الجدال الطويل فى ماهية البديل

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
ØáÇá ÇáäÇíÑ
مشاركات: 265
اشترك في: الأحد سبتمبر 06, 2009 11:03 am
مكان: Addis Ababa, Ethiopia
اتصال:

الجدال الطويل فى ماهية البديل

مشاركة بواسطة ØáÇá ÇáäÇíÑ »

صورة

بعد الانقلاب العسكرى الذى خططت له الجبهة القومية اﻹسلامية على الديموقراطية الثالثة عام 1989 تغيرت قواعد اللعبة السياسية والعوامل المؤثرة عليها، وحتى "ثورة اﻹنقاذ الوطني" لم تصبح هى ذاتها؛ فاﻹنقاذ ومشروعها الحضاري عندما كانت مجرد أفكار حالمة فى مخيلة اﻹسلاميين لم تكن هي ذات "الإنقاذ" بعد مفاصلة 1999، وهى مختلفة عن إنقاذ اليوم.

تبدلت اﻹنقاذ وأثوابها على مر السنين، فمن حكومة انقلاب عسكري برعاية تنظيم إسلامي تحولت لاحقاً إلى تحالف اقتصادي ضخم ذي نفوذ إقليمي وعلاقات وثيقة بالاقتصاديات الصاعدة فى شرق آسيا، تحالف اقتصادى يمتلك استثمارات كبيرة فى القارة السوداء، وهو ما ساعد حكومة الإنقاذ على كسر الحصار الاقتصادي الذى فرضته عليها الدول الغربية بسبب إتهام الحكومة السودانية برعاية الإرهاب.

المؤسسات العسكرية تغيرت كلياً فى عهد اﻹنقاذ بالتصفية واﻹحلال واﻹبدال، المؤسسات العسكرية خرجت من حيادها "المُفترض" لتتحول من مؤسسات قومية إلى أجهزة شبه حزبية مهمتها الأساسية حماية التنظيم اﻹسلامى. المؤسسة العسكرية تبدلت مع تغير طبيعة النظام لتصبح لها أسهم تجارية ونصيب فى كعكة اﻹقتصاد السودانى، فأصبح للجيش والشرطة واﻷمن استثماراتهم الإقتصادية الكبيرة التى تجعل تلك اﻷجهزة مرتبطة بحركة السوق ومصالح من يحكمون ويتحكمون، وفى كل يوم تزداد المؤسسة العسكرية التصاقاً بمصالح اﻹسلاميين الاقتصادية ويضحى احتمال مشاركتها فى إحداث تغيير عكسى فى ميزان السلطة والثروة خياراً أكثر استبعادا.ً

الفئات اﻹسلامية الطفيلية، من خلال سياسات الاحتكار، تحكمت فى كل مفاصل السلطة والثروة فى البلاد، وتراكم رأس المال الطفيلي الذى تم خلال سنوات اﻹنقاذ جعل من اﻹسلاميين قوة اقتصادية ضاربة، فهم يحتلون كامل سوق العمل وبتنسيق عالٍ يوزعون كعكة الغنيمة التى لم تكن بنفس الحجم عند استيلائهم على السلطة. عائدات النفط خلال سنوات واستثمارات حركات اﻹسلام السياسى حول العالم فى السودان خلقت استقراراً اقتصادياً نسبياً فى البلاد استفادت منه مجموعة المتنفذين أمنياً وهو الشئ الذي يصعب من إمكانية إحداث أى تغير مفاجئ فى السلطة، وهو التغيير الذى إن حدث فإننى أظنه سيكون مؤقتاً، والذى إن استمر فإنه لن يفضى إلى ضمانات باستقرار الأحوال ناهيك عن تحسنها. فى حال حدوث أى تغير مفاجئ فى السلطة فإن هروب الفئات الطفيلية بما جنته من أمواله سوف يضرب اقتصاد البلاد فى مقتل ﻷنه اقتصاد فقد كل مقوماته، فالزراعة حصل لها تدمير منهجى جعل بعض المزارعين يفضلوا أن يعملوا كأجراء فى أعمال البناء والتشييد بدلاً من التلظى بنيران الجبايات التى تفوق أرباح ما يزرعون. بعد استقلال جنوب السودان ستتوقف عائدات النفط التى خلقت انتعاشاً نسبياً لم يدم طويلاً.

قامت حكومة اﻹنقاذ بتبديل هيكلة الخدمة المدنية وإدخال العناصر الحزبية اﻹسلامية من خلال قانون الفصل للصالح العام الذى كان يُفرغ مؤسسات كاملة من أكفأ العناصر المدربة ليحل مكانهم اﻹسلاميون، وبعد تصفية الشركات الحكومية كالاتصالات وسودانير والخطوط البحرية وغيرها وبيعها بأرخص اﻷثمان إلى إسلاميين وتحويل تلك الشركات إلى شركات خاصة تبدلت كل القواعد واﻷدوار فى السودان. باختصار تحولت البلاد إلى ضيعة للإسلاميين وأصبحت اﻹنقاذ قدراً كارثياً من الصعب الفكاك منه.

اختلفتت مع بعض اﻷصدقاء عند نقاشنا حول "مشروعية الحديث عن أهمية إقناع المواطن ببديل ناجح لحكومة اﻹنقاذ"، اﻷصدقاء قالوا لى بأن جهاز اﻷمن يروج لهذا الفهم حتى يكسر عزيمة الثورة والانتفاضة لدى المواطنين. لقد اختلفت معهم باعتقادى بأن مخاوف رجل الشارع موضوعية عند سؤاله عن البديل لحكومة اﻹنقاذ، المواطنون يحتملون اﻹنقاذ ومصائبها عملاً بالمقولة الشعبية الشهيرة "جن تعرفو .. ولا جن ما تعرفو" وهم أقنعوا أنفسهم بذلك “الابتلاء الرباني” حسب اﻷدبيات الكيزانية. المواطن البسيط يعلم أن اﻹسلاميين يسيطرون على كل مفاصل البلاد وأن قوى المعارضة لم تقدم له رؤية جدية للتغيير أو تصوراً لمستقبل البلاد على المدى القصير أو الطويل، فالبعض يتخوف من مصير (الصوملة) الذى ترشحه لنا العديد من المؤسسات اﻷكاديمية التى تناقش الشأن السوداني.

المواطن العادى يرى قوى المعارضة منقسمة على نفسها، فلا يوجد حزب سياسى لم يحصل فيه انشقاق طوال فترة حكم اﻹنقاذ، ومطالب وأشكال التغيير تختلف من حزب إلى آخر، فبعض قيادات اﻷحزاب الطائفية عقدت تحالفات مع اﻹنقاذ بالاستناد على المرجعية اﻹسلامية وهى ترى بأن هناك أمل فى إحداث تغيير سلمى فى النظام بمشاركتهم فى السلطة وهم يطرحون أنفسهم كبديل "عربى إسلامى معتدل" بعد انفضاض الشراكة مع الحركة الشعبية "العلمانية اﻷفريكانية" التى ذهبت جنوب حدود 1956 لتبدء تجربتها فى بناء دولة الجنوب الجديدة. مطالب اﻷحزاب العلمانية ورؤيتها لا تتفق أحياناً مع اﻷحزاب الطائفية الإسلامية، وطريقة الحركات الثورية المسلحة فى التغيير لا تتفق مع أطروحات التداول السلمى للسلطة التى تنادى بها اﻷحزاب السياسية الخرطومية.

عملياً لا توجد "معارضة" واحدة كما توحى الكلمة، بل توجد "معارضات" كثيرة العدد متباينة الرؤى لم تجمع إلا على معارضة الإنقاذ، وهذا التباين الكبير لم يخلق طمأنينة لدى المواطنين الذين هم أنفسهم يختلفون فى درجات تضررهم أو إنتفاعهم من استمرارية نظام اﻹنقاذ.

عندما خرجت قوى المعارضة فى يوم 30 يناير لـ(التضامن مع الشعوب العربية) و (ارتفاع اﻷسعار) فقد أحس بعض المواطنين السودانيين بغصة فى حلوقهم؛ فملايين اللاجئين الدارفوريين وقتلاهم قد كانوا أولى بتضامن المعارضة الخرطومية، فقوى المعارضة لم تقم بتسيير مظاهرة واحدة فى العاصمة للتضامن مع الدارفوريين وقبلهم الجنوبيين، وأحياناً كانت تستغل القضية اﻹنسانية كورقة ضغط على الحكومة فى الخرطوم ليس إلا. تنديد المعارضة بارتفاع اﻷسعار لم يجذب انتباه مواطنين فى اﻷقاليم الذين لا يجدون حتى تلك السلع ناهيك عن معرفتهم بارتفاع أسعارها. أهل الشرق يتخطفهم الموت ببطء عن طريق أمراض ما قبل التاريخ، والكردفانيون فى شمال ولايتهم يعانون من عطش قاتل يتهددهم وثروتهم الحيوانية وفى جنوب الولاية تطاردهم أشباح الحرب والموت، ومع كل ذلك ينصب هم قوى المعارضة الخرطومية فى التضامن مع "العربى البعيد" بدلاً من "السودانى القريب" .. و (الصندل فى بلده عود).

خلال العقود الماضية ظلت اﻷحزاب السياسية تقدم إيحاءً لمواطني اﻷقاليم بأنها (أحزاب مركز) وأنها تهتم بالمواطن الخرطومي على حساب البقية فى اﻷقاليم، وذلك اﻹيحاء دفع الكادر الخطابى لام أكول ﻷن يقول فى ركن نقاش فى السبعينات بأنه لا يرى فرقاً بين اﻹسلاميين والشيوعيين فهم جميعاً (جلابة)!

فهل تريد اﻷحزاب السياسية الخرطومية أن تثبت للجميع بأنها (شمالية) وإنها لن تصبح (قومية) على المدى المنظور؟

يجب علينا كسودانيين اﻹجابة بشجاعة على اﻷسئلة الصعبة التى تدور فى أذهان البسطاء وتقديم خيارات بديلة يمكن الالتزام بها، فسيناريو الفوضى الشاملة لا يستطيع الكثيرون معايشة تفاصيله الكابوسية، ورغم توفر المعلومات والمناهج اﻷكاديمية للتحليل إلا ان طبيعة السودان الانتقالية تجعل من شبه المستحيل على أى شخص التنبوء بما يمكن أن يحدث وهو أسوأ ما يمكن أن يقابل كل مبادر لتغيير النظام!

هل قدرنا كسودانيين أن ندور كالفئران فى تلك اﻷسطوانات المفرغة إلى اﻷبد، من الشمولية إلى الديموقراطية ثم مجدداً إلى الشمولية؟ هل مجرد كوننا سودانيين هو عقاب سيزيفي وأبدي لنا جميعا؟ التغيير المنشود يجب أن يشمل الحكومة و"المعارضات" ويجب أن يضمن تبدل كل العقليات والقيادات القديمة التى ساهمت فى وصول السودانيين إلى هذا الدرك اﻷسفل من الشقاء، ولينهي ذلك الجدل الطويل حول ماهية البديل. هل قامت يا ترى الحركة الإسلامية بعد انقلابها المشؤوم بفتح (صندوق باندورا) فخرجت إلى العالم كل قيم الشر و الدمار وتبقت فى قاع الصندوق، كما تقول الأسطورة الإغريقية، قيمة واحدة فقط لم ولن تخرج للأبد وهى (الأمل)؟

Necessity is blind until it becomes conscious. Freedom is the consciousness of necessity

Karl Marx

::::::::

http://www.tnayer.blogspot.com
صورة العضو الرمزية
ØáÇá ÇáäÇíÑ
مشاركات: 265
اشترك في: الأحد سبتمبر 06, 2009 11:03 am
مكان: Addis Ababa, Ethiopia
اتصال:

مشاركة بواسطة ØáÇá ÇáäÇíÑ »

https://tnayer.blogspot.com/2011/06/blog-post_06.html
Necessity is blind until it becomes conscious. Freedom is the consciousness of necessity

Karl Marx

::::::::

http://www.tnayer.blogspot.com
صورة العضو الرمزية
ÃãÌÏ ÝÑíÏ
مشاركات: 253
اشترك في: الاثنين إبريل 12, 2010 12:06 pm

مشاركة بواسطة ÃãÌÏ ÝÑíÏ »

سلامات يا طلال

السوال عن البديل لحكومة القمع الانقاذي الحالية محفوفة بالمخاطر و المزالق و احيانا بالغرض ( و هذه لا اعنيك بها بالطبع) لكنه يبقى ضروريا لنعرف وجهات الطريق و لكن و مع احترامي لجهدك المبذول اعلاه فانت لم تتناول البديل في حد ذاته بل اغلب ما تناولته بالنقد بالاتفاق مع صحته في المجمل العام هي اليات للتغيير و ليست بديلاً مطروحا على الاطلاق .. فالموسسة العسكرية او منظومات الخدمة المدنية او حتى الاحزاب السياسية كلها تعجز الان عن المساهمة بدورها الذي كانت تلعبه سابقاً لصناعة التغيير السياسياجتماعي الذي نرغب بل و اكثر شهدت التجارب السابقة للتغيير عبرها فشلا زريعا لا نزال نعاني ويلاته حتى اليوم ... كل هذا لا يجعل التغيير في حكم المستحيل و لا يجعلها هي نفسها (الادوات) في حكم المستعصية على الاصلاح او حتى القدرة على لعب دور و لو جزئي او منقوص في صناعته مع مواصلة الناشطين السياسيين لانتاج ادوات جديدة او ابتداعها لسد النقص و هذا بالطبع حديث عن الالية و ليس النتاج this is a how question not a why one.
سوال البديل شائك و لا احسب بالضرورة ان احداً يملك اجابة قاطعة و كلية و محيطة له بل نتفق جميعاً احسبنا في اننا لا نريد شيئاً غير نظام حقوقي ديموقراطي مدني بضمانات كافية لاستمرارية و حماية الممارسة الديموقراطيةهذه الضمانات تتمثل في قواعد حقيقية و عملية و راسخة للمشاركة السياسية للجميع بيحيث يوثر كل رأي و يصنع كل صوت فرقاً
و هذه نفسها قاعدة دائرية تغذي نفسها فاكبر ضمان لرسوخ الممارسة الديموقراطية هي استمراريتها و الصبر عليها علي كل سواءات و الام المخاض ة هذه بدورها توثر و تغير في تركيبة الاحزاب و الموسسات السياسية و افكارها و برامجها و ترشدها باتحاه المصالح المجتمعية للحاكم صاحب الامر و هو كتل الجماهير في حالة الممارسة الديموقراطية التي نرغب فيها هذه.

و كل هذا يا طلال لن يصنعه تفكير رغبي او منعزل بل لن يستطيع صناعته و الحفاظ عليه الا ديموقراطيون حقيقيون يدركون انهم لا يمتلكون الحقيقة المطلقة و لا يرغبون في احتكارها

السوال يا صديقي الان ليس البديل .. بل السوال كيف لنا أن ننصنعه

مع تحياتي و شكري
أضف رد جديد