يوميات سائق أسرة!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ
مشاركات: 419
اشترك في: الخميس أكتوبر 04, 2007 11:54 pm

يوميات سائق أسرة!

مشاركة بواسطة ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ »



(1)
إنها جمعة الغضب بلا أدني شك! خرجت فيها كعادتي بقصد التسوق لإيفاء متطلبات المنزل الأسبوعية من (السوق المركزي) هذه المرة، طمعاً في تقليص الكلفة في حالة الشراء بالجملة!
لا زلت قادرٌ علي شراء هذه الحاجيات مع كل أسبوع بحكم أساسيتها، بعد أن تنازَلت وأسرتي الصغيرة عن مضغ (الطماطم) وشهوة (لحم الضان) من قبل رمضان! بالأمس حدث لي موقف غريب بحكم العادة؛ إذ كنت متجهاً صوب محلات بيع اللبن الطبيعي مساءً لأخذ حصة الطفل الذي يجلس في المقعد الأمامي في هذه العربة التي أقودها، وتعينني علي دفعها وبشكل منتظم زوجتي، بدلاً عن أن تنفق علي حاجياتها الضرورية الأخرى!
وصلت محال بيع اللبن في ذات الموعد الذي أبتاع منه يوميا،ً فتخبطتني الوساوس بمجرد أن وجدت اللبن (غير متوفر)، مع إنه يبقي في العادة حتى بعد موعد قدومي بساعات طوال!
(2)
ليس من الممكن بالطبع (مقاطعة) اللبن أو الاستغناء عنه بأية حال؛ إذ هو (وجبة) رئيسية لهذا الطفل الجالس في المقعد الأمامي طيلة فترات اليوم المختلفة!
تحركت من (الشعبية) بشارع المعونة حيث الشركة العربية للاستثمار، هي أكبر مورد للألبان، وتوجهت ناحية الشمال الجغرافي بحثاً عن (لبن الحياة) هذا! كنت أتوقف في الطريق أمام كل (حَلَّة قُوز) كبيرة علي جانبي الطريق، أسأل عن اللبن ولا أجده وأتقدم ناحية الجنوب! المهم. بعد عناء طويل تقمصت فيه صفة (نكير) أسائل كل بائع عن سبب هذا النقص وعن ما إذا كان هنالك مبرراً يمكن أن يفهم المرء منه ما يفيد، فلم تغزو مدينتنا هذا المساء أسراب القطط، وليس هنالك ما يُفسِّر هذا الشُح المفاجئ، إلا زيادة (منظمة) لأسعار اللبن قادمة لا محالة في أقرب وقت!
(3)
قرأت في عدد الأمس من الغراء الصحافة، أن سعر طن الحديد، قفز قفزة تؤهله لنيل ميدالية (سيدني) إذ بلغ 4900 جنيه، من 2200، دفعة واحدة! تمتمت في سرى مطمئناً النفس بتميمة: هو الداير يبني منو؟ وقررت أن أكون مواطناً صالحاً وأرى النصف الممتلئ من الكوب؛ إذ تؤشر هذه الزيادة علي قدرات عالية من قبل صناع السياسة السودانية في مضمار (ألعاب القوى) بالتأكيد، إن انتبه المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي بالفعل! واضطلع بأدواره المنوطة به بدل أن يسفك الحبر واللافتات المليونية المضيئة علي شعار (أوكامبو أسير للبشير)!
ليس في الشعار ما يضحك أو يبكي إذا (صفينا النية) وترجلنا عن صهوة معارضتنا غير المبررة للنظام! ولذلك قررت أن أواصل في اتخاذ هيئة المواطن الصالح، وأنظر للنصف الممتلئ من (الكوز)! فأسعفتني عبقرية المواطن الصالح بأن المجلس وبما أنه مجلس يعجُ بالعقول المثقفة، والخبراء من الوزن الثقيل، من أهل العلم والمعرفة، قرر أن يذكِّر (الصهيونية العالمية)، و(الأيادي الخفية) التي تتربص بالوطن، أن هذه البلاد، سبق وأن أسرت (سلاطين باشا) ذات نفسوا قبل كدة، فما تزعجونا ساكت بلاي!
أحياناً يفيدك وضع اتخاذ هيئة المواطن الصالح، في قراءة تأويلات عميقة الدلالة، تحجبها عنا عادةً غشاوة المعارضة التي لا تنظر أبداً لهذا النصف الحلو!
(4)
داخل السوق المركزي اضطررت لتبديل هيئة المواطن الصالح غصباً عني! واعتذرت سراً للحكومة أن تقبل بهدنه بسيطة معي لا تزيد عن الساعة فقط ريثما أنفُدُ بجلدي من نيران الطماطم واللحم وزيت صباح، وربع البصل الأحمر! لأن هذه الأربعة مدفعيات بالتحديد، لم تتوقف عن قصفنا بالزيادة (الأسبوعية) منذ ما ينيف عن الثلاثة أشهر!
سببت الحكومة سباً شديداً، وجعلتُ من بين أيديهم سباً، ومن خلفهم سباً، ولكن هم لا يبصرون!
زوابع كثيفة ومؤامرات عظمي وعدم استقرار كبير، خلفته فترة الهدنة القصيرة بيني وبين الحكومة بحسب (المركز الشرَّاني للخدمات السخفية) وبحسب مصادر مأذونه أخرى لن أسمها!
انتهت الهدنة بيني وبين الحكومة، تحركت ناحية المنزل بعد أن تقمصت هيئة المواطن الصالح مرة أخرى، أسبُ الشعب هذه المرة، لأنه أسرف في فضلاته كثيراً هذا الشهر، حتى فاضت عن سعة شبكات الصرف الصحي وانفجرت في أكثر من شارع بالخرطوم ولا زالت تتوالي في الانفجار مع قدوم كل صباح. نظرت للنصف الممتلئ من الكوز، فصدقت أن المعارضة العميلة والصحف المأجورة وباعة السوق المركزي جميعهم، كذبوا علي بشأن الأسعار وغلاء المعيشة هذا الصباح، لأن الشبع الزائد ببساطة، هو سبب هذا النهر من الصرف الصحي الذي لا تنقصه الأسماك!
ذهبت مساء لجلب اللبن، فوجدت رطله - وقد بلغ قبل رمضان الألف وثلاثمائة جنيه ثم زاد إلي الألف ونصف بعده – وجدته أصبح بألفين جنيه بالتمام والكمال، فتذكرت رطل لحم أنطونيو في (تاجر البندقية) لشكسبير، لكنني لم أجد (شيلوك) ربيب الصهوينية العالمية! فقلت في نفسي: ربما لأنني لم أنظر للنصف الممتلئ من الكوز!
صورة العضو الرمزية
تاج السر الملك
مشاركات: 823
اشترك في: السبت أغسطس 12, 2006 10:12 pm
مكان: Alexandria , VA, USA
اتصال:

مشاركة بواسطة تاج السر الملك »

أحي فيك مواطنيتك الصالحة، أنتو أصلا الولد معودينو على اللبن ليه؟؟؟
التيمم ده مالو، عيبو لى؟؟؟
تجيب حلة لبن فاضية و لا بزة، و تخلي يلعب بيها، و ضروري تخت صورة بشير في البيت
للتحصين و أبو الحصين، ولازم تكون البهز فيها العصاية ديك، مدوعل يحمد سيدو
و بالمناسبة أنا صلاحك باين لى من إسمك ده، و لازم تنسى اللحمة، إنتو ما بتراعو
مشاعر بريجيت باردو مالكم؟؟
يا زول و الله فكرة الكوز الملان دي بتلحقك منها دعوات طيبات الطماطم دي تقوم في لستك عربيتك
بس إنت أصبر
صورة العضو الرمزية
ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ
مشاركات: 419
اشترك في: الخميس أكتوبر 04, 2007 11:54 pm

مشاركة بواسطة ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ »

سلام يا تاج.
والله عجبتني شديد فكرة (التيمم باللبن) دي. جربتها أمبارح، أحمد رجعها لي في خشمي! المعني أشرب إتة! يا حليل زمن الشُفع البتغشو يا تاج، يا حليلو بالحيل.
وصلاحي الباين من إسمي دة، عندو قصص كتيرة خلاس لو كنت تاج السر كان عملته منها حكايات بديعة شديد. تصدق إنو إسمي دة هو السبب المباشر ورا دخولي الحزب الشيوعي، وورا رفدي من الثانوي سنة أولي، وورا إني أطلع (صغار سن)! في الخدمة الوطنية. خليك من معاينات الشُغل الكتيرة البدقر لي فيها: إنتة يا زول مسمي علي الغنوشي ولا علي عبد الخالق محجوب؟ خلاس تعال بعد تلاتة أيام! وعيك. بتذكَّر مرة أيام الجامعة اتقبضنا في مظاهرات وودونا القسم. جانا ضابط سمعنا الكلام المعروف داك: إنتو أولاد ناس، ومالكم ومال المشاكل وهسي البنات ديل أهلهم عارفنهم..إلخ. بعدين قام جاب لينا موية وقال للعسكري شيل أقوالهم وفكَّهم. المتحرى رجع للضابط قال ليو الزول دة إسمو راشد! معناها هو من ناس المظاهرات ما زي ما قال ليك قبيل طالب ساي!
بعد اتزوجت طلع (عديلي) اسمو (لينين)! بقيت أخاف عديل كدة نتلمة في حتة حكومية واحدة حتى لو (مستشفي الولادة). لكن بعد داك إطمأنيت لأنو في زول مسمى لي بي إسم أخطر مني! الغريبة أبوي بعد ما سماني راشد، قلب اتحادي ديمقراطي بي جيهة و شيخ طريقة بي جيهة تانية، تصدق؟! طبعاً دة بعد ما كان مُرشح الحزب الشيوعي لبرلمان 1986! سافرنا القضارف قبل رمضان في وفد من اتحاد الكتاب السودانيين، أنا ود. أحمد الصادق. أبوي جا خاشي من الذِكِر ودور مع أحمد الصادق درويش وقرامشي وجمال البنا، وقعدوا يحللو في نمط الإنتاج بتاع مدينة القضارف وعلاقتو بي شبه الإقطاع! الدنيا دي فيها جنس عجايب!
شكراً علي المرور.
تحياتي
ãäÚã ÇáÌÒæáí
مشاركات: 118
اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 2:07 am
مكان: واشنطون دى س

مشاركة بواسطة ãäÚã ÇáÌÒæáí »

شوف ياراشد، انا تعودت ان افكر بالصور، يعنى مثل الانسان الاول فى مرحلة ماقبل اختراع الكلام. لكن والله على قدر ماحاولت ان اركب صورة ابوك بجلابية المتصوفة الخضراء والعمامة القصيرة والمركوب المطفوق، وقد عاد لتوه من حلقة الذكر، وهو جالس على عنقريب حبل، يتناقش مع احمد الصادق فى نمط الانتاج والقيمة الزائدة.... وقرامشى و... ربما انسانية ماركس!!.... الصورة ابت ان تتركب.
ياخ... هذا فيه كمية من الكوميديا غير عادى
انا ايضا اعجبتنى فكرة التيمم باللبن... واعجبتنى اكثر فكرة انك جربتها ولم تنفع مع الشافع اللميض
يديك العافية
صورة العضو الرمزية
تاج السر الملك
مشاركات: 823
اشترك في: السبت أغسطس 12, 2006 10:12 pm
مكان: Alexandria , VA, USA
اتصال:

مشاركة بواسطة تاج السر الملك »

و الله يا راشد الواحد لاوز منك
نقوم نجي الخرطوم، تعزمنا فسحة، نلقاك راكب (فولغا)
صورة العضو الرمزية
ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ
مشاركات: 419
اشترك في: الخميس أكتوبر 04, 2007 11:54 pm

مشاركة بواسطة ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ »

سلام يا منعم.
والله التفكير بي طريقة الصور في السودان دة بوديك العيادة! أعمل حسابك باقي انت الدخلتها فيك العيادة في جيتك الأخيرة ما شوية. ما تقول لي السودان دة بقي ما فيهو أسرار ولا شنو؟ لأنو دة جزو من طريقة التفكير بالصور زاتها!
زمان عمَّك مهدي عامل كان عندو نظرية سمحة في ورطة المراكسة العرب – بمناسبة الإنسانية ديك - سماها (نظرية للتخلف)! في مقابل نظرية للتحرر الإنساني، تقوم بي دور الأخيرة في المجتمعات العربية. جة بعدو د. مصطفي حجازي انتهي مننا عديل! كنت بقرا عنوان كتابو دايما (سايكولوجية السوداني المقهور)! شفتَّ التصحيف دة كيف؟
كدي جرِّب فكِّر في الشخصية دي ب(اللغة) بس. تلقاها شخصية روائية مهدرة شديد خلاس. الشخصية دي (نمط) يا منعم ما استثناء. (نمط) محتاج لي دراسة جادة والله. وفيها (نمط) تاني أزرط بتاع الشيوعي الببقة إسلامي حركي داك! والأغرب في الشخصية دي إنها عالمية ما محلية بس. وما حاسة بي أي غرابة في الوضع دة. متعايشة معاو تماماً.
بمناسبة الصور دي. إنتة دحين زمان ما اشتغلت حاجات درامية عندها علاقة بحلقات الذكر والتصوف والزار (كشكل) محتمل لمسرح سوداني؟ كدي عليك الله ونسنا بيها ياخ. أكيد فيها خلاصات مهمة لتفسير النمط دة زاتو.
مودة ورحمة.. زاتو.
يا تاج فولغا مرة واحدة؟ المارسيدس الروسي؟
الغريبة إنو في الخرطوم والقضارف ماكان كتير في فترة عظمتو ديك. العراق لي هسة فيها التكسي فولغا. والروس حامو بيها العالم كلو. دخل إسرائيل زات نفسها! شفت العربية لمن تكون لينينية بتكون كيف؟
أها والله كان جيت الخرطوم للفسحة ديك؛ فصدقني (أبنركب أم كركابة) بس! ما تلاوز.
تحياتي.


صورة العضو الرمزية
ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ
مشاركات: 419
اشترك في: الخميس أكتوبر 04, 2007 11:54 pm

مشاركة بواسطة ÑÇÔÏ ãÕØÝí ÈÎíÊ »

خريف. ونهر دماء. ودغمسة!

(1)
الخريف يمضي نحو نهايته ببطء كما في العام الماضي. ورائحة عيش الريف الذكية تتآمر علي أنوف المارة بكيد لا يقاوم؛ إنها رائحة التراب المنخرط في معركةٍ ضروس مع فيوض المطر في كل عام! لا يضارع مغنطيسية رائحته سوى بخور النبات الصادر من كانون عيش الريف وطعم (أبونقوي). ذلك الفول الذي يتكور علي ظهره (قدح) خشن، بمذاق مائل إلي الملوحة الزائدة، وتلح عليك الرغبة في بلعه بسرعة سلحفاء، حتى لا تفوتك متعة دحرجته البطيئة بين تلال الحلق، ويا لسعادتك.. إن مضغت بعدها فصاً من فصوص عنكوليب (الدرت)!
مع كل عام وفي نفس هذا التوقيت بروزنامة الفصول، يكون الخريف قد قرر الرجوع إلي بلاد الحبشة بعد (عِيْنَة) (الدرت). يحِّلُ علي سمانا (عفرتاً) تعلو ملامح وجهه تقاطيب غاضبة، ويضيق فمه ويتسع في حركةٍ شبه منتظمة، بحسب مزاج الرياح التي يضايقه صفيرها، أو هكذا كنت اعتقد!
إنه خريف المدينة التي تجاور الهضبة أكثر مما تجاور الخرطوم! لا يحسُ فيها المرء بغربة (الحبش) عنها؛ فهم يتناسلون ويتزاوجون مع العامة ويتملكون المنازل والمطاعم ومحال الأنس الذي لا يطيقون حياتهم سواه.
فجأة حطَّ علي مدار الجدي في هذه المدينة كوكب (الدغمسة) الشهير في موسم حصادها العام الفائت، فاختلطت حركة الأفلاك البجاوية وسقطت منها أربعة مع نهاية خريف هذا العام الذي لم ينتهي خريفه بعد!
(2)
مات أربعة مواطنين بالأمس القريب، في الحي السكني الذي ولدت وتربيت ودرست فيه مرحلتي الابتدائية، ولا يزال منزلنا الكبير به إلي هذه اللحظة! مات هؤلاء الأربعة في المسافة التي أتحرك فيها يومياً لسنوات طويلة مضت، قبيل الأصيل مباشرةً، في مشوار الصبا الأثير إلي (الزرائب) لجلب اللبن! وهي زرائب تعود ملكيتها لقبائل الرعاة من البني عامر سلالة بجا الشرق بمنطقة القضارف. فتحت عيني علي الوجود وهم أهلها، ولم أشعر بأخروية بيني وبينهم إذ كنا سوياً في فصول الدراسة وفي ميادين اللعب وفي التساكن الحميم. وباب بيتنا يفتح بباب سطح فخيم يسكنه (عمي عبدو)!
و (عمي عبدو) هذا رجلٌ له بين كبار الحلة مجلس موقر وصحبة رفيعة. إذ كان يملك أكبر مخابز الحي لصناعة الرغيف، وهو فوق هذا وذاك رجلٌ متدين كثير الصلاة والصيام وبه دفق من النشاط، لن ترى مثله إلا في خفة الأرانب البرية.
لم أعرفه كبجاوي إلا في مرحلة الثانوي أيام إذاعة التجمع الوطني وعلو صيت جبهة الشرق و طيب الذكر التجمع الوطني الذي كان أبي يجوب الحوش جيئة وذهاباً من أجل ضبط ترددات إذاعته بعد صلاة المغرب مباشرةً.
مات هؤلاء الأربعة برصاص شرطة ولاية القضارف موطن ذلك الخريف الذي جلب معه العام الماضي حديث الدغمسة الشهير الذي أدلي به السيِّد رئيس الجمهورية في مناسبة الحصاد وكتبنا فيه مقالاً مطولاً بعنوان: حصاد القضارف. حصاد الثقافات السودانية! ماتو وانتهى الأمر!
(3)
لم تعد ذاكرتي تقوى علي مطابقة الإسم بالصورة من فعل الإنهاك الذي أعيش فيه، لكنني أكيدٌ من معرفتي بهؤلاء القتلى الذين هم جزء أصيل منها في طفولة الثمانينيات وما بعدها. اليوم فقط وأكثر من أي وقتٍ مضي تأكَّد لي أن هذه البلاد تمضي نحو حتف أكيد ما لم تحدق بها معجزة من السماء بعد أن تأخرت معجزات الأرض!
غادر الجنوب في عام الرمادة هذا، و سرعان ما نشأ جنوباً جديداً تفهمه العصبة المنقذة علي أساس أنه سطورٌ أخيرة لكتاب التمرد في البلاد!
ألم يعد ممكناً أن لا يقبع خلف أي صراع في هذه الدولة إلا ما يحيل مباشرة وبلا توسط إلي صلف الدولة ناحية العرق والأقليات؟ ألم يوجد هؤلاء الرعاة منذ آمادٍ سحيقة في هذه الرقعة من البلاد التي تنتمي لهم وينتمون إليها تاريخياً؟ لماذا تصرُّ حكومة الولاية ومحليتها وبلديتها علي ترحيلهم من أماكنهم قسراً وهم يقطنوها قبل الحكومات؟
كيف تستخدم شرطة ولاية القضارف ذخيرة حية مع مواطنين عُزل إلا من (سفروق) وبعض رائحة اللبن الصادرة من (السديري) المنهك في (زرائب) للرعاة لا في ساحة معركة؟
أشارت الأخبار بالأمس إلي أن حكومة الولاية، قد تدخلت لحل المشكلة بعد أن عقدت اجتماعاً مطولاً مع عُمد البني عامر والهدندوة، لكن السيِّد الوالي طالب من مثيري الفتن عدم التدخل والتزم بمعاقبة كل من يثبت تورطه في الأمر وفق مؤسسات الدولة.
للسيِّد الوالي نقول: دماء أبناء القضارف ليست رخيصة، وطالما راح ضحية هذه الحادثة نفرٌ عزيز من أبناءها، فما الداعي إذن لبحث اثبات التورط؟
لا بأس من الانتظار سيدي الوالي، ولكن علي الأقل، يجب أولاً إقالة مدير هذه الشرطة التي سفكت دماء الأبرياء وبلا تحقيق، طالما واريتم جثامينهم بأنفسكم في مقابر الصوفي الأزرق.
أضف رد جديد