جون قرنق دي ما بيور: باقية روحك يا إنسان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

جون قرنق دي ما بيور: باقية روحك يا إنسان

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

لله ما أعطى ولله ما أخذ! فهل من متعظ؟! أعزي الشعب السوداني، بكبد حرى، في فقيد بلادنا الكبير، الشهيد الدكتور جون قرنق دي مابيور، ولا أقول إلا ما يرضي الرب. فقدت البلاد قائداً فذاً، جسد معاني الحرية، والتوق للعدالة. أحبته الملايين، لأنه منهم، واحتضنته قلوبهم. فصار رمزاً لوحدة السودان ولأصالة أهله الطيبين، المتسامحين، الوادعين، التواقين للخير.

مثل نموذج الدكتور قرنق خلاصة المخاض السوداني لانجاب قادة سودانيين وحدويين خلص. هذا النموذج سيظل منارة ملهمة للسودانيين من كافة الأعراق والأديان والنواصي والنواحي، إن قدر لبلادي الثكلى أن تستعيد توازنها بعد فقدها لإبنها الكريم، البطل، المغوار. وقدر بلادي المقدور هو أن تستعيد توازنها، عاجلاً كان ذلك أم آجلاً. نعم، ستستعيد بلادنا توازنها لأنها أنجبت قرنق، لا في جسده المشرق، الوضاء، فحسب، بل في قرنق الرؤية والرسالة، المتمخضة عن تاريخ يتلوى من عذابات متتابعة، في مخاضات يتلوها ميلاد تلو الميلاد.

دكتورقرنق كان يدرك بأن مشروعه امتداد لتاريخ عريق، وبأنه ليس إلا تعبيراً عن المسارات المتعرجة لهذا التاريخ. ولهذا فإنه كان يدرك بأنه يعيش في صدفة فانية، تحتويها من فوقها، من تحتها، ومن حولها، قسمات الرحمن، نبض التاريخ، روح الأوطان. ولأنه كان يدرك ذلك، قال في أول كلمة له في الخرطوم بعد نزوله فيها ظافراً "السلام دا ماحقي أنا ولا حق البشير، السلام دا حقكم انتو." هذا قول رجل يدرك بأن الشعوب باقية ما بقيت الأماكن والأزمان. هذه رؤية رجل يتجاوز نفسه لينطق التاريخ في الحاضر وهو يرى ففيه المستقبل.

أهدانا الله رجلاً صلباً تميز بالاتساق في المواقف وبنبل المقاصد وسطوة البصر وحدة البصيرة. وهذه هبات لا يمنحها عز شأنه إلا لذوي الحظوة عنده. وقد كان الدكتور قرنق من هوؤلاء. ولله ما أخذ.

أهدانا الله رجلاً عزيزاً لا يقبل المهانة، لا من قريب متآمر يتدلسه، ولا من بعيد خائفٍ، كاذبٍ، سارقٍ، يستأسد على الضعفاء، تتخطفه الأوهام. هذه العزة منحة لا يمنحها العزيز إلا لذوي الكرامة والهمة والإباء. وقد الدكتور قرنق من هؤلاء. ولله ما أخذ.

أهدانا الله رجلاً ذي بأس شديد، له زئير عند البأس شديد، وقلب رقيق للخير مريد. وهذه فضائل لا تتأتي في نسق واحد، في جسد واحد، إلا لمن وهبهم الله فصوص الحكمة. وقد كان الدكتور قرنق من هولاء. ولله ما أخذ.

أهدانا لله رجلاً وفياً، يصدق أهله ما وعد. والصدق بالوعد من شيم النبيين والصديقين والشهداء. وقد كان الدكتور قرنق من هؤلاء. ولله ما أخذ.

الموت سنة الأولين والآخرين، فلتكن فيه عبرة للجميع. فهو للخيرين خلود مقيم، ذلك بأنهم منارات هدىً، الباقون منهم في الأجساد أو الباقون في القلوب والأخلاد بعد فناء الأجساد. وهو للظالمين، الكاذبين، الطاغين، عبرة تدلهم على أن الحياة مهما طالت قصيرة، وأن أعمالنا هي الباقية. وما اقصرها حياة الظالمين، الكاذبين، الطغاة، في القلوب والأخلاد بعد حرقهم للمفاصل والأكباد!!! وما أخلدها حياة، حياة الصادقين الأوفياء، الذين قطعت طينة الدكتور قرنق من طينتهم الخصيبة.

سيذكر الشعب السوداني الدكتور قرنق ما بقي الشعب السوداني. وسيمحق الله بهذا الشعب الباطل ما بقي السودان!
الخلود يربض في قلوب الناس ويتعاظم في التاريخ. وقلوب الناس هي مسارب أضواء التاريخ. وقد شاءت حكمة العليم أن ينسرب الدكتور قرنق في قلوبنا ليسكنها، وليسكن معنى السودان،كل السودان، في القلب وفي الوجدان.

شاءت سطوة الخبير أن تمزع منا مزعة حية، نابضة، إلى الأعالي، ليبقى المعنى، لتبقى الروح. والله، الخبير، العليم، نسأل أن يرينا الحكمة في فقدنا هذا الجلل، وأن ينير لنا الطريق، فلا نقول إلا ما يرضى الرب فنرضى، مسلمين بعزته وجبروته وبحكمته الرحمانية. سيبقى قرنق القضية. سيبقى قرنق الرؤية. سيبقي قرنق المشروع. وستبقى روح السودان، الساكنة في قرنق الإنسان، في قرنق السودان، ما دام الإنسان، وما دامت أوطان.

ولله ما أعطى ولله ما أخذ!
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

باقية روحك يا انسان
من اجل هؤلاء
من اجل السلام والحرية والعدالة الاجتماعية
باقية روحك ومأثرة نضالك يا قرنق


صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

اخي د. حيدر بدوي ، اعزي نفسي واعزيك في هذا الفقد الكبير.
هذا القائد ، الذي لم يحرث في البحر ولم يقبض الريح يوما يبكي بماء العيون.
وتذكر يا حيدر ، خروج الخرطوم عندما قدم اليها أول مرة في الشهر الماضي كيف كان خروجا ا سطوريا زلزل كل ما كان يعرف بالثوابت في السياسة السودانية.
عزيزي حيدر ، انحياز دكتور قرنق للمهمشين اكسبه واورثه ثقتهم وحبهم الابدي.

عمر
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

نعم، يا عزيزي عمر. دكتور قرنق لم يمض إلا في الرسم. وستكون لحياته في الممات معانٍ عميقة الدلالة، إذ ذهب عنا الجسد، وبقيت صورة البطل بزهائها البهيج.

شق علي قبول فقده بالأمس. ولكني اليوم أجد بعض سلوى في كون حضوره في الذاكرة السودانية كبطل، ذهب في قمة مجده، سيثري الساحة، ربما بأكثر مما لو بقي وتشوهت صورته بسبب تعقيدات الأمور التي بدت في الأفق، داخل الحركة الشعبية، وفي السودان بجملته على وجه العموم. لقد أصبح اليوم أقوى رمز للوحدة، وكأنه عريس يزف لها.

الرمزيات الأسطورية لها حياة خصيبة خاصة بها قابلة لتوليد حيوات وحيوات، ثم يحيوات من ذاتها. ود.قرنق كان بحق بطلاً أسطورياً، يفرقه عن الأسطوريات المألوفة كونه تجسد أمامنا في الحاضر الشاخص بيننا. وستظل رمزيته دافعاً للوحدة بين السودانيين بعد أن رفع سقف الرؤى الوحدوية إلى قمة لن يجروء أحد من قادتنا على التنازل عنها، شمالياً كان أو جنوبياً. نعم، ستحدث انتكاسات، ولكنها ستظل هكذا "انتكاسات" عابرة.

قرنق الرمز سيكون له أثر بعمق أثره الحسي علينا. وربما شاءت حكمة القدير أن تجعل حياته ، ثم ذكراه الأبدية حافزاً للخير بيننا برحيله المأساوي. التراجيديا كانت دوماً محفزاً للرؤى الملهمة. والتراجيديا التي تفقدنا قائداً رؤيوياً أدعي لتخصيب رؤانا من الحوادث العادية العابرة. لكل ذلك فإني قد بدات أستعيد توازني في محاولتي لفهم معنى غياب الدكتور قرنق المدوي.

أذكر جيداً مؤانساتنا في كوستي في النصف الأول من الثمانينات، ، في حي المرابيع، وبيننا الأخ يوهانس أكول، ونحن نتحلق حول الراديو لنستمع للدكتور قرنق - وقد كانت ثورته بعد حديثة تعيد لنا الأمل بسودان جديد. أذكر جيداً يوم استمعنا لتقويمه لحكومة سوار الدهب بأنها مايو الثانية، وأذكر نبرات صوته. يومها بدأت مسيرة عناقنا الوجداني مع هذا القائد الفذ.

هذا العناق الوجداني لا يحول دونه الموت. ذلك لأنه طرف من عناقنا الوجداني مع الإنسان، ومع خالق الإنسان، الحي، الذي لا يفنى.

أعزيك وأعزي صديقنا يوهانس، الذي انقطعت عني أخباره منذ أمد ليس بالقصير في زماننا هذا، زمان الظلم والتهجير.
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

.

الأخ الدكتور حيدر بدوي صادق

لك مني خالص التعازي

في المعني الذي تقوله، معنى بقاء الإنسان متمثلاً في بقاء دعوته وفكره، يرى الشاعر السنغالي بيراغو ديوب Birago Diop في قصيدته "أنفاس"، أن الموتى لا يغادرون الأحياء، وإنما يبقون وسط الناس والكائنات، لمدٍّهم بالحكمة ومنحهم القدرة على الاستمرار ومواجهة تقلبات الحياة.

أحاول أن أترجم إليك هنا مقطعاً منها:

الذين ماتوا لم يبرحوا العالم أبداً:
إنهم باقون في الظل الذي يشع ضياءً
وفي الظل الذي يزداد كثافةً.
إن الموتى لم يُدفنوا في التراب:
لكنهم باقون في الأشجار التي تهتز،
في الغابات التي نسمع أنينها،
في المياه الجارية،
في المياه النائمة،
في الأكواخ، وبين الجموع الغفيرة،
إن الموتى ليسوا بأموات.


تؤكد لنا هذه الرؤية الأفريقية الحكيمة أن القائد جون قرنق لم يمت. إنه "باقٍ بين الجموع الغفيرة".

لك خالص التقدير، ولا أنسى أن أرحب بك وبقلمك بيننا.

نجاة

.
Haydar Badawi Sadig
مشاركات: 14
اشترك في: السبت يونيو 04, 2005 5:28 pm

مشاركة بواسطة Haydar Badawi Sadig »

الأخت الكريمة الأستاذة نجاة،

أشكرك على الترحيب، وعلى التعليق على مساهمتي المتواضعة في التعبير عن فقدنا الجلل، الذي أعزيك فيه حار العزاء.

"أنفاس" بيراغو ديوب معبرة للغاية عن المعنى الذي أردته. لك وافر شكري على الترجمة، وعلى إِشراكي والقارئ الكريم في تلمس دفئ تلك الأنفاس التي تعبر عن الحياة في بديع المعنى والبيان.
أضف رد جديد