لماذا نكتب ولمن نكتب؟ وأسئلة أخرى حول معنى الكتابة والقراءة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

لماذا نكتب ولمن نكتب؟ وأسئلة أخرى حول معنى الكتابة والقراءة

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

للكاتبين منا:

1- لماذا نكتب ماذا نكتب ولمن نكتب؟. (معنى وهدف الكتابة)

2- كيف نكتب؟. (جودة الكتابة)

3- كم نكتب؟. (كم الكتابة)

5- متي نكتب؟. (زمن الكتابة)... و،

6- أين نكتب؟. (مكان الكتابة).


محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

وللقارئين منا:

1- لماذا نقرأ، ماذا نقرأ ولمن نقرأ؟. (معنى وهدف القراءة)

2- كيف نقرأ؟. (جودة القراءة)

3- كم نقرأ؟. (كم القراءة)

5- متي نقرأ؟. (زمن القراءة)... و،

6- أين نقرأ؟. (مكان القراءة).


محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

مئات الصحف والمجلات الورقية والأخرى الإكترونية ودور النشر تعج بالكتب والكتيبات والمنابر الإسفيرية "شأن عجيب" مشحونة بالكلام ويشتغل بها كل يوم مئات الألوف من الكاتبين يكتبون في كل شيء بلا إستثناء.


الكاتبون
؟؟؟؟

القراء
؟؟؟؟

ديل منو؟. دا شنو؟. في شنو؟. (((( والبلد "السودان" كل يوم تغوص في الوحل وتزداد الأزمات طرآ، وتتباعد الشقة بين الناس وتنتشر العداوة ويحتقرنا الآخرون بما جنت بعض الأيادي منا))))
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

نحن بنسوي في شنو؟. (نحن الكتاب، نحن القراء).

نحن منو "إن جاز فرزنا"؟. نحن شنو؟. نحن ليه؟. وليه كدا؟.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

آمل أن تبقى تلك الأسئلة في سياقاتها الموضوعية في حل عن مشاعري وآرائي الذاتيتين
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]

الأخ محمد جمال الدين .. مبارك عليك شهر رمضان .. تصوموا وتفطروا على خير .. وربنا يعينكم على ساعات الصيام الطويلة في اوربا ..

لقد وجهت أسئلة مشروعة لكل من يكتب ( هاوي أم محترف ) وكل من يقرأ بتواصل او بشكل متقطع .. لن استطيع أن أرد بتعميم ربما يأتي مخالفاً لغيري .. لذلك سأجاوب وفقاً ( لمشاعري وآرائي الذاتيتين ) .. لك التحية على ضجيج الأسئلة الذي تثيره هنا فيخترق سكوننا ويحرك جمودنا ويخرجنا من سباتنا العميق ..

أولاً : حديث الكتابة ...

* لماذا نكتب .. اكتب لنفس السبب الذي جعل صانعي حلة ( البريستو ) يضعون خرماً صغيراً في سطح غطائها .. اكتب لأخفف من ضغط وتخمة الأشياء التي تمور بداخلي وتكاد تخنقني .. اكتب لأعبر عن فرحي .. أو لأتخلص من إحباطي .. أو لأواجه هزيمتي وانكساري .. أو لأداهن أحزاني وأتملق خيباتي .. اكتب لأملس تجاعيد أفكاري .. وأشذب حواف هواجسي .. اكتب كي ابني جسراً بيني وبين الآخرين يعصمني من الوقوع في هوة الأنا .. ويقيلني من عثرة إدمان صدى صوتي .. اكتب كي امنح البعض خلاصة تجاربي التي نتجت عن معايشتي لهم .. اكتب لأمنح عقلي حقه في التفكير والتدبير .. وصوتي حقه في الصراخ والتعبير .. وروحي حقها في التمويه والتمدد والانزواء خلف الكلمات والمعاني .. اكتب استجابة لغواية سراب الخلود الذي يتراءى لي في صحراء الكتابة القاحلة ..

* ماذا نكتب ؟! .. اكتب ما يخطر ببالي وكيفما يأتي .. وأحياناً لا أدرك مضمون ما خطه قلمي إلا بعد الفراغ منه .. فأجد أن أفكاري المبهمة المتصارعة قد تحولت وتحورت وتخلّقت لتصبح قصة قصيرة .. أو رواية طويلة .. أو نثر مقفى .. أو شئ يحاول أن يتشبه بالشعر لكنه ليس شعراً .. لا املك السيطرة على ما اكتب .. فالكتابة فعل موغل في الأنانية .. يختار مواعيده ومواعينه دون مراعاة للكاتب ..

* ولمن نكتب؟. (معنى وهدف الكتابة)…
لمن اكتب ؟! .. اكتب لغيري وليس لي .. اكتب لأساتذة الجامعات ومعلمي المدارس .. اكتب لربات البيوت .. ولطلبة المدارس والجامعات .. اكتب للموظفين في مكاتبهم والعمال في ورشهم ومعاملهم .. لسائقي التاكسي والركشات والأمجاد .. .. اكتب للمراهقين والناضجين والعطالى والكسالى .. اكتب لأصحاب النفوذ والحكام .. اكتب لكل الناس .. اكتب لكل من يستطيع أن يقرأني .. اكتب لجمهور لا اعرفه وأتمنى أن يعرفني من خلال كتابتي .. اكتب لمن يشابهونني ولمن يخالفونني في المستوى العلمي والثقافي والتعليمي والفكري والعقائدي .. اكتب لكل من يدب على قدمين ويمتلك عقل وعينين ..

* كيف نكتب ؟!. (جودة الكتابة)…
عندما اشرع في الكتابة أحاول التجويد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .. والتجويد بالنسبة لي لا يقتصر على قواعد النحو والصرف واستخدام المحسنات البلاغية فقط .. وبرغم اقتناعي بأن الأخطاء الإملائية والنحوية والبلاغية تشوه أي إنتاج كتابي .. لكن إهمال أو نسيان أو حتى تعمد عدم وضع السكون في مكانها .. والشدّة حيثما وجبت والفتحة حيثما لزمت والتنوين حيثما اقتضى والكسرة كلما أتت .. لا يقلل من جودة المكتوب أن كان جيداً مبنىً ومعنىً .. وبالمقابل فان وضع كل هذه العلامات في أماكنها الصحيحة لا يزيد القبيح جمالاً .. ولا الفارغ امتلاءاً ولا يحول الغث إلى سمين .. فالكتابة سواء أن كانت جيدة أو غير ذلك .. تخرج سافرة وهي تعرض نفسها لكل الأعين .. وتقييم جودتها من عدمه يقع على عاتق المتلقي ..
وجودة الكتابة معنى شامل يتضمن لغة الكتابة ومضمونها ووضوحها وزاوية طرحها وقدرتها على توصيل المراد إلى ذهن القارئ إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالكاتب ورؤيته وتخيلاته وأهدافه .. الخ .

*كم نكتب؟. (كم الكتابة) ..
كنت فيما مضى أعاني من تمرد الخيال وجموحه فكانت كتاباتي تندفع كجلمود صخر حطه السيل من علٍ .. ثم كما النهر الذي يضيق بعد اتساع .. ويهدأ بعد صخب وفوران .. أصبحت كتاباتي قليلة ومتباعدة .. ربما بسبب مجاهداتي مع الحياة على المستوى الشخصي والعام .. ربما هو ملل تلبسني فسجن خيالي وكبل حروفي .. ربما ( ومن وجهة نظر شخصية جداً ) لم يعد هناك ما يُكتب بعد أن تساوت الأمور سواء أن كتبنا عنها أم تركناها .. لقد هرمنا .. وباتت الكتابة عصية ومتمنعة وجاحدة ..

* متي نكتب ؟!.. (زمن الكتابة)...
لحظة نزول الوحي تأتي مثلما تحب هي لا كما نرغب نحن .. في ليل أو نهار .. في صيف أو شتاء .. في حزن أو فرح .. في عسر أو يسر .. في صحو أو نعاس .. في هدأة الخاطر أو ثورته ..

* أين نكتب؟. (مكان الكتابة)...
جُلّ كتاباتي ( إن لم يكن كلها ) اكتبها في نفس المكان الذي اخط فيه هذه السطور .. في مكتبي وأنا محاطة بأزيز ماكينة التصوير .. وصفير جهاز الفاكس .. ورنين الهاتف .. وخطوات الزملاء والزميلات .. وإلحاح ( الأوفيس بوي ) .. حاولت أن اكتب في البيت حيث الهدوء القاتل الذي تسمع فيه صوت الإبرة إن سقطت أرضاً .. فلم افلح .. كنت أرى الكلمات تحوم حول راسي وتلعب بشقاوة .. أمد يدي لأمسكها فإذا بها تندس بين طيات الهدوء ولا تخرج من خبائها إلا بعد وصولي إلى مكتبي حيث الضجيج المنتظم المستمر .. يا لها من كلمات غبية يبهجها الصخب ويجعلها تدخل إلى حظيرة الكيبورد طائعة مختارة وكأنها قد تآلفت معه وصارت لا ترضخ إلا له ..


ثانياً : حديث القراءة

* لماذا نقرأ، ماذا نقرأ ولمن نقرأ ؟!... (معنى وهدف القراءة)
أقرا كي تتفتح مداركي .. أقرا كي اشحذ حواسي وأزيل عنها صدا البلادة .. أقرا كي أتعلم عن أشياء أن تبد لي قد لا تسوؤني بل ترفع عني لعنة الجهل المقيت .. أقرأ كي أزيل عن روحي غبار الخمول وارويها بجرعات من المتعة المقترنة بفعل ممتع ..
أقرا كل ما يقع تحت طائلة يدي وفهمي وذائقتي التي تطورت مع سنوات العمر والنضج وزيادة المشيب .. أجمل ما في القراءة المتنوعة أنها تنقلك إلى عوالم رحبة .. ولا تسجن أفقك وخيالك في منطقة واحدة .. فهي تجعلك تفهم وتقدر قيمة الاختلاف بين البشر والأماكن والظروف والأحداث ..
أحاول أن أقرا بلا تمييز بين الكُتّاب .. أقرا للعرب والأعاجم كل بلغته المكتوبة .. ومعياري لتحديد ( من ) مرهون بأسلوب الكاتب في الكتابة ومدى تقبلي لها وتفاعلي معها ..

* كيف نقرأ ؟!. (جودة القراءة) ..
أقرا بتوقع .. وبعقل منفتح .. وبرغبة قوية في التوغل داخل عقل الكاتب والتماهي مع شخوصه في حال كان المقروء رواية .. أقرا بتؤدة وبقلب منشرح وتلذذ سافر إن كان المقروء شعراَ أو نثراً .. أقرا بتحفز وتصميم وتحد إن كان المقروء مقالاً سياسياً أو نقداً أدبياً .. أقرا بتركيز في الكتب العلمية .. أقرا بروحي وعقلي وكلي في كتب العقيدة والتفاسير .. أقرا بتبسم ضاحك قصص الفن وحكايات الفنانين .. أقرا بتهيب كتب الميتافيزيقيا ومواضيع ما وراء الطبيعة .. أقرا بإمعان السير الذاتية والقصص الواقعية ..

* كم نقرأ؟!... (كم القراءة)
أقرا كثيراً أو قليلاً حسب توفر الوقت والرغبة والجو المساعد للقراءة ..

* متي نقرأ ؟!... (زمن القراءة)...
أول الصباح عندما أكون أنا والكتاب والصمت ثالثنا .. أو في آخر الوقت وقبل النوم عندما نكون أنا والكتاب والوسن ثالثنا ..
يتحدد وقت قراءتي حسب المزاج والفراغ ومدى قدرة المادة المقروءة بالاستحواذ على انتباهي حتى أثناء انشغالي بأشياء أخرى ..

* أين نقرأ ؟!... (مكان القراءة) ...
في مكتبي الصغير وخلف طاولتي المحتشدة بكل ما يشتت الانتباه عن التركيز .. أو مقرفصة داخل الكرسي العريض الملاصق لمهجعي .. على عكس الكثيرين لا أتقن القراءة مستلقية .. فبين راسي والوسادة اتفاقية نوم فقط لا غير ..




للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »

الزميلة سناء جعفر...

شكراً على هذا "الكرم" ... تمتعت حقاً بالتعرف عليك كاتبةً وقارئة...

والتحية طبعاً لـ
محمد جمال الدين على الأسئلة التفصيلية.



ح.خ
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

العزيزة سناء

كل سنة وانت طيبة

وشكرآ لصبرك الجميل الذي مكنك من الوقوف على أسئلة أعلم جيدآ عندما وضعتها كم هي ثقيلة ومملة وربما مكرورة زيادة على أنها محيرة كما أنها قد تتراء للبعض غير ممكنة الإجابة أو ربما لا قيمة لها!. كون بعض الناس لديهم إعتقاد أن الكتابة مثل "الطعام" إذ أنك لا تسأل إنسان في العادة لماذا يأكل لأن الإجابة بدهية "نحن نأكل عندما نجوع" وإلا سنموت. غير أن الكتابة ليست مسألة حيوية أو غريزية مثل الطعام بل هي خيار يختاره الإنسان بمحض إرادته لا غريزته وعندما لا يكتب الإنسان أي شيء طوال عمره لن يضيره شيء بل يستطيع أن يعيش ويعيش ربما بنفس القدر من الصحة البدنية والنفسية. حتى أنها "الكتابة" مجرد إكتشاف جديد نسبيآ في مسيرة نشوء الإنسان وتطوره. فالكتابة إذن خيار موضوعي. ولو أن لكل منا طريقته وهدفه ولغته ودوافعه التي تختلف قليلآ أو كثيرآ عن الآخر في أزمنة مختلفة وأمكنة مختلفة. كما الأمر ذاته ينطبق على القراءة.

قبل عامين تقريبآ افترعت بوست بعنوان: نحو كتابة أكثر عملية... عند هذا اللنك:

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 4a008807a3

حاولت أن أتسائل من خلاله في أن هل أوضاعنا السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية الراهنة في السودان تحتم علينا أن نكتب بطريقة محددة؟" أم أن الكتابة بكل أشكالها كائن لا تاريخي؟.

وحاولت تعديد مجالات الكتابة وأهدافها المحتملة وإقترحت شكل محدد للكتابة الفاعلة. ولو أن لظروفي الخاصة ذاك الوقت لم أكمل ما كنت قد أنتويته حينها. وها أنا أعود من جديد بمثل ذاك المشروع علنا نسهم معآ في إيجاد إجابة على السؤال المحوري الصعب "معنى الكتابة"؟.

شكرآ لك مجددآ على الإضافة القيمة.

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

العزيز ح.خ

حا نعمل جهدنا ما نخليك تمر كدا ساكت وساكت. دا برضو شغلك!. في المستقبل القريب أتمنى أن أسمع رأيك ما كان ممكنآ.

تحياتي

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

الإجابة يسر وليست عسر

لا نطالب كل الناس إمتثال السنة الفظة التي أستنتها سناء جعفر وهي "الإجابة" دفعة واحدة على كل الأسئلة المطروحة على صعوبتها. ممكن الزول إجاوب على السؤال البريحو وبس أو الشايفو مهم من زاويته. فإن كان السؤال عسيرآ فالإجابة يسر وليست عسر وجزاكم الله خيرآ : ).

فمثلآ أنا شخصيآ أجد السؤال الأكثر أهمية يتحاوم حول "معنى الكتابة" في الزمكان.أي ((كتابة X الزمان/المكان = ؟ شنو؟)).

محمد جمال ... ع. لجنة تيسير الإجابة : )
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

الأخ محمد جمال الدين وجميع المشاركين في اسئلة الكتابة ..سلام

أكتب بِاسمك الأكرم الذي يكتب بالقلم:

نكتب أحياناً لكسر حاجز الخوف من مواجهة الناس ومخاطبتهم وأحياناً أخري نكتب كيما "نوثق" افكارنا بعون سلطة الوثيقة المستعادة "كاملة" بذاتها عبر قدرة القراءة وتوثيقها يأتي كضرورة حتمية بغرض الحفاظ عليها من الضياع والكبر والهرم وضعف الذاكرة الهشة ولكسر حواجز الصمت والمشافهة المميتين وكثيراً ما نكتب خوفاً من تشتت افكارنا العابره وإنزلاقها منا وتسربها من ايدينا، عبر مسيرة ذواتنا المتصارعة والمتحولة ونكتب أحياناً فقط لنعرق او نبكي، نتبول ولربما نتغوط ونتعري ونمارس اشباعنا الذاتي ونكتب لا لنقل افكارنا وتوصيلها للناس ؟ لكن فقط للإستمتاع بفتنة الكتابة والتوحد مع الذات ونكتب للتجريد،نكتب لأن الكتابة مشاع، كما نكتب لإمتصاص الرعب والفزع،نكتب دفاعاً عن جنوننا وهزياننا، لأحلامنا وكوابيسنا،نكتب لنعلم الأنسان ما لم نعلم...لنعلم؟،نكتب لأن كل مَنْ عليها فان ولا يبقي وجه غير وجهها. الكتابة؟.

مودتي

وليد يوسف
السايقه واصله
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

مرحبآ بالعزيز وليد يوسف وبلمشاركة النيرة.

وفي إنتظار المزيد من الآراء و "المشاعر" الممكنة.

تحياتي

محمد جمال
صورة العضو الرمزية
åÔÇã ÂÏã
مشاركات: 89
اشترك في: الاثنين فبراير 22, 2010 12:23 am
اتصال:

مشاركة بواسطة åÔÇã ÂÏã »

في ماهية الكتابة وضروراتها[1]

تداولت الأوساط الثقافية، الآونة الأخيرة، سؤالًا عميقًا عن ماهية الكتابة وضروراته، وهذا السؤال الذي يأتي معبّرًا عن مأزق حقبة الحداثوية، وما بعدها، هو سؤال يثير الشفقة في نفوس المثقفين، والكتّاب، لأنه يعبّر عن أزمة حقيقية يعيشها الكتّاب والمثقفون الممارسون للكتابة، ولا يأتي هذا الطرح للإجابة على هذا السؤال؛ بقدر ما يحاول تسليط الضوء على أبعاد هذه الأزمة، ومن قبل كنتُ قد ناقشت في مقالي أزمة المثقف العربي[2] بعض الإشكاليات التي تعاني منها الثقافة العربية، وتنعكس، بالضرورة، على المثقف العربي.

ويصح الاعتقاد بأن يكون هذا التساؤل مدخلًا مناسبًا للعديد من القضايا الثقافية الهامة، فهو اعتقاد مقبول، بل ومنطقي للغاية؛ إذ أن الإجابة على هذا التساؤل تمكننا، لاحقًا، من معرفة وتحديد موقعنا من خارطة العمل الأدبي بشكله الواسع، ولكن كيف يمكننا أن نحدد مسئوليات الحداثة وإشكالياتها قبلًا؟

إن الحداثة بتعرفها الساذج والبسيط هو تيار لهدم القديم أو تجديده على أقل التقديرات، ولكن لم يعد الأمر بهذه البساطة؛ لاسيما بعد دخول الحداثة في الفلسفة والأدب. وعلينا أولًا أن نعرف موقفنا من تاريخ الحداثة حتى يمكننا أن نفهم موقعنا منها؛ إذ أننا في سبيل مناقشتنا لقضايا الحداثة نصطدم بجذر أساسي يغفله الكثيرون، وهو مادية الحداثة التاريخية، وما لم نستطع أن نحدد موقفنا من ذلك فلن نتمكن من تحديد موقفنا من الحداثة نفسها؛ وبالتالي فلن نتمكن من الإجابة على السؤال الوجودي الكبير: لماذا نكتب؟

ثمة أكثر من اتجاه مادي تاريخي لنشأة الحداثة أقدمها يبدأ من القرن الرابع عشر وتحديدًا في العام 1436م مع بداية اختراع الطابعة على اعتبار أن الطباعة أحدثت ثورة ونقلة كبيرتين في عالم التدوين الورقي وانتشاره، فبعد اختراع العالم غوتنبيرغ لآلة الطباعة بالحروف المعدنية المنفصلة شهد التدوين عصورًا أكثر ازدهارًا، ولاشك أن ذلك الاختراع قد أحدث ثورة في عالم الكتابة، ونقله من مرحلة المخطوطات، وإدخاله إلى مرحلة المطبوعات؛ ولذا فإن مجموعة كبيرة من المهتمين يميلون إلى التأريخ لعصر الحداثة منذ هذا التاريخ، وبذلك فهم يربطون الحداثة بالثورة الطباعية أو ثورة الكتابة وتطورها، ابتداءً من الكتابة على الصخور ثم البردي وانتقالًا إلى الكتابة على الجلود ثم استخدام الورق الصيني وانتهاءً بالطباعة المتطورة بشكلها الذي أوجده غوتنبيرغ، والذي ساعد، في مرحلة لاحقة، على ابتكار وسائل طباعة أكثر تقدمًا، وبهذا فإنهم يحددون ثورة الكتابة كنقطة تحوّل من العصر الوسيط أو العصور الوسطى إلى عصور الحداثة.

ويرى آخرون بأن الثورة الدينية على الكنيسة، والتي اشتهرت باسم (الثورة اللوثرية) في القرن الخامس عشر، وتحديدًا في العام 1520م على يد مارتن لوثر ضد الكنيسة، كانت هي الشرارة الأولى للوعي الأوروبي المنفتح، وهذا هو المشهور في التاريخ، إذ أن أغلب المؤرخين يعتبرون ثورة أوروبا على الكنيسة، وتقليص سلطتها كانت البداية الحقيقية لعصور الانفتاح والتنوير، كما يُسميها كثير من المؤرخون. ولاشك في أنّ الثورة اللوثرية كان لها إسهام كبير في هذا الجانب؛ إذ كانت الكنيسة تقمع وبشكل واضح ومؤثر إبداعات المبدعين في جميع المجالات: العلمية والسياسية والفكرية والأدبية، وبذلك فهم يرون أن خلاصهم من هيمنة الكنيسة كانت بداية عهد جديد من الوعي.

وآخرون يؤرخون للحداثة مع منتصف القرن السادس عشر؛ لاسيما بعد انتهاء الحرب العقدية بين الكاثوليكية البروتستانتية والتي اشتهرت باسم (حرب الثلاثين عامًا) التي شملت أوروبا الوسطى ما بين عامي (1618م – 1648م) واشتركت في هذه الحرب مجموعة كبيرة من دول المنطقة: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد، خلفت هذه الحرب مآس لا يمكن لسكان المنطقة نسيانها، فالنهب المؤسس الذي كانت تقوم به الجيوش خلّف ورائه مجاعات، ودمار، وفقر، لا يمكن وصفه، الأمر الذي استحال معه وجود حراك أدبي أو ثقافي. لقد شغلت هذه الحرب الكثيرين عن تقديم أيّ خدمة للبشرية غير القتل والدمار؛ وبالتالي فإن أوروبا توقف نموها أدبيًا وفكريًا في تلك المرحلة، ولذا فإن ثلة معتبرة من المؤرخين يرون أن توقف هذه الحرب بمعاهدة مونستر الشهيرة، أعطى الفرصة للبناء والتنمية؛ وبالتالي الدخول إلى عهد جديد.

ومع هذه الآراء المتباينة في تحديد نقطة التحوّل، والدخول في عصر الحداثة، نجد أنه من الصعب تحديد مفهوم الحداثة بمعناه الفكري، لأنه في النهاية سيكون مرتبطًا بموقفنا من التاريخ والعملية التأريخية لبداية هذا العصر، دون أن نتجاهل آراء ثلة معتبرة من المؤرخين في تحديد مواقف تاريخية أخرى كنقطة تحوّل حقيقية كالثورة الفرنسية في القرن السابع عشر (1776م) أو الأمريكية (1789م) أو حتى امتدادًا إلى القرن الثامن عشر، وتحديدًا مع ظهور العالم النفسي الألماني سيجموند فرويد، وكتاباته في التحليل النفسي، الذي يرى كثيرون أنها كانت تمثل ثورة حقيقية في معرفة الإنسان وانفتاح عقله إلى معالم كانت خفية قبله. ويبدو أنه يتوجب علينا تحديد موقفنا من هذه التواريخ والأحداث حتى نتمكن من تحديد موقفنا من الحداثة.

نعود الآن، بعد هذه المقدمة التاريخية السريعة، إلى سؤالنا المحوري: لماذا نكتب؟ وعلى ضوء هذه المقدمة فإنه يتضح لنا أن الكتابة فعل وجودي ضروري لميل الإنسان إلى تحديد موقعه من عالمه المحيط به، والمشاركة في الحركة العامة لتاريخ البشرية سواء الضيّق أو الواسع، ولكن هذه الإجابة لا تبدو مقنعة للكثيرين؛ إذ أن ثمة إشكالية محددة في كون الكتابة فعلًا أم ردة فعل. والواقع أن الكتابة فعل وردة فعل في آن معًا، متجاوزًا حدود التعريف إلى أن تصبح الكتابة في حد ذاتها إجابة وليست سؤالًا.

الكتابة فعل ذاتي، وهو في ذات الوقت فعل موضوعي تمامًا؛ فهو ذاتي لأن الإنسان بحاجة مستمرة إلى التعبير عن نفسه، ليس لترف تعبيري أو وجودي وإنما لأن ذلك يُشعره بالرضا عن نفسه، ويُشعره بالإشباع الذاتي. يبحث الإنسان، دائمًا، عن التقدير الذاتي لنفسه، وعن الأمان الاجتماعي بمعرفة نفسه ضمن إطار مجموعة بشرية ينتمي إليها. هذا الانتماء لا يُحدد مدى اختلافه أو اتفاقه مع المجموعة، ولكنه نسق من الحراك التفاعلي بين الإنسان ومجتمعه، وحتى عندما لا يكون الإنسان متوافقًا مع مجتمعه؛ فإنه يظل بحاجة إلى الكتابة ليعبّر عن رفضه لشكل المجتمع وهيكلته وقوانينه، وليحدد موقفه من هذه الأشياء. يكتب الإنسان ليعرف نفسه في المقام الأول، وليُعرِّف المجتمع به في المقام الثاني، وليعرف مجتمع كمرحلة أخيرة.

ليس هنالك كاتب واحد يكتب ليغيّر في مجتمعه، حتى وإن كانت كتاباته تتناول نقدًا لهذا المجتمع، أو شملت على صيغ ثورية تدعو للثورة، ولكن الحقيقة أن الكتّاب يكتبون من أجل تحديد مواقفهم من التاريخ الاجتماعي، بكل تداعياته الاقتصادية والسياسية والدينية والفكرية، وهم لا يسعون، أبدًا، حسبما أرى، إلى التغيير، حتى وإن شملت كتاباتهم على صيغ ثورية، وإنما يُبادرون، بذلك، ليُرضوا أنفسهم في المقام الأول؛ إذ أنه من الصعوبة بمكان ألا تستطيع تحديد موقفك من واقعك قبل البدء بطرح مواقفك النقدية منه أو محاولات الثورة عليه كمرحلة متقدمة. وإذا وُجد كاتب واحد، سواء كان مفكرًا أو فيلسوفًا أو أديبًا، يعتقد أن كتاباته، فقط، بإمكانها صنع الثورة، فهو كاتب مثالي، وبالتالي فإنه يُمكن اعتباره مثقفًا/ثوريًا سلبيًا؛ إذ لابد أن تتسق كتاباته مع منظومة حركات اجتماعية تُحددها ظروف موضوعية ليحدث هذا التغيّر؛ وعندها فقط يُمكن اعتبار الكتابة فعلًا موضوعيًا.

الكتابة وسيلة لتدوين الأفكار، سواء كانت هذه الأفكار أفكارًا أدبية أو علمية أو فلسفية، فهي إذًا، أي الكتابة، فعل إبداعي بكل أشكالها، وهذا الفعل الإبداعي إن لم يكن مُلهمًا كفاية، فسوف لن يرتقي ليُصنّف على أنه فعل وجودي أبدًا؛ بل ستظل في إطار أنها كتابات ذاتية منفعية. فكتابات كارل ماركس التي أنتجت الثورة الفرنسية، وكتابات فرويد التي أنتجت ثورة التحليل النفسي، وكتابات داروين التي أنتج ثورة في فهم الإنسان لنفسه، وكتابات شكسبير التي أنتج ثورة في الكتابة المسرحية والشعرية، وكتابات ماركيز التي أنتج ثورة في عالم الواقعية السحرية، وكتابات جوان كاثلين رولنج التي أنتج ثورة في عالم أدب الطفل، وغيرها من الكتابات، إنما اكتسبت الخلود لأنها كانت متسقة تمامًا مع أغراض الكتابة وماهيته، كما أنها كانت تمثل ضرورة شعبية أو اجتماعية.

إذًا؛ فإنه يتوجب علينا التفريق بين نوعين من الكتابة: الكتابة الثورية والكتابة الرومانسية، ولا يمكننا أن نخدع الناس بهذين المصطلحين ليسود الاعتقاد أن الكتابة الثورية لا تعني إلاّ الكتابات السياسية المصادمة أو تلك التي تدعو إلى العنف، لأن ذلك يدخل من باب السذاجة في نظري؛ فالثورية في أسمى وأبسط معانيها تعني التغيير حتى وإن كان ذلك التغيير يحدث سلميًا. ولا نعني بالرومانسية الجانب المتعلق بالانفعالات البشرية، والعلاقات الإنسانية، فهذا فهم خاطئ لا أريده أن يصل إلى ذهن القارئ، إنما أقصد به ما هو ضد الثورية، أيّ التي لا تسعى إلى تغيير، إنما تسعى، فقط، إلى خلق تناسق عاطفي بين الكاتب وبين مجتمعه، ولا يجرؤ على تعدي هذه المساحة.

وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نرى جنسًا من أجناس الكتابة الأدبية كالشعر لا يتعدى كونه ترفًا لغويًا رغم احتوائه على جنس من جنسي الكتابة الثورية أو الرومانسية، فتقديس الموسيقى والإيقاع، كأحد أهم أركان الشعر حتى الحر منه، وتقديمه على الأفكار أو حتى مساواته معها، لهو ضرب من الترف كما أراه. وأنا بذلك لا أحاول القول بلا ضرورية الشعر، وإنما عندما يأتي الكلام عن الكتابة، بشكلها الذي تم تعريفه حتى الآن، يصلنا يقين بأن الكتابة الشعرية لا تتعدى كونها موسقة للأفكار، وتليحينًا لها، لم يكن لها من ضرورة؛ إنما هو من قبيل لزوم ما لا يلزم. وقد بالغ قسم منهم في هذا الترف، فظهر علينا الشعر الغنائي المخصص للغناء، وظهرت الموشحات والرباعيات، وغيرها مما أعتبره من العبث اللغوي. وأنا أقول ما أقول عن الشعر، لا أنسى، أبدًا، ما قدمه الشعر للأدب العربي، وما ساهم فيه من نشر الوعي السياسي والاجتماعي، وما حمل منه قضايا مصيرية تمامًا، كما في أشعار الراحل محمود درويش، وأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي ومظفر النواب وأدونيس وغيرهم كثيرون، ممن كانوا يعبّرون عن قضايا مجتمعاتهم وأمتهم، ولكن الحديث عن ذلك أيضًا يجب ألا يخرج عن إطار جنسي الكتابة الثورية والرومانسية.

يتبقى علينا أن نعرف أن الرهان الحقيقي على الكتابة الجيّدة سواء الثورية منها أو الرومانسية هو الحرية، فلا يمكن أن نتوقع كتابة إيداعية في ظل انعدام الحرية، ليس فقط تلك الحرية التي يتم منحها من سلطة خارجية، إنما تلك التي نختلسها من أنفسنا ومن سلطتنا الداخلية، فالكاتب قد يُشكّل سلطة قمعية على نفسه أيضًا، هذه السلطة التي يستمدها بالضرورة من أجواء خارجية غير صحية، لا تتوفر فيها أسقف معقولة من الحرية. ويهمني في هذا الصدد أن أوضح أن من يُحدد أسقف هذه الحريات هو الإنسان بما يعتقده عن نفسه، وعن دوافعه للكتابة في المقام الأول، ثم تأتي المحددات الخارجية الأخرى.


________
هوامش:
[1] المصدر: (مدونة هشام آدم)
[2] المصدر: (مدونة هشام آدم)
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

العزيز هشام آدم

كم أنا سعيد بمساهمتك الضافية كما بذات القدر سعيد بوجودك بيننا وهو أمر متوقع بحكم تخصصك وإهتمامك.

سأقرأ من جديد وأعود.

تحياتي

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

عندي تصور من أنه لا بد من أن نفكر في السؤال "الصعب" سؤال معنى الكتابة؟... لازم!... حتى لو في خواطرنا إن لم نود البوح... أو لم نقدر عليه!.

إنه لأمر جلل في تقديري عنده علاقة مباشرة بما يحدث في "الأرض" يحدث للناس يحدث لنا لا في السماء ولا الخيال!.

تحياتي

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

أنقل إلى هنا "أدناه" المساهمة القيمة التي جاء بها النور أحمد علي في بوست "عنقاء المديح المنق" لما لها من علاقة مباشرة بقضيتنا هنا وشكرآ لسماح النور أحمد مقدمآ!.

--------------------
* الكتابة
** بيير بودو
ــــــــــــــــــــ

لماذا يكتب الناس؟ هذا السؤال يشغل بال الكاتب كما القارئ، وما من جواب دوغمائي ممكن. فبالنسبة لكل مؤلف، ثمة تفسير مختلف، وفي كل مؤلف ألف من الاتجاهات المتلاقية أو المتناقضة وفقاً للحظة من لحظات الحياة، والعمل الجاري وحتى وفقاً لكل شخص، وكل مرحلة من تطوره، وكل وضع، وكل مستوى من هذا الوضع .

يمكن أن يكتب المرء، مثلاً، لأنه يعتقد بأن لديه رسالة يجب أن ينقلها. فالعمل المتضمن أطروحة بات يتطلب من الموهبة الخضوع , ليس فقط لنظام كمال جمالي، بل كذلك لمتطلبات الفكرة أو القناعة . وسارتر يشهد على ذلك, لكن المرء يمكن أن يخلق أيضاً , انطلاقاً من حدس بصلابة منظومة، وبيقين غريزة . ونيتشه أو كلوديل حاضران لإثبات ذلك. يتجذر العمل عندئذ في علاقته بذاته، يصبح الرقم الذي ينعد انطلاقاً منه برهان ( يبقى في الخلفية ) وتفرض قناعة أساسية نفسها يصبح، في جملته، علامة شيء ينبغي تعميقه، مرتبط عموماً بوعي أزمة في طبيعة العالم , أو في مصير الناس الماوراثي. لا تصبح دراما الفرد الحميمة لا زمنية intemporel بل عبر ــ زمنية trans-temporel، مع أنه من الصعب الكلام بعد عن الزمن الذي ينفجر تحت وهمه الخاص به , ويستنفد نفسه في الاصطلاحات .

كان يقول ديكارت : « أتقدم مقنعاً». وكان يعني بذلك أن الفكر يتقدم خلف البنى الظاهرة للعمل . يبدو الكاتب إذاً كساحر يُقلق أكثر مما يَسْحر، يخفي نفسه عن نظره الخاص به، يستبسل في تعديل ما يعرفه ، وما يحس به في ذاته، يجعل من نفسه آخر ليصبح جوهرياً، لينتزع نفسه من سيطرة الجسد، ليس لأنه يريد التجرد عن المادة، بل لأنه يريد أن ينظر إلى نفسه وهو يفعل، أن يعيش أهواءه وأفراحه كما لو كانت خاصة بشخص غريب، أن يتخلص من كل وعي مذنب إزاءها، أن يعيد بنية جسده الى توحش أصلي خارج القوانين، والعادات والتقاليد فمن دون شعور الكاتب بأنه خارج على القانون، بالمعنى الإنساني الصرف للكلمة، يخطئ، يضل، يتصالح مع الأفكار المسبقة، والتربية والثقافة لا يتعلق الأمر بفوضى داخلية، بل بحرية فقط. لا أحد في الظاهر مدمر لذاته أكثر مما خالق حقيقي، هو لا يجهل قيود الوسط الاجتماعي، واللاوعي، لكنه يزدوج ، فمن جهة، إنسان الجميع، ومن جهة أخرى، إنسان ذاته الذي، وهو وحيد، يكون شاملاً. ومن هذا النزاع لا ينبثق النتاج بعد، بل ضرورة صنعه هذا هو سر الأصل .

أنا لا أظن، على الرغم من رأي غالباً ما يجري الدفاع عنه بصورة بارعة ــ وتبريره في بعض الحالات ــ أن كتاباً ما هو كاذب بطبيعته .حتى إذا كان هذا، فهو لا يغير شيئاً في مشكلة الانبثاق. ليس مهماً ألا يظهر الواقع فعلياً ، أو أن يبدو أنه يفقد في النتاج طابع الحقيقة المحسوسة الذي ينبغي أن يجبر نفسه أحيانً على التظاهر به، من دون أن يمكن الكلام على تلفيق . فمن حيث الطبيعة، يتحدد موقع كتاب خارج المفاهيم التقليدية. يبدولي حاملاً خبراً وحيداً : أن كل شيء كائن لأنه لا شيء غيره موجود. إذا توصل لإعطاء القارئ الانطباع بهاوية، فذلك بالوهم ذاته الذي يجعلنا نظن أننا نقع في حين أننا ننام .

إن سر ولادة كتاب و، بالأحرى، عمل auvre، يبدو لي أنه يكمن أيضاً في النظرة التي يلقيها الكاتب على ذاته ما من صورة تصلح للتعبير عن صراع الإخوة الذي يخوضه الإنسانضد نفسه ما من واحدة، إلا ربما صورة ضد ــ حياة ( وهذه ليست واحدة من الصور ) ، صورة توازن مضاد لأي تأليف إن مشكلة «السبب» لا تنطرح على الكاتب، يتشبث بها الناقد ويخطئ . يكون المرء كاتباً ، لأنه ذلك الذي يكون هكذا. يؤكد نفسه الإنسان الذي، وقد أمسك بريشته، يباشر الكتابة. هل هذا يعني أنه ليس ثمة أهداف، وأنه ينبغي احتقار الطرائق التي تتيح الوصول إليها؟ كلا. لكن هذه الأهداف غير مهمة ،إذا كانت تنقص القوة . يعرف الإنسان أنه كاتب حين يتخلى عن ذاته إلى أبعد حد من حدود وجوده، لكنه لا يستطيع التخلص من ذاته. إنها لقيامة دائمة يبني نفسه فيها، هو الضائع باستمرار ،والموجه في ذاته وفي عمله مثل ملاح متوحد على قمة موجة قبل أن يسقط ثانية .

ليس في وسع أحد أن يعارض فكر ذلك الذي يكتب. ليس في وسع أحد، في المطلق الذي بُني فيه ذلك الفكر، أن يصنّفه، يبرره، يقارنه بأفكار أخرى حتى بعد أن يصبح العمل ناجزاً، بمقدار ما يصبح كذلك، ليس على هذا الصعيد شاهد مؤلفه أو قاضيه . على العكس تماماً، يؤكد نفسه كتهديد يشيح بوجهه عنه .إن الضجيج أو الصمت اللذين يتنظمان حوله لم يعودا يتعلقان بالخالق الذي بات الآن على طريق أخرى .

ألم نلاحظ أبداً، خلال أيام الصيف، آلاف الذبابات المبتذلة التي تدندن حول أشجار زيزفون مزهرة، كما لو كانت غاضبة لأنها ليست نحلاً؟ إن الفنان، من جهته، لا يسمعها، يبقى غير مبالٍ بالضوضاء التي يتسبب بها هو الشجرة، المهدأة، المتعالية، الأكيدة من أن الربيع القادم سوف يأتيها بأوراقها وزهورها، وحين ينتهي الفصل، سوف تستقبل في الأكثر، في الجو، الإشراق المجنون لرائحة رهيفة تتكفئ بعدها لتهيئة نموها اللاحق .

فلنحتفظ من هذه الصورة بأنه لا يمكن أحداً، في شغله، أن يلتقي الخالق الحقيقي . إنه مؤقتاً الوحيد الذي بقامته، الأوحد في العالم، الأوحد في نظر نفسه ، واليائس لكونه كذلك . منصاعاً للسيل الذي ينظمه المؤلف، يتحكم به بمجرد اهتمام بالبقاء. يتماسك على المنحدر، على صعود تحرر للروح ينتمي إلى الجنون. يكون مصيره أن يرى نفسه وقد ثبته في حريته مصير العمل المخلوق في حين أنه يهاجمه حتى يتيح له هذا أن يكبر، وهو بلا انقطاع على وشك أن تحطمه المجابهة مع قوة تدين له بكل شيء يتقدم، وهو مرعوب وهادئ في الوقت عينه ما فائدة أن يحيا المرء من دون أن يكون واثقاً من عبقريته؟

إذ يناضل الكاتب ضد نفسه، يناضل ضد الآخرين . إن حضورهم يضايقه إلا إذا انوضع ذلك الحضور، بمعجزة حب أو صداقة، على ايقاع خَلْقِهِ. صداقة بين فيرجينيا وولف وجويس، حب بين بالزاك ولور دو برتي، وبين بالزاك ذاته وإيف هانسكا، والأمثلة يمكن إيرادها بالآلاف. هذه الحضورات هي حضورات شاهدة تجسد، لوحدها، مجمل العالم، الذي تبدو دعوته Vocation أن يكون عليه الانحكام فجأة بالفكر وأن يجعله هذا الفكر في أحسن حال. في تلك الحضورات يبطل أولئك الذين ليسوا هذا الفكر، في حين تجعلهم تلك الحضورات حاضرين. وهي مجابهة مولدة للذة لا يمكن مقارنتها بأي لذة أخرى. وهذا هو التباسها وهذا هو تساوي حديها . لقد كتب نيتشه : « في الماضي، كانت لديك في غارك كلاب برية، لكنها انتهت الى التحول الى طيور والى مغنين محبوبين ». إن من يمتلك العبقرية هو ذلك الذي يمتلك، على الرغم من الآخرين وضدهم، قوة الحيلولة دون هذا التحول .

بيد أنه، لأجل أن يكون المرء كاتباً، لا يكف عن أن يكون إنسان الحياة اليومية. إن العيش مع الغير في حين أن المرء قادر بقوة الفكر وحدها أن يحفز طبائع بسيطة أو معقدة، سعيدة أو متألمة، إنما يتطلب إعادة تكيف في كل مرة . إن الحل السهل، إنما يكمن في ألا يفرض المرء على محيطه بعد الآن القوة التي لا تقاوم المرتبطة بالخلق، بل بالقالب الذي يذوب فيه. وهو حل خامل يطلب من الآخرين أن يحترموا ذلك الذي كان أو ذلك الذي سيكونه المرء، في حين أنه غائب. في نظر الكاتب شخصياً، في حين تتزاحم أمامه الكائنات المحايدة التي تصبح أشكالاً، بناء على دعوته، يظهر لذاته ككائن مختلف، خارج مقولتي الكبرياء أو التواضع، مندهشاً إزاء سلطته، خارج متناول ما في التجربة من مبتذل، رازحاً تحت الأفراح المشتركة. ومن يفاجئه عندئذ يشاهد وحش وحدة ٍ، قدرة ٍ نصف إلهية، تأله ٍ ذاتي يمزقه حضور كائنات مخلوقة هي سخــرية، لكــنها إنقاذ أيضاً . إن الكاتب، الذي تحرره من ذاته هذه الطبائع التي سرقته، يستأنف تنفسه الطبيعي. لا ينبغي أن يعطي العالم انطباعاً بأنه ينزل من طور سيناء غامض. يجب أن يعود من القمة التي كان موجوداً فيها، يدوس أرض الوديان، ويستعيد ابتسامة الجميع، يتعلمها مجدداً. وعلى سبيل المفارقة، ينبغي أن يكتسب الآن عبقرية التواضع، أن يصبح أكثر تواضعاً من الأكثر تواضعاً من دون أن يغرق في مذهب الجمالية (١) أو في التكلف، أن ينفتح على سر الدقائق التي يتنامى فيها عالم التجربة المألوفة، الخائبة، الممزقة، المهتزة، التي لا مخرج لها غير تفاهة الأيام التي تقود كل كائن بقوة إلى موته .

يا له من فرق بين اللحظة فائقة الوصـف التي فيها تدب الروح في كائن ما بواسطة الصور والكلمات واللحــظة، الهـــاربة، التي « يفقــد فيـها الروحَ » الناسُ، كل يوم، بفعل العادة، التعب واستخدام الأهواء التي ليست لديهم قوة تحويلها إلى فضائل!.

مع ذلك، إذا لم يجعل الكاتب نفسه شبيهاً بأبسط البسطاء، يشيح بنظره عن أصله. يحس في ذاته بالشعلة الخلاقة، التي تكاد تدفئ، وهذا هو ما ينقذه من التحجر الذي يهرب منه كل واحد كيفما اتفق. للأسف، قد يكون الأمر بالغ الجمال لو بقي عند هذا الحد. فالعلاقة بين الفنان والإنسانية ليست ترسيمية الى هذه الدرجة. إن الفنان شبيه بالجميع، في نظره هو فقط. أما في نظر الآخرين فهو مختلف. هو أسوأ تهديد لهم. كل من رفع عينيه نحو النابغة الحي يواصل طريقه، كما لو أنه تحول إلى تمثال من ملح. وهذا لا يغني أنه لم يعد موجوداً! لكن دعوة كمالٍ انزلقت في قلبه وهو يحكم على نفسه من الآن وصاعداً ويعرف أنه صغير. فلنحفز رد الفعل هذا لدى كائنات مجردة من الأخلاقية ويصبح قرارها القضاء على شاهد رداءتها أو طرده، لا يتوارد إلى ذهنها أن الخالق، في علاقته بأمنياته، يشعر بنفسه بالغ الصغر ويعيش على طريقته مأساة معرفة أنه رديء. فلنطرد مع ذلك الشعراء من المدينة، لأن صغارتهم مختلفة جداً عن صغارتنا !

يقول نيتشه للخالق : « فيك أيضاً، لا يزال صوت القطيع يدوي. وحين ستقول : لم أعد أقاسمكم وعيكم، سيكون ذلك شكوى ووجعاً». شكوى ووجع ! هذا وتلك يعبران عن نفسيهما في الفكر الخلاق. إذا لم يكونا بالضرورة ينبوعاه فهما يغذيانه ويتطهران فيه. وفي فترات الهدوء، في حين يبدو الكاتب منكفئاً وكما لو هو غير واع مصيره، تتعزز فيه هذه الشكوى وهذا الوجع من العالم. من دون موضوع ظاهر، من دون سبب معقول، هما موجودان، حضور مطلق يرشح في التجربة اليومية ما سيكون مادة بناء كتاب جديد. كائن انتقالي يصطفي، يختار، ينحي، يلوي، يغيّر من غير علم الخلاق. وحين تكون الدفعة قوية ما يكفي لينفجر السد، يعرف الكاتب أنه مستعد مجدداً، كل شيء يبقى عليه أن يصنعه مما أنجزه، في ذاته، شخص غيره. عليه أن يتعرف من دون أن يحلل، أن يبعث الى الحياة من دون أن يسمي، أن يراقب من دون أن يجتذب، أن يحاور من دون أن يصغي إلى الجواب. ومن هذه الجلبة تولد حريته، سريعة العطب، جديدةً، متقدمةً في كل مرة خبط عشواء .

إن التواضع الذي تحدثنا عنه سوف يتعايش منذ الآن مع القوة الخلاقة. سيكون هناك كتذيكر بالنظام، كالتذكار الذي يستعيد الفنان فيه الوعي بأنه ليس كلي القدرة. يجنّبه الكثير من الأخطاء .

بادئ ذي بدء خطأ اعتبار نفسه ملك الأولمب، فسيكون مبالغاً في الكذب من يؤكد أنه ينتزع عمله من العدم. فإذا كان الإنسان ينتزع الحياة من اللاشيء، تجازف النتيجة بأن تتماهى مع هذا اللاشيء. وسيكون مغروراً جداً ذلك الذي يظن أن كل شيء يبدأ بما تنتجه ريشته، وأن على جيرانه أن يكسروا ريشتهم لأن ريشته ليست مزكومة. يكون قد نسي بذلك درس وحدته. إن اللغة، فكر الغير، الطبيعة، التجربة المترجمة، الفضول، المعرفة، كل ذلك يذكره بأن خلقه الخاص به يندرج في الجهد الشامل، بأن المعركة التي تجعل من الكاتب شاهداً تخاض لأجل شكلٍ وضد مادة البناء .

يكمن خطأ آخر في أن يكتب المرء فقط لتوضيح نظرية يعتقد أنها شخصية . إن العمل يفقد وحدته حين يريد أن يكون برهاناً، يستنفد كثافته intensite في جهد مجزأ يضر بانسجامه. وفي هذا الميدان، لا يجب أن يكون للكاتب قاض غير كتابه. إذا أصبح ناقد ذاته، يتعرقل ويضيع. يبتعد عن ذاته ويغير كونه. يصبح عدواً لذاته ومتواطئاً مع من تكمن مهمتهم في تحليل نواياه. يدمر نفسه مـن دون ربح لأجل هذا بالذات الذي يــنذر له حــياته : النتاج. يصبح أرضاً فاقدة للخصب تنبت عليها قرّاصات متشجرة، ويحسب لاسعاً ما ليس سوى سم. يختفي عندئذ سر الكتابة، هذا الذي أبحث، إذا لم يكن عن تحديد عناصره، فأقله عن الايحاء به. وهو سر لا تتوصل كلمة «إلهام» إلى التعبير عنه، لأن ما نسميه هكذا لا يكون غالباً إلا الجاذب المغناطيسي الذي تتشكل بواسطته، خلال الشغل، مادة البناء وتتجمع، والذي تتنافر بفضله الكلمات أو تتلاقى. فبالنسبة لهذا السر، لا يبدو أن الإلهام يأتي إلا في المقام الثاني. إن الإلهام هو التقنية التي بفضلها لا يرتد الى الباطنية. لا يمكن الكلام عليه على أنه سحر، من دون أن نقع في الخطأ ويبقى سؤال البداية مطروحاً بالقدر نفسه : لماذا يكتب المرء وكيف يكتب؟
كل واحد منا يسأل نفسه عن نفسه، وكل واحد يتطلع، إلى هذا الحد أو ذاك، إلى اللانهاية. وربما يقول لنا أطباء نفسيون إنه كلما يكون العبقري أكبر، كلما كان أعظم الكبتُ الذي كان ينبغي التغلب عليه والتسامي به. وهذه رؤية متشائمة، لقد كان كلي KLee ( 2 ). يقول إن الفنان يحب أقرب الى الخلق مما هو معتاد؟ .

هذا الحب يوضح نزاع الفهم الذي أستذكرناه ويمكن أن يحصل أن يولد النتاج من هذا الأخير، شرط أن يجري سوقه، بالتدريج، بواسطة النتاج، إلى وعي المؤلف وألا يكون سبباً للهروب .

هذا، على سبيل المثال، أحد أسباب عظمة نتاج جيد ( 3 ) Gide. لقد رأى، أكثر من أيٍّ غيره، الثنائية الكائنة في أصل الخلق الأدبي، اضطلع في جسمه وفي روحه بالرغبة في جمع اللانهايتين المتعارضتين اللتين يموت الفهم من دونهما : لا نهاية الهوى ولا نهاية التجرد .

«أي شخص تكون؟ » ، سئل كلوديل الذي كان قد كتب التبادل LصEchange، فأجاب : « الأربعة معاً ». يصبح الخلق الأدبي إذاً نمطاً مميزاً من إحياء التجربة الشخصية. لكن كم من النفايات في هذا الحقل! إن الأعظم وحدهم يتوصلون لجعل القراء ينسون أنهم إنما يتكلمون على أنفسهم، لأن سجل انفعالاتهم من الاتساع بحيث يكون كل واحد من أبطالهم وجهاً من وجوه ذاتهم، وبحيث تظهر الإنسانية الشاملة في هذه الرقعة من الاحساسات، والآمال، والأفكار، والصراعات .

بفضل روعة النتاج، يصبح النسبي مطلقاً، يتحول المضمون المشترك الى نقيضه. في علاقة الإنسان الخفية بنفسه يتصفي ويتأكد سوء التفاهم الأساسي الذي يميز صلاتنا باللغة. لأن الأمر يتعلق بهذا أيضاً. إذ يتعلم الإنسان أن يتكلم، يتعلم أن يضل سبيله ويكتشف فن الخداع.يُضِل ( الآخرين ) لأنه هو نفسه يَضيع، فاقداً الاتجاه في غابة الكلمات بين الوحوش ــ الموضوعات الذين هم تهديد أو سحر. يولد الكاتب جزئياً من البؤس الداخلي الذي يحفزه فيه سوء التفاهم هذا. إن ما نستقبله ليس ما يفهمه أولئك الذين علموا. ما تحتفظ به يخـــتلف عما هو منقـــول ( إلينا ). ومن هذا الاختلاف ينبثق سوء التفاهم. ما ينبغي أن يبسط العلاقات، أي اللغة، يجعلها إذاً أكثر تعقيداً، يخونها، يلتف عليها .

إن ضرورة إحراز نصر على الكلمات تفرض إذاً بعض المتطلبات. ويبدو لي أن أحد أوائلها هو أن تجعل مؤقتاً من كل كلمة مومياً، كا يصنع بعض الهنود بوجه الأموات الذي يحفظ خطوط الروح، مشيراً إلى السر المنتزع من حياة الأيام. والحال أنه في كلمة واحدة تعيش عدة كائنات، متكاملة أو متناقضة، ذات أبعاد عديدة، ممهورة بمظاهر وأزمنة مختلفة. وإزاء حياة الكلمة، كل نتيجة يصل إليها الكاتب تكون خطأ على الأرجح، لكن السر يريد أن تولد من العلاقة بين عدة أخطاء حقيقة المؤلف. يصبح عالم الألفاظ رمزاً لما يكونه، يكتشف نتوءاته مثلما تعبر تجاعيد الجسم المهزول بين اندفاعات الروح عن أولئك الذين نحتوه لا يعود الكاتب في غابة عذراء مقلقة، شاذة، لكن على غرار القدامى الذين كانوا يقرأون الفصول على مسلات، أو يتعلمون إلههم على توراتات ( 4 ) من حجر، يجد نفسه أمام ظاهرة مثلما أمام صورة يكون هو موضوعها. يواصل هكذا مشروع الازدواج هذا الذي سبق وتحدثنا عنه. وهذا المشرع لم يعد يقوم بعملياته في طبع ( الكاتب ) ، بل في فهمه. ما من الكلمة يكون حياة، أو إيقاعاً، أو موسيقا أو رقصاً، يوجد في الكاتب الذي يراقب في مواجهته بُنى ذلك الايقاع، أو تلك الموسيقا، أو ذلك الرقص، أصلها، آلياتها . فيه وخارجه، هكذا تكون الكلمة، موضوعاً وذاتاً في آن معاً .

تولد أبدية لفظة عندئذ من زمنيتها. تأتي القوة من سرعة العطب واذا كانت تدوم الكلمة، فذلك لأنه بين كل إمكاناتها اختار الكاتب واحداً، في علاقة مع نتاج محدد، محدود، متحيز. تصبح الكلمة فيه حاكمة بشأن ذاتها وبشأن كل الكلمات الأخرى التي كان يمكن أن تكونها. يتجدد موقع الكاتب في الحيز الذي تمثل في في الوقت نفسه عدة مآسٍ هو شاهدها وممثلها . مع ذلك، مثلما ليس ثمة، كما يقال، جنرالات جيدون إلا أولئك الذين تبعوا فِرَقهم، فإن الكاتب الحقيقي سيكون ذلك الذي سيستسلم، عبر نزاع المعاني هذا، لحماسة الكلمات. إذا تخفَّى فخلفها. إذا كان سيد القرار، فهو لا يتحكم بالتنفيذ. أو هو لا يتحكم به كليـاً. تلعـب الجاذبــية المغناطيســية، هنا كما في أمــكنة أخرى، وتمــتلئ المربــكة ( البازل ) ، وسط الإعجاب، والخوف الشديد أيضاً من جانب ذلك الذي كان يعتقد بأن مهمته تتمثل في تنظيمها وإعادة تركيبها .

إن آلاف السنين من الانفعالات التي نقلتها مئات اللغات أو الاصطلاحات التعبيرية كوّنت كلمة، فرضت عليها بعض الايقاعات وتتحطم باستمرار إرادة المبدع القطعية أمام سلسلة من الشوائب، وذلك شرط ضرري لكمال مؤلف ما. إن لكل كاتب تقنيته لتحرير الكلمة، لكل شكل مختلف ليقرب في كلمة من الكلمات التشابهات الحميمة التي سيولد منها، بالنسبة لمولف خاص، اختلاف الكلمة وفرادتها .

كل شيء لفظة، ضمن هذا المنظور. فلنفكر مثلاً بهوفمان الذي كان يسند حكاياته إلى كاريكاتورات، أو ببروغيل وشاغال اللذين توحي أشكالهما بسر المشوة، والعكس بالعكس. من شكل ما ينبثق اللا ــ شكل ( أي مادة البناء الأصلية، القوة، ماكان مدعواً للجمال ) أو ضد ــ الشكل ( أي شكل مغيظ لأحاسيسنا المعتادة أن تتحرك في الابعاد الاقليدوسية( ٥)). إذا لم يجد الكاتب نفسه، كل مرة، في أصل الكلمة وإذا لم يُحط، عبر رؤية نصف إله، بكل التركيبات الممكنة، ليس لديه أي حظ لبلوغ الشامل. أما إذا كان قادراً على ذلك، على العكس، فأي فرح هو فرحه لكونه تحرر من النحل، والخصومة، والمكيدة ! لا يعود يتعهر مع لغة محددة ونهائية، جعلها التافهون اصطلاحية، بل يخترعها، يسيطر عليها، يهدئها، يجعلها كوكبية .
أخيراً، إن الكاتب يبقى إنساناً قدرياً في نظر نفسه قبل كل شيء. لا يفهم الكثير من واقع أن عليه الكتابة، أن ضرورة عمياء في طبيعتها، بصيرة بوسائلها، تدفعه للاضطلاع بمهمة تتجاوزه .

حين يعي أن نُتاجه جيد، يريده عظيماً. وعندما يكون هذا عظيماً، يريده خالداً. وحين يقال له إنه خالد يشك في ذلك، لأن الخلود الذي يجري الكلام عليه هو، وفقاً لأذواقه وخياراته، مصدر اختلاط وتشوّش. هو يكتب ليكون كاتباً. هذه الكلمة التي تشير الى مهنة تبرق كوسام شرف. إنه لأمر قاس إنما يصبح المرء، في حين يكون إنساناً، رمزاً لكل شيء ووسيطه. إنه لمن الصعوبة بمكان أن يجري إفقاد التجربة الفردية مركزها لأجل جعل كل واحدة من اللحظات كائناً فريداً، ومركزاً جديداً ومنظوراً جديداً. إن الحقيقة التي هي ما ينزع إليه الفنان تخاطر بألا تكون كذلك إلا بالنسبة للآخرين وبأن تبقى بالنسبة إليه تقريباً approximation، وبالتالي وهما. إن مطالبة الأهواء بأن تستذكر نقاوة الروح، وأن يفرض على الدنيء القذر أن يكون شفانياً ( 6 ) ، وعلى المبتذل أن يكون مرهفاً، إنما هي أمور تستتبع حضوراً كلياً غريباً عن كل شيء ما خلا الذات .

لكن ربما سيقال : عما تتحدثون إذاً؟ عن النثر أو عن الشعر؟ أما أنا فسأجيب بأني أتشبث بالأول فيما أفكر بالثاني. إن النثر السردي يقوم على الغنائية وربما ليس هنالك روائي أعظم من شاعر يتنازل عن ذاته. فلنعد قراءة بعض صفحات مدام بوقاري ( 7 ) بصوت عال. فلنصغ إلى فلوبير الذي هو الأكثر موضوعية، بصورة محض إرادية، بين كتابنا، ولنستقبل تهكمه، أو غمّه، أو يأسه، أو دعابته .

ليس لدى الكاتب إذا غير ترفٍ واحد : ترف رفضه أن يكتب ما يظنه الشيء الوحيد الذي يمكنه التعبير عنه. إنها مهمة غيره أن يفصّلوا ما هو جوهري في ما يقوله، وهو ما يتعلق به، لوحده. وفي هذا بالذات هو إنسان يكرس نفسه للمخططات العظيمة، والمشاريع المجيدة . هو لا يكتب لإحراز المجد، لكنه يجد أنه أمر طبيعي أن يكون المجد على موعد معه، وقح وعادل أن يتأخر ( هذا المجد ). إن الشهرة المبكرة هي الوجه الذي يختاره، في حين هو عازم على المماتعة. لا علاقة لهذا المجد بتاتاً بالجلبة، أو الإعلانات، أو التقارير المداحة. بصرف النظر عن انتصار الفنان على الزمن، يكون ( هذا المجد ) شعوراً خاصاً بالفنان الذي تكون له ملامح مشتركة مع ما تقوله التوراة عن الخلق : « ورأى الله أن ذلك حسن !» إن الحدس بأنه حرّك كوناً إذ ينتظم، وإذ يكتسب صلابة وقوة، سوف يفرض عليه أن يتجاوز نفسه لكي لا يُقصى منه، هذا الحدس يسجم الكاتب مع نفسه، يضمن له ضرورته، يجعله يتحمل مخاطر الإعدام aneantissement، يجعله بصيراً بالتهديد الذي يشكله للغير. كان نيتشه يقول لسيدة عجوز عبرت عن رغبتها في قراءة مؤلفاته : «لا تقرأي كتبي يا سيدتي، فهي ستؤذيك كثيراً في حال فعلت ذلك».

ينخلق إذاً، بفعل سحر الكلمة وقوتها المرتبطين بقساوة النتاج، عالم تشارك فيه البشرية بأسرها، شيئاً فشيئاً. إن هذه الأخيرة، المفتتنة، تستخدم كل الحيل لأجل تدجين ما يشعرها بالغربة، وللتحكم بالإنسان العبقري . تبدأ هنا باليه حب وكراهبة يدير فيها كل شريك ظهره لنفسه، لأن الكاتب لا يقل عن باقي العالم دهشة حيال الكون الذي حفزه. إن الآخرين يبحثون فيه عن ( هذا الكون ) في حين أنه لم يتمكن من الولادة إلا خارجه. من هنا سلسلة إساءات الفهم التي أشرنا إليها .

يسعى الكاتب، فضلاً عن ذلك، لأن يعيش أخلاقياً ليمنح نفسه حق التفكير ضمن اللاــ أخلاقية . لكنه يتألم من هذه المساومة. يوجد في القانون لكي يكتب خارج قانون الجميع. يأمره الاشتراط الذي ينصاع له بأن يوزع مجرات فكرية جديدة في الفضاءات التي لا تظهر معمورة غالباً إلا بفضل الزيع الذي يجعلك تظن نيازك نجوما عظيمة الحجم والعكس بالعكس .

أخيراً ينبغي أن يقبل الكاتب بأن « يُنتسى» ويبقى النتاج وحده، في جماله الشكلي. من غير المجدي أن يقصد المرء ربطه دائماً بنية المؤلف. لقد جرى نسيان ذلك كثيراً في أيامنا هذه. إذا كان الشكل جيداً، فإن جوهر الكتاب يوجد، يستحق البحث عنه لكنه قد يتعرض للإذلال في تقديم تعليمي. إن الفكرة هي إشعاع الكمال الشكلي. ملتقياً هنا بفيلدينغ الذي كان يأخذ على النقاد مماثلتهم بين ما هو ثانوي تابع وما هو جوهري، ليس الشكل الذي أفكر فيه مصنوعاً من تفاصيل كاملة متجاورة. إنه بنية واندفاع في آن معاً. لو كنا نريد مقارنته بعنصر تشكيلي، لربما كنا قارناه بتمثال انتصار ساموتراس (٨). إن ما يشدنا أولاً فيه إنما هو حركته، النزعة التي لديه للإيحاء بأن مخره (٩) وهو ما كنا نسميه الآن إشعاعاً لا يقل ضرورة عن حضوره. لكن فلنمض أبعد. ليست هذه الحركة بهذه الأهمية إلا لأننا نجهل الوجه الذي يوجهها. ما هو ناقص فيها يجعلها مطلقة، حركة في الحالة الخالصة. وهذا هو السبب في أن الشكل الأدبي الذي أفكر فيه يمتص مشوه الشكل Iصinforme وضد الشكل Iصantiforme اللذين تحدثت عنهما، ينقلهما، يترجمهما، يستعير منهما هذا الناقص الضروري غير المحدد الذي هو ما تهزنا انطلاقاً منه دينامية النتاج وتخطفنا، هذا الناقص غير المحدد الذي أسميه « السر ».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* فصل من كتاب ( نيتشة مفتتاً) (ص99ــ 116)
** مؤلف كتاب (نيتشة مفتتاً)الناشر المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر/بيروت / الطبعة الولي 1996م
ترجمة : اسامة الحاج
(1) مذهب فني يقضي بالعودة بالفنون الي اشكالها البدائية (م)
(2) رسام ومنظر الماني (1879 ـ1940)
(3) اندريه جيد ، وهو كاتب وروائي فرنسي مشهور (1869ـ1951)
(4) جمع توراة، الكتاب المقدس عند اليهود (م)
(5) نسبة لعالم الرياضيات الاغريقي المشهور إقليدوس( القرن الثالث ق.م.)
(6) نصف شفاف (م)
(7) رواية مشهورة للروائي الفرنسي غوستاف فلوبير(م)
(8) ساموتراس جزيرة يونانية في بحر ايجة، جري فيها نحت تمثال النصر (اللوفر) الذي يمثل ذكري انتصار بحري تم إحرازه في بداية القرن الثاني ق. م. (م)
(9) المخر هو اثر سير السفينة (م)
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

فردريك نيتشه (إنسان وفيلسوف عظيم)

كيف سيكتب نيتشه لو أنه كان سودانيآ يعيش هذه الأيام؟!.

ذاك "عندي" هو السؤال؟.

نيتشه كان جزءآ من زمان مختلف وحضارة مختلفة "مكان مختلف" ووقائع مختلفة. كيف تعاملنا ونتعامل نحن في زماننا عبر "الكتابة" في حل عن النيتشاويات "من نيتشه" وفي ذات الوقت مع الوعي بنيتشه وأمثال نيتشه كتجربة إنسانية من المفترض أن البشرية هضمتها وتجاوزتها إلى أفاق جديدة.

أين نحن من قضايانا ذات الخصوصية فيما يتعلق بالكتابة؟.

لماذا نكتب ولمن نكتب؟. أنا محتار!. أين الثورة "المطلقة" أين الإنسانية أين التمرد؟. أين الشيطان؟. و، أين الرحمن؟.

ثم أن نيتشه لم ترفعه إلى مقامه العلي كتابته وحدها بل سلطة حضارته، أي أسلحة حضارة أوروبا الغربية المادية والمعنوية. ذاك هو إعتقادي. فأين نحن من الحضارة؟. حضارتنا!؟. قضايانا!؟. ((( هل لنا حضارة؟. هل لنا قضايا؟.))).


محمد جمال


محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

من جديد!
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

إن كنت تكتب ولا تدري لماذا تكتب فأنت فوضوي وإن كنت تقرأ ولا تدري لماذا تقرأ فأنت محتار!.

محمد جمال

--------

هل نفكر من جديد في السؤال الممل دا؟. والمهم والخطر!... وأعني تحديدآ "معنى الكتابة"؟؟؟
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

السؤال يتواصل من جديد متجددآ!.
أضف رد جديد