الطبيعة و الفراغ: محمد خلف للماحي علي الماحي

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
Masoud Mohammed Ali
مشاركات: 220
اشترك في: الاثنين إبريل 20, 2009 9:47 am

الطبيعة و الفراغ: محمد خلف للماحي علي الماحي

مشاركة بواسطة Masoud Mohammed Ali »



الطبيعة، كما الصحاب، تدمدم علينا مرةً، وتدهشنا مرات:

في ليلة 4 أغسطس 88، هطلت أمطارٌ غزيرة لساعاتٍ طوال. وفي تلك الليلة، ولمّا يتضح بعدُ أنها ستقود إلى خسائرَ فادحةٍ فيما بات يُعرف بعام "السيول والأمطار"، قال لي مسعود، وقد تقطّعت بنا السبلُ في دار الكتاب بالمقرن: "الطبيعة لا تعرف الفراغ؛ غادر الماحي فترك فراغاً هائلاً، وكان لابد أن تملأه الطبيعة بأي شكلٍ من الأشكال". أي أنك غادرت وقتها إلى الدمّام، فدمدمتِ الطبيعةُ علينا في إثرك. وعلى الرغم من هولِ المأساةِ وفداحةِ الذكرى، فإن التفسير الذي أدلى به مسعودٌ حينها بلا تردد، على تعجّلِه وميله نحو المبالغة المقصودة، يعطي فكرةً ساطعة عن المعايير التي كنا نستخدمها في تقديرِ بعضنا البعض.

عزيزي الماحي
كنت أظن أن الصحابَ، إنْ لم تطحنهم دواليبُ العمل أو تطِحْ بهم مشكلاتُ ما بعده، لطحطحَهمُ الزمانُ أو طحَتْ بهم مشاغلُه؛ فإذا برسالتك الصغيرة توحي لي بمسكوتِها الضخم أنك أنتَ أنت؛ مثلما أن مسعوداً هو مسعود: تحوم حوله أرواحٌ "طاهرة" وسحاباتٌ مباركاتٌ أينما حلّ: بين الحرمين في جدة، وقبلها في حضرةِ المرحوم مصطفى سيد أحمد في الدوحة؛ ومن بيغ سير في كاليفورنيا في صحبة عركي مرّةً، وليس "مرّةَ" الجبل، وبعدها إلى مرتفعاتِ الألب البافارية، متّشحاً بغمامةٍ ولابتوبَ ومسبحةٍ من صندل. (يمكنك، إنْ شئتَ تعبيراً شعرياً بعيداً عن الحق، أن تشطب العبارة التي تبدأ بـ"مسبحة"، وتضع مكانها "وردة").

هكذا كان يتصرّف جعفر؛ تخلى للأصدقاء طواعيةً عن "طه" و"حمزة"، لتطيرَ حمام(اتُه) في ساحةِ الشعرِ، ولا حقائقَ تتبعها. على خلفيةِ هذا التحاورِ النصّي مع ابن يوسفَ "سعدي" (1)، أسال الله أن يعطّر ذكراه: حيّاً كان في شرنقته الشعرية، أم ميّتاً في قبره الدبلوماسي.

وبشرى –يالفضلِ اللهِ- هو بشرى؛ يلقاك هاشّاً باشّاً في منزله بجدة، فتعرف أن الحياةَ ما زالت بخير. أهداني مجموعتَه القصصية وجلباباً أبيضَ، فخشيت عليهما من البِلى، وقلت احتفظ بهما هكذا ناصعَيْنِ تبرّكاً وذكرى.
وهاشم، رغم قسوةِ أولي الأمر وعنادهم ، ما زال هو هاشم؛ جاءني يسعى من سان خوسيه إلى مطار سان فرانسسكو، فتعرّفت بنتيّ الصغيرةُ في دقائقَ معدودةٍ على ذلك السحر الغامض الذي جذبنا جميعنا –طيلةَ العمرِ- إليه.

و"النور"؛ إنْ قلتُ هو "النورُ"، لدمغني بالهرطقةِ بلا تردد، لذا لزم معه شهرَ أقواسِ الاحتراس. لكم أفتقد ذلك الذكاء الوقّاد، وما تصحبه على الدوام من حدةِ طبعٍ معتقة.

هؤلاء هم شذراتٌ من عملةٍ ذهبية نادرة كنت مستعداً –قُبَيْلَ صياحِ الديكِ- للمضاربة بها في سوق التداول الفكري؛ وفي تشتّتهم، عملتُ -مع آخرينَ- على فتح فضاءٍ ثقافي.

وكان مسعودٌ يطالب دائماً –في عقرِ دارِ الكتّاب- بتأسيسِ اتحادٍ للقراء، ولا أدري إلى الآن لماذا لم يشرع في إنشائه. هل كانت مطالبته سخريةً مغلّفة، أم كانت تعبيراً عن غيابٍ للحسِّ التنظيمي لدى جمهور القراء؟ وعندما رفعتُ يدي عن العمل الثقافي المنظّم وانفضَّ من حولي سامرُ الكتّاب، صار مسعودٌ هو قارئيّ الوحيد؛ وفي صحبته، ترقّيت من كاتبٍ مغمورٍ في الدركِ السفل، إلى قارئٍ نهمٍ من الطراز الأول.

أرجو أن نتواصلَ جميعاً، حتى تخرجَ فراشاتُ الكتابة معتقةً من تشرنقها الطويل. (يمكنك، إنْ شئتَ أيضاً، أن تشطب العبارة التي تبدأ بعد كلمة "معتقة"، وتضع مكانها "بفقسِها الجميل"؛ ارضاءً لجعفرَ، وتيمّناً ببشرى).

(1) "تطيرُ الحماماتُ في ساحةِ الطيرانِ، البنادقُ تتبعها"؛ من قصيدة للشاعر العراقي سعدي يوسف، نُشرت في أعماله الشعرية تحت عنوان: "قصيدة للجبهة: تحت جدارية فائق حسن".


أضف رد جديد