عطبرة وبعض من عبق الذاكرة (4-4).. "العجلات" كظاهرة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

عطبرة وبعض من عبق الذاكرة (4-4).. "العجلات" كظاهرة

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

[size=18]تمثل عنصراً أساسيا بجانب السكة حديد في تشكيل ملامح وهوية عطبرة. وهي كأي سلوك حياتي يمارس يوميا، كان لا بد أن تصبح بمرور الأيام وتعاقب الأجيال ثقافة كاملة بأدبياتها ومفاهيمها الاجتماعية ومدلولاتها الثقافية ومصالحها الاقتصادية.

تاريخياً ، واستناداً على مبحث أبوكروق الأكاديمي، تعتبر "العجلات" ظاهرة حداثية وفدت مع الإنجليز إبان تأسيسهم للمدينة في عام 1905م. ولذا اقتصرت في بدايات ظهورها على عليهم فقط. وكانت حتى ذلك الوقت مثار دهشة المواطن العطبراوي ذو الخلفية الريفية، لذا أطلقوا عليها "حمار الحديد" تشبها بالحمار الذي كان وسيلة المواصلات الوحيدة في ذلك الوقت. على أن فكرة اقتناء العجلة، فيما يبدو، بات هاجساً يسيطر على العطبراويين، بعد توغلهم في المدنية بمرور الزمن. وربما كان لتشجيع الإنجليز وبدوافع اقتصادية أثر في ذلك. ويشير ذات المصدر على أن عبد الحليم أحمد الشوش هو أول مواطن عط براوي ركب العجلة، ولذا لقب "بأبوعجل". وهو والد كل من المرحوم المدرب المعروف "احمد أبو عجل" والقطب الرياضي الشهير جعفر أبوعجل.(*)

والعجلة كما ذكرنا أعلاه، ثقافة كاملة ممثلة في مصالحها الاقتصادية ودلالات تمايزاتها الاجتماعية، وتداعياتها اليومية كسلوك.

فعلى المستوى الاقتصادي، يمثل استيراد العجلات والاتجار فيها وتصليحها وبيع قطع غيارها مهن قديمة عرفتها المدينة مع وفودها . كما أن نوع العجلة وثمنها يمثل بعضا من الدلالات الاقتصادية سوف نتطرق إليه لاحقاً. أما أنواع العجلات وأغراض استخدامها فهو يكشف نوعاً من الدلالات الاجتماعية التي لا تخلو من الطرافة.
فمثلاً العجلة "الشبابية" أي تلك المستخدمة من قبل الشباب، فهي تتميز بأنها ليس بها "سرج" خلفي!!، بل في الغالب بها "شنطة" أنيقة ملحقة بمؤخرة العجلة، كما أن الاهتمام بأناقتها ونظافتها من الأشياء الملفتة للنظر. ولهذه الشنطة دور ودلالات مهمة. فهي في الغالب تحمل تعابير عاطفية ذات مغزى محدد، تعكس من خلالها اهتمامات المرحلة العمرية لهذه الفئة من سائقي العجلات. فمقتطفات الأغاني العاطفية الرائجة المطبوعة "بالبوهية" تمثل سمة أساسية: "أزمة قولب طاهرة"، "بحبك والله عالم" ، "صريع هواك" ... ومثل هذا النوع من التعبير الأخير يكون دوما مصحوباً بقلب يخترقه سهم!! ... وأشهر من يقوم بتصميم هذه الكتابات هو "عوض عبد الرحيم" ، لاعب الكورة الفنان في الثمانينات، والمصمم والخطاط المشهور. كما يتم وضع بعض المستلزمات الخفيفة بها مثل "الخلال"، وكيس "الصعوط" أحياناً. هذا "الاستايل" من العجلات تطور في حقبة الثمانينات بعد ظهور العجلات الصينية ماركة "فونكس" بتصاميمها البديعة وألوانها الزاهية، المناسبة لمزاج و "برستيج" الطلبة والشباب. وهذا النوع من العجلات الجذابة كان يعكس أيضاً نوعاً من التمايز الاجتماعي، فهي تكاد تكون قصراً على أبناء التجار أو طبقة الأفندية الكبار "سكان حي السودنة"، عندما كان للخدمة المدنية سطوتها وعنفوانها. وكذلك أبناء مدراء المدارس0 أما الشباب من أبناء النوبة، فكانوا مشهورين بتزيين عجلاتهم بكمية من "المرايات" والألوان الزاهية والبوق بديلاً عن الجرس الملحق بها للتنبيه.

هناك أيضاً عجلات العمال. وهي في الغالب الأعم من ماركة "رالي" الإنجليزية العريقة. وتتميز هذه العجلات بالمتانة وطول العمر، لذا من المألوف أن تجدها متوارثة جيلاً عن جيل في الأسرة الواحدة. والطريف في أمر هذا النوع من العجلات، أنها بتقادم الأزمان فقدت شكلها وملمحها الأول بعد مسيرة طويلة من التعديلات المستمرة والاسبيرات المستبدلة أو المعدلة بناتج محلي يصنع في ورش الخراطة بجهود شخصية ومهارات فردية. وعموماً، هي عجلات لا ينفق كثير وقت على شكلها أو نظافتها، كما أن الاهتمام بها محصور في أن تظل متحركة!!.

أما العجلة ذات السرج الخلفي، فلها مدلول اجتماعي مهم، وان كان لا يقل طرافة، حيث أنها في الغالب تشير إلى أن صاحبها متزوج!!. والأهمية التي يكتسبها السرج الخلفي في هذه الحالة، أنه يصبح ضرورة أسرية لا غنى عنها في حمل كيس الخضار أو جلب الدقيق من الطاحونة، أو إحضار البرسيم من "القشاشة" في حال بعض الأسر التي تعتمد في لبنها على الغنم. وتمتاز هذه الفئة من العجلات ، أيضاً، بإضافة مقعد صغير يتم تصنيعه في المنطقة الصناعية ويتم "لحمه" في الجزء الأعلى من هيكل العجلة وبالقرب من المقود "الدركسون". ودلالات هذا المقعد أن الأسرة لديها طفل صغير. ويأمن هذا المقعد للطفل وسيلة مواصلات سهلة وبصحبة الوالد!!. كما أنه بلا شك، وعلى المدى البعيد يربط الطفل عاطفياً بحب العجلة والانتماء.
وأخيراً هناك العجلة "الدبل"، وهي عجلة ذات "لساتك" عريضة وبنيان متين وقوي، لذا فهي من أغلى أنواع العجلات. وزبائن هذا النوع من العجلات هم في الغالب أصحاب الأوزان الثقيلة، أو الذين يتعاملون في بيع "الخبز" . وطالما قادنا الحديث عن العجلة "الدبل"، يطيب في هذا المقام أن نحكي هذه القصة الطريفة، والتي جرت وقائعها في بواكير عهد الإنقاذ. كان بطلا هذه القصة نقابي عمالي شهير فيما مضى قبل أن يصبح "إنقاذيا"، وأحد المواطنين. الواقعة جرت أحداثها أمام الجامع الكبير، المعروف بجامع السوق، وذلك عقيب صلاة الجمعة. درج النقابي الشهير ،والذي أصبح من مجرد عامل بسيط إلى أكبر مسئول إنقاذي في الإقليم، على أن يأتي صلاة الجمعة ممتطياً "لاندكروزر" فخمة لأداء الصلاة. وقف النقابي في ذلك اليوم ليخطب في المصلين حاثاً إياهم على شد البطون وشظف العيش من أجل دولة الإسلام والمجاهدين في حرب الجنوب!!!. خرج بعدها متجهاً نحو سيارته الفارهة، فاعترض طريقه مواطناً بسيطاً قائلاً له: "هسة لو فكيت عربيتك دي بقروش ما بتأكيل ليها جيش بحاله بدل كلامك ده"... استشاط النقابي السابق غضباً واسترسل في لهجة "لاهوتية" مبرراً، بأن وضعه الحالي ليس "بدعة"، فحتى في زمن الرسول "ص" كان الذين يتولون المسئولية يتخير لهم أفضل وسائل المواصلات المتاحة في ذلك الوقت "الدواب". ابتسم المواطن بخبث، ورد عليه سريعاً: " طيب مافي مشكلة هسة نحن وسيلة مواصلاتنا السائدة العجلات، وفي الحالة دي مفروض الدولة تشوف ليك عجلة دبل متينة تمارس بيها مهامك الوظيفية"!!. فقد النقابي وقتها أعصابه وطلع من طوره وشتم ناس عطبرة واصفاً إياهم بالحسد والشيوعية!!.

على مستوى أدبيات العجلة – إن جاز التعبير- نجد أن الظاهرة أثرت قاموس اللغة اليومية المتداول لسكان عطبرة وبمختلف ألوان طيفهم. وهو قاموس ليس من السهل الإحاطة به في هذه العجالة ، كما أنه يستند على ذاكرة بعدت عن الاحتكاك المتواصل لأكثر من 13 عاماً. ولكن، بالرغم من ذلك هناك الكثير من التعابير والمصطلحات التي لم تبرح الذاكرة بعد: فمثلا عندما يصف "العطبراوي" شخصاً بأنه "ثقيل الدم" تجده يستخدم تعبير "سيرسيون" وهي كلمة دارجة لسائل لزج يستخدم في "رقع" الأنبوب الداخلي للعجلة. هناك أيضاً مصطلح "سداري" وهي إشارة لطيفة ومؤدبة للفت انتباه شخص مشهور بالمبالغة والفهلوة، على أنك ما "داقس"، ولذلك عليه أن يعمل حسابه عندما يتكلم معاك، ومافي داعي يقوم بيك "سداري". والمصطلح نفسه مأخوذ من محاولة قيادة العجلة بقوة عكس اتجاه الريح في أيام "الهبوب"، أو عند القيادة من مكان منخفض لآخر عالي مما يتطلب جهداً مضاعفاً يجبر على الوقوف وابراز الصدر للأمام.

هناك الكثير من التعابير ذات الصلة بثقافة العجلات، والمستخدمة بكثرة في الوسط الرياضي. فمثلا، اللاعب السريع يوصف بأنه "مشحم"، وكثير الإصابات بأنه عاوز "بلي"!!. أما الحارس الذي يستقبل أهداف سهلة فهو محتاج إلى "رقعة"!!.

على صعيد الواقع الاقتصادي، نجد أن تجارة استيراد العجلات كانت هي التجارة الأهم في فترات طويلة وخصوصا في أزمان ازدهار العجلة. وهذا النوع من النشاط الاقتصادي ظل محصورا في اسر قليلة ربما لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. تاريخياً يعتبر اليوناني "سوكاتلليس"(**) صاحب اللوكاندة والبار الشهيرين، هو أول من أحتكر تجارة استيراد العجلات، فكان وكيل شركة "رالي" الإنجليزية الشهيرة. ويعتبر أشهر من أتى بعد ذلك هو أحمد عبد الله وأولاده، وهم اليوم وحدهم المحتكرون لهذا النشاط. وهم أول من أدخل استيراد العجلات الصينية في البلد.

انبثقت أيضا مهنة تصليح العجلات، واصبحت محلاتها أماكن للونسة والتقاء الأصحاب، لأنها مهنة في الأساس يعتمد نجاحها على العلاقات الاجتماعية. وكل ما كان صاحب المحل شخصية خفيفة الدم مرحة ومجبولة على اللطافة، كل ما كان المحل أكثر شهرة وقبلة للزبائن، ومرد ذلك أن تصليح العجلة يستغرق بعضاً من الوقت لا بد أن يمضيه صاحب العجلة بالمحل. ورغم كثرة هذه المحلات بطول المدينة وعرضها، إلا أن المرحوم حسن باعوش بسوق الموردة ولطفي العجلاتي بالسوق الكبير هما الأشهر. فهذين المحلين هما قبلة أهل المدينة، وبهما يتم تداول كل الأخبار رياضية كانت، نقابية أم سياسية أو حتى اجتماعية.
كانت هناك مهنة مصاحبة لتصليح العجلات وهي تأجيرها، وزبائن هذا النوع من التجارة كان صغار السن بشكل عام، حيث من خلالها يتعلمون السواقة، وكثيراً ما تحدث المواقف الطريفة نتاج التأخير ، كما أن الأمر لا يخلو من غرامة بالطبع. هذه المهنة اندثرت بمرور الأيام لأسباب اقتصادية على الأرجح.

عطبرة اليوم ليست كعطبرة الأمس. فالانفتاح العشوائي الذي طال أجزاء كثيرة من الوطن شملها بهبوبه العاتية ، وبات معول هدم أكثر من كونه إثراء للخصوصية. فليس هناك اتساق اقتصادي، اجتماعي مع ما يحدث من تحول مهول ينسف كل الخصوصية التي ميزت المدينة طوال عمرها المديد. والعجلات مثل الكثير من الملامح التي أضفت بعض من الخصوصية والتميز على المدينة باتت مهددة اليوم بالانقراض. فمنذ حقبة الثمانينات تراجع دور العجلة أمام الظهور المتواتر للدراجة البخارية "المواتر"، وهي ثقافة "بورتسودانية" جلبها أبناء عطبرة الذين يعملون هناك، أو الذين يلعبون الكورة في أنديتها الثرية. الآن تفاقمت الأزمة مع مجيء الإنقاذ وبرنامجها الانفتاحي المرتجل. أصبحت المدينة مسرحاً لكافة أنواع "الرقشات" و"الأمجاد" وتلك السيارات الكورية الصغيرة والرخيصة معا. وينتهي المشهد بذلك الرتل المهول من الحافلات الصينية المستعملة وبشكل يفوق طاقة المدينة. لا يعبر ذلك عن تطور طبيعي بقدر ما أنه يمثل فوضى ضارية ضربت في مقتل أثمن التقاليد الحضارية للمدينة التي كانت دوما تفاخر بتحضرها ومدنيتها.

عبد الخالق السر/ ملبورن
24/9/2005م

هوامش:
(*) الناصر عبد الله أبوكروق (مدينة عطبرة: دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي منذ نشأتها حتى سنة 1948م. (بتصرف)
(**) نفس المصدر. (بتصرف).
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

العجلة وما ادراك ما العجلة.

صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

العزيز عادل عثمان
شكرا يا سيدي على هذه الصورة المعبرة.
تحياتي
عبد الخالق
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



العزيز عبد الخالق
عاطر تحياتي

أمتعتنا بهذا السرد الجميل، وبهذه الحلقة الرابعة والأخيرة من سلسلتك "عطبرة وعبق الذاكرة"، وكنت أتمنى لو طالت حلقاتك. أو دعنا نطالبك بمدها بحلقات أخرى. فمن المؤكد أنه لا يزال لديك الكثير الذي يمكنك سرده عن هذه المدينة الرائعة.

هذه صورة عثرت عليها ضمن صور عن عطبرة بمحرك غوغل


صورة

وصورة أخرى، وعجلات خارجة من "البنطون"

صورة

هذا هو رابط الصفحة، وجولة سعيدة بين هذه الصور العطبراوية

http://images.google.fr/images?q=Atbara&hl=fr&lr=&sa=N&tab=wi


لك وللجميع خالص مودتي
نجاة

صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

العزيزة نجاة
سلامات
جزيل الشكر علىهذه الصور النادرة. وهي بحق مهيجة للشجون. أما هذا البنطون ، فرغم أهميته الا أنه بات محط أحزان العطبراويين. فنتيجة للاهمال التام الذي يعانيه هو وعماله، نجده يعاقبنا كل عدة اشهر بحصد حياة المئات من الذين لا يملكون وسيلة مواصلات غيره. آخرها موت 62 الشهر الماضي في حادث مفجع، بعد أن انقلب نتجية الحمولة الزائدة.

الفكرة موجودة ، ولكن ظروف البعد تجعل الحصول على بعض المعلومات التوثيقية في غاية الصعوبة والعنت. ربما يحل الاشكال بزياة للمدينة في القريب. وقتها سأعدك والجميع بكتابة سلسلة طويلة من الحلقات.

تحياتي
عبدالخالق
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



العزيز عبد الخالق،
والأصدقاء الأعزاء،

تحت عنوان "عطبرة... عبق ذكريات أحرق بخورها الأخ عبد الخالق السر"، كتب الأستاذ خالد رحمة جبارة المقال التالي بسودان نايل.
هذا هو رابط المقال:

http://www.sudanile.com/thagaf14.html

وهذا هو نصه، أنقله هنا نسبة لأن النصوص لا تبقى في سودان نايل لفترة طويلة:




عطبرة .. عبق ذكريات أحرق بخورها الأخ/ عبد الخالق السر

خالد رحمة جبارة/الرياض
[email protected]


في البداية لابد لي من توجيه التحية الخالصة للأخ الكريم عبد الخالق السر الذي أتحفنا عبر أربع حلقات متتاليات عن مدينة الحديد والنار -عطبرة-أو أتبرا كما كان يحلو لنا في زمان غابر تسميتها نحن أهل بربر المدينة المجاورة لعطبرة بل توأمها الذي لايفصله عنها سوي مسافة غير بعيدة لاتتجاوز ستة وثلاثين كيلومترا كنا نقطعها في عهود بائدة بالبصات في مدة تناهز الست ساعات وذلك بسبب التوقف المستمر للبص مابين المدينتين والقري التي تتوسطهما ثم تقلصت تلك المدة لتصبح زهاء العشرين دقيقة أو أكثر بقليل بعد أن ربط الأسفلت بين المدينتين وأصبحتا بالكاد مدينة واحدة في موقعين متقاربين ومتجاورين

سوف لن أبالغ اذا قلت بأن كل ذرة في جسمي قد أصابتها قشعريرة وأنا استرجع أسماء الأشخاص والمواقع الواردة في مقالات الأخ السر وكما أسلفت بأنني وبرغم أنني لم أكن من أهالي وسكان عطبرة لكن لم يك هناك بيت في مدينتنا يخلو من عامل أو موظف أو طالب يلتحق بركن هنا أو هناك من أركان عطبرة وبالتالي كنا ننام ونصحو علي سماع هذا الاسم الذي كان يعني لنا اشياء كثيرة ومهمة في حياتنا نفرح كثيرا ونسعد حين تتحقق لنا كلها أو بعضا منها عندما تتاح لنا الفرصة لزيارة عاصمة الحديد والنار التي كنا نراها أكثر تطورا وحضارة ومدنية من ميدنتنا العتيقة والتي كنا ولانزال نباهي أهل عطبرة وغيرهم بتاريخها العريق ونظل نبكي وننتحب علي أطلاله متجرعين كؤوس الحسرة والندم أن ظل تاريخا ناصعا فقط علي صفحات الكتب التي درسناها ولم يفعل بنوها أي شي لاعادة نبض سيرته العطرة تلك الي قلب جسد حاضرها التعيس المهمل أعود لعطبرة التي كنا - نسافر- اليها بانتظام لزيارة أقارب أو لشراء ملابس عيد -أحدث وأرقي - -أو للتسكع في طرقاتها وأسواقها خاصة في الأعياد حيث كنا نركب البص ونحن مجموعة من الصبية نحلم باللحظة التي نصل فيها اليها بعد طول صبر وعناء وانتظار داخل البص وبعد انقضاء تلكم الساعات الطوال تبدو لنا أولي بشائر الوصول وذلك حين تداعب انوفنا رائحة - الفلنكة - المميزة التي تقابلنا عند مدخل المدينة فينظر بعضنا لبعض نظرات - طفولية حقا- لا تخلو من الغبطة والحسد أن أنعم الله بتلك النعمة الفريدة -رائحة الفلنكة- علي أهل عطبرة وكنا نسائل أنفسنا عبر نظرات تكاد تنطق ما بين الألم والأمل ياتري متي سنشم تلك الرائحة المميزة في يوم من الأيام مابين ربوع مدينتنا المهجورة والتي نشهد نحن أهلها بحق وحقيقة أنها عاشت تحت- رحمة و ظل - شجرة جارتها الوريفة والتي كانت تأخذ دوما نصيب الأسد من الخدمات المقدمة للمديرية الشمالية أنذاك ونأخذ نحن من بعدها فتات المائدة الدسمة أن كان هناك - مائدة دسمة – أصلا لا نلبث بعد وصولنا الميمون أن ندلف الي وسط المدينة لكي - نتجرع - بعضا من كؤوس الليمون والشعير الذي كان يميز أكشاكها الشهيرة وسط البلد ثم نمتع ناظرينا بروية -يفط- السينمات بقراءة اسماء ألافلام المعروضة في دور العرض الثلاث التي كانت ولا تزال بالمدينة وهذا كان شئ أخر يصيبنا بالاسي والحسرة أن مدينتنا ليس بها سوي دار عرض واحدة ثم نعرج ناحية كبري الحرية الذي يقطع السكة حديد شرقا وغربا لكي نلقي نظرة- اعجاب لاتخلو من انبهار ممزوج بلوعة وأسي كذلك - نحو محطة السكة حديد مرورا بمبني فرع بنك السودان الفخيم ثم عمارة عباس محمود الشهيرة وما جاورها من محلات ودكاكين وتخرس المفاجاة والدهشة ألسنتنا حين نتسلق كبري الحرية و نري من فوقه ذاك المنظر البديع للسكة حديد وتفرع قضبانها ونحن نحاول أن - نحسب عدد - القضبان الكثيرة المتفرعة تلك - من تحتنا ونحن عالقين من فوق الكبري المنيف- بتعرجات وأاشكال تخلب عقل من قدم من أي مدينة افريقية اخري سوي جوهانسبرج كما كنا نسمع من كثير من الناس أنذاك

ثم لاتكتمل - سياحتنا - تلك في المحطة بأسرها قبل أن نجرجر أرجلنا المتهالكة - من شدة المشي عليها-الي حيث بوفيه المحطة العامر بكل شي لشرب زجاجة بارد وشراء أي شي أخر منه - ولو من أجل الذكري التي ستنفع المحرومين من أمثالنا أنذاك ، ونظل - ندور و نلف ونلف بلا هوادة مابين جنبات المحطة الكبيرة الزاهرة وتكتمل سعادتنا ما بين متابعةحركة القطارات والمحولات وصفاراتها التي لاتنقطع وما بين متابعة حركة الركاب بمختلف أجناسهم ومقاصد وجهاتهم وذلك حين تجد من ينتظر قطار بورسودان وأخر ينتظر قطار العمال وذاك الذي ينتظر قطر كريمة وهناك من ينتظر قطر الزيادة وأخر ينظر اكسبريس حلفا ولا أنسي قطر المخصوص واخيرا من يريد اللحاق بقطار الوحدة -أبو عربات محدودة لاتتعدي الثلاث أو أربع عربات-وكنا وبرغم كل هذا العدد من القطارات والتي كانت أغلبها تمر عبر مدينتنا لكننا لشي - مجهول - لدينا وقتئذ كنا نحرص علي العودة بالبصات التي كانت ترهق كواهلنا بسبب ما كنا نعانيه خلال زمن الرحلة الطويل جدا وبرغم قرب المسافة بين البلدين سوف لن أختم ذكرياتي تلك قبل أن أتعرض لحي السودنة العريق بالمدينة والذي كنا نصل اليه في ختام - سياحتنا المترجلة والمسترجلة حقا- مرورا بنادي السباحة والذي كنا دوما نحاول أن - تسترق- السمع والبصر من وراء جدرانه العالية لعلنا نسمع أو نري بعضا من أشباح أجساد ممن كانوا يرتادونه أنذاك وجلهم كان من ألأقباط الذين كانت المدينة تعج بهم وكنا - نموت من الضحك والخجل أحيانا حين نري في لمحات سريعة بعض البنات اليافعات يرتدين - المايوه - وهن يقفزن هنا وهناك سابحات في خفة ورشاقة ثم لا تكتمل الزيارة بدون المرور علي الدلالة للوقوف علي أخر صيحة في موديلات العجلات والوقوف علي اسعارها وذلك بعد أن نمر علي مكتبة - دبورة- لشراء بعض المجلات وكتب المكتبة والألغاز المشهورة حينذاك وهكذا يكون يومنا - قد ضاع وتبخر - مابين التنقل هنا وهناك والأكل والشرب و-الفرجة في خلق الله - ونعود في ختام اليوم لمدينتنا ونحن نجرجر ثياب الغيرة التي لا تخلو من حسد علي - النعم والخيرات والمزايا المتعددة - التي حبا الله بها - -أتبرا وناس أتبرا

وختاما لابد من الأشارة الي الحفلات -خصوصا في الأعراس- لدينا والتي كانت تحييها دوما فرق الجازالتي أشار اليها الأخ السروكثير من الفنانين بدء بالعطبراوي وحيدر ومصطفي مضوي-- الخ وسوف لن ننسي الراقص طيوبة ما حيينا ورقصاته المميزة وكان كل منا يحلم بيوم عرسه الذي يحضر فيه فرقة جاز دانة او بوليس الشمالية أو العطبراوي أو حيدر أما بالنسبة لكرة القدم فسوف لن تبارح ذاكرتنا ما حيينا أسماء فرق الأمل والهدف والشاطئ والوطن والوادي وغيرها من الأندية التي خرجت كبار لاعبي العاصمة وبالأخص حراس مرمي كان أشهرهم زغبير والطيب سند وبعد ،، فالشكر موصول لمن كان السبب في اجترار تلك الذكريات الجميلة وهذا منها ،،، والله،،، غيض من فيض.
عمر التجاني
مشاركات: 228
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm

مشاركة بواسطة عمر التجاني »

الخ عبد الخالق السر والسادة المتابعين والمتابعات. لكم جميعا افضل التهاني بحلول شهر رمضان المبارك.
أتبرة الأسم الساحر في مخيلة كل من عرفها .
وقد أطلق عليها الأسم لانها تقع على ضفاف نهر أتبرة ومما لا شك فيه أن الأنقليز هم من أطلق أسم أتبرة على تلك المدينة السامقة وأتبرة هو الأسم الصحيح وليس عطبرة .أقول هذا لأني أعتقد أن الأسم مأخوذ من لغة قديمة شأنه شأن كثير من الأسماء بالمنطقة .أو لربما كنان الأسم محرفا من اللغة البجاوية أما المندثرة أو المعاصرة فلست عليما باللغة البجاوية ولكن لأن البجا ارتبطوا بنهر اتبرة أكثر من غيرهم من سكان البلاد فلابد أنهم من أطلق عليه هذا الأسن الرنان. فالمنطقة كما تعلمون عامرة جدا وغنية بالأراضي الزراعية مع توفر الماء وذلك يجعلها مكانا صالحا للسكن ولا أعتقد أن الأسم (عطبرة) لاحتوائه على حرف العاء إلا أنه أسم عربي والمنطقة كانت عامرة بأهلها قبل دخول العرب الغزاة فلم يجد العرب الغزاة المنطقة خاوية من البشر والأسماء حتى يطلقون عليها الأسماء والثاني أن الأسم جاء بعد دخول الأنقليز وأنشاء مدينة اتبرة الحاليةفي العام 1902 . يعتقدكثير من الناس أن أسم أتبرة الأسم الصحيح أنما هو مكون من كلمتين هما أتى بره وهو يعني أتي من تلقاء ذاته وهو أمر مستبعد جدا فالملاحظ ا، الأسم والمكون من كلمتين أتى وهي كلمة عربية فصحى لا تجد لها مكانا مع كلمة بره وهي دارجة موغلة في الدارجة وبلهجة سكان المنطقة.
ويذهب البعض ممن يحاولون دائما ربط التاريخ السوداني بدخول العرب الغزاة لبلدنا
إلي ا، أسم أتبرة أنما جاء لعدم مقدرة الأنقليز على نطق حرف العاء ولذا كتبوها أتبرة
أضف رد جديد