سجّل لي.....!!!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »


تربصات عباد الشمس

خرجنا من سُبات المتربول، في رذاذ مطر صباحي، خفافاً.
تحتنا تبدو البنايات أدعى للشفقة من سكانها!
ثم عرجنا.
خمة النفَس تلك نفسها!
لكن كل شئ مضى سهلاً وسريعا. أمكننا الأنس بلا التفات للنيازك تمرق من حولنا.
كنا في مشوار كوني لتلك المجرة النائية التي نقلوا إليها مجمع محاكم أحوال الوجود والوجود الموازي.
نقلوه إلى أبعد من خيالنا.
سافرنا في مركب (عم بروتو) ذي البعد الواحد، هو وليس مركبه، بعد أن أفلحنا في إستخلاصه من داخل حلم.
وهي طريقة في الإحلال المادي بدون معاناة التركيز شرحها لنا طالب راسب في أحد أقسام الفيزياء.
وحتى قبل انبعاث عم بروتو من الحلم بلحظات كنا نظن أننا في انتظار حدث مرموق.
مارد متعدد الطبائع.
لكنه طلع علينا مخلوقاً ببعد واحد. كثير الشبه بشريط الكاسيت حينما تعصف به الريح خارج بيته البلاستيكي.
استنكر زوهان بؤس مخاض الحلم فسأل عم بروتو:
- ياخي معقول شغال ببعد واحد؟
قاطعه سفيان منتهراً:
- بس خلاص يعني انت بابعادك التلاتة عملت شنو
لكن عم بروتو طلع طيبًا ومرحاً وشرح لنا ملابسات تخصه ثم قال:
- ياخي الدنيا دي فيها شنو! أنا مجرد شريحة مسجل عليها كل شيئ...
ثم أضاف:
- تقريباً!
وقال إن الاشياء المسجلة عليه، رغم ضآلته هو، ربما تكون في غاية الأهمية للأحياء ثم خلص لأنه يعيش حياة عادية
مستمتعا بأسفاره وأشياء أخرى أو كما قال.
لقد كان شخصاً مسلياً بحق!
دار معه هذا الحديث قبل ان ينطلق بنا عبر ثقوب حديثة الاكتشاف مستخدماً شرط بن تاريوف الذي يختصر السنوات الضوئية
فتبدو كأنها ساعات قلائل.
وكانت جلسة القضية على وشك البدء..
ذهبنا لنعضد عقلان. هكذا نحن بعد ان عقدنا صفقتنا مع انصاف البشر الذين تغلغلوا في حياتنا.
كان عقلان قد تقدم لشراء حق وجود نبات عباد الشمس كمخلوق ولم يبق له الا اجراءات بسيطة تتعلق بصعوبات
الحيازة الكاملة للجينوم. وكانت فكرته أنه سيمكنه، كما قال هو، أن يطور هذا النبات إلى....!
صرخ زوهان حينما ناقشناه، سلفاً، في هذا الأمر:
- هذا مجرد تلفيق. لقد قال أبناء كرافيوس أنهم لو كسبوا القضية لن يفعلوا بعباد الشمس سوى أن ينتجوا
منه زيتاً يكفي لاطعام بقية سكان الأرض العالقين على حوافها بعد الطامة.
فرد عليه عقلان:
- ليس هذا ما سيفعلونه ياعزيزي.
وواصل بابتسامة ساخرة:
- هم يعرفون السر. هناك بوليمورفيزم فظيعة في عباد الشمس يمكن أستغلالها في توليد أي شئ من مراعي خصبة
إلى أكوان جديدة...
ضحك زوهان وقال:
- يعني شنو بوليمرفس....
أتقصد أنه يمكن تكرار احتكار الرأسماليين البشر؟ من الابرة وحتى قاذفة القنابل وما إلى ذلك؟
ولم ينتظر اجابة فأضاف:
- ممل!
لكنه عاد يقول لعقلان.
- كنت أظن أن الأكواد التي اكتشفتموها محكمة من غير عيوب والآن يظهر أنكم ستستثمرون في العيوب
نفسها! لا شأن لكم في معرفة اسبابها....
وهمّ عقلان أن يرد عليه ولكنه آتر الصمت ثم ما لبس ان انزوى يفكر!
لكن لم يخف علينا ما يدور في ذهنه. فلقد صرنا نعرف ما يدور في الاذهان منذ مدة لا بأس بها.
هو كان يعتقد أن صراعه لن يكون في حيازة جينوم عباد الشمس، بل في إلغاء القانون الذي يحظر الملكية
الفردية للكائنات. وكنت أقول لهم ما دام الخلق ممكناً فما معنى تقييد الملكية.
نمنا قليلاً ثم حللنا في طرف قريب من مجرة ناعسة عند بناية محكمة الموازي، كما سيختصر اسمها البشر.

داخل الجلسة التي أمها عدد كبير، وكان فيهم لدهشتي بشر أسوياء، رأينا زيوس رئيساً كالعادة. لم أكد أصدق
أن يهمل في تسريحة شعره لتلك الدرجة. وكان على يمينه أبوللو. وجلس هيرميس على يساره.
همس فلتكان:
- أبوللو مرة أخرى. أبوللو لا يختشي من فعلته تلك. لقد قذف بجبال الأولمب كلها في جوف ثقب أسود ذلك
اليوم مضطرا الالهة للبحث عن مقر جديد لها.
ثم اضاف:
- محكمة أسرية كالعادة. لقد قرأت أن زيوس أبرأ ذمته من الشمس قبل أيام!
فقالت "فردية":
- لله في خلقه شئون! لا بد أنه يرقد على رأي.
وهمس زوهان بشئ من الامتعاض:
- هو ابوللو هذا ماذا يظن نفسه؟ شاعر أم قاتل أم حاسد؟ إنه لا يصلح أن يطلق اسمه حتى على نادي اجتماعي
في الخرطوم!
قلت له:
- بالراحة ما يسمعك. تدري أنه يمكن أن يحدفك بصاعقة أو أن يرجمك بسلسلة جبال الروكي إلاً صخرتين.
تدخل ايمان: أعرفهم تماماً عيال الاولمب! لا يستخدمون من السلاح الا ما لا يخطر لك على بال.
سلاحهم دائما القاصي الاخير والحاسم كالقدر ومع ذلك يستكثرون أن يسمونه قدراً أو قضاء!
لا يتنطعون أبداً.
يا أخي باختصار القضاء ينتظر ما يفعلونه ثم ينسبه لنفسه. القضاء مشكلته ليس في كونه أمراً محسوماً سلفاً
سيحدث في قادم الايام بل في كونه أمراً قد حدث قديماً. إنه....
قاطعه فلتكان يا ايمان ياخي الناس ديل ألا نجد عندهم ذلك الجزئ .... مااسمه. هتش تو أو؟
قال ايمان مستنكراً:
- لا تتحدث هكذا عن الماء!
ضحكت "رايان" وكانت تلبس سوارها نفسه الذي هو عبارة عن مدار لنيزكين يطارد أحدهما الآخر.
وكانت في مناسبة أخرى تجاهلت سؤالي عن أيهما يطارد الآخر ولم تعلق حتى بعد أن طمأنتها أن هذه
ليست كقضية الدجاجة والبيضة أو أنني أستدرجها لموعد كوني.
ولكن فردية كانت قد قالت لي:
- أنا أعرفها جيداً. غلسة جداً. وتنكر انها تتحدث في الجنس.
والله حديثها كله في الجنس. فما شأنها بحديث عن نيزكين تلبسهما سواراً.أليس هو الآخر جنس؟
ثم أضافت فردية:
- سؤالي هو بعد ان تستعيد النيازك سيرتها الأولى ويسمح لها بان تعود أجساماً فضائية كسابق عهدها
فماذا هي فاعلة عند موت الغواية؟
أثارني كلامها لكني قلت لها متصنعاُ أني فهمت منه فهماً كثيراً:
- سيسحبونها معهما. مع النيازك. فعلوها مع تلك المرأة من المكسيك. لقد توقف الناس عن متابعة قضيتها
ولكن يقال ان سكان بعض القرى في هوندوراس يعانون في بعض الليالي من صراخها وهي مشبوحة في
مدار نيزكين.
قالت بقرف:
- يالها من طريقة بشعة في تعذيب النفس. أعجب كيف تكون المتعة في هكذا ممارسة!
والآن صار حديثنا أكثر إثارة ولكن....
خبط زيوس على المكتب أمامه:
- سكوت! أنتم في محكمة يا سادة!
وصمتنا نستمع لمرافعة وكيل أبناء كرافيوس وللأسف كان لا يكاد يبين. بل اعتمد على لغة بالاشارة غمضت علينا
مدلولاتها. ولكن بدا أن رئيس المحكمة ونائبيه كانوا يفهمونه ولم يكن يعنيهم إن كان الحضور كذلك أم لا.
ثم جلس الكائن.
كان غريب الهيئة ولا يمكن بسعة العقل البشري أو حتى المحّسن أن تفهم أبعاده. فهو ربما كان متدفقاً ولم تكن له هيئة واحدة.
ووقف بعده عقلان يرافع عن نفسه ببلاغة فائقة ومعرفة مذهلة بالقانون.
ثم ختم مذكراً المحكمة:
- لقد قمت سلفاً بشراء أشجار عباد الشمس من جميع الآفاق. وكذلك جميع بذوره على وجه الأرض وتحتها.
وماتطاير منها في السماء. واستطاع علماء استأجرتهم أن ينزعوا من عباد الشمس ما أسماه غريمي تربص الشمس.
وقالوا إنها ليست خاصية فيه. لم يعد ممكناً لأي عباد شمس أن يتلصص اشعة الشمس.
من كان يظن أنه كان يعبدها.....لم يعد يعبدها يا مولاي.
وضحك حضور القاعة إلاّ زيوس!
وأضاف عقلان:
- مولاي، لن ينمو عباد الشمس في أي مكان سوى ما تبقى صالحاً من كوكب الأرض. ولذا فالأولى بحيازته هو
من يستطيع العيش في هذا الكوكب. ليس هناك، مولاي، ما يمكن أن تطلق عليه اسم عباد الشمس خارج الحيز الذي...
قاطعه زيوس بصرامة:
- لا تقل حيازة. أراك قلت حيازة. لن يحتاز أحد شيئاً من المخلوقات.
ثم عمم كلامه للحضور:
- لا يزال عليكم أيها السادة أن تطلعونا بأي تعديلات في الخلق تقترحها عقولكم الماجنة.
كان غريم عقلان منزوياً وزاهداً عن الحديث ثم لسبب ما أشرق فينا بشراً سوياً، يعبث بشعر صدره وعلى عينيه نظارات شمسية.
وكان أبوللو منتبهاً له بشكل خاص. ذكرني هذا بكتاب "غراميات الآلهة". وكذلك تذكرت فردية التي انخرطت
تكتب للصحيفة التي التحقت بها مؤخراً فلقد قالت لي يوماً أنها سئمت من رومانسيات القادمين من الفضاء. واضافت هؤلاء
القادمون لا يعترفون باختلاف النوع. ينسون ذلك تماماً حتى اللحظات الأخيرة.
وكانت هي كاملة البشرية مثلي.
وبعد مداولات مملة، لم ندرك أكثر ما جاء فيها، رفعت الجلسة. خرجنا للترويح عن نفوسنا. ولمحت أبوللو يأخذ غريم
عقلان عبر ممر سحيق.
قلت لعقلان وأنا اتابعهما وهما يهمان بركوب نيزك قديم:
- من هو غريمك هذا؟ من أي عهد في القرى يتدفق!
أجابني ضاحكاً:
- ياخي ألا يكفيك غرابة أن دعواه قائمة على تربص عباد الشمس بالشمس! عالم تندرع في أي فرصة!
لقد احتاز هو وموكليه الشمس أصلاً ويريدون اضافة عباد الشمس. يقولون إن سره مستمد من الشمس....
....
لكنني وأنا أحرك قطعة الثلج في كوبي، بعد أن غادرني، فكرت في الفرصة التي يصارع هو نفسه من اجل نيلها.
لقد قال لي يوماً إنه سيصنع الانفجار العظيم الذي يخصه. وكنت أصلي أن لا يفعل! لقد سئمنا الانفجارات.
وقضى زيوس وأولاده أن لا قبول لحجج عقلان ولكنهم لم يفصحوا عن أيلولة عباد الشمس.
خارج الجلسة وقف أحد سكان الارض وكنا قد قطعنا صلتنا بهم بعد أن غادرناها للعيش مع نسبائنا في أنفسهم وفي الآفاق.
بدا ساكن الأرض هذا شاكياً، كعادة أهله، من طول الطريق!
قلت لفردية وأنا أشير للبشري يستجدي ركوباً:
- أرى أن الوجود المفتوح الذي نتخبط فيه هذا أجدر بالعيش من حياة أهلنا الرازحين في سفلية الأرض.
ثم همست في أذنها:
- هل فعلاً قطعت الأمل في القادمين من الفضاء؟
______________________

ذاكرة الجسد

هذه رواية مصابة في طرفيها. فهي كطائر البنجوين لا يطير ولا يمشي بخيلاء.
ومن اسطاع صبراً على بدايتها القبانية ومضى في جادة حبكتها فهو إن لم يستقل
مبكراً، سيواجه بمهددات في وجه اكمالها.
فالحبكة تقليدية وشائعة ولقد تركت احلام مستغانمي روايتها قرب طرفها الأخير
لتحلق بنا، مرة أخرى، في صياغات قبانية لا شفاء لها من حمى الاناقة اللفظية
مصحوبة بتذكر هذياني لوقائع من نضال الجزائريين. وأحلام تعشق وهم اختراع
أقوال مأثورة من بريق صياغاتها فتتحفنا بعبارات ترشحها هي للخلود مثل
"إن امراة تكتب هي امرأة فوق الشبهات"!!
وما يعكر صفو كتابها غير ذلك بعض الافصاحات العنصرية التي صدرت عنها
عفو الخاطر كتشبيهها بالاثيوبي وما إلى ذلك....
لكن المفاجأة لك هو أنني أرشحها ان لم تكن قد قرأتها بعد. فرسمها للبعد النفسي
للشخصية الرئيسية ينم عن نضج معرفي وان كان ذلك على حساب شخوصها
الأخرى التي جاءت شبحية الوقع في ذاكرة قارئها.
______________________

نكتة قد لا تعجبك

قال ليهو عايز تزعل مرتك اثناء ما انت بتمارس الحب؟
أضرب ليها تلفون!
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »


صفية اسحاق

أدهشني في هذه البنت الآتي:
* الشجاعة الأدبية
(عندها كم نوع شجاعة هذه الشامخة؟)
* البساطة والبكارة الفكرية
* وضوح الرؤية.
وعليه
هاكم شوية السنتات العندي في هذا الخصوص

يا صفية
فيك بتطلع
من عذاب نار القضية
ومن ثباتك في الأذية
حكمة خصبة وعبقرية
يا سلام...
أديني من همك شوية
أشيل معاك
السكة ما عادت عصية
ديك الشمس طالعالنا
وهج البرتكان...
أعياد خلاص...
ومكافآت
(ومضارية ليك حقك كمان)
العزة ليك
حقك مصان...
والباقي... للحاجات
ح تبقى كويسة
صبراً يا صفية..
السكة ما عادت عصية.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »


قادم قريباً...
كمين سوون!
كل شئ مثير حين يأتي ذكر المصريين!

"
كوميديا غاضبة تتصاعد للسماء!
إنها القاهرة!
حواري ما وراء السيدتين..
أسفل المقطم...
أسفل الخليفة.
قال له:
- عد بي لقصة حياة القاهرة الرأسية. ماذا تقصد برأسية؟"
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »


واقعة مؤلمة
قصة قصيرة: جيمز جويس(1)
ترجمة: مصطفى مدثر
============

اختار (جيمز دافي)، إبن مدينة دبلن، أن يقيم في ضاحية شبلزود. رأى أن نواحي دبلن الأخرى لها نفس سمات
المدينة من لؤم وحداثة وغطرسة. أشياء رغب أن يبتعد عنها ما امكنه.
أقام في منزل معتم. وكان يرى من نافذة غرفته تلك المقطرة المهجورة أو، أبعد من ذلك، النهر الضحل الذي بنيت
على ضفافه دبلن.
كانت حجرته بلا سجاد وبجدران عالية لم يعلق عليها أي تصاوير. اشترى بنفسه كل قطع الاثاث. سرير بملة
حديدية، مغسلة يدين حديدية، أربعة كراسي خيزران، مشاجب للملابس، مقطف فحم وسياج للمدفأة ومكواة
ودكة خشبية مربعة وضع عليها طاولة كتابة بها درجان وقام بتجهيز خزانة كتب في فجوة في جدار الغرفة
بأرفف من الخشب الابيض. وفرش سريره بملاءة بيضاء ووضع تحته بساطاً بلونين قرمزي وأسود. وعلق
مرآة يد صغيرة فوق المغسلة. وكان مصباح بغطاء أبيض هو الحلية الوحيدة فوق هيكل المدفأة اثناء النهار.
كانت الكتب مرصوصة في خزانتها من أسفل إلى أعلى بحسب الحجم. المجموعة الكاملة لوردسويرث في ناحية
من الرف السفلي ونسخة من كتاب التعاليم الدينية(2)، مخيّطة على الغلاف القماشي لمفكرة، في ناحية من الرف العلوي.
كانت أدوات الكتابة تقبع على الطاولة بشكل دائم وفي احد الدرجين ترقد مخطوطة لترجمة كتاب (مايكل كرامر)
للمؤلف هوبتمان وتوجيهات لتنفيذها على المسرح مكتوبة بالحبر الاحمر وكانت حزمة ورق مثبتة بمربط نحاسي
جاهزة للاستعمال.
كانت جملة تنكتب على صفحة من هذا الورق من حين لآخر. ويمكن، في لحظات سخرية، أن تجد ملصوقةً على الصفحة
الأولى قصاصة من صحيفة لإعلان عن أقراص لعسر الهضم. وبرفع غطاء الطاولة تنسرب رائحة لعطر مبهم، ربما أريج
اقلام الرصاص الجديدة أو رائحة طيبة من قنينة صمغ أو من تفاحة قديمة منسية في ركن من الدرج.
كان (دافي) يكره أي شئ يشير إلى اختلال في البدن أو العقل. ينسبون أمثاله في القرون الوسطى لكوكب زحل من فرط
سوداوية نظرتهم. وجهه، المكتوبة عليه قصة سنينه، به مسحة من سمرة شوارع دبلن. وعلى رأسه الممدود، والضخم نوعاً
ما، نما شعر أسود جاف وشوارب عجزت عن ستر فمه الدميم. وأضاف بروز عظام خديه تعبيراً خشناً لوجهه.
لكن عينيه خلتا من قسوة وهما تنظران للعالم من تحت حاجبين باهتين ما يعطي الانطباع بأنه شخص دائم التطلع لمن
يحسن إليه وعلى نحوِ تلقائي، لكنه غالباً ما يخيب ظنه.
كان يحيا مبتعداً قليلاً عن جسده، يراقب أفعاله بنظرات مرتابة من ركن عينه. وكانت له عادة متفردة وغريبة ينشئ
بمقتضاها،في عقله، من وقت لآخر جملة قصيرة في وصف نفسه يكون فاعلها ضمير الغائب وفعلها ماض. ولم يحدث أن
تصدق لشحاذ. وكان يمشي صارم الخطوات وفي يده عصاة من خشب البندق.
عمل (دافي) لسنين عديدة صرافاً في مصرف خاص بشارع باغوت. وكان يأتي لعمله كل صباح بالترام ويذهب لمطعم
(دان بيرك) لتناول وجبة الظهر "زجاجة بيرة وصينية صغيرة مكتظة ببسكوت من نبات جذر السهم" وبعد العمل وفي
الساعة الرابعة بعد الظهر يأكل غداءه في مأكلة بشارع جورج كان يحس فيها بأمان من شباب دبلن المتسكعين وأيضاً
لاعتقاده أنه كانت هناك محض نزاهة في ما يتقاضاه أصحاب المحل منه. كانت أمسياته تنقضي إما أمام بيانو صاحبة البيت
أو بالتجول في أطراف المدينة وأحياناً يقوده حبه لموزارت إلى أوبرا أو دار عرض موسيقي.
كانت تلك تبديداته للوقت.
لارفيق ولاصديق ولا كنيسة أو إنتماء لفريق. لم يشرك في حياته الروحية أحداً لكنه كان يزور أقرباءه في الكريسمس
ويمشي خلف نعوشهم إن ماتوا. يفعل ذلك من باب الكعب الاجتماعي في طرازه القديم. ولم يأبه، خلا ذلك، بأي تقاليد.
كان يعتقد أنه وفق شروط معينة يمكنه أن يسطو على مصرف. لكن ولأن تلك الظروف لم تنهض فإن حياته تتدحرج هكذا
مثل حكاية خالية من المغامرات.
وجد نفسه ذات مساء جالساً جوار سيدتين في مسرح روتانا. كان جمهور قليل العدد وصامت يتابع العرض. وكانت إحدى
السيدتين قد تطلعت حولها مرتين ثم قالت:
- يا للخسارة! من الصعب أن تغني لمقاعد خالية!
رأى في تلك الملاحظة دعوة للحديث. أدهشه أنه لم يكد يحس بخراقة في هذه الدعوة. حاول أثناء حديثه معها أن تستضيفها
ذاكرته بشكل دائم. وعندما عرف أن السيدة الأخرى إبنتها استطاع أن يرجح أنها ربما كانت تصغره بحوالي السنة.
كان وجهها، ذو التاريخ الوسيم بلا شك، باقياً على ذكائه. بيضاوياً وبتقاطيع موسومة بقوة. العينان داكنتا الزرقة، مستقرتان.
في تحديقهما إشعار بالتحدي سرعان ما يربكه غروب، كأنه متعمد، لسواد العين وراء الحدقتين وتنكشف معه، لوهلة، فطرة
مدركةٌ وعظيمة الحساسية. ثم يعيد سواد العينين توكيد نفسه سريعاً وتنزوي تلك الفطرة المواربة تحت سلطان الرزانة.
كما وأن الجاكيت، المصنوع من الفرو الفارسي، الذي ارتدته، تحذقَ مبرزاً صدراً به شئ من امتلاء ومؤكداً لإشعار التحدي
أيما تأكيد.
التقاها مرة أخرى بعد أسابيع في مسرح ايرلس فورت تيراس واغتنم لحظات انشغلت فيها ابنتها ليتقرب إليها أكثر.
لم يكن إيماؤها لزوجها مرةً أو مرتين من قبيل التحذير. كان إسمها السيدة سيمكو. انحدر زوجها من أسرة عريقة في
ليجهورن. وعمل قبطاناً يبحر بين دبلن وهولندا. ولها منه بنت واحدة.
في المرة الثالثة قابلها صدفة ووجد الشجاعة ليطلب منها موعداً.
وجاءت!
كان ذلك أول سلسلة من اللقاءات. دائماً في الأماسي، متخيرين الأحياء الأكثر هدوءاً للتجول. على أن (دافي)، لنفوره من
أساليب الخفية وإدراكه أنهما مجبران على اللقاء خلسةً، دفعها لأن تطلب منه لقاءها في منزلها. وشجعه القبطان سيمكو
على الحضور في منزلهم ظناً منه أن أحدهم بصدد طلب يد ابنته. لقد أسقط القبطان، بكل صفاء نية، زوجته من قائمة مباهجه
وذهب به صفاء النية أن يستبعد أن يهتم بها أحدٌ غيره. ووفّر غيابه وانشغال ابنته بتدريس الموسيقى فرصاً عديدة استمتع فيها
(دافي) برفقة السيدة. لم يحدث لأي منهما ان عاش مثل هذه التجربة قبلاً ولم يع أي منهما تناقضاً أو تنافر. وشيئاً فشيئا صار
يشبك افكاره بافكارها. أعارها كتباً، زوّدها بالمفاهيم وقاسمها حياته الفكرية. واستمعت هي لكل شئ.
كانت أحياناً، مقابل نظرياته، تطلعه على حقائق حياتها الخاصة. وبما هو أقرب لنصح الأم حفزته أن يطلق العنان لطبيعته.
صارت له مثل أب الاعتراف في الكنيسة. حكا لها أنه ولبعض الوقت ساعد على قيام اجتماعات الحزب الاشتراكي الايرلندي.
وكان يرى نفسه متميزاً في تلك الاجتماعات وسط مجموعة من العمال الصارمين يلتقيهم في غرفة مهملة فقيرة الاضاءة.
وأنه عندما تم تقسيم الحزب لثلاثة أقسام، بقائد لكل قسم، توقف عن حضور الاجتماعات. قال لها إن نقاشاتهم كانت جزعة
وإهتمامهم بمسألة الاجور مبالغاً فيه وأنهم كانوا واقعيين بملامح شاقة، يمقتون ضوابط إحتاج انتاجُها لتفرغ ليس متاحاً لهم.
ثم قرر لها أنه أمر بعيد الاحتمال، ولقرون، أن تتحقق ثورة إجتماعية في دبلن.
سألته لماذا لم يكتب هذه الافكار؟ سألها باستخفاف محسوب: ولماذا يكتبها؟ هل لينافس مفرخي العبارات العاجزين عن التفكير
المنطقي لستين ثانية؟ أم ليخضع نفسه لانتقادات طبقة وسطى متبلدة عهدت بأخلاقها للشرطة وبفنونها الجميلة لمتعهدي
الحفلات؟
كان لها كوخ صغير في ظاهر دبلن زارها فيه مراراً. قضيا فيه أغلب الامسيات على انفراد. ورويداً رويداً ومع تشابك
أفكارهما صارا يتحدثان في موضوعات أقل بعداً عن ذاتيهما. كانت رفقتها له كما التربة الدافئة لنبات وافد. كانت كثيراً
ما تترك الظلام يدركهما ممتنعةً عن إشعال مصباح. تلك الغرفة الكتومة المعتمة، وعزلتهما، وموسيقى ترن في أذنيه،
لا زالت، كانت عوامل توحيد لهما. توحيدٌ سما به وشذّب الاطراف الفظة من شخصيته. أشعل حياته العقلية بالعاطفة.
فضبط نفسه تصغي،مراراً، لصوته. إعتقد أنه صعد في عينيها لمقام ملائكي. ومع تزايد تعلقه بطبيعتها الجائشة صار
مسموعاً له ذلك الصوت الغريب، اللا شخصي، الذي هو صوته هو، يصر على أن لا شفاء لعزلة الروح. أن ليس بوسعنا
أن نمنح ذواتنا. أننا ملك لذواتنا. وانتهت تلك الاحاديث بينهما في ليلة بلغت بها الإثارة مبلغها فأمسكت يده وضغطت بها
على خدها.
اندهش (دافي) لهذا الفعل دهشة عظيمة. ورأى أن تفسيرها لكلامه جاء مخيباُ لأمله. أحجم عن زيارتها لإسبوع كتب لها
بعده رسالة يرجوها أن تلتقيه. ولأنه لم يشأ للقائهما الأخير أن يتكدر بتأثير من تصارحهما التعيس ذلك التقاها في دكان
حلواني صغير قرب بارك جيت. وهامَا، برغم برودة الجو الخريفي، لقرابة الثلاث ساعات في ذلك المنتزه.
اتفقا على فض علاقتهما. قال لها إن كل رباط ما هو إلاّ رباط بالأسف. وسارا في صمت خروجاً من المنتزه وصوب القطار.
لكنها أخذت ترتعش بعنف فودعها وابتعد مسرعاً حَذرَ أن يصيبها انهيار آخر.
جاءه بعد أيام طرد بريدي به كتبه واسطواناته.
ومرت اربع سنوات.
عاد (دافي) لحياته القديمة. وما فتئت غرفته تشهد على ذهنه المرتب. انضافت اسطوانات جديدة لمكتبته. وقبع في أحد الرفوف
مجلدان لنيتشه: (هكذا تكلم زرادشت) و (العلم المثلي)(3). لم يكتب كثيراً. إحدى الجمل المكتوبة بعد شهرين من لقائه بالسيدة
تقرأ:
"الحب بين رجل ورجل أمر مستحيل لأنه لا ينبغي أن تتم بينهما مواقعة جنسية والصداقة بين رجل وإمرأة أمر مستحيل
لأنه ينبغي أن تتم بينهما مواقعة جنسية."
أقلع عن ارتياد العروض الموسيقية خوفاً من أن يلتقيها. مات والده وتقاعد الشريك الاقل نصيباً في المصرف. لكنه ظل يركب
إلى المدينة صباحاُ ويعود راجلاُ في المساء بعد أن يأكل عشاءاً معتدلاُ في ذلك المطعم ويقرأ صحيفة المساء كبديل للتحلية.
في احدى الامسيات وبينما هو على وشك ان يضع لقمة في فمه توقفت يده وتسمرت عيناه عند فقرة في الصحيفة التي كان
قد أسندها على ابريق الماء أمامه. أعاد اللقمة إلى الطبق وقرأ الفقرة بانتباه. شرب كوب ماء وأزاح الطبق جانباً وجذب إليه
الصحيفة ليقرأ تلك الفقرة مراراً.
بدأ دهنٌ أبيض الترسب على الطبق. خفت إليه النادلة وسألته إن لم يعجبه الطهي فقال لها إنه جيد والتهم أكثر من لقمة
بصعوبة ثم دفع ما عليه وخرج.
مشى حثيثاً في أصيل ذلك اليوم من نوفمبر. يطرق بعصاه الارض بانتظام وقد برز من جيب معطفه طرف من صحيفة المساء.
وفي الطريق الموحش بين بارك جيت وضاحية شبلزود أبطأ خطواته وقلت حدة طرق عصاه على الأرض. تكثف زفيره في
الهواء البارد على نحو أقل اضطراباً. وفور وصوله توجه إلى غرفة نومه وقرأ ذلك التقرير تحت ضوء النافذة المتضاءل.
قرأه محركاً شفتيه دون صوت مثل راهب يصلي. كان التقرير يقرأ:
-----------------------------------------------------------
باشر نائب محقق الوفيات بمستشفى مدينة دبلن (في غياب السيد ليفريت) الكشف على جثمان السيدة إميلي سيمكو (42عاماً)
التي فاضت روحها بالأمس بمحطة سدني باريد. وتقول الشواهد أن المرحومة أرداها قطار العاشرة مساءاً البطيء القادم
من كنجستون أثناء عبورها لسكته. وقد تسبب الحادث في اصابات بالغة بالرأس والجانب مما كان سبباً للوفاة. وقد أدلى
سائق القطار جيمز لينون بأنه عمل لشركة السكة حديد لخمسة عشر سنة وأنه حرّك القطار بعد سماعه صافرة التحرك
من الحارس لكنه أوقفه بعد ثوان لسماعه صراخاً عالياً. واضاف أن القطار كان فد تحرك لتوّه.
وقال الحمّال (دورني) أنه شاهد امرأة تحاول عبور القضبان عند تحرك القطار وانه جرى نحوها وناداها لكنها تعلقت بمصد
القطار وسقطت.
سأل محلفٌ: أرأيتها تسقط؟
الشاهد: نعم!
رقيب الشرطة (كرولي) أفاد أنه عند وصوله وجد السيدة مسجاةً على الرصيف وميتة، كما بدا، له فطلب نقلها إلى حجرة
الانتظار حتى مجيء الاسعاف. وأيد كلامه شرطي آخر.
الدكتور (هابلن)، مساعد الجراح بالمستشفى، أفاد بأن المتوفية عانت من كسر في عظام أسفل القفص الصدري ورضوخ
شديدة في كتفها الأيمن بالاضافة لتأثير السقطة على الرأس. وقال إن إصاباتها غير كافية لتسبيب الموت لإنسان عادي.
وأنها ربما ماتت، في رأيه، بسبب الصدمة أو لهبوط في القلب.
السيد (بترسون هينلي) ممثلاً للسكة حديد أعرب عن عميق أسفه للحادث. لقد كانت الشركة على الدوام تحتاط
بما يمنع الناس من عبور القضبان ما عدا باستخدام الجسور. وذلك بوضع لافتات تحذيرية في كل المحطات وبعمل
بوابات تحكم في المزلقانات. وقال إن السيدة اعتادت عبور الخطوط من رصيف لآخر في أوقات متأخرة من الليل وأنه
وبالنظر لملابسات أخرى في القضية لم ير لائمة يمكن أن ينحيها على مسؤولي السكة الحديد.
القبطان سيمكو من نواحي ليوفيل في سيدني باريد، زوج المتوفية، قال في شهادته إنه لم يكن في دبلن في وقت الحادث
ووصل بعده في ذلك الصباح من روتردام وإنهما كانا في زواج سعيد لمدة اثنين وعشرين سنة وحتى قبل حوالي
السنتين حين بدأت تظهر عليها أعراض الإدمان.
الآنسة ميري سيمكو قالت إن أمها اعتادت في الآونة الأخيرة على الخروج ليلاً لشراء الكحول. وأنها كشاهدة تفيد
بأنها حاولت مراراً إثناءها عن ذلك ونصحها بالالتحاق باحدى الروابط المعنية بمثل هذه الأمور. وأنها لم تكن بالمنزل
حتى بعد ساعة من وقوع الحادث.
كان حكم المحلفين بمقتضى البينة الطبية هو تبرئة سائق القطار من كل لوم.
وقال نائب محقق الوفيات إنها واقعة شديدة الإيلام. وأبدى عظيم تعاطفه مع القبطان وابنته. ثم حث شركة السكة الحديد
على إتخاذ تدابير صارمة تمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل. ولا جناح على أحد.
-------------------------------------------------------------------------
رفع (دافي) عينيه من الصحيفة وحدق عبر النافذة في المشهد المسائي الكئيب. كان النهر هادئاً جوار المقطرة الخاوية
وفي شارع بعيد كانت مصابيح المنازل تلمع وتخبو من وقت لآخر.
يا لها من خاتمة!
ساءه مجمل السرد عن موتها. ساءه أن يفكر في كونه قد حدثها بما أكنه في نفسه. تلك التعابير الرثة، الصياغات الفارغة،
الكلمات الحذرة لمراسل صحيفة تم شراء قلمه ليخفي تفاصيل موت سوقي ومبتذل، أضرمت الغثيان في جوفه. هي لم تنتقص
من قدرها فحسب بل أهانته هو أيضاً. واستبان بؤس سبيل الرذيلة الذي سارت عليه.
أخت روحي!
تذكر اولئك الأشقياء الذين إعتاد أن يراهم يأخذون القوارير الفارغة لإعادة تعبئتها في الحانة.
يا عدالة السماء! يا لها من خاتمة!
جليٌ أنها لم تصلح للحياة لخلو نفسها من الهدف، لكونها صيداً سهلاً لسلطان العادة، أحدِ الأنقاض التي انبثقت منها الحضارة.
ولكن أن تغور إلى هذا الدرك!
هل من الممكن أن يكون قد خدع نفسه بشأنها لهذا الحد؟
تذكر جيشانها في تلك الليلة وفسره على نحو أكثر قسوة من ذي قبل. بل هو الآن لا يجد صعوبة في قبول مسلكه تجاهها.
ومع خفوت الضوء وضلال الذاكرة ظن أن يدها لمست يده. ها هي الهزة التي أورثته الغثيان تنشب أظفارها في أعصابه.
إرتدى معطفه والقبعة على عجلٍ وخرج.
استقبله الهواء البارد عند عتبة البيت وتسلق أكمام معطفه.
في الحانة عند كوبري شابلزود طلب شراباً ساخناً. تعامل معه صاحب الحانة باهتمام دون أن يكلمه. جلس على مقربة منه
خمسة أو ستة عمّال يتحدثون عن قيمة عقار مملوك لأحدهم في عزبة بناحية كلدار. كانوا يرشفون بتمهل من اقداح ضخمة
ويدخنون ويبصقون مراراً على الأرض تحتهم. وأحياناً يسحبون بنعالهم الثقيلة النشارة المفروشة ليغطوا بصاقهم.
جلس (دافي) يحدق فيهم دون أن يراهم أو يسمعهم. وبعد حين خرجوا وطلب هو كوباً آخر هوّم فوقه لوقت طويل. سكن المكانُ
وتمدد صاحب الحانة على طاولة أمامه، يقرأ صحيفة الهيرالد ويتثاءب. ومن حين لآخر هسهس قطار مبتعداً في الطريق الموحش.
جلس هناك يستعرض حياته معها. يستدعي بالتناوب الصورتين اللتين يراها خلالهما. انتبه لكونها ميتة، لكونها انقطعت عن
الوجود وصارت ذكرى. أحس بضيق. سأل نفسه إن كان هناك شيئ آخر يمكنه عمله. لم يكن بوسعه مواصلة كوميديا الخداع معها.
لم يكن ممكناً أن يعيش معها علانية. لقد فعل ما بدا أنه الأحسن. فكيف يلام؟ لقد أدرك الآن بعد ذهابها كيف أن حياتها كانت
موحشة، جالسةً ليلة وراء ليلة في تلك الغرفة. إن حياته هو الآخر موحشة إلى أن يموت هو أيضاً، يكف عن الوجود ويغدو ذكرى.
إن كان هناك من سيذكره.
خرج من الحانة بعد التاسعة في ليل بارد وكئيب. دخل المنتزه من بوابته الأولى ومشى تحت شجر هزيل. تلك الممرات الجرداء
التي سارا فيها قبل أربع سنين. بدا أنها بجانبه في الظلام بل أحس في لحظات بصوتها يمس أذنه. يدها تلامس يده.
وقف يصغي.
لماذا أمسك عنها الحياة؟ لماذا قضى عليها بالموت؟ أحس بدواخله تتشظى.
توقف عند ذروة التلة وأجرى بصره فوق النهر صوب مدينة دبلن التي توهجت أضواؤها حمرة وحفاوة. أطل على المنحدر
تحته. عند السفح وفي ظل حائط المنتزه رأى هيئات آدمية مستلقية. كانت تلك الغراميات الفاسدة والمختلسة تملأه بالقنوط.
استجوب حياة الاستقامة التي يحياها. أحس بأنه منبوذ من مأدبة الحياة. هاهو كائن بشري قد شغف به فأنكر هو عليها الحياة
والسعادة. أصدر عليها حكماً بالمهانة، بالميتة المذلة. كان يدرك أن الكائنات المضطجعة أسفل التلة ترقبه وتتمنى ذهابه.
ليس ثمة من يرغبه. منفيُ هو من ولائم الحياة.
حوّل عينيه للنهر الرمادي اللامع يتلوى صوب دبلن ومن ورائه رأى قطار بضاعة يتلوى خارجاً من المحطة مثل دودة برأس
ناري تزحف خلل الظلام بعناد ومثابرة. غاب القطار عن ناظريه بأناة وتمهل لكن دنين المحرك ظل يردد مقاطع اسمها
على مسمعيه.
قفل راجعاً وإيقاع القاطرة يقرع في أذنيه. أخذ يتشكك في حقيقة ما أخبرته ذاكرته. توقف تحت شجرة يجيز للصخب أن
يتلاشى. لم يعد يشعر بها قربه في الظلام ولا لامس صوتها أذنه. أصغى لدقائق. لم يسمع شيئاً. ليلٌ في تمام الصمت.
اصغى مرة أخرى. صمت منجز. أحس بأنه وحيد.
انتهت

-----------------------------------
(1) جيمز جويس قاص ايرلندي معروف (1882-1941) النص هو A Painful Case من مجموعة The Dubliners
(2) Maynooth Catechism
(3) The Gay Science
آخر تعديل بواسطة مصطفى مدثر في الأحد إبريل 17, 2011 12:47 am، تم التعديل مرة واحدة.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

تصويبات

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

**
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

تنويه لتصويبات وتوضيحات في نص ترجمة قصة
A Painful Case
James Jocye
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

"الحب بين رجل ورجل أمر مستحيل لأنه لا ينبغي أن تتم بينهما مواقعة جنسية والصداقة بين رجل وإمرأة أمر مستحيل
لأنه ينبغي أن تتم بينهما مواقعة جنسية."

دا نجاض قبورة يا درش
دبلنرز قمة لا يطالها إلاّ الراسخون في القصة القصيرة و الغريب في الأمر أن الطبيب المسرحي في الأساس تربع مع جويس و موبسان في تلك القمة القصية.
شكراً و والله شرفتنا زي ما كان بيقول صديقنا العتيق عبدالمجيد عباس
مأمون التلب
مشاركات: 866
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:48 pm
مكان: السودان/ الخرطوم

مشاركة بواسطة مأمون التلب »

بتبالغ يا مصطفى، ياخي نسوي ليك شنو يعني؟
متابعين البوست يا مصطفى، خالص خالص.
سلام وحبّة كاش (الحقوق لود السابل)
عندما صرخت
لم أشأ أن أزعج الموتى
ولكن السياج عليَّ ضاق
ولم أجد أحداً يسميني سياجا
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

عربي، جيمز جويس، مصطفى مدثر

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »


عربي
قصة قصيرة
جيمس جويس
ترجمة: مصطفى مدثر
----------------------------


كان شارع نورث ريتشمند هادئاً، إلاّ ساعة تطلق مدرسة كريستيان برازرس سراح تلاميذها.
على الطرف المسدود منه، في مساحة مربعة ومنفصلا عن جيرانه، قام منزل من طابقين، غير مأهول.
المنازل الأخرى، بوعي بالحيوات الكريمة التي تقطنها، تبادلت من واجهاتها السمراء نظرات التحدي
الباردة.
كان القس الذي سكن البيت قبلنا، قد مات في غرفة الاستقبال الخلفية. وفي جميع غرف المنزل
علق الهواء فاسداً عطناً من طول انحباسه وتبعثرت في غرفة القمامة أوراق قديمة تالفة كنت
قد وجدت بينها بعض كتب بأغلفة ورقية وصفحات جعدة ومبتلة. "صاحب الدير" لولتر سكوت
"الرسول الزاهد" و "مذكرات فيدوك" وهذا الأخير أعجبني أكثر لأن صفحاته كانت صفراء.
توسطت الحديقة المقفرة خلف منزلنا شجرة تفاح وبعض أجمات مبعثرات، تحت واحدة منهن، عثرت
على مضخ دراجة هوائية صدئ يخص القس الراحل. لقد كان شخصاً كثير الإحسان، وقف ماله في
وصيته، على الهيئات الخيرية وكتب أثاث بيته لأخته.
في أيام الشتاء القصيرة يحل الغسق باكراً قبل أن ننهي عشاءنا.
نخرج إلى الطريق فإذا البيوت معتمة.
السماء فوقنا بنفسج لا يفتأ يتحوّل، رفعت نحوه أعمدة الطريق قناديلها الواهنة.
كان البرد يلسعنا وكنا نلعب حتى تتوهج أجسادنا ويردد الطريق الساكن أصداء صيحاتنا. كانت لعبتنا
تقضي أن نسلك الأزقة الموحلة المظلمة خلف البيوت حيث يجري الواحد منا بين صفين من الصبية
يتقمصون دور أفراد قبيلة همجية(1) فنبدأ من الأكواخ إلى الأبواب الخلفية للحدائق المعتمة الناضحة
بالبلل، خلل الأبخرة المتصاعدة من حفر الرماد، حتى اسطبلات الحصين المنتنة الداجية حيث يمّشط
حوذي شعر حصان أو يصدر موسيقى بهزه لجاماً ذا مشابك معدنية.
عند عودتنا للطريق يكون الضوء المشع من نوافذ المطابخ قد أنار الفضاءات أمام البيوت.
كنا نختبئ في الظلال حين يلوح عمي دالفاً من ناصية الطريق ونخرج بعد أن نتأكد من دخوله البيت.
وإذ تقف أخت "مارجان" على عتبة بيتهم لتنادي أخاها، نرقبها في صمت من مكمننا وهي ترسل نظراتها
بحثاً عنه لنرى إن كانت ستبقى مكانها أم ستدخل. وإن بقيت خرجنا لها من الظل مذعنين. كانت تنتظرنا
وقد رسم هيئتها بجلاءٍ الضوء الفائض من الباب الموارب خلفها. دائماً يضايقها أخوها قبل أن يطيع وأقف
أنا قرب الدرابزين، متطلعاً إليها. فستانها يتماوج حين تتحرك وضفيرتها الناعمة الطويلة تطيح من جنب لآخر.
كنت استلقي كل صباح على أرض البهو الخارجي لبيتنا لأراقب باب منزلهم، مرخياً ستارة الباب لأسفل إلاّ
مقدار بوصة كي لا يراني أحد. كان قلبي يقفز حين تظهر على عتبة دارهم وأجري لأخطف كتبي من الصالة
وأتبعها. أمشي وراء هيئتها السمراء محتفظاً بمسافة حتى إذا ما حانت لحظة إفتراق طريقينا، اسرعتُ الخطى
لأتجاوزها.
حدث هذا صباحاً وراء آخر. لم أكلمها إلا بعض كلمات عابرات ومع ذلك كان اسمها مثل تكليف بالحضور لكل
دمي الأحمق. كان طيفها يصطحبني حتى في أكثر الأماكن عداءاً للغرام.
في أمسيات السبت حين تذهب عمتي للتسوّق كان علىّ أن أرافقها لأشيل عنها بعض حملها. ونمشي في طرقات محتدمة
يزاحمنا فيها السكارى والنساء المناديات على بيعهن وسط ملاعنات الشغيلة والنداءات الصاخبة لصبية الدكاكين المرابطين
في حراسة براميل "خدود الخنازير"(2) والاصوات الأنفية لمنشدي الشوارع وهم يغنون (تعالوا كلكم)(3)عن دونوفان
روسا (4)أو نشيداً عن جراحات الوطن. كل هذا الضجيج إلتقى عندي في حس مفرد بالحياة. تصورت أني عبرت سالماً
منتصراً خضم حشد من الأعداء(5). في لحظات، وفي صلوات وتسابيح غريبة لم أدرك معناها، تنبثق على شفتيّ حروفها.
ترقرق، في أغلب الأوقات، بالدمع عيوني (ما أعجزني شرحه) وأحياناً يريق القلبُ على الصدر فيوضَه.
قليلاً ما نظرت إلى قوادم الايام.
لم أدر هل سأكلمها يوماُ وإن فعلتُ فكيف أشرح ولهي وإضطرابي.
لكنني قيثارة وكلامها، كلُ ما منها بدر، أناملٌ تعدو فوق أسلاكي.
ذات أمسية داجية ومطيرة، دخلت الغرفة الخلفية، تلك التي مات فيها الراهب. لم تكن بالبيت نأمة ولا حس.
سمعت من خلل لوح زجاجي مهشوم صوت ارتطام المطر بصعيد الأرض.
إبرٌ رقيقةٌ تلهو في مهادٍ خضيلة. أومَض تحتي مصباحٌ بعيد أو ضياءٌ من نافذة.
ما أسعدني بقلة ما يمكن أن أراه.
بدا أن جوارحي كلها تتوق لاحتجاب. أني على وشك إنزلاق يبعدني عن حواسي.
رحت أشبك راحتيّ وأعصرهما بقوة حتى ارتعشت مغمغماً غير مرة: أيها الحب، أيها الحب!
وأخيراً حادثتني!
كلماتها الأولي أربكتني عن الرد عليها. سألتني إن كنت سأذهب لمعرض بازار (عربي).
لا أذكر أنني حرت جواباً.
قالت إنه معرض مُبهر كانت تود زيارته.
سألتها: وما يمنعك من الذهاب؟
أثناء حديثها كانت تعيد تدوير سوار في معصمها.
قالت يمنعها أنها ستدخل في اعتكاف كنسي ذلك الاسبوع.
كان اخوها وإثنان آخران يشتجرون حول قبعة بينما وقفت أنا بجانب الدرابزين بمفردي.
أمسكتْ هي أحد قضبانه ومالت برأسها نحوي.
سطع الضوء من مصباح الطريق المقابل لباب منزلنا على التفافٍ ناصعٍ لعنقها.
توهج شعرها وفاض الوميض على يدها الممسكة بالدرابزين، سال على جانبٍ من فستانها
فتبدت، بالكاد، في وقفتها المسترخية تلك، حواشي قميصها الداخلي الأبيض.
قالت:
- يا بختك إن ذهبت!
قلت لها: إن ذهبت سأحضر لك منه شيئا.
يا لها من حماقات تجل عن الحصر تلك التي بددت أفكاري في الصحو والمنام بعد تلك الأمسية!
تمنيت إنمحاق الأيام المضجرة السابقة ليوم المعرض. نفرت من فروض المدرسة. صار طيفها يحول
بيني وبين صفحة أكابد قراءتها سواء في غرفتي ليلاً، أو نهاراً في المدرسة. ثمة ما يستدعي مقاطع
كلمة (عربي) في صمتي المترف بالرؤى لتلقي عليّ ظلال سحر شرقي.
طلبت إذناً بالذهاب للمعرض مساء السبت. دهشت عمتي وتمنت أن لا يكون للأمر صلة بالماسونية.
جاوبت قليلاً من الأسئلة في الفصل. تابعت وجه المعلم في تحوّله من لطف إلى صرامة. أوجسَ أني
ركنت إلى كسل.
عجزت عن لملمة أفكاري الهائمة ولم يعد لي صبر على العمل الجاد بله، بحؤوله بين وبين مبتغاي،
بدا كأنه لعب عيال. لعب عيال ممل وكريه.
صباح السبت ذكّرت عمي بعزمي للمساء. كان محتد المزاج، يبحث في خزانة الأحذية عن فرشاة
تنظيف القبعات. أجابني بجفاف:
- نعم أيها الصبي. أعرف!
منعني وجوده بالبهو أن أذهب للتطلع من نافذته. غادرت البيت متكدراً ومشيت وئيداً صوب المدرسة.
كان الهواء بارداً رطباً بلا رحمة. وكانت الظنون قد ساورت قلبي.
لم يكن عمي قد عاد عندما رجعت البيت لتناول الغداء. كان الوقت باكراً بعد. جلست أبحلق في الساعة
لبعض الوقت وتركت الغرفة حين بدأت تكتها تضايقني. صعدت إلى الطابق العلوي حيث حررتني الغرف
العالية الباردة بفراغها وظلامها فمشيت أغني من غرفة لأخرى.
رأيت من النافذة صحابي يلعبون في الطريق. وصلني صياحهم ضعيفاً لم أقدر أن أميزه. أسلمت جبيني لزجاج
النافذة البارد وأرسلت بصري نحو منزلها المظلم.
طال مكثي لنحو ساعة لم أستبن فيها سوى هيئةً في رداء أسمر من نسج خيالي يلامسها النور، بحذر، عند
إلتفاف العنق، عند يدها على الدرابزين وعند الحواشي أسفل فستانها.
كانت تجلس إلى المدفأة عند نزولي للطابق الأرضي. السيدة ميرسر العجوز الثرثارة، أرملة السمسار التي
تجمع الطوابع البريدية القديمة لغرض من أغراض البر. وكان علىّ تحمل أقاويلها أثناء تناولنا شاي
الغداء. ولقد إمتدت جلستنا للغداء لأكثر من ساعة دون أن يحضر عمي.
هبت السيدة ميرسر واقفة وقالت إنها لا تستطيع البقاء لأوخر من ذلك لأنها لا تقوى على برد الليل.
كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة. رحت، بعد ذهابها، أذرع الغرفة جيئة وذهاباً بقبضتين مشدودتين.
قالت عمتي:
- أخشى أن عليك تأجيل ذهابك للبازار، ليلة السبت هذي.
في التاسعة سمعت جلبة مفتاح عمي في مزلاج الباب. جاءتني همهماته وصوت إرتجاج الحامل تحت
معطفه الثقيل. عرفت ما هو عليه من حال. طلبت منه بعض المال أثناء تناوله لغدائه. بدا أنه نسي الأمر.
قال لي:
- هذه ساعة الذهاب للنوم.
وجمتُ.
قالت له عمتي بجدية:
- لماذا لا تعطيه المال كي يأوي لفراشه. لقد أخرته أكثر من اللازم.
إعتذر عن نسيانه وقال إنه يؤمن بصحة القول المأثور أن العمل المتواصل بلا ترفيه يورثك التبلد.
سألني أين أود الذهاب. أخبرته للمرة الثانية فسألني إن كنت أعرف قصيدة "فراق الإعرابي لجواده"(6).
وعند مغادرتي المطبخ كان قد تهيأ ليلقي على عمتي مقاطع القصيدة الأولى.
نزولاً في شارع بكينجهام وبإتجاه المحطة، أحكمت قبضتي على قطعة النقود(7). أعادني مرأى الشوارع
المتوهجة بالغاز الطبيعي، المحتشدة بمرتاديها إلى تذكر غرضي من خروجي.
تبوأت مقعداً في عربة الدرجة الثالثة من قطار مقفر.
بعد تأخر مضنٍ تحرك القطار بطئياً ثم مضى يزحف قدماً بين بيوت متصدعة وعبر النهر المتلألئ.
عند محطة ويستلاند رو تدافعت جمهرة من الناس على أبواب القطار لكن الحراس أبعدوهم قائلين إن
القطار مخصص لزوار المعرض.
ظللت بمفردي في العربة الخالية، وبعد دقائق توقف القطار عند رصيف خشبي استُحدث للمناسبة.
كانت ساعة مضاءة تشير إلى العاشرة إلا عشر دقائق حين خطوت خارجاً من القطار.
رأيت، مواجهاً لي، ذلك الاسم السحري مكتوباً على لوحة العرض في بناية ضخمة.
لم أجد مدخلاً بفئة السيكس بيني. ولخشيتي أن يغلق المعرض أبوابه مررت مسرعاً من الباب الدوّار
بعد أن ناولت شلناً لرجل متعَب الملامح. وجدتني في صالة، شبه مظلمة، مطوقة بأكشاك للعرض
أغلبها مغلق. ذكرني صمتها أجواء الكنيسة عقب إنفضاض الصلاة.
تقدمت على استحياء إلى مركز الصالة.
كان قليل من الزوار متجمعين عند الأكشاك المفتوحة.
وخلف ستارة مكتوب أعلاها بلمبات ملوّنة "كافي شانتان"، كان رجلان يعدان النقود على طبق.
أصغيت لرنة القطع المعدنية فوق الطبق.
تذكرت بصعوبة سبب قدومي هنا ومضيت نحو كشك تفحصت فيه زهريات خزفية وأطقم شاي
مزينة بالورود.
كانت فتاة يافعة تقف على باب الكشك، تحادث شابين وتضحك. لاحظت لكنتهم الانجليزية وأصغيت
لحديثهم المبهم.
هي: لكنني لم أقل هذا!
هو: بلى قلتيه!
هي: لم أقله!
هو: ألم تقل ذلك؟
ثالثهم: نعم. سمعتها.
هي: إنها ...كذبة بيضاء!
تقدمت الفتاة نحوي عند إنتباهها لي وسألتني إن كنت أرغب في شراء شيئ.
لم يبد في نبرة صوتها ما يشجع. بدا حديثها بارداً.
نظرت بتواضع نحو جرتين شرقيتين ضخمتين على جانبيّ المدخل المظلم للكشك وهمهمت:
- لا. شكراً
عدلت الفتاة إحدى الجرار ورجعت لصاحبيها. واصلوا نفس موضوعهم. ومن طرف خفي تابعتني
الفتاة بأكثر من نظرة.
وبرغم علمي بأن لا طائل وراءه، تعمدت البقاء أمام كشكها كي يبدو لها أن إهتمامي بمعروضاتها
غير متصنَع.
ثم استدرت ببطء نحو منتصف البازار.
أذنت لقطعة النقود الصغيرة أن تسقط فوق أختها داخل جيبي.
سمعت أحدهم من أحد أطراف الصالة يعلن انقطاع الضوء. صارالجزء العلوي من الصالة في حلكة كاملة.
محدقاً إلى أعلى في الظلام، رأيتني كمخلوق يحركه الغرور الأرعن ويسخر منه.
إلتهبت عيوني حرقة وغضب.

إنتهت

-------------------------
حاشية مترجم:
(1)
اللعبة هنا هي محاكاة لطريقة تنفيذ عقوبة عسكرية بحيث يصطف الجنود صفين يمر بينهما الشخص المعاقب
فيضربونه حتى نهاية الصف بسقوطه ميتاً أو ينجو بجلده لو كان قوياً سريعاً. في القصة واضح أنهم يقذفون الطين
في الشخص المعاقب، وهناك ألعاب سودانية قريبة وفيها عنف وبهدلة ملابس مثل الرمة والحراس وشليل وغيرهما.
الاسكندنافيون (الفايكينج) هم من أدخل هذه العقوبة في الجزيرة البريطانية ومن ثم دخلت الكلمة gantlet في اللغة
الانجليزية. ولكن ما شاع هو خطأ وخلط بينها وبين كلمة gauntlet والثانية هذه تعني قفاز. ولقد استعمل جويس
الكلمة الصحيحة (الأولى) بحروفهاالصحيحة. وهذا الخطأ لم يسلم منه حتى قاموس ميريم ويبستر ووقع فيه صحافيون
محترفون وإلى الآن.
الطريف أن الكلمة الشائعة gauntlet جاءت عنواناً لفيلم سينمائي معروف لكلينت ايستوود (وبالتالي هذا الفيلم حائم
بإسم غلط) يقوم فيه بطل الفيلم (إيستوود نفسه) وصديقته بإختطاف بص لاستخدامه في الهرب ولكن شرطة المدينة تكون
لهم بالمرصاد حيث تصطف على جانبيّ الطرقات وتمطر البص بوابل من الرصاص وطبعاً البطل وصديقته ينجوان من
كل هذه الزخات بمشيئة المخرج.
على الرغبين في تتبع مصير ذلك البص (وليس مصير الكلمة التي نحن بصددها) البص الذي لم يبق فيه مكان يمكن
أن تخترقه رصاصة ولا بقيت فيه لساتك يزحف بها عليهم الذهاب هنا:
https://answers.yahoo.com/question/index ... 740AAO81f4
وهنا رابط لمشهد البص في الفيلم وتشابه مأزقه مع مأزق عقوبة الصفين gantlet لدي قبائل الفاينكينج الاسكندنافية:
https://www.youtube.com/watch?v=Kgf1Mq7C ... re=related
(2)
خدود الخنازير هي أكلة من الواضح أنها غير صحية (ومحرمة على المسلمين وعليّ أنا كذلك).
وهي (يك يك) من وجنات الخنازير (قد تقابلها عندنا الكوارع أو في نفس وجهة الفظاعة الفسيخ.)Pigs’ cheeks
(3)
"Come all you gallant Irishmen and listen to my son”
هي بادئة (رمية) تقليدية للكثير من الأناشيد والأغاني الشعبية الآيرلندية.
(4)
ثوري آيرلندي كافح ضد الحكم البريطاني لآيرلندا.
Jeremiah O'Donovan Rossa
(5)
حاشية قادمة!
(6)
An Arab's Farewell to His Horse
تذكرك بفراق الطريفي لجمله. هي قصيدة مشهورة لشاعرة إنجليزية.
(7)
العملة المعدنية يسميها هنا جويس الفلورين florin وهي تعادل شلنان (ريال بعملة السودان أيام ثورة اكتوبر.)
آخر تعديل بواسطة مصطفى مدثر في الجمعة مايو 06, 2011 4:58 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

(قاص /شاعر) لاقى (قاص/ شاعر / مترجم)
أو
حديد لاقى حديد
شكراً يا درش و وقعت ليك في كنز أدبي عظيم
كمال عمر
مشاركات: 57
اشترك في: الجمعة إبريل 27, 2007 10:11 pm
مكان: الخرطوم

مشاركة بواسطة كمال عمر »

يامصطفي انت اليومين دي متعارض لي في الدرب!
قبل كم يوم حايم عـتّرت لي "حشرات الروح".
حشرات عديل كده يامصطفي!؟
وبجاي عامل ليك خُوَّه مع جويس!!
ياخ متعتنا.
شكراً
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

تحياتي لمامون التلب في كينياه الساحرة موعوداً بمزيد
من البلل الروحي وأسبرينات صباحية!
تحياتي لك يا مصطفى آدم يا أحسن الدروش قاطبة.
وتحية وترحيب ب كمال عمر وشكراً لملاحظتك وأهو
البنسوي فيهو دا اسمو الحوامة حول الكتابة لأن التقيل....ورا!!!
عملت تعديل بالإضافة فوق حيث شارفت تشطيب حاشية المترجم.
فعاينو فوق...
بصركم لن يرتد إليكم خاسئاً ولا حسيراً بإذن المترجم الأعظم!
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

"عربي"
نفس النص!
تداخلات مفيدة هنا:
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1304800447

شكراً للتداخل.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

============

الجاسوسة الحسناء
(أو الثلاثية الغائبة)
-----------
على سَعةٍ.
مطارٌ تمايز فيه حابلهم ونابلهن قبل خروجهما (المنسقِ) في ...."بريك"!
ويلتقيان، يلتقيان، يلتقيان!
من قالَ اختلاطَهما ذبيحُ الوقتِ؟
بله مسافداتِ الريح في القممِ.
.....
...........
وفي النفسِ!
ولا يتبرزخان!
بينهما عواءُ العِرقِ مثل صهيلِ النوعِ ينبح في انزلاق الأمتعةْ.
خوارُ مكبراتِ الصوت يعلو فوق همسٍ وإجازةْ.
تلثم مجملَ أغراضهما بعيداً عن تخاريف الشفاه متاريسٌ ورهطٌ من ممرات سحيقة.

على تعدد الدروبِ إذ إندرَبتْ
هيَ!
ازاءَ دوّامة الأسيارِ ، قربَ بلادة الأبوابِ!
تجثو خلفها الشمسُ، مهاداً لأقاليمَ من الهجس المَآب.
هيَ لم تزلْ
عنقاً مشرئباً دونما سببٍ تعيه وجاهةُ الأسفارْ.
عويناتٍ لذي شغفٍ مداريٍ، دواءَ بهاظة الإبهار.
وفي أثيابها حزقٌ يفُح على مجازِ عراءْ.
وقفّازاً يلوّنه الإشفاق من وجعٍ على شبقِ .
لم تزل هي
بعدُ أغنيةً
وحسناءً على سفرٍ.
هسيساً في مهمتِه.
مسدساً محشواً بكارميلا زئير الروحْ.
لم تزل هي معبودةَ الرِباطِ،
حريرَ وجاهةِ التخبار،
شذى زهرِ الخياناتِ .
جُمّيزةً قربَ مسالك الأفعى.
وموسيقى بلا أتعابْ.
في ألقِ العبورِ
هيَ.
على تودد الوعودِ للمسافةْ،
وفوق شهيقِ الروحْ.
تعويذةٌ مهينةٌ على متن ديانةْ.
لم تغادرْ، لم تغادرْ.
على سَعة المطارِ هيَ.
تدافعنا (أنا وهي) بلا منفى.
ولم نختر خطايانا!
لمحت بريقَ خنجرها يروم تثنيات العشقِ فوق قشابة الشهوة.
ويقتلني عبيرُ السيرة الذاتيةِ القصوى.
وفي التعيينِ جاسوسةْ.
ويهجس خاطري على بوابةِ السفر المطيرِ
فأرنو للسلالم.
أتصعد أم سيدنو ساحري بالنجمِ، يلسعني قبيل تواطؤ الإرصادْ؟
أتصعد أم ستأوي في دمي جرارٌ من مدامٍ بابليةْ.
أتثوي في نعوشِ هزائمي؟
أتصعد أم يقيلكِ من مناصبك العصية جاسوسٌ بخبرات أقلَ ومستهامْ؟
يدُعُ ضفائر الموتِ بعيداً عن جبين تذكر القُبلة.
ويرمقني بخبث نوائبِ الدهرِ.
يقولُ :
أتعلكُ في حضور الصمتِ يا هذا؟ أيا كافر؟
وتشدو بالنشيد الحرِ في مرأى من العدمِ؟
ستصعد أنت أو تدنو. فلن يغني ذهولك عنك يا مُندي.
أقول وكيف هيَ؟
يقول سمِعتُكَ. مَوجداتك في هوى الركبانْ،
وفي أحضان جاسوسةْ.
وتفتح لي مضيفةُ الطيران بابَ الريحْ.
تلهو بالأماني الباسقاتْ وبالحرير الأبيضِ المشغولِ بإمرةِ العاشقْ.
تقفل باب الوازع المدفوعِ من بنكي، قبيل غروب شمسِ اليومْ.
فيا مرحَى!
على سَعةٍ
من الافراحِ تحثو جثتي
بأطنانٍ
رياحينَ الندى الريانْ.
فمن أنتِ؟

(انتهت)
-------------------------------

من أقوالهم:

" أهي دي لقيتها ياخ! والله إنتي الله بيريدِك بشكل!"
عجوز يخاطب إمرأته وكانت ضاعت منهما علبة فياجرا.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »



جيدار يلتحق ب جيتريب!

دراسة جديدة أثبتت أن النساء في الأيام من دورتهن الشهرية المسماة بايام الإباضة يستطعن التعرف على
(حقيقة) الرجل ما إذا كان مثلياً أم دغرياً! تلك الأيام التي تنشغل فيها الأنوثة بالإعداد لمهرجان الخصوبة
بدل الانشغال بمتابعة الفيس بووك تشهر فيها الأنثى خاتمها الكيميائي لتقصي به كل الذكور المثليين الذين
من الممكن أن يفسدوا عليها عوائد المهرجان. أو هكذا تمضي النظرية.
ولكن الدراسة ونتائجها ليست من أغراض هذه الكتابة.
ما لفت نظري هو أن المرأة بحسب هذه الدراسة لديها رادولط!
أو في الحقيقة ليس هناك إمرأة عندها هذا الشيئ. ببساطة هذه محاولة طارئة مني لتصور أن قوم لوط كان
لديهم رادار!
أي أن المزاوجة بين كلمتي لوط ورادار ممكنة.
حسن !
الدراسة قالت إن المرأة لديها جي دارgaydar.
لا البروفسير صاحب الدراسة ولا مقدم البرنامج الاذاعي ولا الايميلات التي وصلتهم توقفوا عند غرابة
الكلمة. ولا أنا ذاتي! كل ما أحسست به هو فكاهة خفيفة غير مصحوبة بأي زغللة في النظر.
الكلمة، في حزتها، واضحة جداً جي دار يعني رادار يكشف لك حال من هو مثلي. بيريود!
والكاتش هنا هو أنه يمكنك نحت كلمة نحتاً فورياً في الانجليزية وسيعينك المتلقي بفهم سريع لما تعني!
الفجيعة الوحيدة أن إطلاق صفة العبقرية عليك المترتبة من نحتك لكلمة جديدة أو مزاوجتك بين كلمتين
ربما لن يتم أبداً إلاً إذا توفرت ملابسات تمحك من قبيل ما يحدث في أي وسط سوداني فرحان بمغالطاته.
وفي الغالب، داخل نطاق العربية في السودان، سيقفز من ينكر عليك حق صناعة كلمة جديدة أو صناعة
توليفة حتى ولو من فاخر تبغ الكلام. ناهيك عن الاستنكار الشامل الذي سينوبك إن إقترحت معنى جديد
لكلمة قديمة. وربما يفيد أن تطلع على نقاش حول هذه الأشياء هنا:
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1304800447
في عوالم اللغة الانجليزية يمكنك نحت الكلمات والمعاني وطرحها لتصويت القراء بل وايداعها أينما شئت
من مستودعات اللغة في الجامعات أو المعاهد أو المواقع الإلكترونية مثل قاموس ميريام ويبستر webster
أو القاموس الحضري urban dictionary*.
حيث ستلعب لايك وديس لايك دوراً حاسماً في بقائها.
ولن تجد من يقول، مثل قول أحدهم لشاعر أورد كلمة المزنة في قصيدة له، بأن المزن لا يمطر أو ذلك الذي
عارضني في صيغة لي وردت فيها كلمة طيف قائلاً إن الطيف لا يأتي إلاً ليلاً ففرض حظر تجول حتى
على مفردة!
الواقع أنني ذهبت لموقع ويبستر واكتشفت أن كلمة جي دار gaydar ليست بهذه الجدة فقد أودعها أحدهم في
العام 1982 لكن الدراسة التي أُعلنت نتائجها قبل اسبوع رفعت معدل الباحثين عن معناها (أغلبهم يكون
عايز يتأكد من وجودها ككلمة) كما ستلاحظ عند إدخالها في محرك البحث في الموقع نفسه:
https://www.merriam-webster.com/dictionary/gaydar
قبل فترة، كان مصطلح ديت ريب date-rape قد استقر تماماً حتى في الاوساط الطبية مرتبطاً بحالة سلوكية
يساعد في حدوثها الأثر القوي لأقراص منوّمة عرفت باسم روهيبنول. فوضع هذه الأقراص في كأس تشرب
منه فتاة في حفل أو في موعد خاص كفيل بأن يسهل اغتصابها مع ضمان نسيانها للأمر كله، وأول شيئ ستنساه
هو أن تقاوم وستنكر وقوع الاغتصاب حتى بعد أن تفيق. وقد تم منع هذا المنوّم في أمريكا.
وفي الشهور القليلة الماضية عندما اضطرت الأحوال الأمنية سلطات المطارات لتفتيش المسافرين عند البوابة تفتيشاً
شخصياً مستفزاً لم يجد المسؤولون صعوبة في فهم ما قصده أحد المسافرين حين صاح محتجاً:
- هذا جيت ريب Gate-rape!
فالرجل إستدعى التشابه اللفظي في مصطلح ديت ريب وإستخدمه بفعالية ليصف ما رآه إغتصاباً منتجاً لفظاً جديداً تحت
سمع وبصر سلطات الجوازات وأسراها من الضحايا المنتظرين لذلك التفتيش المهين في ذلك الوقت!
وفرح المسافرون وأشياعهم وواصلوا متابعة إعتداءات رجال الجوازات في المطارات الأمريكية مشهرين في وجه
السلطات هذا الوصف البليغ لما يدور في بوابات المطارات!
ودخل تعبير جيت ريب أعتى القواميس!
هذان المثالان هما للتدليل على أن اللغة لا يغنيها حراسها بل تغنيها الفعالية وأن صناعة المفردات وتراكيبها ليست وقفاً
على أحبار اللغة ومدرسيها وانما هي وقف على الإستخدام تحت شروط حريات التعبير والديمقراطية.
---------------------------------------
* قاموس طريف جداً تقوم فيه انت بشرح معنى حسب مزاجك ولكنك تخضع للتصويت. قمت أنا والدكتورة رحاب
خليفة-سنهوري باقتباس الفكرة لنقلها لعمل قاموس سوداني جار العمل وقامت الدكتورة عملت اسمها هايفنيتيد.
آخر تعديل بواسطة مصطفى مدثر في الثلاثاء يونيو 28, 2011 2:56 pm، تم التعديل مرة واحدة.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

تكرر صدفة
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 3:17 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

يمه دايرين مريسة أبيض....
برميل كبير!


[video width=400 height=350]https://www.youtube.com/v/TzTKTblg_8U[/video]

إيمانويل!
يا حليلكم!
وقبل ما أنسى....مبروك!
كدا أضفتوا لأصولنا بُعد كان مفقود!
كدا يا دوب الخوتة بتاعت الهوية ح تبقى معزوفة خلود!
وح نقول جنوب
المرجعية جنوب
وانا مستعد لعشرة سنين أجاوب السؤال: من وين؟
- من السودان؟
- ياتو فيهم ما بقوا اتنين!
- لا لا واحد. السودان الجنوبي!
إيمانويل أخوي طبعاً سمعت كلام فظيع من عنصريين في المنابر.
ديل كلو واحد فيهم حاشين ليهو راسو ب "جينوسايد" صغير ومخدرنو بعنصرية.
والجينوسايد دا يا مان هو آب app للجنجويد!
مش تنكيس العلم دا كان يلهيهم ? يجيب راسهم شوية؟
شفت ليك زول وقف يتفرج في علمو بينكسوهو
بعد خمسين سنة من ظلمهم ليك برضو ما خلص صندوق شتائمهم!
ما فارقوكم بإحسان! ولا عارفين حقوقكم عندهم قد ايش!
يلاووا في الأعراب، انحنا عرب، والله عرب. أنحنا عرب!
وتراب أفريقيا دا الأكلوهو صغار مشى وين؟
إنتو ياخي جرَب منه بتهرب العرب.
خلاص يا ايمانويل ما عدت حيطة العروبة المايلة. بختك!
أبقى مارق!
بعد كدا العرب يجوك مستثمرين حارساهم شروطك. تحكم إنت فيهم!
واذكريني يا تريزا
أذكريني يا لوشيا!
ياحليل تلقائية الرقصة في الحوش في الغمام!
يا حليلها ملاعبة الظلال للذكرى دس دس!
ويا حليلها حِمت طبول الفرحة
وينو ترِم ترِم؟ بالفيزا، مش؟ امكن ما نلم!
(غنيتك الفوق دي سمحة شديد، على فكرة!)
ومبروك لأفريقيا
أمنا الشقيانة صابرة وسمحة!
الليلة بعض من أبرز عيالها ضاقوا العزة
فردوا أجنحة السلام
مرقوها بالبرميل كبير
مريسة أبيض
زي ضمير سودان جديد!
سودان ح تضهب من سماه صقور!
وزي ما قلت:
- تاني مافي زول بيكورك!
(يا الله! بالله أنحنا كنا كعبين معاكم قدر دا؟ ما أذكره صادقاً أنني بعد توصيل الصحن كنت أشير لذلك الإنسان القاعد تحت ضل روحو يمة مالو؟ فارى في عينيها
نظرة حنان أظنها أخطأت مرماها أو هي بديل الكلمات. أمي لم تكن كعبة معاكم ونسوان كدا في واو كانوا بيجيبو لي فرخة مطبوخة، دجاجة مكرفسة وجنبها برميل
كبير ذاتو يقول دا أشان دكتور بتاع صيدلية ولا أذكر أنني دفعت ثمناً. ولن أفتح باب الثمن لأنو من وين أجيب تمن ابتسامات زخة بين ظلال الموز ورقراق الصريف)
أفرحوا يا أصولنا النيل بيعود حتى من عمق المصب!
ونخليكم تسَلِب ريت
مصطفى مدثر
مشاركات: 935
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
مكان: هاملتون-كندا

مشاركة بواسطة مصطفى مدثر »

تكرر حذف آسف
صورة العضو الرمزية
ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ
مشاركات: 419
اشترك في: الخميس أكتوبر 04, 2007 11:54 pm

مشاركة بواسطة ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ »

يا سلام يا درش
والله غنية شدة ما سمحة.. تشيل منها معاك لي ناس البيت!
تحياتي
أضف رد جديد