h( الضو بكى
بكى ، ما بكى
بكّاه حس الطائرات
بكّاه قدرتو تنتهي
بكّاه يرجى المعجزات )
حين أكون عالقاً في عمق الحزن أو غاطساً في قمّة الفرح لا أستطيع الكتابة ؛ لذا كنت في إنتظار أن يهدأ دمعي قليلاً .. أن أصعد من عمق حزني قليلاً .. كي أكتب - قليلاً أو كثيراً - عن وجع الفقد بلا مبالغة ، بلا إطلاق أعنّة غضبٍ أو أسطرة !
فما الذي يمكن حشده ليملأ - ولو حيّزاً صغيراً في بهو الغياب الواسع الذي خلّفه رحيلُ المناضل / القائد جون قرنق ؟!
*
حين صعدتْ الى المنصّةِ ، الى درجات سلّم حزنها - إبنته المكلومةُ - خلتها سوف تبكي ، سوف تنوحُ ، مثلما فعلتُ أنا ، ولكنّها القمتنا شعراً : قالت أنّه حين جاءها خبرُ مقتل والدها لم يكن أمامها من شئ تفعله سوى الكتابةَ - فلجأت إليها ؛ بالكتابةِ غلبت حزنها ، كفكفت دمعها ؛ بالكتابةِ هزمت الموت الزاحف نحوها .
وربيكا ، مجلّلةٌ بالحزنِ والوقارِكانت ؛ مهيبةٌ كانت ، بنت دينكا أصيلة كانت . . وقفتها الأبنوسُ - الشُجاعةُ أمام نصفها الآخر مسجىً في كفنْ ؛ غطته بالفخرِ - بحبّ عميقٍ يسعُ الوطن .
أشول - الصبيُّ ، وهو يرتجلُ الحديث ، بين كلمةٍ وأخرى صار رجلآً ..
قلتُ : جون - لم تكن مقاتلاً وقائداً فذّاً وحسب .. بل أباً ومربيّاً عظيماً بلا ريب !
*
( مثل شيخٍ تعوّد في الحربِ فقد البنين
طاعنٌ وطني وحزين )
*
حين يقترب الموت من الأنسان ويحسّ بدنو أجله لا بدّ أنّه يشفق على نفسه ، يخاف على أهله وأحبابه .. وحين يقترب الموت من المناضلين / القادة الذين ساهموا في صنع تاريخٍ طريّ ما زال يتشكلُ ، لا بدّ انّهم ، علاوةً على طبع الأنسان ذاك ، يخافون على قضاياهم التي ناضلوا من أجلها ، على التجربةِ التي لم يقوَ عودُها بعدُ - من الضياع .
وأنا أخال أنّ ( الدكتور ) ، وهو يتحسّس أسباب رحيلهِ ، قد أشفق على - ضمن ما أشفق عليهِ - وحدة الحركة الشعبيّة وتماسكها ؛ أن يظلّ تيار الوحدة - وحدة السودان - داخل الحركة هو الغالب ؛ أن يفي النظام الحاكم بوعوده وأن لا يخون !
وأنا واثقٌ من أن الدكتور / الشهيد ، وهو في عليائه ، سيفرحه أيّما فرحٍ إن نحن تحادثنا بصدقٍ وشفافيّةٍ وشجاعةٍ عن أسباب المخاوف التي تكتنفُ صمود إتفاقيّة السلام ، عن عدم الثقة ، عن أسباب البغض والكراهيّة والعنف ..
*
إبن أخي - ذو العشرين ونيف عام ، ولدَ بجدّة ، وذهب الى السودان وهو في التاسعة من عمره ، عاش هناك بضعة سنين ومن ثمّ ذهب الى القاهرة ، وأتى الى هنا - أميركا قبل عامين . انا لا أعرفه من قبل ، أتاني قبل أيام وبدأنا التعارف لأوّل مرة . كان محزوناً ومحتازاً . سألني بوجع : لماذا تغيّر أصدقائي عنّي ؟! - من هو جون قرنق ؟! ولماذا يتهمني" الجنوبيّون" بقتله ؟ إنّهم أصدقائي في السودان وهنا لماذا .. لماذا تغيّروا نحوي إنّني لا أفهم شيئا !!
حدّثتهُ - إبن أخي - عن الرق في السودان ، عن تاريخه وعن مأساةِ تغوّل الشماليّ على الجنوبيّ ..وضربت له مثلاً ببيتنا :
جدّي له ثلاث زوجات - جدّتي أُمّ أُمّي الدنقلاويّة وإثنان أُخريات إحداهنّ من جنوب السودان و الأخرى من غربه .. قلت له ألم ترى الفرق في المعاملة؟! قال لي : بلا ! الآن فهمتُ .
*
المقاتل / العميد عبدالعزيز خالد ، عاطر الذكر ، إقترح على إجتماع هيئة التجمّع الوطني الديمقراطي ، في العام 1992 ، بإسم "القيادة الشرعيّة " الذراع العسكريّ المفترض للتجمّع - والتي لم يستخدمها أبداً - إقترح عليهم / أخافهم - : ما دمنا نملك أراضٍ محررةً في الجنوب ، ما دامت الحركة الشعبيّة عضواً أصيلاً في التجمّع ، لماذا لا نذهب ونقيم مكتبنا - هناك - في الميدان - في الأراضي المحرّرة - بدل القاهرة ؟؟؟؟!
الجبناءُ صعقوا وخافوا الذهاب الى أرض العبيد .
( هزمتك يا موت الفنون جميعها )
- Adil Abdelrahman
- مشاركات: 73
- اشترك في: الخميس مايو 26, 2005 3:34 pm
- مكان: US
- ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
- مشاركات: 481
- اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
- مكان: روما ـ إيطاليا
الأخ عادل
عوداً حميداً
تصور ياعادل حتي بداية المرحلة الثانوية لم أكن أعلم إلي أي قبيلة أنتمي في سوداننا العريض ؟ !
ذات يوم ونحن جلوس علي الغداء ، والحديث يدور عن القبائل بمنطقة الجزيرة ، سألت والدي ببراءة تشبه الغباء عن ماهي القبيلة التي ننتمي إليها ؟
أكاد أجزم بأن والدي ، عليه رحمة الله ورضوانه ، قد فجع لحظتها من هول جهلي ، او قل عدم إهتمامي ، بمعرفة نسبنا في قبيلة الرفاعيين ، وتاريخ عائلتنا الذي يرجع إلي عهد مملكة الفونج . سألني الوالد بإمتعاض واضح :- " إنت هسع بقيت راجل كبير ..أكن جاك (...) من الشارع عايز أختك دي ، تديها ليه من غير ما تعرف هو جاي من وين ؟ دا كلام شنو ياولدي ؟ "
بالطبع فقدت الشهية لذاك الغداء ، فقمت بحجة أن معدتي ليست علي مايرام , وبدأت التأمل والتفكير بصورة جادة في تلك العلاقة الشائكة ، الجدلية ، بين القبائل العربية والأفريقية ، وإنعكاساتها الوجدانية والثقافية علي المجتمع .لم يكن والدي ، عليه الرحمة ، عنصرياً أبداً في تعامله اليومي مع أي من العرقيات ، بل أشهد له بمحبته الشديدة للكثيرين منهم ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتزاوج - شأنه في ذلك شأن عامة السودانيين - يحدث ذلك الإنفصام اللآعقلاني الموروث منذ حقب تاريخية موغلة في القدم .
الحديث عن السودان الجديد ليس مجرد مادة للتداول في الصوالين والمنتديات السياسية ، بقدر ماهو إعادة صياغة للبنية الفكرية والروحية والنفسية للشخصية السودانية بالقدر الذي يمكنها من الإستيعاب ، والتواءم مع الواقع الجديد للإنسان المعاصر.
وهذا تحدي هائل أرجو أن نملك الأدوات ، عوضاً عن النوايا الحسنة ، لمواجهته .
لك ، ولإبن أخيك ، وللجميع محبتي .
سيف محمود
عوداً حميداً
تصور ياعادل حتي بداية المرحلة الثانوية لم أكن أعلم إلي أي قبيلة أنتمي في سوداننا العريض ؟ !
ذات يوم ونحن جلوس علي الغداء ، والحديث يدور عن القبائل بمنطقة الجزيرة ، سألت والدي ببراءة تشبه الغباء عن ماهي القبيلة التي ننتمي إليها ؟
أكاد أجزم بأن والدي ، عليه رحمة الله ورضوانه ، قد فجع لحظتها من هول جهلي ، او قل عدم إهتمامي ، بمعرفة نسبنا في قبيلة الرفاعيين ، وتاريخ عائلتنا الذي يرجع إلي عهد مملكة الفونج . سألني الوالد بإمتعاض واضح :- " إنت هسع بقيت راجل كبير ..أكن جاك (...) من الشارع عايز أختك دي ، تديها ليه من غير ما تعرف هو جاي من وين ؟ دا كلام شنو ياولدي ؟ "
بالطبع فقدت الشهية لذاك الغداء ، فقمت بحجة أن معدتي ليست علي مايرام , وبدأت التأمل والتفكير بصورة جادة في تلك العلاقة الشائكة ، الجدلية ، بين القبائل العربية والأفريقية ، وإنعكاساتها الوجدانية والثقافية علي المجتمع .لم يكن والدي ، عليه الرحمة ، عنصرياً أبداً في تعامله اليومي مع أي من العرقيات ، بل أشهد له بمحبته الشديدة للكثيرين منهم ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتزاوج - شأنه في ذلك شأن عامة السودانيين - يحدث ذلك الإنفصام اللآعقلاني الموروث منذ حقب تاريخية موغلة في القدم .
الحديث عن السودان الجديد ليس مجرد مادة للتداول في الصوالين والمنتديات السياسية ، بقدر ماهو إعادة صياغة للبنية الفكرية والروحية والنفسية للشخصية السودانية بالقدر الذي يمكنها من الإستيعاب ، والتواءم مع الواقع الجديد للإنسان المعاصر.
وهذا تحدي هائل أرجو أن نملك الأدوات ، عوضاً عن النوايا الحسنة ، لمواجهته .
لك ، ولإبن أخيك ، وللجميع محبتي .
سيف محمود
" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
-
- مشاركات: 228
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm
- Adil Abdelrahman
- مشاركات: 73
- اشترك في: الخميس مايو 26, 2005 3:34 pm
- مكان: US
عزيزي / سيف ،
حتى العام 1978 م كنت أخالني عربيّاً . ذهبت حينها ، في ذاك العام ، وتجوّلتُ في عدّة دولٍ عربيّةٍ لمدّة عامين ؛ معظم مَن إلتقيتُ بهم من العرب كانوا عنصريّون ، يكرهون ويطهدون الأفارقة - وأنا بينهم .. .. ولكنّ هذا ليس بالمهم - فهذا شأنهم : ما حزّ في نفسي هو إدّعاء السودانيّين العروبة - يذهبون الى الدول العربيّة ؛ يطهدون ويعاملون بالدونيّة ومن ثمّ يأتون ويتفاخرون بأنّ الآخرين يعزّونهم ويحترمونهم ، يصفونهم بالأمانة والأئتمان : وفي الحقيقةِ ، في ذهن العربيّ هذه من صفات العبد - أن تأتمنه على مالك وبيتك !
ما حزّ في نفسي الكثير ..
أخي / سيف !
حتى العام 1978 م كنت أخالني عربيّاً . ذهبت حينها ، في ذاك العام ، وتجوّلتُ في عدّة دولٍ عربيّةٍ لمدّة عامين ؛ معظم مَن إلتقيتُ بهم من العرب كانوا عنصريّون ، يكرهون ويطهدون الأفارقة - وأنا بينهم .. .. ولكنّ هذا ليس بالمهم - فهذا شأنهم : ما حزّ في نفسي هو إدّعاء السودانيّين العروبة - يذهبون الى الدول العربيّة ؛ يطهدون ويعاملون بالدونيّة ومن ثمّ يأتون ويتفاخرون بأنّ الآخرين يعزّونهم ويحترمونهم ، يصفونهم بالأمانة والأئتمان : وفي الحقيقةِ ، في ذهن العربيّ هذه من صفات العبد - أن تأتمنه على مالك وبيتك !
ما حزّ في نفسي الكثير ..
أخي / سيف !
- Adil Abdelrahman
- مشاركات: 73
- اشترك في: الخميس مايو 26, 2005 3:34 pm
- مكان: US