في الديمقراطية والثقافة ومناهج النقد: موضوعات متنوعة للنقاش

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
خالد الطيب
مشاركات: 300
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:33 pm
مكان: أديس أبابا

مشاركة بواسطة خالد الطيب »

الأعزاء جميعا

تهاني بالعام الجديد وذكري إستقلال السودان ..

أرحب بإنضمام الأساتذة مصطفي أدم وعبدالله الشقليني وصدقي كبلو ..

لي سؤال أود أن أوجهه لبولا وهو : لاحظت إستخدامك المتكرر لمفردة " عقيدة" كما في الامثلة التالية :

وفي المقابل فإن اليسار، القومي والديمقراطي والشيوعي، لم يكن لزمنٍ طويل على عقيدةٍ " واحدةٍ تقوم بينيةٍ مفهوميةٍ استراتيجيةٍ منسجمةٍ ومتماسكة إزاء الديمقراطية التعددية، التي شاع بين غالبيته الساحقة تسميتها ب"الديمقراطية الليبرالية


فما مصدر زعزعة عقيدة اليسار الشيوعي والديمقراطي في الديمقراطية التعددية المؤسسية واتسام موقفه منها "باللجاج والمباصرة لأمدٍ طويل"


[/quote]لقد كان اليسار الماركسي اللينيني الشيوعي، و"الماركسي اللينيني الديمقراطي" (المتحالف مع الحزب)، يضمر، بل ويصرح على رؤوس الأشهاد، ولا تثريب، بعقيدةٍ أخرى في الديمقراطية، هي في اعتقاده الديمقراطية المثلى التي اصطلح على تسميتها ب "الديمقراطية الجديدة"
[/quote]

فالكلمة غير مألوفة في أوساط اليسار واليساريين للتعبير عن توجه فكري ما .. فعل عنالك دلالات أخري لإستخدام هذه المفردة . إذ برأيي , ربما توحي كلمة " عقيدة" بالايمانية المطلقة أو " الصمدية" كما تعبر ..

هذه ملاحظة إسترعت إنتباهي وأنا في خضم مرحلة " القراءة الثانية" لهذا البوست و أطلب اليك إذا , سمح الوقت , أن تعلق علي ذلك ..

مع مودتي و تقديري ..

خالد
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

العزيزات والأعزاء، المشاركون والمشاركات
أحر تحياتي ومحبتي،
وأتمنى لكن ولكم، (ولكافة شعوب القرية الظالم "سدنتها") سنةً جديدة سعيدة تتسع فيها رقعة بريق الأمل في عالمٍ أفضل.

هذه المداخلة بمناسبة التعديل الذي أجريتُه في عنوان البوست من "مرحباً وشكراً ومعذرة، وموضوعات متنوعة للنقاش"، إلى "في الدلمقراطية والثقافة ومناهج النقد، وموضوعات متنوعة للنقاش".

فقد كان عنوان البوست في الأصل: "مرحباً وشكراً ومعذرة". وكان الغرض منه الاعتذار عن غيابي الطويل خلال الشهر الأول ونيفٍ من إقامة الموقع والمنبر. وقد كان مدخلي إلى كلمة البوست الافتتاحية هو التالي:

العزيزات والأعزاء، المشاركون والمشاركات
أحر تحياتي ومحبتي،
لا مفر لي من الاعتراف بأنني اتلومت في كل الأحوال. على الرغم من أنه لومٌ لا يد لي فيه بصورةٍ مؤكدة. وأشير بذلك إلى "احتجابي" الذي لا علاقة له بالرغبة ولا بالقصد.

ثم مضيتُ في شرح الأسباب التي أدت إلى غيابي واعتذرتُ عنها. وكان هذا كل غرض البوست. إلا أنني "فوجئتُ" بسلسلةٍ من مداخلات الترحيب سرعان ماحولت موضوع الاعتذار المحدد إلى موضوعات متعددة للنقاش. والحق أنني أتحمل المسئولية الأساسية عن عدم استعدال مسار البوست ومجاراة المتداخلين والمتداخلات في تفرعه غير المرتب إلى "موضوعات متنوعة للنقاش" بالفعل. وقد ظلت فكرة تعديل العنوان تراودني بصورةٍ دائمةٍ ولا أجد وقتاً لا ستكمالها. واكتفيتُ منها بتعديلٍ جزئي هو إضافة "موضوعات متنوعة للنقاش إلى العنوان "الأصلي" للبوست ("مرحباً وشكراً ومعذرة"). وهأنذا أعدله الآن بعد وصول شكاوى من بعض الأصدقاء والصديقات من أن العنوان لا يرشد بصورةٍ واضحةٍ إلى محتوى البوست. ولستُ على يقينٍ من أن العنوان الحالي يفي بغرض الوضوح. فما أزال مستوحشاً منه. وأرجو المعذرة.

مع عظيم مودتي وتقديري.

بـــولا

عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي خالد،
أعظم التحية والمودة،
وكل سنة والبنية والوليدات وأمها وأمهم بخير وعافية، وسعادة (وإن كان "السعادة" ما في درباً قريب ليها في عالمنا الشايفينوا دا، إن كان لها من دربٍ أصلاً.
كنتُ أتمنى لو أنك طرحتَ عليَّ سؤالك "الصعب" عن استخدامي لعبارة "عقيدة" التي وردت في سياق حديثي عن اليسار والديمقراطية. وهو سؤال صعبٌ في معنى أنه يتطلب إجابةً طويلةً ومعقدة، في لحظةٍ غير هذه أعاني فيها من شح الوقت، وتراكم الواجبات الإسفيرية، والهاتفية (الردود على ماسنجرات وإيميلات بلغت أكثر من أربعين. وتلفونات متلاحقة). ولكن بما أن السؤال قد طُرح، فسأحاول أن أجيبك إلى مطلبك بقدر ما يسمح لي الوقت اللعين.

أولاً يا سِيِْدي قبل ما أسعى في الإجابة على سؤالك عن ما أعنيه بمفردة "عقيدة" في مداخلاتي المتكررة إياها، والتي أوردتَ أنت في مداخلتك شواهد موفقة جداً منها، أود أن "أقرر" مبدئياً أنني لا أستبعد أن يكون استخدامي لهذه المفردة غير موفق. وبصفةٍ أعم، فإذا تسببت أي عبارةٍ أو صياغةٍ لغوية في كتاباتي في التباسٍ، أو إحساسٍ بالغموض أو العجز عن الإبانة، لدى القارئات والقراء، فإنني أسعى إلى ترويض نفسي على القبول بأن أكون المسئول الأول عن الالتباس والإحساس بالغموض. لاسيما حين يستعصي أمرها ويلتبس على قارئٍ وكاتبٍ منتبهٍ مثلك.
بعد دا أقولك ما مذهبي في استخدام المفردة المحددة في حيز الوقت الضيق المتاح لي الآن على أن أعود في وقتٍ لاحقٍ للمزيد من التمحيص والتفصيل.

استخدمتُ مفردة "عقيدة" في السياق السابق وسياقات مقاربة أخرى، وقد استخدمها في المستقبل، في معني نزعة الإيمان، "الصمدة" بالفعل، بما يعتبر مبادئ مؤسِّسة، سواءً تعلق الأمر باليسار أو بغيره من التنظيمات والمؤسسات السياسية، والاجتماعية والثقافية والعلمية إلخ. وقد كانت لدى اليسار الماركسي ـ الينيني، المنظم في الحزب الشيوعي، والموجود خارجه، قبل "انهيار" المعسكر "الاشتراكي"، في تقديري، "مثل" غيره من التنظيمات والمؤسسات، في بلادنا وفي كافة بلدان العالم، نزعةٌ إيمانيةٌ صمدة بأن الوصول إلى الاشتراكية والشيوعية لا يتم بصورته الجذرية والتامة (حتى لا أقول المثالية خشية التباس المعنى)، إلا عبر الثورة الشاملة وانتزاع الحكم من الرأسمالية بالقوة. وهذه أطروحةٌ "ماركسية" و"لينينية" مكينة. ومن ثم فقد اتسم نظر اليسار "الماركسي ـ الينيني"، إلى الديمقراطية التعددية لزمنٍ طويلٍ، بسيماء هذا المنظور "الماركسي"، وفي صيغته التي طورها لينين بالذات تطويراً محكماً ومنسجماً تماماً مع رؤاه المبدئية المؤسِّسة. فلينين لم يكن يرى في الديمقراطية التعددية، التي يسميها "الديمقراطية البرجوازية"، سوى أداةٍ مرحلية، للوصول إلى ديمقراطيةٍ أوسع نطاقاً وأفقاً وأكثر انسجاماً مع مفهوم الديمقراطية "الأصل": حكم الشعب لنفسه بنفسه وبواسطة مؤسساتٍ يقيمها الشعب بنفسه أي: "ديمقراطية البروليتاريا" (أو "دكتاتوريتها" بعبارة أدق، باعتبار أن "الديمقراطية البرجوازية عنده هي ديكتاتورية البرجوازية وأداتها للاستحواذ على الحكم وقهر الطبقات الأخرى وهي ليست قرينةً للحرية. وهي فكرةٌ لا تخلو من صوابٍ كثير في سياقها التاريخي "المحدد"). و"ديمقراطية البروليتاريا، أو "دكتاتوريتها"، هي بدورها عند لينين، أداةٌ مرحلية تستخدمها البروليتاريا، لتصفية الرأسمالية عبر مؤسسة الدولة وأجهزتها القمعية. ولم يتردد لينين في الإفصاح عن فكرة ومشروع تدمير الرأسمالية وتصفيتها بوسائل العنف والقوة. وأصول هذه الفكرة موجودة عند ماركس بالطبع. و"من الطبيعي" أن يكون اليسار الماركسي ـ اللينيني، على مثل هذه العقيدة على المستويين النظري والعملي، وعلى وجه الخصوص في الفترة التي شهدت ازدهار وانتصار المعسكر "الاشتراكي"، الذي كان نموذجه الإرشادي هو نموذج "اشتراكية" الحزب الواحد والغياب الكلي، أو شبه الكلي، للديمقراطية التعددية.
ولتسمح لي أن أكتفي بهذه المقدمة، على أن أعود غداً، لمتابعة علاقة المفردة موضوع سؤالك بسياق تطور مفهوم الديمقراطية التعددية عند اليسار السوداني والعالمي. فالساعة الآن حوالي الثالثة صباحاً، وهذه ثالثة الليالي البيضاء المتصلة التي قضيتها أمام الكمبيوتر في هذا الويك اند. فالكمبيوتر واحد يا خالد ومستخدماته، ومستخدمه، خمسة. وكان مسكته نوار أو نجاة، قُبالك صباحك اصبح. وهذا ما حصل.

مع عامر مودتي
بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الثلاثاء يناير 10, 2006 1:47 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
خالد الطيب
مشاركات: 300
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:33 pm
مكان: أديس أبابا

مشاركة بواسطة خالد الطيب »

عزيزي بولا
أولا أهنئك بحلول العام الجديد وأتمني لك ولأسرتك عاما سعيدا حافلا . ثانيا : أود شكرك علي إهتمامك بالرد علي تعليقي حول مفردة " عقيدة" وإن كان لدي تعليق فسوف أؤجله لحين إستكمالك للتوضيح وبالله عليك لاترهق نفسك بالردود وكمايقال Take your time فأنا غير مستعجل فالبطء في الرد ينسجم مع إيقاع خطوتي البطئ في التعامل مع مواضيع مناقشات الإنترنت ويتناسب أيضا مع برنامجي الذي إعتمدته مؤخرا في شأن مسألة إدارة الوقت Time management بحيث يكون لكل نشاط وقته المحدد و المبرمج ..
تعديل أو " إستعدال" العنوان موفق تماما ولحد كبير يعبر عن الموضوعات مثار الحوار والأخذ والرد وأراك قد أضفت موضوع الثقافة , الظاهر عليك عايز تجيب لينا ناس " غرامشي" فمرحبا بكل مايثري ويضيف الي هذا الحوار الحيوي , وفعلا حيوي لأن موضوعاته من صميم إهتمامات الأجيال المتعاقبة ,
وسوف أحاول هنا وأرجو أن أوفق في ذلك أن نلخص الأفكار الرئيسة في موضوع " الديمقراطية " التي وردت في هذا البوست بحيث يتوسع المتداخلون المحتملون في هذا الموضوع وبهذا إعلان من جانبي أنني قد هجرت فكرة فتح بوست منفصل لمناقشة موضوع الديمقراطية وتطور المفهوم علي المستوي النظري والعملي لدي اليسار الشيوعي .. وكفانا الله شر مسك " العصاية" من نصفها .. ولنبدأ إذن بتحديد مصادر لتكون مراجع للباحثين في هذا الأمر , و قد إقترحت أنت المرجعين التاليين : الثقافة والديمقراطية في السودان , عبدالله علي إبراهيم ,....... الشيوعيون السودانيون والديمقراطية : للشراكة أم لزود الطير عن مر الثمر , كمال الجزولي ومن جانبي أقترح إضافة المراجع التالية : : مبادئ وموجهات لتجديد البرنامج لمحمد إبراهيم نقد .. قضايا الديمقراطية في السودان : المتغيرات والتحديات " حوارات مجلة النهج مع محمد إبراهيم نقد ,.... حول البرنامج : عبدالخالق محجوب ...... نظرية الثورة السودانية , صدقي كبلو .. وبالطبع إن كان ميسورا يمكن الرجوع الي الماركسية وقضايا الثورة السودانية وبيان الحزب الشيوعي " الديمقراطية مفتاح الحل : جبهة عريضة للديمقراطية وإنقاذ الوطن " أغسطس 1977.
وكما أضفت أنت في عنوان البوست : " مناهج النقد" فلزاما علينا أن أن نشير الي نوعية المنهج النقدي الجديد الذي يتبناه الآن اليسار الشيوعي في بلادنا وللتوثيق فأستميحك , والقراء الكرام , عذرا في أن أورد هذه الفقرة المطولة مأخوذة من كتاب " مبادئ وموجهات لتجديد البرنامج لمحمد إبراهيم نقد " والغرض من الإتيان بهذه الفقرة المطولة التأكيد علي ان تطورا قد طرأ علي " مناهج النقد " لدي اليسار الشيوعي , علي الأقل , وكما تقول أنت , علي مستوي الخطاب الموثق :
" المنهج الموجه لتجديد البرنامج , هو التقويم الناقد لتطور مسار المبادئ والمفاهيم والمقولات والمصطلحات السياسية النظرية الأساسية في برنامج الحزب منذ نشأته , كمدخل علمي موضوعي , لإستيعاب ماتقادم وإجتازه التأريخ , وإستكمال وتطوير مايعبر عن الوجهة العامة للتطور الوطني الديمقراطي و والأفاق العامة للإشتراكية , وإستيعاب التحولات الباطنية الإجتماعية الإقتصادية والثقافية في المجتمع السوداني , وماطرحته متغيرات العصر وآثارها علي حاضر ومستقبل السودان .
جدوي وفعالية هذا المنهج تتجلي في :
1. الصراع للإنعتاق من إسار الجمود مع إكتساب المناعة ضد الإنتقائية والتوليف والتلفيق وتغبيش الرؤي وعمي الألوان.
2. المصداقية والإتساق في تطوير وتجاوز ماأفرزته قدراتنا وإجتهاداتنا السياسية النظرية , سواء تبلورت في فكرة مكتملة أو لمحة ذكية عابرة , بحيث يعبر تجديد البرنامج عن مجمل مسارنا بسلبياته وإيجابياته , يفصح عن الروح الثورية والطابع النضالي للحزب برغم زمن الإنحسار والأنكسار وشرخ الذات , يرمز الي التفاؤل المؤسس والأمل الواثق في إنتصار برنامج الديمقراطية والتقدم الإجتماعي .
3. الحصانة والترياق لمقاومة وباء التحلل والتصفية ومجاراة " الموضة" والفرار من أعباء جمع الصف بعد الهزيمة , الي المعسكر "المنتصر" أو الي "بر السلامة" .

يضفي التقويم الناقد , علي مانتوصل اليه من خلاصة و استنتاجات سياسية نظرية , في حدود ثقافتنا النظرية المتواضعة – طابعا منفتحا علي المعرفة والممارسة و بعيدا عن الوثوقيات المطلقة , وفي تمايز دقيق بين ماهو نظري علمي موضوعي , وماهو ايديولوجي ذاتي أحادي الجانب.
ومع ذلك وبرغمه , فالتقويم الناقد لايعني تعذيب الذات المسيحي بحثا عن خلاص وتطهر , أو توبة عن ذنب مقترف ومعصية مجترحة تترجي المثوبة , لقد تعاملنا في برامجنا ووثائقنا ذات الطابع البرامجي , مع ماكان سائدا وشائعا وأخذنا به في محدودية المعرفة والتجربة السياسية محليا واقليميا وعالميا , مثلما تعاملنا مع ما أثبتت التجربة و الممارسة قصوره و وتعاملنا مع ماكان صوابا وقابلا للتطور والإرتفاء .
لانتحرج من تأريخنا ولانتبرأ من تجربتنا ولاندير لها الظهر , لانخفي أخطاءنا ولانهرب للمستقبل تراجعا وهربا أمام أعباء مواجهة ومنازلة مصاعب ومعضلات الحاضر _ دون إدعاء إملاء القول الفصل أو الكلمة الأخيرة علي التأريخ.
المصدر : مبادئ وموجهات : دار عزة للنشر والتوزيع ص 5 .

معذرة للتطويل و سوف أواصل لاحقا ..

خالد
خالد الطيب
مشاركات: 300
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:33 pm
مكان: أديس أبابا

مشاركة بواسطة خالد الطيب »

أواصل من حيث قد توقفنا .. المقدمة المطولة ضرورية ولو أنها وردت في سياق الدعوة لتجديد برنامج الحزب الشيوعي , وذلك لأن مسألة الديمقراطية تشكل حجر الزاوية فيه ولذا أري أن هذا المدخل ضروري ونحن نحاول تعقب المفهوم عبر المراحل المختلفة لتطور ونضوج اليسار الشيوعي .. وقبل ان نبحر في الحوار عميقا أري أن يتم ضبط المصطلحات : هل هي ديمقراطية تعددية أم ليبرالية !! ففي حوارات الأستاذ محمد إبراهيم نقد مع مجلة النهج يرد مصطلح الديمقراطية الليبرالية وذلك هو الحال في كثير من أدبيات الحزب الشيوعي , الا أن محمد إبراهيم نقد نفسه عاد مؤخرا وصحح المصطلح في إحدي حواراته مع صحيفة البيان الأماراتية وأقر بعدم دقة وصحة مفهوم الديمقراطية الليبرالية وإعتمد " التعددية" كاسم صحيح للتعبير عن مفهومه للديمقراطية , ولاعتبارات عدم خلق لبس وتشويش , سوف استخدم تعبير " الديمقراطية التعددية" في مقبل المداخلات ,,
نعود الي مناقشة بعض ماأثارته مداخلات عبدالله بولا في هذا البوست , ومن بينها الوصول الي إستنتاج ان اليسار الشيوعي لم يكن علي عقيدة صمدية واحدة إزاء الديمقراطية التعددية . وفي ذلك نطرح للبحث ماإذا كان التعامل مع مفهوم التعددية لأسباب تكتيكية أو قل كجسر تعبر من خلاله قوي الثورة الوطنية الديمقراطية الي السلطة وتقيم ديمقراطيتها الثورية والتي هي دكتاتورية قوي الثورة وأدب الحزب الشيوعي يذخر بالأمثلة الموثقة التي تؤكد علي هذا الفهم للديمقراطية التعددية , فعلي سبيل المثال نجد أن مساهمة عبدالخالق محجوب : " حول البرنامج" ذهبت في نفس الإتجاه ولكنها أضافت جديدا في معالجة هذا المفهوم للديمقراطية بربطه بماسمي الديمقراطية الإقتصادية أو " ديمقراطية علاقات الإنتاج" وفي ذات الوقت أشارت الي أوجه إختلافها عن الديمقراطية الغربية أو " الديمقراطية البرجوازية" والتي أبان أنها ديمقراطية تقف عند حدود المساواة السياسية والمساواة في الحقوق القانونية ولاتصحبها ديمقراطية علي مستوي الإنتاج والبنية التحتية للمجتمع .
كتب بولا : وفي تقديري، بل في يقيني، إن اليسار الشيوعي والديمقراطي في بلادنا، وفي بلدان العالم أجمع، قد يمم وجهه ووُجهتَه اليوم، في غالبيته العظمى، بتصميمٍ حازمٍ، شطر المؤسسية الديمقراطية التعددية، منذ النصف الأول من السبعينيات، على مستوى الخطاب بأقل تقدير. ومستوى الخطاب ليس مما لا يؤبه به.

لكن هذا التوجه ذي التصميم الحازم وعلي مستوي " الخطاب الموثق" نجد له أدلة ونماذج منذ أواخر الستينات : وثيقة مثل " الماركسية وقضايا الثورة السودانية" تتحدث عن الديمقراطية "البرلمانية" ولكن في تقديري أن بيان الحزب الشيوعي باسم " الديمقراطية مفتاح الحل : جبهة عريضة للديمقراطية وإنقاذ الوطن" حمل بين جنباته مساهمة نظرية غنية في تطور مفهوم " الديمقراطية" وبرأيي أنه مثل ضربة البداية في التوجه الجاد والحازم نحو الديمقراطية , وعلي ثرائه النظري , والذي لايزال ينتظر الإستكمال النظري والفلسفي الشامل , وأنا علي إعتقاد أن تطور المفاهيم وإغنائها نظريا هي عملية process تأخذ في إعتبارها التجارب العملية وتجارب الشعوب ودروب ومصادر المعرفة الجديدة , ولاتتم بأي حال من الأحوال بعصا سحرية علي طريقة الحواة..

وإن كان هنالك توجه حاسم وحازم , يجب أن نري في أدب اليسار الشيوعي القادم مايؤكد الهجر التام لمفهوم الديمقراطية الثورية , و التأكيد علي الديمقراطية التعددية و إن كانت قوي الثورة الديمقراطية علي دست الحكم ..

مع فائق الإحترام والتقدير


خالد
[/quote]
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي مصطفى "بالآلاف لا يوم الوقاف"، وانت عارف شنو ال "بالآلاف"،
وقفت طويلاً عند هذه الفقرة التي شدت إعادة قراءتها من أزري في لحظةٍ كنت فيها أكافح غواشي اليأس الحيرة وأدفعها عن معاقل عزمي وعزيمتي ويقيني بأن شقاء الغالبية الساحقة من بني الإنسان في مملكة "سلطات" "الواقع" السياسية والثقافية والطبقية المهيمنة منذ فجر التاريخ، في أسبابه جوانب واضحة من انتهاك الحقوق بدعاوى واضحة البطلان. وتترتب عليها بالتالي مسئولياتٌ واضحة، لا يطولها ولا ينبغي أن يطولها الشك والتشكيك. وبينها أمورٌ مشتبهات. إلا أن انتشار دعاوى " استحالة اليقين المطلقة"، التي أصبحت رائجةً بين تيارٍ غير غالب، إلا أنه صاحب الصوت الأعلى، بين شباننا وشاباتنا وشريحة من كهولنا وشيوخنا، هو تيارٌ ينحاز لبعض تياراتٍ فكريةٍ و"نقدية" "غربية" بعينها. (وليس لي من مأخذٍ على هذا في حد ذاته). إلا أنهم/أنهن يظنون ويظننَّ، بيقينيةٍ منقطعة النظير، أنها هي كل الحداثة "بكل ذاتها وصفاتها"، وأنها منزهةً من "الغرض الإيديولوجي"، في عين الوقت الذي يجردون (الجندريات الحق يقال ما شفتهن جردن زول)، فيه أي خطابٍ نقديٍّ مخالفٍ وناقدٍ ل"مقولات(هم)"، ب"اليقينية"، و"إقصاء الآخر"(؟) احترتُ في الكيفية التي يمكن ل"المرء" (والمرء في هذه العبارة تقرأ عبد الله بولا. وعندي ـ عند نجاة في الواقع ـ أحدوثة طريفة في هذه النوع من إحالات المعنى الاصطلاحي العام إلى معنىً ضيق الخصوصية أحكيها ليك مرة). ولذا فقد وقعت لي فقرتك التالية في "جرحاً غاير":


ولكن بردة الفعل أعني ، سلوك تكتيكي آني ينحو إلى شخصنة الموضوع ، ومشروط تماماً بالفعل المباشر، الذي أنتجه. بينما التعامل بغير ردة الفعل تلك مع "السفه العاير " يستوجب موقف استراتيجي مؤسس على منهجية مبدئية وصارمة، لا ترى في الأشخاص المعنيين أكثر من ممثلين لأيديولوجية الاستعلاء والإقصاء ، بكل تجلياتها، من عنصرية و قهر للمرأة والرجل على حدً سواء. و بالتالي ، يكون التعامل هنا ، كما ورد في التقدمة لهذه الخلاصة، هو " فضح " جوهر الخطاب ومن الضمن ممثليه كممثلين، في أي حوار ( مجازاً ) لأن الأمر برمته ، صراع وحرب ضروس لا هوادة فيها. و لأنه لا يكون هنالك حوار " من أصلو" مع من لا يراك ، ولا يسمعك و لا يقرأك ، بل يعمل بكل ما أوتى من مكر وخبث و شر، على نفيك تماماً خارج مجال الفعل الإنساني الإيجابي . لقد ورد كتقدمة لهذه العبارة الآتي: نسعى بجدية لا تسمح بأي شكل من أشكال التهاون أو الاستخفاف ... لتأسيس وعي ديمقراطي يناقش الأزمة السودانية بصورة ناقدة وحازمة ، لا تتخلص من الأوساخ بإخفائها تحت سجادة الدار ( وهذا ما يمكن أن يكون مسك العصا من النص ) بل باقتلاعها تماماً
.

فالموقف "الاستراتيجي المؤسس على منهجية مبدئية وصارمة، لا ترى في الأشخاص المعنيين أكثر من ممثلين لأيديولوجية الاستعلاء والإقصاء، بكل تجلياتها، من عنصرية و قهر للمرأة والرجل على حدً سواء. و بالتالي السعي إلى إبراز جوهر هذا الخطاب ومن الضمن ممثليه كممثلين، في أي حوار ( "مجازاً" كما قلت)، وإدراك أن "الأمر برمته ، صراع وحرب ضروس لا هوادة فيها"، كان هو النموذج الإرشادي لمواقفنا النقدية من خطاب الإزراء المعادي أساساً للديمقراطية وحقوق الإنسان والمتذرع بالديمقراطية وحقوق الإنسان ذاتها لإباحة الزراية بالمرأة والثقافات السودانية غير "العربية" وغير "الإسلامية" (مع أن "غير الإسلامية" دي فيها أقوال كثيرة: فقد أثبت حَمَلة الإيدولوجية "العروبوية الإسلاموية" أنهم قليلو العناية بكرامة وحقوق "العرب" المسلمين، والمسلمين من غير العرب أيضاً، إزراءً يصل إلى حد القتل والتعذيب والإهانة المقذعة كما تعلم. وقد كانت مذبحة اللاجئين في القاهرة، "مسلمين وغير مسلمين، وقيل "عرب"، وغير عرب، التي كان وما زال تواطؤ "منقذينا" فيها الذي يقفأ العين، "خير" دليل على أن سلطة البرجوازية الطفيلية لا تميز في الواقع بين هذا وذاك، إلا بما يدخل في دائرة مصلحتها وتحشيدها الإيديولوجي الغوائي النابع من مصلحتها هو الآخر). وقد أوضحنا صفة منهجيتنا هذه، مرات عديدة، وظللنا نعيد ونكرر ذلك، إلا أن "من تنادي"، كانوا قد حزموا أمرهم على أن لا يعيرونا أذناً ولو ربع "صاغية". ولذا فقد قرأتُ قولك: "ولأنه لا يكون هنالك حوار "من أصلو" مع من لا يراك ، ولا يسمعك و لا يقرأك ، بل يعمل بكل ما أوتى من مكر وخبث و شر، على نفيك تماماً خارج مجال الفعل الإنساني الإيجابي"، على محمل الجملة "التقريرية". وقد شدت جملتك هذه من عزمي على التوقف لا عن "الحوار المجازي"، مع منتجي "خطاب الإزراء" الذي لا يسمعوننا و لا يقرءوننا ويعملون بكل ما أوتوا من مكر وخبث، على نفينا تماماً خارج مجال الفعل الإنساني الإيجابي"، فهؤلاء نحن لا نحاورهم أصلاً، ولم يكن خطابنا النقدي مع أي يومٍ من الأيام موجهاً إليهم في أشخاصهم. مع أن منهم، وربما قلت من أكثرهم نشاطاً واستماتةً في الافتراء علينا وتزوير خطابنا، مَن قد عرف معرفة اليقين، في لحمه ودمه وجلده، مبدئية مواقفنا. وإنما المشكلة يا مصطفي في من يتصدون اليوم للدفاع عن خطاب الإزراء بابتذال وثلم خطاب الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحويله إلى صنفٍ من صنوف "اللاأدرية الجديدة"، كما قلت في تعقيبي على ملاحظات خالد الطيب اللماحة الذكية على ما أسماه ب "النقد التقريري لليسار". وهذه "اللاأدرية الجديدة" التي من أهم مقولاتها استحالة المعرفة اليقينية تحت كل الظروف والشروط، واستحالة التمييز بين الحق والباطل، واعتبار مقولة "الحق" ومقولة "الباطل"، "ثنائياتٍ مانوية" عفا عليها "زمن الحداثة" وما"بعدها". ولا أعرف في الحقيقة كيف يمكن لمن يسعى إلى تصوير التمييز بين الحق (أي وجود حقوق طبيعية موضوعية)، والباطل (أي انتهاك هذه الحقوق ومصادرتها بالزيف والكذب والخداع والتزوير) أمرٌ مستحيلٌ أصلاً، أن يزعم لنفسه صفة الإيمان بالديمقراطية والمساواة، وحقوق الإنسان بالذات: اسمها ذاتو حقوق الإنسان. وهذه عينة ممتازة من إيديولوجية الرأسمالية الليبرالية "الجديدة" العولمية: ما في حق ولا حقيقة في العالم دا. وكل الأمور قابلة للنقاش وللخطأ والصواب. وهذه القابلية للنقاش عند إيديولوجيي الليبرالية الجديدة، وفيهم "ما بعد حداثيين" برضو (أشهرهم في فرنسا دومينيك مويزي، وبرنار هنري ليفي، وأندريه كلوكس مان، وأشرَّهم ألان فينكيلكرو، والأول متخصص في "العلوم السياسية"، والثلاثة الآخرين "فلاسفة". ولما كانوا شباب في نهايات السبعينيات كان اسمهم "الفلاسفة الجدد". وطالما إني استطردت، فأحسن أحكي ليك وللقارئات والقراء عينة من هذه "الفلسفة الجديدة" فقد زار أشهر نجوم تيار "الفلاسفة الجدد"، برنار هنري ليفي، في عام 2002، السودان لعمل "دراسة ميدانية" ضمن جولة لمدة عشرة أيام لعدد من البلدان الإفريقية. ولما رجع فرنسا كتب خمسة مقالات في صحيفة، لوموند ست اللسم، فحواها "إنه الحروب في إفريقيا ما عندها موضوع ولا إيديولوجية". زنوزج مطرطشين ساكت ماعارفين نفسن بتحاربوا في شنوا، و"بالذات الحرب السودانية". واحد وعشرين سنة ناس الحركة ما عارفين بحاربوا في شنو ولي شنو؟!! الإيديولوجية الكعبة دي البشتمونا الجماعة ديل بيها ذاتا ما عندهم!! وعندي معاه قصة طويلة أحكيها ليك مرة تانية. وأربعتهم من مؤسسي "مفهوم" "التضحيات القاسية والشجاعة التي ينبغي أن تتجشمها إسرائيل"، بإعادة 22% من أرض فلسطين لأهلها. وهي ذات الأرض التي احتلتها إسرائيل بأبشع ,كثر صور لاحتلال جوراً وبطلاناً في التاريخ ـ الحديث على الأقل).
وهكذا يا سِيْدي فإن فقرتك الأخيرة القوية الواضحة المؤسسة، التي تقول فيها: "نسعى بجدية لا تسمح بأي شكل من أشكال التهاون أو الاستخفاف ... لتأسيس وعي ديمقراطي يناقش الأزمة السودانية بصورة ناقدة وحازمة"، تعني في قاموس "نزعة اللا أدرية الجديدة"، "يقينيات" و"وثوقيات" قديمة لا سند لها من حقائق الواقع، ومن عناصر ومناهج قراءة الواقع الحداثية". دا كان الواقع فيه حقائق وحقوق!
وأنا من جانبي على اعتقادٍ جازمٍ من أن أغلب الذين واللاتي يصدرون ويصدرن عن هذا المنهج المشكك في وجود أسبابٍ ومكوناتٍ موضوعية لليقين في تقييم مقولاتٍ ما أو افكارٍ ما، أو وقائع ما، أو مواقفٍ ما، لا يصدرون في غالبيتهم/غالبيتهين الساحقة من مقاصد أو دوافع فكرية أو قيمية أو "طبقية" مغرضة. وقد سبق لي أن انتقدت في أكثر من مرةٍ نسبة الخطأ أو مجافاة الصواب، إلى سببٍ واحد "نوايا سيئة" أو "نزعة سلطوية"، على سبيل المثال. فأسباب الخطأ في اعتقادي متعددة، وقد يكون من بينها الحرص والصدق والحماس. وفي اعتقادي أن أغلب دعاة تيار اللايقين المطلق هؤلاء ترجع أخاطؤهم إلى ذات هذا "اليقين" في صحة مقولات تياراتٍ بعينها من الفكر "الغربي"، باعجاب وانبهار من دون فحصٍ نقدي لهذه المقولات، وحوار نقدي حقيقي مع مبتدعيها، وصدورٍ من موقع الندية.
مع أذكى مودتي.

بـــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الخميس يناير 19, 2006 12:53 pm، تم التعديل 4 مرات في المجمل.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي خالد،
تحياتي ومودتي
وكل عام وانتم جميعاً بخير،
أعود لأواصل ماانقطع بفعل زحمة العمل اللئيمة

صحيح أن كلمة "عقيدة" في وصف واقع الحال لم تكن "مألوفةً في أوساط اليسار واليساريين للتعبير عن توجه فكري ما"، على حد تعبيرك. إلا أن "سبب" هذا، في تقديري، يرجع إلى كونها كانت موجودةً أصلاً بصورةٍ معكوسة في أوساط اليسار الماركسي ـ اللينيني، الشيوعي والديمقراطي، وتوجهاته الفكرية. كانت موجودةً وجوداً معكوساً في معنى أن مسلك العقيدة الصمدة كان ماثلاً في الخطاب وفي البنيات التنظيمية والقيمية، وفي نموذج المثال الأعلى الفكري الذي يعتبر "الماركسية اللينينية" هي نهاية المطاف والأرب في علم التغيير الاجتماعي صوب آفاق الاشتراكية والشيوعية. وكان وجودها "معكوساً" بمعنى أنه في عين اللحظة التي كان فيها حَمَلة وحاملات هذه "العقيدة"، في السودان وفي غيره من بلدان العالم، يرددون ويرددن، الصيغة الشهيرة التي ينفون بها عن "الماركسية ـ اللينينة" أن تكون "عقيدةً جامدةً" ويؤكدون أنها "مرشد" ليس إلا، كانت غالبيته الساحقة تتعامل مع "الماركسية" و"اللينينية" باعتبارهما مكونان لا ينفصمان ل "عقيدة"ٍ صمدة لا يأتيها الشك والخطأ من خلفها ولا من بين يديها. وأنا أعني هنا "الشك والخطأ" المبدئيين اللذين يتعلقان بالأسس والمقولات المعرفية، وليس المتعلقين بالإستراتيجية والتكتيك السياسيين. وقد وصلت صمديتها إلى درجة أنها تحولت، في أوساط اليسار الماركسي اللينيني السوداني إلى صيغةٍ من صيغ "الحليفة": "وشرفي الماركسي" أو "شرفي "الماركسي اللينيني". وهذه أقولها على سبيل الاستطراد في معنى المفارقة بي العقيدو ونفيها، لا على سبيل الشواهد الأساسية.
وقد سمى الأستاذ نقد هذه النزعة "العقائدية" فيما بعد، حتى لا أقول، في وقتٍ متأخرٍ جداً ب"الجمود"، ووصف هذا الجمود على وجه التحديد في ورقته "كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وإنجلز"، بأنه: "كرس تصوراً خاطئاً فحواه أن الماركسية حولت الاشتراكية إلى نظرية علمية شاملةٍ كاملة". إلا أنه نسب هذا الجمود إلى ستالين وحده. (وسأقوم لا حقاً بإنزال ورقة نقد الأستاذ نقد لا حقاً، لأهميتهافي حد ذذاتها، وايضاً لأن لي بعض الملاحظات النقدية عليها). وفي اعتقادي أن نسبة الجمود إلى ستالين، على الرغم من نصيبه الذي لا ينكر فيه، هو صنف من صنوف وضع النتائج في موضع الأسباب. فنسبة اعتبار "الماركسية ـ اللينينية" قريناً أزلياً للاشتراكية العلمية، إلى ستالين، وحتى إلى ستالين و"عصبته"، لا يصمد طويلاً أمام شواهد الواقع وشواهد الممارسة النظرية.
ولكن ليس ذلك لأن لاحتمال أن تكون هناك "دلالات أخري لاستخدام هذه المفردة"، في السياق الذي استخدمته فيها أنا على الأقل، أي سياق موقف اليسار من الديمقراطية التعددية باعتبارها حلقةً وأداةً للعبور إلى ديمقراطية البروليتاريا، التي هي بدوها مرحلة للعبور للمجتمع الشيوعي الذي هو بمثابة تجاوزٍ للديمقراطية نفسها في مسيرة الإنسانية صوب آفاق الحرية. (مع أن هناك بالقعل دلالات أخرى لاستخدامي للمفردة ليست هذه المداخلة مكانها المناسب). فالديمقراطية، كما تعلم هي في مفهومها اللينيني ليست "الحرية". كما أن الديمقراطية التعددية في مفهومها البرجوازي، وبعبارةٍ أدق في ممارستها الرأسمالية ليست "الحرية" في مفهومي أنا الذي أعيش في القرن الحادي والعشرين. خليك من لينين الذي كانت الديمقراطية التعددية في مفهومها الرأسمالي في زمانه أكذوبة بالمفتشر. سوى أن نقطة خلافي مع الذين حولوا، وحولنَ، مساهمتَي ماركس ولينين إلى عقيدةٍ صمدة تتمثل في اعتقادي بكون الديمقراطية التعددية ليست قرينةً وأسيرةً أزلية لمفهوم وممارسة الرأسمالية الليبرالية لها. وقد أوضحت عن ذلك بتفصيلٍ أكثر في مداخلاتي السابقة كما تعلم. وسأواليه بمزيدٍ من التوضيح في مداخلاتي اللاحقة. وأحب أن أضيف حتى لا أترك الأمر نهباً للإلتباس، أن ما قلته في هذه المداخلة عن موقف اليسار الشيوعي والديمقراطي، من الديمقراطية التعددية، يتعلق بالفترة ما قبل 1977، وما قبل انتفاضة مارس أبريل، بصورةٍ أدق. وقد أوردته هنا قرينةً على غياب "عقيدةٍ" راسخةٍ في الديمقراطية التعددية قبل هذا التاريخ. وأتمنى أن يكون واضحاً أنني لا أطابق بين مبدأ الديمقراطية التعددية وبين مفهوم وممارسة الديمقراطية التعددية في صيغتها الإيديولوجية الرأسمالية: هذه "الديمقراطية" التي لا تتوقف عند "باب المصنع" فحسب على حد عبارة غارودي الأثيرة، بل تتوقف أيضاً عند باب المتجر، وباب المدرسة، وباب المستشفي إلخ. وإنما أعتقد أن الاشتراكية بطبيعتها الصميمة ديمقراطية وتعددية، وتحقيقها لا يتم إلا عبر ديمقراطيةٍ تعددية، تضمحل معها ومع تجويدها وتطويريها الرأسمالية، وتتراجع وتختفي عبر الخيار الديمقراطي الجماهيري التعددي المؤسسي. كما أعتقد بأن الممارسة الديمقراطية التعددية قد أفلتت اليوم من سيطرة واحتكار الرأسمالية الليبرالية لها بفضل النضالات الفكرية والسياسية والنقابية، ونضالات شتى مؤسسات المجتمع المدني التنويرية، ومنظمات حقوق الإنسان.

وكل سنة وأنت والأسرة بخير.
بـــولا
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »

أخي بولا
تأملت كثيراً في هذه الافكار حول الديمقراطية التعددية والاشتراكية الصميمة التي هي في جوهرها ديمقراطية تعددية أيضاً والطريق إليها عبر الديمقراطية التعددية إن هي مورست كما نحلم بكيفية ممارستها.
منذ فترة يشغلني عامل الزمن وأرى أنه سبب الكفوة في كل إخفاقات المستنيرين الحقانيين من المفكرين السودانيين ومنظماتهم السياسية الرامية لتحقيق العدالة في مجتمعنا السوداني على اختلاف مشاربهم واختلاف ارتباطاتنا بهم. ويبدو لى أن إغفال عامل الزمن يجعل من أي حزب أو جماعة مجرد جهة مهما كانت جادة وحقانية بحق مجرد جهة لتسجيل المواقف التاريخيةالتي هي ما من شك ناصعة وقد ذكرت للراحل العزيز الخاتم عدلان في ديسمبر عام 2004م في المداخلات الترحيبية به أن (حق) يمكنها عبر ربع قرن أن تكسب ثلاثة نواب في البرلمان بعد قتال شرس ضد كافة القوى التي تضلل شعبنا وبعد نصف قرن يمكن أن ترتفع عضويتها في البرلمان لحفنة معتبرة قد تؤهلها للمعارضة في أحسن الأحوال
نحن مافتئنا نفسر العالم والعبرة في تغييره وأعتقد أن السودانيين بحاجة إلى تفكير جديد في تنظيم الجماهير .إلى شىء أشبه بالConventionمما نشهده الإنتخابات الأمريكية وفي الاحزاب البريطانية وذلك باستقطاب الجماهير عن طريق كتل وكيانات بمافيها كتلة للمتعلمين السودانيين الديمقراطيين أما الأخرى فجهوية بحث نضع برنامجاً يلائم ظروف كل جهة وفرض أصوات الكتلة وبرنامجها مع تنفيذيين من الجهة على أي من الأحزاب الديمقراطية القائمة التي تكونت أصلاً تاريخياً وفرض التنفيذيين على ذلك الحزب بحيث تنفذ الكتل برامجها التي لا تتناقض في الأصل مع البرامج المعلنة لتلك الأحزاب والعبرة بالتنفيذ .[color=blue]
[/color]
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي بشرى،
تحياتي ومحبتي بالآلاف لا يوم الوقاف،

وكل عام وانت بخير وسنة جديدة سعيدة، وإن كانت هذه الأمنية محاطة بشكوكٍ موضوعيةٍ "جسيمة" في معنى الكلمة المزدوج.

ياخوي ماني مصهين ولا متهاون في التعقيب على مداخلتك التي أمسكتَ فيها ب"عضُم ضهر" الموضوع. لكنها صادفت واحدةً من أعتى زنقاتي اللعينة: زنقة امتحانات فاطمة، التي أذاكر معها كورسات القانون المختلفة. أربعة كورسات من هنا ليوم أربعة وعشرين: "تاريخ المؤسسات الأوروبية في القرون الوسطي"، و"القانون الإداري"، و"القانون المالي العام"، "والعلاقات الدولية". وهكذا فأنا منذ عام 2003 "طالب مساعد" بكلية القانون بجامعة نانتير المحروسة. وقد أحرزتُ مع فاطمة في العام الماضي درجات كبيرة. والواقع أنها تشرح لي في بعض الأحيان، أثناء المراجعات الجوانب التقنية، وأشرح لها من جهتي العوامل والقضايا والصراعات المتعلقة بالأطر الاجتماعية والفلسفية التي تقف وراء مفاهيم ودوافع التشريع القانوني: كونه لا ينبع من مجرد إرادة العدل. وقد أفادني ذلك كثيراً وأفادها.
شغلانة صعبة جداً وبحاجة إلى قدرٍ عالٍ من التركيز والقراءات والبحث في المراجع.
من جانبٍ آخر الكمبيوتر واحد ومستخدماته الثابتات "الباغيات"، أربعة، إلى جانب مستخدم خامس مهضوم الحقوق (في كمبيوتر البيت).
ومداخلتك مي هينة. ولا أريد أن أعلق عليها تعليقاً لا يرقى إلى مستوى القضايا والملاحظات الدقيقة العميقة التي أثارتها.
ولذا فسوف أؤجل تعقيبي إلى صباح الغد.

مع عظيم سعادتي بعودتك.

بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الجمعة يناير 27, 2006 1:48 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي بشرى،
التحيات الزاكيات،

آسف إذ لم أفِ بوعدي. الكمبيوتر محتل تماماً. وزنقة المذاكرة أكثر استحكاماً.
نأجل تعقيبي لبكرة. وهذا بالطبع لا يمنع المتداخلين، والمتداحلات (الماشفناهن إلى هذا يوم الليلة دا)، من مواصلة الحوار في كل الموضوعات المطروحة هنا ليست هي ملكاً لصاحب البوست ولا هو المفتي العام فيها.
مع كل مودتي.

بــولا
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »

عزيزي بولا
تحيات سائلات عن الصحة والأحوال مشفقات على كائنك المتعب -بفتح العين- على مدار العمر!
وبعد
وبعد دي ذكرتني بمحاولة صديقكم التشكيلي من منازلهم هل هو سالم ؟ الذي وصفتموه في السبعينات بأنه من الرواد الاوائل عندما أجريت معه أنت يابولا مقابلة وسالته عن الفن .قال لك فيما نقلت لنا:
-الفن كأصل الكون غير قابل للفهم وا ...
أراد ان يستطرد بعد أن ضرب بحجر جملته الواحدة على الحل القطعي الدامغ لأكبر إشكالين لم تكن المقابلة تطمح في حل شذرة واحدة أو برعم من فرع شجرتهما الشائك.
وبعد الاخرى
يا خي امنياتي لفاطمة بالنجاح في إمتحاناتها والجامعات الأوروبية جامعات بحق ومتطلباتها لا مكان فيها لحالة التراخي وعدم المواكبة مما أكسبته الثورات التعليمية المتعاقبة لجامعاتنا .حسناً أن فاطمة تدرس في مسائل تتعلق بتشريعات القرون الوسطى لكن نظيراتها في بعض الجامعات السودانية يتخرجن مباشرة الى القرون الوسطى من شدة بؤس الجامعات ومكتباتها وبنياتها مما جميعه واقتصارها على لغة واحدة.مع العلم بان الطلبة والطالبات السودانيين في الداخل نابهين ونابهات بمايجعلك تحتار في الكيفية التي يخرجون بها كل شربات المعرفة هذا من فسيخ المؤسسات.
كل سنة وانتو طيبين .اتمنى أن نوحد كفاحنا لنلتقي في اجازة قريبة داخل الوطن فالبعد يولد الجفاء.
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

الإخوة المشاركين
أشكر الأخ بولا على كلماته الطيبة وأرجو أن أتوسط له لدى بيكاسو، فصديقي بولا يا بيكاسو قد أصابه إستغلال رأسمالية بدايات القرن الحادي والعشرين المسمية بالعولمة بارهاق في الذاكرة (كويسة إرهاق الذاكرة هذه).
وعدت بأن أتناول ثلاث قضايا وهي:
أولا: ما يظهر في شكل صراع أجيال بينما هو أكثر عمقا.
يلفت النظر في الحوار حول القضايا المثارة نبرة الصراع بين الأجيال والتي تحاول أن تنظر لبعض المشاكل (وبعض هذه تخفيف مني لا يصدق في كل حالات المحاورين) التي تواجه البلاد بأنها نتيجة لكهولة القيادة، فمشاكل الديمقراطية في البلاد تختصر لكهولة القيادة، مشاكل الحزب الشيوعي تختصر في كهولة القيادة، الصادق والميرغني والترابي كهول ولذا لا حل للمشاكل. ورغم مشروعية شعار تجديد القيادات وإعطاء الشباب فرصة، إلا أن ذلك لن يحل المشاكل ولا يقدم حلولا للإشكاليات ولا يغني عن إبداء هؤلاء الشباب نفسهم مبادرات فكرية وتنظيمية، سياسية وإقتصادية، دون أن يقدموا طرحا وفكرا، ولا يعني هذا بالضرورة قطيعة مع فكر وأطروحات "الكهول" جميعها، بل أنني أدعي أنهم لن يستطيعوا تقديم الجديد بدون معرفة عميقة لما طرحه ويطرحه هؤلاء الكهول وتحليله وفهمه وبدون ذلك لا يمكن تطويره أو تجاوزهن ناهيك عن القطيعة المعرفية بمعنى القفزة أو الثورة هنا. وهذا يقودنا للنقطة الثانية.
ثانيا: مسألة جلد الذات وجلد الآخر كأننا لم نرث شيئا ولم ننجز شيئا أو النظرة اللاتاريخية لتطور المجتمعات والحركات السياسية والثقافية وتطور الأفكار. , وفي أحسن التفسيرات يمكن أرجاع ذلك لجانب آخر لصراع الأجيال: هو نكران إسهام الأجيال السابقة، فالإستقلال السياسي الذي حققته الحركة الوطنية ليس شيئا مهما بدلا من النظر إليه كإنجاز عظيم يجب إستكماله بالإعتراف بحقوق كل شعوب السودان ومجموعاته الإثنية والعرقية والإقليمية في حكم نفسها وفي الإشتراك في حكم البلاد بشكل فعل وبحقها في النصيب العادل من الثروة والتنمية المتوازنة والإعتراف بثقافاتها ولغاتها وإحترام حقوق اإنسان وفقا لمبدأ المواطنة التي تفرق بين الناس على أساس الأصل الإثني او الثقافي او الديني أو السياسي أو على أساس اللون او الإقليم. وكذلك في النظر لما أمجزنا في جبهات أخرى، فمثلا لا يمكن إدانة ما أنجو من تعليم في السودان، بينما من الضروري نقده نقدا أساسيا في توزيعه للفرص، في مناهجه، في أداوته وفي أساليبه. وهكذا. وفي تقديري المتواضع أو نظري الضعيف (كما يقول حسن الشاطر ود موسى)، أن بعض من هذا الموقف يرجع لكسل في التحصيل والمعارف، ولذا(وهذه تخريمة مهمة) يعجبني عبد الماجد فرح يوسف في بحثه المستمر وطرحه تساؤلاته الجادة، والمسألة أيضا تعود لخطل بعض المناهج المعرفية التي يتبناها، عن وعي وعن عدم وعي أحيانا، بعض المحاورين وهذا يقودنا للنقطة الثالثة.
ثالثا: قضية التيار العدمي، الناكر للعلم والمناهج العلمية في البحث والتفكير والذي تكتنفه بعض ما يسمى بما بعد الحداثة، والذي يقود في كثير من الأحيان إلى نفي ضرورة النضال ونفي الموقف البطولي والتقليل من المواقف الحازمة والصارمة بحجج المحافظة ورفض التغيير. وهذه مسألة تعرض لجانب منها صديقي بولا بنفاذ بصيرة في مساهمة له في هذا البوست (أو الخيط) في 6 يناير 2006 في تمام الساعة 11:40 مساء عندما قال:
" وهذه "اللاأدرية الجديدة" التي من أهم مقولاتها استحالة المعرفة اليقينية تحت كل الظروف والشروط، واستحالة التمييز بين الحق والباطل، واعتبار مقولة "الحق" ومقولة "الباطل"، "ثنائياتٍ مانوية" عفا عليها "زمن الحداثة" وما"بعدها". ولا أعرف في الحقيقة كيف يمكن لمن يسعى إلى تصوير التمييز بين الحق (أي وجود حقوق طبيعية موضوعية)، والباطل (أي انتهاك هذه الحقوق ومصادرتها بالزيف والكذب والخداع والتزوير) أمرٌ مستحيلٌ أصلاً، بأنه مؤمنٌ بالديمقراطية والمساواة، وبحقوق الإنسان بالذات: اسمها ذاتو حقوق الإنسان. وهذه عينة ممتازة من إيديولوجية الرأسمالية الليبرالية "الجديدة" العولمية: ما في حق ولا حقيقة في العالم دا. وكل الأمور قابلة للنقاش وللخطأ والصواب. وهذه القابلية للنقاش عند إيديولوجيي الليبرالية الجديدة، وفيهم "ما بعد حداثيين" برضو (أشهرهم في فرنسا دومينيك مويزي، وبرنار هنري ليفي، وأندريه كلوكس مان، وأشرَّهم ألان فينكيلكرو، والأول متخصص في "العلوم السياسية"، والثلاثة الآخرين "فلاسفة". ولما كانوا شباب في نهايات السبعينيات كان اسمهم "الفلاسفة الجدد."
وأظن، وليس في ظني ذرة إثم، أن المسألة تحتااج لبوست كامل جديد. ففي نظري الضعيف أصلا، أن ما يسمى بفكر ما بعد الحداثة، يعبر في معظمه وفي نعبريه الأساسيين عن أيديولوجية العولمة بإعتبارها مرحلة عليا في نطور الإمبريالية والرأسمالية، وهي تتحدث عن موت النظم الفركية النظرية، موت الإنسان، موت البطلن موت المؤلف، إستحالة المعرفة (وأحيانا يتواضعون ويقولون بنسبيتها بطريقة تجعل آينستاين يتملم في قبره، فالنسبية عندهم تجعل الصواب والخطأ والحق والباطل ألفاظ من الماضي وبالتالي يستحيل تحديد المواقف وهذا ما تريده الإمبريالية حتى يستمر الوضع الراهن دون مقاومة.)
لربما البرجوازية لا تحتاج لأبطال، ولكننا في نضالنا ضد الإمبريالية نحتاج لأبطال وتضحيات ولمواقف (ولهذا يا صديقي بولا إخترت الموقف البطولي، في مقابل موت البطل).
وحتى لا أبعدكم كثيرا من موضوع البوست سأعود للحديث عن قضية الديمقراطية.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي بشرى،
تحياتي،
في اعتقادي أن هذه العبارة التي وردت في مطلع مداخلتك الأولى، قد أمسكت بواحدةٍ من أهم نقاط مناقشتنا هذه حول اليسار والديمقراطية التعددية، والتأسيس الفكري، الصميم لها، الذي نأمل أن يخرجنا من تراث "التكتكتة" و"المباصرة" في خصوص الديمقراطية التعددية. وقد التقطها أنت ببصيرةٍ ليست بنت يومها في فقرتك المدخلية المذكورة:


تأملت كثيراً في هذه الأفكار حول الديمقراطية التعددية والاشتراكية الصميمة التي هي في جوهرها ديمقراطية تعددية أيضاً والطريق إليها عبر الديمقراطية التعددية إن هي مورست كما نحلم بكيفية ممارستها.


وقد قفزت إلى ذهني بمجرد قراءتي لهذه الفقرة بالذات مقولةٌ لك حظيتُ بأن أكون أول من سمعها منك، لدي عودتك من الاتحاد السوفييتي في عام 1976، وظللتُ أرددها كلما أثير موضوع العلاقة العضوية بين الاشتراكية والديمقراطية: "يا بولا اشتراكية الخبز والكباري ما بتنفع". وكان نقدنا لتجربة الاتحاد السوفييتي وشرق أوروبا في وجهها المتعلق بالديمقراطية التعددية، قد نشأ في نهاية الستينيات. [من حنتوب يا بشرى]. وما زلتُ أذكر المناقشات والمناوشات "الكيدية الحبية" التي كانت تدور بيننا وبين من كانوا يسمون أنفسهم ب"البلاشفة" في اليسار الحنتوبي. ويطلقون على "تيارنا" اسم "الهيبيز". وهو التيار الذي كان يضم في من يضم: صديق الماحي، وحسن فحل، وبشرى الفاضل والنور محمد حمد، وهاشم صالح، وآخرين كثر من جماعة الفنانين و"العصاة" الرافضين لمفهوم "الانضباط الحديدي". هذا على الرغم من أن "بلاشفة" حنتوب أنفسهم كانوا في واقع الممارسة، وواقع النظر أحياناً بعيدين جداً عن "الصفة الحديدية". وإنما كان في أمرهم شيئاً من حماسة ريعان الشباب.
قصدتُ بهذا الاستطراد أن أبين أن الوعي النقدي في مواقع اليسار، إزاء نموذج الاشتراكية السوفيتي، لم يكن غائباً تماماً، وبالذات في أوساط "اليسار الثقافي"، حتى بين نفر من المبدعين اليافعين. وقد بلغ أشده في حركة اليسار الثقافي، وفي حنتوب على وجه الخصوص.
(وربما قصدتُ، استطراداً، على صعيدٍ آخر، أن علاقة بشرى الفاضل بالحداثة والوعي النقدي الحداثي، ليست بنت يومها هي الأخرى: فقد بدأت بدايةً حقيقيةً في نهاية الستينيات. وأحسب أنك كنتَ في السادسة عشرة من عمرك. أليس كذلك؟ وهذا موضوع سأفصل فيه في مكانٍ آخر).
أوافقك على أن عامل الزمن مشكلة كبيرة. إلا أنني لا أرى أنه:


سبب الكفوة في كل إخفاقات المستنيرين الحقانيين من المفكرين السودانيين ومنظماتهم السياسية الرامية لتحقيق العدالة في مجتمعنا السوداني على اختلاف مشاربهم واختلاف ارتباطاتنا بهم


فسبب "الكفوة" في تقديري هو "الجمود" وأحادية المرجع. وبعبارةٍ أدق، هو العقائدية "الصمدة" التي حالت دون إنتاج فكرٍ متعدد طرق الوصول إلى مركز دائرة مطلب العدالة الاجتماعية، ودون إنتاج مداخل متعددةٍ وموحدة لحوش القوى الراغبة عضوياً في الاشتراكية، وذات المصلحة الحقيقية في استكشاف واكتشاف آفاقها، والقادرة على بناء الجسور وتعبيد الطرق المفضية إليها.
والباقي أجيك ليه لا حقاً. (ماني داير اقول لك باكر واطلع كضاب).

مع عامر محبتي

بـــولا
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »

أخي بولا
أحياناً كثيرة لا أتمكن من طرح فكرتي بوضوح . ذلك حين اكون مشغولاً بشىء آخر ولذا ساكتب لك فكرتي هنا وهي في شكلها الخام ولعلك كنت اطلعت عليها من قبل في نفاشي مع الراحل الخاتم في بوست الترحيب به في سبتمبر عام 2004الرجاء الرجوع لتلك المناقشة في مكتبة الخاتم بسودانيزاونلاين
ليست العبرة بالحديث عن الجمود ولا بطرح كافة فصائل اليسار -أنا لا أدخل حزب البعث بجميع اقسامه ضمن هذه الفصائل- وأعتقد ان مساعيها للتوحد ستصرف جهداً ووقتاً ثميناً كما إن الإختلافات بين هذه الفصائل عميقة. بينما هنالك طريق آخر بسيط هو وضع برنامج لعشر سنوات فقط من بنود هي أصلاً فاينايت حسب احتياج كل منطقة من مناطق السودان وحسب إحتياج الانتلجينسيا السودلنية ( في حال قيام مؤتمر الخريجين تو الجديد عقل الكيانات حسب الجهات .يقوم مؤتمر الخريجين تو من الإنتليجيسيا المقتنعة بالديمقراطية من كافة أرجاء السودان وتخطط هذه الإنتليجيسيا لقيام Conventions حسب المناطق وهذا المؤتمر يختلف نوعياً عن السابق لكنه يستمد خبرته منه في التجميع السريع الذي يشبه اندلاع النار في الهشيم . هذه السمة سمة الإنطلاقة السريعة موجودة في مجتمعنا السوداني لكن تقف في وجهها كوابح شتى. تجدني أقترب من كارل بويار في فهمي للبراجماتية والإبتعاد عن الايدلوجيا فلو قمنا بتخفيض الفكر النظري في المرحلة الثانية أي مرحلة وضع آليات تنفيذ برنامج الحد الأدنى وتحويل هذا البرنامج الفكري النظري لمؤتمر الخريجين تو فإننا نختصر الوقت. وعندما يقوم كل كيان حسب الجهات بالبصمة على برنامجه فان نواب البرلمان القادمين من هذا الكيان لن يتم النظر اليهم حزبياً بل نقول نواب الجزيرة نواب بربر إلى آخره وكل كيان ياتي بتنفيذيين مصاحبين لتنفيذ برنامجهم ويتم التفاوض مع الأحزاب الديمقراطية الاقرب للفوز بحيث يتم العثور على حزب ديمقراطي لا شمولي يقبل بتنفيذ برامج الكيانات المختلفة وفي هذا الحالة فستذهب أصوات الكيان كلها لذلك الحزب .إنها طريقة للوصول السريع للسلطة دون انقلابات عسكرية.
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

العزيز بولا
الأعزاء المشاركين، جميعاً
سلامي وعامر مودتي
لم أتداخل في هذا البوست الثر، منذ ان كان بوستاً للترحيب بزوار المنتدى، وإعتذاراً من بولا بسبب غيابه وأنشغاله المعروف في ذلك الحين. حينها كنت أردد في نفسي: ان البيت بيتنا، ولا داعي لمزاحمة الأصدقاء وسأكتفي بالمتابعة. ولكن البوست تمدد، واصبح بالنسبة لي منتدىً للحوار والمفاكرة، خاصة بعد أن اضاف اليه كثير من الاصدقاء وهجاً جديداً، واخص منهم-فوق مساهمات بولا الرئيسية ومداخلات عبد الماجد ووليد - صديقي خالد الطيب( وهو بالنسبة لي خالد محمد الطيب، كما عرفته منذ ايام كلية الهندسة)، والصديق صدقي، والصديق بشرى. وبذلك فقد وطنت نفسي على زيارة دائمة له، عندما يكون هنالك بالطبع مساهمة جديدة، تستدعي ذلك. ما لفت نظري في البوست، أنه قد دخل حقل معرفي وفلسفي، كنت أظن منذ فترة طويلة، انه اصبح طارداً، ومهجوراً بالنسبة لكثير من المثقفين( المثقف سيد الإسم يابولا، عشان ماتعمل لي بعدين مشاكل)، والمبدعين على وجه التحديد. أي أن شهيّة الحوار تراجعت فيه، بعد السقوط المدوى للتجربة الإشتراكية، بشرق أوربا من القرن الماضي. مهجوراً وطارداً، برغم ما في هذه المرحلة المهمة، من تاريخ الفلسفة والفكر، من تعقيدات، اي أن هذا الحقل، بدأ يخضع لمراجعة صامتة، وخجولة، من قبل المثقفين، وبالتالي تجد أن كثير منهم قد لجمته حالة من التأمل وربما الدهشة ، وأنكفأ على مشاريع أخرى، منها الإبداعي والنقدي، .. وغيرها من المشاريع التى ربما تعيد ترتيب أوراق المثقف التى تبعثرت على خريطة حركة الفكر/العالمية، وبذلك فقد اضحى هذا الحقل مرتعاً لمعاول السياسيين العرجاء، وهي معاول لاتنتج غير التكرار والوجع . أقول قولي هذا، برغم إنخراطي المباشر في مؤسسات السياسيين" الحجل بالرجل"، ولكني غالباً ما أحتفظ لنفسي بهامش يسمح لي بمراجعة ونقد ما ينتجونه من خطابات ومراجعات تخص هذا المشروع او ذاك، وأخص منها المشروع الماركسي -اللينيني تحديداً. إذن كيف يستعيد المثقف دوره التأسيسي، وحضوره الفلسفي والمفهومي. لقد أعاد اليّ هذا الحوار بصيصاً من الرغبة، كي اراجع هذه القناعة: كون الخطاب السياسي، أصبح "يسل الروح" ويوجع القلب وهو لا يعنيني بشكل مباشر في شيء، وربما كان سيلزمني ذلك الموقف أن أدعو مع الآخرين للبحث عن أدوات، أو قل خطابات، فعّالة أخرى من شأنها أن تساهم في تغيير علاقات الواقع الإجتماعي والإنساني...وهناك الكثيرين، من الذين هجروا السياسة، ومنهم من فعل أبعد من ذلك.
سأظل متابعاً.
مودتي
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي عثمان،

تحياتي ومحبتي بالآلاف لا يوم الوقاف،
أسعدني كثيراً دخولك للبوست، وبهذه المداخلة البديعة كمان. بديعة بوضوحها وشجاعتها، وتحديدها الدقيق لإحدى العقبات الرئيسية التي تفسر إحجام الكثيرين الكثيرات عن الخوض في موضوعات النقاش في هذا البوست.
وسأرجع إليك بعد فراغي من التعقيب على مداخلة بشرى الأخيرة.

مع كل مودتي، وتحيات حارة لمنال ومازن.

بــولا
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »

عزيزي بولا
أحب ان أوضح نفسي أكثر في نقطتين: نقطة البرنامج المرحلي في عشر سنوات مثلاً وبساطة الآلية التي اعتقد انها ستقود قطاعات الشعب السوداني الديمقراطية حقاً الساعية حقاً لتحقيق العدالة الإجتماعية ورد المظالم وسد الطرق المؤدية إليها للوصول إلى السلطة.
البرناج عبارة عن برنامجين واحد تقوم به الإنتليجينسيا (سمها بأدق مني وأقصد بها مثالك ومثال الخاتم وكبلو وعثمان حامد والنور محمد حمد ونجاة وخالد عويس وأسامة الخواض وعبداللطيف علي الفكي) ويمكنني أن أورد في قائمتي هذه آلاف السودانيين من مهندسين واطباء ومعلمين وحرفيين وغيرهم وغيرهم ممن اعرف انهم يؤمنون بالديمقراطية وإن كنت لا اتفق معهم في رؤيتهم للعالم .الرؤية للعالم أفق بعيد حسبي ان اكتفي بان امسك متر او مترين من هذا الافق بما يكفي للعمل البراجماتي المطلوب في عشر سنوات فقط في بلدنا .
هذه الإنتليجينسيا تضع الإطار النظري للممارسة التي ستقوم بها الحكومة المركزية .كيف سيكون محتوى التعليم؟ ماهي عدد السنوات التي يتطلبها محو الأمية في البلد بأسرها وماهي الآلية لتحقيق ذلك بصرامة علمية؟ كيف نوطن التكنولوجيا؟ أي أن مؤتمر الخريجين تو يقوم بما تقوم به حالياً مجموعات بروفيسور فاروق محمد ابراهيم وأفراد بجهنمهم ومؤسسات أخرى بأمريكا .لكن على صعيد آخر هنالك برنامج آخر هو برنامج المناطق وهذا يقود لتنفيذ برامج الأحزاب المكتوب طوال نصف قرن وهو برنامج لم ينفذ فكل حزب مهما تصورنا أنه لم يفعل تحدث عن بناء المدارس والمستشفيات إلى آخره. لكن الجديد هنا أن توضع بنود هذا البرنامج بالتدقيق فيه حسب أولويات كل منطقة.
وعن الآلية هي أن يسعى مؤتمر الخريجين تو وفيه ممثلين بالآلاف عن كل إقليم بالسعي لإقناع مواطني هذه الاقاليم بضرورة الالتفاف حول بنود البرامج المذكورة مستوجبة التنفيذ بواسطة تنفيذيين تختارهم تلك المناطق وتلزم بهم الأحزاب الفائزة. أي أن تسعى المناطق لفوز هذا الحزب الديمقراطي فقط في حالى التزامه بتعيين التنفيذيين وإقراره بضرورة تنفيذ بنود البرامج التي هي أصلاً لاتختلف كثيراً عما يطرحه ذلك الحزب على الورق.
[color=brown]في الرد على المداخلة الأسبق

PS جئت متأخراً دائماً عمن ذكرت في الحداثة الحنتوبية وبعض هؤلاء كانوا بمثابة اساتذتي رغم زمالتي لهم مثل النور في داخليتنا لكننا نشهد جميعاً بأننا دخلنا بوابة الحداثة عبر أفكارك ومعاملتك التي تجاوزت كل الأطر التعليمية القديمة الشائخة منذ حنتوب . لكنني جئت للحداثة متأخراً عن كل هؤلاء ربما لأن حديثي الداخلى كما هو دائماً يطول بأكثر مما يجب في كل مسألة . وربما لغرابة أطواري وطبيعتي الريفية [/color]
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي بشرى،
هكذا ستجد أنني لم ألتزم بما حددته في حديثي أعلاه لعثمان حامد من أنني سأعود إلى تعقيبٍ مستفيض على مداخلته بعد أن "أعقب على مداخلة بشرى الأخيرة". لأنني "نسيت" الإجابة على سؤالك عن الصحة. والأفضل أن أورد عبارتك الصائبة العارفة معرفة اليقين بواقع حالي الشقي:


تحيات سائلات عن الصحة والأحوال مشفقات على كائنك المتعب -بفتح العين- على مدار العمر!


"المتعب -بفتح العين- على مدار العمر!". هذا هو بيتُ القصيد إن كان لهذا القصيد من بيتٍ أصلاً.
بخصوص الصحة "الفيزيائية" ما عندي مشكلة. فمازلتُ أستعصي على الكُبُر كشأني في أول عهدي بالدهر. وكثيراً ما يعتقد من يتعرفون عليَّ حديثاً بأنني في منتصف الخمسين. وقد كنت مصاباً في علاقتي بحسن موسى وآخرين من "طلابي" المقربين بأن المتابعين والمتابعات لكتاباتنا وأنشطتنا الثقافية الأخرى يعتقدون/يعتقدن أننا أولاد دفعة.
وقد وقعت لي من جراء ذلك مشكلاتٌ طريفة كثيرة. ففي أول عهدي بحنتوب، أعني في يوم وصولي الأول إليها وحلولي بغرفة ضابط الداخلية (داخلية دقنة)، جاءني عمك: جيب الله؟ (تصور نسيت اسمه هي هذه اللحظة)، وعمل معاي شكله قوية، بسبب "غباي وقلة أدبي"، اللذان جعلاني اقتحم غرفة الأستاذ. كنتُ في الرابعة والعشرين من عمري يظنني من يراني في الثامنة عشرة.
المشكلة في كون عملي متعبٌ جداً أياً كانت سن من يؤديه. (اليومين ديل خفَّ شوية). والأدهى من ذلك أنني لا أعرف متى ينتهي هذا الشقاء. فليس في الأفق أملٌ قريب. مافي زولاً يشيل مني الشيله قريب دا. وإرهاقي الأكبر يأتي من هنا بالذات، وهو في الحقيقة نفسي أكثر منه جسدي: متى سأتفرغ لألملم أطراف كتاباتي المتناثرة، وأعمالي الأخرى؟ لا أعرف! وقد "طاعنني" بعض "الناس" وشمتوا بي، وعيروني، من جراء عجزي عن التمام في هذا الخصوص. وهذا لؤمٌ بينٌ أنت أفضل شاهدٍ عليه. وأنا بالطبع لستُ الوحيد بين "الكتاب" و"المبدعين" السودانيين، وغيرهم، (إن جاز لي هذا الادعاء) الذي يعاني من هذا الوضع المزري. وإن كنتُ أعتقد أنني من أكثرهم شقاءً. وقد لخصَت أنتَ ذلك بسداد شاهد عيانٍ بليغ في عبارتك "كائنك المتعب -بفتح العين- على مدار العمر!"

بخصوص صديقنا "التشكيلي من منازلهم"، الذي أشرتَ إلى حواري معه في السبعينيات (أفتكر سنة 75) فهو الأستاذ أحمد سالم. وقد كنا نصفه هو ورصفاءه، بارتياح في السبعينيات، بأنهم "الرواد الأوائل للتشكيل في السودان". شوف عليك الله جنس الغبا دا. ليس لأن أحمد سالم ورصفاءه لا يستحقون شرف الريادة، بل لأن واقع، وبالتالي مفهوم، "الريادة" في مجالات الإبداع ذات "الطبيعة" المتعددة والطليقة، مثل التشكيل، لا يتناسب مع مثل هذا الإطلاق: الرواد الأوائل لأي نوعٍ من التشكيل وفي أي مجال، من مجالاته، وفي أي سياقٍ ثقافي وتاريخي، ولماذا؟ وكيف؟ لم نكن في الواقع خالي الوفاض من مثل هذه الأسئلة الإشكالية في السبعينيات. إلا أن مناهجنا في التحليل والتعريف لم تكن في بعض الأحيان على اتساقٍ وإحكامٍ دائمين بمقولاتها ومبادئها المؤسسة. وهذا موضوعٌ لا يسعفني الوقت بالاستطراد فيه هنا. وإذا كان للاستطراد فيه من معنىً، في هذا السياقٍ أصلاً، فلأنه يوضح أن ما أعنيه ب"مناهج النقد"، و"الجمود" في هذا البوست لا أعفي منها جوانب في مساهماتنا نحن أيضاً. ومساهماتي أنا شخصياً. وسأعود لهذا لاحقاً.


لقد كانت عبارة احمد سالم طريفة جداً بالفعل. وكان اهتمامنا بها دالاً على "طبيعة" منهج التساؤل، ورفض "اليقين الدوغمائي"، منذ السبعينيات يا بشرى. ولعلك شاهدٌ على أن هذا المنهج كان منهج"نا" منذ أواخر الستينيات. ولا شك في أنك شاهدٌ ومشاركٌ في المناقشات الشائكة التي كانت تجرى بين مجموعات "اليسار الحنتوبي" المختلفة حول هذه القضايا، التي شملت التشكيل والمسرح والموسيقى والفلسفة، واللغة. وعلوم المنهج، إلخ إلخ. كانت عبارة أستاذنا أحمد سالم هي: "الفن كوجود الكون غير قابل للفهم وااا ..."
وقد أراد أن يستطرد كما قلتَ أنت "بعد أن ضرب بحجرٍ جملته الواحدة على الحل القطعي الدامغ لأكبر إشكالين لم تكن المقابلة تطمح في حل شذرة واحدة أو برعم من فرع شجرتهما الشائك."
ولا نزال لا نطمع في "حلٍ" حاسمٍ ونهائي لأي مشكلةٍٍٍ من مشكلات المعرفة. وكل ما نفعله هو جهد المساهمة في مقارباتٍ "أفضل" و"أدق".

بخصوص مداخلتك الأخيرة (الراحت فيها مع الاستطرادات أعلاه حول مداخلتك الثانية). فإنني سأكتفي هنا، إلى أن أعود لمناقشةٍ أكثر استفاضةً، بالقول بأنني لا أوافقك في قولك:
ليست العبرة بالحديث عن الجمود ولا بطرح كافة فصائل اليسار -أنا لا أدخل حزب البعث بجميع اقسامه ضمن هذه الفصائل- وأعتقد ان مساعيها للتوحد ستصرف جهداً ووقتاً ثميناً كما إن الإختلافات بين هذه الفصائل عميقة.


[size=18]وقبل أن أقول لماذا وفي ماذا وكيف لا أوافقك، أحب أن أحدد أن اليسار الذي أتحدث عنه هنا هو اليسار الديمقراطي والشيوعي المنطلق من تراث الاشتراكية الإنساني وبالتالي الأممي، والوطني بحكم الواقع والضرورة التاريخية. ولا أعتقد أنني أملك الصلاحية والمعرفة بفصائل اليسار الأخرى، و"القومية" منها بالذات. وهي على كل حال بعيدةٌ جداً عن المثال الأعلى الاشتراكي والشيوعي الذي أصدر عنه، وأتناول هنا، وفي مجالات أخرى، بعض ما اعتبره "قصوراً" أو "جموداً" في مقارباته النظرية، وتجاربه العملية في إنزال هذا المثل الأعلى إلى أرض الواقع (تجارب الاتحاد السوفييتي، وشرق أوروبا، والصين وكوبا، وفييتنام، وغانا، وموزمبيق، وغينيا بيساو إلخ). كل هذه التجارب التي غابت عنها فكرة الديمقراطية التعددية كقرينٍ، أو كتوأمٍٍ سيامي للاشتراكية والشيوعية (على الرغم من بعض جفاء المثل).
وأنا لا أقترح هنا، وليس في نيتي أن أقترح برنامجاً، ولا إقامة تنظيماتٍ بديلةٍ، تتجاوز تنظيمات اليسار الديمقراطي والشيوعي القائمة، وإنما أعرضُ جملةً من الأفكار والرؤى والملاحظات النقدية، التي لا أزعم لها سداداً استثنائياً، ضمن تيارٍ نقدي (في بلادنا وفي غيرها)، آخذٍ في النمو والتصاعد. وأنا أعني التيار الذي يتوخي تطور وفعالية وراديكالية حركة اليسار. وراديكالية دي مهمة جداً عندي يا بشرى، للتمييز بين النقد الذي يتوخى رفع فعالية عمل اليسار وشفائه من الجمود، وبين النقد الذي سماه خالد الطيب، عن حقٍ وبحق، ب"تيار النقد التقريري"، المتملص، في الغالب، من اليسار. ولذلك فإنني لا أوافق على قولك " ليست العبرة بالحديث عن الجمود". ففي تقديري أن الجمود، وأعني به التوقف عن أنتاج الفكر النقدي، المفضي إلى الإبداع التنظيمي والحركي المؤسسي، من موقع الندية والمبادرة وليس من موقع تقديس النصوص المرجعية، ومراوغة تقديسها بمقولات "مثل التطبيق الخلاق"، و"الماركسية ليست كتاباً مقدرساً، بل مرشد". (فالكتاب المقدس مرشد أيضاً في أحد أبعاده الأساسية). الماركسية مساهمة. وهي مساهمة عالية جداً في تفكيك الرأسمالية ودعاواها الإيديولوجية الصريحة والمدغمسة، تفكيكاً متقناً بارعاً لا هوادة والا مساومة فيه. سوى أنها على الرغم من علوها، مساهمة لا تغني عن الإبداع الفكري الطليق. ولا تعفي منه.

وأجيك للباقي بعدين.

مع عامر مودتي
بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الأحد يناير 22, 2006 5:16 am، تم التعديل مرة واحدة.
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 12:30 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي مازن،
أحر تحياتي ومودتي،

شكراً على طرحك لهذا الموضوع الهام وهو بلا شك موضوع مركزي بين الموضوعات التي يناقشها هذا البوست. ولذا فهو طويل ومعقد. وداير براح ومهلة، و"شوية روقة" كما قال الحردلو الكبير، وهو يصف أياماً خواليا:
وكتاً فيّْ نَفس ريسه وشوية روقة
معاي الدنيا سالكة العندي مي ممحوقه
ولستُ متأكداً من كلمة "سالكة" هذه، سوى أنها صحيحةٌ في المعنى والوزن. أما أنا، من جانبي، فلستُ راغباً في "نَفَس الريسة" بأي حال. وأبغض الأمور إلى نفسي أن أكون رئيس أي شيءٍ كان. وأنا ثانياً على عكس الحردلو، لم أعرف في حياتي "الدنيا السالكة"، "والعندي" من رزق "الدنيا الفانية"، كانت دائماً قليلة و"ممحوقة". إلا أنها الآن وصلت غاية المحقة على كل المستويات. وخصوصاً فيما يتعلق بالوقت والمكان. وأخص هنا علاقة الوقت والمكان الضيقين بترتيب الكتب والأوراق والمراجع والوثائق. وهناك قائمة طويلة من الصديقات الأصدقاء ممن لم أرد على رسائلهن/هم وإيميلاتهم/هن. ومتلوم فيهن وفيهم لوم عدوك. وأتمنى أن يقرأوا ويقرأن هذه الكلمة فيعذرنني/ويعذروني.
وهذه في الواقع مقدمة طلبٍ للسماح لي من جانبك بأن أتأخر شويه في الاستجابة لمطلبك الهام العزيز.

مع خالص محبتي وتقديري.

بــولا
أضف رد جديد