كارل ماركس يا عزيزي، عثمان النصيري

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

كارل ماركس يا عزيزي، عثمان النصيري

مشاركة بواسطة حسن موسى »






من الرأس والكراس

ا;كارل ماركس ياعزيزي

عثمان جعفر النصيري
[email protected]



1- فتية آمنوا بشعبهم 2 – فتية آمنوا بعقلهم 3 - لا قديس ولا ابليس والحب على الطريقة الماركسية 4 من أين جاء بعض هؤلاء الناس؟ 5 -اأبو حيان توحيدي مع إيقاف التنفيذ ؟ 6 – ماركس يطأطيء رأسه لمزين جزائري 7 - - ماركسية جلابية وتوب 8 - حتى انت يا بروتس ؟ - 9 - أن جاءكم فاسق بنبأ10
10 - ماركسية بلا دموع 11 -ايام الفاقة 12- يا أيها الحزب ماذا جرى ؟
--------

- فتية آمنوا بشعبهم -1

حنتوب. قهوة عبد الرحيم وراء الداخليات الغربية. قبل نحو 55 عاماً أنصرمت والشمس كانت تشوي الأبدان والوجدان والأدمغة. وقف أمامي عبد المحمود صالح سامقاً – ما شاء الله- ليسمع مني قرار اجتيازه مرحلة الترشيح وقبوله عضواً كامل الأهلية في رابطة الطلاب الشيوعيين. كنا أصحاب ضالة (رايحة) نفتح خشم البقرة.
ما زلت أذكر وجهه وقد أكتسى جدية إضافية:
- وين أداء القسم ؟ سألني فرددت متحفزاً لأذيقه عينة من أسلوب التعامل الجديد المتسم بشيْ من القطامة ( لعل أصلها القتامة) :
- قسم ؟ تعتقد أننا في الكشافة يا زميل ؟
لعله حسب أن الأوان قد حان لبكون بوسعه أن يقسم بشرفه الماركسي بين جملة ةأخرى – هو الآخر. ,ان يردد في أمسيات السمر : " أخي النصر للكتل الجائعة وللمبدأ السائد الخالد وللقمح للزهرة اليانعة - أخي النصر للقائد الواحد وكذلك :... "حسبوه سيساوم وهو في النزغ الأخير – وجدوا حراً يناضل وهو في النزع الأخير| ’ وكنا نروي، كما لو أننا شهود عيان ،عن الجثمان الذي حملته حملته طائرة يقودها موسى بدري أول طيار سوداني الى السودان ..وكيف تجاهلت جماهير عطبرة مبعوث الملك الذي صاحب الجثمان واستقبلت خطاب الرفاعي مبعوث الشيوعيين المصريين بالهتاف – فلتعش ذكرى صلاح ، وقصيدة شكري مرسال..." ولدت سفاحاً فما انت حر فواجه مصيرك او انتحر" التي حفظها عشرات الألوف عن ظهر قلب بلا أشرطة صوتية مسجلة.
---------
في كتيب " آراء وأفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين" أشار عبد الخالق الى ثلاثية نجيب محفوظ وكيف " وجدت البرجوازية الصغيرة نفسها بين حجري الرحى : الحنين الى ماضٍ لا رجعة له والتخوف من المستقبل القلق المضطرب .. وكيف أن حركة الإخوان وجدت " مرتعا ً: دعوة فكرية غامضة وتذبذب في النشاط العملي يطوح يمنة ويسرة" (ص 27).
اما نحن فالصوت الذي عبر عنا في الثلاثية فهو – عندي- هو صوت أحمد إبن أخت كمال أحمد عبدالجواد في السكرية : " إنني أومن بالحياة وبالناس وأرى نفسي ملزماً باتباع مثلهم العليا ما دمت أعتقد أنها الحق إذ النكوص عن ذلك جبن وهروب ؛ كما أرى نفسي ملزماً بالثورة على مثلهم ؛ ما اعتقدت أنها باطل إذ النكوص عن ذلك خيانة – وهذا هو معنى الثورة الأبدية"
( اما عبد المحمود – أمد الله في عمره وفي عافيته – فقد اتيحت له في مقبل الأيام– عن جدارة – فرصة أداء قسم آخر بلا قطامة وانتقم مني لاحقا ،ً ونحن في كلية الحقوق ، فأشاع أنني أعتقد أن " بينسون آند هيدجيز"هي سابقة قانونية : متجاهلاً أن ذلك علامة جهلي لا في القانون ولكن بانواع السجائر الباذخة أنا الذي ما ارتقيت من القامشة الى البرنجي إلا بشق الأنفس.)

لو كان فريدريك انجلز - لأ كارل ماركس - هو الذي كتب " البيان الشيوعي " لتحقق لعبد المحمود صالح ما أراد.: ذلك أن المسودة التي أعدها انجلز للبيان الشيوعي حفلت بأسئلة واجابات من عينة : هل أنت شيوعي ؟ ما هدف الشيوعية ؟ وكبف تنوي تحقيق هذا الهدف ؟
بيد أن ماركس - آخر الأمر- هو الذي كتب المانيفستو في العام1848بعد مماطلة جديرة ببعض أعظم المبدعين أرغمت رابطة أهل العدل الشيوعية التي استكتبته المانيفستو على التهديد باتخاذ مزيد من الإجراءآت ضده في حالة عدم تحرير المانيفستو بحلول أول فبراير من ذلك العام.

2 – فتية آمنوا بعقلهم

قلت لها وهي تقود سيارتها الصغيرة متباهياً كما لو أن كارل ماركس من أبناء عمومتي :
- دار بينغوين للنشر أخرجت لتوها طبعة جديدة من البيان الشيوعي .-
- أجابتني متساءلة :
- تحت تصنيفة الرواية والخيال العلمي ؟
- ونحن في السيارة الصغيرة كانت قد سألتني مرةً بمكرها العذب :
- أيهما الأفضل : جوزيف ستالين أم ادولف هيتلر؟
- بدا السؤال لي أحبولياً كما إن سألت أحداً : " هل أمسكت عن ضرب زوجتك تأديباً لها؟ "
- وهكذا طبقت مسهبا في كيف إن العسف والدموية هو جوهر النازية في ما هو محض تجاوز في حالة التجربة الإشتراكية.
- أجابتني:
- " حين يقودون أحدهم الى منصة الإعدام يقولون له :
- بهذه المناسبة ايها الرفيق سيتم إعدامك لا باسم جوهر الإشتراكية وانما في إطار تجاوزاتها.
- حينها من شأن الضحية أن يجد العزاء! "
وجمت وهلةً لا ألوي على شيء . ثم أضفت مستعيداً مواقعيً : من يقول إن ماركس مسؤول عن ستالين أو يلتسين أو غورباتشوف كمن يقول إن المسيح مسؤول عن محاكم التفتيش أو إن الأسلام مسؤول عن الحجاج ين يوسف او إيدي أمين وكمن يقول إن النباتيين الذين يربون الكلاب ويعشقون موسيقى فاغنر مسؤولون عن أدولف هيتلروصليبه المعكوف.
قالت : من المسؤول عن هؤلاء إذن ؟ ...أنا ؟
قلت : لماذا لا تصبين اهتمامك غلى قيادة السيارة ؟ تحسبين سياقة السيارة لعب أطفال ؟

3 - لا قديس ولا ابليس والحب على الطريقة الماركسية

أبحر ماركس وزوجته البارونة البروسية وطفلاهما الى بريطانيا وبلغوها في 27 اغسطس العام 1949 وبقي في لندن حتى موته في العام .. 1883 .
حين مات ماركس كان بلا وطن أي " بدون " بلغة هذا الزمن. لم يترك وصية بشأن ممتلكاته التي بلغت قيمتها مائتي وخمسين جنيهاً استرلينياً قيمة مجموعة الكتب الهائلة التي اكتظت بها الشقة الواقعة في 41 ميرلاند بارك رود فضلاً عن أمتعته الشخصية التي آلت جميعها الى صديقه إنجلز.

أحد عشر شخصاً كانوا هناك في جنازته . إنجلز قال لهم ' ان اسم ماركس سيظل يتردد عبر الدهور " . ولم يكن في ذلك قد جانبه الصواب.
في يونيو 1850 كان حصل على تذكرة المكتبة البريطانية حيث ظل قابعاً فيها من التاسغة صباحاً حتى السابغة من مساء كل يوم.
السكن كان شقة غرفتي نوم كل شيء فيهما بال او ممزق او منهار: الزوجان والأطفال والمربية المعارة من أسرة البارونة (يا لشقائها) ينامون جميعاً في عرفة واحدة بينما كانت الغرفة الأخرى مخصصة للمطبخ ولعب الأطفال والمكتبة.
الكوارث تتوالى :
أصغر الاطفال "غيدو" مات فجأة في نوفمبر 1850 والابنة فرانسيسكا ماتت وعمرها سنة في عيد الفصح عام 1852 بعد الاصابة بالتهاب رئوي . تلاها الأبن المفضل إدغار الذي مات بالاستسقاء في مارس العام 1855 – ولدى التأهب لدفنه كاد ماركس فيما يقال أن يرمي بنفسه الى داخل المقبرة.
---------
في أول ايام العام 1866 جلس ماركس لأطول من عام يساعد جيني زوجته في نسخ مخطوطة نظيفة من مسودة رأس المال. . أسمى ماركس تلك العملية " لعق المولود لتوه بعد مخاض عسير" .
الصفحات الأخيرة كتبها واقفاً حيث قامت عليه بواسير جعلت جلوسه بالغ الألم .
وكان اعترى ماركس باسور لعين ؛ بخاصةٍ ؛ في ديسمبر العام 1863 وصفه ماركس بأنه فراكشتاين آخر على مؤخرته . وحين شرح الأمر لأبنته ذات الأثني عشر عاماً أجابته : " ولكن ذلك هو بدنك أنت شخصياً " – (هي تفهم في الديالكتيك جيداً أيضاً ). أما ماركس فقد أقسم على أن البرجوازية سيكون لديها اسباب بالغة الوجاهة لتتذكر تلك البواسير التي سببت له كل تلك الآلام وعكرت مزاجه . وأضاف " آمل أن يتذكر البرجوازيون عللي هذه حتى وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة . الخنازير! " .

المجلدان الثاني والثالث أعدهما فريدريك انجلز من ركام من الملاحظات والمقتبسات . أما ما يسمى بالمجلد الرابع " نظريات فائض القيمة " ، فقد صنفه كارل كاوتسكي عام 1905 من ملاحظات كتبها ماركس في الستينيات حول التاريخ الإقتصادي .
معنى ذلك " رأس المال " ، الذي يشهد اقتصاديون عديدون بأنه عمل عبقري ، ناقص ومبعثر في آن وكان ماركس يعد لخروجه في ستة مجلدات متخصصة. ووفقاً لانجلز فالعمل برمته " كان مسودة باستثناء فصلين اثنين : هناك استشهادات من عدة مصادر بلا ترتيب – أكوام منها متراكمة تم جمعها بهدف واحد هو الإستفادة منها لاحقاً.
ذلك يعني ان" رأس المال " ليس كتاباً مقدساً وماركس نفسه لم يطالب بأن يكون هو من بين الثالوث المقدس أو حتى مجرد ولي من أولياء الله. بيد أن الكتاب الذي بذل ماركس عشرين عاماً في انجازه والدي جرى نشره في الغام 1867 ألهم مفكرين واقتصاديين وساسة ومبدعين بلا حدود عبر الأزمان.
وخلال القرن العشرين كان نصف الجنس البشري يعيش تحت – إن اردنا ألا نقول في ظل – تطبيق أو آخر لنظريته.
-----------
حين تقدم طالب طب كريولي في العام 1866 الي ماركس يطلب يد ابنته لورا رد ماركس عليه كتابةً قائلاً :
عزيزي لافارارغو ( وهذا اسمه):
لدي بعض الملاحظات:
اذا كنت راغباً في مواصلة علاقتك بابنتي عليك التخلي عن أسلوبك الحالي في "المصاحبة". انت تعلم جيدا انه لم يتم الدخول بعد في خطبة رسمية وأن كل شيء لم يتقرر حتى الآن. إن الحميمية المفرطة غير لائقة ، حتى في حالة وجود عقد زواج رسمي ، بالنظر الى ان المحبين سيسكنان معاً آخر الأمر لأمد طويل . الحب الحقيقي في نظري يعبر عن نفسه بضبط النفس والحشمة وحتى بالحياء من طرف المحب نحو الشخص محل التبجيل لا - بكل تاكيد - في إطلاق العنان للعواطف وفي تجليات رفع الكلفة قبل الاوان . وإذا كان لك التحجج بمزاجك الهجين / الزنجي فإن علي أن أقف بين ذلك المزاج وابنتي. اذا لم يكن بمقدورك حبها على نحو متوافق مع خطوط العرض اللندنية فيتعين عليك الاكتفاء بحبها عن بعد"
انظر الى ماركس يتصرف كما لو انه قادم لتوه من جبل ام علي منطلقاً عن الوهم بان حملة بعض الدم الزنجي الاستوائي أعواد كبريت شديد ا لاشتعال.
تزوجا بعد شهر من تلك المخاطبة وعاشا في ضواحي باريس
ويبدو ان الزوج فقد ثقته في الأطباء بعد وفاة ثلاثة من أطفالهما .
و في نوفمبر العام 1911 كان عمرها 66 عاماً بينما كان هو في التاسعة والستين . قررا انه ليسى هناك ما يدعو الى المزيد من الحياة فانتحرا معاً.

في احتفال العزاء المشترك كان المتحدث الرئيس مندوب من الحزب الشيوعي الروسي قال ان أفكار والد لورا الفقيد ستتحقق بنجاح في وقت يفوق التصور . كان اسم ذلك المندوب فلادميير أيليتش لينين.

. وهكذا فقد ماركس خمسة من ابنائه في حياته. اما البنتان اللتان عمرا بعده فقد انتحرتا.
رغم تلك الحياة المفعمة بالكوارث والاحزان كان ماركس. يكتب بلا هوادة حيث خرج بنحو خمسين مؤلفاً ما زال صداها يترددعبر الأزمان


4 من أين جاء بعض هؤلاء الناس؟

هناك مسرحية للألماني بريتولد بريخت اسمها " إجراءآت تم اتخاذها " كتبها عام 1929/30 شاهدتها في مسرح البرلينا انسامبل في العام 1969 . .المخابرات الإتحادية الأمريكية كانت ترجمت المسرحية في العام 1940 - فقدمت بريخت بسببها الى المحاكمة أمام لجنة مكارثي سيئة الصيت بتهمة ان المسرحية تروَج للثورة الشيوعية الأممية عن طريق العنف .
. في المسرحية هناك أربعة من المحرضين الثوريين كلفتهم اللجنة المركزية للحزب بلإثارة والتحريض في الصين المجاورة لمساعدة الحزب الصيني وعادوا ليقدموا – بطريقة مسرح بريخت - أمام اللجنة المركزية ، التي تلعب المجموعة أي الكورس دورها حكايتهم مع رفيق شاب قالوا إنه أعاق مهمتهم الثورية أكثر من مرة معرضاً سلامته وسلامتهم الى خطر وهو ما يؤدي بمهمتهم الى الفشل والهزيمة.
أمام الكورس الآمر الناهي الذي يقوم بدور اللجنة المركزية – انقسم الرفاق الى ثلاثة يقدمون دوز المحرضين والرابع الذي يمثل دور الرفيق الشاب :
قالوا إ ن السييل إنسد الى مهرب مأمون للرفيق فتقرر أن يلاقي حتفه بان يرتمي الى هاوية في مستقرها حفرة لاستخراج الجير.

وأمام لجنة مكارثي جلس بريخت يدخن غليونه كسباً للوقت قبل الرد على اتهامات اللجنة ليقول إن مقتل الضحية كان برضى الرفيق نفسه لا بالرغم منه .
. في اليوم التالي غادر بريخت الولايات المتحدة نهائياً
أما انا فقد استعنت بمقطع من تلك المسرحية في العام 1970 كنت طلبت من الصديق ابراهيم شداد ترجمته لي من الألمانية – في كتيب داخلي كتبته يدور حول محل التناقضين الاساسي والثانوي في اطار الموقف من مايو. المقطع يقول:
للفرد عينان اثنتان فقط
أما الحزب فله الف عين
والفرد يرى مدينة واحدة فيما الحزب بوسعه رؤية أراض سبع

وفي أوبرا بريخت التعليمية المسماة "الذي يقول نعم " يفعلها بريخت مرة ثانية: البلدة يكاد يفتك بها داء خبيث دواؤه قد يتوقر في بلدة نائية والطريق اليها بالغ الوعورة. الصبي الذي يتوق الى انقاذ امه من الداء يتوجه، برجاء منها ، مصاحباً لرجال ثلاثة بينهم معلمه. الصبي يعجز عن مواصلة صعود الجبال وسلوك الدروب الوعرة في صحبة المجموعة التي تسأله آخر الأمر :
تريد لنا ان نترك المهمة جانباً لنعود بك لأنك عجزت عن مواصلة الرحلة ؟
فيرد: لا عليكم مواصلة رحلتكم دوني. بيد أنه يستدرك " أود قول شيء واحد : أتوسل ألا تتركوني قابعاً هنا يمكنكم أن ترموا بي الى الوادي لأنني أخاف أن أموت وحيداً .
الرفاق حملوه برفق ورموا به من حافة الجبل الى وهدة الوادي!

ولست أنا – كشيوعي من منازلهم - في وضع يسمح لي بأن أنشد المصير ذاته لبعض هؤلاء الناس ما يهمني ويهم عديديين غيري ألا يكون الحزب ذاته هو ما يتم رميه من علٍ الى الهاوية.
أدرك أن احد اصحاب القتامة قد يرد على سؤالي الاستنكاري القائل " من أين جاء بعض هؤلاء الناس ؟" بأن بعض هؤلاء الناس جاؤا من المؤتمر الخامس لا من خارجه.
يا الطاف الله ! كما يقول أبطال نجيب محفوظ طلباً للغوث


-
.
5 -اأبو حيان توحيدي مع إيقاف التنفيذ ؟

قبيل تسليم ماركس الناشر مجلد رأس المال الأول – وهو الجزء الوحيد من الكتاب الذي أكتمل قبل وفاته – كتب الى فريدريك انجيلز يحثه بالحاح على قراءة قصة كتبها الفرنسي بلزاك (1799-1850 ) اسمها "الفريدة المجهولة." ويبدو أن تلك الحكاية تدور حول رسَام عظيم قضى عشر سنوات يرسم ويعيد رسم لوحة من شأنها إحداث ثورة في عالم الفنون تتيح " أكمل تصوير للواقع" . وحين جاء فنانان مرموقان لتفقد اللوحة وجدا لدهشتهما ركاماً عاصفا وعشوائياً من الألوان والأشكال والفوضى .فصاح هو مزهواً : " لم تكونا تتوقعان كل هذه الروعة ! " .
ولكنه سرعان ما سمعهما يتهامسان : إن تلك اللوحة جرى إعادة رسمها وتلوينها مراراً إلى حد أنه لم يبق منها شيْ ". هنا صاح الفنان واسمه " فرينهوفار" يخاطبهما :
- لا شيء في لوحتي ؟
ثم أمسك الفنان العجوز بتلابيب أحد الفنانين الإثنين : " لا ترى شيئاًهنا أيها المهرج يا نصاب يا صفيق يا كلب ! ما الذي أتى بك الى هنا ؟
ومن ثمة توجه الى الفنان الثاني :
- " أهذا رأيك أنت أيضاً ؟ أنت صديقي .. أخبرني ! هل أفسدت أنا لوحتي بيدي ؟
وجم الصديق ثم أشار الى اللوحة قائلاً :
- أنظر !
- وتظر الفنان الى لوحته وترنح متقهقراً:
- - لا شيء ... لاشيء .. لقد ظللت أعمل فيها طيلة عشر سنوات !
- وتهاوى جالساً وانتحب.
- ثم طرد الفنانين من الأستديو.
- واحرق جميع لوحاته قبل أن ينتحر

لا معنى لحرص ماركس على سرد تلك الحكاية سوى ما كات يخالجه حول " رأس المال ": فالكتاب اقتضى انصرام عشرين عاماً ليكتمل مجلده الأول ما يعني صعوبة كتابة أية أطروحة بتناسق متماسك على مثل ذلك المدى الزمني الطويل : كتب لناشره الالماني عام 1846، والكتاب فات أوان تشره : " لن أسمح بنشره قبل مراجعته مجدداً ؛ قالكاتب الذي يعمل بلا انقطاع لا يمكنه في نهاية أشهر ستة نشر ما كان كتبه قبل ستة أشهر بشكل حرفي " . وكان على الناشر انتظار اثني عشر عاماً قبل إرسال المجلد الأول الى المطبعة". وأضاف ماركس : " العمل يتقدم ببطء لأنه ما أن يشرع الواحد في إكمال اللمسات الأخيرة على موضوع أنفق في دراسته السنوات الطوال حتى تشرع تلك الموضوعات في التكشف عن جوانب تستدعي المزيد من إعمال الفكر"
. ذلك قد يعني عندي أن الماركسية متجددة حتى في منابعها الأصيلة.


6 – ماركس يطأطيء رأسه لمزيَن جزائري
حين أبحر مارس الى الجزائر في 18 فبراير العام 1882 كانت تلك اول مرة يغادر فيها القارة الأوروبية : نزلة التهاب الصدر الحاد التي اسماها المرض الانجليزي اللعين هي التي أرغمته على الهرب من البلاد ..
وخلال ثلاثة أشهر قضاها ماركس في الجزائر لم يقرأ الصحف الا نادراً، مفضلاً التردد على الحدائق النباتية والثرثرة مع نزلاء الفندق الآخرين فضلا عن الحملقة في مياه البحر : ما جدوى الديالكتيك الان؟
في رسالة الى لورا ابنته أعاد عليها الحكاية التي سمعها من مزين جزائري كان له شرف جز شعر ماركس الغزير عن بكرة أبيه ما جعل ماركس يقول " لقد تخليت عن لحية النبوة الخاصة بي وعن المجد الذي يتوج رأسي لمزين جزائري."
والنكتة التي رواها المزين لكارل ماركس كنت احسبها من ابداعات جيلنا ولكنني اكتشفت انها قديمة فعلا وأُقدِّم منها نكتة الخادم الذي قال إن القط هو الذي أكل كيلو اللحم في بيت العزابة قبل قيامهم بوزن القط ليسألوا الخادم : اذا كان هذا هو كيلو اللحم فأين الهر. تلك الطرفة عثرت عليها بحذافيرها في كتاب البخلاء للجاحظ وكنت احسبها أيضاً من إبداعاتنا : الجاحظ المولود عام 150 هجري - كتب في البخلاء:
حدثني جعفر ابن اخت واصل قال قلت لأبي عيينة :
" قد أحسن الذي سال أمرأته عن اللحم فقالت أكله السنور ؛ فوزن السنور ثم قال : هذا اللحم فاين السنور ؟" .
وفي نكتة حلاق ماركس المراكبي يتاهب للإبحار بزورقه الذي يطفو على مياه البحر المتمرده حين ياتيه فيلسوف طالباً العبور الى الضفة الاخرى:
الفيلسوف : هل تعرف اي شيء عن التاريخ أيها المراكبي؟
المراكبي : لا
الفيلسوف : اذ ن نصف عمرك ضايع .
هل درست الرياضيات ؟
المراكبي : إذن انت أضعت اكثر من نصف عمرك
وماهي الاا وهلة حتى هبت رياح عاتية قذفت بالقارب في لجة اليم مقلوباً ظهراً لبطن عندها هتف المراكبي مخاطباً الفيلسوف : هل تستطيع السياحة ؟
اجاب : لا
حينئذ أضعت عمرك بكامله
جاء رد المراكبي والأمواج تتلاطم
- -----
بفضل هذا المزين اضحى كارل ماركس أمرد حليق شعر الرأس والوجه جميعاً وهو الذي كان شعره علامة تجارية مميزة وكان يبدو للبعض مثل فروة الأسد . كان قد أنبت شعر رأسه ووجهه في الجامعة ورعاه بزهو عبر السنين ما جغل احد جواسيس برلين في العام 1852 يجد ضرورياًٍ أن يلاحظ في تقريره أن ماركس " لا يحلق شعره مطلقاً ". ولكن المعجزة تحققت أخيراً على يدي ذلك المزين الجزائري. . من الجزائر كتب ماركس الى انجلز في 28 ابريل 1882 : " لقد تخليت عن لحية النبوة وعن تاج أمجادي لمزين جزائري.
.
وإذا كان مصطفى سعيد قد انتحل لنفسه نسباً يتيح له جداً كان جندياً في جيش طارق ابن زياد زلفى وتقرباً الى " إيزابيلا سيمور" ذات الأصل الإسباني لم يعد امامي الا التسلف من ذلك المزين حيث لم يترك أهل الإنقاذ صحابياً او قرشياً لم يتحدروا منه عنوة واقتدارا.
قلت : هذا المزين الجزائري الذي سلمه ماركس راْسه هو سلفي : رايته ينوي الحج يحسب ان مهنته تتيح له سوقاً رائجا ً بين حجاج بيت الله الحرام ومئات الألوف منهم يتسابقون اليه من كل فج عميق لحلق رؤوسهم امتثالاً للشعائر . بلغ المزين –سلفي - نواحي البحر الأحمر ممنياً النفس بكسب ما يكفي لبلوغ الحجاز فيكَون نفسه . لم يكن يدرك ان الله رماه بين البجه "الفظي واظي" الذين عناهم كيبلينغ والذين يطلقون شعورهم بلا قيد ولا هدى دون ان تقترب منها الموسى .وهكذا همَ بأن يتعرض للسابلة ويتكفف ناس البجة ؛ ولكن لم يبق أمامه أخر الأمرسوى امتهان ختان ذكور أطفال البجة . ولا علم لي كيف تسنى له بعد حالة الفاقة تلك ان يصاهر البجة ويتجاسر فيخلف ذرية منهم. على أنه لا ينعم بوجهوده بينهم طويلاً ، قلت هذا المزين الذي سلمه ماركس راْسه اأتسلفه أي أجعله سلفاً لي رغم أنف عديدين ، وانا الشيوعي من منازلهم لا ازال.
(كنت قرأت أن أحد الحلاقين الأمريكيين باع في العام 2002 في مزاد علني قصاصات من شعر الفيس بريسلي بمبلع 115 الف دولار أمريكي. ولو أن سلفي التعيس قد ترك لنا – نحن ورثته - بضع قصاصات من شعر رأس كارل ماركس لأصبحنا ذوي شأن رغم أنني شخصياً أفضل التأسي بما فعله الخليفة عبد الله حين أطلعه احمد سليمان على شعرة من شعر رأس المهدي فاحت منها رائحة انشرح لها قلبه وتناولها بقصد شمها لا غير وأراد الله ادخالها في فمه فابتلعها ولما طلب الحبيب احمد سليمان امين بيت المال استردادها منه فتح الخليفة عبد الله فمه فلم يجد احمد سليمان الشعرة.) .
فقط كنت أفضل انتلاعي للشعرات عمداً ومع سبق الإصرار..
بيد ان حكاية المراكبي والفيلسوف والتي وصفها ماركس في رسالته بأنها من
حكايات العرب الشعبية قد تكون قد أعادت اليه صدى رواية بلزاك والتي يخسر فيها الفنان نفسه بعد أن صرعه الشك في جدارته.

-----------------------------------------



7 - - ماركسية جلابية وتوب






















اجتماع لجنة مديرية النيل الأزرق الوحيد الذي حضرته تم في العام 61 من القرن الماضي في بيت لم أتبين معالمه بسبب الظلمة. ما انحفر في ذاكرتي من ذلك الاجتماع أمران : يوسف عبد المجيد الذي رايته لأول مرة مرتديا جلابية تبدو مستعملة ولا حديثة عهد بالكواء . كان يتكلم متمهلاً وهو يمسح راْسه الحليق بيده اليسرى من حين الى آخر.
ماجعل يوسف عبد المجيد أسطورة تدعو الى تأمله لم يكن ما أفضى به من قول او تحليل بل ما نما الى علمي من انه يصنع الفول المصري في بيته وبنفسه.
الأمر الثاني تمثل في زميل من وحدة المزارعين قدم للاجتماع بعد ان رفع إصبعه وجاءه الإذن بالكلام حديثا ً مسهباً متئداً عن توصيله مطبوعات لآخرين. .
طبقت أتأمل كيف تسنى للفكر الماركسي النفاذ عبر الحجب جميعها الى مزارعي الجزيرة. عملنا وسط الطلاب يعتبر نزهة سمر مقارنة بالعمل وسط المزارعين او حتى على مستوى الأحياء السكنية في مناطق مثل بلدتي رفاعة,.

شيوعيون أمثال يوسف عبد المجيد وَكامل محجوب والحاج سليمان وإبراهيم حاج عمر وآخرين عانوا الكثير كي يعثروا على لغة تخاطب ماركسية مع هذه الفئات.توصيفهم طبقياً لم يكن أمراَ يسيراً. منتجون صفار لا فلآحين .معظمهم يستعين بعمال زراعيين موسميين لم يكن ميسوراً تنظيمهم فيما يبدو.رغم ذلك أفلح الحزب في جذب طلائعهم وفي تنظيمهم نقابياً.
المزارعون وجماهير الأحياء السكنية لم تكن تعوزهم الفطنة : نظرة واحدة الى المحترف تكفي لقراءة سريرته : نجيض ( ناضج ) ام ني ء ؛ مسيخ هو ام طاعم عينو ملانة ام طايرة بطنو غريقة ام هو افطح ام اضينة وسميع لا اكثر
أكانوا يحكون لهم غن الإشتراكية الطوباوية والمادية الجدلية والديالكتيك ؟
أكانوا يحكون لهم عن البيان الشيوعي وكيف أن تاريخ المجتمعات ما هو إلا تاريخ الصراع الطبقي ؟ أكانوا يرفعون الكلفة مع أسماء مثل سان سيمون وروبرت أوين وهيغيل وفيوبارخ وكارل ماركس وانغيلز وبرودون كما نفعل قي حنتوب كأنهم من خاصتنا ؟
أتتاح لهم نعمة التعرف على بهاء لغة كارل ماركس وهو يذكر محاسن النظام الرأسمالي حاسباً أنه بصدد لفظ أنفاسه الأخيرة : ’ مثل: الكيفية التي محت بها البرجوازية الجدارة الشخصية في القيمة التبادلية و كيف نصبت في محل الحريات الراسخة التي لا عد ولا حصر لها حرية واحدة معيبة هي حرية التجارة. وكيف ان البرجوازية تبدع عالماً على قالب صورتها كماس تضفي – عبر استغلالها للسوق العالمي طابعا كوسموبوايتانياً على الأنتاج والإستهلاك في كل بلد. "
إن من البيان لسحرا حقاً : كيف يمكن نقل سحر البيان الماركسي بلغة الناس حتى يكون مبيناً وساحراً في آن ؟
أكان ممكناً نقل مثل هذا النص باللغة العامية ؟ أكان ممكناً القيام بسودنة اللغة على نحو يشبه ما فعله البروفسور عبد الله الطيب مع لغة القرأن ؟. أكان ممكناً نظم المانيفيستو الشيوعي بالشغر العامي قياساً على الفية ابن مالك ومتن الأجرومية ؟ المعلم الأكبر بابكر بدري صاغ برنامج تأهيل تربوي للمعلمين شعراً قد لا يكون بالغ الغذوبة ولكنه مبين ويسير على الذاكرة .
وفي هذا الزمن الدي تريفت فيه مدن السودان الكبرى الأ يكون هناك محل لحكامات ثوريات ومداحين ثوريين في الأسواق الشعبية . السيد عبد الرحمن كان يعتمدهم وقبله ود حبوبة ايضاً وعديدون بيننا لا سبيل لهم اليوتيوب وغيره. وصيغة المداح الثوري التوربادور قد تتيح أيضاً فرصة الصلة المباشرة بالجمهور وتحمل المسؤولية.
أدرك أن المحك هو تطبيق ما هو ماركسي الى ما هو في أرض الواقع ، ولكنني بصدد سحر البيان أيضاً.
أتقول لناس رفاعة والجزيرة وقتها أن ما رآه ماركس حشرجة موت للراسمالية كان في واقع الأمر لحظات طلق ميلادها؟

تقول هذا في رفاعة بلدتي وفيها من أكمل كلية عردون واكتفى بفتح دكانة متواضعة أو زراعة بضع فدادين أو حتى سياقة لوري خاص به- فيقولون لك لماذا لا تشوف شغلك ؟ هؤلاء يعرفون اسم أمك وبعضهم من حضر ختانك ونفحك العيدية .. كيف يكون لك أن تفرزهم طبقياً أو تحاضرهم عن تاريخ المجتمعات؟
أغلم أن الوضع في السودان تغير من بعض الجوانب الهامة : هناك فيما أحسب حس طبقي إن لن نقل وعياً طبقياً.
أ حسب ان الحزب بدأ مع المزارعين بدراسة مشكلاتهم في ارض الواقع لا بالنظرية المنقولة من الكتب المترجمة ..
أما نحن في رفاعة فقد أقمنا في عطلات المدارس فريقاً لكرة القدم اسمه " الرفاق" ؛ وحسن جبارة الفنان المبدع كان يحي الأفراح بالأغاني الثورية والعاطفية بالمجان بعد أن يجامل العريس كالآخرين. ومحجوب وقيع الله كان يؤسس لنا الجسور مع عبده ساري ومرحوم .وهناك الصادق محمد الإمام والفاتح علي الزين وأبناء عشيرتي :عمر الخليل وعمر بكري وعبد الحليم عوض عمر
البلدة عرفت شيوعيين من قبل نشطوا في مناطق عملهم: عثمان وقيع الله كان سكرتيراً لتحريرً للفجر الجديد " عبد الجليل حسين نور والأمين حسين نور والطيب ابو جديري وهناك الطاهر وقيع الله ومختار غبيد والامين الراجل وفاروق كشة واولاد حمزة وآخرون لا يقلون شأناً.
البوليس السياسي في البلدة تمثل في محمد علي المعروف في رفاعة بمحمد علي البوليس السري . آخر مرة رأيته فيها كان خارجاً من أحد البيوت وكان فيه يلعب الورق ويحتسي المريسة ؛محمر العينين خرج وكان قد سلمه ساعي البريد ، الخليفة علي ، تيلغرافاً بوفاة والدته.
اما تجربة العمل الشيوعي الطلابي فأمرها مختلف وليس هذا مكانها

8 - حتى انت يا بروتس ؟

كارل ماركس كان يغترف من ثقاقات الأزمنة كافة : تعلم من أدم سميث وريكاردو كما أخذ من هيغيل وفيوبارخ وداروين من دون انقياد الى أحد.. وفضلاً عن ولعه بموسيقى السود الأمريكيين والفولكلور الألماني فقد كان مولعاً بكتابات الفر نسي بلزاك. وقد نقلت عنه ابنته اليانور إعجاباً بالشاعر الألماني "هنريش هين" دفعه الى القول إن الشعراء أسماك نادرة وشاذة ويتعين عدم قياسهم بمقاييس الرجل العادي أو الفوق العادي ". كان يعد وليام شكسبير أحد ثلاثة من كتابه المفضلين .بناته الثلاث حفظن عن ظهر قلب مقاطع وافرة من أعمال شكسبير وكان لقبه داخل الغائلة هو ( المغاربي) وهو ما يطلق على عطيل في مسرحية شكسبير المعروفة. واضافت :أعمال شكسبير كانت كتاب العائلة المقدس وحين كنت في السادسة كنت أخفظ يغض مشاهد مسرحياته عن ظهر قلب." وماركس نفسه استشهد بمشهد المواجهة في "تاجر البندقية" بين شيلوخ ومدين اسمه "بورشيا" في ساحة المحكمة . ومن مسر حية " تايمون أثينا" استشهد ماركس في رأس المال بمقولة بطل المسرحية :
الذهب ؟ الأصفر اللمع الرنان الثمين ؟
(......) الوفير من هذا يجعل اأسود أبيض والقبيح جميلاً
والباطل حقاً والخسيس ثميناً والهرم شاباً والجبان شجاعاً
أيتها الآلهة : لماذا وما هذا أيتها الآلهة ؟
وقال ماركس" إن شكسبير هنا يشير هنا الى: 1 - قدسية المال وكيف يحيل الصفات الإنسانية والطبيعية الى نقيضها وكيف يوحد المستحيلات 2 – كون المال عاهر مطلق وقواد للرجال والشعوب "
على أنني قلت إن على الماركسيين السودانيين الراغبين في الإستعانة بشكسبير أن ينهلوا هذه الأيام من " يوليس قيصر ": هناك روما تحتفل بانتصار "يوليوس قيصر" غلى ابناء "بومبي "وهناك "مارك انطوني" يعرض تاج روما ثلاث مرات على " جوليس" الذي يرفضه كل مرة.
والمؤامرة على يوليوس أركانها كاسيوس وبروتس وكاسكا وآخرون حيكت في بستان بروتس. كان كاسيوس قد اقنغ بروتس ؛ صديق يوليوس الحميم ؛ بالانضمام الى المؤامرة حيث قرر ان يوليوس رغم كونه صديقه ورغم انه ولم يقم مطلقا بعمل يضر بروما الا انه يتعين قتله للحيلولة دون ايذائه لاهل روما لدى تتويجه ملكا عليها: حيكت المؤامرة في بستان بروتس الذي شبه يوليوس قيصر"ببيضة الحية التي حين تفرخ تنمو مفعمة بالشر ما يلزم قتلها داخل القشرة."
وفي المشهد الاول من الفصل الثالث وفي مبنى مجلس الشيوخ تنهال الخناجر على يوليوس الذي صغقته مشاركة الصديق بروتس :
" حتى أنت يا بروتس ؟
"مارك انطوني" بخطبته الشهبرة اثار هياج جماهير روما التي لاحقت القتلة حتى ولوا الأدبار من ايطاليا. روح قيصر ظلت تلاحق القتلة في كل مكان كما انكبت تطاردهم قوات مارك انطوني واحد احفاد يوليوس وربيب له .
كاسيوس قتل نفسه بنفسه في ميدان القتال مستشغراً الهزيمة كما انتحر بروتس بغد أن تبين الهزيمة.

لا أحد يريد الإنتحار لآخر في المهزلة السودانية السوداء التي نشهدها . في مسرحية شكسبيركانت النهاية سعيدة وسارة من جهة أن الجريمة برهنت على كونها لا تجدي . أمام مقبرة قيصر خطب مارك انطوني وقال عن يوليوس : " كان الأكثر نبلاً بينهم كافة ".

9 - أن جاءكم فاسق بنبأ

فاسق من جاءك – يا قارئي العزيز- بنبأ وفاة الماركسية لمجرد انهيار الأتحاد السوفباتي وأنظمة أوروبا الشرقية.
المورنينغ ستار " صحيقة الحزب الشيوعي البريطاني توزع ما لا يزيد عن 10 آلاف نسخة يومياً . والصحيفة التي تصدر ست مرات أسبوعياً لم تصدر في اليوم السابع إلا مرة واحدة وذلك لمناسبة انتخاب جيرمي كوربين زعيماً لحزب العمال. الحزب الشيوعي البريطاني لم تتعد عضويته في ذروتها العام 1945 60 الف عضو ولدى حله في العام 1991 بلغت عضويته ( وبينهم عملاء للمخابرات البريطانية والأمريكية 4742 عضوا
و لم يفز حتى بمقغد واحد في مجلس العموم (650 مقعداً) او مجلس اللوردات (724 مقعداً) او البرلمان الاوربي ( 73 مقغداً بريطانياً ) او حتى انتخابات المجالس المحلية البالغة مقاعدها 21و871 مقغداً
وكذلك فان حزب العمال الأشتراكي، المنظمة التروتسكية الأبرز، ليس لها عضو واحد في تلك امؤسسات قط.
أما " سوشياليست وركار " صحيفة الحزب الأسيوعية فتوزيعها بين 8000 و 10000 نسخة
رغم كل ذلك فالزعيم الراهن لحزب العمال البريطاني الذي انتخته العضوية يساري حتى النخاع ومحسوب على الماركسيين تماماً.
ومنذ عام 1920 كان الحصاد البرلماني للحزب الشيوعي البريطاني لا يعدو خمسة نواب نائب واحد في عام 1922 ونائب آخر في عام 1924 ونائب واحد عام 1935 ونائبان اثنان في العام 1945 بزخم دحر النازية ما يعني أن برلمان ويستمينيستر لم يدخله ممثل واحد للحزب الشيوعي منذ نحو سبغين عاماًً
و برغم ذلك فأن أثر الماركسية في الحياة السياسية والثقافية والاكاديمية في بريطانيا تكاد لا تحده حدود ذلك ان الفكر الماركسي يمثل جانباً هاماً من الوجدان النقابي والسياسي والثقافي للبلاد.
.
في مجلة أسمها " الماركسية اليوم " - لاحظ العنوان ؛ والجواب من عنوانه ؛ كنت وجدت في عد\د يناير العام88 لقاء للمسرحي الأمريكي آرثر ميللر مع المؤرخ الماركسي ايريك هوبسبوم قال فيه:
"على أية حال فان المشروع الماركسي برمته اتخذ منحى مختلفاً عندي حيث أن البلدان من ا الصين الى روسيا الى اوربا الشرقية باشتثناءآت نادرة – كانت بلداناً إقطاعية . وحين تنتقل من بلد فيها الى آخر يتعين أن ترى ان الماركسيةٍ قد تكون رد فعل على النظام الإقطاعي أكثر من كونه على الرأسمالية. هذا الأمر أكثر وضوحاً في الصين مما هو في روسيا حيث ان الصين ما زالت بلداً زراعياً في الأساس حتى الآن. هناك طرأ لي أن النظام متقدم على الإقطاع ولكنه ما زال مبنياً عليه كما أن فكرة الرأسمالية لم تطرا هنا بعد .. وهكذا جاز لي أن أتساءل غما إذا كان ماركس يتفاعل دون أن يدري بمرحلة ما قبل الراسمالية" . ويضيف: قد نكون ورثنا ايدولوجية صراع طبقي مبنية على واقع اقطاعي ؛ وما نسميه رأسمالية انتقلت الى فضاء آخر "
يعني أن المنظومة الأشتراكية التي كنا نرنو اليها نموذجاً كانت محض رد على مرحلة سابقة للرأسمالية التي يبدو أنها ما تزال في ريعان شبابها.أي بلغة حفلات العرس في السودان فان ليل الرأسمالية ما زال طفلاً يحبو.

المسرحي الأمريكي أرثر ميللر كان يتكلم عن صين 88 ولكن هناك مفكر ماركسي فرنسي اسمه بروفسور جاك رانسييه كتب – كما جاء في العارديان عددد4 يوليو2012 ان أهمية الرأسمالية على نطاق العالم ترتهن الان بوجود حزب شيوعي صيني يتيح للمناجزات الرأسمالية الوافدة عمالة رخيصة حتى تتدنى الأسعار فيما العمال محرومون من حق التنظيم
وهكذا فان البروليتاريا عوضاً عن دفن الرأسمالية تتيح لها جهاز إنعاش يبقيها على قيد الحياة: العمال الذين حررتهم اكبر ثورة اشتراكية في تاريخ العالم بأجورهم البخسة مدفوعون الى حافة الانتحار ليزيحوا لأهل الغرب اللعب باجهزة الكوبيمتر المحمولة والأي باد. والى ذلك فان الأموال الصينية هي التي تنفخ الروح في أمريكا التي كان مصيرها الافلاس لولا ذلك. ،"
وبروفسور" اريك هوبسبوم نفسه" لاحظ لاحقاًً في كتابه " زمن التطرفات " االصادر في العام 1995 –أن التجربة السوفياتية كانت مصممة لا كبديل اممي للرأسمالية ولكن كحزمة استجابات بعينها لموقف محدد لبلد شاسع بالغ التخلف في منحنى تاريخي فريد لا يتكرر . لقد كان من شأن الفشل الذي احاق بالثورة في بلاد العالم الأخرى أن ترك الأتحاد السوفياتي ملتزماً ببناء الأشتراكية منفرداً في بلد كان وقتها بشهادة اجماع الماركسسن في العام 1917 وبينهم الروس بأن ظروف تحقيق ذلك هي ببساطة غير متوفرة. لقد حققت تلك المحاولة إنجازات بارزة ليس أقلها المقدرة على إنزال الهزيمة بألمانيا النازية ولكن ذلك جاء بتكلفة بشرية باهظة لا يمكن احتمالها ومقابل ما برهن اخر الامر على كونة اقتصاد سردابي مسدود الطريق ونظام سياسي لا يوصف."
وأعاد "هوبسبوم الى الذكر" مقولة جورج بليخانوف " أبو الماركسية الروسية بأن ثورة اكتوبر قد تؤدي في افضل الاحوال الى أمبراطورة صينية باللون الأحمر"
اما الأنظمة الأشتراكية الأخرى فهي قد سارت في لجة المثالب ذاتها رعم ان ذلك كان الى مدى اقل ومعاناة بشرية اقل قدراً مقارنة بالتجربة السوفياتية . ويخلص المؤرخ الماركسي المرموق الى أن نفخ الروح في هذا النمط من الإشتراكية أو بعثه بعد حشره هو أمر لا هو ممكن ولا هو مرغوب أو ضروري حتى اذا كان الظرف مواتياً.
( بروفسور هوبسيوم الذي مات قبل اربعة أعوام كان مديراً لكلية بيركبيك جامعة لندن . رأيته وقد ناهز التسعين يقف لساعات على قدميه ليسلم شهادات التخرج للطلاب واحدأً وأحداً قبل مصافحتهم. ورأيته يمد يده أكثر من مرة ليحي خريجات يرتدين الحجاب كن يعزفن عن مصافحته درءأ للفتنة : يتسلمن الشهادة وينسحبن ويده ما تزال ممدودة . قلت القلم ما زال بلم)

إن فشل التجربة السوفياتية لم يكن مفاجأة تامة لأحزاب وجماعات أوروبية تهتدي بالماركسية مرشداً ومنهاجاً رغم أن هناك اعتراف بين دوائر شبابية بدور الشيوعيين والأتخاد السوفياتي – رغم سيادة الستالينية – في دحر النازية وبأنه لو لا الأتحاد السوفياتي لم يكن لثورات في بلدان مثل الصين وقيتنام وكوريا وكوبا الصمود والبقاء. فضلاً عن أن حركة التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث وجدت عوناً من الأتحاد السوقياتي والشيوعيين على نطاق العالم اجمع.
الفشل لم يكن مفاجأة تامة : من قبل كان ماركس قد كتب عن كميونة باريس :
" الطبقة العاملة لم تتوقع المعجزات من الكوميونة (...) فهي تدرك انها لكي تحقق تحررها يكون عليها المرور عبر نضالات طويلة وعبر سلسلة من عمليات تاريخية تحدث التحولات في الظروف وفي البشر "
"وروزا لوكسمبورغ "- الماركسية الألمانية بولندية الأصل قالت في كتابها عن ثورة أكتوبر في العام 1918 ما يشبه ذلك عن ثورة لأكتوبر الاشتراكية :
" لم يكمن مفترضاً ان يقوم البلاشفة بتحقيق معجزة : ذلك ان ثورة بروليتارية مثالية بلا شق ولا طق في بلد معزول أضنته رهقاً حرب عالمية وتولت خنقه الإمبريالية كما خذلته البروليتاريا العالمية من شانها ان تكون من قبيل المعجزات "

وعلى مدى السنين تعددت منابر العمل الماركسي في بريطانيا على نحو لا يبدو مثلاً يقتدى ولكن عمق الفكر الثوري ورسوخ التقاليد الليبرالية والجذور العميقة لحركات الإصلاح الأجتماعي عبر الأزمان قد يغفر ليساريي بريطانيا هذا التفدع ( وهذه مفردة من أغاني الحقيبة). ذلك أن المزاج البريطاني قد يكون قريباً مما قاله الشاعر والمسرحي النيجيري العالمي وولي شوينكا رداً على دعاة الزنوجة من الفرانكوفيين: النمر لا يخطو في الغابة متئداً وهو يقول : أنا نمر أنا نمر ..شوفوني !. لإنه يكون نمراً وكفى.


10 - -ماركسية بلا دموع

واعتذاراً عن جفاف الفصول الاولى لرأس المال يتيح ماركس في نظريات فائض القيمة المجلد الرابع من راس المال مفارقات ساخرة جعلت البعض يصفها بأنها الأعظم منذ مفارقات البريطاني "جوناثان اسويفت" الذي نصح بان مخرج الأيرلنديين من المجاعة الطاحنة هو ان يقوموا بأكل اطفالهم الفائضين عن الحاجة.
خذ عندك ما كتبه ماركس عن المجرم:
" الفيلسوف ينتج الأفكار والشاعر ينتج القصائد والمجرم ينتج الجريمة. وإذا أتيح لنا النظر عن كثب الى الصِلة بين المنتج الأخير –أي الجريمة- والمجتمع عموما لتخلينا من تحاملات وتحيزات شتى . فالمجرم لا ينتج الجريمة وحدها ولكنه ينتج بالمثل القانون الجنائي كما ينتج البروفسور الذي يحاضر حول قانون العقوبات فضلا عن المؤلفات التي يدبجها ذلك البرفسور و يقذف بها الى الاسواق كسلع ومنتجات. والى ذلك فان المجرم ينتج جهاز الشرطة برمته ونظام العدالة الجنائية: العسس والقضاة والجلادين وغيرهم وكذلك ضروب المناجزات الاخرى التي تمثل صنوفاً من التقسيمات الاجتماعية للعمل وتنمي مقدرات مختلفة للعقل الإنساني وتجترح احتياجات جديدة وطرقا جديدة لتلبية تلك الاحتياجيات" ويضيف:
" المجرم ينتج بالمثل روائع ادبية مثل اوديب وريتشارد الثالث ، والى ذلك فهل كان ميسورا للأقفال والطبل ان تكون على كل ذلك القدر من الجودة والإتقان لو لم يكن هناك لصوص في عالمنا؟ وهل كان ميسورا على الأوراق النقدية ان تكون على إتقانها الراهن لولا وجود المزيفيين ؟
قلت هذه المقولة الماركسية قد تطيب للصوص المال العام من غلاة الإسلاميين السودانيين بخاصة ولكنني اكتفي بقولي انني كنت قد نبهت الصديق نبيل أديب على سبيل القياس بانه لولا دناءة بعض ولاة أنظمة الاسلام السياسي وافتراسهم لحقوق الناس لما فاز بَعضُنَا بميداليات البطولة من الاتحاد الاوروبي ولا بالايجازات العلمية المرموقة.

في باب التهكم على الرأسماليه ومسؤوليتها عن تشريد العمال باستخداهها للآلة استعان ماركس بخطبة دفاع "ليل سايكس " امام المحكمة في رواية ديكنز المسماة " أوليفر تويست" ؛
" السادة المحلفين لا شك في أن رقبة هذا التاجر الجوال جرى قطعها ، ولكن ليست هذه غلطتي : انها غلطة السكين . ايكون علينا بسبب هذه الشاغلة العارضة إلغاء استخدام السكاكين ؟ ان انت ألغيت السكين رميت بِنَا جميعا الى حضيض البربرية ".
-
11 -ايام الفاقة
العام 1862 ولندن برمتها تحتفل بالمعرض العظيم الذي يستعرض في زهو إنجازات منتصف العصر الفيكتوري. كانت عائة ماركس تعيش بالغ الفاقة والعوز: في وقت لاحق كانت مساعدات انجلز المالية تخفف كثيراً من ربقة الفقر:
" كل يوم تقول زوجتي انها تتمنى لو كانت هي والأطفال سالمين في قبورهم ، وانا في الواقع لست قادراً على لومها على ذلك . ان المهانة والعذابات والمهددات التي يتعين على المرء ان يعيشها لا يمكن ان تطاق. احس باسى إضافي للأطفال بالنظر الى ان ذلك كله يحدث في موسم المعرض العظيم حيث ينعم أصدقاؤهم بالمتعة بينما هم قابعون رعباً من ان يحضر من يجدهم على تلك الحالة من الشقاء والفاقة.. ... لا احد يأتي لبزيارتي وانا سعيد بسبب ذلك "
وكلما جاء صاحب البيت لتحصيل لإيجار إفادته جيني حفيدة نبلاء بروسيا بان ماركس غائب في رحلة عمل فيما ماركس متوار تماماً في مكتبه في الطابق الأعلى و أغراض البيت كان قد تم إرسالها لسكان الرهونات وبينها ملابس الأطفال واحذيتهم"
وتصف جيني ماركس البارونة حال الاسرة في العام 1850 :
" دعني آصف لك بصدق يوماً واحداً بعينه من ايام حياتنا : بسبب الغلاء الفاحش في اجور المرضعات صممت على إرضاع وليدي بنفسي مهما عانيت من ألم مرعب في صدري وظهري . ولكن ملاكي الصغير كان يمتص مع حليبي العديد من دواعي القلق والاسى الصأمتة . كان عليلاً وفي الم ممض على الدوام ليل نهار. والى ذلك كان في الأيام الاخيرة يصاب بتشنجات عنيفة .
وهكذا ظل ذلك المولود يراوح بين الموت وحياة بالغة التعاسة . ومن فرط احساسه بالالم كان يرضع بعنف ما أصابني بقرح مفتوح في صدري بحيث يتناثر الدم مراراً الى الفم الصغير المرتجف..
كنت جالسة في تلك الحال ذات يوم حين اندفعت صاحبة الشقة داخلة فجًّا،ة وطالبت بدفع 5 جنيهات مستحقة لم تكن تحت يدينا. اثنان من عاملي التنفيذ القضائي دخلا البيت وحجزا القليل الذي كنّا نمتلكه: أسرة ومفروشات وملابس وكل شيء حتى المهد الخاص بمولودي وأفضل اللعب الخاصة بالطفلات اللاتي سرعان ما انفجرن منتحبات. وهدد الاثنان بالاستيلاء. على جميع الحجوزات في غضون ساعتين وتركتني مستلقية على ارضية الغرفة الخشبية ومعي أطفالي المرتجّفين وصدري المقروح. .
في اليوم التالي كان علينا اخلاء المسكن وكان على زوجي البحث عن سكن ولكن عند ذكر الأطفال الأربعة لا احد يقبل أيواءنا مستأجرين . عفشنا وأمتعتنا الشخصية كانت على الرصيف وصاحب البيت بصحبة رجلي شرطة يتهمنا بضم بعض ممتلكاته الى أمتعتنا الخاصة بينما نحو مئتين او ثلاثمئة من أوباش تشلسي يتفرجون "

ذلك المشهد. كان حال لندن القرن التاسع عشر . اما الآن وبفضل سيادة قيم العدالة الاجتماعية والتكافل التي لعبت الماركسية دوراً في ترسيخها في بريطانيا فان اللاجئين ينعمون بالضمانات الاجتماعية كافة ولا حاجة بهم الى ارتياد سوق اليهود ليفعلوهم ويعطوهم قرش قرشين حسب نصيحة الزبير باشا لفلول حملة النجومي - حسب رواية باكبر بدري..
------------------------
الفاقة بلغت بالانسرة ما جعل ماركس يقول مرة :
" اذا استمر الحال على هذا المنوال سيتعين علي ان امتهن حرفة ما ."
وبالفعل تقدم ماركس بطلب للعمل ككاتب حسابات في شركة السكة الحديدية البريطانية لكنهم رفضوا تعيينه بسبب رداءة خطه. وكنت كتبت في مسرحية لي بالانكليزيّة اسمها " لاجئون .. " ان ماركس لو وجد تلك الوظيفة لاستراح العالم زمنا من الماركسية ولفازت بريطانيا بسكك حديدية أفضل". على انه كتب نحو 500 تقريراً صحفياً لصحيفة امريكية اسمها تريبيون كانت تدفع له عن كل مقالة تنشره لا عن كل واحدة يرسلها لها جنيهين. نصف المقالات كتبها انجلز في الأصل ووقعها ماركس. إحدي فرائده الصحفية تمثلت في الإستهلال التالي لأحد تلك التقارير: " إن المداولات البرلمانية هذا الآسبوع ليس بها مما يثير الأهتمام إلا النذر اليسير" وذلك على سبيل فتح شهية القاريء. هذا الإستهلال قد يضاهي النموذج الشهير المتمثل في العنوان الرئبيب لصحيفة يومية وهو يزعق : هزة أرضية طفيفة: لا مصابين ولا خسائر
وانصافاً للرجل نقول إنه كتب في الغام1884 لأحد اعمامه إنه ظل يضارب في أسواق المال – والبريطانية منها بخاصة واضاف : " هذا النوع من العمليات لا يستدعي سوى اليسير من وقت المرء. إن العملية تستحق : قليل من المخاطرة في سبيل تجريد العدو من بعض أمواله"
-----------
ثمة أيام كان فيها مسكّن آل ماركس مثل عنبر أمراض مستعصية.
من بين الأبناء الأربعة الذين ماتوا تحت سمع ماركس وبصره كان فقد ماركس لابنه اودغار في ابريل العام 1855 صباح الجمعة العظيمة هو الأكثر مرارة . أجراس الكنيسة تدق وجيني تنتحب فيما شقيقتاه تتواريان وراء فستانها هرباً من الكارثة. . ماركس كان بلا أدنى احساس بالعزاء. حين قال له احد الأصدقاء " هناك أحباء باقون ؛ زوجتك وابنتاك وأصدقاؤكم هدر قائلاً : " لا يمكنكم رد طفلي الي" ودفن وجهه بين يديه . وفيما الجثمان يجي إنزاله الى المقبرة بدا كما لو ان ماركس ينوي ان يرمي بنفسه بالمثل .
ولدى العودة الى بيت العائلة في " دين استريت" منطقة "كوفن غاردين" - بعد عطلة قصيرة في ضيافة إنجلز في مانشيستر افترسهم الأاسى . كتب الى احد أصدقائه بعد ثلاثة أشهر ان الفيلسوف بيكون يُزعم ان الرجال المهمين لهم علاقات عديدة بالعالم والطبيعة وكذلك شتى الاهتمامات الى حد انه يسهل عليهم تجاوز أحزانهم . لست أنا احد هؤلاء الرجال الهامين. فقد طفلي هشَّم حياتي حتى النخاع وانا احس بالفقد بحرقة يومه الاول."
"جيني" كانت تحمل العبء الأكبر من عناء السنين لانها كانت تحس أيضاً بعدالة القضية التي نذر ماركس حياته لها.


-----------------------------------------


12- يا أيها الحزب ماذا جرى ؟

" لماذا يتعين على النسر المسن
ان يفرد جناحيه ؟
ت س إليوت : أربعاء الرماد

اعلم ان الحزب الشيوعي يعد لمؤتمره السادس. هناك روايات عن صعوبات يقيمها بعض قياداته . لا اريد ان اتساءل مجدداً : من أين جاء بعض هؤلاء الناس لان احد القاتمين قد يرد مجدداً : " جاوا من المؤتر الخامس يا عزيزي " | لذلك اكتفي بحكاية رواها لي الفقيد محمود صالح عن خلاف حاد نشب بين حسين الشريف الهندي وكان وزيراً للمالية ومرتضى الذي كان مديراً للري : الهندي يرسل اصحاب الحاجات من أبناء الجزيرة برسائل توصية الى مرتضي بتعيينهم في الري في أعمال متواضعة تستر حالهم . على ان مرتضى كان في كل مرة يمزق تلك الرسائل امام المُلا بمجرد قراءتها ويرمي بها الى صندوق الزبالة .
استدعاه. وحين بلغ مكتبه في الخرطوم اخذه في سيارته ليفطرا معاً في بري. ظل الهندي صامتاً حيناً بعد انطلاق السيارة قبل ان يتجه الى مرتضى قائلاً:
" يا مرتضى. .... الري دا حق ابوك ؟
وانا أقول لبعض هؤلاء الناس ان الحزب الشيوعي ليس حق ابوهم
خلال سبعين عاماً من عمر الحزب ساهم مئات الألوف في بناء هذا الحزب طوبة طوبة وبذلوا ما في وسعهم وما زاد كثيراً عن ذلك ، خروجوا من الحزب دون ان يخرجوا عليه..
لهولاء ظل الحزب منهم " في مدينة الجوف ساكن الدرا " ولقد ظلوا عمق الحزب الشيوعي الحقيقي وعصبيته الحقيقية ذلك ان عضوية الحزب الصابرة الصامدة المنتظمة لم تتعد قبيل أكتوبر 64 وأبريل 85 بضع مئاث في كل مرة.
وخلال الأعوام السبعين الأخيرة ساهم مئات الالوف من شيوعيي المدى الطويل والوسيط والقصير كمانً في تنمية الوجدان الوطني والتقدمي عبر بناء النقابات والإتحادات المهنية والإقليمية كما لعبوا الدور الأساس في الإنتصار لحقوق المرأة السودانية وفي الدفاع عن حقوق الأقليات وإثراء قيم البذل والتفاني وانكار الذات وفي ترسيخ مناصرة الحقوق الأساسية كافة.كما أثروا حركة الثقافة والإبداغ بلا حدود.
ولم بكن لذلك أن يتم بلا أخطاء بعضها جاء بتأثير عدوى أمراض بعض حركات اليسار الماركسي المصرية وثقافة العسف الستاليني التي تجعل اختلاف الرأي مؤامرة و ضرباً من ضروب الإنتهازية والخيانة كما نتجت عن صعوبات استراتيجية اتصلت بمشكلات التوصل الى فهم طبقي ماركسي لواقع بالغ الوعورة .
من حق الحزب الشيوعي أن يرى نفسه إرثاً حياً متجدداً لشعب في حاجة اليه الآن أكثر من أي وقت مضى. فرغم أزمة الحركة الشيوغية قاطبة إلا أن ظروف الحركة السياسية السودانية تجعل من بقاء الحزب الشيوعي ونموه أمرأ لا غنى عنه حتى لوهلة.

حكاية أخرى حكاها لي الراحل محمود صالح عن حسين الشريف الهندي وقد ترافقا في لندن في معارضة نظام جعفر نميري : يتردد بعض القادمين الى لندن على مكتب الهندي طالبين التمويل لمشروعات يقولون هم شارعون فيها بالفعل مثل تنظيم العمل النقابي سرأ أو بناء حسور باهظة التكلفة مع عسكريين وغير ذلك . وفي كل مرة كان محمود مسؤول المالية يقول للهندي :
- كلهم حرامية وكذابين يضحكوا عليك . ويجيب الهندي كل مرة:
- عارف. لكن أنا لقيت غيرهم وابيتهم ؟
-
- ويبدو أن عديدين ينظرون أحياناً الى المشهد السياسي في السودان فلا يجدون حزباً غير الحزب الشيوعي حتى يأبونه .
- شاعر غنائي اسمه الجاغريو كتب مناحة قال فيها " إن بنات القوز والدبيبة ينتحبن كما أن بنات الحلفاية لابسات الحزايني وماشيات حفايا" حزناً على فقيدة الشاغر والتي هي طاقية لأ أكثر
كيف يكون حال السودان إّذا ضاع الحزب الشيوعي أو خرج ولم يعد ؟

في أربعينيات القرن الماضي رفض رجل أعمال سوداني كان في مصر – لعله ابو رجيلة- مصاحبة موسى بدري وهو أول طيار سوداني في أولى رحلاته الجوية من القاهرة الى الخرطوم.
وحين قيل له – على سبيل التشجيع- إن العمر واحد أجاب بأن هذا هو السبب في أنه لا يريد بعزقته.
والحزب الشيوعي واحد لذلك لزم عدم بعزقته .نحن نغيش زماناً ما حلم الآباء المؤسسون حتى في احلك كوابيسهم بمقدمه . والعمل الشيوعي في الظروف الدولية والأقليمية الراهنة في حاجة الى قدر هائل من التبصرة والإبداع والهمة صوب تلمس سبيل بلد كالسودان الى الديموقراطية والعدالة الأجتماغية والتقدم.






وإذا تساءلت : يا أيها الحزب ماذا جرى مجدداً فقد يقول لي أحد أصحاب القتامة :
- " ما جري شيء.





















جريتو إنتو "

------------------------------------------- يوليو 2016

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »




( كلام يا عوض دكّام )
ذهبت عن الدُنيا مسموماً تحت شائعة أن المغدور المطرب خوجلي عثمان حكى لك عن المشتركين في محاولة اغتيال حسني مبارك ،
كما ذهب محمد أحمد المتمهدي مسموماً، سيستمر حزب الشيوعيين حتى لو كان رصيده الجماهيري .....

الشكر لصاحب المقال
صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

[font=Comic Sans MS]شكرا دكتور حسن موسي
شكرا للاستاذ عثمان جعفر النصيري
مقال ممتع يشدك اليه شدا ... واسلوب ادبي رفيع .. ومعلومات غزبرة من الصعوبة ان تجدها الا عند قاريء نهم .. وانتقال سلس بين نواحي مختلفة يربطها فنان قدير..... لقد راودني احساس بانني امام بطل (هومري) في الياذيته .. لقد نقل الينا المقال لقطات ولحظات فاوفي في تصويره .. مواقف خالدة وصور حية ...
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÍÓÈæ
مشاركات: 403
اشترك في: الخميس يونيو 01, 2006 4:29 pm

ماركس في سوهو

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÍÓÈæ »


عزيزنا حسن موسى، شاكرين على مناولة هذه الباقة الجميلة، و لأنّ الأشياء يذكر بعضها ببعض، قلت أشرككم هذه المسرحية عن عودة ماركس على رابط يوتيوب أدناه

https://www.youtube.com/watch?v=UmYB20j48jA

و أنا بالمناسبة بعثت ليك رسالة داخلية قبل شوية، ما بعرف مشت وللا لا..

If you can't explain it simply, you don't understand it well enough
عدلان عبد العزيز
مشاركات: 102
اشترك في: الخميس فبراير 02, 2006 6:52 pm

الماركسية الجينية

مشاركة بواسطة عدلان عبد العزيز »

يا سلام يا محمد حسبو، مسرحية "ماركس في سوهو" ممتعة بحق وبتستعدل كثير من المفاهيم حول ماركس للمهتم حقيقة بالمعرفة في لا حياديتها..

المسرحية قطع شك تعضد طرح عثمان جعفر النصيري "وفهمكما" العميق لكارل ماركس. ومن وحي المسرحية "الواقعية؟"، ف الأسم الأصح يجب أن يكون النظرية "الماركسية الجينية".. قبل أن تكون "الماركسية اللينينية"! حيث بينت الأحداث أن إسهام "جيني" الزوجة والشريكة ورفيقة درب كارل ماركس.. إسهامها في تبسيط وشرح فكر ماركس، يفوق ما عداها من ما التصق إسمهم بماركس.

من ينكرون، أو يتجاهلون، اسهام جينى، زوجة كارل ماركس في تطوير أفكاره، هم أنفسهم أصحاب مقولة المرة كان بقت فاس ما بتكسر الراس! فشكراً ماركس في عودته -حسب المسرحية- التي أكدت على دور "جينى" رفيقة دربه، في تطوير أطروحاته وتقريبها للطبقة العاملة.

تحياتي للجميع وشكراً عثمان جعفر النصيري، حسن موسى، ومحمد حسبو على رفد معارفنا بالممتع والمفيد،

عدلان
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ" آل عمران 159

We cannot always oblige but we can always speak obligingly - Voltaire
عدلان عبد العزيز
مشاركات: 102
اشترك في: الخميس فبراير 02, 2006 6:52 pm

في السيرة الماركسية

مشاركة بواسطة عدلان عبد العزيز »

التعقيب التالي تمّ نشره في موقع سودانايل يوم الجمعة الموافق 5 أغسطس 2016:
-----------------------------------------------------

كارل ماركس ياعزيزي .. بواسطة عثمان جعفر النصيري، يجده بخير

في السيرة الماركسية
استمتعتُ بالسياحة في مكتوب عثمان جعفر النصيري المنشور في موقع سودانايل بعنوان "كارل ماركس ياعزيزي .." بتاريخ 2 أغسطس 2016. وهو ابحار ممتع في السيرة الماركسية. وقصدت تسميتها "السيرة الماركسية" حيث لا يجوز إطلاق لفظ "الماركسية" حاف كده. كأن يقول أحدنا "المهدية" فلا نعرف ما المقصود بالظبط، أهي السيرة المهدية، الدعوة، الدولة، أم النظرية؟

فيما بين التعرض لماركس المفكر في تفاصيل حياته الانسانية بمعاناته وكفاحه، حرصه على بنته ومستقبل زواجها، إلى حزنه الممض على فقد ابنه "أودغار"، فإن تسليط النصيري الأضواء على أجزاء مهمة من "السيرة الماركسية"، في تقديري، لايمكن المرور عليها دون الخروج منها بملاحظتين في غاية الأهمية، الأولي خاصة بزمانية النصّ وعدم اطلاقه، والثانية متعلقة بجوهر التغيير الذي أنجزته الثورة الاشتراكية في روسيا وفي الصين. الملاحظة الأولى بخصوص زمانية النصّ نجدها مبثوثة في مقاطع النصوص التالية:

"رأس المال "، الذي يشهد اقتصاديون عديدون بأنه عمل عبقري ، ناقص ومبعثر في آن وكان ماركس يعد لخروجه في ستة مجلدات متخصصة. ووفقاً لانجلز فالعمل برمته " كان مسودة باستثناء فصلين اثنين : هناك استشهادات من عدة مصادر بلا ترتيب – أكوام منها متراكمة تم جمعها بهدف واحد هو الإستفادة منها لاحقاً. ذلك يعني ان" رأس المال " ليس كتاباً مقدساً وماركس نفسه لم يطالب بأن يكون هو من بين الثالوث المقدس أو حتى مجرد ولي من أولياء الله.


وعن كتاب رأس المال:
فالكتاب اقتضى انصرام عشرين عاماً ليكتمل مجلده الأول ما يعني صعوبة كتابة أية أطروحة بتناسق متماسك على مثل ذلك المدى الزمني الطويل : كتب لناشره الالماني عام 1846، والكتاب فات أوان تشره : " لن أسمح بنشره قبل مراجعته مجدداً ؛ قالكاتب الذي يعمل بلا انقطاع لا يمكنه في نهاية أشهر ستة نشر ما كان كتبه قبل ستة أشهر بشكل حرفي " . وكان على الناشر انتظار اثني عشر عاماً قبل إرسال المجلد الأول الى المطبعة". وأضاف ماركس : " العمل يتقدم ببطء لأنه ما أن يشرع الواحد في إكمال اللمسات الأخيرة على موضوع أنفق في دراسته السنوات الطوال حتى تشرع تلك الموضوعات في التكشف عن جوانب تستدعي المزيد من إعمال الفكر" . ذلك قد يعني عندي أن الماركسية متجددة حتى في منابعها الأصيلة.


كما تم التأكيد مرة ثالثة على أن..
كارل ماركس كان يغترف من ثقاقات الأزمنة كافة : تعلم من أدم سميث وريكاردو كما أخذ من هيغيل وفيوبارخ وداروين من دون انقياد الى أحد..

وفي ذلك اشارة واضحة ودعوة للاقتداء بماركس في كفاحه المعرفي وعدم الانقياد إلى أحد أو التقيد بمدرسة واحدة.. بما فيها ماركس أو الماركسية!



الملاحظة الثانية المتعلقة ب التغيير الذي أنجزته الثورة الاشتراكية في روسيا وفي الصين، نجدها مبثوثة في مقاطع النصوص التالية:

كنت وجدت في عد\د يناير العام 88 لقاء للمسرحي الأمريكي آرثر ميللر مع المؤرخ الماركسي ايريك هوبسبوم قال فيه:
"على أية حال فان المشروع الماركسي برمته اتخذ منحى مختلفاً عندي حيث أن البلدان من ا الصين الى روسيا الى اوربا الشرقية باشتثناءآت نادرة – كانت بلداناً إقطاعية.." إلى قوله " .. وهكذا جاز لي أن أتساءل عما إذا كان ماركس يتفاعل دون أن يدري بمرحلة ما قبل الراسمالية"

تساؤل النصيري في محله تماماً وينفذ إلى قلب سؤال تقييم التجربة الاشتراكية من الاتحاد السوفيتي إلى الصين مروراً بيوغسلافيا ورومانيا وكوبا وفيتنام وكوريا الشمالية. فالقاسم المشترك بين كل تلك التجارب أنها حدثت في بلاد كانت تعيش في مرحلة الانتقال من الاقطاع إلى الرأسمالية، أي أن الرأسمالية فيها كانت "ما تزال طفلاً يحبو" بحسب التعبير الذي استلفه النصيري من لغة حفلات العرس في السودان، قبل الانقاذ طبعاً. وفي الحقيقة أن ما تمّ في تلك البلاد هو قطع التطور الرأسمالي القائم على حرية رأس المال وإستبداله بتطور رأسمالي آخر قائم على رأسمالية الدولة الاحتكارية كما أسماها الاشتراكي البريطاني توني كليف منتصف القرن الماضي. وهي في تقديري تسمية تعبر عن واقع الحال حيث أن ملكية وسائل الانتاج تحولت من أيدي الأفراد إلى جهاز الدولة البيروقراطي الذي استخدم جهاز الدولة لقمع كل الأصوات المناوئة بل حتى قمع النقابات العمالية كما تابعناها في بولندا والآن في الصين التي حزبها الشيوعي "يتيح للمناجزات الرأسمالية الوافدة عمالة رخيصة حتى تتدنى الأسعار فيما العمال محرومون من حق التنظيم"

في استعراضه، يذكرنا عثمان جعفر النصيري بجيل الشيوعيين الأوائل "يوسف عبد المجيد وَكامل محجوب والحاج سليمان وإبراهيم حاج عمر وآخرين.." وتفانيهم في نشر الوعي والتنظيم وسط فئات مجتمعنا الأقل حظاً في التعليم، فئات المزارعين والعمال الزراعيين، في مآثرهم ونمو معارفهم العضوي الذي يمزج النظرية بالعمل وينزل بالخيال الثوري الحالم لأرض الواقع القاسي. وأجزم أن النصيري يعرف مآثر بناة التنظيمات النقابية وسط العمال الشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين والحاج عبدالرحمن وآخرين، لكن ربما لم يتسع له المجال للتطرق إليهم أو أن تجاربه جُلها مرتبطة بحركة المزارعين، وذلك لا ينقص من جهده شيئاً بل ربما يستدعى الكتابة من آخرين.


عدلان أحمد عبدالعزيز
4 أغسطس 2016
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ" آل عمران 159

We cannot always oblige but we can always speak obligingly - Voltaire
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]

سلام أيها الأخوة الكِرام،
كِرام قومٍ أيقظ الدهرُ بينهم فِتَنٌ

مقال بهيّ، يكاد يأخذ من كل "خبرٍ" بطرَف! بل من الطرَف الذي هو من جوّة (بتاعة كل القوة ذاتا :lol: )؛ وقد سعدتُّ بمتعة قراءته، مع أن أبا حيّان لم ينتحر، وكمان! الله قدّر ولَطَف أنّو "ما كان ماركسي" ..! وإلّا كان الضحك
شرَطنا..! ثم أين كان الزميل النصيري، كل هذه السنين العِجاف التِّلاف؟! هل يعرفه البروف، هل كان يجهله الدوك! هل لم يأوِ إليه بقيّة الراندوك..! وُ بعدين يا أستاذنا حسن موسى، تجدني كنتُ منتظرا نقّاطتك الخيِّرة: (سأعود) فهل ستعود يا تُرى..! علّنا نستفسرك ما إن كنتَ (مجرّد ناقل إسفيري) أم إنّ الكاتب من "رَبع" الماراثون القومي (لا عند) جبل جاري.

لقد عَجبتُ للأستاذ النصيري، يبحث لنفسه عن نَسِبٍ غُرناطي، حتى يدلّ إلى "ماركس" بِـ صِلة! ولو من شُعيرات لِبدته التي اختُرِطَتْ بالجزائر، أرض المليون شهيد؛ وهو في ذلك مُتأسِّياً بـ "آيقونة" فلاحتنا السودانيةـ السير مصطفى سعيد آل يعرُب بن حام..! في حين أن طلب المجد لم يكُ من شأن الدكتور مصطفى سعيد، وقد صرّح مرارا بأنه لا يطلب المجد؛ وإذن فإن كل مجده المُبتَغى كان في بساتين إيزابيلا سيمور.


ابن حيّان، التاني، قال في "أندلسه" ما كاد ألّا يقوله الأخ الأستاذ النِّصيري في الحزب الذي انسلّ من "وَسَطِه" ..!


يا أهل أندلس شدوا رواحلكـم *** فمـا المقـام بها إلا من الغلـط

الثوب ينسل من أطرافـه وأرى *** ثوب الجزيرة منسولاً من الوسـط

من جاور الشر لا يأمن بوائقـه *** كيف الحياة مع الحيَّات في سفـط ..؟


كيف بالله؟
قُل لي كيف أقدَر أصل ..؟ واحترتا أقول: أقول بالله كييييف: حُسنَك أمَر..؟!


..........
سأعود، إن عُدّتم :lol: ! وكدا
ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí
مشاركات: 552
اشترك في: الأربعاء يناير 27, 2010 11:06 am

عزيزي عثمان جعفر النصيري في نصه:

مشاركة بواسطة ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí »


عزيزي عثمان جعفر النصيري في نصه:
«من الراس والكراس... كارل ماركس ياعزيزي»


لاول مرّة اسمع هذا الاسم : عثمان جعفر النصيري كاملاً. كان ذلك في العام 1965م من الصديق الخاتم عدلان، وكنا وقتها طلبة في مدرسة مدني الثانوية، حدث ذلك ضمن محاولة الخاتم لترشيحي لعضوية رابطة الطلبة الشيوعيين.
تكلم الخاتم عن النصيري ككائن آتٍ من الامام، كما وصف هيئته، والتي تطابقت مع الاصل حين قابلته لاحقاً وهو طالب بجامعة الخرطوم، وكنت وقتها طالباً بكلية الفنون، حيث كنا نشارك بهمة في الانشطة الثقافية والاجتماعية التي تتم في الجامعة. وتكلم الخاتم عن فصاحته ومعارفه الغزيرة، الامر الذي جعلني متعلق ان اسمع ذلك الرجل. وانا اعرف عن قرب مزاج الخاتم وقدراته علي معرفة الرجال .
ومضت بنا الايام [ايام الدياسبورا] دون ان اسمع عثمان جعفر النصيري، كما احب. مضت بنا تلك الداهية، في طريق باتجاه واحد، وبتذكرة ذهاب، حين ضاق الوطن باهله، وبالكثير من الفتيان المؤمنين بشعبهم. اغلب ذلك الانتشار في جهات الدنيا الكثيرة، كان بتذكرة ذهاب، حيث ان «الدياسبورا» تسمح بالعودة للتوابيت فقط، لوطن اصبح بافعال الشمولية الكريهة، تابوت كبير.
وحين قرأت هذا النص خطرت لي صورة الخاتم التي رسمها علي مسمعي للنصيري، ولكنني تخليت عن صورة الخاتم، وها انا الآن كفاحاً امام عثمان جعفر النصيري، بكامل قامته الثقافية العالية، وامام نصٍ من نصوصه، يضاف عندي الي قائمة النصوص الكبيرة، والتي تعطيك من ايِّ الابواب اتيتها، هو نص فاره يتجول علي مهله بين حقول المجازات والاستعارات. وكونه يتوسل فيه بالادب وبالتاريخ وبالمسرح، ليخرج بهذا الاتساع.
ولذلك حين قرأت بعض المداخلات، والتي جاءت النص من زوايا مختلفة، لايمكن اتهامها بالاخفاق، وهذا شأن النصوص الكبيرة. ان دخلته من جهة الادب، دخلت نصاً وعراً وشيقاً، ولكنه لا يكتفي بهذه الخاصية وحدها.
وهو عندي سيرة ذاتية لرأس من الرؤوس المعبأة بالمعرفة وباشواق العدالة الاجتماعية، وهو مختصر لرجالٍ كثيرٍ ساهموا بهمة عالية في تشييد هذا الصرح العالي المسمي : «الحزب الشيوعي السوداني» كما ان هذا النص به مراجعات عديدة، سواء في السيرة الذاتية الشخصية لعثمان جعفر النصيري، وللزمن الذي عاشه اوعاشوه، يصلح الوقوف عنده.
كما ان الاستعارة القادمة من جهات المخيال الديني، لم تقف حاجزاً امام رسالة النص متعددة الاوجه، ولكنها تدفع النص قدماً للقيام بمهامه، النقدية والتوعوية والكتابية
كما انني المح في «فتية آمنوا بشعبهم» كأنهم خارجون لتوهم من كهف المعرفة الاختياري، والذي اعتكفوا فيه دهراً من اجل التأمل في مزالق الوجود التي يعاني منها شعبهم ـ شأن كل المنقذين الكبار في تاريخ البشرية ـ وخرجوا برسالة عليهم إيصالها لشعبهم محل قناعاتهم، فقد كانوا «اصحاب رايحة» واصحاب «الريحات» الكبيرة يبحثون عنها ولو في الشيوعية، بتلك القناعة التي اراد عبد المحمود صالح ان يقسم عليها، وعلي صيانتها، وعرف ان ليس هناك قسم، ولكنه إيمان بالشعب، وهذا ليس قابل للفحص، لأنه من نوع الذاتي التجريبي كما يشير محمود محمد طه. ومضي النص يعدد شواهد هذا النوع من الإيمان، والتعبيرات التي تطفح معبرة عنه: «وشرفي الماركسي» وفي الشعر: «اخي النصر للكتل الجائعة» والاناشيد الكثيرة، التي كانت تتزاحم في صدور اولئك الفتية المؤمنون بشعبهم.
ثم نظر النص الي اين بلغ الشباب في إيمانهم بشعبهم من خلال ابطال نجيب محفوظ في السكرية :«اما نحن [ الفتية المؤمنون بشعبهم] فالصوت الذي عبر عنا في الثلاثية، فهو صوت احمد بن اخت كمال احمد عبد الجواد في السكرية،: « انني اؤمن بالحياة وبالناس، واري نفسي ملزماً باتباع مثلهم العليا، ما دمت اعتقد انها الحق، إذ النكوص عن ذلك جبن وهروب، كما اري نفسي ملزم بالثورة علي مثلهم ما اعتقدت انها باطل، إذ النكوص عن ذلك خيانة، هذا هو معني الثورة الابدية»
وهكذا يقدم النص وجهة نظر اولئك الفتية المؤمنة بشعبهم. ان النصيري يكتب عن مساحة واسعة من الزمن احتلها هؤلاء الاماجد ذات زمن ما! .
وهذا هو السؤآل الذي واجه كل المنقذين، والشباب المستنير : سؤآل قيمة الحياة، وماذا يفعلون بها، وهنا تبدأ احلام تغيير العالم تداعب مخيلاتهم، باتجاه تغيير الواقع، وهذا هو معني: «الثورة الابدية»
وقبل ان يغادر النص هذه المحطة، لا ينسي النصيري ان يؤكد نسبه لكارل ماركس اكثر من انجلز «ولو كان فريدريك انجلز هو الذي كتب البيان الشيوعي، لتحقق لمحمود صالح ما اراد، إشارة لتلك الملحة التي اذاعها عبد المحمود، من ان النصيري يعتقد «ان بنسون آند هيدجز سابقة قانونية» خاصة وان النص قد وفق في وصف البؤس الوجودي الذي عاشته عائلة ماركس، دون ان يؤثر ذلك علي مساهمته الكونية «الماركسية»
وهكذا قادت الأسئلة الفتية الذين آمنوا بشعبهم، الي السعي الجاد للتزود بالمعارف الت تؤهلهم الي قيادة « الثورة الدائمة».
وهكذا راحو يتزودون بالمعارف. ،انتقل النص الي عتبة اخري، حيث دار حوار بين الراوي وبين شخصية لم يكشف عنها النص، ولكن يدور حوار مثقف بين الاثنين، حول جدوي الشيوعية؟ وقدم الراوي [عثمان جعفر النصيري] دفاعة العقلي مدعوماً بمعارف غزيرة، وحين يشعر بضيق مخارج الحوار الدائري ، مضي لمخرج سهل :«لماذا لا تصبين اهتمامك علي قيادة السيارة؟ تحسبين قيادة السيارة لعب اطفال؟»
ودون ان ينتظر إجابة علي اسئلته، او هو لايري جدوي من الاجابة ، وينتقل بسلاسة الي البند الثالث من بنود هذه الكتابة: «لا قديسين ولا ابالسة، الحب علي الطريقة الماركسية»
كان من السهل ان تكتشف النظرة التقديسية التي اعتاد مثقفو العالم الثالث ان يلحقونها بالماركسية، واصبحت النظرة الي ماركس نفسه نظرة تقديسية، فقد يحسم احدهم حواراً بـ «قال ماركس» ويوشك ان يلحق بقوله (صلي الله عليه وسلم» وهكذا يطبق علينا التقديس الديني دون ان ننتبه لمزالق التعامل معه.
ولكن النصيري يحاول ان يعيد ماركس الي الارض كائناً بشرياً كامل البشرية، « يأكل الطعام [ان وجده] ويمشي في الاسواق ويحادث الناس»
ان اعادة بؤس الحياة التي عاشها ماركس، هي لاسقاط هالة التقديس التي الصقت به، وإعادته سالماً الي ارض البشر بكل بؤسها: «في اول ايام 1866م جلس ماركس لاكثر من عام يساعد جيني زوجته في نسخ مخطوطة نظيفة من مسودة رأس المال في عملية اسماها «لعق المولود لتوهبعد مخاض عسير»
ويصل النص الي استخلاص منطقي بعد ان تعرض لسيرة اهم كتاب في حياة ماركس، «رأس المال» «ان رأس المال ليس كتاباً مقدساً، وماركس نفسه لم يطالب ان يكون بين الثالوث المقدس، او حتي من اولياء الله الصالحين».
ولكن «رغم تلك الحياة المفعمة بالكوارث والاحزان كان كارل ماركس يكتب بلا هوادة، حيث خرج بنحو خمسين مؤلفاً ما زال صداها يتردد عبر الازمان»
وهكذا انتصر النصيري لماركس الانسان الخلاق.
اما في فقرة : «من اين اتي بعض هؤلاء؟» احترس النصيري بـ «بعض» حتي لا يصيب التعميم الآخرين بسوء، لانك تلمح سواءً في الادب المصاحب للماركسية، ام في الواقع الوجودي كيف تمكن الحزب من ان يضحي بالفرد تحت طائلة الكثير من المبررات، وهنا يبرز الحزب الاله هو الذي يضحي بالفرد، من اجل تماسك مموه في عنف فكري مقيت!
ولكن النصيري، وبحرصه كـ «شيوعي»؛ لا يهم «من منازلهم» او من (التيجاني الماحي)، اقول هو حريص علي سلامة الحزب، ويخشي ان يضحي «هؤلاء» ذات هاوية بالحزب نفسه، وعندها سيكون الخراب عاماً، وهو يخشي ان يرمي من يسميهم «اصحاب القتامة» باللائمة علي الحزب نفسه في تلك الاإشارة القاتمة «جاءوا من المؤتمر الخامس!!!»
وهنا، لا يملك النصيري ان تجبره دراما الموقف من ان يصرخ ملئ روحه: «يا الطاف الله،،!!!!»
عزيزي النصيري، ليس هناك شيوعي من منازلهم، هي مركب واحدة لكل طالبي الخلاص من بؤس العالم. منهم من انتظم في ماعون تنظيمي ضمن ملابسات تاريخية عديدة، ومنهم من لم تسعفه ملابسات مشابهة، «ليس لشيوعي فضل علي شيوعي إلا بدرجة إيمان كل منه بآلة الخلاص من الظلم العالمي» ولكن من لم ينتظم في حزب كمن «لم تبلغه الرسالة» الست انت القائل :«ما يهمني ويهم العديدين غيري الا يكون الحزب ذاته هو من يتم رميه من علٍ الي الهاوية» انت بذلك عزيزي تتعالي علي الذاتيات وتعلو وعياً علي «العديدين» من المنتظمين؟
كنت اتمني ان تكون هذه الكتابة موجهة للمؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني، فهي عندي من اميز الكتابات التي تمدح الشيوعية والحزب الشيوعي السوداني، وفي الحرص علي سلامته.
عزيزي النصيري
ان إشارتك، او استعارتك، لابي حيان «توحيدي» باسقاط الالف واللام اللذان يميزان هذه الشخصية في التراث العربي الاسلامي: «ابو حيان التوحيدي» حيرتني. ولكنهابانت لي مقصودة [بداهة]، ومقصوديتها هي التي حيرتني، هل تشير الي حادثة وفاته، والتي حضرتها جماعة، وحين عرفوا دنو اجله راحوا يذكرونه ، ويعظونه، ولكنه رفع رأسه، وقال لهم : « كأني اقدم علي جندي او شرطي!!! انما اقدم علي رب غفر» وهذا ما يشير الي اتهام الالحاد الذي الصق بتاريخ الرجل!
ام تراك تشير، وهذا ما ارجحه،الي حقيقة احراقه لكتبه، وقد بلغ التسعين!؟؟» بدعوي انه يضل بها علي عطالي الفكر؟
والنصيري اعلم. وهذا ما سمح لي به نصك. وما سمح لك ان تقرر: « ذلك يعني عندي ان الماركسية متجددة حتي في منابعها الاصلية» وانا اتفق معك، وهذا ما يدعم فكرة صلاحية الماركسية لكل الازمان.
اما رقم (7) من اجندة هذا المقال،المتضمن تلك الملحة بين الفيلسوف والمراكبي، ارجعني الي واقع تلك التوابيت التي تحكم باسمها «الإنقاذ» والي إشارتك الذكيةمن شيوعي يريد ان ينتسب الي العامل الذي انحت له اكبر رأس شغلت القرن العشرين وما تزال تشعل وتشعل العالم، وكأني بك بانتسابك الي ذلك الحلاق فانت تنسب نفسك الي الفكر الذي خرج من تلك الرأس، والذي جاء محملاً باشواق العدالة الانسانية. ثم تبذل لنا كتابة ممتعة ومنتجة من خامة الادب الرفيع، وتتداعي علي مهلك.
ثم تعود الي النهر الرئيس في نصك، والذي يتدفق عبر النص كله من منبعه الي مصبه. وهو: «جدارة الماركسية بمواجهة الصعاب الوجودية في كل الازمان،
وانت حين تتصور : «ماركسية بجلابية وتوب»، وكأني بك توشك ان تكتب «يا بلدي ياحبوب» وقد اعجبني التقاطك الذكي لشخصية يوسف عبد المجيد، بتلك الهيئة التي تدخله بها الي عالم الاسطورة ، وانشغالك بذلك الرجل الذي طوع لغة الماركسية لتلائم افهام مزارعي الجزيرة، واسئلتك المتواترة، كيف انجز هؤلاء البشر انزال الماركسية فاعلة في ذلك الواقع المتخلف؟
اكثر من كل ذلك، التقاطك لذلك الملمح البسيط والعميق في شأن اسطورة يوسف عبد المجيد، وهي:«انه يصنع الفول المصري في بيته بنفسه»... واظنك من هنا عرفت، وعرفنا كيف طوع اولائك البشر الماركسية لتخاطب واقعاً متخلفاً كالواقع لسوداني في تلك الايام!
وفي سيرة الشيخ بابكر بدري، الذي جاب كل اصقاع الوطن، وابتكر من وسائط التعليم ما اكسبه احترام الخواجات! وفي اجتراحات عبد الله الطيب المجذيب نماذج مبدعة في التعرف علي عبقرية لغتنا المحكية؟ سواء في كتاباته او في تفسير القرآن بتلك اللغة.
«ولكنني بصدد سحر البيان ايضاً»
وفي لغتنا المحكية بيان وسحر، إذا جنبناها تلك المنابذة التي تطفح من توابيت المعاجم في شأن العوام و«عاميتهم».
في هذه الفقرة تنثر عزيزي النصيري الكثير من الاسئلة، التي شغلت ذهنك بعد اجتماع «لجنة مديرية النيل الازرق» وبها الكثير من التوثيق، لشخصيات واسئلة، ولم تنس ملحة: «محمد علي البوليس السري»
اما استعارتك :« حتي انت يا بورتس» ايضاً من الاستعارات المحيرة في هذا النص، ولكنك تكاد تبين حين تكتب: «روما لاحقت القتلة، حتي ولوا الادبار من ايطاليا .... روح قيصر ظلت تلاحق القتلة في كل مكان.............. كاسيوس قتل نفسه بنفسه في ميدان القتال، كما انتحر بروتس بعد ان تبين الهزيمة» حتي كأني بك تصرخ في البرية ارواح القتلي ستطارد القتلة في كل زمان ومكان، ... ولكنك تستدرك بنبل نادر: «لا احد يريد لآخر ان ينتحر في المهزلة السودانية السوداء التي نشهدها»
ولكن عزيزي النصيري، كيف مع هذا البؤس المخيم علي الوطن، والقتلة لايفكرون في الانتحار بل ويخططون للمزيد من القتل؟؟؟!!!
ـ ان جاءكم فاسق بنبأٍ...
مرة اخري تلجأ الي سحر اللغة، لتنبه الي ضرورة الإلتفاف حول الحزب، بزعم دعمته كثيراً في هذا النص :«ان الماركسية نظرية لكل الازمان» وتنبه ايضاً الي عدم الالتفات الضجيج البروباقندي حول موت الماركسية الذي تثيره وسائل الاعلام الغربية. كما ان مراجعاتك للماركسية، مقروءة مع واقع البلاد التي حكمت باسم الاشتراكية، فيها الكثير الموحي.
تجربة ماركس في لندن.. تأريخ للبؤس الذي بلا ضفاف، ولكن اشارتك النابهة: « اما الآن، وبفضل سيادة قيم العدالة الاجتماعية، والتكافل الذي لعبت الماركسية دوراً في ترسيخها في بريطانيا، فان اللاجئىن ينعمون بالضمانات الاجتماعية كافة ولا حاجةبهم الي ارتيادحيّ اليهود «ليني....هم» مقابل قرشين حسب نصيحة الزبير باشا رحمةلفلول حملة النجومي، حسب رواية الشيخ بابكر بدري في كتابه «حياتي»
عزيزي النصيري لقد اسهبت في وصف بؤس عائلة ماركس حتي ملأتني غبناً ورغبة في التعاطف مع تلك العائلة، حتي بأثر رجعي، كونها عائلة وهبت البشرية اعظم عطاء انساني مضاد للبؤس : الماركسية.
وبمرارة تطفح من هذا السؤآل المر: «ايها الحزب ماذا جري؟» مثل هذا السؤآل الحامض لا يأتي الي قلب مهموم بشؤون هذه المؤسسة [الحزب الشيوعي] وما زال، علي الرغم من انني اعرف الملابسات التي جعلت هذا الرجل بعيداً عن وطنه وعن حزبه!، وبالتالي حرمتنا من عطاء مثل هذه الكوادر عالية الكفاءة الفكرية والانسانية.
عثمان جعفر النصيري كان احد هذه الشخصيات، التي كنا ننظر اليها باحترام وتقدير هو جدير بهما [ الاحترام والتقدير]،
لماذا يسأل عثمان جعفر النصيري، مثل هذا السؤآل الحراق، والذي جعله يؤنسن الحزب، ويوجه اليه هذا السؤآل: «ايها الحزب ماذا جري؟» عثمان جعفر النصيري ابن للحزب الشيوعي السوداني، وعندما يصرخ بهذا السؤآل فهذا يعني انه مغبون مما يحدث امامه للحزب.
ان الاشارة المرة المخبأة في: « يا مرتضي ..الري دا حق ابوك؟»
وهي نفسها : « يا مرتضي [نفس المرتضي؟] انت الحزب دا حق ابوك»
لا تتوقع عزيزي النصيري ان يرد عليك مرتضي! حيث ان سؤآلك يقع خارج حدود خياله السياسي،فلتسمح لك سماحتك: القولك « من حق الحزب الشيوعي ان يري نفسه إرثاً متجدداً لشعب في حاجة إليه الآن اكثر من ايِّ وقت مضي، فرغم ازمة الحركة الشيوعية العالمية قاطبة، إلا ان ظروف الحركة السياسية السودانية تجعل من بقاء الحزب الشيوعي ونموه امراً لا غني عنه حتي لوهلة ولكن تعود كل مرة لتسأل السؤآل الاكثر مرارة: «كيف يكون الحال إذا ضاع الحرب الشيوعي السوداني، او خرج ولم يعد؟وتواصل بنفس الاسي؛ هذه المرة من موقع الحكيم، متوكأً علي حكمة الشعب والتي تشيع:« ان العمر واحد ولا تصح بعزقته» وتنبهنا نحن الغافلون: «نحن نعيش زمناً ما حلم به الآباء المؤسسون حتي في احلك كوابيسهم بمقدمه»
يفتح النصيري مزدوجين:
«ايها الحزب ماذا جري؟.
................................
جريتو انتو.»
ويلخص النصيري قلقه، بهذا المفتتح المر: «ايها الحزب ماذا جري؟» والمتوقع في هذه المساحة الماهلة بقياس زمن الناس، وهي المسافة التي جري فيها كثير من دم الحزب، ومن احلامه وطموحاته، والتي هي طموحات الشعب باعتبار: « الحزب الشيوعي السوداني» وباعتبار، ايضاً ان الشعب هو الوريث الوحيد لهذا الارث الدامي، بكل خيباته وانتصاراته.
وإذا اعتبرنا المسافة بين «ايها الحزب ماذا جري؟» وبين «.جريتو انتو» تبدأ من 25مايو 1969م، وهي البداية التي كان النصيري احد شهودها، بل واحد المساهمين في احداثها، وتوابعها الدامية، هذه المسافة لا نعيرها بشهادة رجل واحد؟ يجب ان تتضامن الشهادات، والحزب كشخصية اعتبارية، هو احد المطالبين بالاجابه! ان كانت هناك اجابة!
«جريتو انتو»... والتي اختتم بها النصيري تساؤله، تقع في منطقة التلاوم، وهذا مما لايصلح به التاريخ!
هل اردد: «يا الطاف الله ؟ ...» هل تجدي؟ لم يعد هناك مكان للمطلق، ليجيب علي اسئلة الواقع المعقدة والمتحركة. ولذلك باطمئنان اقول لا تجدي.
ان الرجل الذي يكتب هذا النص الثري، يجدر بنا السعي اليه.
صاحب هذا النص، عثمان جعفر النصيري، لم يسمح لي هذا الزمن الممحوق بالجلوس اليه،
رجل يدري، ويدري انه يدري.
عزيزي عثمان هذا ما سمح لي به نصك.
آخر تعديل بواسطة ÇáäæÑ ÃÍãÏ Úáí في الأحد أغسطس 21, 2016 6:15 pm، تم التعديل مرة واحدة.
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

من منازلهم

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

إذا كانت ثمة ميزة لنا، فـ(نحن) الجيل الذي حضر مؤتمرين عامين متتابعين أقرنين أملحين للحزب الشيوعي السوداني، ولم يشاركنا في هذه الميزة إلا جيل الخمسينيات..ونحن الجيل الوحيد الذي عرف أن الشيوعيين من منازلهم أكثر من الشيوعيين الذين في غير منازلهم!!
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

نعود العود ليس بأحمد !

غلبتهم أي الشيوعيين توطين " الفكرة " وهذا هو الرأس الغائب وهو الذي ينبغي أن يستلهم الفكرة.
الأغلبية والتحشيد ، يأتي من التعامل مع الواقع . عرف الختمية والأنصار وسائل التحشيد الذي فشل فيه الحزب الشيوعي
أضف رد جديد