتافيزيقي المطلوب. علمًا بأن هناك مذاهب ميتافيزيقية أخري غير دينية الطابع قد قامت بدور محوري مماثل في عصر الهلنستية وفي عصر سيادة الكونفوشيوسية في الصين.

كما توصلت إلى استنتاج آخر لا يقل أهمية، وهو أن ظهور الرأسمالية (ومعها الحداثة) قد أنتج انقلابًا في العلاقة بين المستويين السياسي والاقتصادي، وبالتالي أضفي على المستوي الأيديولوجي مقامًا ومحتوي آخر تمامًا. حيث إن مقام الديانة وفهم محتواها قد تجددا، فألغيت المفاهيم القديمة، أو على الأقل- إذا استمر الاعتماد عليها ظاهريًا- فقدت فعاليتها في إدارة المجتمع "الحديث"، في المراكز وفي التخوم.

أما العلوم- بمعني البحث عن حقائق جزئية ونسبية- فقد أصبحت أهم من البحث عن الحقيقة المطلقة الشاملة.

5- وبالتالي فإن الإسلام السياسي هو ظاهرة حديثة وليس استمرار لظاهرة قديمة. هذا هو ما قلته بالتشديد عليه.

قلت أكثر من هذا. قلت إن جميع المذاهب والحركات النشطة في الساحة في العالم المعاصر، والفاعلة في المجالات المختلفة الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، هي "حديثة" لأنها- بكل بساطة- لا يمكن فصلها عن واقع الرأسمالية، فالليبرالية الديموقراطية البرجوازية (المحافظة والإصلاحية)، والمشروعات الاشتراكية (الاشتراكية الديموقراطية والشيوعية التاريخية)، والفاشيات، والأيديولوجيات القومية وتحت القومية، وأيديولوجيا العنصرية للاستعمار، وخطب المقاومة للشعوب المضطهدة، وحركات الانعاش الديني في أشكالها المتباينة من السلفيات والأصوليات، وكذلك المذاهب التي تدعو إلى إعادة قراءة العقائد للتكيف مع مقتضيات المستقبل مثل لاهوت التحرير، بل والطوائف والبدع العديدة الظاهرة في الساحة كل يوم، فجميع هذه الحركات حديثة الطابع وليست "بواقي من الماضي".

6- إن الاعتراف بأن الحركات المذكورة هي حديثة الطابع مقولة مرضية بحد ذاتها. فالمشكلة هي تحديد معناها ومقامها، وبالتالي توضيح أوجه التباين بينها، والتمييز بين الحركات والمذاهب التي تدفع نحو الأمام في سبيل تجاوز الرأسمالية وتطوير الحداثة، وبين تلك الحركات التي لا تهتم بالإشكاليات المذكورة فتنقل النقاش إلى أرضيات "الخصوصية".

أعتبر نفسي ماركسيًا بمعني أنني أنظر إلى الأدوات التي تقترحها المادية التاريخية على أنها أفضل الوسائل في المتناول للتحليل العلمي في مجال علوم الاجتماع. أقول إنها الأدوات التي تتيح أكثر من غيرها إدراك طابع التحدي الذي تواجهه الشعوب والطبقات ضحايا الرأسمالية ونمط حداثتها. علمًا بأن التوظيف الخلاق لهذه الأدوات ليس تمرينًا بسيطًا يسيرًا، بل يحتاج إلى التطوير المتواصل.

هناك مذاهب أخري لا تقل أهمية، وهي السائدة في الساحة طالما سادت الرأسمالية. بعضها بدافع صراحة عن جوهر النظام باسم تفوق الليبرالية الديموقراطية البرجوازية (وهابرماس يمثل هذا الفكر)، وبعض المذاهب الأخري الفاعلة في الساحة هي رجعية صراحة (والفاشيات تمثل النمط المتطرف منها). ولكن أزعم أيضًا أن هناك مدارس فكرية تظل تتحرك في إطار سيادة الرأسمالية- طالما تعطي أهمية مركزية لاحترام مبادىء "الملكية الخاصة"- وذلك بالرغم من اتخاذها شكل الخطاب "الديني" (أو شبه الدينى) أو القومي (أو شبه القومى).

وأعتبر أن الإسلام السياسي المعاصر (وكذلك الهندوسية السياسية والبوذية السياسية والمسيحية الأصولية الأمريكية وغيرها) ينتمي إلى هذه المجموعة التي تقدم إجابات لا تعتمد على تحديد علمي لطابع التحدي، وبالتالي تروي أوهامًا خطيرة حول قدرتها على تغيير العالم.

وإذا كان بعض هذه الحركات قد نجح في تعبئة مناضلين من أصول شعبية وفقيرة دليلًا على نوعية طابعها السياسي، فالنجاح هنا لا يعدو كونه وجهًا واحدًا للعملة، والوجه الآخر هو فشل اليسار (الاشتراكي خاصة) في مواجهة المد اليميني الذي تلا انهيار الأنماط التي سادت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتشمل السوفيتية والشعبويات الوطنية لعصر باندونج.

يجب أن نعمم أن الساحة السياسية ليست ساحة تحتلها بالضرورة قوة تقدمية من جانب ورجعية من الجانب الآخر. فقد يحدث أن تحتل مقدم المسرح قوي ينقصها الوعي فيقع المجتمع في مأزق لا مخرج منه. وهو أمر لا ينفرد الإسلام السياسي به، فقد كتبت أن العديد من الحركات التي تشكل "المنتديات الاجتماعية"- ولو نادت ببعض المبادىء التقدمية وقدمت بعض التحاليل المفيدة- إلا أنها لم تطور بعد- وإلي اليوم- تنظيرًا على قدر التحدي.

لقد بادرت مبكرًا بنقد مشروعات باندونج وبيان حدودها وتناقضاتها، فنشرت عام 1963 كتابًا عن مصر الناصرية أبديت فيه مخاوفي من أن تنتهي التجربة "بالعودة إلى حظيرة الكومبرادورية" (ألفاظي في الكتاب) الأمر الذي تحقق فيما بعد باسم "الانفتاح، وأن تملأ موجة "إسلامية" الفراغ الأيديولوجي الذي خلقه الفكر القومي البحت، وهو أيضًا ما حصل. نعم، أفتخر بصلاحية هذه التنبؤات التي توصلت إليها باكرًا.

7- لا أزال أرفض جميع أنواع القراءات "الثقافوية" للتاريخ والسياسة. وأقصد من وراء هذا المصطلح تلك المقولات القائمة على تصديق "ثوابت" يُزعم أن الشعوب و"الجماعات" تتسم بها، فتفرض انفراد كل مسيرة من المسيرات التاريخية المتباينة ظاهريًا. وذك سواء أكان لهذه الثوابت مصدر ديني أوغيره (ثقافى)، نافيًا بذلك فعل قوي تفرض نفسها على صعيد تاريخ الإنسانية بأجمعها، واقترحت التركيز في التحليل على ما أسميته "الثقافة السياسية التاريخية" بديلًا للخطاب الفارغ من "الخصوصيات" و"الثقافة" (دون صفة تنعت بها).

ذكرت أن الأيديولوجيا القومية معرضة لخطر الوقوع في الفخ، بمدحها للقومية بأسلوب تنقصه روح النقد، وفي أحوال عديدة إعادة كتابة التاريخ حتي يناسب توجهات الأيديولوجيا.

لقد اتهمت المقاربات والمقولات أوروبية التمركز- بالتحديد- بالثقافوية، وهو عنصر لا مفر منه لإضفاء مصداقية لأطروحاتها حول "الخصوصية الأوربية" و"الاستثناء الأوربي" و"المعجزة الأوربية" و"انفراد أوربا باختراع الحداثة". ولكني اتهمت أيضًا "التمركز الأوروبي المعكوس" (وهو المصطلح القوي الذي استخدمه جلال العظم) الذي تتسم به الثقافويات الشرقية، الإسلامية، العربية وغيرها في آسيا وأفريقيا. ولأنني أعطيت الأولوية لمفهوم العام، فقد قدمت مبكرًا في كتاب مشترك مع أندري جندر فرانك صدر عام 1978 أطروحة تزعم أن الحداثة ومعها الرأسمالية كانتا في المخاض في مناطق أخري خارج أوروبا.

وفي كتابات تالية استكشافية تجرأت بقول إن الصين قد بادرت في اختراع الحداثة والرأسمالية قبل أوروبا بثلاثة أو خمسة قرون. وأشرت هنا إلى التطور نحو تعميم علاقات التبادل التجاري على نطاق لا سابق له في تاريخ أوروبا قبل القرن التاسع عشر، واختراع نمط البيروقراطية الحديثة، وإلغاء "الدين السياسي" واستبداله بمبدأ العلمانية، واتخاذ خطوات في التقدم التكنولوجي ضمنت تفوق الصين إلى أيام الثورة الصناعية، كما ذكرت ما هو معلوم عن علامات بزوغ نمط التحديث والرأسمالية المحتمل في الحضارة العربية الإسلامية في مرحلة ازدهارها.

8- بيد أنني دعوت أيضًا إلى إعادة قراءة النهضة العربية للقرن التاسع عشر وهي حركة أخذ اليسار العربي بشكل عام- البرجوازي الديموقراطي والشيوعي فيما بعد- ينظر إليها "بكسل"، على أنها فتحت السبيل للخروج من الانحطاط، فالدخول في التحديث بما فيه تبلور القومية العربية بصفتها ظاهرة حديثة. فوضعت إصبعي على التباس فهم النهضة العربية "لأختها" –النهضة الأوروبية- وغياب إدراكها معني ومدي "نقد الدين" في الأخيرة ودعوتها للعلمانية. وقد أدي هذا الالتباس إلى إجهاض مشروع النهضة وفتح السبيل لسلسلة ردات تالية قادت في نهاية المطاف إلى الإسلام السياسي المعاصر.

هذا ولابد من أن نعي أن انتصار "الرأسمالية التاريخية"- بمعني ذلك النمط الذي تكاملت عناصر تكوينه في أوروبا- ومعه انتصار الحداثة الموازية لها (ولو أنها حداثة مشوهة) قد وضع نقطة النهاية لاحتمال اختراع أنماط أخري للرأسمالية والحداثة نابعة من أصول ثقافية أخري.

فأنتج هذا التطور تحديًا جديدًا لا مفر من مواجهته كما هو.

9- إن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" حقيقة في المجتمعات الغربية المعاصرة، وبالتالي فإن حساسيات ضحايا التوسع الاستعماري في مواجهتها أمر طبيعي ومفهوم.

بيد أن هذه الفوبيا ليست الوحيدة التي أخذت في التصاعد خلال العقود الأخيرة. فهناك أيضًا "صينوفوبيا" تجلت في الحملات الوقحة للدفاع عن الثيوقراطية البوذية القائمة على نظام الرق والتي يقودها الدلاي لاما في التبت.

لم تفاجئني هذه الظواهر. إذ إنني توصلت في تحليلي للتحدي المعاصر للرأسمالية "المتهالكة"- كما أسميتها- إلى توضيح الأسباب التي دفعت الاستعمار الجماعي للثالوث (للولايات المتحدة، أوروبا، اليابان) لتبني مشروع يسعي إلى تكريس نظام عالمي قائم على مبدأ "الأبارتهيد" على صعيد عالمي (ألفاظي في تحديد المشروع)، أي بكلمة أخري مشروع حرب متواصلة ضد جميع شعوب الجنوب، لا ضد المسلمين فقط.

10- لا يصح الجمع السريع بين ظاهرة إسلام الضواحي الشعبية في أوروبا وأمريكا وظاهرة الإسلام السياسي في المجتمعات الإسلامية. فظاهرة "إسلام الضواحي" لا تعدو كونها انتفاضة مهاجرين فقراء، شأنها شأن احتجاجات اجتماعية أخري. فهي رد فعل على ممارسات تمييز لها طابع اجتماعي طبقي قبل أن يكون ثقافيا.

علمًا بأن المشروعات السياسية التي تسعي إلى إعادة ترتيب المجتمع على أساس تنظيم "جماعات ثقافية"- باسم "احترام الفروق"، وهو مبدأ مقبول في حد ذاته- هي في نهاية المطاف سياسات تكرس التمييز، لا تلغيه. فليس صدفة أن الحكومات الرجعية في الولايات المتحدة وبريطانيا على الأخص هي التي تنادي بهذا النوع من "الحل" للمشكلة.

وسوف يخطئ اليسار- في رأيى- إذا ساند هذا المشروع الرجعي وبحث عن تحالف على أرضيته مع الجماعوية الفاعلة في صفوف المهاجرين؛ حيث يؤدي هذا إلى مساندة مشروع السلطة، ولو دون وعي.

أزعم أن مسئولية اليسار تقع في مجال آخر، وهو المشاركة في تنظيم نضال المهاجرين من أجل ضمان تنفيذ حقوقهم في العمل والسكن والتعليم والصحة، بالإضافة إلى المساواة في التعامل معهم.

11- إن تناول موضوع الإسلام السياسي عبر خطاب عام يغفل تنوع الظروف الملموسة المحيطة والمتغيرة من قطر إلى آخر، يحمل بالتأكيد مخاطر خطيرة، فينبغي تفادي هذا الجمع.

لذلك فقد اقترحت التمييز بين الإسلام السياسي في السعودية وباكستان من جانب وفي البلاد الأخرى- على الأقل- من جانب آخر. فالوهابية في الجزيرة العربية تعد ظاهرة خاصة، وتجليًا لنمط غليظ للعقيدة هو نتاج لمجتمع ظلت تحكمه أشكال عتيقة من الممارسات المجتمعية تجاوزتها المجتمعات الإسلامية الأخري منذ زمن بعيد، سابق على الإسلام نفسه. ثم أصبح هذا المذهب أيديولوجية لدولة هي نفسها أصبحت حليفًا مرؤوسًا للولايات المتحدة. على أن الثروة النفطية قد خلقت ظروفًا مناسبة لانتشار المذهب الوهابي في صفوف الإسلام السياسي السني المعاصر، ترتبت عليه ردات تدميرية واضحة، في سلوك رجعي لأقصي حد، خاصة بالنسبة إلى النساء، واختزال العقيدة في شكلية طقوسية، وعنصرية طائفية متعصبة في مواجهة الشيعة.

ويحمل "الإسلام السياسي" في باكستان "عيب الولادة". فالهند وطن موحد حضاريًا بالرغم من تنوع الانتماءات الدينية، وقد انتشر الإسلام فيه بمرافقة الغزوات الإيرانية والتركية والمغولية. بيد أن الطبقة التي استولت على الحكم باسم الإسلام في مناطق شاسعة من القارة ظلت صغيرة من حيث العدد، بينما الشعب- بما فيه هؤلاء الذين أسلموا- ظل هنديًا، لغويًا وثقافيًا وحضاريًا.

ونمت حركة التحرر الهندي بالتشديد على وحدة الوطن مع احترام التعدد الديني، في إطار مشروع دولة حديثة علمانية إلى حد ما. هذا بينما اجتهدت السلطات البريطانية لتفريق الحركة (وهذه السياسة بديهية عند الاستعمار بالطبع). هكذا اخترع الإنجليز- بمعونة المستشرقين في خدمتهم- مذهب الإسلام السياسي الذي تبناه أبو العلاء المودودي، والذي أقيمت على أساسه دولة باكستان. وينطبق ذلك على أصحاب السلطة كما ينطبق على هؤلاء الذين أقاموا فيما بعد أحزابًا "إسلامية" معتدلة (في صفوف الفئات الوسطى) و"متطرفة" (عبأت مناضلين في الأوساط الأكثر فقرًا").

هذا بينما يحتل الإسلام السياسي في المجتمعات الأخري مقامًا مختلفًا. فالدولة هنا أقيمت على أساس الاعتراف بتعدد أوجه الذاتية وتصديق مبدأ الوطنية (أو القومية) العربية وغيرها (إيرانية، أندونسية). وانطلاقًا من هذا الموقف خطت مجتمعات هذه الدول خطوات- ولو محدودة- نحو علمنة النظم.

فليس الإسلام السياسي هنا هو ظاهرة "ما بعد كولونيالية" كما يزعم مذهب "ما بعد الحداثة" (الموضة الأمريكية)، بل هو ظاهرة "ما بعد باندونج" بمعني أنها ازدهرت على أنقاض مشروع باندونج.

تختلف إذن الأوضاع فيما يخص مقام الإسلام في تعريف الذاتية. ففي السعودية وباكستان تم تجاهل بل والتنكر للذاتية الوطنية، لصالح التصديق على انفراد الذاتية الإسلامية، على خلاف الوضع في البلدان الإسلامية الأخري.

ومما ترتب على إنكار الوطنية: فتح الباب أمام التصديق على ذاتيات "تحت وطنية"، إقليمية في باكستان وقبائلية في الجزيرة، تفعل فعلها المدمر الذي يغلق باب التطور، وتم- إلى الآن- التغلب على هذه الأمور المدمرة بفضل الثروة النفطية في الجزيرة والدكتاتورية العسكرية في باكستان. فأغلق باب التطور الديموقراطي الذي يعتمد أصلًا ضرورة تغليب الذاتية الوطنية.

لم يكن الإسلام في حد ذاته محور المقاومة ضد الكولونيالية، كما يحلو أن يقال في أيامنا (وهذا هو إلى حد كبير اختراع حديث وتزييف للتاريخ الحقيقى). ويقوم مثل الجزائر دليلًا قاطعًا في هذا المضمار. فلم تقاوم السلطات الفرنسية "الإسلام"، بل على العكس من ذلك اعتمدت على رجال الدين السلفيين وأعطت لهم سلطة تنفيذ الشرعية على أهل البلد. حتي أن الجمهورية الجزائرية الجديدة هي التي بادرت في تطوير- خجل- نحو علمنة القانون، وليس الفرنسيون. فالمفارقة إذن هي أن الحركات الإسلامية تطالب بالعودة إلى ممارسات النظام الكولونيالى!

علي أن الخطوات التي خطتها نظم باندونج في هذا المجال ظلت محدودة للأسباب التي ذكرتها، أي غياب التقدم الديموقراطي الصحيح. ووجدت العديد من هذه النظم في تصديق الجانب الديني للذاتية (سوا كان الإسلام أو الهندوسية أو البوذية أو غيرها) خيارًا مفيدًا في مواجهة "الخطر الشيوعي"، خاصة عندما بدأت شرعية شعبوية تلك النظم تتآكل. هكذا فتحت الناصرية الأبواب لإنعاش ما أصبح فيما بعد الإسلام السياسي كما ذكرت في كتابي الباكر عن "مصر الناصرية".

واليوم تمثل القوي الثلاث البارزة التي تحتل مقدم المسرح (النظام، الإسلام السياسي، الليبرالية "الديمقراطية" حليفة الولايات المتحدة) أجنحة لطبقة واحدة، هي الكومبرادورية.

12- يقال إن الإسلام السياسي يحارب الولايات المتحدة وبالتالي لا يجوز استبعاد اعتبار هذه الحقيقة الواضحة عند تقييم دوره. وهذا هو بالفعل ما تقوله الولايات المتحدة والتي لا تستطيع أن تقول غيره، لأن هذا الحرب هو المبرر الوحيد الذي يعطي "شرعية" لمشروع السيطرة العسكرية على الكوكب باسم "محاربة الإرهاب"، خاصة وسط الرأي العام في الغرب فينبغي أن ننظر إلى هذه "الحروب" عن كثب.

إن حركة الطالبان هي التي تطلق النار على جيوش الاحتلال في أفغانستان. بيد أنهم مستعدون لأن يتحولوا إلى حلفاء واشنطن شرط أن تنسحب القوات الأجنبية. وهنا وقعت واشنطن في فخ حقيقي فالانسحاب مستحيل إذ يلغي تمامًا مصداقية الحجة القائمة على محاربة الإرهاب. فلا شك أن بن لادن لا بد أن يظل موجودًا، وتصريحاته مفيدة، تأتي دائمًا في الوقت المناسب.

أما في العراق فالواقع- للأسف الشديد- هو أن "الإسلاميين" لا يحاربون فقط قوات الاحتلال وخدامها. هل يمكن إغفال نجاح الخطة الأمريكية في إثارة الحرب الأهلية بين السنة والشيعة؟ ولئن فشلت الخطة الأمريكية السياسية، بمعني أن السلطة المرؤوسة الحليفة لم تكسب بعد درجة من المصداقية تستطيع بها أن "تحكم" في غياب قوات الاحتلال، إلا أن المقاومة العراقية من جانبها تظل عاجزة عن دحر القوات الأمريكية. فالمقارنة مع فيتنام في غير محلها إذ إن الفيتناميين طردوا العدو عسكريًا ، وذلك دون الاعتماد على دعوة دينية الطابع. فهل أيديولوجيا الإسلام السياسي بريئة من هذا الفشل؟

نعم.. ألحق حزب الله في لبنان هزيمة بجيوش إسرائيل، بيد أن الشيوعيين أثبتوا أيضًا قدرة مماثلة عندما كانوا يمثلون القوي الرئيسية في جنوب لبنان، ثم تحالفت إيران وسوريا لإحلال حزب الله محلهم. وقد تم ذلك في جو حياد إيجابي من قبل الدول الكبري التي خشيت هي الأخري "الشيوعية" أكثر من "الإسلامية".

وفي الوقت نفسه أدخل حزب الله لبنان في مأزق سياسي إذ إن مشروعه غير مقبول خارج الشيعة، بالإضافة إلى أن مساندة جماهير الشيعة هي نفسها أمر مشكوك في حقيقة، بالرغم من أن الولايات المتحدة وآيات الله تحلوا أن تكرره.

وهل أثبتت حماس في فلسطين قدرة في مواجهة العدو الإسرائيلي تفوق فعالية قوي بديلة احتمالية؟ هل يمكن إغفال أن إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا شاركت في إفشال هذه البدائل؟

لم يعلن الإسلام السياسي الحرب ضد الولايات المتحدة. هي الولايات المتحدة التي اتخذت المبادرة بإعلان الحرب ضد جميع شعوب الجنوب في إطار مشروعها العالمي. وقد اختارت واشنطن منطقة "الشرق الأوسط" للقيام "بالضربة الأولي". ولم يكن اختيار واشنطن هذا لأن الشعوب الذي تسكنها مسلمة. بل لأسباب أخري، بالأساس: الثروة النفطية وموقعها الجغرافي الذي يتيح استيطان قواعد عسكرية دائمة فيه قادرة على تهديد الصين وروسيا والهند (إذا احتاج الأمر).

وقد لاحظ ذلك جميع المختصين بالجيوستراتيجا مثل حسنين هيكل. وذكرته أنا منذ أوائل التسعينيات. وقد أثبتت التطورات التالية- أي تغلغل النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطي والقوقاز- صلاحية تحليلنا للهدف الاستراتيجي الأمريكي الصحيح.

ولو غابت التناقضات التي ترتبت على بسط المشروع العسكري الأمريكي لكان التعايش بين واشنطن ونظم "إسلامية" تحكم بلدان المنطقة أمرًا يسيرًا وطبيعيًا، على نمط التحالف العضوي مع السعودية وباكستان. فالإسلام السياسي هو للاستهلاك المحلي فقط، لا يمثل خطرًا على سيادة الاستعمار سياسيًا واقتصاديًا.

وبالعودة إلى "الاسلاموفوبيا" التي تستغل بالفعل التطورات المذكورة، فلا صعوبة في إدراك الأسباب التي دفعت جماهير شباب الغرب لتنتظم في مظاهرات وراء صور هوشي منه وجيفارا وإعلام فلسطين، لا وراء آيات الله وبن لادن. وهو ما أتمني أن تفهمه شعوبنا أيضًا.

13- نعم. أدافع عن العلمانية وفصل مجال السياسة والدولة عن الدين فصلًا نهائيًا. العلمانية هي شرط إقامة ديموقراطية خلاقة دون حدود، متحررة من واجب تدعيم مبادراتها بإعادة تفسير الماضى- الديني وغيره- من أجل إضفاء شرعية للتغيير المطروح. علمًا بأن الحدود التي يفرضها هذا المنهج تقف دائمًا عقبة في سبيل تجذير الحركة.

لذلك شاهدنا أن جميع الثورات الكبري التي فتحت الأبواب لخطوات حاسمة في إنجاز الديموقراطية والتقدم الاجتماعي (ولو أن تطورات لاحقة قد فرضت ردات في بعض الأحيان) قد لجأت إلى أنماط جذرية من العلمانية.

وبشكل عام ظلت إنجازات العلمانية بطيئة فتجلت في خطوات إلى الأمام، ولحظات تردد وردات، رافقت أمواج المد والجزر في مسيرة "التحديث" البرجوازي، وانبثاق مبادرات شعبية تجاوزت حدود الأولي وفتحت آفاقًا نحو الاشتراكية، كما رافقت الردات التي أصابت هذه المبادرات.

وقد تعددت أشكال العلمانية البرجوازية التي نشأت في أوروبا لإنهاء الحروب الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت، فأنجزت خطوات أولي خجلة لم تتجاوز حدود مفهوم "التسامح" المتبادل.

ولقد تكوّن المجتمع الذي أصبح فيما بعد الولايات المتحدة على أساس هجرة طوائف عانت من اضطهاد السلطات القائمة في أوروبا (انجلترا خاصة) فاستوطنت في أمريكا معتمدة مبدأ التسامح، وإلي يومنا لم يتجاوز مفهوم العلمانية هناك حدود التسامح.

أما العلمانية الجذرية فهي ظاهرة أخري ظهرت في عصر الثورات الكبري انطلاقًا من اللحظة اليعقوبية للثورة الفرنسية. وفي المقابل لم تخط العلمانية في معظم بلدان أوروبا (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وغيرها) بخطوات جذرية مماثلة بسبب تنازلات البرجوازيات في مواجهتها للنظم الأرسطوقراطية القديمة التي اعتمدت بدورها على نفوذ وسلطة الكنائس.

فتقدمت وتراجعت حركة العلمانية بحسب حركة الكتل الاجتماعية السائدة والحاكمة في تحديد شروط إعادة تكوين المجتمع الرأسمالي. هكذا نشاهد في أوروبا في المرحلة الراهنة ردة في مجال العلمانية توازي رجعة الديموقراطية إلى الوراء، نتيجة تحكم الأوليجاركية الاحتكارية المنفردة في السلطة. ويقدم نص دستور الاتحاد الأوروبى- وما يحيطه من خطاب حول "الأصول المسيحية" (بل اليهو- مسيحية عند البعض) للحضارة الأوروبية- دليلًا على هذه الردة.

وقد تخلفت مسيرة العلمانية في تخوم المنظومة العالمية لأسباب بنيوية تتعلق بتخلف البرجوازية ثم ضعف الكتل التي قادت حركات التحرير الوطني. لذلك نشاهد هنا خطوات خجلة فقط تميل إلى العلمانية ولا أكثر. وتمثل تركيا الكمالية نمطًا من هذا النوع من التقدم المحدود المدي.

بيد أن تسجيل غياب مبادرات جريئة نحو العلمانية ليس عذرًا للتخلي عن النضال من أجل دفع الحركة إلى الأمام (كما أن تسجيل غياب الديموقراطية ليس عذرًا لقبول الأمر الواقع!)، بالأولي اعتبار أن العلمانية "غير مطلوبة"، أو على الأقل أن عليها أن تتكيف مع خصوصيات الحضارة المحلية باسم "احترام الفرق".

لا فرق في هذا الصدد بين مجتمعات المراكز والتخوم. فالمطلوب من الجميع هو التقدم نحو إقامة وتكريس ديموقراطية خلاقة، وهي تفترض بدورها تقدم العلمانية الصحيحة التي تفتح آفاق الاشتراكية عبر مراحل انتقال طويلة ومتتالية.

فلا تخص العلمانية- بل العلمانية الجذرية- الشعوب "المسيحية" فقط كما يزعم الإسلام السياسي والسلفية المعاصرة. وإنما يهم إنجازها الجميع، فالمجتمعات الإسلامية لن تتقدم دون فصل الدين عن الدولة والسياسة، والهند لن تتقدم دن إلغاء الطابع المقدس لنظام الطوائف الاجتماعية (نظام "الكاست") في علاقته بالعقيدة الهندوسية، والشعوب البوذية لن تتقدم دون إلغاء النظام الثيوقراطي للدلاي لاما. وبدون إقامة ديموقراطية خلاقة لن تنجز هذه المجتمعات تقدمًا اجتماعيًا ملحوظًا ولا خطوات حاسمة في سبيل التحرير من تسلط الاستعمار في شؤونها.

إن عصرنا هو عصر ردة على جميع المستويات، في البلاد الإسلامية والأخري، في الجنوب والشمال. فأصبحت مواجهة هذه الردة مواجهة صريحة تفرض نفسها على الجميع، دون استثناء.

14- لا يقتصر موضوع موقع العقيدة الدينية ومقامها في التاريخ- بل في تصورات المستقبل- على إشكالية العلمانية. ولست من هؤلاء الذين يعتقدون أن التأملات حول ما "فوق الطبيعة" سوف تتلاشي وتنتهي "من نفسها"* فكتبت أن الإنسان "حيوان ميتافيزيقي"، يحتاج إلى هذه التأملات ليتغلب على كرب الحياة، وأن أفضل النظم الاجتماعية (بما فيها الاشتراكية "المتكاملة" للغد البعيد) لن يلغي هذه الحاجة. وأشارك هنا تلك الجملة التي كتبها ماركس والتي أثارت الكثير من التعليقات الملتبسة في شرح معناها- أقصد المقارنة التي طرحها ماركس بين الدين والأفيون. فالأفيون دواء لا غني عنه لتخفيف شدة الألم. بيد أن تناول هذا الدواء يحمل في طيه خطرًا جسيمًا وهو التنويم والتخلي عن البحث في أسباب الألم وبالتالي إنماء قدرة مقاومة المرض**.

اجتهدت في كتابات أخري في قراءة تاريخ الديانات (ولا سيما المسيحية والإسلام) بالتركيز على التحولات في تفسيرها التي أتاحت لها أن تتكيف مع تحولات المجتمع، وبالأخص تلك التحولات التي أتاحت للمسيحية أن تتكيف مع التطور من الإقطاعية إلى الرأسمالية. كما تابعت المجهود الذي يبذله البعض من علماء اللاهوت في طرح مفاهيم جديدة للعقيدة تتمشي مع مقتضيات النضال من أجل الاشتراكية. أقصد هنا بالطبع لاهوت التحرير. ورحبت بهذه الحركة الفكرية التي تمثل أحد روافد الالتقاء مع التنوع الذي أدعو إليه. أقول إن العالم الإسلامي هو الآخر في حاجة إلى تحريك فكره الديني لكي يحقق هو الآخر تكييف الإسلام لمقتضيات المستقبل. وإن النضال في هذه الساحة- وإن لم تكن الساحة التي أتحرك أنا بالأساس على أرضيتها- لا يقل أهمية عن أي نضال آخر.

علي أنني قد توصلت إلى أن العالم الإسلامي لم يدخل بعد- للأسف- في مرحلة التحول المطلوب فقلت إن نهضة القرن التاسع عشر لم تعِ بمدي التحدي الحقيقي، والآن يرفض الإسلام السياسي فتح باب هذا النقاش، مكتفيًا بجملة فارغة "الإسلام هو الحل".

كان الأخ السوداني محمود طه قد فتح باب الاجتهاد وفقه التحرير، وقد حكم عليه نظام النميري، الإسلامي رسميًا بالإعدام. ولم تحتج شخصية واحدة تزعم الانتماء إلى تيار من تيارات الفكر "الإسلامي" المعتدل أو الجذري والثوري على هذه الجريمة الفاحشة.

ليس الإسلام السياسي حركة "إنعاش ديني". كلا هو حركة سياسية توظف الخطاب الديني، بل توظف خطابًا سلفيًا دون تحفظ. فاختزلت العقيدة معه إلى ممارسات طقوسية. لقد كرس الإسلام السياسي العودة إلى مفاهيم عصر الانحطاط، لا غير.

فليس من الصدفة أن الإسلام السياسي قد فتح باب العودة للتمييز الطائفي، وفتح باب التعصب وتصاعد الكراهية بين السنة والشيعة.

اتمني أن يدرك القارىء تمامًا موقع نقاشي، دون التباس. فقد وجهت نقدي "لتسييس الدين" بمعني تعبئة الإيمان في خدمة مشروع سياسي، أيًا كان، كما يفعل "الإسلام السياسي". فالتشديد على نعت "السياسي" في محله تمامًا.

أما تناول إشكالية "الفكر الديني" فهو موضوع آخر وقد أبديت بهذا الصدد ملاحظات تخص التفسيرات المتباينة التي تتابعت واصطدمت في التاريخ. وكان مجهودي يسعي إلى كشف الأسباب التي تفسر هذه الأطروحات على أرضية سمات ومشاكل المجتمع المعني.

لم يكن هدفي كشف ما هو "الدين الصحيح" (الإسلام الصحيح، أو المسيحية الصحيحة، أو حتي الماركسية الصحيحة!). فلم يكن لاهتمامي طابع ميتافزيقي، بل تاريخي علمي بحت.

علي أن للمؤمن الحق المطلق- الذي لا أنكره- في البحث عما يراه الإيمان الصحيح في إطار العقيدة الدينية التي ينتمي إليها، فللمؤمن هنا الحق في أن يختار السلفية، كما له الحق في أن يختار مذهبًا آخر يدعو إلى تطوير تفسير العقيدة، "فتح باب الاجتهاد" إذا رأي ذلك ضروريًا لانعاش الفكر الديني نفسه.

أما الخلط بين المنهجين، أي الخلط بين تناول مشاكل الفكر الديني وتناول مشاكل الفكر السياسى- ولو زعم هذا الأخير أنه "فكر ديني"- فهو أسلوب أيديولوجي رخيص.

15- ما العمل إذن؟ ما هي مقتضيات إعادة بناء الشروط التي تتيح ازدهار الفكر وتطوير العمل كي يتحقق التحرر والتقدم؟

لقد رفضت في هذا المجال أطروحة "الليبرالية السياسية الديموقراطية المزعومة"، ورفضت بالتالي قولها أن التطور المطلوب يمر في المجتمعات الإسلامية بالتنازل في مواجة مطالب "الإسلام". فليس الاعتراف أن "العقيدة الدينية" تحتل مقامًا هامًا في هذه المجتمعات أكثر من بديهية. هل يجب أن نستنتج من هذه البديهية أن "التفاهم" مع الإسلام السياسي أمر ضروري، لا مفر منه؟ كلا إذ يفترض هذا الموقف احتكار الإسلام السياسي تمثيل المقام المذكور للعقيدة. على العكس من ذلك أقول إن دحر أوهام الإسلام السياسي هو الشرط لانعاش العقيدة نفسها، إلى جانب إنجاز التقدم في جميع مجالات الحياة الاجتماعية. تلك مسئولية اليسار التقدمي، وهي مسئولية حاسمة. وللنضال في الساحة الأيديولوجية أهمية لا أود التقليل من أهميتها.

علي أن محور النضال الأساسي هو الصراع الطبقي على أرضية التحديات الملموسة التي تواجهها الطبقات الشعبية التي تعاني من الاستغلال والاضطهاد.

فالمعارك الحاسمة التي سوف تحكم اتجاه التطور نحو الأفضل أو الأسوأ هي المعارك من أجل ضمان حقوق الكادحين، حول العمل والأجور، التنظيم النقابي الحر، حق الأحزاب والتظاهر، حق الفلاحين في الأرض التي يزرعونها، حق حصولهم على وسائل استغلالها، حقوق المواطنين في التعليم والصحة والإسكان.

ليس الخوض في هذه المعارك بديلا للنضال من أجل الديموقراطية وللنضال ضد الاستعمار وأعوانه (وخاصة إسرائيل). بل على العكس من ذلك سوف تظل المطالب الديموقراطية والعمل ضد الاستعمار والصهيونية شعارات فارغة، وفي نهاية المطاف خطابا لن تقتنع الجماهير به دون الخوض في المعارك الطبقية. فالجبهة الاجتماعية الوحيدة التي تستطيع أن تقود إلى إنجاز الأهداف الديموقراطية والتقدم الاجتماعي والتحرر من سيادة الاستعمار هي تلك الجبهة الشعبية القائمة على مبدأ الالتقاء مع التنوع بين مختلف فئاتها.

**************************

* نتيجة التقدم العلمي، لست أنا من أنصار "العلموية".

** ولست أنا من أنصار العلموية. علماً بأن منهج العلموية يقوم على انحصار الفكر في تراكم المعلومات العلمية.
رابط الموضوع
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=345292
.

صلاح النصري
مشاركات: 607
اشترك في: السبت يوليو 01, 2006 12:32 pm

مشاركة بواسطة صلاح النصري »

زمن محمود بعين سمير أمين
{ كان الأخ السوداني محمود طه قد فتح باب الاجتهاد وفقه التحرير، وقد حكم عليه نظام النميري، الإسلامي رسميًا بالإعدام. ولم تحتج شخصية واحدة تزعم الانتماء إلى تيار من تيارات الفكر "الإسلامي" المعتدل أو الجذري والثوري على هذه الجريمة الفاحشة.}
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ماذا نصنع براعي الغنم السوداني؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »





ماذا نصنع براعي الغنم السوداني؟


تناقل الإعلام الأسافيري حكاية مثيرة صار اسمها " راعي الغنم السوداني"

https://www.youtube.com/watch?v=Flskox1O62s

الراعي، في لسان العربان، هو الشخص المسؤول من رعيته.
و " الرعية " تدل على الماشية كما تدل على المرعى نفسه، لكن الإستخدام السياسي للعبارة قديم، و هو يدل على عامة الناس الذين عليهم راع يرعى مصالحهم ، و مواطنوا البلد هم رعاياه..
و في التقليد الديني النصراني تدل عبارة " الرعية " على الأتباع أو مجموعة الأشخاص الذين يتبعون كنيسة معينة ، و البروتستانت يسمون القس راعيا. و في السيرة النبوية حكايات عن ذلك الراعي الطفل الذي سيرعى أمة بحالها في سنوات رشده، و في الأثر " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته".
لكن شخصية "راعي الغنم" ظلت على الدوام مسندا لأسوأ أنواع التنميط الإجتماعي في مشهد صراع طبقات المجتمع العربسلامي. فراعي الغنم يعامل غالبا بشيء من التعالي ـ و قيل الإحتقار ـ بالذات من طرف أهل الطبقة الوسطى الحضرية، المغتربين عن الواقع الإجتماعي و الثقافي لبلادهم و أهاليهم. . و الإحتقار يبدأ من التصغير الشائع و غير المبرر للفظة بعبارة " الرويعي". و الراعي ـ في الغالب ـ عامل مأجور فقير و أمّي، لا يملك الأغنام التي يرعاها، و شرطه الإجتماعي يجبره على ممارسة مهنة ليس فيها كسب يذكر، و يقال أنها لا تحتاج لأي مهارة أو خبرة مهنية [ كما في حالة المهن ذات العلاقة بالبهائم و التي تعتبر أعلى شأنا من الرعي، كمهنة الجزار أو الطباخ أو سائس الخيول أو الطبيب البيطري]لأن كل ما هو مطلوب من راعي الغنم يتلخص في مراقبة البهائم التي في عهدته.
وقد كشفت لي الحكاية، التي صارت تعرف بـ " حكاية راعي الغنم السوداني"، أن " راعي الغنم السوداني " يمثل في المشهد الشعبي لإعلام بلدان النفط كتنويع سوداني داخل موضوعة "راعي الغنم" التي قد تشتمل على رعاة مهاجرين من بلدان متنوعة. و ضمن التراتب العرقي ـ الظاهر و المضمرـ لمجتمعات البترودولار ، و هو تراتب يستبعد المهاجرين السودانيين بشكل طبيعي من قمة الهرم العرقي المتواطأ عليه بين عربان مملكة "الدنمارك" [ و كل شي في الحيا جايز!]. هذا التنويع السوداني لصورة " راعي الغنم" يموضع راعي الغنم السوداني في اسفل سافلي الهرم الإجتماعي لمجتمع ممالك النفط و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.طبعا راعي الغنم السوداني لا فرصة له في البقاء وسط هذا الضغط النفسي الجبار الذي لا يطاق لبشر ، إلا لأنه ، هو نفسه،" ود قبايل " و " ود فقرا" [ " مرتاح نفسيا" كما قال! ] ، و يقيم على ميراث عرقي و عقائدي مضاد ، منعتة النفسية تفوق صفاقة محدثي النعمة من خصومه العربسلاميين "أولاد القبايل" السعودية، ممن أصابتهم عولمة رأس المال في عز قناعاتهم العرقية و الدينية فصاروا يتشبثون بقشور الميراث الديني[ أو و العرقي] البائد كما يتشبث الغريق بقشة وسط الموج.

ولو أعملنا النظر في شريط الفيديو المبذول على" يوتيوب" فسنرى هيئة الراعي الفقير المظهر و هو يتحدث و يتبسم بمسكنة مع نفر من الأعيان على ظهر سيارة فارهة.أحدهم يخاطبه بإلحاح ظاهر عارضا عليه المال لقاء واحدة من النعاج التي في عهدته، بينما الآخر يسجل الواقعة بكاميرته:
"ـ بيع لنا واحدة!
ـ طيب اعطنا واحدة!
فيرفض الراعي بينما يظهر نص على الشاشة: [ الحساب عسير يا الله].
يصر الراعي على موقفه و يقول بانه" بياكل من حلال و مرتاح نفسيا"!.
يظهر نص جديد على الشاشة :[ مخافة الله تقوي القلوب ــ المخافة من الله لا تقاس بالمال ــ يشوفني الله ..]. بعدها يدخل صوت الواعظ المنتحب المرتاع و هو يتوعد المسلمين بعذاب يوم الحساب. .ينتهي مشهد المبايعة برفض قاطع و مفحم من "راعي الغنم السوداني" بأن" الله بشوفني" ! و يستمر تداخل المؤثرات الصوتية مع الحوار فنسمع في العمق الصوتي للشريط انشادا دينيا بمصاحبة آلات موسيقية ،و يعلو صوت الواعظ و هو يحكي حكاية إبن عمر مع راعي غنم " إفريقي" [و قيل : سوداني] آخر، من زمن[ بائد؟ مندري؟!] كان الناس فيه يسترقون الناس" و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"!. في هذه الحكاية الموازية الخارجة من ثنايا العصور الوسطى ، نجد نفس الدراما ، بين راعي غنم و شخص من علية القوم يمتحنه في أمانته و يراوده عن نفسه، فيقول راعي الغنم :
" إن قلت للمالك: أكلها الذئب ، فماذا أقول لله؟".فبكى ابن عمر و قال : كلمة اعتقتك في الدنيا، أسأل الله أن تعتقك يوم القيامة!" .
طبعا الحكاية لا تذكر شيئا عن عواقب تلك الكلمة الخائنة التي تحرض عبدا فقيرا على السرقة ، تماما كما حصل في حكاية " الشباب" السعوديين الذين لم يسائلهم أحد عن ما حفزهم على تحريض راعي الغنم السوداني الفقير على إرتكاب السرقة. لماذا ؟ لأن ذلك العبد الذي صمد في وجه غواية ابن عمر و هذا الراعي السوداني الذي صمد في وجه غواية " الشباب" السعودي ، يمثلان في المشهد الإجتماعي، القديم و المعاصر، كأشخاص بلا قيمة، نوع من سقط المتاع الذي يتصرف فيه الناس على كيفهم و لا رأي لهم.و في نفس الوقت فالدونية القصوى التي توصف حالهم كعبيد أو كأجراء، في قاع الهرم الإجتماعي ، ضرورية لرفع كفاءة الموعظة التي تتوجه لطبقة مالكيهم أو/و مخدميهم لا فرق!.

من يتأمل في هذا الفيديو لا بد له من أن يتساءل ببراءة :
ما الذي حفـّز هؤلاء الأعيان على ركوب سيارتهم الفارهة و الخروج للبادية و مراودة راعي غنم فقير عن نفسه و اغراءه بالمال ليبيعهم ما لا يملك، ناهيك عن تعريض أنفسهم لجرم" استلام المال المسروق"؟
و على أي وجهة كانت هذه الواقعة الغريبة ستتطور لو قبل " راعي الغنم السوداني " أن يبيع هؤلاء الأعيان واحدة من البهائم التي في عهدته ؟ للإجابة على مثل هذا السؤال فهناك إحتمالان:
إما أن يبيع الراعي إحدى أغنامه و يقبض الثمن و يأخذ الأعيان الأراذل البهيمة المسروقة و "لا مين شاف؟ لا مين درى؟"!. و في هذه الحالة فإن شريط الفيديو يصبح قرينة تدين هؤلاء الأعيان قبل أن تدين الراعي الفقير.[ و ابن عمر حسابه عند ربه]، أو أن الأعيان الحمقى يأخذون شريط الفيديو و يفضحون الراعي لدي السلطات التي لا بد لها أن تدينه بجريمة السرقة التي يحد السارق فيها بقطع اليد.و في هذه الحالة لا أحد يدري كيف ستقيم المحكمة هذه الصفقة المفخخة بمتفجرات العرق و العقيدة ، و ما حكم من يحرض الناس على السرقة؟
و لا بد أن اللبس الأخلاقي البائن في موقف الأعيان المحرضين على السرقة هو ما دفعهم لإخفاء هوياتهم لأن المشاهد يرى راعي الغنم السوداني بينما يختفي الأعيان خارج الإطار دون ان يكشفوا عن وجوههم. والشريط وضع في يوتيوب بدون تحديد لهوية من صوره. كل هذه التساؤلات البديهية لم تحفز المعلقين المتحمسين على التأني في طبيعة الملابسات التي تمت ضمنها حكاية "راعي الغنم السوداني".
و من يشاهد شريط الفيديو يفهم أن هذا الشريط تعرض لعملية " تأطير " آيديولوجي استخدمت فيه جملة من تقنيات تنظيم الصور و الحوار و التعليق الخارجي المكتوب و المسموع والتأثيرات الموسيقية و الدرامية المصاحبة. هذا التأطير الآيديولوجي مقصود منه طبخ وسيلة تأثير جماهيرية تخاطب المسلمين في داخل المملكة السعودية و في خارجها. فالراعي سوداني فعلا و هيئته تدل على فقره و رقة حاله.إنه واحد من ملايين العمال المهاجرين الذين وفدوا لمجتمعات البترودولار يبحثون عن الرزق و يقبلون بشروط عمالة قاسية أدخل في نمط الإسترقاق منها في أي نظام تخديم آخر. هذا الراعي يقف في مسكنة ظاهرة و ابتسامتة تستعطف الشباب الميسور الذي توقف عنده و دعاه من داخل السيارة الفارهة في نبرة متعالية " تبع لنا واحدة؟". و على الشاشة يظهر النص كما عناوين أفلام الإثارة " شباب يختبرون أمانة راعي غنم". و هؤلاء الـ " شباب" الأماجد لا يحتاجون لتعريف ، فهم " شباب و السلام. و يوم يتوصل الناس لمعرفة هوياتهم فلا مفر من استنطاقهم في طبيعة الدوافع التي حدت بهم لتنكب كل هذه المشقة الرعناء.
هذه المنازعة لن تنتهي عند هذا الحد و لا بد أننا سنعود لفرز خيوطها الكثيرة المتداخلة و استخلاص الدروس النافعة من ثناياها الكثيرة.
حكاية " راعي الغنم السوداني " تضيئ الأزمة الأخلاقية لأبناء الطبقة الوسطى السعودية الذين يحاولون الإحتماء من طوفان التغيير الثقافي المعولم [ ميد إن يو إس إي] وراء متراس العصبية الدينية و العرقية المسلحة بالبترودولار ، و هم موقنون من قلة كفاءة حصنهم الهش على كافة المستويات. ذلك أن " هؤلاء الناس" لا يداخلهم أي شك في كون يسرهم المادي المتأخر ، ما هو إلا صدفة وجودية استثنائية سوّغتها قسمة المغانم الكولونيالية بين الأقوياء و صانتها شروط جيو بوليتيك الحرب الباردة. و هذا اليسر المادي المذنب لا يمثل كثمرة طبيعية لتطور حضاري و تنموي أصيل في بنية المجتمع الحقيقية ، و إنما من صُدفة تاريخية سوّغت انتمائهم السياسي لهذا المجتمع الملكي الذي لم يكتف بإنتحال حق القوامة على المسلمين فحسب ، بل صار يبيع و يشتري ـ باسمهم ـ في سوق السياسة الشرق أوسطية بجاه البترودولار .
و التنويه بالتحولات الإجتماعية و السياسية في المملكة السعودية مماطفح بعد المنازعات التي نقلتها أجهزة الأعلام ، مثل قضايا قسمة الثروة النفطية و اصلاح السلطة السياسية ، و مراعاة حقوق الإنسان، و المساواة بين الجنسين و منح الحقوق الإنتخابية للمرأة،و قبول التعليم المختلط كما في مثال جامعة الملك عبد الله المختلطة، و ما كان من ضغوط أمريكا لإصلاح مناهج التربية الدينية، لغاية رد الفعل الرسمي و الشعبي تجاه ظاهرة "الربيع العربي" بين مصر و اليمن و البحرين و سوريا و الحملة المعادية للأجانب و ابعاد الوافدين [لحد الإعتداء على العمال المهاجرين الأثيوبيين!], كل هذه التحولات تخلق وضعية إجتماعية مركبة تفرض نفسها على كل مهتم بسياسات المملكة الداخلية و الخارجية .فالمراقب يلمس ظهور نزعة قومية سعودية تحملها طبقة وسطى ميسورة متطلعة للإنفتاح على العالم ، تتقصد بناء نسخة هوية وطنية سعودية " إعتدالية" مفارقة لنسخة الهوية الدينية الكونية الإسلامية التي حملها الدعاة الوهابيون فيما وراء حدود الإنتماء العرقي و الوطني حتى صارت "علامة مسجلة " لموقف المملكة بين الأمم.
ضمن هذا السياق السياسي الثقافي المركب و العامر بالشد و الجذب بين الفرقاء، ترد حكاية "راعي الغنم السوداني" كواحدة من تعبيرات الصراع بين حرس المجتمع السعودي الوهابي المحافظ و سدنة النظام الجديد المنفتح على ثقافة العولمة المعاصرة .و فيما وراء صراع "المحافظين" و "المعتدلين" ، فشخصية " راعي الغنم السوداني" تمثل في ساحة هذا الصراع السياسي السعودي/السعودي كمثل الكرة التي يركلها خصوم اللعب دون أن يسألها أحد عن رأيها في ما يطالها من ركل . لكن هذه الوضعية السلبية لـ "راعي الغنم السوداني"، تتغير لو نظرنا لهذا الصراع السعودي السعودي من مسافة أبعد . مسافة طبقية كونية تجعل من" راعي الغنم السوداني" ، و جملة رعاة الغنم الآخرين ، خصوما أصلاء في المنازعة الطبقية الكبرى العابرة للقوميات و الأوطان و الأديان، و التي بدأت تفرض مناظيرها على الفرقاء بمنهج في الفرز الآيديولوجي يعرّف الأحلاف و الخصومات على أساس المصالح الطبقية لهؤلاء و أولئك. و الإنتباه لهذا الواقع السياسي الجديد الذي يطرحه تطور الصراع الطبقي الكوني في شروط العولمة ضروري لكل من يحاول عقلنة هذه الحكاية السعودية الغريبة المعرفة بـ "حكاية راعي الغنم السوداني"!.و لعل أبسط الدلائل على كونية البعد السياسي لهذه الحكاية السعودية تبدو في مدى الإنتشار الشعبي الواسع الذي نالته على الشبكة الإسفيرية و الترجمات السريعة لشريط الفيديو[ للإنجليزية و حتى للغة مسلمي البوسنة!].وسط هذا الحريق المتسارع يبدو الفرقاء السعوديون كمثل رجل يمتطي صهوة وحش هائج و لا يدري كيف يتصرف.و ذلك لأن هذ الشريط الذي أريد له أن ينطرح كهدية بروباغندا سياسية غايتها
تمجيد النسخة الوهابية من الإسلام المعاصر انمسخ لغما يتفجر اسئلة محرجة حول المرامي السياسية لمن اطلقوه . و هي مرام تتجاوز الواقع المحلي لحركة الوهابيين السعوديين لتلامس مجمل حركات الإصلاح الديني في المجتمع الإسلامي: ماذا نصنع بالدين في شروط عولمة رأس المال؟؟ ماهي طبيعة المشروع الإجتماعي الذي نتصوره لأهالينا كمسلمين ؟ بأي منهج يخوض فقراء المسلمين المعركة الطبقية التي فرضتها عليهم دوائر رأس المال المعولم ؟و بأي منهج يتم تعريف الخصوم و الحلفاء في منظور المنازعة الآيديولوجية المعاصرة؟


سأعود
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »

صورة
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

صحيفة المدينة تنشر مقابلة مع مصوّر مقطع الراعي الأمين :

https://www.al-madina.com/node/512109/%D ... .html?live
محمد عبد الجليل الشفيع
مشاركات: 155
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 11:11 am

مشاركة بواسطة محمد عبد الجليل الشفيع »

لم أتحمس لمشاهدة الفيديو، شاهدته صدفة في إحدى القنوات التي قدمته كنموذج للمسلم المثالي .. بدا لي أن الأمر مفبرك ولكن طريقة كلام الراعي جعلتني أستبعد الفبركة، فلو كان يملك قدرة على التمثيل إلى هذا الحد لشق لنفسه طريقاً آخراً غير البقاء وحيداً في حر صحراء لا النفس راضية بها ولا الملتقى من "شيعته كثب".
قلت في نفسي معقول أصبح وجود شخص لا يملك المال يقاوم الغواية ويتحلى بالأمانة مسألة تستحق كل هذا الاحتفاء ؟ لماذا؟ تساءلت أيضاً لماذا لم يغضب الراعي أمام الإلحاح على مطالبته بخيانة مسؤوليته. لقد أدى واجبه كما يجب .. لماذا تم التعامل مع الحدث عبر وسائط إعلامية كثيرة، كأنه أم المعارك؟ حقاً إن لم تستطع تحقيق إنجاز في الواقع فأشعله في الخيال.
ليت قراءة الواقعة تمتد لتشمل ما حدث من احتفاء شكلاني مبالغ فيه وسط المنتديات السودانية.
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »


سلام جميعا

على رأي المَثَل: اتنين لو قالولك راسك مافي! المسو

فما بالكم بــِ

راعيــَّين إن أصبحا "فولة" واحدة؛ كيف تفتِّش الجوال..!؟



................


بعد قراءة سريعة لِــ ماذا نصنع براعي الغنم الســوداني؟
أضف رد جديد