التكوينات التشكيلية . . التكوينات السياسية والخطاب

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صلاح حسن عبد الله
مشاركات: 212
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 11:40 am

التكوينات التشكيلية . . التكوينات السياسية والخطاب

مشاركة بواسطة صلاح حسن عبد الله »



صلاح حسن عبد الله

أقامت جماعة القصر التشكيلية معرضاً جماعياً لأعمالها بدار حزب الأمة خلال الفترة من 21 إلى 27 أكتوبر 2005م . وقد شمل المعرض مجموعة من اعمال الرسم ، التلوين ، الخزف والنحت وشارك فيه أكثر من عشرين تشكيلىٍِ . كما صاحب المعرض مجموعة من الأنشطة فى الشعر والغناء والدراما ، إضافة إلى إقامة ندوة تحت عنوان ( المجموعات التشكيلية ، التاريخ والافاق ) . وقد كان من المفترض أن يشارك فى الندوة ممثلين لعدد من التجمعات التشكيلية العاملة على الساحة التشكيلية ( جمعية التشكيليين السودانيين ، جمعية التشكيليات السودانيات ، جمعية النحاتين ، إضافة إلى بعض الممثلين لبعض التكوينات التشكيلية الأخرى ) إلا أنَّهم لم يتمكنوا من الحضور لأسباب مختلفة بينما تحدث كاتب المقال عن موضوع الندوة ، ثمَّ قدم ممثل جماعة القصر التشكيلية مساهمته فى التعريف بالجماعة .
إنَّ إستضافة حزب الأمة لجماعة القصر التشكيلية كأول حدث من نوعه فى إستضافة أحد فصائل الحركة السياسية لأى من الكيانات التشكيلية هو حدث يستحق التوقف عنده كونه يلقى مزيداً من التبعات على مختلف أطراف الحركة التشكيلية فى سبيل تلمسها لكيفية صياغتها لخطابها تجاه مختلف أطراف الحركة السياسية وفى سبيل إحتفاظ الحركة التشكيلية لنفسها بما يمكن ان تحتكم إليه من قوانين العمل التشكيلى ومن تجارب وتاريخ الحركة التشكيلية .
كما أنَّ إسترداد حزب الأمة لداره التى إستضافت جماعة القصر التشكيلية هوخطوة واحدة على طريق طويل لإسترداد بقية الحقوق المستلبة ( الحريات العامة ، الديموقراطية ، عودة المفصولين عن العمل ، حق العمل ، وحق المنافسة فى سوق العمل وفض الإحتكار . . . إلخ . . . إلخ ) .
ولعل إنشاء ( المنبر الحر ) بدارحزب الأمة ، والذى إستضاف ندوة ( المجموعات التشكيلية ، التاريخ والافاق ) كمنبر مفتوح بلا أى قيود مسبقة يقفز بنا مباشرة إلى السؤال عن موقع بقية اطراف الحركة السياسية والإجتماعية من الحركة التشكيلية ، أو العكس . أى السؤال عن موقع الحركة التشكيلية من بقية أطراف الحركة السياسية والإجتماعية ؟
التشكيليون كانو دوماً مصنفين كمعارضة ( سياسية ) ضد النظام السائد ، الأمر الذى جر عليهم ما ليس بالقليل من المشاق والعسف والعنت . ولكن المعروف تاريخياً أنَّ التشكيليين كانوا دوماً على هامش اجندة مختلف القوى السياسية التى سادت السودان منذ مطلع إستقلاله فى 1956 م ، لا دار ، لا مراسم ، لا تفرغ ، لا متاحف ، لا صالات عرض ، وإشكالات مهنية لا يحسدهم عليها أحد ، وإنجازات كبيرة خارج السودان غير معترف بها داخلياً . إذاً فما ذا بقى للتشكيليين بعد ذلك حتى يوصفوا بكونهم ليسوا معارضة ( سياسية ) ؟
وهكذا كان التشكيليون دوماً مابين المطرقة والسندان ، فهم رغماً عن دمغهم بصبغة المعارضة ( السياسية ) للنظام السائد إلا أنَّهم كانوا مطالبين أيضاً بالإبتعاد عما يسمى بشكل التفكير ( السياسى ) . وتلك مقولة من الممكن المفاكرة حولها من وجهة نظر حسنة النوايا باعتبار ضرورة أن ينصب إهتمام التشـكيليين على ماهو تشـكيلى فى اعمالهم . إلا أنَّ حسن النية وحده لا يكفى . فلصوص العمل السياسى فى السودان قد إعتادوا على توريث الناس الزهد فى العمل السياسى وإقصائهم عنه بكل الطرق الممكنة ، المعتسف وغير المعتسف منها . كما أنَّ دعوة الناس للتخلى عن العمل السياسى هى دعوة لا تخلو من كثير من أشكال المكر وخداع الناس ، وهى لا تخرج عن كونها دعوة سياسية من الدرجة الأولى . وسواء شئنا ام أبينا ، فإنَّ البرنامج السياسي السائد هو الذى يحكم فعلنا الحياتى اليومى . والقوى السياسية لها مسئولياتها تجاه العمل التشكيلى . ولن يكون من الحصافة فى شىء إعفاء هذه القوى من هذه المسئوليات ، ولا بديل لها من أن تتحمل مسئولياتها كاملة تجاه العمل التشكيلى ضمن مسئولياتها الأخرى التى تنتظرها .
وفى هذا السياق فنحمد لحزب الأمة إصداره لورقة ( نحو مشروع قومى للتشكيل ) التى قدمت على لسان السيد الإمام الصادق المهدى بدار الهيئة القومية للثقافة والفنون بتاريخ 5 مارس 2004 م . ولما كان عنوان الورقة قد تصدرته كلمة ( نحو . . . ) فإنَّ ذلك يعنى أنَّ الورقة التى قدمت لا تمثل المشروع القومى للتشكيل ، وإنَّما هى ورقة نحو المشروع القومى . . . إلخ . . . إلخ . وذلك يعنى أنَّ المشروع القومى للتشكيل لا زال قيد النظر . وبهذه الكيفية يظل المشروع القومى للتشكيل هو مشروع قابل للأخذ والرد حوله داخل برنامج حزب الأمة . وإلى حين الفراغ من صياغة هذا المشروع ، فيا ترى ما الذى أعده حزب الأمة فى برنامجه السياسى (الحزبى وليس القومى ) للتشكيل وللتشكيليين ؟
حزب الأمة ليس وحده الجهة المعنية بالسؤال . وهو سؤال لا محالة سيطرح ، وبشكل موسع امام كافة فصائل واطراف الحركة السياسية فى السودان . فما ذا اعدت القوى السياسية المختلفة فى السودان ضمن برامجها للتشكيل وللتشكيليين ؟
إلا أنَّ التوقف بالسؤال عند هذه الصيغة لن يجر على التشكيليين إلا حالة من اللهث خلف أطروحات القوى السياسية ، أو البقاء فى موقع التلقى والإنتظار لما يمكن أن تجود به عليهم الكيانات السياسية بكل سابق إخفاقاتها وتشظيها ومتاهاتها . وهى كيانات لها من البرامج ما قد يتراجع أمامه برنامج العمل التشكيلى بشكل مخل وضار بالحركة السياسية نفسها وبالحركة التشكيلية والحركة الإجتماعية على حد سواء . وعليه تكون الصياغة الأكثر سلامة هى : ماذا يريد التشكيليون من مختلف أطراف الحركة السياسية ؟ . . ذلك هو السؤال الصعب . وهو سؤال لا بد له أن يطرح أمام كافة أطراف الحركة التشكيلية قبل غيرهم من الناس . بمعنى أنَّ المسئولية ، وقبل الآخرين ، هى مسئولية التشكيليين فى سبيل صياغة برنامج العمل التشكيلى ثمَّ طرحه على مختلف أطراف الحركة السياسية ، لا بالدونية بل ، بالندية الكاملة والإحترام المتبادل لوجهات النظر .
إنَّ محاولة الإجابة على السؤال بصيغته هذه تقتضى بالضرورة شكل موسع من أشكال المفاكرة والمحاورة وسط التشكيليين انفسهم فى سبيل الوصول إلى صياغة برنامج عمل تشكيلى يلبى طموحات الحركة التشكيلية والتشكيليين . وهو برنامج لا يمكن النظر فيه بدون النظر فى واقع الحركة التشكيلية بتعدد تياراتها الفكرية وتباين رؤاها . ولا مخرج فى ذلك سوى الإعتراف بهذا التباين والتعدد ، ثمَّ الإعتراف التالى بمدى المشقة فى سبيل صياغة مثل هذا البرنامج وسط عالم يحمل فى ثناياه من التعقيدات ما لن تكون معالجته على أى قدر من السهولة . وعليه فإنَّ إختيار موضوع الجمعيات أو التجمعات داخل الحركة التشكيلية كموضوع للمناقشة كان إختياراً موفقاً . فالكل مدعو اليوم ، ومن موقعه المستقل وبلا وصاية من احد، مدعو لتقديم مساهمته لبلورة مختلف الرؤى ووجهات النظر بلا أى خوف أو وجل من النتائج التى قد تتمخض عن أى إختلاف فى وجهات النظر . وهو إختلاف ضرورى وحيوى للمناقشة نفسها.
المناهج المختلة والمخادعة والإنتهازية وحدها تعجز عن إستيعاب ضرورات الإختلاف فى وجهات النظر . ولكن فبدون طرح وجهات النظر المختلفة كاملة فلا يمكن الوصول إلى أى شكل من أشكال الإتفاق . وفى النهاية فلن يصح إلا الصحيح ، ولن يمكث فى الأرض إلا ما ينفع الناس .
يأتى فى مقدمة هذه التجمعات ، المعنية بصياغة ما يهم الحركة التشكيلية ، الإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين والذى يتعايش جنباً إلى جنب مع عدد آخر من المجموعات التشكيلية . وبالطبع فإنَّ ذلك أمر لا يمكن النظر إليه على هذا النحو من البساطة كنوع من أنواع المعايشة الوادعة والآمنة بين مختلف الأطراف . ولعل الإشكالية فى ذلك يمكن تجسيدها فى ثلاث مناحى .
أول هذه المناحى هو أنَّ التجمعات التشكيلية ، وفى ظل التقلبات السياسية المختلفة ، ثمَّ شح الإمكانات المادية ، لم تتح لها فرصة طرح رؤاها كاملة ، الأمر الذى كثيراً ما غيب الجذر الذى تنطلق منه المجموعة المعينة .
ثانياً هنالك إشكال قانونى يتعلق بتسجيل الجمعيات . لأن الكل ( الأتحاد العام والجمعيات ) يتم تسجيله لدى مسجل الجمعيات الثقافية تحت نفس القانون طالما بلغ النصاب القانونى للتسجيل ( ثلاثون عضواً كحد أدنى ) ، وبالتالى يصبح الكل متساوياً أمام القانون بصرف النظر عن طبيعة التكوينة المتقدمة للتسجيل . الأمر الذى نملك اكثر من شاهد واحد على محاولة النظام السياسى السائد لإستغلاله فى محاولة بناء اجسام تنظيمية على الساحة التشكيلية لخلق بعض الموازنات السياسية لصالحه .
ثالثاً فهنالك إشكالية مختلفة نوعياً . تتعلق بقانون تسجيل الجمعيات . فهو قانون يمنح السيد وزير الثقافة الحق فى حل الجمعية المسجلة وفقاً للقانون السارى ويمنحه حق مصادرة ممتلكاتها وما شابه . صحيح أنَّ القانون بشكله الحالى لم يتعرض لأى إختبارات حقيقية ولكنه يظل يشكل بؤرة قابلة للإنفجار فى اى لحظة من اللحظات . ومن الممكن جداً أن يطيح بالجميع من جمعيات وإتحاد أو خلافه . وتلك مسالة جديرة بالنظر فيها للبحث عن حلول لها .
ترى هل سيظل الإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين ابداً بنفس صيغته التى ارادها له الحاكم البريطانى العام فى 1953 يوم ان صادق على قيامه كجمعية ثقافية ؟ إنَّ واقع الحال يفيد بالنفى . وهنالك كثير من الشواهد تفيد أنَّ هنالك كثير جداً من المهام التى تنتظر الإتحاد العام للنظر فيها بدءاً بالإشكال المهنى الماثل أمامنا والذى تتعاظم فداحته كل يوم . وهو إشكال يخرج على سقف العمل الثقافى فى شكله المتعارف علية كنشاط طوعى معنى بأوقات الفراغ . ويخرج بالتالى بالإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين من آفاق ومهام التكوين الثقافى إلى آفاق ومهام التكوين المهنى .
تجمعات التشكيليين ظلت وفى جزء كبير من تاريخها ينظر إليها كأداة قابلة للطعن بها فى قدرة التشكيليين على الإنتظام داخل جسم موحد . وقد شهدنا بعض المحاولات الجهيرة فى هذا الإتجاه ، كجمعية محبى الفنون التى سبق ان أنشئت ، فى النصف الثانى من سبعينات القرن الماضى على سبيل المثال ، كجسم موازى للإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين بغرض إقامة إتحادين ، أحدهما موال للسلطة والآخر معارض لها حتى يسهل ضربه واقتلاع جذوره . ولكن تمَّ إحتواء الجمعية بمجرد ان فتح باب عضويتها لكل التشكيليين فكان ان إنضم أغلب التشكيليين لعضويتها ثمَّ اعلنوها كجمعية تابعة للإتحاد وليست إتحاداً موازياً كما أراد لها منشؤوها. ولم تظهر على سطح الحياة التشكيلية بعد ذلك أى مجموعة تحاول منازعة الإتحاد فى تمثيل التشكيليين. وبقيت فقط المجموعات أو الجمعيات ذات العضوية المحدودة وبالتالى ذات الأهداف المحدودة على نحو ما شهدنا فى جماعة واوات ، جماعة أمدرمان ، جماعة المرسـم ، او فى ما نشهده حالياً فى المجموعات المتواجدة اليوم على الساحة التشـكيلية ( جمعية التشكيليين السودانيين وعضويتها المنتقاة ، مهما حاولت أن تمدد من جسمها أو تظهر حجمها بما هو أكبر من واقعها ، جمعية التشكيليات السودانيات ، والتى يتضح من أسمها أنَّه لن يكون فى وسع كل التشكيليين الإنضمام إليها باعتبار مشكلة الجندر ، جمعية النحاتين والتى يفترض فيها ان تضم النحاتين - النحاتين فقط وليس أى تشكيليين غيرهم - . . . . إلخ . . . إلخ ) .
فى مقابل هذه الجمعيات أو المجموعات التشكيلية كان الإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين دائماً على وعى بموقعه من الجمعيات وترحيبه بها . نلمس ذلك فى ترحيبه بقيام جمعية التشكيليين السودانيين . كما نلمس ذلك كلمة اللجنة التنفيذية فى سمنار النشر والتوثيق التشكيلى ( . . لا نملك إلا ندعم جهود الأفراد والمجموعات فى تنشأة ما يرونه مناسباً لهم من جماعات أو جمعيات تشكيلية تحت أي مسمى يختارونه ، فذلك لن يزيد الفنون الا تنوعاً ولن يزيد الحركة التشكيلية إلا غنىً على غناها ) كما نلمسه أيضاً فى أيضاً مشروع مجلة تشكيل ( . . وأمانة الشئون النظرية بالإتحاد العام للفنانين التشكيليين إذ تنظر لكل هذا الإرث بعين الإعزاز ، لا يسعها إلا أن تتوجه بالمخاطبة لكافة التشكيليين وتدعوهم لتوحيد صفوفهم ولم الشمل وابتداع منابرهم المختلفة والمتنوعة بما يسع كآفة مساجلاتهم ومناظراتهم ) ،.
فالإتحاد العام للفنانين التشكيليين كان ولم يزل هو الوعاء الأشمل والأقدر على إستيعاب كل تطلعات وطموحات وآمال التشكيليين بينما تبقى الجمعيات كتكوينات محدودة العضوية ، محدودة الأهداف ولا تملك ، تلقائياً ، القدرة على التعبير عن الحركة التشكيلية فى كلياتها ولا عن كل التشكيليين باعتبار عدم نيلهم لعضويتها . وبالتالى تنتفى ، وبشكل موضوعى جداً ، فرص التكافؤ فى الفعل بين الإتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين وبين بقية التكوينات الأخرى على الساحة التشكيلية . ولكن تبقى الجمعيات كتكوينات قاعدية كضرورة للقيام بانجاز الأهداف التى تعلنها وفقاً لدساتيرها وأسس تكوينها . وجماعة القصر كانت نموذجاً لجمعية حددت اهدافها واستصحبت فى عضويتها تشكيليين متباينين من اعضاء مجلس الإتحاد ومن خريجى كلية الفنون ومن خريجي ودارسى قصر الشباب والأطفال . وظلت متماسكة فى ادائها منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم . ولم تجد حرجاً فى ملء المساحة التى إختارتها لنفسها داخل جسم الحركة التشكيلية الواسع والمنفتح على الآخرين بلا عسف وبلا تغول من أى طرف على طرف آخر.

أضف رد جديد