نقد النقد في سؤال الهوية

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

نقد النقد في سؤال الهوية

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

في خريف عام 2009 انخرطت مع الصديق عبد الله بولا في سلسلة من المحادثات التلفونية امتد بعضها لعدة ساعات ، استمتعت خلالها بصحبة الرجل . وبولا كما يعلم العديد من اصدقائه لا يقل بيانه كمتحدث مثقال ذرة عن كتابته . في احدى هذه المحادثات لفتنى بولا ، في تعليق على بعض ما كتبته مؤخراً هنا وهناك ، وربما لبعض الاراء التى طرحتها اثناء انسنا ، الى انه وشخصى لنا خلافات حول موضوع الهوية وربما نصدر عن مفاهيم مختلفة . لم نزد في نقاشنا ذاك عن ذلك على ان نناقش اوجه الخلاف في سانحة اخري . وبالطبع بولا رجل اختلاف الرأي عنده يخدم للود الف قضية فمشروع حياته الفكري والعملى ينبنى على الاحتفاء بالاختلاف .
واقع الامر لم اكن منتبهاً لذلك الاختلاف فقد كنت اعتبر ولا ازال ان عمل بولا المركزي حول سؤال الهوية "شجرة نسب الغول في مشكل الهوية الثقافية وحقوق الانسان في السودان " من انصع وابلغ الوثائق في نقد السياسة الثقافية في السودان واعتبره في مجمله جزء من قناعاتى الشخصية حول قضية السياسة الثقافية هذى . حفزتنى ملاحظة بولا العابرة لاعادة قراءة "شجرة نسب الغول " وساقنى بحثى لاعادة قراءة ورقة الدكتور عبد الله على ابراهيم "الافروعربية أو تحالف الهاربين" وورقة حسن موسى "شبهات حول الهوية : ملاحظات حول اشكالية الفن والهوية في السودان" . ووجدت حقيقة ان بولا كان محقاً تماماً فاننى اختلف لحد جدير بالناقش مع بعض اطروحات كل من عبد الله بولا ، عبد الله على ابراهيم ، وحسن موسى في تناول سؤال الهوية . وفي ظنى ينبع هذا الاختلاف عن اختلاف المفاهيم التى نصدر عنها . وساتناول في هذا المقال اوجه هذا الاختلاف رابطاً لها بقاعدة المفاهيم التى ارجح اختلافنا حولها .
في البدء وجدت نفسى على غير اتفاق مع بولا وابراهيم وموسى في التقريع الشديد واللوم القاسى لدعاة الافروعربية وعلى وجه الخصوص رواد مدرسة الغابة والصحراء ووصفهم بالتدليس والغش الثقافي كما فعل عبد الله على ابراهيم (ابراهيم ، 1996 ، ص 25) او وصفهم بالتبسيطية المؤسفة في صياغة المفاهيم الفلسفية والنقدية كما فعل بولا (بولا ،2005 ، ص 7) او تحميلهم المسؤولية الاخلاقية بقدر ما عبدوا الطريق لسلطة الصيارفة ، كما زعم حسن موسى (موسى ، 1993 ، ص 13) . اقول هذا ليس دفاعاً عن رواد مدرسة الغابة والصحراء ومقولاتهم ، فقد تجاوز الواقع السياسي والثقافي مقولة الهجنة الثقافية على غير رجعة في ظنى ، انما اقوله لان نقد بولا وعبدالله وموسي ينطوى على عواقب مضلله في فهم قضية الهوية نفسها تترتب عليها سكونية للمفهوم تجهض اية امكانية للنظر اليه بعلمية وتاريخية .
ففي اعتقادى ان ما قام به رواد مدرسة الغابة والصحراء وغيرهم من دعاة الهجنة الثقافية ، وهذا يشمل في نقد عبد الله على ابراهيم عبد الله النعيم ومنصور خالد ، ويشمل لدى حسن موسي احمد محمد على حاكم وغيره ، يجب الحكم عليه في اطار تاريخيته وظروفه ، وانه لا يستقيم ان يحاكم محمد المكي ابراهيم عن كلمة كتبها في ديسمبر 1963 او مساءلة محمد عبد الحى عن ورقة قدمت عام 1976 بمنطق لا يستصحب ظروفهم التاريخية بل يستصحب انهيار اتفاقية اديس ابابا واندلاع الحرب الاهلية الثانية وبزوغ الحركة الشعبية لتحرير السودان بما حملته من رياح وعي جديد في الشمال والجنوب معاً ونجاح وهزيمة انتفاضة مارس ابريل . بل وفي اعتقادى الصميم ان كتابة بولا وعبد الله وحسن النيرة في نقد السياسة الثقافية والتنظير حولها لم يكن ليكتب لها الظهور الى حيز الوجود لولا رياح المغيرات والمتغيرات المذكورة . ولا اسوق ذلك كما اسلفت من باب الانصاف لرواد مدرسة الغابة والصحراء بقدر ما اهدف الى ان يستقيم فهمنا لقضية تخليق وتركيب الهوية . فقد لمست في كتابة بولا وحسن وعبد الله وبقدر متفاوت النظر للهوية وكأنها معطى ثابت لا يتغير او جوهر يتوقع الكشف عنه باعمال النظر والمنهج النقدى . في حين ان صناعة الهوية من انتاج الناس جماعات وافراد ، تركب وتخلق وتنقح وتعدل في عملية مستمرة . فالهوية خلق انسانى اجتماعى لا توجد الا في الطريقة التى نفكر فيها عن انفسنا والآخرين . وتركيب الهوية ما هو الا تأويل وتفسير مستمر تتأثر صياغتها بالظروف التى يجد الناس انفسهم فيها . كما لمست لدى عبد الله على ابراهيم وحسن موسى ، كل على طريقته ، محاولة التقليل من شأن سؤال الهوية وتخليقها واحاطة الهوية بشبهات الاجنبية الدخيلة كفكرة وافدة الامر الذى في تقديرى يهمل واحد من اهم ماكينزيمات الهوية وهى التفاعل بين توصيف الاخر لقوم ما (Assignment) وما يدعونه حول انفسهم (Assertion) . وهذا ما ساكرس له مقال منفصل غير هذا الذى نحن بصدده الان .
الفهم السكونى لقضية الهوية لدى عبد الله على ابراهيم يبدو واضحاً في خلاصته حول جهود الافروعربيين ونصحه في خاتمة كلمته ان "اهدى السبل الى السلام والنهضة الثقافية في السودان هو الاقرار بقوامين (او اكثر) للثقافة السودانية . قد تمتزج هذه القومات وقد تتبادل الثأثير والتأثر ، مع احتفاظ باستقلال كل منهما باستقلال الدينامية من حيث المصادر والترميز والتوق " (ابراهيم 1996 ، ص 26 ) . هذه الخلاصة وان بدت متماسكة في ظاهرها الا انها تفترض ان الهوية الشمالية المعبر عنها بالثقافة العربية الاسلامية منجز نهائى ينبغى قبوله كامر واقع ونفس القانون ينطبق على الهوية الجنوبية . بل اكثر من ذلك يدعو عبد الله على ابراهيم الى الفصل في مصادر الترميز والتوق بين الهويتن . ان هذا التحنيط والثبات للهويتن لا تكذبه تجارب الاثنيات والاعراق المختلفة في اجتراح هويتها وتعديلها وتنقيحها ، بل اكثر من ذلك تكذبه التجربة العملية القريبة للحركة الشعبية لتحرير السودان ، كممثل اجهر صوتاً للهوية الجنوبية ، وعلى وجه الاخص قبل وفاة الزعيم جون قرنق ، في استدعاء رموز ثورة 1924 ومؤخراً الطقس الهويهوى في زيارة وتكريم قبر الزعيم عبيد حاج الامين فى واو من قبل قادة الحركة الشعبية . وهذا بعينه شغل في مصادر الترميز والتوق التى اراد عبد الله على ابراهيم فصلها ثقافياً . اضف الى ذلك ان خلاصة عبد الله تقطع الطريق ، في اطار الهوية الشمالية ، على جهود اعتبار الحضارة المروية او المسيحية السودانية في علوة وسوبا كمكونات للهوية تلك التى نعى حسن موسى اسقاطها في حسابات الافروعربيين (موسى 1993 ، ص 13 ).
تبدولى ايضاً عبارة عبد الله على ابراهيم "ان خلع أو تحجيم الهوية او الثقافة العربية هو اما غش ثقافى او يأس " وما تأسست عليه غاية فى الاشكال والتناقض . فهى في البداية تأسس لسكونية مفهوم الهوية عندما يتعلق الامر بادانة الافروعربيين في الطريق الذى تنكبوه ، ثم تطلق الهوية من عقال السكون عندما يقترح عبد الله طريقاً يعتقد ان لا أحد من الافروعربيين يجرؤ عليه وهو تصديهم "لنعرات التحريم التى تغص بها ثقافاتهم تصدياً بالاصالة عن أنفسهم " ، فالاصح في نظر عبدالله "مثلاً ان يدعو من يزعم ان تعاطى الخمر حرية شخصية الى كامل حرياته الشخصية كعربي مسلم ، لا ان يتخفى وراء نسبته في افريقيا التى الخمر فيها بعض الماء او الغذاء او انخاب الطقوس " (ابراهيم 1996 ، ص 25). لننظر الى السكونية والحراك في شأن الخلع اولاً . اذا اعتبرنا قول عبد الله السديد حول ارتباط قضية الهوية بمصالح سياسية واقتصادية وثقافية فان الخلع والتحجيم لهوية ما ، وبغض النظر عن كون هذه الهوية اسلامية اوغيرها ، امر يحدث تاريخياً وعندما يحدث لا يقع في باب الغش الثقافى الا اذا اعتبرنا خلع وتحجيم هوية البيض وثقافتهم في امريكا وجنوب افريقيا غشاً للطبقات السائدة والمسودة التى نقحت هوياتها وحجمتها . واذا اتت محاولة ابناء هذه الهوية المحجمة لتحجيمها قاصرة او بائسة على حد وصف عبد الله لمحاولة رواد الغابة والصحراء ، فان هذا لا ينفى قانون الخلع والتحجيم المعروف والمثبت تاريخياً في مصائر الهويات . والان لننظر الى محاولة الخلع والتحجيم التى تنكبها رواد الغابة والصحراء: ان جماع تحجيمهم وخلعهم يتمثل في قول محمد عبد الحى ، على علاته ، ان تاريخ الثقافة السودانية يبدأ بقيام ممالك التلاقح الاسلامية العربية الافريقية وانه قد امتزج العنصران الافريقى والعربى وكونا عنصراً (افروعربياً) جديداً ليس بعربي ولا زنجى . اما الخلع لدى محمد المكى ابراهيم والذى اسهب عبد الله في توصيفه فهو في اقصاه دعوة للين ومرونة في تفسير النصوص الدينية . فسؤالنا الان كيف تكون اعادة تعريف الافروعرب لهويتهم ، وهذا درجة من الخلع ، والدعوة لسماحة تبشرية ، وهى ايضاً درجة من الخلع ، كيف يكون هذا غش ثقافى بينما تكون الدعوة لتعطيل حد الخمر في حق ابناء المسلمين استقامة ثقافية؟ هل هو امساك ابناء المسلمين الافروعربيين من اليد التى توجعهم ؟ فالمنطق يقول هذا خلع وتحجيم ، وذاك خلع وتحجيم . فالخلع والتحجيم مثلاً في تركيب هوية البيض في امريكا الذى تنكبه ابناء ثقافتهم اتخذ اشكال شتى تراوحت بين "متساويين لكن على انفصال" Separate but Equal في اواحر القرن التاسع عشر الى الاقرار بكامل الحقوق المدنية والسياسية للافارقة الامريكان في ستينات القرن الماضى .
اما سكونية مفهوم الهوية لدى عبد الله بولا فتكمن في توقعه لمكوناتها كجوهر ثابت ينبغى الكشف عنه بالنظر المنهجى وصياغة المفاهيم الفلسفية والنقدية . فبولا يستنكر على خليل فرح خلو اعماله الشعرية من" نأمة اعتداد برموز الثقافة السودانية الغير عربية . مع ان الخليل من اصل نوبي (محسي) !!" ويستطرد بولا قائلاً :" ففي قصيدة له قوية الدلالة على ما نحن بصدده من تحليل عنوانها "وطني" ، يعتد فيها الخليل بكرم الاصول السودانية ،لا يورد الخليل اسم سلف افريقي واحد ولا حتى من اسلافه مؤسسي الممالك النوبية العظيمة الذائعة الصيت ولعله لم ينتبه لذلك اصلاً ولم يخطر له على بال . وهذا انكأ . فقد نسب الخليل كل الخصال التى جاءت موضوعاً للتمجيد في قصيدته الى جد من اجداد العرب : ربيعة وعامر واياد ... الخ " (بولا 2005 ، ص 4) . اتفق مع بولا انه لم يخطر ببال الخليل ذلك ، ولكنى اختلف معه في قوله ان هذا انكأ . وهنا اؤكد مرة اخرى على اعتقادى بان الفهم الذى يعبر عنه بولا للهوية فهم استاتيكى ساكن لديناميات الهوية يهمل عصر الخليل وما رتبه من وعى .
على الرغم من التقرير الذاتى (Assertion) يلعب دوره في ديناميات الهوية الا ان الهوية ليست ناتج تأمل ذاتى محض . هذه الديناميات تعتمد على الظروف (Circumstances) وما يطرحه الواقع السياسي والثقافي والاقتصادى من اسئلة ، ويلعب التغيير الاجتماعي دوره في طرح الاسئلة على الناس بما فيهم المبدعين . ينبغى ان نسأل انفسنا مع غياب الجنوب والكيانات الاخرى من السياسة السودانية الشمالية في المركز في عشرينات القرن الماضى ، هل كان من الممكن التفكير في الهوية آنذاك على نحو ما فعل الناس في الستينات والسبعينات؟ وحتى عندما نازع على عبد اللطيف سليمان كشة في اهداء قصائد المولد للعرب النبلاء لتكون الى السودانيين النبلاء ، هل يمكن ان نحزم ان على عبد اللطيف كان يفكر في جنوب السودان وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق والانقسنا ؟ ام كان يفكر في السودانيين المدينين الذين انتجتهم سياسة الرق والتخديم والتجنيد ، الذين لا مصلحة لهم في الاعلاء من شأن القبيلة ؟ في ظنى ان تلك الطبقة الباكرة في محاولة تركيب الهوية السودانية كانت معنية بثبيت مفهوم السوداني نفسه كمفهوم بالغ الجدة أنذاك ولم تزودها الشروط الاجتماعية بمدخلات بالغة التعقيد ليفكر فيها راديكالي العشرينات مثلما نفكر فيها الان . الشاهد على ذلك ان محاكم حركة 1924 شهدت نزاعاً حاداً بين المتهمين وقضاتهم حول اصرار الاخرين على تثبيت اسماء القبائل في محاضر الجلسات بينما اصر الاوليين على تثبت هويتهم كسودانيين . كما جرى جلد مبرح في السجون حول نفس السؤال .
اضف الى ذلك ان بولا نفسه يؤرخ الى بروز سؤال الهوية لدى المثقفين الشماليين الى ثلاتينات القرن الماضى ويعود ببروزه لدى المثقفين الجنوبيين الى فترة ما قبيل الاستقلال (بولا2005 ، ص 2) . فكيف لنا التوقع من خليل فرح ان يستجيب لمستوى من مشكل الهوية لم يطرحه عصره؟ وهذا يقودنى الى جوهر نقدى لبولا وعبد الله وحسن : ذلك انه لا يستقيم محاكمة رجال الغابة والصحراء ودمغهم بالغفلة والبساطة او التواطؤ والغش في معالجتهم لقضية الهوية دون اعتبار لمعطيات عصرهم . وفي زعمى انه وبقراءة تاريخ سؤال الهوية في السودان واعتبار المعطيات والشروط الاجتماعية المصاحبة لهذه المدرسة في التفكير انها لم يكن في مقدورها ولم يكن في مقدور اية قوة اخري من ضمن قومية الشمال المهيمنة ان تقدم رؤية اكثر قبولاً للاخر مما فعلوا . هذا مع اتفاقى الكامل مع كتابنا الثلاثة في قصور رؤيتهم وانغلاقها في افق الهوية الشمالية المهيمنة .
تناول بولا مساهمة المجذوب في خلخلة سؤال الهوية لدى الشماليين على نحو ، شرف المجذوب واعلى من شأن مساهمته حيث قال عنه "عرف بالسماحة وسعة الافق والقدرة على اتخاذ المواقف الواضحة الشجاعة ، هو اول ما جرؤ من ابناء جيله من قبيل اولاد العرب على ان يدعى جهرة لاصول زنجية في جملة تكوينه . وهذه تحتاج الى شجاعة كبيرة في بلد يتبرأ فيه الناس من العرق تبرؤهم من الجذام " (بولا 2005 ، ص 5) . هذا النظر التاريخى لاسهام المجذوب ، مع صحة نقد بولا له في نظرى ، حري ان يشمل رواد الغابة والصحراء فهم يصدرون من نفس مورد قبيل اولاد العرب بل كانوا من انجب شعرائهم وان محاولتهم ، بمنطق تركيب الهوية ، انما محاولة تنقيح لهويتهم ، وهو امر شائع في تركيب الهويات . فمحاولتهم لم تكن بساطة فجة او مؤامرة تنصب فخاخ العروبة والاسلام لبقية قوميات السودان . وانما كانت استجابة لوعى ناقص بتعقيدات الواقع السوداني حددت اطاره ومداه ظروفهم التاريخية .
ان وثائق رواد الغابة والصحراء التى عالجها عبد الله على ابراهيم تعود الى الاعوام 1963 و1967 و1968 و1975 و1976 ، وذلك عدا وثيقة وحيدة تعود الى عام 1985 استعان بها عبد الله لتدليل على تعديل عبد الحي لمقولاته حول شعر المجذوب (انظر هوامش ابراهيم 1996 ، ص 27). عندما نضع في اعتبارنا الطبيعة ال (Contingent) في تركيب الهوية ، اليس بالاجدر بناء اعتبار جدة الحرب الاهلية التى لم تكمل عقدها الاول بعد حين سافر النور عثمان ابكر ومحمد المكى ابراهيم الى اوروبا ؟ الا يجدر بناء النظر لتأثير حركات التحرر الافريقية والعربية وصعود نجم الدولة القومية ونظريات بناء الامة ؟ الا يجدر بنا اعتبار الظهور المتأخر للتعبير عن قوميات سودانية من الاطراف كحركة نهضة دار فور والحركة السياسية لابناء جبال النوبة بعد اكتوبر 1964؟ ان اعتبار هذه العوامل وغيرها في تقويم الاجابة على سؤال الهوية من قبل اية جماعة كانت يستدعى ان نضع مدرسة الغابة والصحراء في موضعها الصحيح . في تقديرى انه من التبسيط المخل وصم محاولة روادها لاعادة تعريف هويتهم بالغش الثقافى او دمغها بانها حيلة لتمرير اجندتهم السياسية . كما انه من التبسيط المخل اتهامهم بانهم "انساقوا وراء ارضاء الدولة المخدمة بغشامة لا تليق بذكائهم" ،كما قال حسن موسى . ان هذا النظر يبتسر امر تركيب الهوية الى قضية فردية تتعلق بذكاء افراد او حسن او سؤ نيتهم في حين ان قضية الهوية ابعد ما تكون عن ذلك .
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

سلام وكلام

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

أخى والأستاذ الصحفى والناقد الكبير محمد عبد الخالق:
والله السلام والشوق أكان جبتا ليهم جيش من القندرانات ما تقدر تشيلو.
والله زمن عجيب وغريب، بقينا نتلاقا ونتسامر بالأسافير بعد أن كانت تلاقياتنا ملء اليد والسمع والبصر.
وكذلك الشوق بنفس القدر مكرر وزايد لأستاذى الخاص ودفعتى الخاصة فى آن واحد، وأخى وحبيبى الدكتور عبدالله بولا.
أنت، أخى محمد، قمت بالواجب وزيادة. فمن ناحية فقد أصبت كبد حقيقة أستاذنا د. بولا من حيث احتفائه بالإختلاف الخلاق. فقد ارتويتُ زمناً ليس بالقليل من احتفائاته بالإختلافات الخلاقة، بل وعايشت معايشة وحاككت محاككة لا أظن أن مخلوقاً غيرى قد حظى بها سوى اثنين من إخوتى هما هاشم محمد محمد صالح وفتح الرحمن خيرالله باردوس، لبحثه الذى لا يفتر ولا يكل ولا يمل عن مثل هذه الإختلافات التى تضيف ولا تخصم، تقرّب ولا تباعد، وتفتح للود الف باب وباب. ذلك انها دوماً محملة بالإكتشافات والتحقيقات المعرفية الخلاقة.
لقد قمت ، أخى محمد ، بفتح نافذة لمبحث استاذنا المستند ( فى نقد نسب شجرة الغول). وباحتفائى بهذا الفتح الحوارى، رغم بعض التحفظات على نافذتك التى تطل منها، تكون قد اسديت إلينا جميعاً صنيعاً مقدراً، فتلك الأطروحة لم تنل بعد حقها مما تحتاجه من مناقشة.
أهمية (فى نقد الشجرة) أنها خاطبت مباشرة موضوع الهوية من نافذة حقوق التمظهر الهويوى فى مقابل (هيمنة هويوية) تمارسها جهات تفترض الأطروحة أنها ذات أصول (هويوية) (متسلطة)، أو كما قال. لذلك فليس مما يبعث على الإطمئنان القول بتسمية أطلقتماها كلاكما، أنت وبولا: ( أن لكما خلافات ربما تصدر عن مفاهيم مختلفة) فكليكما تتحدثان بمفاهيم تتشارك فى رؤيتها ل(السياسة الثقافية) و(سياسة الهيمنة) فقط يكيل أى منكما بمكيال مختلف، بعضه يلاحظ لمتحرك السياسى المهيمن والمهيمن عليه فى معرض متحركات ملأت أشرعتها أجواء هذه المتغيرات (كمثل المسافة ما بين اتفاقية أديس أبابا وبين أطروحات الحركة الشعبية لتحرير السودان) وبين مكيال آخر ينظر لمجمل حراك لا يؤدى إلا الى ظهور (غول) الجبهة الإسلامية القومية وهيمنتها السياسية الثقافية. ولى مزيد من التحفظات ربما تجمعكما فى مواجهتى. أن (السلطة) و التسلط (الثقافى) هنا تحمل بعض صفات (السَلَطَة) بفتح السين وفتح اللام وفتح الطاء. وهى بذلك تصبح سَلطة فكرية قد لا تصلح فى هيئتها هذه للإستعمال ك (سلاح نقدى) قبل إجراء بعض (التفسيرات ) أو بالعدم (التغييرات) كى تزال عنها هذه (الفتحات اللعينات) فتعود سُلطة ،بضم السين، صالحة للهيمنة يمكن التحاور حول فعلتها المنكرة هذه. ذلك أن الهوية شأن ثقافى. وبالطبع وبالتالى فهى شأن مجتمعى. والسلطة والسياسة شأن (دولوى) أى يختص بالدولة. بالطبع وبالتالى فليست الدولة دائماً هى المجتمع. ذلك أننا لا نختلف أن للمجتمع تشخيصاته التى ليست هى بالضرورة نفس تشخيصات الدولة. وتحفظى ينصب أن الدولة تحاكم فى شخصيتها دون أن يتحمل المجتمع وازرة أوزارها. كذلك المجتمع فهو من الممكن أن يحاكم، لكن فى شخصيته الخاصة. لذلك فنسب شجرة الغول تستحق مطالبتنا لها بالمزيد من التشخيص بما يضع السلطة وتسلطها فى مكانة صالحة للنتداول المعرفى الخلاق. وفى نفس الوقت توجيه ما ترى أنه عيوب مجتمعية الى المجتمع مباشرة، فيأخذ كل ذى حق حقه.
ولا أدافع عن الدولة ، ولا عن بنياتها. ففى كليهما ، عندى، يكمن الداء. لكنى على يقين أنه ظلم معرفى بين أن نرى (السياسة الثقافية) كصنو للثقافة المجتمعية. فتلك بنية فوقية تستعير (هوية) لا تحملها إلا تزويراً لما تحمله (بنى المجتمع التحتية الحقيقية) من ثقافة لا تمت بأدنى صلة نسب أو قرابة من قريب أو بعيد ب (وزارة أو مكتب أو مصلحة الثقافة). لذلك فللصراع الثقافى المجتمعى صفات لا تركب فى أى برامج سياسية ، دى سنة ناعمة والتانية خشنة. أو بتعبير آخر دى ليها ايقاع، والتانية ليها ايقاع آخر.
كمدافع عن حقوق التمظهر الثقافى من موقع يرى للثقافة فعلاً لا يتطابق بالضرورة مع الفعل السياسى، فلا شأن يعنينى كثيراً من شئون (المقالعات السياسية) المعاصرة على كيكة السلطة. لكنى بالتأكيد أود أن نتمكن من حسن فرزنا ما لقيصر عما لا يحق لقيصر أن يتغول عليه. وأول الفرز أن نحسن من عملنا بالإعتماد القوى على تعريف وتصنيف المفردات ومن ثم تحسين تبويب مبحوثاتنا كى نعرف : أى هوية هى التى تحملها الجبهة الإسلامية القومية، وكيف؟ ولماذا؟ هل هى الهوية العربية الإسلامية؟ أكان القول كدا تعالوا نتواجه عديل، البخلى الجبهة تحمل هذه الهوية شنو؟ وما هى الهوية العربية الإسلامية أصلاً؟ وما هى الهوية فى ذاتها قبل أن تكون عربية أو اسلامية؟
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

الصديق العزيز عمر الامين ،
تحياتى واشواقى الكتيرة لك يا رجل ولجميع الاصدقاء من ذلك الزمن الفريد . في زيارة خاطفة لايوا سمعت طرفاً من انجازاتك الاكاديمية في مدارس الفرنجة وفرحت كثيراً بها . اهم من ذلك كله اتمنى صادقاً ان تكون قد وجدت السعادة والخلاص في خياراتك الفكرية الاخيرة فآخر لقاء لنا ، على ما اذكر ، كان في صيف 1990 في منزل ابونا الجنيد ، ومنذها الجسر لم يعد الجسر والنهر نفسه لم يعد ذاك النهر الذى نعرفه .
يا عمر انت طرحت اسئلة كبيرة هى في نفسها تشكل بداية بحوث جديدة . لكن في حدود ما هو مطروح امامنا الان اعتقد ان تعبير السياسة الثقافية ، حسب فهمى لبولا وغيره من الكتاب ، يشمل ال (Government Policy) وكل ما يؤثر ، او بالاصح يساهم في صياغة هذه ال (Policy) . وعلى ذلك انى اعتبر على سبيل المثال واقعة توقيع محمد عبد الحى على عريضة تطالب بتطبيق دستور اسلامى في السودان جزء اصيل من السياسة الثقافية تمس حقوق الهويات الاخرى هذا مع اعتقادى الصميم ان هذا لا صلة له بمدرسة الغابة والصحراء وتوصيفها لقضية الهوية . وسابين ذلك على نحو اكثر تفصيلاً اذا اقتضى الامر .
اما المقابلة بين السياسة الثقافية للدولة والثقافة المجتمعية على حد تعبيرك فلا يعود بخير كثير لصالح المجتمعات يجعلها اقل شراً من الدولة في قضية التميييز الهويوى ، هذا اذا ادركت قصدك . فمثلاً عندما بداية هجرة الصينيين لدلتا المسيسيبى فى الولايات المتحدة حوالى سبعينات القرن التاسع عشر لم تكن هنالك قوانين تؤسس لسياسة عنصرية ضدهم . لكن السكان البيض ، وليس الحكومة هم من مارسوا التمييز ضدهم لاسباب مجتمعية لا تمت بصلة لسياسة الدولة .في هذا السياق صارت حتى العلاقات الانسانية التى اسسها الصينيون مع السود خطر على الاوليين ، بل اجبروا على التخلى عنها . والقصة تطول لكن ما ارمى اليه لا توجد براءة للمجتمعات تجعلها خلو من التصورات ذات المترتبات الخطرة على حقوق الأخرين فالامثلة التى ساقها بولا من المجتمع الفونجى اعتماداً على طبقات ود ضيف الله مفحمة في مسألة التمييز و تبدو فيها الدولة التى يمثلها عبد قازقيل اكثر تسامحاً من المجتمع بل المعارضة التى يمثلها الشيخ ود الترابي مضرب المثل في الزهد . هذا رد عاجل يا صديقى اتمنى ان تتقبله بسماحتك المعهودة .
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

سلام وكلام

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

أخى عبدالخالق، سلام
أنت كما عهدتك تماماً، لعّاب ولعبك بصلّح اللعب ما بخربوا ولا بخرمجوا ولا بلخبطوا.
أحب ما لى أنك فرزت الإطار الذى تنظر منه الى (السياسة الثقافية) بقولك : (وعلى ذلك انى اعتبر على سبيل المثال واقعة توقيع محمد عبد الحى على عريضة تطالب بتطبيق دستور اسلامى في السودان جزء اصيل من السياسة الثقافية تمس حقوق الهويات الاخرى هذا مع اعتقادى الصميم ان هذا لا صلة له بمدرسة الغابة والصحراء وتوصيفها لقضية الهوية . وسابين ذلك على نحو اكثر تفصيلاً اذا اقتضى الامر) .
ثم اوضحت رأيك أن المجتمعات نفسها ليست بريئة بقولك: (اما المقابلة بين السياسة الثقافية للدولة والثقافة المجتمعية على حد تعبيرك فلا يعود بخير كثير لصالح المجتمعات يجعلها اقل شراً من الدولة في قضية التميييز الهويوى.) .... ذلك أن بعض المجتمعات ـ كما ترى ـ فهى قد مارست عسفاً هويوياً جائراً ضد جماعات هويوية أخرى. وضربت لنا عن ذلك مثلاً واضحاً ولم تنس نفسك. فعلمنا أنك تنعى على مجتمع البيض عنصريته ضد السود والصينيين، بنفس القدر الذى نعى به استاذنا د. بولا على مجتمع الفونج.
الباهر فى موقفك، أخى عبدالخالق، أن هذا اللعب المميز يقود محاوريك الى أن يرتفعوا بمستوى لعبهم لهذه الدرجة من الإتقان، فيحاوروك فى بحر الصراع الثقافى المجتمعى،لا أن يجمعوا ما بين الدولة والمجتمع، فيجرموا المجتمع بأفعال الدولة أو العكس. وأقر أنك قد فهمت تماماً ما أرمى إليه، مما يغرينى أن أخرج صيغة احتجاج ربما تمس حبيبنا الأستاذ د.(بولا) فيشعرنى ذلك بنفس أمّارة بالسوء فى دواخلى لا ترعوى، ف(بولا) أستاذى قبل أن يكون أخى أو حبيبى، والفرز فى هذا المقام أمر لائق وكريم. لكن فلا بد مما لا بد منه، أن صراع الهوية فذلك من شئون الثقافة المجتمعية، حتى ليصير مضحكاً أن ينظر لأمر المطالبة ب(دستور اسلامى) ضمن (الصراع الهويوى)، إذ أنى حينها سأصبح كالأخ الدكتور حسن موسى حينما ينبرى صائحاً : أفرز يا ديجانقو ..... ما بين الثقافة السياسية وما بين السياسة الثقافية.
تجدنى كذلك يا أخى محمد مستعدا لتبيين المزيد من لخبطة العجين المباحثى، حتى ولو أدى ذلك لمواجهة أحب ما لى من أساتذة ك (بولا). لذلك وفى معرض تقعيد هذه المبحوثات أود أن يصدر منّا جميعاً متضامنين تعريفات مصطلحية بينة وواضحة للآتى:
• الهويّة والصراع الهويوى
• الدولة
• الهيمنة الثقافية
• الثقافة المجتمعية
• السياسة الثقافية
وأقول بضرورة مثل ذلك الفرز حتى لمجرد فهم ورقة استاذنا د. بولا (فى نقد نسب شجرة الغول). لأن سوى ذلك يصير فهم ما يقصده صعباً حتى لمن يعرفونه ويتابعون أطروحاته ومواقفه ناهيك عن آخرين ربما يطالعوا تلك الورقة لأول مرة. ولى عودة ـ إذا استمر هذا اللعب بهذا الهدوء والتقعيد ـ لمسألة (الهجنة) الإثنية وعلاقتها بالهجنة الثقافية. إذ أن لى مقال سبق أن نشر بصحيفة الصحافة تحت عنوان (دراسة جدوى لقيام اتحاد للكتاب السودانيين). وقد أثار ذلك المقال حفيظة استاذنا وشاعرنا الكبير محمد المكى ابراهيم قبل أن أعود عليه باستيضاحات نالت رضاءه بعدها.
للجميع حبى وتقديرى.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

نتابع بإعجاب شديد ونحن جلوسآ على كراسى الإحتياطي!
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

الصديق العزيز عمر الامين ،
اميل للاعتقاد ان المصطلحات التى ذكرتها ، فيما عدا ما اسميته بالثقافة المجتمعية ، مصطلحات على قدر من الاستقرار ولا اظنها محل نزاع الا في القدر الذى ذكرته في مداخلتى الاولى . كما انى ارى ان ايضاحها في السياق وضمن ال (Context) يخدم النقاش اكثر . عليه اقترح ان تطرح وجهة نظرك كاملة تلك التى المحت الى انها توحد بين بولا وبينى على النقيض من رؤيتك .
الصديق العزيز محمد جمال الدين ،
شكراً على المتابعة اللصيقة ، ولاشك ان وجهة نظرك ستثرى النقاش وتفديدنا جميعاً .
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

بسم الله نبدأ

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

[size=24]أخى الأستاذ ود عبد الخالق
بعد السلام أرحب ترحيباً حاراً بدعوتك. وهاأنذا، قدرما وضعتنى فيه من مقام، أبدأ فى طرح ما يبدو لى من تحفظات عليكما كلاكما أنت وبولا.
وبادئ ذى بدء أحذّر، أن أهم ما يميز ما أود أن أطرحه، أنه يأتى على أخضر ويابس الفكر المعاصر فيحرمه الماء والضوء قبل أن يقتلع نبتته من جذورهما. أقول قولتى هذه، وبى أسف أن أقولها، أن ما يفيد من الفكر المعاصر قليل، فأكثره حشف لا يستحق لا سيئ الكيل ولا حسنه بحيث أنه يصعّب حد الصعوبة من التعامل مع قليله ذو الفائدة. وتحديداً فما أعنيه من الفكر المعاصر يشمل المدارس الرئيسية الثلاثة: الماركسية وعموم ما يدور حولها من فكر يسارى، والبراقماتية حديثها ذو المنطق المؤنسن ـ كما هو فكر الرئيس باراك أوباماـ والتقليدى منذ آدم سميث الى هنرى كيسينجر وهتنتن وفرانسيس فوكوياما وما لف لفهما من فكر يمينى. ومتوسط ذلك كالمدرسة البنيوية التى عارضت كلتاهما يميناً ويساراً.
مكرر الترحيب بالأخ البروفسير محمد جمال الدين. ولا أسمى المكانة التى نظر منها الى هذا الحوار كراسى احتياطى كما هى فى كرة القدم. لكنها كراسى حضور فعلى تم إعلانه صراحة كى نقدر ، كمتحاورين ، أنه وجود ينتظر اللحظة المناسبة للدخول. أقول للأخ البروفسير : مرحباً بك. فمثلك لا يحتاج لإذن دخول، لأن أطروحتك (الإنسان والمجتمع والدولة فى السودان ) فى هذا المنبر تتقدمك. فمرحباً بك ومرحباً بأطروحتك كمستند ربما يعضد بعضه (فى نقد نسب شجرة الغول).
أبدأ القول بسم الله، وأثنيه باسمه ـ المصطفى ـ المسمى بالعلم الذى هو أعلى بما لا يقاس عن علم أعلم ذو علم من كافة من خلق من إنسان منذ آدم ـ عليه السلام ـ الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، وليت قومى يعلمون. وأكرر التثنية بآل بيته الكرام الطيبين وورثتهم من العلم من أوليائه واحبائه من بقية شهود الحق على خلقه. آمين.
يقول الأخ محمد عبد الخالق: (فقد لمست في كتابة بولا وحسن وعبد الله وبقدر متفاوت النظر للهوية وكأنها معطى ثابت لا يتغير او جوهر يتوقع الكشف عنه باعمال النظر والمنهج النقدى . في حين ان صناعة الهوية من انتاج الناس جماعات وافراد ، تركب وتخلق وتنقح وتعدل في عملية مستمرة .)
ثم قال: (الفهم السكونى لقضية الهوية لدى عبد الله على ابراهيم يبدو واضحاً في خلاصته حول جهود الافروعربيين ونصحه في خاتمة كلمته ان "اهدى السبل الى السلام والنهضة الثقافية في السودان هو الاقرار بقوامين (او اكثر) للثقافة السودانية . قد تمتزج هذه القومات وقد تتبادل الثأثير والتأثر ، مع احتفاظ باستقلال كل منهما باستقلال الدينامية من حيث المصادر والترميز والتوق " (ابراهيم 1996 ، ص 26 ) . هذه الخلاصة وان بدت متماسكة في ظاهرها الا انها تفترض ان الهوية الشمالية المعبر عنها بالثقافة العربية الاسلامية منجز نهائى ينبغى قبوله كامر واقع ونفس القانون ينطبق على الهوية الجنوبية . بل اكثر من ذلك يدعو عبد الله على ابراهيم الى الفصل في مصادر الترميز والتوق بين الهويتن . ان هذا التحنيط والثبات للهويتن لا تكذبه تجارب الاثنيات والاعراق المختلفة في اجتراح هويتها وتعديلها وتنقيحها ، بل اكثر من ذلك تكذبه التجربة العملية القريبة للحركة الشعبية لتحرير السودان ، كممثل اجهر صوتاً للهوية الجنوبية ، وعلى وجه الاخص قبل وفاة الزعيم جون قرنق ، في استدعاء رموز ثورة 1924 ومؤخراً الطقس الهويهوى في زيارة وتكريم قبر الزعيم عبيد حاج الامين فى واو من قبل قادة الحركة الشعبية . وهذا بعينه شغل في مصادر الترميز والتوق التى اراد عبد الله على ابراهيم فصلها ثقافياً . اضف الى ذلك ان خلاصة عبد الله تقطع الطريق ، في اطار الهوية الشمالية ، على جهود اعتبار الحضارة المروية او المسيحية السودانية في علوة وسوبا كمكونات للهوية تلك التى نعى حسن موسى اسقاطها في حسابات الافروعربيين (موسى 1993 ، ص 13 ).) في ظنى ان تلك الطبقة الباكرة في محاولة تركيب الهوية السودانية كانت معنية بثبيت مفهوم السوداني نفسه كمفهوم بالغ الجدة أنذاك ولم تزودها الشروط الاجتماعية بمدخلات بالغة التعقيد ليفكر فيها راديكالي العشرينات مثلما نفكر فيها الان . الى أن قال: ( أهـ.
الفهم المتجذر فى الأدب السياسى عند الأستاذ محمد عبد الخالق والدكاترة بولا وحسن موسى وعبدالله على ابراهيم، أن هنالك هويتان شمالية وجنوبية فى الثقافة السودانية تتصارعان رؤاهما التى تعبر عنهما سياسياً لتخليق هوية سياسية سودانية جديدة تستوعب متغيرات الحالة السياسية السودانية الحديثة (حق المواطنة السودانية المدنى الدستورى القانونى كامل الأهلية كما هو توصيف باب حقوق الإنسان الذى صاغته مواثيق الهيئة العامة للأمم المتحدة الأساسية.) وأرجو أن يكون تلخيصى هذا وافيا غير منقوص أو متحامل.
هنا ألاحظ تخليطاً ضعيف المنطق إذا ما حاولنا تجذير رؤانا الى أصول الظواهر كى نراها فى جذورها الحقيقية بحسب مناهجنا المتعارف عليها، التحليل الماركسى أو التفكيك البنيوى. حيث أن (الثقافة) كمصطلح ومفهوم هنا تتبادل التأثير والتأثر والعمل دونما داع أو منطق يؤهلها لذلك مع مصطلح (المدنية). بنفس القدر يختلط مصطلح و مفهوم (الهوية) مع مصطلح ومفهوم (الفاعلية) فتصير تركيبة (هوية سياسية) بقدرة قادر أو غير قادر فكرياً بديلاً لمصطلح (فاعلية سياسية). ويلزمنى توضيح هذا التناقض الفكرى الذى لا يليق. لذلك فسآخالف ما قاله أخى الأستاذ محمد عبدالخالق عن استقرار هذه المصطلحات. فهذا ما لا أوافقه عليه بما يحق لى أن أطالبه وبقية الإخوة النظرين بتنقيتة أطروحاتهم من هذا الضعف التحليلى أو التركيبى لمفاهيمهم كى تنفق بعدها على صياغة رؤانا الفكرية بعدها بوضوح ودون التباس أو تشويش.
وقبل كل هذا التخليط المنهجى هنالك تخليطاً تاريخياً وجغرافياً لا يليق بمنظرين فى مثل تلك القامة الفكرية لهؤلاء الدكاترة والأساتذة. فدولة (الفونج) هى من صنع التاريخ، فهى قد نشأت نشأة طبيعة داخل تاريخ و جغرافيا ما هو معروف بالسودان تاريخياً وجغرافياً وليس (السودان الإنجليزى المصرى) المجترح من التاريخ والجغرافيا بفعل معاهدة (سايكس بيكو) التى لا تمت لا للعرب ولا للدينكا ولا لسوبا ولا مروى ولا لأفريقيا ولا للجزيرة العربية.
فسوبا أو نبتا أو مروى قد يكونا مكونات قد لا تعنى السودان بمفهومه المعاصر، بل قد تشمل أثيوبيا وأريتريا. فميناء (أدوليس) تاريخياً هو معبر دولة (مروى) الى التجارة مع الهند. هذا الميناء يقع الأن فى اريتريا وهو ميناء (مصّوع). كذلك إذا أراد د. بولا أن يدخل (شجرة نسب) بعانخى وترهاقا ضمن تركيبة الشخصية السودانية المعاصرة، فإنى سأحذره أن نسب الإمبراطور (هيلاسلاسى) يضم تحديداً اسم هذين الملكين. بل وتستمد قبائل الأمهرا ملوكيتها تحديداً من هذين الملكين، حيث أن كنيسة (قندر) هى تاريخياً مقر امبراطور هذه الأرض التى تمتد الى كنيسة (دنقلا) عبر كنيسة (سوبا). مع ذلك فللدولة الأريترية مرجعيتها (الهويوية) التى تختلف عن بعض ما فى هوية (الدولة الأثيوبية) اللتان تختلفان جملة وتفصيلاً عن هويات أخرى تضمها دولة (السودان المعاصر) كهوية الدينكا والنوير والشلك مثلاً. لذلك فقد لا يسعف اسقاط سوبا كثيراً كرمز ثقافى إحتجاجاً يبرز من فوق حقيقة تفرقها أيدى سبأ فى (دولة) ما بعد (ويستفاليا) التى ما صنعها التاريخ لكن صنعتها رؤى ترى من خلال مصالحها الإستعمارية. فالسودان تاريخياً يمتد من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلنطى. أما السودان المعاصر مما لا يصلح للإحتجاج به تاريخاً فهو (السودان الإنجليزى المصرى) والمصرى دى تحتا أكتر من خط. لأنو الملك فاروق زاتو ما مصرى، لكنو مملوك البانى وعميل انجليزى موضوع بمهارة استعمارية انجليزية فائقة.
ثم ضعف التاريخ عندى قد يهون أمام ضعف الجغرافيا. فالعرب والمسلمون لهم حقوق فى أفريقيا لا يمكن فصلها بأى حال من الأحوال عما عرفوا تاريخياً ب(الزنوج). ولا يحدث مثل هذا التخليط دون أن يقع المنظر الذى لا يعتبر العرب والمسلمين كأفريقيين فى أجندة ممعنة فى العنصرية. فأفريقيا ليست وجوداً (إثنياً) بل هى وجود جغرافى حوى تاريخياً العرب والزنوج، وكلاهما أفارقة. وقد حوت أفريقيا كذلك اليهود،، بل هى مهد اليهودية. والمسيحيين والمسلمين، جنباً الى جنب الديانات الوثنية. فليس هنالك من مبرر لا جغرافى ولا تاريخى يمكنه أن يخرج العرب والمسلمين من أفريقيا، فقط المنطق العنصرى الذى يضيف (الأفريقانية) الى اتجاه وحيد الجانب، فتفوح منه عنصرية لا تليق تمقت العروبة والإسلام، ولا تستطيع الجهر بمقتها هكذا صراحة فتتخفى فى مثل هذا الضعف المنهجى التاريخى الذى لا يليق.

تحليل الظواهر أو تفكيكها لا بد أن يحمل الأستاذ محمد عبدالخالق والدكاترة عبد الله بولا وحسن موسى وعبدالله على ابراهيم عند الحديث عن (الهوية الثقافية السودانية المعاصرة) أن يعرّفوا مصطلح الهوية ومصطلح الثقافة ومصطلح السودان المعاصر تعريفاً جذرياً يتقيدوا فيه بأصول الظواهر وثوابتها، ثم بعد ذلك متغيراتها. فأولويات النظر الممنهج هو رؤية الثوابت أولاُ ثم بعدها نتجه الى رؤية المتغيرات.
وستكون مداخلتى القادمة مكرسة للتنظير لبيان الضعف المنهجى. وسأبدأها بالتعريفات المصطلحية عملاً على التزام منهجى سأطالب به الآخرين لا بد أن أحكم به أطروحتى مبدأ.
للجميع حبى وتقديرى.[/
size]
آخر تعديل بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä في الخميس يوليو 15, 2010 9:40 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

يا عمر فهمت من مداخلتك الاخيرة انه لا يوجد شىء اسمه الهوية وانما يوجد ما اسميته ب(فعالية سياسية) . وعليه ما استقر في الفكر السياسي تخليط منهجى وضعف تحليلى عبر عنه بولا وشخصى ، فقد قلت بالحرف : "فتصير تركيبة (هوية سياسية) بقدرة قادر او غير قادر فكرياً بديلاً لمصطلح فعالية سياسية ." اذا صح فهمى انك تعبر عن فهم ينكر قضية الهوية جملة وتفصيلاً فهذا بحق كارثة معرفية كبري لشخص عاش وعاصر ما حدث في البوسنة وكسفو ورواندا وغيرها ، دع عنك شخص مثلك على صلة بالعلوم الاجتماعية . فحقيقة تبسيط الهوية الى كونها تعبير عن فعالية سياسية يحط من المعرفة والتجربة الانسانية في هذا الصدد ، ويقلص ظاهرة بالغة التعقيد على نحو ليس افضل من ارجاع الحب والزواج الى جذور الحياة المادية الاقتصادية ، في اسوأ نسخة للمادية التاريخية . كما اصدقك القول يا صديقى انه لا رغبة لى مطلقاً في ان اجرجر مساهمة بولا الرفيعة بلا شك الى درك مناقشة بديهيات مدرسية صارت في حكم المسلمات في علم الاجتماع والعلوم السياسية .
اما استنكارك لتناول دولة الفونج في اطار سؤال الهوية في نقد بولا ، بدعوى انها لا تمت بصلة كما كتبت "للعرب ولا للدينكا ولا لسوبا ولا لمروى ولا لافريقيا ولا للجزيرة العربية " فقد جانبته الدقة ليس فقط في تناول قضية الهوية و(الفعالية السياسية) على حد تعبيرك بل جانبه الحس السليم في قراءة تاريخ السودان نفسه . فانى اعتقد جازما ان تاريخ الفونج على وجه التحديد منذ منتصف القرن الثامن عشر انما هو بداية تاريخ تشكل الهوية العربية في تلك الرقعة التى نسميها السودان . كما انه في اعتقادى الصميم ان ارفع المساهمات الفكرية حول تاريخ الفونج واعنى بذلك كتاب Jay Spaulding المعنون The Heroic Age in Sinnarانما هو كتاب حول سؤال الهوية في السودان في الاساس . وانى لاتأسف غاية الاسف ان مترجميينا النابهين لم ينتبهوا لخطورة هذا العمل الرائد الذى يتابع على نحو بالغ الدقة بروز الهوية العربية الاسلامية في السودان . لذلك اعتقد ان نقد بولا الذى تضمن الاشارة لل (Identity Politics) في دولة الفونج ينبغى ان يكون البداية لتناولنا لقضية الهوية في السودان الشمالى ، وهذا ما ادركه فيما يشبه الحدس محمد عبد الحى .
اما الحديث عن العرب وحقوقهم في افريقيا ، فلا اعتقد ان بولا وحسن موسى وعبد الله على ابراهيم قد عبروا عن مقت للعرب ولم يعبر اي منهم عن اجندة عنصرية ولا يخفى اى منهم مقت لا يستطيع الجهر به . وانى لا ادرى كيف اتيت بهذا الرأى في سياق التلات ورقات المطروحة اضافة لنقدى . واصدقك القول ان الفضول يقتلنى للاطلاع على التعريفات التى وعدت بها حتى اقف تماماً على المفاهيم التى تنطلق منها .
صورة العضو الرمزية
Taha Jaafar
مشاركات: 224
اشترك في: الأحد نوفمبر 05, 2006 6:53 pm

مشاركة بواسطة Taha Jaafar »

الحبيب الغالي محمد عبد الخالق و المتداخلين الكرام شكرا علي هذه الاضاءات الباهرة بنقد النقد و الشكر قبلكم الي الدكتور بولا الذي استكتب لنا محمد عبد الخالق كل هذا الجهد المقدر

يروي الاهل ان جدنا الخليفة طه ود عوض قد اصدر فتوي بتحريم اكتراء الرق و ممارسة الاتجار فيه و بالتالي القنص و ما ترافق معه من استبداد و غدر.. حرم الخليفة طه الرق لشبهة الاسلام نتيجة للمساكنة و الجدير بالذكر انه اعتبر التسري خارما لمروءة الرجال. ولد الخليفة طه ود عوض في عام 1850 بجزيرة مساوي ريفي مروي و توفي بالقضارف في 1933. نال اجازة الازهر و عمل مدرسا دينيا في بيت المقدس و مكة المكرمة. من الواضح ان الخليفة طه قد تأثر بالدعوات الدارجة حينها حول منع تجارة الرقيق و لقد اجتهد الرجل رأيه فاصدر تلك الفتاوي النيرة في ذلك الزمن و ربما قد املت عليه فتاواه تلك مواجده الصوفية و كسبه الديني و الدنيوي حيث لم يكن الرجل اكثر من فلاج بسيط يسثمر ارضا صغيرة ( بلادا) يرويها المطر و يدير مسيدا
شبهة الاسلام نتيجة للمساكنة كانت مبررا لتحريم اكتراء الرقيق او الاتجار فيه.
بحثت في كتبي علي اجد افادة للدكتور يوسف فضل كنت قد قرأتها منذ زمن و لكني لم اجد فلا سبيل عندي الان للارجاعات للمراجع و لكن الافادة تقول فيما معناه ان فكرة انقسام الناس الي اشراف و عامة (ناس قريعتي راحت) كان السبب ورائه هو توفير المبررات لاسترقاق مسلمي مملكة تقلي من التروج .
هذا التقسيم للناس علي اساس فرية الانتماء الي نسل النبي (ص) له مبرراته الاقتصادية.
في نفس خطاب العروبين الاسلاميين او من شابههم هنالك تتجلي تفاصيل الاتقسام الطبقي في نفس الخطاب المزدوج الطبيعة ، له وجهان وجه يستقبل قبلة الضحية و وجه اخر يبرر للمستبد عدوانه .
اما سكون او دينامية مفهوم الهوية فقلد فصل فيه الدكتور امين معلوف في كتابه ( الهويات القاتلة) حيث قدم شرحا مبسطا لفكرة دينامية الهوية و تحولاتها و استتباعها لمترتبات التغيرات الاجتماعية ذات الصبغة الطبقية الفاضحة.
موقف الخليفة طه يعكس بوضوع تصنيفه لنفسه مع مجموعات ضحايا خطاب الهوية الاستعلائي الذي كان المبرر الثقافي و السياسي لاستعباد السودانيون من احفاد الشعوب النوبية لبعضهم البعض.
الاسترقاق كنشاط اقتصادي و ما يصاحبه من اسقاطات ثقافية و مترسبات دينية و اخترابات سياسية واحد من اكثر اوجه خطاب الهوية السائد افتضاحا لاكاذيب دعاة الاستعلاء.
لا اريد ان لقفز علي النتائج و لا اريد وضع احصنة النقاش امام عرباته و لكن من نافلة القول فهمنا لهويتنا يستبطن خوفا من الارذال في السلم الاجتماعي بوصمة عار عرقية او ثقافية بالتالي فهو خوف استعلائي حماكم الله.



طه جعفر
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

أخى والأستاذ الصحفى والناقد الكبير محمد عبد الخالق:
بعد السلام والتمام
اولاً وبادئ ذى بدء فاعتراضاتك الثلاثة اظنها قد صدرت عن قراءة مستعجلة تحتاج منك لإعادة النظر وإعادة القراءة لتتاكد مما ياتى:
اولاً: لم آت بتنظير يقرر عدم وجود شيئ اسمه (الهوية). ولكنى تقدمت باحتجاج ان ما تعتبرونه مفهوماً للهوية يختلط بحسب رؤاكم بمفهوم الفاعلية السياسية. هنا ولهذا السبب تحديداً جاء اتهامى أن ما تطرحون يتصف بالضعف المنهجى. وهذا اتهام جذرى وخطير يستدعى تجذير البحث درجة الفحص المصطلحى الأولى. وسأقوم ـ إن شاء الله بهذا الجهد ـ الذى يقترح ضمناً أن هنالك مفهوماً للهوية يتجاوزهذا التحقيب ذو الضعف المنهجى لا بد لى أن أدفع به كبديل تصحيحى ذا صحة منهجية. مما سبق يتضح اننى سأستعملهما كليهما معاً كأدوات : التحليل والتفكيك رغم ضعفهما، ورغم اقتناعى بوجود أدوات اكثر قوة وجذرية لإجراء مثل تلك الفحوصات.
ثانياً: لم أقل فى مداخلتى مطلقاً أن دولة الفونج لا صلة لها بالعرب أو الأفارقة.، بل قلت أن دوله الفونج ذات نشأة تاريخية طبيعية فى جغرافيا وتاريخ أفريقيا. ولا أظنك تنزل بتقدير أخيك للتاريخ درجة تجاهل أن الفونج أصلها تحالف (فونجاوى عبدلابى). وهذا مفهوم يعضد مفهوم الوجود الطبيعى التاريخى العربى فى افريقيا لا العكس. ما قلت أن لا صلة له بالعرب ولا بالأفارقة يا أخى هو (السودان الإنجليزى المصرى) وهو نفس ما يعرف اليوم بجمهورية السودان فهذا مجترح استعمارى بحسب اتفاقية (سايكس بيكو) لتقسيم اسلاب أفريقيا برؤيتهما الإستعمارية. وهذا هو بالتحديد الذى لا يمت لأفريقيا أو للعرب بصلة، بل فقط بالإستعمار الأوروبى.
هذه يا أخى نفسها تحمل اتهاماً منهجيا أن ما تعتبرونه السودان فهو وجود سياسى معاصر يحتاج لبعض المباصرة التاريخية والجغرافية لأجل إحكام وضع الموازين البحثية بالقسطاس المستقيم.
ثالثاً: لا اتهمك انت ولا د. حسن ولا د. عبدالله على ابراهيم صراحة بمواقف عنصرية ضد عروبية. فبقدر ما لم اقرأ لك ما يجعلنى أضعك هنا موضع اتهام، فإننى قد طالعت رؤى نيرة لكلاهما د. حسن ود. عبدالله ينصفان فيهما العرب والمسلمين، فيباعدان ما بين رؤاهما والعنصرية. حتى فإنى لم اتهم استاذنا د. عبدالله بولا بالعنصرية هكذا صراحة، لكنى أقولها هنا بملء الفم، بل ويمكننى أن اتحجج بنصوص من مبحث (فى نقد نسب شجرة الغول) مما يفوح منه رائحة عنصرية ضد عروبية وضد اسلامية. وبالطبع هنالك فرق بين ما تفوح منه رائحة التعنصر وبين ذى المواقف العنصرية الصريحة.
عموماً فهذه ملاحظة عابرة لا تحجب المقولة النقدية الأساسية فيما سبق لى طرحه مثل ضعف جغرافيا وتاريخ توصيف الهوية السودانية السياسية المعاصرة، وقد قمت انت بتجاوز هذه الملاحظة العضم الى ملاحظات ثانوية مثل فوحان رائحة التعنصر. المحاورات الجيدة تقتضى الصرامة النقدية معاً اوضد. فلا أرضى لك أن تتجاهل البعض و تتكئ على البعض.
والآن فالى مضابط ما وعدت من تحقيق ممنهج:
اولاً واصلاً ما هى الهوية؟
هى قيمة ارتبطت تاريخياً بنشأة المجتمعات الإنسانية. فليس هنالك وجود قبلى للهوية يسبق المجتمع، وحتى وجودها البعدى لا يخرج عن كونه قيمة مجتمعية تستمد مشروعية وجودها من تابعيتها للمجتمعات.
وكيف تستمد هذه المشروعية؟
تستمدها كقيمة من قدرتها على توصيف افراد مجتمع ما بصفات يتمايزون بها بحكم ما تضفيه عليهم بيئتهم المجتمعية من مميزات مشتركة يمكن أن تميزهم عن مجموعات أخرى.
وما هى هذه المميزات المجتمعية؟
جماعها هو ما يسمى بالثقافة المجتمعية. وهى كلما من شأنه أن يؤسس لبيئة تصلح لتكوين مجتمع مثل البيئة الجغرافيّة وما تفرزه من معطيات تصلح لجماعة انسانية ما مثلاً أن تمارس رعى الأبقار أو الزراعة أو صيد الأسماك كنشاط حيوى طبيعى يمكن أن يوحد بين مجموعة انسانية . تنوع مثل ما من شأنه أن يؤى الى تكوين مجتمع قد يتجذر لدرجة مهابشة وجود أو فناء الجنس فيصير ما يربط مجموعة ما هو صراع البقاء نفسه. لذلك فقد تضافرت جهود تعريف (الثقافة المجتمعية ) الى وسع يستوعب هذه المكونات فصدر تعريف من هيئة اليونسكو عن الثقافة المجتمعية جامع ومانع يقول: الثقافة المجتمعية هى الكل المركب من العادات والمعتقدات والتقاليد والقيم والموروثات والمنتجات المادية والمحددات الإثنية والطبيعية التى تميز مجموعة ما تسكن حيزاً جغرافياً محدداً. انزل هذا التعريف من الذاكرة، وأقبل تصحيحه أو تعديله بالنص الرسمى لهيئة اليونسكو.
لذلك فالثقافة المجتمعية هى قيمة أولية لتكوين ونشأة المجتمع الإنسانى. بل هى المادة اللاصقة التى يتمكن بها المجتمع من أن يضمضم نسيجه. سواها فلا وجود للمجتمع لفقدانه المادة اللاصقة الأساسية التى تمكن افراده من صلاحية الإنتماء إليه. وطبيعياً أن تكون الصلة الطبيعية الأولية والتى هى صلات الأرحام مكوناً أولياً وأساسياً. وأن تكون أولى اولويات الروابط الثقافية تأتى عبر الصلات الرحمية. وأن تستمر الصلات االرحمية كحامل من حوامل الثقافة المجتمعية فى كثير من مناحيها. فالأسرة هى المزود التخليقى الأولى والأساسى لأضفاء صفات الثقافة المجتمعية من قيم وموروثات وأخلاق ومفاهيم تسلح بها أى أسرة وتربى عليها افرادها كى يصبحوا أفراداً صالحين للإنخراط فى صفوف المجتمع. فالأسرة هى المزود الأول بالهوية. لذلك فسؤال الهوية الأساسى هو سؤال عن أسرة الشخص وأداة استفهامه هى: (من هو) فنقول ( ومن هو بولا هذا؟ فيجيبنا عارف بهويته فيقول: هو عبدالله محمد البشير من رباطاب بربر. ابوهو ود ناس البشير وهم أهل خلاوى معروفين فى منطقة (الدّكة) وأمو بت ناس ود اب كف، ناس مأصلين أصل وفصل. بيوتم عامرة وفاتحة للضيفان والمحتاح وللعشمان. وليس فى ذلك استعلاء بل علو مكانة، ورعاية مكارم اخلاق، وكلها ثقافة مجتمعية بيضاء وذات محجة بيضاء فى مجملها، يتفاخر بها كما هى كريم معتقدات مجمل السلف الثقافى الراحل.
عليه فالهوية هى قيمة الثقافة المجتمعية موزعة بين الأفراد. وهى التى تميز هؤلاء الأفراد شكلاً ومضموناً بمميزات ثقافية مشتركة لمجتمعهم. أو هى الوسيلة التى يتوسل بها الأفراد كى يصيروا صالحين كأعضاء فى مجتمع ما.
وهذه كلها قيم فى المجتمع سابقة لقيام الدولة وتوابعها السياسية. فما هى الهوية السياسية ؟
آخر تعديل بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä في الخميس يوليو 15, 2010 9:48 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

صديقى واخوى الاعز طه جعفر الخليفة طه ،
شكراً على المداخلة النيرة . الجد الخليفة طه له اشقاء وشقيقات في كافة الثقافات والاوطان من الذين رفضوا انظمة مجتمعاتهم وانحازوا للانسانية العريضة منهم في التاريخ الحديث الامريكان البيض الذين قادوا حركة الغاء الرق في قمة عنفوان نظامه في الولايات المتحدة واعضاء المؤتمر الوطنى من البيض في جنوب افريقيا والالمان الذين اخفوا وهربوا اليهود ابان محارق النازية وغيرهم وغيرهم . وفعل هؤلاء لا يمكن تفسيره بان مصالح طبقية املت مواقفهم . وهذا لا ينفى العامل الاقتصادى في فهم سؤال الهوية وغيره لكن القول بفعل المصالح الطبقية والاكتفاء بذلك لا يفسر كيف تطورت ما يسمى بهوية الافركانرز (البيض) في جنوب افريقيا مثلاً : كيف بزغت المؤسسات الثقافية لهم تلك التى مهدت للهيمنة الاقتصادية ونظام الفصل العنصري ؟ ما هو اثر حرب البوير في تكوين هذه الهوية؟ ماهى عناصر التوق والترميز ، اذا استلفنا تعبير عبد الله على ابراهيم الذكى ، في تركيب هذه الهوية؟ كيف خطر لهم ان يروا انفسهم كشعب الله المختار وينظروا لذلك ويكتبوا فيه الشعر؟ ما صلة تعاليم الكنيسة الاصلاحية الهولندية وتفسيرها للكتاب المقدس في تركيب هذا الوهم؟ واخيراً كيف حاول هؤلاء القوم طمس الخلافات الطبقية والعرقية بين انفسهم (فقد كانوا خواجات لحم راس وكانت غالبية افقرهم تدافع عن نظام الفصل العنصرى رغم الفتات الذى ينوبهم منه)؟ الاكتفاء بالعامل الطبقى يا طه يحرمنا من منجزات علم الاجتماع في دراسة الثقافة كحقل مستقل له دينامياته الخاصة التى لا يمكن تقليصها وكرفستها تحت ختم علم الاقتصاد السياسى وقوانينه .
الصديق العزيز عمر الامين ،
رايت من الاوفق ان ادعك تكمل نقدك ومن ثم اعقب عليه ، فبالكاد افهم ما ترمى اليه بشكله الراهن ولعل اكمالك لافكارك يعيننى على الفهم . فقط التمس في شرحك لمفهوم الهوية ان توضح موضع العرق والاثنية والثقافة في هذا التعريف . كما اعتذر لك بشدة عن القراءة المتعجلة لظنى باستبعادك سلطنة الفونج من سؤال الهوية مع انى لا ازال جاهل حتى الان بالتخليط المنهجى الذى اغترفه بولا وشخصى في تناول هذا الشأن .
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

بسم الله ..... هبشك الماضراك
يا ود عبد الخالق ، السلام جاك ومعاهو المفيد من الكلام
وأحمد لك مبدأ إخراجك نفسك من دوغما التنظير الكلاسيكى الذى لا يرى للظواهر من محركات سوى العامل الإقتصادى، وأن كل مشاكل العالم ما هى سوى مشاكل طبقية، فهذه أحادية تنظيرية أحمد لك الإنتباه الى خطلها. أها أنا وانت اقتنعنا، البقنع الديك داك شنو؟
وأواصل تفكيك الهوية والثقافة فى علاقتهما بالمجتمع.
بداهة يا أخ عبد محمد عبدالخالق إذا ما قلنا أن الأسرة هى مخازن التموين (الهويوى) لأفرادها. وأنها هى التى تقوم باعدادهم وتربيتهم كى يتمتعوا بصلاحية الإنتساب لمجتمعهم، فلا بد أن يكون لما يتركب من اشكال لاحقة طبيعية التكوين وذات تعقيد تركيبى أكبر تبدأ من الأسرة وتمتد عبر العشيرة و القبيلة الى الشعب ثم الأمة، أن تكون كل هذه التكوينات ذات صلة وثيقة مأصلة بالثقافة. فالتشكيلات الرحمية والثقافة هما ركيزتا المجتمع فى أصوله التكوينة، لا ينهض له بناء دونهما. لذلك فلا ينبغى أن يذكر المجتمع فى غياب مكوّنه التفكيكى/التحليلى الراكز. أى تبدلات لاحقة تطرأ على المجتمع تتغافل اساساته البنيوية، فهى فى واقع الأمر تبحث فى اشكال لاحقة مليئة بالتعقيد، وعادة ما يروح منها راس الخيط فتزيد التعقيد تعقيداً. وسأعمل ، إن شاء الله ، على تقديم نموذج نظري يعكس واقع التوهان البحثى، خاصة عندما يتم تربيط الهوية مع السياسة فى غياب رؤية منهجية تفكيكية تحليلية صحيحة وراكزة. تلخيصاً أقول بضعف معرفية ومنهجية رؤية أى مجتمع فى غياب أصله التكوينى والتى تمثله وحداته البنائية الأساسية والمادة اللاصقة لهذه الوحدات ألا وهى ثقافتة المجتمعية. لذلك ولما كانت الهوية هى دالة الثقافة المجتمعية، فيظل ارتباطها بالإثنى هو ارتباط وجود ومصير مشترك، تنعدم ايهما فى غياب الآخر.
والهوية وأمها ومربيبتها، الثقافة المجتمعية، فكلتاهما غريبتان فى بيئة وحقل السياسة البنعرفا كويس أنا وانت، ألا وهى السياسة التى ولدت ونشأت واربطت حياتها فى حلها وترحالها بحقل السُلطة. وما هو ارتباط السلطة بالمجتمع؟
ذلك سؤال أساسى. وما يقرره لا بد سيحكم اركان ما يتوجب علينا طرحه لاحقاً. فليس مقبولاً ان نجيب عليه ، ثم ندير ظهورنا لناتئج تترتب عليه ، ونظن بعد ذلك أنا نتمتع بمنهج ذو صحة. فدخول السلطة بين (بصلة المجتمع) أى تكويناته و(قشرتها) أى الثقافة المجتمعية فهو دخول تطفل ليس إلا. فالسلطة والسياسة تملكهما (الدولة) التى تحتاج لتفكيك يشابه تفكيكنا للمجتمع والثقافة والهوية لرويتها آصل
أصولها التكوينية. وهذا ما لم تقعله لا الماركسية ولا النبنيوية، فقصّرتا فى ذلك قصور صبغ مجمل انتاجهما باللامنهجية واليفاعة الفكرية. ومن هنا أتى تحذيرى أن أطروحتى تعمل على قلع جذور الأطروحتين، الماركسية والبنيوية، أو تحرمهما الضوء والهواء ما لم يعدلا من وضع نوافذهما.
تفكيك /تحليل الدولة هى المهمة القادمة. وامسكوا الخشب.
آخر تعديل بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä في الخميس يوليو 15, 2010 9:51 pm، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ماسكين

مشاركة بواسطة حسن موسى »

يا زول ماسكين الخشب و لا يفل الحديد إلا الحديد..
سلام لمحمد عبد الخالق
و القلم ليهو آفة..
و مودة
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

الأخ حسن
بعد سنة الإسلام السلام.... مرحب بالحديد البفل الحديد ..... قالوا الراجل بمسكوهو من لسانو، وقيل قلمه .... دحين أركز يا راجل، التفكيك/ التحليل و قيل (التأويل) دا ماشى على الأخضر واليابس، وحالف ما بخلى شيتاً قايم بروس ساكت يملا علينا المكان بلا فايدة. إلا زراعة مجيهة، وسيدا واقف عليها بمبة عشرة ..... وقالو تحت تحت إنو دا زاتو ما بحل، غايتو الله يستر يا خوى.
مواصلة ما انقطع من كلام عند مفرق الدولة.
كلمة دولة فى اللغة العربية فى رأيى تحمل من صفات السلطة والسياسة أكثر مما تحمله الكلمة الإنجليزية ( state )فالكلمة الإنجليزية تعبر عن عن معنى (مقاطعة) أكثر منها سلطة أو سياسة. وتلك من طبيعة نشأة الكلمتين التاريخية ولا غرابة، فالأرض تمثل سلعة تبادلية فى الفهوم الأوروبى، حتى صارت (الإقطاعيات) هى وحدة بنائية تكوينية اساسية للسلطة، وصار بالتالى (الإقطاع) نظام يؤسس عليه أمر الترتيبات السلطوية. اما فى الشرق فالأمر على خلاف، خاصة الشرق المتوسط الذى يعتبر أمر الدولة هو شأن يرتبط بمفهوم السلطة كمحصلة لتطور بنية العرف المجتمعى عبر تشكيلات المجتمع (أسرة، عشيرة، قبيلة، شعب، أمة).
على مفرق الفرق بين البنيتين تقع مفارقة أكثر تعقيداً من شأن هذه البداية التفكيكية للدولة، لا أحب أن تشوّش علينا فتحرفنا عن مسارنا، لكنى أجد نفسى مجبرة ألا تفوّت هذه المفارقة لما فيها من اعتبار تأملى يفرض وجوده. ففى حين تستصحب تركيبية بنية الغرب العامل الإقتصادى الطبقى درجة (تسليع) الأرض، يظل محيّراً لكارل ماركس وصديقة فريدريك انجلز أمر الشرق فى ارتباطه بالدين كما جاء فى الرسائل المتبادلة بين شيخي الماركسية الذيْن لا يريا من محرك لصيغ المجتمع خارج الأقتصاد. المفارقة بين ذينك البيئتين هى المفارقة بين ما تعّرف عليه (عمايا) الفيلسوف الهندى من بنية الفيل، وبين حقيقة بنية الفيل التى أعمتها أحادية (كارل ماركس وفريدريك انجلز) المعرفية عن رؤيتها فى تجليها الحقيقى. الدين والذى هو بنية ثقافية تستوطن المجتمع بصورة أكثر تجذراً فى صيغة المجتمع الشرقى خلافاً لما هو معروف من صيغة غربية فتلك تركيبية قد تجد تبريرها أنها أكثر ملاءمة لمطلق مجتمع من استصحاب العامل الإقتصادى، متى ما خضع هذا العامل لتفكيك صحيح. فالعامل الإقتصادى فهو تابع سلطوى دولوى.
نرجع تانى للدولة. فالشاهد أن صيغة اللغة العربية أكثر جلاء فى التعبير عن مصطلح سلطة وسياسة كقيمة حكم (آمرة ناهية) من تدخل الإقطاع الذى يحشر قيمة الأرض (وهى سلعة ليس إلا) فى مكونات السلطة/الدولة. لذلك فعندما صاغ الشيخ ابن عربى ابياته الشهيرة التى يقول فى إحداها:
لنا دولة فى آخر الزمان تظهر
فهو ينقل تعبيراً ذو اصطلاحية تعبر عن وجود (هيئة سلطوية) كاملة لارباط لها بأى شكل من اشكال (تقطيع الأرض). أقول قولى هذا للتدليل عن وجود مصطلح الدولة والذى منه (تداول) السلطة كاملاً فى الكلام العربى. مع ذلك فلم ترد فى القرآن الكريم إلا مرة واحدة فى سورة المائدة معبرة عن تداول (المال) أو أن شئت فقل رأس المال. وفى ذلك إشارة لا يراها إلا أصحاب البصائر المنورة بنور الحق، أن (الدولة) ليست فى شيئ من السلطة والسياسة إلا باستصحاب العامل الإقتصادى. وليست ذلك تعضيداً للشيخ كارل ماركس وأخيه بقدر ما هو فهم أكبر شمولاً وإحاطة من فهمهما، أن السلطة والسياسة هما قيم أكبر وأشمل من الدولة يمكنهما ان يعيشا على الثقافة وبالدين، فى حين أن الدولة هى نشاط لاحق بالمجتمع مربوط بفاعليته أى باقتصاده، وأكرم بهذا التفكيك /التحليل/التأويل الإلهى. اللهم قبلنا وآمنا، إنك انت الوكيل.
أقول إن المجتمع يمكن أن يعيش على سلطة وسياسة تربط قيمها المجتمعية بالثقافة وبالدين بافتراض أن الناظر لهذا الشأن يفترض فيه أن يكون مجوّداً لمنهجيته كى يرى الثقافة كبنية أكثر جذرية من النشاط الفعالوى الإقتصادى وتلك بداهة تفكيكية/تحليلية إذا ما سقطت من ناظرٍ، فيا خيبة المسعى. إذ أن بعض النشاط الإقتصادى ما يزال الى يومنا هذا خارج دائرة التصنيف السلعى التى ترسم خطاً فاصلاً بينما هو اقتصادى عما هو ثقافى كما هى تربية الأبقار عند قبائل الدينكا والبقارة مقارنة بتربيتها عند (الكاوبويات).
الدولة لم تنشأ فى فراغ قبلى للمجتمع كما أسلفنا، ولم تفجُ طريقها الى المجتمع بوصفها (دولة) هكذا، إنما هى بنت طور قبلى وسابق هو طور التمدين. فالمدنية هى التى ولدت الدولة، وهى التى قامت برعايتها وتربيتها وهى لم تدر أن (الأمَة) قد ولدت ربتها. فقد انقلبت الإبنة وانفلتت انفلات السحر من الساحر، فالتهمت كافة حقوقها وصارت هى صاحبة الحق الأوحد وسيدة الموقف والشأن.
كون أن (الدولة) هى بنت (المدنية) يعضدها بداهة تفكيك/تحليل بنيتهما. فإلى عهد قريب هنالك مجتمعات لم تدخل بعد طور التمدين كما هو المجتمع الأسترالى فى بدائيته قبل أقل من قرنين فقط، أى قبل هجمة (الدولة) عليه. نفس هذا الشأن كان يحدث عند الهنود الحمر قبل تعاستهم التى بدأت بعيد زمن ليس بالقليل من رحلة كرستوفر كولومبس. غير ذلك ففى عهد لا يبعد سوى قرن واحد من حاضرنا هذا كان هنالك بدو فى الصحارى العربية والأفريقية ما يزالوا خارج دائرة التمدين والتى هى دائرة الحضارة أيضاً.
ولم يشهد تاريخ الإجتماع البشرى أن دولة ما قامت على البداوة. فالدولة تقوم على أسس متينة من التمدين، فاللامدنية تعنى مباشرة اللا دولة. معاى؟
لا مش معاك، علل لماذا؟
حسناً، المجتمع الذى يعيش على بداوته الأولى هو مجتمع (حمدو فى بطنو). أى أنه على أفق التأسيس الأولى، أى كما أسلفنا بمكوناته (الإثنية) زائداً مادتها اللاصقة وهو ثقافة هذه المجموعة. ودا ما نسمية فى علوم الإجتماع (بنية تحتية) للمجتمع، وتعنى أيضاً مكوّن أولي أو قاعدي. وذلك يعنى أن كل ذلك المجتمع (أى بكلياته) يمارس حيواته التى تتمثل فى سبل كسبه لعيشه ودفاعه عن وجوده. أما المدينة فهى تحمل تحولاً مجتمعياً نحو تعقيد أكثر ببروز تنوع الفعاليات المجتمعية، وذلك بظهور تخصيصات فى سبل كسب العيش أى (العمل)، ثم ظهور عنصر التبادل السلعى. دخول عنصر العمل الذى يفضى بالتالى الى ظهور عنصر التعامل من خلال فاعلية الفرد غض النظر عن (إثنيته) أو أن شئت فقل ثقافته. فالعمل هو صاحب أمر صناعة التمدين. ففى مجتمعات صائدى الأسماك على ضفاف الأنهار والبحيرات الكبرى ـ كما هى عند (ويل ديورانت) صاحب موسوعة (قصة الحضارة) فتلك مبدأ ظهور تجمعات مدينية فيها بعض التخصص من النشاط، كحرفية صناعة آلات الصيد، والمراكب، تلك التى يمكن مبادلتها مع مجموعات أخرى قريبة امتهنت مهنة الزراعة وصناعة الفخار أوبعض أدوات العمل. عليه فالمدنية تعنى بالفاعلية الإنسانية، وهى صفة ليست لاحقة بالمجتمع وحسب، بل هى خيار يمكن تجاهله تماماً كما هى المجتمعات التى تفضل البقاء فى إطار أنشطتها الثقافية فقط دون محاولة أن تدخل عليها عنصر التمدين.
بظهور (السوق) كتطور طبيعى فى المدينة يمكن من حسن التبادل السلعى تظهر بالتالى (العملة) كوسيط للتبادل السلعى، ثم القوانين المنظمة لهذا التبادل، والجهاز الذى يقوم بهذا التنظيم. وهذه كلها يسميها علماء الإجتماع وهم محقون فى ذلك بالبنية الفوقية للمجتمع. وهى سلطة ما فى مدينة ما، أى فى حيز جغرافى ما. وهذه هى يا سادتى الكرام هى الدولة بعينها تظهر ضمن فعاليات المجتمع اللاحقة لتكوينه على أساس أنها منظمة له وبالأصح خادمة لأجل تنظيم نشاطاته.
فالدولة حسب تعريف علماء الإجتماع على قاطبتهم هى: شعب، وقطعة من الأرض يعيش عليها هذا الشعب، وسلطة منظمة لفعاليات هذا الشعب. وبقدرة قادر أو غير قادر لا أدرى انقلبت عبارة (منظمة لفعالياته وخادمة ) لهذا الشعب الى منظمة (لوجوده وسيدة عليه). والحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه.
النظر لهذا التفكيك/التحليل بعين لا تكلأ من توخى حذر الوقوع تحت طائلة التنطع البحثى، فذلك يقود الى رؤية أى صيغة بحثية وفق ترتيبها الزمانى والمكانى من الأولوية ثم الثانوية، فلا تتداخل الصيغ إلا وفق تبرير يعلل هذا التداخل. ففى التمدين تنمحق الهوية كتجلى ثقافى وتتجلى الفاعلية كصفة للفرد. ذلك أن المدينة تجد تبريرات وجودها فى تنظيم الفاعلية الإنسانية. فسكان المدينة هم العمال المهرة والمهندسون والأطباء والمعلمون والحدادون وسائقى مركبات الأجرة الخ الخ.
ولا اظن خيراً فى شخص يقول لى أنه هذه المدينة هى حكراً على الشايقية. إذ أنه يصعب أيما صعوبة أن يتم تركيب الفعاليات الإنسانية فى المقومات الإثنية (قل الثقافية بما سبق لنا تقريره من أن التكوين الإثنى هو أصل من الأصول الثقافية الأصيلة).
غرابة الجمع بين (الفاعلية) و(الثقافة) هو فى غرابة أن نقول (إن الرباطاب) لا يصلحون للعمل كمهندسين. فالمهندس لا ينظر الى أصوله الثقافية أو هويته كى يتم تقرير صلاحيته الفعالوية، بل ينظر الى مؤهلاته التعليمية وخبرته، غض النظر عن (هويته) أو ثقافته المجتمعية.
وتلخيصاً نقول أن الدولة هى بنية فوقية للإجتماع الإنسانى. تأتى لاحقة لبنائية المجتمع من مكونات وثقافة. الصفات الفعالوية (المهنية) بما فى ذلك المؤهلات العلمية والألقاب الأكاديمية فهذه ليست صفات هويوية، بل هى من مواصفات التمدين. وهى خلاف (الهويات) المجتمعية والتى هى ضمن البنى التحتية المجتمعية تأتى ملتصقة بثقافته.
بعد هذا التصنيف يمكننا أن ننطلق لرؤية فعل الدولة فى (الهوية) وفى الثقافة المجتمعية.
للحديث مواصلة مع ذلك فهو يحتمل التداخل هنا مع أو ضد فمرحباً بالمتداخلين من حملة الحديد الذى يقل الحديد.
الحب والمودة للجميع، وأحسن الخلاف الفكرى هو الذى يعمق العلاقة بين المتحاورين .
والكلام ليك يا المنطط عينيك.
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

والله يا عمر انا بس راجيك عشان اشوف مقدماتك المتمهلة دى موديانا وين فحتى الان ما شايف اساس بتاع نقد يؤهل لنقض بولا اوغيره ، لا في المقدمات الماهلة لا في حيلها المضمرة والمتوقعة . واظننى قد ادركت تمام التمام الى اين تتجه حجتك وها انا امد لك من حبل المهلة الذى يفضل ويزيد .
حسن موسى ،
مليون سلام ومودة يا رجل وهديد يلاقى هديد .
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

يا ود عبدالخالق
يا خوى السلام عليك
الشاهد أن الكثير من المداخلات هنا فى هذا المنبر تأخذ منحى تأسيس أطروحات قد يتصف بعضها بصرامة منهجية قد تضارع الصرامة الأكاديمية. وذلك مما يعجبنا ويسر بالنا. ولذلك بالطبع طريقة تخالف طرائق صياغة البيانات السياسية الإحتجاجية القصيرة المباشرة. وفى هذه الأطروحة بالتحديد، فكل المصطلحات هى مصطلحات تركيبية مثل (الثقافة المجتمعية) أو (الهوية السياسية). ولتفكيك ذلك فقد آليت على نفسى اختصاراً وحصراً قد يواجه نقداً أن فيه بعض التعميمات التى قد تحتاج لتفصيل. ومثال على ذلك عدم مس المردود البنيوى اللغوى للمصطلحات، ذلك الذى بامكانه أن يوسع (قد) الأطروحة، الى أن يغلبنا أن نسدها. ومع ذلك تصف مثل هذا الجهد بالمتمهل؟؟؟!!!!
القول أنك لا ترى ما يؤسس لنقد بولا أو غيره فذلك موقف أحسبه كرأى لك ينبغى يأتى على مقومات الأطروحة ليبين أنها ضعيفة لا تقوى أن تقف على قدميها. وأعلن سعادتى بهذا الرأى الذى يتطلب منك شرحاً وتوضيحاً سأنتظره على أحر من الجمر. وكما قلت (فالهديد ينبغى أن يتشمر لملاقاة الهديد الآخر) .
نعود لأمر الهوية والدولة والثقافة. فلا يجرمنا شنآن الأستاذ محمد عبدالخالق أن نصدع بما أمرنا أن نصدع به من الحق، وهو على كيفو، كل شاة معلقة من عصبتا.
مما ذكرنا يتضح لنا أنه لا مجتمع بلا ثقافة، لأن انعدام الثقافة يعنى فقدان ما يربط بين افراد الجتمع. فى حين أن التمدين وما يلحق به من تحضر وما يقتضيه ذلك من دولة ( نظم وقوانين ومؤسسات)، فذلك خيار يمكن للمجتع أن يتحاشاه فيختار ان يرابط على بداوته. فمن هو الذى يملك حق منع ذلك المجتمع أن يظل على بداوته بأن يقول له: (عليك بالقبول بخيار التمدين والتحضر كراعك فوق راسك) أو أن يقول له: ( إذا لم تقرر أن تكون داخل دولة بقوانينها ومؤسساتها فإنه لا يحق لك الوجود بصفتك مجتمع) أنظر الصراع بين مواطنى هضبة التبت الذين يودون عودة (الدلاى لاما) وبناء مجتمع قمته مرجعيتهم الروحية، وبين الدولة الصينية التى تود أن تفرض عليهم تأسيس دولة على النمط المعاصر.
ويبدو أن ما تطرحه الدولة المعاصرة لا يمثل خياراً صالحاُ كنموذج أو صيغة ضمن الصيغ التى خرجت من رحم التجريب الإنسانى الحر الطبيعى ذو التاريخ والجغرافيا التى تتواتى طبيعية نشأتها مع صلاحية ما تطرحه من خيارات.
ودا كلام على درجة عالية من الخطورة. فالقول بأن الدولة الوطنية القطرية المعاصرة هى الخيار الوحيد المطروح للأخذ به رضى الناس أم أبو، فتلك هى الغشامة الفكرية الحقة التى لا ترى من طبيعة الإجتماع الإنسانى لا جغرافيته ولا تاريخه، بل ترى فقط دولة ما بعد (ويستفاليا) ذات الأصول والمرجعية الإستعمارية، تراها صالحة لمراجعة الهوية والثقافة وطرائق تكوين المجتمعات. القال ليكم منو؟؟؟!!! هو العلم على كيف السياسة المعاصرة؟؟؟!!! يا اخوانا هوى ......أخير تفتحوا عينكم، أنتم على وشك أن تبيعوا نموذجاً أكثر تاريخانية و جغرافية للثقافة الإنسانية قاطبة. وقد يكون أعلى قممها هذا إذا ما لم يكن على أقله واحداً منها. وبى شنو ... بثمن (الحداثة) البخس الذى لا حظ له أصلاً فى الثقافة، ومشهور كذلك بقتلها والتمثيل بجثتها كما حدث للهنود الحمر وللمورسكو.
رجوعاً الى حوض العلم، حتى ولو بمنهج التفكيك/التحليل المايل، فقد يعصم بفعل القليل مما يدره من الوقوع فى حياض الغشامة الفكرية. فالدولة الوطنية المعاصرة غير كونها ذات أصول استعمارية فى التاريخ المعاصر، فإنها تمثل تمرداً قديماً فى تاريخانيته ضد الثقافة. فقد اختار هؤلاء المتمردون على الثقافة صيغة هى الأكثر قرباً لنزوعهم من الصيغة الثقافية، فصاغوا نموذجاً ـ تبعاً لتمردهم الثقافى ـ على صيغة التمدين ثم التحضر. وقد جاء فى ذلك النموذج ما يكفي ويزيد من الطفولة المعرفية واليفاعة الفكرية، وبفيض من غيض النزعة الحيوانية فى الإنسان.
الكلام هنا داير ليهو قعّيد، شيلو معانا الصبر شوية
.
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

بسم الله ..... تعود ريمة لعادتها القديمة فى معافرة عقلية الحداثة السودانية وهى تردد: أكان صحت التجارة، المرة والحمارة. وأكان ما صحت التجارة، كفاى الحمارة.
نعود ـ والعود أحمد ـ الى رؤية أفق الغشامة الفكرية والذى يتبدى لنا فى مسارين نرى أصراراً لعقلية الحداثة السودانية على عمومها أن لا تتحاشى الوقوع فى حياضهما الفكرية الضحلة.
المسار الأول نراه بوضوح فى لخبطة عجين مباحثهم بحيث نرى الثقافة المجتمعية وهى بنية تحتية ومكون أولى مجتمعى أساسى، تمتزج بفاعلية المجتمع من دولة ونظام سياسى وكلاهما بنية فوقية تالية لتكوين المجتمع وتابعة وخادمة له لا سيدة عليه.
ويتغافل أهلنا من أرباب عقلية الحداثة (بالوكالة) عما يبدو أنه صراع قديم ومتواصل تدور رحاه ما بين أهل الإنتظام الحضارى فى الحضارة بشروطها الأوروبية المعاصرة ( أمم متحدة، مجلس أمن، منظمة تجارة دولية الخ) وبين آخرين يودون أن يرابطوا على ثقافتهم. وهو صراع قديم ومتجذر بين الشرق والغرب. الشرق بوصفه موئلاً ثقافياً تستوطنه هذه الثقافة استيطاناً تاريخياً وجغرافياً، وبين الغرب الذى ظل تاريخاً وجغرافياً مسكوناً بالتمرد على الثقافة. وده كلام داير ليهو أطروحة براها لوحدها.
المسار الثانى يمكن تلخيصه فى طريقتهم لتكوين نماذجهم البحثية، تلك الطريقة التى تقرر ابجدياتها أن يكون النموذج البحثى الذى تم اختياره قد تعرض لعملية تقليب معرفية كافية لا تتغافل عما يمكن الأخذ به كخيارات نموذجية أخرى فتتمسك بنموذج وحيد، ألا بمنطق يعطى هذه الأحادية التيرير الكافى ذو المنطق المعقلن مما لا خلاف عليه. فإذا ما كان النموذج البحثى يمثل مجتمعاً أو وسطاً بحثياً متكاملاً كالدولة الوطنية القطرية، فإن منطق أحاديته قد يبرر محاكمة تمظهر مكوناته. فهل هى الدولة الوطنية القطرية هى النموذج الوحيد للأخذ به كنظام يصلح لإدارة المجتمع كى نحاكم من خلالها عناصر الثقافة المجتمعية المختلفة؟؟؟؟؟ إذا ما كان الأمر كذلك فإن ما وضعه السيدان سايكس وبيكو من ترتيب توزيع الدول الوطنية القطرية فى عالم ما بعد (ويستفاليا) فهو العلم بعينه. وهذا مما يرفع بالسيدين سايكس وبيكو لمقام العلماء كاسحاق نيوتن وآينشتاين والفرد نوبل و مدام كورى الخ الخ. أما إذا ما كان ما قاما به هى (مقالعة كيكة) سياسية ساكت، فإن محاكمة الهوية بوصفها مكون وقيمة مجتمعية تحتية فى هكذا شكل لدولة يصير هو التنطع المعرفى أو الغشامة الفكرية بعينها. إذ كيف يبحث أمر مكونات جذرية من خلال نموذج وحيد وغير صالح لتكوين مجتمع صالح؟؟؟؟؟!!!!!
أها يا ود عبدالخالق، بعد دا كلو قادر تشوف تأسيس نقدى صالح ضدكما ولا ما قادر تشوف لسا؟ والله أكان ما قادر تشوف تبقا دى براها مشكلة دايرا ليها بحث براهو.
ونواصل.
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

الاخ عمر الامين يؤسفنى ان اقول لك ان التعريفات والمفاهيم التى طرحتها ستظل كلام الطير في الباقير ما لم تنتج نقد لورقة بولا وطرحى . تراها ورقة بولا امامك وطبيعة النقد تقتضى ان تتناول الورقة على نحو محدد ومحكم وتقول بتفصيل ان بولا قال كذا وانا اختلف معه في كذا وحجتى كذا . اما ان تحشد رؤيتك للعالم بهذه الاستفاضة ، مع احترامى وتقديرى لاجتهادك ، فانه لا يجدى هنا ، فليس للمفاهيم قيمة ما لم تنهض في تطبيق عملى ضد مفاهيم اخرى في تجليها العملى هى الاخرى . بهذه الاستفاضة وعدم الاقتصاد في اللغة يا عمر ستمضى لكتابة قد تمتد لشهور تطرح فيها كل خواطرك نحو العالم دون نقد محكم وملموس يفيد الناس حول افكار بولا وعبد الله على ابراهيم وحسن موسى الذين نحمد لهم استقامة الحجة ، بيانها ، واقتصادها . ان التهويم بتعريفات معلقة في الهواء لا يليق في معالجة كتاباتهم حول سؤال الهوية تلك الكتابة التى نحت نحو الملموس والمحدد .
صورة العضو الرمزية
ÚãÑ ÇáÃãíä
مشاركات: 328
اشترك في: الاثنين أكتوبر 02, 2006 1:26 am
مكان: حالياً (مدينة ايوا) الولا يات المتحدة الامريكية
اتصال:

دا ما كان العشم

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÇáÃãíä »

يا ود عبدالخالق
يا خوى السلام عليك
يبدو انك لم تلتقط بعد وجهة ومسار مساهمتى النقدية لورقة استاذنا الدكتور عبدالله بولا. وهذه نتيجة متوقعة. فرغم أنى لم أقصر فى توضيح اركان أطروحتى بما يكفى لفهمها والتعامل معها، لكن يبدو أن الوجهة التى تطل منها أطروحتى بائنة الغرابة على مسلمات الفهم السياسى السائد، فظهر نقدى لها أشبه ما يكون بكلام الطير فى الباقير.
مثل هذا الفهم السياسى السائد لقضية الهوية السودانية كما تطرحها ورقة ( فى نقد نسب شجرة الغول ) هو الذى حمل الأستاذ محمد عبدالخالق لأن يتوصل الى استنتاج أن أطروحتى أشبه بكلام الطير فى الباقير، ذلك أنها لا تنظر للوجهة المحددة التى تطرحها الورقة لللإجابة على سوال الهوية حول السودان، أهو عربى اسلامى كما تعتبره الورقة رأى النخبة السياسة/الثقافية الشمالية فى السودان على عموم تفرعاتها؟ أم هو أفريقانى/زنجى كما هو واقع هويات أخرى مسلوب حقوق تمظهراتها، ليس بفعل (غول) ىالجبهة الإسلامية القومية المعاصر، إنما بفعل يقع تحت مسئولية النخبة الشمالية (سياسية وثقافية) التى مهد مجمل انتاجها السياسى والثقافى لسيطرة غول الجبهة فى نهاية الأمر؟
ورقة استاذنا بولا تبدو عارفة بالإجابة على موقع سؤال الأستاذ الطيب صالح : ( من أين اتى هؤلاء؟ ) من واقعة ميلاد غول الجبهة الإسلامية. لكنها تجيب عليه ضمن توضيح لمّاح وذكى، أن ناس الجبهة ديل ما هبطوا علينا من السماء، لكنهم كنتيجة مباشرة لمجمل فعل النخبة الشمالية، ذلك الذى شارك فيه من طرح السؤال نفسه، وهو فى قامة مبدع كالطيب صالح الذى قال فى إحدى مقولاته أنه يعتبر اللغة العربية أجمل لغات الأرض، مما يعتبره بولا رأياً يصب فى المجرى الذى مكن لغول الجبهة من السيطرة على مقدرات (الهوية السودانية) بسيطرتها بالطبع على الحكومة وبالتالى برامج التخطيط الثقافى السودانى المنحرف نحو (العروبية الاسلامية) !!.
ورغم أنى ربما أكون فى نظر الحداثيين السودانيين أكثر مغالاة من استاذنا الطيب صالح، كونى لا اقول فقط بكون اللغة العربية هى الأكثر جمالاً بين كافة لغات الأرض، بل أذهب أكثر من ذلك بالقول أنها الأكثر نضوجاً، وهى الوحيدة القادرةعلى حمل لواء (العلم) فى عالمنا المعاصر، فلا علم بلا لغة عربية. وأنها كلغة تعبر تعبيراً غير منقوص عن كون الثقافة العربية ـ وعلى رأسها الثقافة السودانية ـ هى الحامل لبشريات (البنى آدمية) القادمة، وذلك حين نزول (عم تتساءلون) عنه مما لا تعلمون من علم.
عموماً، فما يصح عندى أن تناول امر ورقة استاذنا بولا رغم تفصيلاتها (الواسعة غير القصيرة ) لمساهمات الأستاذ محمد أحمد محجوب، و عبدالله على ابراهيم، ومدرسة الغابة والصحراء، وإضافة الى مساهمات مبدعين آخرين كالأستاذة الطيب صالح وخليل فرح وصلاح أحمد ابراهيم، بوصف هذه المساهمات هى التى مكنت لظهور وسيادة (غول ) الجبهة الإسلامية القومية، حيث أن هذه المساهمات ظلت متجاهلة لهويات زنجية أفريقانية أخرى. فلا أرى أن مثل هذه الطرح صالحاً لمناقشة قضية (الهوية السودانية) وذلك بفعل انحراف منهجى يعترى مثل هذا التوجه النظرى،يصل عندى درجة وصفه ب(الغشامة الفكرية). ذلك أنه يناقش الهوية فى (الدولة المعاصرة) وهذا ليس بمكانها الصحيح إذا ما كنا نستند الى تحليل تفكيك علمى صحيح لمفهوم (هوية) ومفهوم (دولة). وقد ذهبت لتفكيك علاقة الهوية بالسياسة وبالتالى بالدولة كحامل للفعل السياسى المعاصر. وتابعت الأمر الى دقة تفكيكية طالت المجتمع والثقافة والهوية كعناصر تكوينية أساسية متلازمة لا يمكن تجزئتها، والدولة والسياسة كبنى فوقية متماسكة لها فعلها فى تاريخ وجغرافيا الصراع الأزلى الكوكبى بين أهل الإنتظام الحضارى وأهل الرباط الثقافى. وقصدى من كل ذلك ذلك نقد بنائية الأطروحة من أساساتها، لا التهويم ولا التطويل ولا الحديث بكلام الطير فى الباقير ولا حتى شرح العناقريب.
اها بعد دا أكان داير تفهم كلامى أفهمو وناقشنى بى فهم ، وأكان ما داير على كيفك.
والمودة حاصلة فى الحالتين.
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

الاخ والصديق عمر الود دائماً محفوظ والتقدير والاحترام . فيما يلى تعليقى على مجمل طرحك :
معروف ان في هذا العالم ما لا يحصى من الهويات ، ومن نافلة القول ان الشخص الواحد قد يحمل هويات متعددة ، مثل رجل ، امرأة ، اب ، ام ، شقيق ، صيرفى ، طبيب ، فنان او غيره . لكن عندما نتحدث عن الهوية كمشكل مجتمعى يتضمن نقداً للسياسة الثقافية ، مثلما فعل بولا ، فهنالك عناصر في تعريف الهوية لا يمكن الالتفاف حولها . قد تناول قضية الهوية عشرات الباحثين في مقالات وكتب في السياق الذى تناوله عبد الهس بولا وحسن موسى وعبد الله على ابراهيم وكان تعريفهم لها يتفق حول عناصر محددة لا يمكن القفز حولها . ذلك انها توصيف يصف به مجموعة من الناس انفسهم او يصفهم الاخرين بهذا التوصيف ويكمن اساس هذا التوصيف في العرق او الاثنية او الثقافة او اللغة او الدين ويترتب على هذا التوصيف وضع معين في النظام الاجتماعى لهذه المجموعة من الناس . فعلى سبيل المثال عندما قدم فرانسيس دينق تعريفه للهوية راعى هذه العناصر ، حيث قال " ان الهوية تعد تعبيراً عن الكيفية التى يعرف الناس بها ذواتهم او الكيفية التى يوصفون بها تأسيساً على العرق ، الاثنية ، الثقافة ، اللغة والدين ، وكيف يمكن لمثل هذا الانتماء أن يحدد ويؤثر علي مساهمتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبلادهم ." (صراع الرؤى : نزاع الهوية في السودان ، ص 22) . هذا التعريف اقتصادى في لغته وواضح وشامل ويجنبنا اعادة اختراع العجلة ، كما انه ليس من تأليف دينق فهو محل اتفاق راكز بين الاكادميين العاملين في هذا الموضوع على اختلاف حقولهم . وفي قراءتى لمساهمة بولا وعبد الله على ابراهيم وحسن موسى لم اقف على خروج عن جوهر هذا التعريف وعناصره . وعليه رغم اختلافى مع دينق في تحليله وخلاصاته ، كما اختلف معه العديد من الباحثين ، الا اننى موقن اننا نتحدث عن هذا المركب الاجتماعى نفسه المعروف بالهوية .اما تعريفك للهوية الذى يبدا بالقول بانها "قيمة ارتبطت تأريخياً بنشأة المحتمعات الانسانية . . .الخ" فعلاوة على انه فضفاض يعوزه الاقتصاد في لغة التعاريف المعهود ، فهو يتجنب مترتبات الهوية التى عبر عنها تعريف دينق اعلاه ، ذلك ان انتماء جماعة ما لهوية ما يحدد ويؤثر على مساهمتهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لبلادهم . اضف لذلك ان تعريفك يهمل فعل الناس في صياغة الهوية سواء بتعريفهم لذواتهم او وصف الاخرين لهم . في اعتقادى انه اذا تنكب باحث توليد تعريف جديد فمن الطبيعى ان يطلعنا لماذا اصبح التعريف المستقر والمفهوم من قبل كافة الباحثين في هذا الحقل عاطل عن عملية التعريف . ولا ارى في تعريفك ما يجعله متجاوزاً للتعريف اعلاه بل ناقص على نحو مخل فعندما سألتك عن موقع الثقافة والعرق والاثنية في تعريفك استعنت بالبداهة والافتراضات والشروح بينما تعريف فرانسيس دينق شافياً ويشمل على نحو محكم عناصر سؤال الهوية .
هذه اللغة الفضفاضة غير المحددة تمتد لبقية ما سقته فحتى الان لم اقف على معنى زعمك ان كتابة بولا وكتابتى تخلط بين مفهوم الهوية والفعالية السياسية . هل معنى ذلك ان الهوية كقيمة مجتمعية ، حسب وصفك ، توجد في مجال آخر معزول عن السياسة ؟ ام انك تعنى ان تدخل السياسيين في مسألة الهوية امر لا يليق؟ ومع انى اقدر حسن النوايا في الافتراض الاخير الا انه على نبله ليس ممكناً ، فقضية الهوية دائماً ترتبط بالسياسة ، بل ترتبط باقصى تعبيرات السياسة واعنى بذلك الحرب . ايضاً لم افهم قولك بان هنالك تخليط في الجفرافيا والتاريخ حيث لم تقل في شرح ذلك غير ان دولة الفونج من صنع التاريخ بينما السودان الانجليزى المصري من صنع الانجليز . الحجة ناقصه هنا بل غير مفهومة . طيب ، هل يعنى ذلك ان السودان الانجليزى المصري ليس من صنع التاريخ؟ هل يعنى ذلك اننا لم ننتبه لقطيعة ما بين الفونج والسودان الانجليزي المصري يصبح معها تناول بولا وشخصى للفونج في اطار سؤال الهوية تخليط في التاريخ او الجغرافيا؟ هذه كتابة غير واضحة ياعمر . كما اننى احسب ان قولك بان الهوية والثقافة غريبتان في حقل السياسة تعوزه الاسانيد . الهوية والثقافة قضايا سياسية من الدرجة الاولى والمخارجة من ذلك لا تتم بتعاريف تتجنب تسمية الاشياء باسماءها . فعندما يقتل السيخى المسلم او العكس ، لا يمكن انقاذ اياً منهما بالقول بان "تربيط الهوية بالسياسة ناتج عن غياب رؤية منهجية تفكيكية تحليلية صحيحة وراكزة " كما صرحت يا صديقى . وانى اعلم انك تتألم لاقتتال الشيعة والسنة في العراق ، واشاطرك الالم والحزن ، لكنها حرب وسياسة مبنية على الهوية . سببها الامريكان او تركة صدام وسياسته او غيره ، المهم انها حرب تلعب فيها الهوية دور مشهود في توزيع الموت والحياة .
وهذا يقودنى الى قولك بامكانية الفصل بين ثقافة مجتمع ما وبين الدولة بحسبان انها نظم وقوانين ومؤسسات مفروضة ، يمكن لمجتمع ما ان يرفضها ويرابط في بداوته . وقد ضربت لذلك مثلاً بمواطنى هضبة التبت الذين ، حسب ادعاءك ، يصارعون ضد الصين التى تود ان تفرض عليهم تأسيس دولة على النمط المعاصر . يا عمر من قال ان امة التبت تريد ان ترابط على بدواتها ؟ ومن قال ان لها نظرة ضد الدولة ؟ هذا جهل مطبق بالسياسة المحيطة بموضوع التبت والصين . الا تعلم ان هذا الدلاى لاما نفسه اسس بعد انتافضة 1959 الفاشلة حكومة منفى في الهند اسماها حكومة التبت في المنفى؟ الا تعلم ان هذا الدلاى لاما كتب بيده دستور سنة 1963 يقول بامكانية تغيير سلطته بتصويت ثلثى الامة؟ الاتعلم انه صرح مؤخراً بان شعبه يؤيد الاستقلال ولكنه لا يستبعد امكانية علاقة دستورية ما مع الدولة الصينية؟ ان هذا الشعب الخيالى الذى لا يريد دولة لا يوجد الا في مخيلة الاخ عمر فقط ولا يوجد له وجود خارجها . واذا كان هذا القول بغرض تبرئة الثقافة المجتمعية من شرور الصراع الهويوى فهو امر لا يستقيم لا نظرياً ولا تاريخياً . اين يقع تقرير ثقافة البيض بان "العبد عبد والمرة مرة" قبل تحرير الرقيق ونجاح حركات الحقوق المدنية والسياسية وحقوق المرأة في امريكا؟ هل هذا التقرير بالدونية ناتج عن فعالية سياسية ، على حد تعبيرك ، لا صلة لها بثقافة مجتمعية ؟ هل الدولة والساسة والسياسة جزر قائمة بذاتها بعيدة تسبح في فضاء منفصل عن المجتمع وثقافته ؟ المفارقة ان بعض الدول تعانى الان في سبيل القضاء على بقايا هذه الثقافة المجتمعية التافهة كما تفعل شرطة ومخابرات المانيا ضد جماعات النازيين الجدد والسلطات الامريكية ضد مجانيين تفوق الرجل الابيض ومليشياتهم التى انتعشت بمجرد انتخاب رئيس اسود .
اما حديثك عن رائحة عنصرية تفوح من ورقة بولا ، فهذا ما لاتدعمه شواهد . اعدت قراءة الورقة يا عمر ولم اجد نأمة تستطيع ان تدعم بها هذا الادعاء . واذا كنت تشير الى استنكار بولا لقول الطيب صالح ان اللغة العربية اجمل اللغات طراً كدليل على زعمك برائحة التعنصر ضد العرب فهذا انتزاع لعبارة بولا من سياقها حيث كان يتحدث عن فرض ثقافة قوم ما على الاخريين بدعوى تفوقها وجمالها . وهذا ينسجم تماماً مع منطق بولا حيث اورد مقروناً بذلك زعم المؤسسات ان مساهمة لغات جنوب السودان "لا يمكن ان يعلى من قدرها" مقارنة "بالعربية الغنية ذات الخلفية الثقافية العالية" (بولا 2005 ، ص10) . ولعلمك يا عمر ان العشق الذى يكنه بولا للعربية وعلى وجه الاخص عربية السودان لا يضاهيه فيه احد من مجايليه السابقين واللاحقين ، ولست انا بمقام الشاهد على ذلك ، مع انى لم ارى حافظاً لشعر البطانة يضاهى بولا في تحقيقه وحفظه . ولعلك لم تسمع بقصة المرحوم الطيب محمد الطيب صاحب صور شعبية الشهير بمقامه العالى في حفظ تراث العربية السودانية مع عبد الله بولا حين غم على الاول تحقيق بعض الابيات المغمورة للشاعرة شغبة . رابط المرحوم الطيب في دار الاساتذة جامعة الخرطوم حتى تصيد بولا ووجد ضالته عنده . وقد كان يلقبه بالشيخ . وبحق بولا شيخ في محبته للغته الاولى واكبر العارفين بجمالها ولكن هذه المحبة لا تعميه عن حقوق وجمال اللغات الاخرى ولا يتخذها حجة لقمعها . هذه القصة ولحسن الحظ شهودها احياء جميعاً من بينهم عبد الله على ابراهيم سيد الاسم .
اما قولك بان اللغة العربية اكثر لغات العالم نضجاً وانها الوحيدة القادرة على حمل لواء العالم ، فانى اتمنى صادقاً ، مع تحفظى على الوحيدة ، ان تصبح اللغة العربية كذلك حاملة للواء العلم والمعرفة ومنورة للعالم كله . فكونى عربي وكونى مسلم ، وهذا بعض من هويتى اعتز به ، اتمنى للغتى الاولى ان تكون حاملة للواء العلم في العالم ، وقد فعلت لغتى الحبيبة ذلك في يوم من الايام حيث حفظت تراث الانسانية في الفلسفة والفلك والملاحة والفيزياء والبيولوجى . . .الخ ولكن لا ادفن رأسى في الرمال واتعلق بزمان مضى وانا ارى معظم معرفة العالم تنتج بلغات اخرى . وكما قال الامام المهدى هم رجال ونحن رجال .
أضف رد جديد