هكذا أصبحت الأرض مسطحة ،،

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

هكذا أصبحت الأرض مسطحة ،،

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-
-

حاول توماس فريدمان أن يكتب ما يصفه بأنه "موجز تاريخ القرن الحادي والعشرين" فإذا به يبدأ قبل الألفية الثالثة بزمان طويل .. طويل .. بالتحديد من عام 1492: العام الذي شهد رحلة كريستوفر كولومبس قاصداً – بالوهم – اكتشاف الهند في آسيا، فإذا به يكتشف – بالصدفة – السواحل أو الجزر الكاريبية التي تجاور قارة كانت مستجدة على عالم ذلك الزمان واسمها .. أمريكا.

وسواس العولمة

ثمة فكرة ثابتة أقرب إلى الوسواس الذي يلح دوما على فكر الكاتب الصحفي الأمريكي فريدمان: هذه الفكرة تلخصها كلمة واحدة أصبحت الآن على كل لسان وهي: العولمة ..

في إصداراته السابقة تطرق الكاتب بإسهاب متوسع وتواتر متكرر إلى فكرة العولمة .. وإلى التصورات التي باتت تقول بأن العالم أصبح ساحة انكمشت فيها المسافات نتيجة ثورات الاتصال والحواسيب والكائنات الرقمية (الديجيتال).

صحيح أن فكرة العولمة ليست جديدة تماما على ساحة الفكر الإنساني.. نستطيع أن نرجع أصولها إلى مقولات وطروحات حكيم الإعلام والاتصال الكندي الذي لا نفتأ نحيل إليه في أكثر من سياق.

نعم .. إن البروفيسور مارشال ماكلوهان (توفى عام 1981) هو الذي سبق إلى طرح المقولة التي باتت الآن من أشهر ما يكون: أن العالم أصبح قرية .. إلكترونية. لقد طرح ماكلوهان مقولته تلك منذ أواخر عقد الستينات .. وربما شعر وقتها بالانبهار إزاء إرهاصات ما أصبح يعرف في أدبيات عصرنا بالعبارة التالية .. .. "ثورة السواتل"

بمعنى ثورة الاتصال باستخدام الأقمار الاصطناعية وكانت منذ جيل كامل هي الحفيد الأكثر تقدما وإشارة إلى وعود التقدم والتفاهم والتكافل والتآزر والتعاضد بين أجزاء عالم كان يعيش وقتها – كما قد تذكر – أجواء الحرب الباردة بين معسكري الشرق والغرب. بيد أن مؤلف كتابنا – "توم فريدمان" لا يصدر فقط عن مقولات مارشال ماكلوهان: إن فريدمان يطل على العالم من منظور مراحل ثلاث أو أحداث محورية ثلاثة يمثل كل منها معلماً بارزاً ومنعطفاً أساسياً على مسار تاريخ البشرية في العصر الحديث.



مقال في الجارديان
تلك ملاحظة يوردها في نقد كتابنا مقال نشرته الجارديان البريطانية (عدد 15 يولية 2005) للكاتب البريطاني جون كامبغنر يقول مقال الجارديان:

-- إن فريدمان يورد تعريفا للعولمة على ضوء ثلاث حقب في التاريخ وهي:

1- رحلة كولومبوس الأولى عام 1492
2- حركة الاكتشافات الجغرافية التي بلغت أوجها عام 1800 مما جعل سطح الكرة الأرضية ينكمش إلى النصف تقريبا بعد أن كان نصفه قبل ذلك مجهولا أو غير مكتشف.

3- حقبة الثورة الصناعية الحديثة التي استغرقت نحوا من قرنين إي ما بين عامي 1800 و 2000 للميلاد وقد بدأت باكتشاف البخار إلى أن وصلت البشرية مع مستهل الألفية الثالثة إلى حيث لم يعد العالم حتى مجرد قرية غلوبالية بل كادت كرة الأرض المعمورة – بجلالة قدرها – تتحول إلى ضيعة أو عزبة أو حي أو فريج أو حلة (بكسر الحاء) أو مربع سكني متواضع .. اختر ما شئت من الأوصاف والمسميات التي يستخدما أخوة العروبة بين المشرق والمغرب في الوطن اليعربي الكبير.

وإذا كانت رؤية هذا الكتاب قد بدأت باكتشاف أرض أمريكا أو شريط من سواحلها الجنوبية الشرقية عند أواخر القرن الخامس عشر – فها هي رؤية الكتاب وقد وقف بها صاحبها المؤلف عند هذه السنوات الخمس الفواتح من القرن الجديد وقد تجسدت في حقبة راهنة تتمثل أبرز معالمها فيما يلي:

** أنها حقبة السوبر – تصنيع .. بدأت بثورة الصناعة وتطورت إلى تكريس سطوة الماكينة إلى بلغت في لحظتنا الزمانية الراهنة حدود الهيمنة التي تمارسها الاحتكارات العملاقة والمؤسسات المتعدية الجنسيات وكان من نتائجها أن أصبح العالم صغيراً وتغير شكل كوكبنا الأرضي من كرة كنا نتدارسها في معاهد الطلب وخرائط التعلم إلى حيث أصبح بحكم الواقع ولا نقل الجغرافيا – مجرد كائن مسطح وعالم صغير وربما ضئيل يدل على تسطيحه ويؤكد ضآلته حقيقة بسيطة يعبر عنها مؤلف الكتاب في الكلمات التالية.

-- إن إنشاء شبكة اتصالات عالمية باستخدام الخيوط الضوئية (فايبر أوبتيك) حوّلنا جميعا إلى جيران مباشرين نتعايش معاً ويتاخم بعضنا بعضاً ضمن حي واحد.


ونواصـل ،،
-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-


تناقض المشاعر المزدوجة

نلاحظ في هذا السياق أن فريدمان يصدر في صفحات هذا الكتاب عن خليط من المشاعر المزدوجة إن لم تكن المتناقضة في بعض الأحيان:

فريدمان – الكاتب الراصد .. المتابع يلمح في ذكاء وأناة واقع التغيرات التي تطرأ على عالمنا ولا سيما بفضل التطور المبهر بل المذهل في سبل الاتصال التي لم تعد قطرية ولا إقليمية ولا حتى فضائية بل أصبحت كوكبية بكل معنى.

يقول المؤلف على سبيل المثال:

- هناك 245 ألف من شباب الهند قابعون للرد على مكالمات هاتفية تأتي من جميع أرجاء العالم أو يبادرون إلى إجراء مكالماتهم الهاتفية إلى كل أجزاء كوكب الأرض من أجل إبرام صفقات على الهاتف مباشرة : إما لعرض بطاقات الائتمان على الزبائن أو لبيع أحدث أجيال وماركات الهواتف الخليوية (الموبايل) أو لتحصيل فواتير تخص شركات في هذا البلد أو ذاك ولم تجد بعد طريقها إلى السداد.

هذا هو فريدمان المعجب بظاهرة الاتصال الكوكبي ومكالماته الهاتفية على يد آلاف مؤلفة من أصدقائنا الهنود.

لكن القضية لها وجه آخر – هو وجه فريدمان المنتمي إلى وطنه في أمريكا والحادب على مصالح قومه الأمريكيين .. إنه يخشى من تفاقم هذه الظاهرة التي أدت إلى "عولمة" نشاط الهنود وأتاحت لهم سبل التواصل مع كل أرجاء المعمورة وخلقت آلافا من فرص العمل والكسب والرزق لشباب الأمة الهندية .. وفي هذا السياق بالذات لا يتورع المؤلف عن الإعراب عن خشية تساوره حين يتفاقم الوضع وتزيد الأمور عن حدها. فإذا بالهند تنتعش وتفرض نفسها لا ينافسها ولا يباريها في ذلك سوى الجار – العملاق الذي يحمل اسم الصين – وكل هذا – على نحو ما يخشاه فريدمان – سيتم على حساب أمريكا .. كيف؟ يقول فريدمان في سطور من الكتاب:

-- إن تلك الاتصالات الهاتفية التي يباشرها ربع مليون هندي في مضمار عروض الصفقات أو تحصيل الفواتير – أعمال ووظائف يعتبرونها في أمريكا زهيدة الأجر ومتواضعة القدر والمكانة. لكنها إذ تحولت إلى أرض الهند أصبحت أعمالا ووظائف مجزية الأجر ومحترمة المكانة. وتلك طبعا ظاهرة تتم وتتسع على حساب الأمريكيين.


في داخل الصين

.. تعال إذن إلى الصين:
إن المؤلف يرصد عن كثب ما أصبح يدور ضمن خلية العمل المليارية من البشر التي تمثل هذا البلد الأسيوي الكبير: يتابع فريدمان بنظراته وتحليلاته ذلك الجيش اللجب من شباب الصين الذين يقفون في صفوف متراصة تتذرع بصبر صيني عجيب أمام قنصليات الولايات المتحدة مع مطلع كل صباح: إنهم يطلبون الحصول على تأشيرة دراسة في أمريكا وفي جعبة كل طالب منهم سبب خاص ومتميز يجيب به على السؤال المتواتر الذي يقول:
-- لماذا تذهب للدراسة في أمريكا؟؟

يورد مؤلفنا توماس فريدمان جانباً من حوار جمع بينه وبين إحدى مسئولي القنصلية الأمريكية في الصين .. يقول المسئول الأمريكي:
-- بصراحة بهرني طالب منهم حين طرحت عليه السؤال الرسمي المعروف .. لماذا قررت الدراسة في أمريكا؟ .. ساعتها قال الشاب الصيني على الفور:

-- أمي مُقعدة وقد ركبوا لها أطرافاً صناعية ضعيفة المستوى .. وأريد أن أذهب إلى أمريكا لأدرس كيفية صنع أطراف صناعية أفضل ومن أجل أمي !.

وسواء حصل الابن البار على الفيزا المرتجاه أو أبقوه على قوائم الانتظار .. فالحاصل إن المؤلف ما زال قلقاً على منافسة مثل هذا الطالب الشاب من أبناء الصين أو الهند لنظرائه في أمريكا: أولا لأن القياسات العلمية لمستوى طلاب الشرق الأسيوي باتت تفيد – موضوعياً بارتفاع هذا المستوى عن نظيره الأمريكي ذاته وخاصة في مجالات الرياضيات والعلوم الفيزيائية البحتة. وثانيا لأن أبناء شبه القارة الهندية ومعهم أبناء جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى (الصين بالذات) نشأوا في بيئات متواضعة وربما خشنة في بعض الأحيان .. وهم قادرون على مزيد من الشظف والصبر والتحمل والمشقة والرضا بالقليل من حيث المادة والمال حسب مستويات المعيشة في أوطانهم ولكن بانتظار تحقيق الكثير من المنجزات في مضمار التحصيل العلمي والكفاءة المهنية والمنافسة المتكافئة مع أقرانهم الأمريكيين أبناء مجتمع الرفاهية والدعة ونزعات الاستهلاك بكل أنواعه .. الضروري والترفي والكمالي وإلى أبعد الحدود.

لقد ذهب فريدمان إلى الهند وفي ذهنه أفكاره وأفكارنا الراسخة المستقرة التي تقول أن الأرض كروية


سر عنوان الكتاب

كان فريدمان يعد لإصدار هذا الكتاب الذي نتناوله في هذا السياق الموجز .. يومها اجتمع إلى أحد مديري المنشآت الصناعية – الاقتصادية في بنغالور – وادي الابتكار ومحور التحديث وموئل المواهب في الهند .. قال له الصديق الهندي الذي كان يدير مؤسسة للبرامجيات الحاسوبية الدقيقة:

-- بتنا نشعر أن أرض الملعب قد سُويت تماما أمام حركتنا. ولأسباب شتى تابعنا انهيار ما كان يصفه الاقتصاديون بأنه الحواجز التي كانت تعوق دخول الحلبة .. وأصبح اليوم بوسع أي فرد أو أي شركة في أي مكان أن يدخل ساحة التعاون أو التنافس على مستوى الكرة الأرضية بأسرها.

و... هكذا تكلم الصديق الهندي وحملت كلماته كما رأينا معنى أن الحلبة قد مهدت وأن الساحة قد أزيلت منها العوائق .. وهو ما أوحى لكاتبنا فريدمان بالاستعارة التي اختارها عنوانا لكتابه وفحواها أن الأرض – الكوكب لم تعد كروية وإنما أصبحت مسطحة بغير حواجز ولا عوائق ولكن بالطبع أمام من يكون مؤهلا بالعلم، والخبرة والعزيمة لكي يتعاون أو يتنافس مع سائر الأقران.

وإذا كانت الهند قد أوحت للمؤلف بعنوان الكتاب فإن الصين ما زالت تشغل حيزاً كبيراً بل وضخما من اهتماماته وانشغالاته على السواء.


ملاحظة أمريكي – هندي

هذا هو بالضبط ما يلاحظه كاتب آخر نشر عرضا نقديا وتحليليا مفصلا للكتاب (ملحق عرض الكتب) – بوك ريفيو – نيويورك تايمز، عدد الأحد أول مايو 2005. صاحب هذه الملاحظة هو فريد زكريا الكاتب الأمريكي من أصل هندي يقول:

-- إن صفوة ما يخلص إليه فريدمان هي أنه في ظل اقتصاد العولمة الذي نعيشه حاليا، يمكن نقل المجهود (أو الإنجاز أو الواجب) الفكري إلى أي مشتغلين بالفكر في أي مكان على ظهر البسيطة .. بيد أن هناك بلدين يشغلان حيزاً كبيراً من اهتمام فريدمان وهما الهند والصين اللذين يرى فريدمان أنهما في مقدمة من سيجني الاستفادة القصوى من هذا العالم الذي أصبح مسطحا (بغير حواجز أو عوائق). وبصرف النظر عن ملاحظة فريد زكريا، وفضلا عن تجربة المؤلف مع الهند التي استقى من حروفها عنوان الكتاب .. فإن للصين دلالة رقمية شديدة البلاغة والفصاحة كما تؤكدها سطور هذا الكتاب التي تطرقت إلى تجربة مؤسسة "وول مارت" مع الصين وتجارة الصين وصناعات الصين.

وول مارت كما هو معروف هي أكبر محلات في كل أمريكا لبيع كل مستلزمات البيت والأسرة والحياة اليومية للأمريكي العادي لدرجة أنها تشكل جزء من ثقافته وعنصراً من تكوينه ونشأته دع عنك أنها منتشرة في كل مكان على أرض الولايات المتحدة وأن أسعارها تكاد تكون في متناول الجميع وخاصة عامة الأمريكيين.

بهذه الصفات .. التاريخية كما قد نصفها باتت محلات "وول مارت" علامة قومية أمريكية شديدة التميز .. لكنها مع هذا كله اضطرت في زمن العولمة .. حقبة الأرض التي رآها مؤلفنا مسطحة. إلى أن تمديدها إلى الصين .. إلى المنتوجات والمصنوعات الصينية على وجه التحديد.




نواصــل

-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-

يقول كتابنا في هذا السياق:
- في عام 2004 استوردت مؤسسة "وول مارت" بضائع بمبلغ 18 مليار دولار (!) من موردين ومنتجين من الصين بلغ عددهم خمسة آلاف مورداً وكانوا في العام الماضي يشكلون نسبة 80 في المائة من مجموع من تتعامل معهم المؤسسة الأمريكية الكلية الاحترام على مستوى العالم كله.
- وليس لأحد أن يتصور أن هذه الواردات المليارية الآتية من الصين كانت رخيصة لأنها كانت متوسطة الجودة .. فالعكس هو الصحيح .. لقد عمدت الصين إلى تجويد منتوجاتها مع الإبقاء على تنافسية تسعيرها وهو ما بات يشكل اقتحاما إن لم يكن غزوا لأسواق الولايات المتحدة.


دراسة مورغان ستانلي
في هذا السياق أيضا يحيل المؤلف إلى دراسة مهمة أجرتها مؤسسة مورغان ستانلي للأنشطة المالية. تقول الدراسة ما يلي:

-- منذ منتصف التسعينات أدت الواردات الصينية المتهاودة الثمن إلى وفورات أفاد منها المستهلك الأمريكي وفي حدود مبلغ 600 مليار دولار.. وربما أفاد أيضا عدداً من الشركات الأمريكية التي تستخدم في منتوجاتها عناصر أو مدخلات واردة من الصين.

وليس لنا أن نظن مرة أخرى أن الفضل في هذا التفوق الصيني يرجع فقط – كما يردد البعض – إلى رخص الأيدي العاملة عندهم:. إن دراسة مؤسسة مورغان – كما يحيل إليها مؤلفنا فريدمان – ترمق بقدر لا يخفى من الإعجاب إزاء تطور القطاع الخاص ( وليس الحكومي وليس الحزبي في الصين) لقد عمد القطاع الصيني الخاص إلى زيادة الإنتاجية في مؤسساته وبين صفوف عماله وبنسبة زيادة بلغت سنويا 17 في المائة وتلك نسبة مذهلة كما يصفها فريد زكريا.

نحن إذن أمام عالم جديد .. كوكب أرضي مسطح ومبهر من حيث التحولات وإنجازات البشر كما يقول لنا توماس فريدمان ...



يتبـع


-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-

لأن مؤلف كتابنا ينتمي إلى مدرسة الصحافة الأمريكية. ولأن هذه المدرسة الصحفية بالذات معروف عنها أنها تعمد إلى مزج المعرفة بالحكاية والجمع بين الذاتي والموضوعي وبين الثقافة والإثارة – لهذا كله نجد أن أسلوب مؤلفنا – توماس فريدمان يعزف نغمتين مزدوجتين في آن واحد: نغمة الشخصي ونغمة العمومي .. يحدثنا عن حياته الخاصة .. مدارس أبنائه الصغار في منطقة ماريلاند – واشنطون .. عن شطارة زوجته في إدارة ميزانية الأسرة .. عن السلع التي بات يعرضها السوبر ماركت المجاور وقد وردت إلى أسواق الولايات المتحدة من كل أنحاء المعمورة .. في نفس الوقت يحدثنا فريدمان عن أسفاره العديدة وعن لقاءاته مع أنواع شتى وطبقات ومستويات متنوعة من البشر – مرة تدور السطور حول لقاء جمع بينه وبين حاكم أو زعيم ومرة تحكي الفقرات عن حوار دار بينه وبين فتاة جامعية من الهند أو الصين أو الشرق الأوسط.

وربما كان لهذه التركيبة الفضل في إضفاء سمات الطلاوة والرشاقة على الأسلوب الذي يؤدي به المؤلف فصول هذا الكتاب وهو أسلوب يمكن أن يصفه بالمودة والألفة بين الكاتب وبين جماهير القراء.


عند بوابة الخروج
مع ذلك فالكاتب – كما ألمحنا في حلقة سبقت – يحمل بين جنبيه هموم القلق على ضراوة المنافسة التي ما برح يرصدها على حلبة كوكبنا الذي لم يعد فريدمان يراه على شكل كرة عملاقة، ولا حتى على هيئة قرية إلكترونية، .. بل ها هو يحاول أن يقنعنا – كقارئين – أن الأرض المعمورة أصبحت مهاداً مسطحا بغير حواجز بين إبداعات الأمم ولا عوائق تحول دون تنافس الشعوب. تأمل مثلا وقفة المؤلف يوما، لا في قصر الحكم ولا في مقر الزعامة أو الرئاسة في هذا البلد أو ذاك .. بل اختار أن تكون وقفته عند بوابة الخروج من مبنى شركة كبيرة في الهند يرقب لحظة خروج موظفيها بعد انتهاء يوم عمل شاق وطويل.

يقول مؤلف الكتاب:

- وقفت أرقب هذا السيل المتدفق عبر بوابة الخروج .. كانوا شباباً متوثبا ومتحمسا تبدو عليه مخايل النجابة والذكاء .. بدا كل منهم وكأنه أحرز لتوه 1600 درجة في "امتحان سات" (الأمريكي الشهير لاختبار قدرات الطامحين إلى دخول الجامعة بمعنى أقصى معدلات التفوق والامتياز) ساعتها – يضيف المؤلف – أدركت أن ريكاردو، المفكر الاقتصادي الإنجليزي القديم كان على حق حين طرح نظريته حول "الميزة النسبية" أجل .. هؤلاء الهنود الشباب أجادوا فن التعامل مع تكنولوجيا العصر. ولهذا استطاعوا أن يجسدوا معنى الميزة النسبية التي يتمتعون بها.. ويجنون المكاسب.. ومن مكاسبهم سوف يطمحون لشراء سلع ومنتجات حديثة من عندنا في أمريكا وتلك بدورها ميزتنا النسبية .. ومن ثم يجني الطرفان .. بلادهم وبلادنا مزايا متبادلة أو مشتركة ..

المنافسة شرسة
بيد أن المسألة ليست على هذا النحو السلس والمريح .. المسألة لها وجه آخر يبعث القلق في نفس مؤلف هذا الكتاب .. يواصل توماس فريدمان تأملاته عند بوابة خروج هندية .. تجيش عواطفه فيقول في سطور الكتاب:

- فيما كانت عيوني ترقب المشهد عند البوابة كان ثمة هاتف يدق بإلحاح بين جوانحي .. يا إلهي! إنني أرى أعداداً كبيرة بل غفيرة من هؤلاء الشباب (الهندي) وكلهم تتسم ملامحهم بالجدية الشديدة تعبيراً عن حافز قوي يدفعهم إلى مواصلة العمل وتجويد الأداء كل هذا دون أن ينقطع من أمامي هذا السيل المتدفق بل إنهم يأتون ويتجمعون موجة في إثر إخرى .. وهنا كان لا بد وأن يلح على خاطري سؤال حائر هو:
- كيف بحق السماء تعيش بناتي ويعيش أو يعمل ملايين أخرى من شباب الأمريكيين بعد أن يكون هؤلاء الهنود قد أجادوا بحق أداء الأعمال التي يؤديها الأمريكان وشغل الوظائف التي يشغلها الأمريكان ولكن في مقابل كسر ضئيل ونذير يسير مما يتقاضاه نظراؤهم الأمريكان من رواتب أو أجور؟

وبديهي أن السؤال شديد الأهمية؟ وبديهي أيضا أن ليس ثمة إجابة محددة ولا جاهزة على مثل هذا السؤال.


حكمة العالم باستور
لكن البديهي أيضا هو أن الرابح في نهاية المطاف هو الطرف الذي يكون دوما قد حسب حساباته وظل دوما على أهبة الاستعداد لكل طارئ وكل تطور يستجد وخاصة في دنيا العلم والتكنولوجيا.
في هذا السياق يختم المؤلف واحداً من فصول كتابه بكلمة شهيرة جرت يوما على لسان عالم الكيمياء الفرنسي الشهير لويس باستور حين قال:

- إن الحظ دوما يحالف العقل المتأهب المستعد


عشر قوى غيرت العالم
في رأي المؤلف فإن تسطيح كوكب الأرض، بمعنى إزالة الحواجز التي تحول دون تواصل أجزائها إنما يرجع إلى 10 عوامل أو 10 قوى ترتبط جميعا بظاهرة العولمة التي يعدها فريدمان حجر الزاوية في حركة عالمنا. هذه القوى العشر هي بإيجاز شديد كما يلي:
1) سقوط حائط برلين يوم 11/9/1989 منذراً بنهاية الحرب الباردة وعلامة على انتصار معسكر الرأسمالية الغربي على معسكر الشيوعية الشرقي.
2) دخول شبكة المعلومات العالمية (إنترنت) إلى دائرة الاهتمام والعمل والأداء على صعيد الكرة الأرضية. بوصفها أهم وأكفأ عامل أو قوة للتواصل المستمر والفعال بين أجزاء العالم المعمور والتاريخ هو على وجه التحديد يوم 8/9/1995.
3) تطور ثورة البرامجيات وهي أساليب استخدام الحاسوب الإلكتروني لدرجة غيرت جذريا أساليب العمل والإنتاج المتعارف عليها وهنا يسوق المؤلف نموذجاً فصيح الدلالة من إنتاج فيلم رسوم متحركة (كارتون) لحساب شركة ديزني الشهيرة: زمان كانوا يخصصون المؤسسة الفلانية والاستديو رقم كذا ومجموعة العمل المحددة المكلفة لإنجاز مثل هذا العمل: أما الآن فإنتاج فيلم الكارتون كما يوضح المؤلف (ص 72) يتم من خلال عدة مساهمات: الصوت في نيويورك والإخراج في سان فرانسيسكو والسيناريو يكتبه الفنانون من منازلهم حيث يقيمون في لوس أنجيلوس ولندن وشيكاغو وتحريك الشخصيات يتم من بنجالور في الهند والفضل في هذا كله للتواصل المستمر الفعال من خلال معدات الحاسوب.
4) افتتاح بازار المعلومات والبيانات العالمي – بالأدق الكوكبي أو كما يسميه المؤلف بظاهرة المصادر المفتوحة بحيث أصبحت ذاكرة الحاسوب وشاشته هي رفيق المفكر والصحفي والدارس والمدقق والأكاديمي والهاوي تطوف به أجواز الزمان ومواقع المكان وكأنما هي كنز علي بابا الاسطوري الشهير في "ألف ليلة" ولكنه يحوي ثروات لا تنفد من المعلومات ولا يضم قلائد اللؤلؤ أو الذهب أو الياقوت.. دع عنك السهولة البالغة من أجل الحصول عليها.
5) الاستعانة بالمصادر أو الفعاليات الخارجية وهو مصطلح دخل مع عقد التسعينات أدبيات الاقتصاد والتنمية والحاسوب على السواء ومعناه بداهة استقدام مهارات متميزة وكفاءات لا تجود بها سوق العمل المحلية حيث مستوى التعليم ورقي التدريب ونوعية الأداء، كي تعمل هذه المهارات والكفاءات في مؤسساتك وإداراتك الوطنية: صحيح أنك ستدفع للوافدين مرتبات وأجوراً مجزية لم يحلموا بها وهم في وطنهم الأم – ولكن الصحيح أنك الرابح على طول الخط وفي نهاية المطاف .. لأنك تستورد كفاءات جاهزة لم تنفق عليها ولا عشت معها معاناة مراحل التعليم والتنشئة ولا أحوال المرض ولا تغيرات وسلبيات الظروف .. إن الطرف – البلد الذي يستعين بالمصادر الخارجية هو كمن يشتري بضاعة حاضرة وهي من أنفس ما يكون لأنها عبارة عن خبرات وقدرات تدفع دفقا متجدداً من دماء الحمية في شرايين حركة التطور والاقتصاد في المجتمع وإن كانت تعيش في التحليل الأخير على ما أصبح يعرف في أدبيات السياسة المعاصرة بأنه هجرة الكفاءات وذلك تعبير مهذب ومخفف عن الحقيقة المباشرة التي تصفه بغير موارية بأنه نزيف الأدمغة".



يتبـع ،،

-
-
-
-
-
عمر التجاني
مشاركات: 228
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm

مشاركة بواسطة عمر التجاني »

الأخ كمال عبد المجيد
لك مني التحية
عمل مقدر عندما قرأته تمنيت ان لم أكن قد قرأته فقد قفذ إلي ذهني السؤال الملح أين نحن من تلك التحديات؟ العالم يركض ونحن نحبو نسأل عن أصل الفتي هل هو من مضر أم قريش دون أن يخطر على بالنا ماذا قدم الفتى؟ ذلك التخلف المزري الذي خلفته الثقافة العربية المتعالية بالطبع معها بقية الثقافات ولكن الثقافة العربية هي التي سادت وفرضت سيطرتها المتخلفة وما زلنا منذ عام خروج المستعمر نسأل أمكانية تطبيق الشريعة أم نحاول دولة علمانية ودون بالطبع أن نصل إلي حل وتفاهة فكرة الترابي الإسلام هو الحل كيف الحل لا أعرف هكذا تحدث فيلسوف زمانه الترابي.
لم نجلس يوما لنسأل أنفسنا أين سيكون موضعنا من هذا العالم الشرس الذي لا مكان فيه لمتخلف لا مكان فيه للخرافة والدجل والغيبيات. الموضوع أصبح فايبر والياف ضوئية ومسار الضوء ـ دون أن يكون الواو قبل الضاد فذلك له موضع آخرـ لماذا لا يتركنا الكهنوت للبحث في افق العلم لماذا ظلوا وعلى الدوام يربطوننا بالرقية والشيطان الذي لا وجود له حسي حتى في ادبيات الإسلام بل هو وجود غيبي لا أعرف من أين أتوا بالشيطان هذا.والالم يركض ونحن أسرع منهم في الركض ولكن خوفا الا يلحقنا الشيطان والجان.
الرقية بدل العلاج بالمستشفى والمحاية بدل الدواء والعالم يركض والشيخ بدل الطبيب والعالم يركض وبعد الموت تحت حوافر السيارات ياتي دور القضاء والقدر.
كم يؤلمني حال بلدي كم يؤلمني أن أصبحت أفكر تماما بأن عقلي عير سوي إذ لا يعقل أن أكون أنا العاقل وكثير جدا جدا من الناس هم المجانين. والعكس يجب أن يكون هو الصحيح فالقليل من من لا يؤمن بتلك الغيبيات لهو الغبي وغيره هو الصواب
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

عمر التجاني كتب:الأخ كمال عبد المجيد
لك مني التحية
عمل مقدر عندما قرأته تمنيت ان لم أكن قد قرأته فقد قفذ إلي ذهني السؤال الملح أين نحن من تلك التحديات؟ العالم يركض ونحن نحبو نسأل عن أصل الفتي هل هو من مضر أم قريش دون أن يخطر على بالنا ماذا قدم الفتى؟ ذلك التخلف المزري الذي خلفته الثقافة العربية المتعالية بالطبع معها بقية الثقافات ولكن الثقافة العربية هي التي سادت وفرضت سيطرتها المتخلفة وما زلنا منذ عام خروج المستعمر نسأل أمكانية تطبيق الشريعة أم نحاول دولة علمانية ودون بالطبع أن نصل إلي حل وتفاهة فكرة الترابي الإسلام هو الحل كيف الحل لا أعرف هكذا تحدث فيلسوف زمانه الترابي.
لم نجلس يوما لنسأل أنفسنا أين سيكون موضعنا من هذا العالم الشرس الذي لا مكان فيه لمتخلف لا مكان فيه للخرافة والدجل والغيبيات. الموضوع أصبح فايبر والياف ضوئية ومسار الضوء ـ دون أن يكون الواو قبل الضاد فذلك له موضع آخرـ لماذا لا يتركنا الكهنوت للبحث في افق العلم لماذا ظلوا وعلى الدوام يربطوننا بالرقية والشيطان الذي لا وجود له حسي حتى في ادبيات الإسلام بل هو وجود غيبي لا أعرف من أين أتوا بالشيطان هذا.والالم يركض ونحن أسرع منهم في الركض ولكن خوفا الا يلحقنا الشيطان والجان.
الرقية بدل العلاج بالمستشفى والمحاية بدل الدواء والعالم يركض والشيخ بدل الطبيب والعالم يركض وبعد الموت تحت حوافر السيارات ياتي دور القضاء والقدر.
كم يؤلمني حال بلدي كم يؤلمني أن أصبحت أفكر تماما بأن عقلي عير سوي إذ لا يعقل أن أكون أنا العاقل وكثير جدا جدا من الناس هم المجانين. والعكس يجب أن يكون هو الصحيح فالقليل من من لا يؤمن بتلك الغيبيات لهو الغبي وغيره هو الصواب


الغالي عمر التجاني، تسلم ،
نعم ، البون شاسـع وشتان ما بين تبر وتراب ،، الجهـل هو من مكّـن الطغاة والطغاة بالجهل يتسلقون
وتبقـى إرادة الشعوب لصنـع مستقبلها وتحديد هويتها فملاك العلم يحـرر شيطان الجهل الذي أدمـن تواجده بشتى الاسماء ..

تسلم ولي رجعة .



-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-


ماذا فعل نهرو

يلاحظ أن مؤلف الكتاب يركز حديثه أو يكاد في هذه النقطة على الكفاءات الهندية التي عملت الولايات المتحدة على استقدامها إلى الأرض الأمريكية. ورغم أن فريدمان لا يضمر ودا مفقوداً تجاه الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو إلا أنه لا يملك – موضوعيا – سوى أن يشيد بفضل نهرو (ص 104) وخاصة حين قرر الزعيم الهندي في عام 1951 أن ينشئ أول معهد علمي راق في مدينة كاراغبور شرقي الهند باسم معهد الهند للتكنولوجيا وقد تلاه إنشاء ستة معاهد شقيقة استطاعت على مدار السنوات الخمسين الماضية تخريج مئات الآلاف من أنجب العقول الهندية وأرقاها تعليما .. وهي الكفاءات التي أفادت تطوير الصناعات الهندية في الداخل وأتاحت أيضا أو أتيح بفضلها تنفيذ مبدأ الاستعانة بالمصادر الخارجية في أقطار شتى في مقدمتها الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

6) بناء جسور تربط الانتاج والخدمات بين الداخل والخارج. تلك هي فكرة "الأوفشور" في جوهرها ومن أمثلتها – كما يفسر كتابنا – أن تعمد شركة أمريكية عاملة في مدينة كانتون بولاية أوهايو فتنقل أحد مصانعها كاملا بجميع محتوياته إلى مدينة كانتون – الأصل على الأرض الصينية وهناك يواصل المصنع انتاج نفس السلع بنفس المواصفات ولكنه يفيد منطقيا من استخدام عمالة أرخص أجوراً ودفع ضرائب أقل قيمة واستخدام طاقة مدعومة من الدولة الصينية وسداد تكاليف للتأمين الصحي على العمال (الصينيين) لا توازي كسوراً محدودة بالمقارنة مع نظيرتها المدفوعة في داخل أمريكا. ورغم هذا كله فالصين طرف مستفيد بدوره قدر استفادة الوافد الأمريكي الذي قرر أن يعمل عبر الحدود. ولعل هذا ما دفع مؤلفنا إلى أن يربط بين هذه القوى الدافعة نحو العولمة وبين تاريخ محدد هو يوم 11/12/2001 وهو يوم انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية.

7) سلسلة الإمداد. هذا هو العنوان الرئيسي للقوة السابعة التي نستعرضها في هذا السياق .. أما العنوان الفرعي فيسوقه الكتاب في العبارة التالية:


- "تناول السوشي في أركنساس": والمعني ببساطة هو أن الإنتاج والخدمات أصبحا يتمان عبر سلسلة متكاملة تكاد تطوق أرجاء العالم كله.. فأنت تستطيع أن تأكل صنف السوشي الياباني الشهير في أركنساس (ينطقها الأمريكان أركنسو) وهي من ولايات الريف النائية في أمريكا. وفي المقابل فتحت اليابان أبوابها لسلسلة محلات "وول مارت" وهي أوسع وأشهر وأرخص المحلات الأمريكية لبيع الأغراض المنزلية في أمريكا التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية.

8 ) توطيد المصادر بمعنى إسناد مهام وأعمال جديدة إلى مؤسسات تقليدية ظلت تمارس مهامها القديمة أو المتعارف عليها طيلة سنوات وعقود من الزمن. المؤلف في هذا الخصوص يضرب مثلاً للقراء: والمثل يتعلق بدائرة الطرود المتحدة في أمريكاالتي يعرفها كل الناس باسمها الشهير المختصر (يو. بي. إس)
- يقول فريدمان: لقد ظللت على مدار سنوات – ومعي كل الحق – أتصور أن هذه الدائرة أو المصلحة البريدية تقصر همها على نقل الطرود تضعها في شاحناتها القاتمة اللون ويحملها في الأيدي وعلى الأكتاف موظفوها وعمالها ذوو السراويل القصيرة السمراء.
- ثم يضيف فريدمان بالحرف (ص 141)
- لكن الدنيا تغيرت دون أن أدري .. إذ كنت أغط في نوم عميق. لقد اكتشفت أنك لو امتلكت جهاز كومبيوتر حاسوب شخصي ماركة كذا اليابانية وأصابه أي عطب .. ثم اتصلت بالشركة لإصلاحه حسب شروط الضمان .. ساعتها سوف يشيرون عليك بأن ترسله إليهم عن طريق شركة (يو. بي. إس) البريدية .. وسوف تفعل وسوف يعود إليك الجهاز تمام التمام .. ولكن لا تتصور أن الجهاز قد سافر إلى صانعيه الأصليين: لقد أصلحوه في مصانع شركة البريد ذاتها ذلك لأن تطورات العولمة – يضيف المؤلف – حولتها من خدمة بريد إلى خدمة بريدية زائد خدمة مشاركة في عمليات الإصلاح والتطوير.

9) عفاريت الشبكة العنكبوتية العالمية (ويب) ويحملون اسماء شتى من قبيل جوجل .. ياهو .. إم. إس. إن .. و .. البقية تأتي.
- لقد زار المؤلف مقر شركة جوجل في ماونتان ثيو بولاية كاليفورينا .. وجذبت أنظاره كرة لكوكب الأرض تدور في زاوية المكان وتبعث أشعة من الضوء التي تقل أو تزيد حسب حجم البشر الذين قرروا أن يستخدموا جوجل في أغراض البحوث. بعدها يسوق المؤلف ملاحظة مؤسفة من وجهة نظرنا العربية .. لماذا؟ لأن الملاحظة تقول: أن ومضات الضوء كانت تنبعث من أمريكا الشمالية ومن أوروبا ومن كوريا ومن اليابان ومن سواحل الصين .. أما الشرق الأوسط وأفريقيا فقد ظلت كل منطقة منهما معتمة بغير نور أو فلنقل بقليل .. قليل من ضياء .. ومن عجب أن المؤلف يضيف قوله أن هذا أمر كان متوقعاً!.

أليس من حقنا أذن أن نأسى على سواء أحوال الشرق الأوسط وأفريقيا، خاصة حين نعلم (ص 153) إن جوجل كان موقعها يتلقى يوميا نحو 150 مليون زيارة منذ 3 سنوات أما اليوم فعدد زائري جوجل أصبح يقارب المليار كل 24 ساعة.

10) القوة الأخيرة التي يراها المؤلف من محركات العولمة أو من عوامل تمهيد سطح كوكبنا وتحويله إلى حي صغير متواضع هذه القوة يطلق عليها المؤلف وصفا غريبا هو:


.. المنشطات
ثم يضع تحت هذا العنوان عبارة تضم ما يلي .. الأجهزة الرقمية (ديجيتال) + الهواتف المتحركة (موبايل) وصور الحقيقة الاقتراضية التي تحاكي الواقع ولكن على شاشات الحواسيب.

ومن الواضح طبعاً أن كل هذه الثورات الاتصالية – وهي أيضا معرفية بالضرورة تستند أساسا إلى ثورة الحاسوب – الكومبيوتر: تلك كانت تأملات المؤلف وهو على متن القطار – الرصاصة بمعنى أسرع قطار في العالم تستخدمه اليابان ويسير بمعدل 240 كيلو متراً في الساعة .. وفي داخل القطار فتح المؤلف جهازه الشخصي واستطاع أن يعمل ويدون ويتواصل وينجز كل ما أراد من خلال الجهاز الموصول لاسلكيا .. قرأ افتتاحية نيويورك تايمز وقدم تهنئة لصديق في كازاخستان واطمأن على ترتيب مواعيده الصحفية..

ثم بلغ به الحماس أن فكر في خطوة غير مسبوقة خطوة سياسية هذه المرة .. وفي هذا يقول توم فريدمان:

- بصراحة .. كلما أمعنت التفكير في هذا كله ازداد تصميمي على أن أرشح نفسي رئيساً للولايات المتحدة (!) وسوف يكون برنامجي محتويا على نقطة واحدة أقول فيها للناخبين "أعدكم – لو انتخبتموني بأن أعمل خلال 4 سنوات فقط (يقصد طبعا الولاية الرئاسية الأولى) على أن تنعم أمريكا بتغطية شاملة بشبكة الهواتف المحمولة أسوة بـ .. غانا، وفي غضون 8 سنوات (أضاف الولاية الثانية) سوف نصبح على قدم المساواة من حيث الكفاءة مع اليابان – شريطة أن تبرم اليابان معنا اتفاق سكوت وسكون لا تتحرك فيه ولا تبتكر أو تجدد ريثما نلحق بها في أمريكا ونجاريها في مضمار السباق.

أما .. شعاري (الرئاسي) الذي سوف تحفل به اللافتات والملصقات فسوف يتألف بدوره من عبارة واحدة يلخصها سؤال يقول:

- هل يمكن أن تسمعوني الآن؟؟




يتبــع


-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-

معذرة ،،

فقد تهت قليـلاً لحيـن الرجوع للموقع مورة أخرى



وسأواصــل
-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-
في 20 سنة فقط تغيرت صورة الهند والهنود،، من سحرة الثعابين في السوق إلى سحرة الحاسوب في بنجالور.
المؤلف يوجه انتقاداته إلى بلده أمريكا بعد 11 سبتمبر، كيف تحولت أمريكا من تصدير "الحلم" إلى تصدير "الخوف"



[b]بعد رحلته الطويلة .. ما بين مراكز البحوث في أمريكا ومصانع النسيج والملبوسات الفاخرة .. والرخيصة الثمن في الصين .. وإبداع البرامجيات الحاسوبية في وادي بنجالور بالهند وخط القطار – الرصاصة الياباني – أسرع قطار في العالم، – وبعد أن طاف مؤلف الكتاب بكل ما وعته ذاكرته المعرفية أبعاد ظاهرة العولمة وتداعياتها – بعد هذا كله يصل بنا توماس فريدمان إلى الفصل الختامي من هذا الكتاب:

هو الفصل الثالث عشر .. وفيه يسجل المؤلف – كما يقول – خلاصة البحث أو صفوة الموضوع ونلاحظ أنه يستخدم مع الخلاصة تعبيراً آخر يحرص عليه ويهتم به أشد الاهتمام وهذا التعبير هو ببساطة:
[/b]


الخيــال...

ولا عجب في ذلك .. فالكلام عن العولمة .. والكلام عن التحولات المذهلة التي تطرأ على كوكبنا المعمور .. والكلام عن الابتكارات الخطيرة في عالم الحواسيب .. والفضائيات والاتصالات اللحظية وظاهرة الاعتماد المتبادل التي باتت تجتاح العالم .. كل هذا لا بد وأن يسترعي بالضرورة أتباع نهج فكري يعتمد على الخيال بالدرجة الأولى .. فالواقع دائب التغير، والمستقبل هو غاية التفكير ومناط التحليل، ولا سبيل للتعامل مع هذا المستقبل سوى بأن نتخيل ونتصور .. شريطة أن يقوم خيالنا وتصوراتنا لا على أساس الوهم أو التعلل بالأماني بل على أساس الفكر العلمي والحسابات الرياضية والإسقاطات المدروسة التي تنطلق أولا من قانون الاحتمالات، فيما تضع في اعتبارها ثانيا قانون النتائج غير المتوقعة كما يقول الاختصاصيون.

حكمة أينشتاين

لم تكن صدفة إذن أن تشيع مقولة ألبرت أينشتاين:
- الخيال أهمّ بكثير من المعرفة.
ولهذا اختار المؤلف أن يبدأ خاتمة فصول الكتاب بمقولة العالم الفيزيائي الكبير بل ها هو المؤلف يضيف إلى بداية هذا الفصل الختامي (ص441) عنوانا فرعيا رقميا على وجه التحديد وهو:
** يوم 9/11 في مقابل يوم 11/9 وشتان ما بين التاريخين: بين التاسع من نوفمبر عام 1989 والحادي عشر من سبتمبر عام 2001 .. الأول يشير كما يكرر المؤلف إلى سقوط حائط – سور برلين إيذاناً بتداعي وانهيار، ومن ثم زوال الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي بأكمله .. في حين أن الثاني يشير – بداهة – إلى يوم وقوع مأساة المركز التجاري بكل ما راح ضحيته من أرواح بشرية من جنسيات شتى وبكل ما يرمز إليه من زعزعة الشعور الذي كان مستقراً بالأمن في أمريكا التي لم تتعرض لأي حرب ولا طالها أي هجوم من خارج حدودها على امتداد 200 سنة وأكثر من عمرها كأمة أو دولة عفية، محدَثة تقع بين محيطين: الأطلسي عن يمين والباسيفيكي عن شمال.


الخيال بين البناء والدمار

في هذا السياق يصمم المؤلف على عقد المقارنة بين نمطين من أنماط الخيال: .. بعد سقوط جدار برلين أطلق الناس العنان لخيالهم فوجدوا الدنيا وقد زال من خريطتها أحد المعسكرين المتنافسين وبقي ممسكا بمقاليدها المعسكر الباقي .. الفائز أيضا وهو المعسكر الرأسمالي ومن ثم جاء تكريس قطب واحد لم يتورع عن ممارسة الهيمنة وهو أمريكا لكن أحداث سبتمبر في المركز التجاري ينسبها المؤلف إلى نمط مختلف تماما من أنماط الخيال – هو الخيال الذي استخدم الطائرة سلاحاً وليس مجرد وسيلة نقل أو انتقال وكان أن أصبح برجا مركز التجارة أثراً من بعد عين كما يقال.

وبصرف النظر عن إطلاق الأحكام أو ممارسة عمليات التقييم .. فإن مؤلفنا يحسن صنعا حين يؤكد أن هذين التاريخين، برغم التناقض في النتائج .. يشيران إلى ظاهرة مهمة جديدة بالرصد والدراسة:

-- إنها ظاهرة سقوط الحواجز .. سواء كانت جداراً ماديا من الكونكريت في برلين .. أو حتى كانت جدارا من الخوف والرهبة إزاء قوة عظمى لديها كل أسلحة الردع والترويع مثل الولايات المتحدة.

والمعنى الذي يخلص إليه المؤلف هو أن لم تعد الدولة بالمعنى التقليدي تملك احتكار السلطة أو جبروت القوة .. وبالتالي لم يعد ثمة مكان – كما يؤكد فريدمان (ص 443) لزعماء الطراز السوبر .. يتربعون على سدة القيادة في دول – سوبر بدورها – زعماء على شاكلة هتلر الألماني أو ماوتسي تونغ في بلاد الصين أو ستالين في قصر الكرملين السوفيتي. وفي هذا المعنى يقول المؤلف:

-- هكذا أصبح الصغار قادرين على أن ينهجوا سلوك الكبار .. أصبح الأفراد بإمكانهم أن يلحقوا ضررا فادحا بالنظام الدولي بغير أن يمتلكوا الأدوات التي تمتلكها الدول في العادة. لكن المسألة ليست بغير ضوابط، والحبل ليس على الغارب كما قد يتصور الناس هنا أو هناك. وبقدر ما يفكر ويدبر ويخطط هؤلاء الأفراد الذين يتربصون بالنظام الدولي، بقدر ما أن هناك أفراداً آخرين يفكرون ويدبرون ويخططون لإحراز مزيد من التقدم في مضمار التكنولوجيا ابتداء من الاستخدامات المتطورة لأشعة الليزر، وليس انتهاء بالمستويات – المتقدمة للغاية من أجيال الحواسيب. وما من شك في أن أمن البشر وسلام الإنسانية وراحة بال الناس فوق كوكب الأرض .. بحاجة إلى النمط الثاني من التفكير لأنه يفضل البناء على الهدم ويعلى من شأن التقدم على أطلال الخراب أو التدمير.


يتبـع ،،

-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-

معذرة للتأخير ،،

غصبـاً عنـي ..

ونـواصــل


-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-

درس مستفاد لأمريكا

وقبل أن نتهم مؤلفنا بأنه بسبيل خطبه عصماء يلقيها على مسامعنا عند خواتيم الكتاب .. فقد نقف معه عند نقطة إيجابية كما نرى يقول فيها:

- أن علينا في أمريكا أن نضرب المثل – بمعنى القدوة الحسنة أمام سائر البشر في عالمنا. وإذا كنا محظوظين بأن نعيش في مجتمعات (الغرب) التي تنعم بالحرية أو التقدم فإن علينا أن نكون أفضل نموذج للمواطن العالمي – بمعنى مواطن العولمة (الجلوبالي) بمعنى أن نتفاعل مع عالمنا ولا ننعزل عنه أو ننسحب من التعاطي مع مشاكله وقضاياه.

وهذا بالطبع كلام لا غبار عليه في تصورنا العربي وإن كان سؤالنا سيظل مطروحاً على مؤلف كتابنا وهو:

- إلى أي حد استطاع العقل الأمريكي أن يترجم هذا الكلام المفيد البناء إلى سلوك واقعي؟.

ومرة أخرى نحاول التماس الإجابة من سطور الكتاب حين يسترسل المؤلف (ص 450) قائلاً:

- منذ بداية أمريكا في العالم ظل دورها الدولي طليعياً أو استباقياً بمعنى النظر إلى الأمام وليس الالتفات إلى الوراء .. لكن من أخطر ما حدث لأمريكا منذ كارثة 11 سبتمبر، الأمريكان – تحولنا عن "تصدير الأمل" إلى عالمنا فأصبحنا "نصدر الخوف". وبعد أن كنا نحاول استخلاص أفضل ما في العالم .. إذا بنا ننصب الفخاخ في كل مكان .. وعندما يتحول المرء إلى تصدير الخوف .. يجد نفسه وقد استورد بدوره خوف الآخرين ..


حكاية الخيط الرفيع،،

من هنا يمضي المؤلف فيلح على أهمية استخدام الخيال من أجل التصدي للواقع الراهن في وطنه الأمريكي .. يقول:

- صحيح أننا بحاجة إلى الأفراد القادرين على أن يتصوروا الأسوأ .. وقد حدث هذا الأسوأ بالفعل يوم 11 سبتمبر بل ويمكن أن يتكرر هذا الحدوث. لكن علينا أن نعرف أن ثمة خيطا رفيعاً يفصل بين التحوط وبين البارانويا .. بين الحذر واليقظة وبين أن يستبد بنا الخوف المرضي إزاء أي شيء ومن كل شيء. وهذا الخيط الرفيع .. أو هذا الخط الفاصل الدقيق عبرناه حيث وقعنا أسرى الخلط – كما أسلفنا – بين اليقظة والخوف الذي يملك علينا كل جوانب الحياة
.


في نفس السياق يتساءل توماس فريدمان:

- أين ذهبت الروح الأمريكية المعروفة؟ .. روح البساطة والنظرة المستقبلية والثقة في أن الغد أفضل من اليوم وأن لكل مشكلة حلاً؟ .. هذه الروح كان الأوروبيون يحسدوننا عليها وأحيانا يتندرون بها حين يرددون أن الأمريكان قوم مجبولون على التفاؤل إلى حد السذاجة في بعض الأحيان.

تلك إذن دعوة إلى أمريكا، وربما إلى عالم البدايات من القرن الحادي والعشرين لكي يترجم مقولة شهيرة وبسيطة هي:
- فلندع المستقبل يدفن الماضي.

إن هذه الروح – التي أصبح المؤلف يفتقدها في مجتمع بلاده الراهن كانت بمثابة الطاقة – كما يسميها – التي كانت تدفع بكرة الأرض كي تدور على محورها مرة كل 24 ساعة فإذا بأهلها يعرفون الفرق بين الليل والنهار .. وهنا يخلص المؤلف إلى أن يقول:

- وإذا ما سمحنا للظلام أن يسود في مجتمعنا وبين جوانحنا .. وإذا ما توقفنا (في أمريكا) عن دورنا بوصفنا "مصنع الأحلام". فسوف نجعل العالم بقعة مظلمة بل ونحوله أيضا مكانا يعيش في البؤس ويخيم عليه التعاسة.


[b]الحلم أجدى من الذكريات


ثم يؤكد المؤلف على أهمية الحلم بالنسبة للمجتمعات الراغبة في التقدم: الأحلام عنده أثمن وأجدى من مجرد الذكريات التي تقتات بالأسى وربما: الحسرة إلى الماضي الذي فات وانتهى والأخطر من ذلك في رأيه أن استعادة الذكرى عادة لا تكون أمراً موضوعياً بحيث تسترجع أحداث الماضي بشكل محايد ومنصف وصريح.. إن الذكرى في العادة تكون مشوبة بالنوستالجيا .. بذلك الحنين العاطفي إلى الماضي .. ومن ثم فالوقائع غالبا يسترجعها الأفراد والمجتمعات وقد شابتها غلالات الوهم والحنين والتأسي على ما فات. وقد تصلح مثلا في مجال تعزية النفس أو الصبر على مكارة الحاضر .. لكنها لا تصلح بالقطع من أجل الانطلاق المفروض والمطلوب إلى المستقبل. عند هذا المنعطف من التحليل ينقل المؤلف عن أستاذ أمريكي دارس لقضايا السلام العالمي وأسمه ديفيد روثكومف يقول:

- إن ما ينبغي أن تنشده مجتمعاتنا لا يكمن من ما تغير في حياتنا بالفعل .. بل فيما لم يصبه التغيير بعد كي نتعرف عليه ونحاول تغييره. إن هذه التصرف هو السبيل الذي يفضي بنا إلى التركيز بحق على قضايانا المحورية في أمريكا وفي مقدمة هذه القضايا: الاستجابة الجماعية إزاء انتشار أسلحة الدمار في العالم + تعبئة أطراف صاحبة مصلحة في دعم ظاهرة العولمة (بمعنى التكافل الكوكبي من حيث التعاضد والتآزر) ولا سيما بين صفوف الفقراء في عالمنا + الحاجة إلى الإصلاح في العالم العربي + بلورة دور قيادي أو طليعي تضطلع به أمريكا لا يتم من خلال الهيمنة بقدر ما يتم من خلال إقناع أكبر عدد ممكن من الناس كي يشاركونا في القيم الإيجابية التي ننظم حياتنا على أساسها. تلك هي القيم التي تمثل الركائز الحقيقية التي يقوم على أساسها شعورنا بالأمن بل هي المصدر الحقيقي لقوتنا.


نواصـل ،،

-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-

الديمقراطية سياسيا واقتصاديا

هذه المقولات تمثل المادة الخام أو خيوط الغزل الدقيقة التي لا يلبث مؤلف كتابنا ينسج منها منطقاً يراه مهما بالنسبة لأمن العالم ورخائه بعامة وبالنسبة لأمن وطنه أمريكا وسلامها بشكل خاص..

أهم هذه الخيوط في رأي فريدمان هو:

** الديمقراطية في جانبيها السياسي والاقتصادي

** في الجانب السياسي تظل الديمقراطية – على اختلاف الأساليب والأشكال المؤسسية – هي جعل المواطن العادي شريكاً في رسم مقاليد الوطن على أن يكون ذلك بالطبع من خلال مؤسسات تمثيلية بمعنى نيابية وفي ظل قدر كريم ومعقول من إقرار حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

** وفي الجانب الاقتصادي، تصبح الديمقراطية – وبالضرورة – هي اقتصاد السوق الذي يتحكم فيه قانون العرض والطلب وقانون المبادرات الفردية وقانون المنافسة المفتوحة وإن كان للدول أن تتدخل باستمرار خلال تفعيل هذه القوانين على أن يكون التدخل أساسا من خلال ضوابط تنظم المسيرة وليست قيوداً تعوق انطلاقتها ثم أن يكون هذا التدخل لمصلحة الفئات المهمشة من سكان المجتمع الفقراء .. والمستضعفين والنساء والأطفال والمرضى وربما الشباب الباحث عن فرصته للعمل وللكرامة وتحقيق الذات.

يؤمن مؤلف الكتاب بأن إقرار الديمقراطية بجانبيها السياسي والاقتصادي هو الكفيل وحده بتحويل طاقات السخط إلى عوامل انتاج وتفريغ مشاعر الغضب في مجتمعات العالم الثالث لكي تتحول إلى زخم قوي يدفع مسيرة تلك المجتمعات إلى الأمام.


هذا الانشغال .. الهندي

ولأمر ما نلاحظ في أواخر الكتاب – بقدر ما لاحظنا في مستهل صفحاته – شغفا خاصا من جانب توماس فريدمان بالهند:. في أوائل الكتاب حدثنا المؤلف عن وادي السيلكون الهندي – بمعنى ساحة الابداع العلمي والمبتكرات التكنولوجية في بنجالور.

لكن ها هو فريدمان يعود إلى الهند التي يصفها بأنها ثاني بلد إسلامي في العالم (150) مليون نسمة بعد أول بلد مسلم وهو إندونيسيا من حيث عدد السكان.

وهنا يتوقف المؤلف عند ظاهرة تسترعي انتباهه طبعا بحكم تجربته كأمريكي بعد أحداث سبتمبر: أنها ظاهرة غياب العنصر الهندي المسلم عما يوصف بأنه تيارات العنف أو الإرهاب التي تجتاح العالم ومرة أخرى يحاول فريدمان الإجابة (ص. 457) فيقول:

- فتش في الهند عن السياق (بمعنى الظروف التي يعيش فيها المسلمون): لديهم عشرات المشاكل الداخلية، بالطبع ورغم التوترات العديدة ذات الأساس الطائفي في محيط الهند لكن السياق العام هناك – كما يصفه فريدمان – سياق يضع كلاً من الدين والدنيا في مكان خليق به .. بمعنى أنه لا يخلط عشوائيا بين أمور السياسة وألاعيبها وبين قضايا العقيدة وجلالها .. وهناك أيضا قوانين السوق الحرة وتقاليد الديمقراطية النيابية في الهند التي تقوم على اختيار من يديرون عجلة المجتمع وعلى تداول السلطة بين مختلف الأحزاب والتجمعات .. وكل هذا – يضيف فريدمان – يتم على أساس أعراف رسخت حقيقة في الحياة الهندية (من أيام غاندي وربما قبله) وهي أعراف تؤكد على قيم اللا عنف والتسامح.

وأيا كان حكمنا على هذه النظرة الخاطفة – حتى لا نقول المتسرعة من جانب الصحفي الأمريكي الشاطر الذي نعرض لكتابه في هذه السطور .. فالحق أن الهند أنجزت موضوعيا ما يمكن أن نصفه بأنه المعجزة .. وقد حققتها في مدى العشرين عاما الأخيرة فقط من جيلينا..


يقول فريدمان في ختام الكتاب:

- منذ عقدين فقط كانت صورة الهند التقليدية المتكررة هي صورة بلد ينتج سحرة التعابين وفقراء البشر و.. الأم الراهبة تريزا لكن تغيرت الصورة الآن وأعيد رسم معالمها فأصبح الناس ينظرون إلى الهند على أنها بلد يحفل بالمواهب اللماحة والأيادي المنتجة والعقول الذكية .. أنهم السحرة .. لكنهم لا يتعاملون مع رقص الثعابين في أسواق الأرياف، بل يتعاملون مع برامجيات الحاسوب في ساحات التقدم التكنولوجي.


وقد نختم عرض الكتاب فنقول:

- معجزة نعم .. لكنها لم تهبط على أصدقائنا الهنود من عنان السماء .. بل تحققت بفضل الجهد والإرادة والعمل .. أليس هذا درساً مستفاداً .. نسوقه ونتأمل دلالاته حتى ولو لم يعرض له كاتبنا .. " توماس فريدمان "



انتهى.


-
-
-
-
-
ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 25
اشترك في: الأربعاء يوليو 20, 2005 12:19 am
مكان: New York

مشاركة بواسطة ßãÇá ÚÈÏ ÇáãÌíÏ ÃÍãÏ »

-


الكاتب الصحفي الأمريكي فريدمان


-
-
-
-
-
أضف رد جديد