الطيب مصطفى 00 وسيكولوجيا الهروب في المرض

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

الطيب مصطفى 00 وسيكولوجيا الهروب في المرض

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

يندر أن تجد هذه الأيام صحيفة سودانية أو موقعاً إلكترونيا لا تسوده كلمات "الدباب العتيد" الطيب مصطفى أو تعلق عليها0 وما هذا النزوع نحو الحوار والتدافع الفكري على رجل كان لا يجد حتى الأمس القريب سوى لغة القمع والتهديد ،متكئاً على سلطة التمكين الأحادية الاقصائية ، إلا واحدة من نوائب الدهر التي المت بأساطين المشروع الحضاري سيئ الذكر0
فالرجل لا يملك سجلاً ديمقراطيا او اعترافا بحق الآخرين حتى نحمد له هذا النزوع نحو الحوار0 فعندما كان مدججاً يوما ما بالسلطة بلغ بع الغرور حداً تصور معه أنه المعيار الأخلاقي- الديني للامة ، فأمسك ، دون وازع أو ضمير بتقطيع أوصال التراث الإبداعي وسحق الوجدان السوداني في جريمة لا تقل بشاعة عن التطهير العرقي الذي كان وما زال يمارس باسم الجهاد تارة وباسم الحفاظ على الوحدة الوطنية تارة أخرى!!0 وهو ذات الرجل الذي تحول على يديه التلفزيون القومي إلى "دروة" يتطاير منها الرصاص وأصوات المدافع ليل نهار، وتنصيب ما يسمون بالفنانين الجهاديين أوصياء على الذوق العام0!!
ولكن، وبما أن الرجل بات الآن مكرهاً لخوض غمار الحوار بدلاً عن الدبابة، فهل لديه من جديد كان مخبوءاً تحت عباية السلطة أم أنها ذات النزعة العنترية وبآلية أخرى؟0

الحقيقة البسيطة التي يستطيع أن يستشفها المراقب من خلال كل هذا الكم الهائل من المقالات المنهمرة بلا توقف ، تكشف جلياً إن الرجل مصاب في نرجسيته شأنه في ذلك شأن البعض من أرثوذكسيي النظام الذين بالغوا في تقدير قيمة مشروعهم وأنفسهم على السواء، وهذا ما يكشف سر الخيبة والمرارة التي تستبطن كتاباتهم رغم ظاهرها العنيف والمدوي، وهذا مرده تطرف بنيوي وذهنية دوغمائية لا تستكين بسهولة لحقائق الواقع0
الطيب مصطفى أحد هؤلاء الذين ينطبق عليهم بجدارة قول أبو حيان التوحيدي في وصفه لأحد علماء عصره: "مخدوع في أول أمره ، خادع في آخر عمره"!!0 فالرجل الذي اندفع بكلياته عقلياً وروحيا وراء مشروع أيدلوجي وهمي سرابي كان يرتجي منه تغيير واقع البلاد والعباد بلمسة سحرية تتجاوز الواقع وتعقيداته ، انتهى به المقام – مخادعاً- باذلاً النصح والحكمة – التي هبطت عليه فجأة دون مقدمات- في مزايا انفصال الشمال وقيام دولة بني يعرب الاسلاموية، والتي لم يمنع من قطف ثمارها سوى قرنق وأمريكا والشيوعيون و000و000و0000
سنفترض جدلا أن الرجل تقمصته فجأة روح الشيخ فرح ود تكتوك في قدرته الفذة على التنبوء ، وأن ما يرهص به هو رؤية متحققة لا محالة ، فما هو الذي يبشرنا به حكيم هذا الزمان؟ الحقيقة رغم اللت والعجن والإسهاب والشرح الدائري والالتفاف على الهدف فليس في مخزون الرجل سوى دولة المشروع الحضاري البائسة اليائسة التي تجرع الإنسان السوداني حنظلها ما يربو على السبعة عشر عاما وما زال0 تلك الدولة التي ضاقت على أصحاب المشروع أنفسهم بما فيهم عرابه0 و"الدباب العتيد"عندما يلجأ للأسلوب "التخييلي" بغية وضع المتلقي في قلق ورعب مما سوف يفرزه مستقبل السلام ، والعمل بهمة في تلطيخ سمعة قرنق والتشكيك في قيمته كقائد وحدوي والنبش التاريخي في أضابير الكراهية ، فات عليه أن السوء الذي ألحقته الإنقاذ بالوطن لا يعادله سوء مهما تفتقت عبقرية الشر ، وان الكل بات على قناعة تامة أن ما يسمى بمشروع الدولة الدينية ما هو إلا وهم واكذوبة ساذجة الغرض منها استفراد أقلية من شذاذ الآفاق بموجب الحق الإلهي على مقدرات البشر0 لم يعد خافيا على أحد أن أفق الانحطاط الإنقاذي فات كل حد معقول وتجاوز قدرات الشر نفسه0 ولكن، من هو الذي بمقدرته إعادة دوغمائي أرثوذكسي لوعيه حتى يلتفت إلى مثل هذه الأشياء التي صارت في حكم البدهيات حتى لمن هم جزء لا يتجزأ من الأيدلوجيا نفسها، حتى يعلم كم الخسائر التي أوقعها مشروعهم بالدين والدنيا؟ فالصدمات التي مبعثها انهيارات المشروع الأيدلوجي في الغالب لا تحيل أمثال هؤلاء إلى حظيرة الوعي بقدر ما تبعث على العصاب0 فالعقل الدوغمائي هنا إطلاقي بالأساس ولا يساوره شك في أنه وحده مالك الحقيقة وسادنها الأوحد، وهو وحده النائم على نواصي الخير ، وكل ما حوله يعج بالمؤامرة وينطق بالشر والمعصية!!0
الطيب مصطفى أنصع مثال لهذه العصابية التي لا ترى في كل شركاء الوطن والمواطنة – ما عدا الجهبة- سوى أشرار وخونة وأعداء للدين والعروبة- والأخيرة أس العصاب!! فكل كتاباته ترشح بسيكولوجية الهروب في المرض – حسب المصطلح الفرويدي- بإشاحته وجهه بعيدا عن تنكبات ما يسمى بالمشروع الحضاري وانهيار دولة الإنقاذ "الدينية" بارتضائها قسرا الشراكة السياسية لخصم يمثل في لاوعي "العصابي" كافراً تجب مجاهدته حتى يسلم أو يدفع الجزية صاغراً!!0 ولكن لأن الوعي يعمل بالتزامن مع اللاوعي في مثل هذا النوع من العصاب، فالرجل يعلم في ذات الوقت "وبمرارة" مقدار التغيرات والأزمات التي حاقت بدولته الفاشية مما يجعل الأزمة مضاعفة والهذيان في اوجه0 ودوافع الرجل في ذلك جد معقدة ومؤلمة 0 فالانهيار التام والمريع لمشروع الدولة الدينية عادة ما يصيب الأرثوذكسي بشرخ معنوي بالغ لأنه يعري كل أنظمة الوهم التي يتأسس عليها معنى وجدوى وجوده0 وفي حالة "الدباب العتيد"، فالأمر يستطيل إلى أبعد من ذلك0 فاليقينية المطلقة في مشروعية الحرب الجهادية التي أورد فيها الأجيال اليانعة موارد التهلكة بما فيهم فلذة كبده ، تجعل من التسوية السياسية أكبر صدمة يمكن أن يحتملها ذهنه الذي لا يرى في الدنيا سوى طريق مرصوف بالجماجم والدم المسفوح يفضي إلى الجنة!!0 من هنا لا يتبدى في الأفق من مخرج للأرثوذكسي سوى اللواذ بالعصاب والهروب في المرض كما هو شاخص الآن0 ولما كانت الخسائر بائنة وتعضي الروح ويحرض عليها واقع الحال في كل لحظة ، هنا لا مناص من أن تنامي عقدة الذنب الموجعة للدرجة التي يبدو معها البحث عن تعويض سيكولوجي هو المخرج الوحيد الذي يلوذ به العصابي0
ربما يفسر هذا حدة الصراخ الهستيري المنبعث من كتابات الرجل، للدرجة التي تستغلق عليه البديهيات، فماهي هي الحقائق التي يمتلك ناصيتها ولا يعيها الحادبون على الوطن؟ إن الجميع يعلم مدى الصعوبات الجمة التي تواجه مستقبل السلام في هذا الوطن، والمتمثلة في تراكم تبعات المظالم التاريخية في كافة أبعادها الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية ومؤخراً الدينية0 وهي معوقات ما انفكت تغذيها الأنظمة السياسية منذ استقلال البلاد وحتى راهن اللحظة وبشكل بات معه تبادل الثقة نوع من المثالية الموهومة، ولكن رغم ذلك تبقى المراهنة على إرادة الخير والرغبة الحقيقية لشيوع التعددية الثقافية والعدالة السياسية والاقتصادية هي الداعم الحقيقي لهذا الأمل0

كان أجدى "لدبابنا" أن يترك الهذيان والجري خلف نظرية المؤامرة ويطلعنا على تاريخ التبعية "الاسلاموية" للإمبريالية الأمريكية والغربية منذ جسر "الفلاشا" الجوي إبان حكم "الإمام" نميري مروراً بصفقة كارلوس ومحاولة تسليم أسامة بن لادن وانتهاءاً بمكاتب السي آي أيه والاف بي آي رغم تهريجات "أمريكا روسيا قد دنى عذابها" ولا فتات "اللعوتة تحذر أمريكا"!!0 كان أجدر به أن ينصرف إلى تقييم تجربة مشروعه الحضاري والمآلات الكالحة التي وضع فيها الوطن، فذلك وحده طريق الألم المفضي إلى الشفاء!0 فهناك الخراب الاقتصادي غير المسبوق والفساد اللامتناهي والجرائم المرتكبة بحق الإنسانية والمواطنة0 هناك الإفقار والإذلال الذين طالا الجميع ما عدا قبيلة الجبهة، وتأسيس التمايز الديني والعرقي والثقافي بأسنة رماح السلطة0 هناك الكثير الذي يجب إن يقال في حق النظام قبل أن تقرع أجراس الإنذار بخطر الحركة الشعبية وما تتضمنه أجنده السلام، وذلك حتى تتوفر لمثل هذا النوع من الكلام "السائب" بعض مصداقية0

ختاماً، لا مناص للدباب العتيد سوى الالتفات إلى حقائق الواقع الفاقعة التي تقول أن المشروع الحضاري – حتى وان كان ما زال حاضراً سياسياً- فهو "ايدولوجيا" بات في ذمة التاريخ، ولا ينفع التوهم والنفخ في النار أو الهروب في المرض في استعادته0 وان كان لابد من النصح بدواعي الاصلاح فعليه أولاً "العبور في الألم" بتبني الخط النقدي لتجربة الإنقاذ وفضح الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها في حق الوطن، كما لا ينسى أن يأخذ نصيبا من هذا النقد اتجاه الذات، فعله يكفر عن خطاياه في ما ارتكبه بحق الوطن وأسرته، وأن لا ينسى بالطبع أولئك الذين تم دفعهم قسراً ودون إرادة أهاليهم ليكونوا وقوداً لمحارق الحرب "الجهادية" دون أن يكون لهم أو لأهاليهم حول أو قوة في رد هذا الجبروت0 ذلكوحده طريق الشفاء وما دونه هو الجنون أو "الهوهوا" بالبلدي!0

عبد الخالق السر/ ملبورن
28/12/2005م
أضف رد جديد