جنازة الخط..ميلاد الكتابة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 7

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام ياشقليني و شكرا على القراءة و على الشوف.
لا تظنن بي التواضع الكاذب فأنا فعلا لست من المتخصصين في مباحث الخط العربي،[ و هم كثر ] لكني أقيم على حدس بأن الأرض التي انبش فيها ليست مأمونة لمتخصصي الخط العربي [ لأسباب كثيرة]، و لا جناح عليهم. و هذه مسألة تحتاج لوقفة أخرى سأعود لها في وقتها .
حين زرت خيط الأخ الخطاط محمد مختار و وقعت على الموضع الذي اقترحت أنت فيه معالجة لعمل محمد مختار لكني وصلت بعد أن سحبت أنت معالجاتك[معليش لكن هذا لا يمنعك من طرح معالجاتك من خلال نماذج أخرى بخلاف نماذج محمد مختار و أنت من أهل الشوف.
سأعود و لي ملاحظات في شأن الحروفية و المعمار أنتظرك فيها
.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 7

مشاركة بواسطة حسن موسى »

معذرة للتكرار
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط [ السابعة]

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط7

و حـــــروفية الأدبــــاء


أطفال الحروفيين:
في رواية " طفل الرمل" للكاتب المغربي الطاهر بن جلّون ، فقرة شيقة يحكي فيها راو يافع تجربته في حمام النساء، بحساسية "حروفية " عالية أزاء الحضور التشكيلي لصورة اللغة في خاطر السامع الحالم:
" .. لم يكن يهمّهن ما يقلن ،كنّ يتكلمن كلهن في آن معا فكأنهن في صالون الكلام فيه ضروري للصحة. و كانت العبارات و الكلمات تنثال من كل مكان. و في الغرفة المغلقة المعتمة كان كلامهن يعلو و يعلق باليخار فوق رؤوسهن . كنت أرى الكلمات ترتفع ببطء و ترتطم بالسقف الرطب ثم تذوب مثل حفنة سحب جرّاء ارتطامها بالحجر قبل أن تنتثر على وجهي.كنت استسلم للكلمات تغطيني و تسيل على جسدي .".[1]
طبعا رؤية بن جلون لتحول اللغة من مقام السمع لمقام البصر و اللمس قمينة باثارة حماس فلول التشكيليين الحروفيين ليجدوا في تجربة الرجل تأكيدا متأخرا للهم الحروفي الذي سرى الفضاءات الثقافية العربية، لحوالي ثلاث عقود ، كما تسري النار في النبت الهشيم!.
و من يدري فربما كان بن جلون يخفي تحت قناع الكتابة الادبية رساما حروفيا ضل طريقه إلى الأدب.ذلك أن راوي بن جلون اليافع الذي تسيل الكلمات على جسده يبدو على قرابة جمالية بابن التشكيلي الحروفي التونسي " نجا مهداوي". ذلك الصبي الجالس القرفصاء تكسو جسده كتابة حروفية بديعة كطلاسم سحرية تحميه من كل الشرور. و لا أستبعد ان تكون صورة ابن نجا مهداوي ، و هي سابقة زمنيا على أثر بن جلون الادبي ،لا أستبعد أن تكون هي التي ألهمت بنجلون مشهد كلمات الحمّام.
و بصرف النظر عن اسبقية التشكيل على الادب [ او العكس] في المسألة الحروفية ، فأن ما يسوّغ حروفية بن جلون و حروفية مهداوي ، على أصعدة الأدب و التشكيل هو أن كل منهما خاطر بالخوض في ماء الحروفية المحفوف بفخاخ الغوغائية القومية و " الإكزوتية" السياحية دون ينسى أن الأديب يحاسب في أفق الخلق الأدبي و أن المشكّل يحاسب في أفق الخلق التشكيلي. أقول قولي هذا و أنا أحفظ هامشا للتحفـّظ حول جدوى هذا النوع من المخاطرات.

أبكار الحروفيين:
و إذا كنت أرى طفل مهداوي سباقا على طفل بن جلون في مضمار المجد الحروفي العروبي ، إلا أن الحضور التشكيلي البصري للكتابة في تقليد الأدب العربي قديم، و قد انتفع به نفر من الشعراء في بناء لقيّات بلاغية طريفة على مثال محمد بن يحيى الصولي[ في " ديوان المعاني"2/76] حيث يقول في وصف كتابة :
" إذا ما تجلّل قرطاسه و سـاوره القلم الأرقـش
تضمّن من خطـّه حلّة كنقش الدّنانير بل أنقـش
حروفا تعيد لعين الكليل نشاطا و يقرؤها الأخفش "
أو قول أحمد بن اسمعيل [" ديوان المعاني"، 2/57] :
" مستودع قرطاسه حكما كالروض زيّن نبته زهره
و كأن أحرف خطّه شجر والشكل في أضعافها ثمره "
و في ادبيات حروفيي ما قبل الحروفية/ و أعني بهم ثلة الأدباء الذين استوقفتهم المعاني البصرية في الكتابة العربية حيث يبدو القرطاس كما نافذة الإيطالي " ليون باتيستا ألبرتي" [2] المفتوحة على المنظر الطبيعي العامر بأحداث الماء و الخضرة و الوجه الحسن، أو كما قال العلوي الأصفهاني محمد ابن احمد بن ابراهيم طباطبا الذي استهدي من أحمد بن اسمعيل دفتر فيه حدود الفرّاء فأهداه و كتب على ظهره:
" خذه فقد سوّغت منه مشبها بالروض او بالبرد في تفـويفه
نظمت كما نظم السحاب سطوره و تأنـّق الفـرّاء في تأليفه
و شكلته و نقطته فأمنت من تصحيفه ونجوت من تحريفه
بستان خــط غير أن ثماره لا تجتنى إلاّ بشكل حروفـه " [3]
و موضوعة "القرطاس"، مسند الكتابة، كمشهد مسرحي في إطاره تتحرك عناصر الكتابة الخطية [ الغرافيكية] و الأدبية التي تتصارع على جماليات الدراما، استرعت انتباه كاتب معاصر مثل " جان بول سارتر" فتأنـّى عندها متأملا و كتب معلقا:
".. أستبعد مجرد فكرة كتابة مخطوطاتي على الآلة الكاتبة ففعل الكتابة، فعل رسم الحروف، و الأقواس و ضربات القلم العريضة و الرفيعة يمثل إنتاج شكل الفكرة نفسها. إن الكتابة كما أراها على مساحة الورقة تبدو لي مثل فعل مسرحي على مشهد ينفتح الستار فيه عن حوار أكتبه للشخصيات التي تسكنه.." [4].
حروفية المعمار:
و إذا كان سارتر مثل طفل رمل الطاهر بن جلون تهجسه الكتابة كتجسيد بصري للفكرة ، فإن تجربة الحروفية الأوروبية ، التي استقرت عقودا ضمن إطار" لوحة الحامل" في تجارب تشكيليين رواد، [ من نوع بول كليو مارك توبي و هنري ميرو و هانز هارتونغ إلخ]، بدأت ، مع نهاية السبعينات، تستقطب اهتمام معماريين معاصرين مجددين مثل السويسري " جاك هيرتزوغ" و زميله " بيير دوموروك" في المشروع المعماري الذي قدماه لمسرح مدينة " دوبلوا" الفرنسية في مطلع التسعينات. و رغم أن العمارة بخاماتها ذات الصلابة و الديمومة تطرح منطق الثبات إلاّ أن المشروع المعماري " الحروفي" الذي طرحاه اعتمد جمالية الحركة و التحوّل.
تصميم المبنى من الداخل وظيفي بحت لكن وجه الجدة في المشروع المعماري هو في واجهة المبنى. فمن الخارج يملك المبنى ذو الشرفات الأفقية، أن يغير من هيئة واجهته كل يوم، بل كل لحظة.و ذلك بفضل التحوّل في نصوص لوحات الكتابة الضوئية التي تغطي الشرفات الممتدة على طوابق المبنى الخمسة.و رغم أن الكتابة ذات الأحرف المضيئة ،في حد ذاتها،لا تعتبر تجديدا على الواجهات المعمارية التي تحمل الإعلانات التجارية المضيئة، المتحركة و الثابتة ، كما تحمل نصوص صحف الشارع المضيئة ، إلا أن مشروع مسرح "دوبلوا" يتميز باعتماد الكتابة المضيئة كأحد مقومات التصميم المعماري الأصيلة و التي يحسب لها المعمارى حسابها منذ البداية.
و المعماري يلعب على بُعد الكتابة البصري باعتبارها مجموعة أشكال و خطوط ملونة مضيئة تتبدل على خلفية الليل المديني، مثلما يلعب على بعد الكتابة الأدبي المبذول للعابرين و المارة في نصوص المقتطفات الأدبية المسرحية .و المارة على مبعدة، و حتى من الضفة الأخرى لنهر الـ " لوار" ، يستطيعون قراءة النصوص الشعرية و الإقتطافات المسرحية أو حتى الأخبار و التعليقات المعروضة بطريقة لا يمكن تجاهلها.
هذا المسرح المكتوب المتحول الذي يمسك بتلابيب الناس في الشارع لا يترك لأحد فرصة التباهي بتجاهل المسرح أو الشعر. فمجرد قراءة عبارة مسرحية محيرة أو نص شعري جميل تؤدي لخلق نوع من آصرة ثقافية جديدة بين العابرين هي في النهاية نصر صغير لقضية المسرح و..لقضية العمارة.
هذه الطريقة في تدبير علاقة الناس بالفضاء الحضري العام تكشف عن موقف حضاري لطيف بالمنتفعين بالفضاء المديني. و هو شيئ كان حاضرا في الثقافة المعمارية التي عرفها مجتمع عرب الإشراق الحضاري البائد.كل هذا يدعو للتأمل في المفارقة بين واقع عمارة الأبنية العامة في الدور و المساجد القديمة التي استثمرت الطاقة الجمالية للكتابة العربية على واجهات المباني ، بينما بقيت الحروفية العربية المعاصرة سجينة لوحات الرسامين [ عدا بعض الإستثناءات المتأخرة]. أما عن فوضى إعلانات النيون المترجمة الركيكة التي تعربد في صفو الليل المديني العربي فحدّث و لا حرج. لقد نسي الرعاة الآيديولوجيون، و "الغرض مرض " كما تعبر حكمة الشعب ، أم هم تناسوا، أن الحروفية العربية هي ايضا ،في تقليدنا المعماري ، بحث تشكيلي في المنطق البصري للعمارة .
وكما ترون، فهذه المناقشة في إشكالية الكتابة الجمالية العربية مازالت تتباعد كل مرة في الشعاب المتجددة للسياسة العربية ، و لا جناح و لا حزن، فنحن إنما نتباعد من الكتابة حتى نتمكن من رؤية أشمل لجبل التشكيل في الثقافة العربية المعاصرة ، وقدرنا أن نعود للتفاصيل و الجزئيات التي لا غنى عنها لتفهم الكل.



::::::::::::::::::::::: /
[1]
Editions du Seuil,Tahar Benjelloun, l’ enfantb de sable,1985
[2] انظر :
Michel Paoli,Leon Battista Alberti, 1404- 1472, Editions de l’ Imprimeur,2004
أنظر الرابط:
https://fr.wikipedia.org/wiki/Leon_Battista_Alberti
[3 ] انظر الرابط
https://www.shiaonlinelibrary.com/الكتب/2077_تصحيفات-المحدثين-العسكري-ج-١/الصفحة_27#top
[سارتر، العدد الخاص، في مجلة " أوبليك" 1979
Oblique, No.18-19,1979,Les Editions Borderie
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ولد الخط

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة


الصورة من "
Nja Mahdaoui
Ceres Productions, Tunis, 1983

نجا المهداوي حالة خاصة بين الحروفيين العرب، سأعود لمساره الفني بشكل يليق بتفرده.
و القلم ليهورافع!
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 8

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة 8

الحيــاة الثانيـــة للحــروفيــة


الحروفية " ميد إن إسلام "

لماذا لم تندثر التجربة الحروفية بعد إنفضاض مولد العروبة ؟
السؤال يكسب مشروعيته، لا من استمرارية الظاهرة الحروفية فحسب ، و إنما من مستوى الرواج المتزايد الذي تلاقيه الآثار التشكيلية الحروفية في بلدان العالم العربسلامي.و في اعتقادي أن الحروفية في نسختها الجديدة وجدت في خدمتها جملة من مؤسسات الرعاية الآيديولوجية القوية التي لم تكن في متناول حروفية السبعينات. ذلك لأن حروفية السبعينات كانت تعوّل على الأنظمة ذات التوجه العروبي القادرة و الراغبة في إنفاق المال على هذا الوليد الغريب على مشهد السياسة العربية.و قد لعبت قلة الرعاة الرسميين الجادين دورا رئيسيا في إنفراد سلطات البعث العراقية برعاية الحروفيين العرب .و لا يفوت على المتابع ان معظم الحروفيين النشطين خرجوا من رحم التجربة التشكيلية العراقية. لكن حروفية التسعينات سقطت من منصة العروبة لتتلقفها يد " الصحوة الإسلامية" الجديدة ، فما هي الآلية التي يسّرت هذا الإنمساخ الكبير في طبيعة التوجهات و الغايات التي انبنت عليها حركة الحروفيين العرب؟
أن عملية تخليق فن تشكيلي إسلامي و معاصر يتجاوز الجمهور القومي و يتوجه لعناية مليار من المسلمين المقيمين في فضاء العولمة الواسع ، مشروع بالغ التركيب لا يمكن تحقيقه بدون توفر جملة من الشروط المادية و الرمزية و بدون توفر نوع من الإرادة السياسية الواعية بالمنفعة الطبقية المنتظرة من مثل هذا التوجه.
في عهد " الحرب الباردة " حين كان التيار العروبي التحرري [ في مصر و العراق و سوريا و الجزائر و ليبيا و السودان و اليمن الجنوبي ] يلقى الدعم السياسي و الإقاصادي و العسكري من منظومة دول المعسكر الشرقي بينما كان التيار العربي المحافظ [ السعودية و الكويت والأمارات و الأردن والمغرب و اليمن الشمالي ] يجد دعما مقابلا من منظومة دول غرب أوروبا والولايات المتحدة. في تلك الفترة لم يكن الإسلام كقوة سياسية قد انمسخ بعد لصورة الفزّاعة الإرهابية المتشددة العنيفة التي يتمتع بها اليوم في محافل إعلام المجتمعات المصنعة الخاضعة لمنطق رأس المال المتعولم. كان اسلام الستينات و السبعينات يمثـُل، في مشهد الإعلام الأوروأمريكي ، كنوع من خط دفاع أول ضد التهديد الشيوعي.كان الإسلاميون المتحالفون مع دوائر رأس المال الغربي يمثلون المعارضة السياسية المحلية الأعلى صوتا للأنظمة العروبية المتحالفة مع المعسكر الإشتراكي.و ضمن هذا المنظور يمكن فهم التحالفات و التناقضات في منطقة الشرق الأوسط بين الأنظمة العروبية التي كانت تعتبر نفسها قيّمة على حركة التحرر و الأنظمة المحافظة التي كانت تتخذ من صيانة التقليد الديني ذريعة للوقوف ضد " الأخوة الأعداء ". و وسط هذا النزاع كانت قضية فلسطين تمثل كنوع من مقياس حرارة لجسد الأمة المريض على معطياته يزكي كل فريق ذاته و يصنف خصومه بين معايير البطولة و الخيانة.
لكن نزاع الحرب الباردة في منطقة الشرق الأوسط كان يعبر عن نفسه من خلال جيوبوليتيك النفط الذي يتجاوز الجغرافيا العربية ليعانق واقعا جغرافيا أوسع هو واقع جغرافيا العالم الإسلامي في تداخلها مع العالم الصناعي. ففي مقابل السعودية و الكويت و الأمارات كان العراق بمواردة النفطية و البشرية يمثل قوة استقطاب سياسي لا يستهان بها و أحتمال تحالف موضوعي بديهي مع بلدان عروبية نفطية مثل الجزائر و ليبيا . و في مواجهة المجموعة العربية بشقيها المحافظ و التقدمي كانت هناك إيران الشاه المتحالفة مع الأورأمريكيين . و من وراء كل هؤلاء الفرقاء كان هناك فرقاء مسلمون أخر يراقبون الصراع الدائر و عينهم على مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة مثل تركيا و الباكستان.


العودة من العروبة إلى الإسلام
بعد أقل من عقدين من الزمان العربي الذي اعقب هزيمة 1967 تبين للجماهير العربية أن الأنظمة العروبية التي وعدت الشعوب العربية بيوتوبيا التحرر والتنمية و الديموقراطية هي أنظمة زاهدة تماما في التغيير و التحرر ، وأن كل ما يهم سدنتها هو صيانة امتياز السلطة بشتى الذرائع ،بما فيها ذريعة تحرير الارض المحتلة..و قد لعبت مساعي المصالحة و التطبيع و التكييف التي باشرتها و تباشرها الأنظمة العربية الإستبدادية مع رموز الهيمنة في معسكر قوى رأس المال المتعولم ، لعبت دورا كبيرا في ضعضعة رصيد الثقة العفوي القديم في الخطاب العروبي التحرري.[1] و شرعت الجماهير العربية المحبطة تبحث عن مخارج أخرى. و في مشهد التراجع العام للمد العروبي التحرري انزلقت قطاعات شعبية واسعة من الجماهير العربية في يسر نحو القناعات الدينية المطمئنة التي كانت تمثـُل في الأفق الإجتماعي و الحضاري كآخر خط دفاع للجماعة العربية المسلمة. و من جهة أخرى باركت معظم الأنظمة العربية المحافظة ـ طوعا أو/ و جبرا ـ عودة الشعوب الحائرة لحظيرة الإيمان، غالبا ، على أمل السيطرة على كل من يدخل " الحظيرة" ، و هو "أمل "يسوّغه ، في خيال سلطة الدولة " المؤمنة " ، تقليد طويل في هيمنة الدولة على المؤسسات و الأجهزة الدينية. [ وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية ،الأزهر ، الجامعة الإسلامية ،مجالس العلماء و دوائر الإفتاء و القضاء و التعليم] .
هذه التحولات التي ادركت المجتمع العربي تزامنت ، في نفس الفضاء السياسي العربي الإسلامي الذي تناور داخله قوى سياسية وراءها مصالح طبقية متناقضة ،تزامنت مع الجهود المادية التي تبذلها قوى رأس المال المتعولم لصيانة وإحكام سيطرتها على مقاليد الأمر في منطقة الشرق الأوسط .و ضمن هذا المنظور يمكن فهم الظهور و التطور المتسارع لمؤسسات سياسية أسلامية نشطة ، مثل" منظمة المؤتمر الإسلامي "،[ أو" منظمة التعاون الإسلامي "] التي تعمل على نطاق إقليمي و عالمي و تخاطب المسلمين فيما وراء الجغرافيا السياسية و الإنتماء العرقي مثلما تخاطب العالم غير المسلم بوصفها قيّمة على كل المسلمين. [2]

في نهاية الستينات طرحت الدوائر الإسلامية المحافظة في الشرق الأوسط مبادرة سياسية دولية بإنشاء" منظمة المؤتمر الإسلامي "، التي لم يكن احد يتوقع لها العواقب الجيوبوليتيكية الكبيرة التي ترتبت على ظهورها "المفاجئ". و يؤرّخ بعض المحللين لظهور" منظمة المؤتمر الإسلامي " أو " منظمة التعاون الإسلامي " كرد فعل لمحاولة إحراق المسجد الأقصي من قبل بعض الجماعات الإرهابية الصهيونية في اسرائيل. بل أن موقع المنظمة يقول :
"وقد أنشئت المنظمة بقرار صادر عن القمة التاريخية التي عقدت في الرباط بالمملكة المغربية يوم 12 رجب 1398 هجرية (الموافق 25 سبتمبر 1969) ردا على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة " [3]


"تعتبر منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها سبعا وخمسين (57) دولة عضوا موزعة على أربع قارات. وتعتبر المنظمة الصوت الجماعي للعالم الإسلامي "
و من التأمل في أدبيات المنظمة و لوائحها و مواثيقها لا يفوت على المراقب ذلك النزوع الصريح لأن تكون المنظمة الإسلامية بمثابة الوعاء لتخليق عالم إسلامي في مواجهة العالم غير المسلم . و " العالم غير المسلم "يمكن أن تقرأ" الغرب " فكأن الجماعة الإسلامية تستلهم النموذج العروبي البائد و تعيد صياغته بحيث تحل "الأمة الإسلامية " محل "الأمة العربية ". و إذا فحصنا الشكل التنظيمي العام للمنظمة فسنلاحظ مطابقته لنموذج "منظمة الأمم المتحدة "فكأنها "منظمة للأمم الإسلامية المتحدة" تتهيأ لإستقبال القرن الحادي و العشرين على هدي" الشريعة الإسلامية" :
" وتواجه الدول الأعضاء في المنظمة تحديات متعددة في القرن الحادي والعشرين. ومن أجل معالجة هذه التحديات، وضعت الدورة الاستثنائية الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عقدت في مكة المكرمة في ديسمبر 2005 خطة في شكل برنامج عمل عشري يرمي إلى تعزيز العمل المشترك بين الدول الأعضاء ودعم التسامح والاعتدال والحداثة إحداث إصلاحات كبرى في جميع مجالات النشاط، بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا، والتعليم، وتحسين مستوى التجارة. كما يشدد البرنامج على أهمية الحكم الرشيد وتعزيز حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، ولاسيما فيما يتعلق بحقوق الطفل، والمرأة، وقيم الأسرة المتأصلة في الشريعة الإسلامية.
"

. و داخل هذه البنية الدولية، التي تنمو و تتطور بجاه البترودولار و بمباركة دوائر رأس المال المتعولم [و تحت حراسة قوات الناتو]، يلحظ المراقب النوعية السياسية للتراتب المبني على القوة الإقتصادية أو العسكرية للدول الأعضاء . و داخل هذا التراتب يمكن لدوائر رأس المال تعريف قنوات و سلاسل القرارات المصيرية من القمة للقاعدة [ من السعودية و إيران في قمة الهرم لموريتانيا و السنغال في قاعدته ].فكأننا بسبيل نسخة إسلامية من العالم يهيمن عليها الحلفاء المحليين بشكل مواز و متضامن مع نسخة العالم الآخر، العالم غير الإسلامي الذي يهيمن عليه سدنة رأس المال. العالم الإسلامي المقابل، و قيل المضاد، لـ " العالم الأخر " لا يرى " العالم الآخر "غير الإسلامي إلاّ ،وفق التصنيف الـ " الهنتينغتوني " لـ " صدام الحضارات " [4]، كعالم قائم على النموذج " الغربي" [ إقرأ: النموذج الأوروأمريكي المهيمن ]. و هي رؤية تبسيطية تلغي التنوع الثقافي داخل المجتمعات المسلمة ، من جهة، مثلما هي ، من الجهة الأخرى ، تستبعد من العالم الواقعي الذي يعيش فيه المسلمون كافة التكوينات الإجتماعية و الثقافية الأخرى التي تقيم خارج فضاء النموذج الأوروأمريكي. [ كمجتمعات الصينيين و الهنود و الأفارقة و الهندوأمريكيين ]. هذا الموقف يمسخ المسلمين ككيان معاكس و مكمّل في آن للمجتمع الأوروأمريكي، و يربط مصائر المسلمين بمصير الأورأمريكيين بشكل يقطع الطريق أمام المسلمين فيما لو عنّ لهم استكشاف دروب مغايرة في التحقق الحضاري.. داخل هذه النسخة الإسلامية الضيقة للعالم الأوروأمريكي يسهل عزل المجتمعات الإسلامية و مراقبتها و ضبط حركتها بغرض السيطرة عليها و دمجها ككلية بشكل حاسم في بُنى العولمة الرأسمالية. داخل هذا العالم الإسلامي الموعود بصفات " التسامح " و "الإعتدال" و " التحديث "، وفق النسخة الإسلامية الشرعية للديموقراطية، و انسجاما مع النسخة الإسلامية الشرعية لحقوق الإنسان، لن يكون هناك مكان للفوضى ، ففقهاء منظمة التجارة الدولية ، عبر نسختها "الإسلامية"، سيتكفلون بضبط كل شيء ،من حكم بيع السمك في البحر لحكم جريان الربا في معاملات البنوك الأسلامية، و لن يكون هناك مكان للتعصّب الديني، لأن فتاوى التسامح و الإعتدال ستسود بجرة قلم ،فخير الأمور أوسطها، " و جعلناكم أمّة وسطا " [ البقرة ]،عندها سينقضي زمن الإرهاب و الحرائق و الحروب فيرد الفقراء أسلحتهم للسلطات و " يسكن الذئب مع الخروف و يربض النمر مع الجدي" .." و الأسد كالبقر يأكل تبنا و يلعب الرضيع على سرب الصّل و يمد الفطيم يده على جحر الأفعوان .." [5]، باختصار سيصبح العالم الإسلامي جنة الله في ارضه .طبعا لا أحد يتساءل عن مصير الأقليات غير المسلمة في هذا العالم المسلم الخالص من الشوائب!
كل هذا ينأى بنا بعيدا عن الفن التشكيلي الإسلامي المعاصر لكن المثل الصيني يقول من المتعذر رؤية الجبل و أنت فيه. لكي ترى الجبل فلا بد أن تتباعد عنه. و رؤية جبل التشكيل الإسلامي المعاصر تفرض علينا هذه السياحة في جيوبوليتيك الإسلام المعاصر. ذلك أن منظمة المؤتمر الإسلامي هي الأساس الذي تفرعت منع جملة من مؤسسات الرعاية الآيديولوجية التي تتحرك وفق منطق الآلات الحربية في نوع من مواجهة مستديمة مع العالم غير الإسلامي. و هي مؤسسات انشطتها تتنوع بين النشاط الإقتصادي و الدبلوماسي و السياسي لغاية النشاط الثقافي و الفني.و في فضاء الثقافة الجمالية تتحرك جملة من المؤسسات الفارهة الشكل الفقيرة المحتوى بذريعة صيانة تقليد الفن الإسلامي و حماية المسلمين من التأثير السلبي للثقافات الأخرى. بينما دورها الحقيقي لا يتجاوز استمالة أو تحييد المثقفين و الفنانين المسلمين و استخدامهم في تجميل واجهة آلة الحرب الطبقية التي تتهيأ لها طبقة وسطى "اسلامانية" متحالفة مع دوائر رأس المال ، بسبيل قهر فقراء المجتمعات الإسلامية الذين تعلموا بالتجربة ضرورة حمل السلاح دفاعا عن خياراتهم الوجودية.
نعم، يمكن تصوّر أن كل هذا الإستطراد في جيوبوليتيك الإسلام المعاصر ، ينأى بنا بالفعل عن قضايا فن التشكيل في بلاد المسلمين ، و هذا إذا عرّفنا فن التشكيل كمجرد ممارسة زخرفية غايتها لا تتجاوز الترفيه الرخيص بوسم الأمكنة و الأزمنة التي يحيا ضمنها المسلمون بمياسم السلطان الجاثم على صدورهم. لكن الفن لم يعد تلك الممارسة التي تجمّل حضور السلطان الغاشم بأحابيل الصناعة التشكيلية. وفن التشكيل اليوم هو طرف أصيل في موضوعات المواجهة الطبقية المدمَّمَة التي فرضتها دوائر رأس المال المتعولم على فقراء المجتمعات الإسلامية في كل مكان.و جل الفنانين التشكيليين [ و غير التشكيليين] المعاصرين ، سواء كانوا مسلمين أو نصارى أو يهود أو لا دينيين، هم قوم يتحركون على قاعدة وعي جمالي يتغذى من التجربة السياسية و يغذيها في آن. مثلما يتحركون في فضاء السياسة بحساسية جمالية ترد للفعل السياسى جلاله الإبداعي الذي ابتذله، باسم العروبة سابقا و باسم الإسلام اليوم، نفر من رعاة الفن الأيديولوجيين المتحالفين مع دوائر رأس المال.
حين يجد الفنان العربي المعاصر،الذي يباشر خلقه على ذاكرة التجربة الحروفية العربية ،حين يجد نفسه في مواجهة هذا الراعي" المؤمن" الذي ورث رعاياه الفنانين كما يرث الإبن إماء والده فهو أمام واحد من اثنين: إما الإمتثال لمشيئة السيد الجديد و تكييف فنه مع مقتضيات التوجه الآيديولوجي الأسلامي، أو الخروج و مواجهة الإهمال و اللعنات كخائن لإتفاقات الجماعة المسلمة . قلة هم الفنانون العرب العصاة الذين اختاروا " التهلكة" و أخذوا حياتهم و فنهم "من فخاخ الناهشين و من يد السفاح "،[ كما جرت عبارة " شاعرنا" الضليل ] و قلتهم يفسرها الإهمال و التعتيم الإعلامي المنظّم الذي يعانونه من قبل أجهزة إعلامية لا مصلحة لها في السباحة عكس تيار الرضاء الرسمي. العدد الأكبر من هؤلاء الفنانين يهجر الممارسة او يهجر الوطن لمثابات المجتمع الأوروأمريكي على أمل الحصول على عون غير مشروط بشروط الآيديولوجيا المهيمنة [ و هيهات و ستين هيهات !] . أما " الجماعة الطيبين" الذين قبلوا الإمتثال أمام سلطات الرعاية الأيديولوجية فهم كثر و فيهم تصانيف و بطون و قبائل بدءا من أهل " المعايش"، و " المعايش جبارة" كما تعبر حكمة الأهالي ، و أنتهاءا بالدكاترة العلماء المنظرين البواسل الذين لا يتورعون عن إختراع فن إسلامي جديد ، و قيل: اختراع إسلام جديد ، عند مقتضى الحال ، و ذلك بسبيل إرضاء الرعاة "المؤمنين" الجدد.
في هذا المشهد تم تخليق" الحروفية الإسلامية" ، على أنقاض" الحروفية العربية"، كبناء ثقافي تابع للسلطات السياسية و طوع بنانها. و داخل هذا البناء تتكرر ملهاة الفن في زمن السياسة بشكل تراجيدي جديد.و سأحاول عرض أنمساخات الحروفية الثانية من خلال إضاءة نقدية لبعض المساهمات النظرية و العملية لمجموعة النساء و الرجال الذين كتبت عليهم مكابدة هذه التجربة السياسية بذريعة الحلق الفني.

:::::::::::::::::::::::::: :
[1] المسلسل طويل يبدأ مع الحرب اللبنانية[ من منتصف السبعينات لغاية 1989]، و يستمر مع معاهدة السلام بين مصر السادات و اسرائيل في 1979، التي أّدت لتعليق عضوية مصر في الجامعة العربية و اغتيال السادات على يد المتطرفين الإسلاميين في 1981، ثم الشقاق بين البعثيين في سوريا و العراق في مطلع الثمانينات بسبب حياد سوريا في الحرب العراقية الإيرانية [1980ـ1988] ،و إخراج الفلسطينيين من لبنان 1982 . ومجزرة المعارضين الإسلاميين في حمأة على يد نظام حافظ الاسد في سوريا،و الغزو العراقي للكويت 1990 و ما ترتب عليه من تحالف الدول العربية مع امريكا و اسرائيل لإستعادة الكويت في ما عرف بـ " حرب العراق الثانية" و تواطؤ الدول العربية مع الأوروأمريكيين ضد العراق في "حرب العراق الثالثة" [2003]، لغاية قمة جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002 ، حيث تم الإجماع العربي على" مبادرة السلام السعودية" التي تقترح إنهاء النزاع بإقامة "علاقات طبيعية " بين اسرائيل و الدول العربية .. .
[2] انظر الرابط

https://vb.arabsgate.com/showthread.php?t=468935
و
https://www.oic-oci.org/index.asp
[3] أنظر الرابط
https://www.mbt.gov.qa/Arabic/Department ... IC-AR.aspx

و
https://www.mbt.gov.qa/Arabic/Department ... IC-AR.aspx
https://4flying.com/showthread.php?t=75424
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=179783

https://www.aljazeera.net/NR/exeres/106D ... DB992A.htm

[4]
Samuel Huntington,Le choc des Civilisation, Odil Jacob,2000.
[5] [ الكتاب المقدس، العهد القديم، إشعياء ، الإصحاح الحادي عشر، 6ـ 10]
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



(2)
الأكرم : حسن موسى ،
تحية طيبة لك
ولأضياف الملف وضيفاته الأفاضل
تحية طيبة ،
وبعد مشقة عثرت على طريقي لرفع ملفات الصور .

نعود للوحة الأستاذ الخطاط " محمد مختار " بشأن توضيح رؤانا في تعديل توازن " صورة اللوحة "
وفق ما نراه :
1) نرى أن الخطاط " محمد مختار " قد تقيد بالمستطيل ، وكانت لديه خطة نصيّة مُسبقة لصناعة العمل الذي بدأت صورته أمامنا ، وقد حجب الشكل الرئيس بزيادات نراها قد حجبت التوازن .

2) قمنا بتعديل أسفل الصورة من اليمين وأعلى الصورة من اليسار .وبدأ الشكل متحرراً من سِجن البرواز وتم تحرير التكوين من إضافات أظلمت الرؤى .

3) نأمل ألا نكون قد أجرمنا بشأن الحقوق الفنية لصورة الخطاط " محمد مختار " ، وقدمناها هنا بهذا الشكل ، رغم عدم دقة تنفيذنا للتعديل على الفوتو شوب ، وذلك بغرض الدراسة ، وهو امتداد لما رأيناه عند زيارتكم في دبي ، من ضرورة تشريح الأعمال ، كي لا يكون الحديث فضفاضاً .

ربما نواصل إن وجدنا الزمن



صورة
الصورة الأصل


صورة
الصورة المعدلة
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الأحد نوفمبر 13, 2011 1:05 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »




(3)

الأكرم : حسن موسى
تحياتي

تجد الصور أدناه وهي محاولة لصناعة اللوحة من مفردات في أوضاع ثلاثية الأبعاد ، ورغم ذلك تجد أن الحرف ( سين ) الذي يعلُو الشكل الدائري الأسفل ، تجده لم يتوافق مع انسجام اللوحة


صورة

صورة لوحة من لوحات الخطاط : طوسون
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الأحد نوفمبر 13, 2011 6:37 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

(4)


صورة


صورة لرسم آخر لطوسون (2)

الأكرم : حسن موسى
تحياتي

في هذا الأنموذج حاول الخطاط " طوسون " تطويع الحروف " وإخراجها من هيمنتها في الدلالة اللغوية ، وقد أراه قد نجح كثيراً في الإفادة من تطويع الحروف والنصوص في تشكيل اللوحة .

لقد كانت لنا تجارب في 1975 مع الأخ " صلاح حسن ( الجرّق ) وقد كانت بالأبيض والأسود ، وفيها حاولنا أن نُجرِّد الحروف من معانيها ، ونُطوع الحرف العربي كمادة تشكيل قابلة للتطويع ، وليس لها من قيود كما اعتدناه من أساتذة تُراث :
النسخ ، الثلث ، الكوفي الفاطمي ، الكوفي الأيوبي ، الكوفي المملوكي ، والمحقق ، والديواني بأنواعه ....

وقد كان المدخل ، هو الخروج من سلطة العبارة ، النص الشعري أو القرآني ، بل الخروج من شكل الحرف وفق المتعارف عليه من الأحرف ...

وأعتقد أنها كانت تجربة متقدمة في زمانها ، ولو استطعنا أن نُلحقها بالرصيد المنهجي ، لأمكن تحرير مدارس الخط العربي من العودة السلفية للخط القديم ، وهي ردة تشكيلية
حسب ما أرى

ولك وللجميع شكري
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

" الحسبرؤيتي"و " الحسبرؤيتك"

مشاركة بواسطة حسن موسى »

[size=24]سلام يا عبد الله بيكاسو الشقليني
شكرا على عنايتك الكريمة بهذه المناقشة و شكرا على بذل التصاوير التي بدونها ما كنا لنفهم وجهة نظرك في موضوع صورة الكتابة. و لا يغيب على فطنتك أن الكلام عن التصاوير البصرية بلغة الأدب أمر عسير لكن ما باليد حيلة.
في محاولتك لـ"تبديل" أو " تعديل " أو..[ حتى أجد كلمة مناسبة] تكوين محمد مختار [ سلام يا محمد مختار و نحن في انتظارك بي جاي] سعيت أنت لـ " تحرير" الشكل الرئيسي من الأشكال الجانبية التي تؤطره [ طبعا هذا إذا قبلنا بأن الشكل المائل المقوّس النازل ، حسب منطق القراءة، من أعلى اليمين، هو " شكل رئيسي"] و بدا لك أن التكوين الجديد " المحرر" أفضل حسب رؤيتك. أها المشكلة في مفهوم " حسب رؤيتك" دا. عشان أي زول ممكن يجي و يعدّل و يحوّر " حسب رؤيته" و مافي زول ممكن يعترض علي الصورة المقترحة المبذولة كصورة جديدة ليست لها سوى علاقة قرابة بعيدة بالعمل الأصلي. و هذا المسعى في نظري يشبه تصرّف الموسيقيين في الموسيقى حسب قراءة كل للنوتة الموسيقية المكتوبة على الورق. فهم بالضرورة يعدلون و يحورون كل" حسب سمعه".و لو نظرت في تاريخ حركة الرسم لوجدت أن الرسامين حوّروا و بدلوا ما شاء لهم التبديل في لوحات من سبقهم و لم يمنعهم ذلك من إعادة إختراع فن التصاوير في روايات بصريات متجددات.[ سأعود ببعض النماذج ]. و كون كل زول ممكن يبذل رؤيته الخاصة انطلاقا من أعمال الآخرين فهذا لا يعني أن كل الرؤى تتساوى لان كل محاولة تحمل في ثناياها خبرة و حساسية من يطرحها.
و لو سألتني عن " رؤيتي"[ قل: عن "حسبرؤيتي" و التصحيف مقصود] في صدد صورة أخونا محمد مختار لذهبت أبعد منك لأن صورة محمد مختار ، في نظري الضعيف ، مركبة من عشرات التصاوير التي تصلح كل منها لأن تقف كعمل مستقل بذاته. و في ظن آثم آخر أعتقد أن محمد مختار ، الخطاط الصانع الماهر، قصد بهذا العمل أن يبذل للناس كشف حساب بمهاراته الخطوطية المتنوعة.و لوحته هي نوع من " سي في" يحكي سيرة الخطاط. بل أن في خاطري رؤي إضافية من بينها حشد الصورة بأكبر عدد ممكن من التراكيب الخطية و" كان كترت جريمة و كان حصّلت غرامة"! على قول الطمباري.
عبد الله
كل هذا الكلام يحتاج لمزيد من الفرز. و سأعود ببعض الملاحظات في خصوص تصاوير الأستاذ طوسون. و القلم كما تعرف ليهو رافع
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

[size=30]
(5)

الأكرم : حسن موسى
تحية لك ولضيافك وضيفاتك الفضليات

نعود لرؤانا حول العلاقة بين الخط العربي واللوحة

(1) نود أن نشير أن الشركاء الإستراتيجيين ومصالحهم هي التي أسهمت في تمويل تنفيذ الكثير من الأعمال الفنية ـ وكما التفاصيل التي ذكرت بشأن الإسلاميين ، فحالهم كحال غيرهم من الشركاء الإستراتيجيين الذين أسهموا في تجميل الكنائس والمعابد طوال التاريخ ، بل هم الممول الحقيقي للمبدعين ، وكانت الطبقات البرجوازية والحاكمة هي التي أسهمت في نهضة الموسيقى ، بل وأن أنموذج تطور أغنية العشرينات قد ساهمت فيها الطبقات البرجوازية التي أسهمت في تطور الغناء في منطقة العاصمة ، كما حدث في إحياء زواج التاجر الأم درماني ( بشير الشيخ ) عام 1920 حين أضرب الطنابرة عند بدء الحفل مع سرور ، وتم تقديم الحفل بدونهم ، وهي خطوة في تطوير الأغنية في ذاك الزمان وذاك المكان ، وحلّ " الشيالين " مكان الطنابرة .
(2)
إن الإشارة لرأيي أو حسبما أرى ، لم تكًن فكرة خارج قوانين العمل التشكيلي ، والعمل التشكيلي كما هو معلوم نتاج تراكمات تاريخ ، وكان الأمر في حاجة لتفصيل رغم أني أوضحت أنني قد قمت ببيان الرأي من خلال أن العمل الذي تمّ في الصورة هو لتوضيح وجهة النظر التي تم بناءها على إرث :
وقد أجملت أن التكوين الرئيس المترابط ، قد تم تحريره من الإضافات غير المترابطة الذي ذكرنا موضعها من اليمين الأسفل واليسار الأعلى ، بل ووحدنا لون الخلفية في معظم أجزاء اللوحة لإبراز التكون الرئيس . كما أوضحت أن ما تم حذفه من الصورة إضافات تمت في أركان المستطيل الذي تم فيه تنفيذ العمل . وأرى أن فكرة التصميم هي أوضح بعد إزالة الزيادات أو العناصر الثانوية ، التي ربما رأى الأستاذ الخطاط " محمد مختار " أن لها مرجعية تتعلق بالنصوص ، ولكنها تؤثر سلباً في ترابط التكوين .
رجاء مراجعة الاسكتش 0 A
(3)
إني أرى الأعمال الفنية ذات طبيعة " ذاتية " وكلنا يعرف تعقيد مولد الأعمال الفنية الإبداعية ، ولكنها أيضاً تقوم على إرث وتقاليد فنية راسخة ، تطورت مع تطور التاريخ ، فمثلاً ليس من السهل التقاضي عن أسس علم الجمال ، وعلاقة الألوان والأشكال بالتناقض وبالتناسق وبالوحدة ، وبالتوازن ، وبين الاستقامة والانحناء، وبين الأفقي والرأسي ، وبين الملمس الخشن والناعم الذي تقوم اللوحة بإيحائه ، وبين تقنيات الضوء والظل ، وموقع اللون من الشبكية في أن بعض الألوان تظهر أكبر حجماً من الأخرى ، وسيكلوجية الألوان ..... وهو أمر يتعين التقيد بمنهجه ليمكننا أن نقوم بتقييم العمل الفني على أسس فنية واضحة ليسهُل محاكمتها ونقدها .
(4)
من المفيد هنا أن نوضح أن لأعمال الخط وفنونه الكثير من التقنيات ، ونحن لم نتحدث عنها هنا ، ولكن في حالة أن يقوم الخطاط بصناعة " اللوحة " فليس له مفرّ من الخضوع لأسس تكوين اللوحة التشكيلية .
هذا بعض ما تسنى لنا في عُجالة من تناول الأمر الشائك الذي نحن بصدده




*
صورة
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الثلاثاء نوفمبر 15, 2011 10:40 am، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


لم أستطع تقديم الإسكتش أعلاه بصورة مناسبة ، نرجو تكرم الإدارة بالتصحيح
مع شكري والتقدير
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

فن الرعاة و فن الفنانين

مشاركة بواسطة حسن موسى »

عبدالله بيكاسو الشقليني سلام جاك و قعد معك..
شكرا على تأملاتك و تساؤلاتك النقدية و كل طرف منها ينبئ عن اشتباكات مفهومية تنتظر في عتمة الخاطر، و لا بد لنا ، في نهاية المطاف ، من معانقتها و تفحصها واحدة واحدة. لكن ما استرعى انتباهي هنا هو طرفها الذي يمس موضوعة الرعاية.فالرعاة، ملوك او رؤساء اوأثرياء او أحزاب و منظمات سياسية ، ضروريون لإستمرارية الإنتاج الفني.و الرعاة ، أو "الشركاء الإستراتيجيون" حسب عبارتك ، هم اصحاب الكلمة الأخيرة في تشكيل توجهات و غايات الآثار الفنية التي تنتج تحت رعايتهم. و نحن كفنانين إنما نحيا، في نهاية تحليل ما،على توتر أزلي بين نوع الفن الذي نحلم بتحقيقه و نوع الفن الذي يسقطه علينا رعاتنا الذين يدفعون لنا نفقة ابداعنا. هذا التناقض ليس لازبا لكل فنان. فهناك فنانون متوائمون و متحالفون مع رعاتهم و هناك غيرهم، و لا جناح فالحرب سجال،و ساحة الخلق الفني هي طرف من ساحة المواجهة [ الطبقية ] المتنوعة المستويات التي كتبت علينا ضمن ما نكابد من عيش عصي تحت شروط المجتمع التناحري و الشكر و العرفان موصولان لسيدنا كارل ماركس على تفاكيره السديدة.هذا الفن الذي يموله الشركاء الإستراتيجيون هو فنهم ، و قدر الفنان المعارض هو أن يسعى لتحويل وجهة فن الرعاة الأقوياء ليجعل منه فنا نافعا للمستضعفين. و هذا لا يكون إلا بوسيلة الكيد الإبداعي الكبير.وفي ذلك المنظور فـ" الحسّاس يملا شبكتو" كما تعبر حكمة الشعب.و في مداخلتي أدناه ستلمس بعضا من رأيي هذا فتأمل فيه و نوّرني بنور نقدك ينوبك ثواب.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط9

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 9


"الحـــــــرف جــــــــــرف" !

بين الإمتثال و الإنتحار:
لعل اكثر ملامح الحروفية العربية حضورا في ذاكرة الحركة الثقافية المعاصرة هو قابليتها للإستجابة لغوايات الفكر الغوغائي يسهولة محيّرة. و ربما أمكن فهم الميل الغوغائي للحروفية العربية بكونها حركة نمت تضامنا بين الجهد الذاتي للفنان العروبي المهموم بمبحث الخصوصية الثقافية في فنه ، و الجهد الآيديولوجيي للمؤسسة السياسية المهمومة بصيانة مصالح طبقة وسطى حضرية انتحلت لنفسها حق القوامة على الأمّة العربية كلها و تذرّعت بذلك الإنتحال الغليظ لفرض سلطتها على كافة الفرقاء الإجتماعيين . و من الطبيعي أن الفنان، الذي يمثل الشريك الأضعف داخل هذه العلاقة غير المتكافئة مع المؤسسة السياسية ، يجد نفسه ، في لحظة ما، أمام السؤال الصعب حين تتعارض أولوياته مع اولويات المؤسسة السياسية: هل يواصل بحثه الجمالي الحر أم يستجيب لأولويات البروباغندا التي تتوقعها منه المؤسسة السياسية؟
هذه العلاقة التي لا تطيق مبدأ الكفاءة بين الفنان و الراعي ليست جديدة في مشهد تاريخ الفن. فالفنان عبد السلطان ،من أول لحظة تحتاج فيها السلطة لوسيلة الفن لتدعيم هيمنتها الرمزية التي هي ضمانة اساسية لصيانة الهيمنة المادية. و الفنان الذي لا يقبل بعبودية السلطان صعلوك خارج و ملعون و مخلوع و مطارد و مقتول لا محالة.و في بلاد سلاطين العربان تقليد عريق راسخ في ملاحقة المبدعين العصاة على اثر " الغلام القتيل " طرفة بن العبد الذي سخر من عمرو بن هند و قابوس أخاة بكلمة كلفته حياته. قال طرفة :
فليت لنا مكان الملكِ عمرو رَغُوثا حول قبّتنا تخورُ
[ الرغوث هي البهيمة العاكفة على معلفها]، م كأن الشاعر الشاب لم يكفه هجاء الملك فتمادى و هجا قابوس أخاه بقوله:
لعمرك أن قابوس بن هند ليخلط ملكه نـُوك كثير
و النوك الحماقة و يقال : رجل أنوك و مستنوِك أي أحمق.
و من يتأمل سيرة طرفة يملك ان يرى فيها تراجيديا الوجود الشاعر بين الإمتثال او الإنتحار. هذا "الغلام القتيل" المعتد بنفسه عاش حياته القصيرة،[ 543 ـ 569] ، متعاليا بالشعر على مشقات الحياة و الموت معا و متأففا من صحبة الملوك . في مشهد طرفة أرى وحشة جليلة لتلك القلة المرموقة من المبدعين المعاصرين الذين رفضوا و قاوموا الإمتثال لمشيئة السلطات .[1] من الشاعر العراقي الكبير الجواهري صاحب القولة المشهودة :
" أنا حتفهم ألج البيوت عليهم أغري الوليد بشتمهم و الحاجبا "
و الذي كلفته مواقفه المعارضة للسلطات أسقاط الجنسية العراقية عنه مرتين مع النفي،[2] للفلسطيتي ناجي العلي رسام الكاريكاتير السياسي الذي دفع حياته ثمنا لرأيه [3]، لمحجوب شريفنا الذي مازال واقفا بسيف الكلمة الحرة في وجه السلطان الغاشم، لغاية رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات الذي كسروا يده التي ترسم بسبب تطاوله على نظام الطاغية المستأسد على الشعب و هو في الحروب[ على اسرائيل] نعام و أزرط [4] ..

العودة لحظيرة الدين
عند هذا المفترق، مفترق إختلال الكفاءة بين الفنان و السلطان، بدأ فســاد المسوّغ الأخلاقي للحروفية العربية و انمسخت المــبادرات الجمــالية الـبريئة لما ســـمّاه شــربل داغــر لــنوع مــن " فن تلفيقي تحويري يقوم مبدأه على استعادة الشراكة و الجماعة ،و تحويرهما إلى مبدأ "الخصوصية" الذي تنهض عليه الحروفية.".." فالحروفية خصّت الشيء ـ و هو العربية نفسها ـ لنفسها ، أي اختارته و انفردت به، كما " اختصّت" به، إذ جعلته دالا مميزا لها عن سواها. فهي حين تجعل العربية مادة " مخصوصة" بالتصوير من دون غيرها ، تخص هذه اللغة بقيمة اعتبارية ، لا تبلغها و لا تدانيها المواد الأخرى أبدا . هــكذا نرى ان الحـروفية العربية اســتعادت فــكرة " اللغة المقدسة" [ التي يقوم عليها فن الخط القرآني] و حوّرتها إلى لغة "مخصوصة" . و مرجعية الحروف في الحروفية لم تعد دينية ، إلاّ أنها باتت مدعاة للتسامي ، أي مجيرة إلى قيمة معتبرة على أنها قبلة جماعية و علامة تميزها عن غيرها. " 21] [5].
هذه" الخصوصية " الإعتباطية التي تضامن الحروفيون مع رعاتهم العروبيين على انتحالها و اسقاطها على الفن العربي المعاصر ، ما كان لها ان تتجذّر في المشهد الثقافي العربي إلا على منطق الإعتقاد الديني الذي يستغني بوسيلة الإيمان عن وسائل التفكير العقلاني. و في مقام الإيمان يملك انصار الحروفية ان يبذلوا للجمهور أنواع الخطرفات الصوفية التي ما أنزل الله بها من سلطان و أن يمسخوا الفن دينا حنيفا دون ان يطالبهم أحد بعقلنة ما يقولون بمنهج موضوعي . و من يتأمل في سير الحروفيين العرب يلمس بسهولة أن معظمهم قد تلقى تربية " علمانية" حداثية عامل الدين فيها يمثل بوصفه أحد مكونات الذاكرة الثقافية أكثر منه نهجا وجوديا. و أن الرجوع ـ "لحظيرة " الدين إنما يعبّر ، في اغلب الأحوال ، عن موقف براغماتي انتهازي أكثر منه إنخراطا اصيلا في الإلتزام الديني. لكن " الشريعة عليها بالظاهر " كما تعبر حكمة الأهالي. وما " الظاهر " ـ بالنسبة للتشكيلي ـ إن لم يكن أعمق أبعاد التدبير الجمالي الذي يلعب بلغة المرئيات؟!.. لقد تدرّب هؤلاء الفنانون على الإمتثال ـ ظاهريا على الأقل ـ لمشيئة الرعاة الآيديولوجيين على عهد الحروفية العروبوية.و حين استشعروا بداية عهد" الصحوة الإسلامية" في بلدان النفط [ السعودية و الخليج ] لم يجدوا غضاضة في الإستجابة للراعي" المؤمن" سيّما و هذا الراعي الجديد، الذي لا يخفي اجندته السياسية ، يبدو ـ ظاهريا على الأقل ـ أثرى و أكرم و أقل لؤما من كاريكاتير الراعي الفظ الذي ورثه ناشط حزب البعث العراقي من القومسير الستاليني في الإتحاد السوفييتي. بل أن الراعي المؤمن يبدو أوسع افقا من الراعي العروبي كون أريحيته تسع التشكيليين المسلمين من خارج دائرة الناطقين بالعربية مثل الحروفيين الإيرانيين و الأتراك و الباكستانيين و الصينيين إلخ.
و يمكن القول أن مطلع الثمانينات قد شهد بداية " إشهار" عدد كبير من الحروفيين لإسلامهم بأساليب شتى فيها الفج المباشر و فيها الماكر اللطيف البالغ الإلتواء و " على قدر أهل العزم تأتي العزائم " .
و مع مطلع الثمانينات، بدأ التأكيد على البعد الديني للحروفية، بذريعة الكتابة العربية، شأن حفنة أدباء يتكسّبون من إنتحال التأويل للفنان الذي "يعمل في صمت" و من اسقاط المبررات الدينية على عمله إلخ... وقد نطق بعض الحروفيين ،الذين صمتوا دهرا، لينخرطوا ،مع حرّاس الحروفية، في غي الرجوع الديني ، طالما اثبت التكسّب باسم الدين نفعه في مجالات أخرى موازية لمجال الفن:
لاحظ بلند الحيدري أن الفنان[ و الناقد ؟] فيصل سلطان " يداخل ما بين حركات الرقص الصوفي المولوي المتميز باستداراته السريعة و بين إيقاعات كلمة" الله " ".." تأكيدا للدلالة الموصلة ما بين الموضوع و الخط المتلاشي فيه"، كما لاحظ عند حسين ماضي، الذي يطرح عبر معرضه في بيروت 1980، " جهدا متفاضلا في استخدام الخط لا كحرف مختزل،".." بل اختزال الكلمة و تأكيد معناها عبر الأشكال التي تنطلق منها و تدور حولها ضمن عناصر زخرفية اسلامية تدنو بك من دلالة كلماته في " الله" و " مالك الملك" و " الحي" إلخ. و هناك محاولات أخرى لإيثيل عدنان و سيمون فتال تدور ضمن رغبة استثارة ذاكرة المتفرج للغور عميقا في مشاعره الدينية و الصوفية من خلال إيقاعات عربية ". انتهى كلام بلند الحيدري في " زمن لكل الأزمنة"، من أزمنة فن العروبة لأزمنة فن الإسلام. و لا يتورّع مثقف عروبي من مقام بلند الحيدري من الإحتجاج بنوع الحديث المنسوب لابن عباس " أنه قال: أن رجلا كتب بسم الله الرحمن الرحيم، فأحسن تمطيطه ، غفر الله له " [6]. و قد سمعت نفس الحديث من الحروفي " المخضرم" سامي برهان في واحدة من ندوات الملتقى الفكري لبينالي الشارقة [1993]، و ذلك مع إضافة " غفر الله له ما تقدّم و ما تأخر من ذنبه" !.[ و لمن يجهلون سامي برهان ، فهو تشكيلي حروفي سوري من مواليد 1929، درس الفن في سوريا و إيطاليا.في عام 1980 فاز بجائزة لجنة التحكيم عن مجسمه الجمالي الخطوطي المبني على الآية " قل هو الله أحد " الذي تم تنفيذه بحجم نصبي، و استخدم فيه قرابة المئة طن من الرخام، كي يزين مدخل جامعة الملك سعود في الرياض.] في تلك الجلسة التي كان يديرها الفنان السوداني إبراهيم الصلحي، عقبت على كلام سامي برهان تعقيبا اثار غضبه حتى طالب بمحو تعقيبي من مضابط الجلسة.و خلاصة كلامي كانت في أن ما من أحد بين الحضور قادر على إثبات صحة هذا الحديث من ضعفه، و أظن أن الاستاذ برهان قصد من إيراده في هذا المقام مداهنة عواطف الجمهور الدينية من خلال الإيحاء بأن البحث التشكيلي باب في الممارسة الدينية. و هي مناورة تنطوي على إلتواء فكري مركب كونها تهرّب مشروعية البحث التشكيلي العربي المعاصر خلسة إلى مقام الجمهور العربي المتوجس دينيا من الرسم ، في نفس الوقت الذي تهرّب فيه البحث التشكيلي المتسربل بسرابيل الدين إلى مقام النقد الفني الحديث[ إقرأ الأوروبي] الذي يحرسه نقاد "غربيون" قمينون بتزكية هذا الفن الـ "نيوإسلامي " على خلفية حوار حضارات سادت ثم باخت.و هي تزكية تطمئن الجمهور العربي الخارج من متاهات العرق لمتاهات العقيدة على أصالة اختياره الجمالي. في العام 1993 منح بينالي الشارقة سامي برهان لقب " رائد الفن العربي" .[7]

"فرائض الصلاة " في فضاء التشكيل :
أما الباحث الأفريقاني ، النمساوي " أولي باير"، و الذي يدين له الحروفيان السودانيان [ ابراهيم الصلحي و أحمد شبرين]بفضل تقديمهم في محفل الفن المعاصر في العالم الأوروأمريكي، فهو يفترض أن التأمل في بعض انواع الخطوط التي تنبتي على اسم " الله" يمكن المشاهد من الإنطلاق على درب البحث الروحي بنفس مفعول رسومات" التنترا" الهندية.و يؤمّن الصلحي على افتراض "باير" زاعما أن " النظر إلى الإسم مخطوطا هو نوع من الصلاة" [8]. و فكرة " الصلاة" بذريعة الخلق الحروفي تضعي على الحروفيين العرب ، مسلمين أو نصارى، نوعا من هالة دينية تمكنهم من تمويه الممارسة التشكيلية ضمن مباحث التصوّف. ففي كتابه عن "الحروفية العربية" يكتب شربل داغر عن " إيثيل عدنان، الشاعرة و الفنانة اللبنانية المولد، السورية الأب اليونانية الأم : " تغسل إيثيل يديها قبل الرسم تماما مثل المتعبد قبل أداء فروضه الدينية ".." تقبل صوب طاولة الرسم نظيفة، نقية و مستغرقة لأن أي خطأ او دنس [ كذا!] أو اعتذار مستقبح تماما في هذا الطقس ".
أما الحروفي السوداني عثمان وقيع الله فهو يطرح ، خلال أعماله الحروفية التي عرضها في" المركز الثقافي الإسلامي " بلندن [ بين 2 و 13 يونيو 1987] ، معالجة البعد التأملي للكتابة العربية في النص الفرآني. و ذلك في ما أسماه بـ " نظرية البعد الرابع".و الذي ـ حسب تعبيره ـ في المطبوعة الصادرة على شرف هذا المعرض [ دار نبتة للنشر] " ينبثق من التكوين الحروفي للنصوص القرآنية ، فلغة القرآن نسيجها الحرف و الكلمة و الجملة ، و هذا هو قوام اللوحة العربية الإسلامية . فإذا اجتمعت هذه العناصر الثلاثة المذكورة، متمتعة بحريتها الإيقاعية ، مشبّعة غنية بلونها الذاتي ، انبثق بالتحام العناصر التشكيلي ذلك البعد الرابع ".
لا جناح على عثمان وقيع الله [ أو على غيره] من إجتراح خيار البحث التشكيلي في منطقة الكتابة ، قرآنية كانت أم دنيوية. لكن الإحتجاج المفهومي بالمحتوي القدسي للنص كمادة تشكيلية لا يؤدي بنا ابعد من الهلوسة الذاتية التي لا تلزم غير قائلها، و هيهات!
و إذا كان عثمان وقيع الله يركز على معالجة " الحروف المفردة الواردة في القرآن الكريم و المعرّفة بالحروف النورانية " [9]ضمن منطق جمالي يسافر في شعاب التشكيل على مطيّة الدين، فالحروفي الإيراني " حسين زندرودي" ينخرط بكليته في الممارسة الدينية ، مسافرا في شعاب التصوّف الإسلامي على مطية التشكيل .. أو كما قال في الورقة التي قدمها إلى " مؤتمر الفن العربي الإسلامي و آسيا" المنعقد باسطنبول بين 7 و 12 سبتمبر 1982 :
" في صلاة المسلمين تتكرر السورة الواحدة عدة مرات. و لهذا التكرار أثر روحاني، أما أنا فقد كنت استخدمه لإقامة علاقة صوفية . كنت أكتب، مثلا ،كلمة " الله" بصورة متكررة إلى أن تمتلئ اللوحة بها. كنت استعمل لهذا الغرض تلوينات مختلفة لتوليد الأثر الجمالي، إلا أنني كنت ارسم شيئا اشبه بالصلاة ".." أبحث في نتاجي، على اختلاف النصوص التي اعو دبها و معالجاتها المختلفة ، عن الوصول إلى حالة الإنقلاب الشخصي التي تتيح الإتصال بالله و التعبير عن الغبطة الروحانية، و تمكين كل فرد من مخاطبة خالقه . البحث الروحاني هو غرضي الأول كفنان " [10] .

الريس الذي غرّق مركب نوح :
قلت أن عودة الحروفيين إلى حظيرة الدين في الثمانينات تزامنت مع تراجع الراعي القومي العروبي و ظهور الراعي" المؤمن" في المشهد الثقافي العربي. لكن هذا" الراعي المؤمن" لم يعد يقصر رعايته على الفنانين العرب فحسب بل هو منفتح على الفنانين عموما بصرف النظر عن انتماء الفنان الثقافي أو الديني او العرقي .و أفضل مثال على هذا "الإنفتاح" يتجلّى في سياسة مدينة جدّة السعودية التي كلّفت فنانين من كافة انحاء العالم بطلبيات لعمل " أشكال جمالية" و " مجسّمات" ، حسب التعبير السعودي ، مقصود منها تجميل شوارع و ساحات المدينة. فعلى كورنيش جدة الممتد لحوالي 100كيلومتر ينتثر 478 مجسما لفنانين بعضهم يتمتع بشهرة عالمية مثل " هنري مور" و " الكسندر كالدر " و " فازاريللي" جنبا لجنب مع فنانين لم يسمع بهم أحد في أعمال ضعيفة القيمة..هذا الراعي الجديد الثري الذي يشتري "أي شيئ" بدون تحرّز ، مدفوعا بالرغبة الملحة في تأثيث فضاء المدينة بعلامات الحداثة و تمييزها عن غيرها من حواضر البلاد ، هو الذي يغري بعض التشكيليين العرب بالعودة لحظيرة الإيمان والتنافس على مداهنة المشاعر الدينية للمسؤول/الراعي المنقسم بين علو صلاحياته الإدارية و تواضع ذائقته النقدية.و لتجنب اللبس المحتمل في هذا الأمر فمفهومي لـ " الذائقة النقدية " يتجاوز مقام " المزاج" الذاتي لشخص الراعي لينطرح في مقام الموقف النقدي المؤسس على تراكم الخبرات و المعارف التي تؤهله و تشرعن خياره الجمالي كموقف تربوي. ذلك أن اختيار عمل ما و وضعه في الفضاء الجمعي هو عمل تربوي غايته الإرتقاء بالذوق العام من خلال التعليم الجمالي المتصل المنظم.و في هذا المنظور تتعاظم مسؤولية راعي الفنون بقدر ما ينجح[ أو يفشل ] في توجيه الذوق العام للجمهور. و من يتأمل في الطريقة التي يؤثث عليها رعاة الفنون المؤمنين الجدد فضاء المدينة بآثار الفن وفق نموذج مدينة جدة ، فهو لا يملك إلا أن يتعاطف مع الكاتب السعودي محمد العباس الذي يحمل حملة شعواء على هذا الواقع بقوله:
" هذا المتحف المتمدد ببذخ لافت في الهواء الطلق الذي يكتظ بروائع الفن العالمي لا يخلو من كاريكاتير ثقافي، فهو على قدر غير يسير من الفوضى الفنية، لدرجة أنه يربك الحواس و يولد الإحساس بالتشويش البصري، و الإغتراب الروحي احيانا، خصوصا عند محاولة استيعاب تلك البعثرة الشكلية كمنظومة ، حيث تحولت الساحات العامة إلى وسائل تعليمية و إيضاحية تلقينية . كما تم التمثيل عن ذلك المنحى بفجاجة تعبيرية مباشرة من خلال متوالية من النصب المضخـّمة التي تحيل إلى التراث بمعناه الإنبساطي الساذج كالمباخر و جرار الفول و دلال القهوة و قوارب الصيد و الفوانيس. كما تم تعريف الميادين بمجسمات استعراضية للخيول و الجمال و الصقور و الدراجات و الطائرات و أدوات الهندسة بدعوى التنوّع و التماس مع المعنى اليومي و التاريخي الذي تؤديه مدينة جدة. أي المواءمة بين الشعور الشعبي و تعاليات الأحاسيس الثقافوية." [ 11]
و قد لاحظ شربل داغر أن " مجموعة كبيرة من الأعمال النحتية [ في جدة] تقوم على تشكيلات من الخطوط العربية حتى أن البادئ الأول في هذا السعي كان الفنان الإيطالي " لافوينتي" ، في أحجام كبيرة قل نظيرها في العالم. إن وزن البرونز الذي يشكـّل الآية الكريمة " رب ادخلني مدخل صدق و اخرجني مخرج صدق" عند مدخل الصالة الملكية لمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، يصل إلى عشرين طنا، كما أن مسطح الكرة الأرضية العملاقة ذات الزجاج الملوّن، يبلغ ستمائة متر مربع.ضخامة في الأشكال و فخامة في المواد أحيانا " [12]
كل هذه " الضخامة" و " الفخامة" و البذخ و فرص الكسب السهل هي أمور لا قبل للفنان العربي الفقير اليتيم بمقاومتها.و هكذا كان من الطبيعي ان يتنافس المتنافسون على نيل رضاء الراعي المؤمن و لو أدى بهم الأمر لإتخاذ مواقف لا تليق بتجاربهم و معارفهم و مواقعهم من خارطة الثقافة العربية المعاصرة. و في هذا المشهد يقف الفنان اللبناني الحروفي " المخضرم" عارف الريس [ 1928 ـ 2005] كمثال بليغ على تهافت الحروفيين العروبيين أمام سلطة الراعي المؤمن. و عارف الريس لمن يجهلونه شخصية مفتاحية في تاريخ حركة الحداثة التشكيلية في لبنان.و مساهماته الفنية و النظرية و مواقفه السياسية التقدمية تتجاوز حدود لبنان لتثري حركة التشكيل المعاصر في العالم العربي. [13].و عارف الريس ليس نسيج وحده في هذا الموقف لكني توقفت عند تجربته من باب الحسرة على مآل هذا الشيخ الجليل، تلميذ" فيرنان ليجيه" و" زادكين" في الخمسينات ، الذي اضطرته ملابسات جيوبوليتيك الفن في العالم العربي إلى تلبية نداء الراعي المؤمن و العودة لـ "حظيرة الإيمان " السعودية. ففي منتصف الثمانينات غادر الريس لبنان إلى السعودية و أمضى عدة سنوات انجز فيها منحوتات مستمدّة من الحروفية العربية على نصوص دينية مثل " الله" و " الله أكبر" و" يارب" و " كنتم خير أمّة أخرجت للناس" و " الله نور السموات و الأرض" و " سيوف الإسلام" . معظم هذه المنحوتات النصبية تزين فضاءات مدن سعودية كالرياض و جدة و الطائف و تبوك .و في مقابلة مع محر الملحق الثقافي لصحيفة الخليج، يعلق عارف الريس على هذا الإنجاز بوصفه للمنحوتات بكونها " مستمدة من علاقتي بتراثي. الحروفية العربية هذه المرة أخذت شكل الحجر المتحرك في الفضاء، و المنحوتات جميعا ارتكزت على قواعد هندسية أكدتها صيغة الحرف العربي نفسه .. فأنا من الذين يعتقدون ان الحرف العربي يمتلك القياس الدقيق و المتناغم. لقد تحولت المنحوتة إلى كلمة حجرية تقرأ بذاتها كدلالة فنية و روحية معا. أي أن عملية الصوغ استمدت قوتها من قوّة الموقف الذي أعبّر عنه. فمنحوتة مثل " الله أكبر
" أو " يا رب" أو الله نور السموات و الأرض" كلها بنائيات جمالية لا تتجه إلى تجريد مهوّم، بل تذكر بوعي صوفي يؤكد ارتباطه بروح المكان و زمانه" [14]. و في حمى الراعي السعودي لا يكتفي الريس بتجنّب " التجريد المهوّم " فحسب ، لكنه ينفض يده من مجمل التركة النقدية التي تحققت داخل النسخة العربية التحررية لحركة الحداثة و التقدم ، ثم لا يتورّع عن سب المثقفين العرب المهمومين بـ "التنظيرات و التحليلات " [ كذا!]. يقول : " في أجواء منطقة مكة المكرّمة شعرت بارتياح عميق و بانتماء حضاري اصيل تحصّنت فيه من كل متاهات الجدليات المعاصرة و التنظيرات و التحليلات الفلسفية و الإجتماعية و السياسية الني تطغى عادة على عقول المثقفين العرب فتسلبها إرادتها و نسقها الحر المستقل ."..في مثل هذا السياق المفجع تستغيث أمّي عادة بـ " النبي نوح "، لكن هذا" الريّس " الملاّح الذي يجدّف في حق حركة التقدم العربية قمين بإغراق سفينة نوح بحالها " في شبر موية " و الأجر على الله !
سأعود

.................................... .
[1]قالوا أن طرفة كان في صباه معجبا بنفسه يتخلّج في مشيته. فمشى تلك المشية مرة بين يدي الملك عمرو بن هند، وكان قد هجاه من قبل، فنظر إليه الملك نظرة كادت تبتلعه. و كان خاله المتلمّس [ جرير بن عبد المسيح ] حاضرا، فلما قاما من المجلس قال له المتلمس:" يا طرفة إني اخاف عليك من نظرته إليك " فلم يأبه طرفة و حمل رسالة الملك لعامله في البحرين و عمان ، و فيها أمر بقتل طرفة. كان طرفة عارفا بمحتوى الرسالة و لم يثنه ذلك عن بلوغ المكعبر عامل الملك.بل أن المكعبر الذي كانت له صله نسب بطرفة لم يقبل قتله فبعث ملك الحيرة رجلا من تغلب و جيئ بطرفة إليه فقال له:" إني قاتلك لا محالة فاختر لنفسك ميته تهواها" ، فقال :" إن كان و لا بد فاسقني الخمر و افصدني ".
أنظر الرابط
https://www.khayma.com/sohel/tareekh/tareekh18.htm
أنظر، شرح المعلقات السبع للزوزني، دار الجيل، بيروت ، 1979.ص 61,
[2] يمكن الإستماع لقصيدة الجواهري " أنا حتفهم " في الرابط
https://www.iraqhurr.org/content/article/1956893.html

[3] أنظر موقع ناجي العلي في الرابط
https://www.najialali.msrmsr.com/
[4]
شاهد و اسمع فرزات على الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=FKkg8Fz6Iyw

[5] شربل داغر ، اللوحة العربية بين سياق و أفق، 130.
[6] بلند الحيدري، زمن لكل الأزمنة.
[ 7].للمزيد عن سامي برهان أنظر الرابط
https://www.justsyrian.com/vb/t2590.html
[8] أولي باير، حوار مع الصلحي، بايرويت ، 1983.
Ibrahim El-Salahi: Conversation with Ulli beier, Iwalewa-Haus , Universitat Bayreuth,, September, 1983
[9] ش .داغر، الحروفية.
[10] ش. داغر، الحروفية ، ص 152,
[11]أنظر مقالة محمد العباس عن نصب جدة في جريدة الرياض، عدد الخميس 1 يوليو 2010، و هي متوفرة ايضا على الرابط
https://m-alabbas.com/ara/contact/p2_articleid/272
[12]ش. داغر. اللوحة العربية بين سياق و أفق.102.
[13] عن سيرة عارف الريس أنظر الرابط
https://www.jehat.com/Jehaat/ar/Tashkeel ... 3aaref.htm
[14] عارف الريس، مقابلة منشورة في صحيفة الخليج، الملحق الثقافي ، العدد 2731،رقم 284، الإثنين 13/19/1986.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

Re: فن الرعاة و فن الفنانين

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

حسن موسى كتب:[size=24]عبدالله بيكاسو الشقليني سلام جاك و قعد معك..
شكرا على تأملاتك و تساؤلاتك النقدية و كل طرف منها ينبئ عن اشتباكات مفهومية تنتظر في عتمة الخاطر، و لا بد لنا ، في نهاية المطاف ، من معانقتها و تفحصها واحدة واحدة. لكن ما استرعى انتباهي هنا هو طرفها الذي يمس موضوعة الرعاية.فالرعاة، ملوك او رؤساء اوأثرياء او أحزاب و منظمات سياسية ، ضروريون لإستمرارية الإنتاج الفني.و الرعاة ، أو "الشركاء الإستراتيجيون" حسب عبارتك ، هم اصحاب الكلمة الأخيرة في تشكيل توجهات و غايات الآثار الفنية التي تنتج تحت رعايتهم. و نحن كفنانين إنما نحيا، في نهاية تحليل ما،على توتر أزلي بين نوع الفن الذي نحلم بتحقيقه و نوع الفن الذي يسقطه علينا رعاتنا الذين يدفعون لنا نفقة ابداعنا. هذا التناقض ليس لازبا لكل فنان. فهناك فنانون متوائمون و متحالفون مع رعاتهم و هناك غيرهم، و لا جناح فالحرب سجال،و ساحة الخلق الفني هي طرف من ساحة المواجهة [ الطبقية ] المتنوعة المستويات التي كتبت علينا ضمن ما نكابد من عيش عصي تحت شروط المجتمع التناحري و الشكر و العرفان موصولان لسيدنا كارل ماركس على تفاكيره السديدة.هذا الفن الذي يموله الشركاء الإستراتيجيون هو فنهم ، و قدر الفنان المعارض هو أن يسعى لتحويل وجهة فن الرعاة الأقوياء ليجعل منه فنا نافعا للمستضعفين. و هذا لا يكون إلا بوسيلة الكيد الإبداعي الكبير.وفي ذلك المنظور فـ" الحسّاس يملا شبكتو" كما تعبر حكمة الشعب.و في مداخلتي أدناه ستلمس بعضا من رأيي هذا فتأمل فيه و نوّرني بنور نقدك ينوبك ثواب.

[color=blue]
(6)
العزيز حسن محمد موسى ،
هذا الذي تفضلت بكتابته ، أتفق فيه معك

وهذه هي النقطة التي ربما كثير من المعارضين لمسلك الرعاة الإستراتيجيين ، حسبما كتبنا ، ربما يتوقف نضالهم على التضحية المثالية التي هي محصلة فنانين ماتوا فقراء ، فموتزارت مات فقيراً ودُفن في مقبرة غير معروفة ، وفنانين في بطونهم جذوة إبداع ، مثل صديقنا حسن موسى وعبد الله بشير بولا ، فرا بجلودهما من قسوة أمن نميري في السبعينان ، وكانت فرصهم للمقاومة في بلد تعرف قيمة الفن أفضل كفرنسا رغم هيمنة راس المال المتعولم ، لا المؤسسات التي هبت علينا برياح ما قبل التاريخ ، تقول في فلسفة التبرير أن " الفن الإسلامي " قد سبق النهوض في مدرسة ( التجريد ) قبل ثلاثة عشر قرناً ، ما بين أواخر القرن التاسع عشر والقرن السادس !!!!!!
والحكمة أين :

في حديث الكلب والصورة :
لا يدخل الملائكة بيت فيه صورة أو كلب

سيداتي سادتي : هل في ورقة الشجرة روح ؟
ياه .....



[/color]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط10

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 10

إمتهان المصورين:

" لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب " !
سلام يا عبد الله[ بيكاسو] الشقليني. تعرف في عبارة هذا الحديث شيئ مشاتر كونه يجمع في فئة واحدة بين مصنـّفين متنافرين هما " الصورة " و " الكلب" و يجعل منهما موضوعا لإدانة واحدة ، بينما بقية الأمتعة و الحيوانات المنزلية الأخرى من ابل و بقر و خيل و حمير و غنم و قطط و دواجن و ثعابين و عقارب و خنافس و نمل تنعم بقبول الملائكة. بالنسبة للمصنف الأول : " الصورة " ، أعتقد أنني اكتشفت هذا الحديث في وقت متأخر ، أي بعد فوات الأوان، و حينها لم يعد في وسعي الإستغناء عن التصاوير لإستقبال الملائكة.[ و على كل حال لو في ملايكة مصرة تشوفني بلاقيهم في الشارع ] ! ، و بالنسبة للمصنف الثاني: " الكلب "، فقد عرفت في يفاعتي الباكرة أن العالم ينقسم لنوعين من البشر: الذين يقبلون الكلاب و الذين لا يقبلون الكلاب . أظنني كنت في السادسة من عمري حين أهدانا بعض الجيران جروا لطيفا، ففرحنا به أيّما فرح و حملناه للدار وقضينا يومنا نعتني به و نلعب معه.لكن فرحتنا لم تدم ، إذ ما أن رأي الوالد الجرو حتى أمرنا بحزم ظاهر ان نرد الجرو لأصحابه بحجة أن "الكلب ينبح في الضيفان ". من حينها عرفت بأننا ولدنا في غير معسكر محبي الكلاب ، فكان أن قنعنا برعاية القطط التي كانت تتمتع بحظوة خاصة[ لدي أمي التي لم تكن تتحرّج من محاورتها كما لو كانت تنطق ،" قالوا الكديسة اكلت مع النبي في قدح واحد"! ] و الدواجن و أنواع من الحيوانات النادرة التي صارت جزءا لا يتجزأ من ميراث الأساطير الشفهية العائلية [ بقرات و غزالة و سلحفاة و قرد و ببغاء و نعامة و حماران واحد لنقل أبي من و إلى السوق و آخر لجلب الماء من الدونكي]. مرة ، في مطلع الخمسينات ، جلب أحد الأقارب فرخ نعام بزغبه فتركته أمي في معية دجاجاتها. في البداية لم يتنبه أحد لأن معدل نمو النعامة لا علاقة له بنمو الدواجن المنزلية. فكان تعملقت النعامة وتحولت بسرعة لنوع من حيوان عجائبي يجتذب الصغار و الكبار من أهل الحي، قبل أن تتحول لمشكلة حقيقية حين بدأت تنطلق في الشارع و يتبعها جمهور من الأطفال الهائجين من الفرحة. تعودت نعامتنا أن تسوح في شوارع الحي المتربة ثم تعود مع المغيب لتبيت في ركنها بين دجاجات أمي اللواتي كن قد قبلن بها على زعم أنها مجرد دجاجة كبيرة رعناء أخرى، حتى جاء يوم خرجت فيه نعامتنا و لم تعد ابدا.من حين لآخر اتذكر إختفاء نعامتنا و أتأمل في الفراغ الكبير الذي تركته بين أهل الحي و بين سكان حوش الدواجن.
...
قالوا أن سليمان عليه السلام لمّا غضب على الهدهد قال:
سأعذبه العذاب الأشدّ هولا من القتل!
قالوا: و ما أشد هولا من القتل؟
قال سأضعه بين قوم لا يعرفون قدره.
قلنا : يا ويلنا! لا تدخل الملائكة بيوتنا و لا يزور معارضنا جمهور عيال المسلمين ، الذي يجهل قدرنا ، إلا ليلعننا أو يذكرنا بحراجة موقفنا في مواجهة قياس أقرن حدّه الأوّل " حار" و حدّه الثاني " لا يُنـْكَوى به " فما العمل؟!
لا عمل غير النظر النقـّاد في مجمل منعطفات المسار الذي اوصلنا لغاية جنازة هذا الشيء الذي يسمّي نفسه " الفن الإسلامي المعاصر "، هذا الفن "الرسمي" الذي ينتحل صفة الإسلام في فضاء الثقافة المعاصرة و الذي يبني له الرعاة المؤمنون أغلى الاضرحة في أعظم المتاحف " التي لم يخلق مثلها في البلاد"[ الفجر]، . ما هو إلا آلة حربية أخرى بين عشرات الآلات التي تدفع نفقتها دوائر رأس المال المتعولم كجزء من " المجهود الحربي" في هذه الحرب الشاملة المعلنة على المسلمين المعاصرين.. هذا الفن الإسلامي المعاصر يضع لنفسه أولوية قصوى غايتها تحييد أو تجنيد الفنانين المسلمين المعاصرين في أجهزة البروباغندا السياسية العايرة في ساحة الثقافة المعاصرة بذريعة "حرب/حوار" الإلتباسات المفهومية بين الشرق و الغرب [إقرأ: بين الإسلام و المسيحية ]!و المداخل كثيرة لعقلنة الطريقة التي يتخلـّق عليها جدل القطع و التواصل بين مكونات هذه الظاهرة المتحققة عند تقاطع الفن و السياسة
فمن أين نبدأ؟

أدخل من مدخل حديث ابن عباس أن النبي [ص] قال: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب و لا تصاوير "، أو " من صوّر صورة في الدنيا كُلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح و ليس بنافخ " ، أو في ما روي عن مسلم أنه قال:" كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صُفـّته تماثيل ، فقال : سمعت عبد الله قال: سمعت النبي [ص] يقول: أشد الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون "، أو فيما روي عن عائشة أنها " اشترت نـُمرُقة فيها تصاوير فقام النبي[ص] بالباب فلم يدخل، فقلت: أتوب إلى الله مما أذنبتُ . فقال ما هذه النمرقة؟ قلت لتجلس عليها و تتوسدها.قال:ان أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم : احيوا ما خلقتم، و أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة".[1]

لكن الناظر في أدب الفتاوي المستشري على الأسافير يقرأ أكثر من تفصيل مثير للتأمل على صورة تخريج الخطابي الذي يصنف الصور لصور ممتهنة و صور غيرها و يحلل اتخاذ " الصور التي تمتهن في البساط و الوسادة و فيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه"..
"..
قال النووي في شرح مسلم:"قال الخطابي: إنّما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية، والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه" وقال ابن حجر في تعليقه على حديث جبريل: "وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أنّ الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول المكان التي تكون فيه باقية على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة، فأما لو كانت ممتهنة، أو قطعت من نصفها أو رأسها فلا امتناع" . [2]

في حديث " امتهان" الصور إضمار بأن التصرف في الصورة يبطل مفعولها السحري، سواء بطريقة عرضها على الأرض فتطأها الأقدام ، كما في حالة صورة جورج بوش الأب التي رسمتها الفنانة العراقية ليلى العطار عند مدخل فندق الرشيد ببغداد [3] ،أو بتحويرها أو بإتلافها كما في حالات الإعتداء باسم الدين على تصاوير المخطوطات الأثرية أو التماثيل الموجودة في الأماكن العامة. لكن المشكلة الحقيقية تبقى في أن إتلاف الصورة لا يلغي مفعولها و إنما ينتج صورة جديدة تذكّر بالأصل السابق على فعل التحوير او الإتلاف و تنضاف لمسلسل التصاوير اللانهائي.و ديمومة التصاوير إنما تنهض على مبدأ أن إدراك الناس للوجود لا يستغني عن وسيلة التصاوير بأية حال.و قد طرحت مركزية حضور التصاوير في حياة الجماعة، طرحت على السلطات، ومنذ أقدم العصور، موضوعة ضبط التصاوير و السيطرة على مفعولها و استخدامها لدعم قبضة السلطة على مقدرات الجماعة.والأدب المبذول بين ايدينا منذ قرون في موضوع شقاق التصاوير إنما يمثـُل كسجل للشقاق الإجتماعي الناتج من تناقض المصالح بين الفرقاء التاريخيين. و ضبط السلطات للتصاوير لا يقتصر على ضبط الصورة وحدها بالتصرّف في طريقة عرضها أو بتحريفها أو إتلافها أو حظرها و إنما يتعداه لمحاولة ضبط النظر و تأطيره بجملة من الموجهات و المحاذير و اللوائح و المغريات. و فوق هذا و ذاك فليس هناك وسيلة أكثر كفاءة من السعي لضبط المصورين باستمالتهم لجانب السلطات أو بتحييدهم أو بإرهابهم أو حتى بتصفيتهم عند مقتضى الحال.و تاريخ علاقات السلطان و الفنان في المجتمع الإسلامي جعل من "امتهان المصورين" تقليدا مرعيا في ممارسة السلطة.

سأعود

............................. .
[1] أنظر صحيح البخاري، الجزء السابع، دار إحياء التراث العربي، القاهرة[ بلا تاريخ]، صص 214 لـ 217.
أنظر الرابط
https://www.9alam.com/forums/archive/ind ... -6512.html

[2] أنظر الرابط
https://www.islamweb.net/newlibrary/disp ... 56&ID=1769

[3] انظر صورة جورج بوش في فندق الرشيد على الرابط:
https://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?p=884036

أو
https://www.youtube.com/watch?v=c__ypMS8imE
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

ليس لنا إلا أن نشيد بما كتبت ..
تحية لك أخي حسن موسى

أذكر في ثورة تونس أن من الشعارات التي كان يرددها الثوار في الساحات ،
ولها أيضاً علاقة بالخط واللغة وشعر الشابي :
( إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بُدّ أن يستجيب القَدَر ...)

وإذا لم يستجب القدر .. يا تُرى ما الذي سوف يحدث !؟

وجاء الإخوان بثوب الخفاء أنهم رُحماء بغيرهم ، حتى يتيسر امتلاكهم السلطة ،
ومن بعده امتهان البشرية قولاً وفعلاً

......
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 11

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 11
سلام يا الشقليني و شكرا على المتابعة لكن أمر فن عيال المسلمين طويل سلبة وما لم نتضامن على فلفلته و نقده فهو سينتهي بنا إلى مقام "امتهان البشرية قولا و فعلا" حسب عبارتك.و ما نشهده اليوم من امتهان للفنانين ما هو إلا البداية في هذا المسار المظلم الطويل العامر بالشقاء.!




صورة " سالم موسى"

" ليس بالخبز وحده .."،" لا إله إلا الله!"،" يا عمال العالم اتحدوا..!"،"إفتح يا سمسم !"،" الثورة تنطلق من فوهة البندقية "،" قد أختلف معك في الرأي لكني مستعد للموت من أجل حقك في التعبير ..!"،" الحرية لنا و لسوانا"، " إذا الشعب يوما أراد الحياة.." و غيرها من العبارات السحريات ممن فجّرن البراكين الدفينة في أفئدة الجموع البشرية المتحمسة، كل هذا الادب يردنا لكفاءة الكلام الإجتماعية حين تقع الكلمة المناسبة حيث تنتظرها الأسماع المتحرقة للفعل.و العبارة السحرية مثل الكائن الحي تولد[ من العدم ؟] ثم تحيا و تعمّر وتبني عزّها قبل أن تضمحل و تتفتـّت ، و قد تموت و تقبر في ارشيف التاريخ. لكن موت الأدب قابل للنقض حين تقيـّض العناية للعبارة الميتة نوع الملابسات التاريخية التي تؤهلها للإنبعاث من قبرها فتحيا من جديد.
هذا الصباح خطرت لي عبارة سالم موسى الملهمة:
" الحقيقة تبدو و لا تكون " التي أخرجها لنا بولا مرة في منتصف السبعينات فتنبّهنا لسر سالم موسى .
هذه العبارة، الملغومة بالتفاكير على إيجازها، " تبدو" كما الطلسم الذي أورثنا إياه هذا الشاب الغريب قبل أن يختفي في لجّة الماء، فكأنه موسى فلق البحر بعبارته و غاب في النيل زاهدا في النجاة من الحياة ومن الموت معا . من حينها و نحن نتضامن على صيانة سيرة هذا الغريق الفتـّان بحكايات و أحابيل تنتهي كلها عند تلك القولة السحرية في حقيقة الحقيقة.
فمن هو سالم موسى ؟ و من أين له كل هذا البأس الفلسفي الخفي ؟و ما طبيعة هذا الفن الذي كان يشغل خاطره في تلك الستينات التي تمخضت عن " ثورة شعب" أعزل إلا من سلاح الحماس الديني؟
كل هذا علمه عند ربي [ و بعض منه عند بولا و آخرين من أصدقاء سالم موسى الصامتين]. لكن كلمة سالم موسى فرضت نفسها علينا كلنا و نحن نتأمل في مفهوم الصورة كـ " حقيقة" وجودية و إجتماعية تنظم الفضاء الذي تتخلق فيه إشكاليات الفن ضمن جدل العام و الخاص. فالصورة التي تساورنا تفيض عن مجرد الحضور البصري أو الحجمي أو الصوتي و غير ذلك من موضوعات جوارح الإدراك. الصورة موضوع الرؤيا هي ما يمكن أن نطلق عليه " صورة الوجود" التي تتفرّع منها، و تتفرع إليها في نفس الوقت، جملة الصور الأخريات المتتابعات و المتشابكات و المتكاملات و المتعارضات و المتساندات في آن معا. صورة الوجود المتوترة بين ما كان و ما هو كائن و ما ينبغي له أن يكون ، و لو شئت شططا فقل هي صورة "الحقيقة "[ و سجن سجن غرامة غرامة!].
القشيرة؟! ذلك الشيئ المتحوّل الممسوخ المخاتل الذي اخترعه المؤمنون[ والإنسان حيوان مؤمن] خوفا من الموت الأناني الذي يكشف اجندته منذ بداية المضمار. " الحقيقة"! هذا "الشيئ" العجيب الذي لا يستغني عن "الزيف " ، حتى "يبدو" لبصيرة " ود ابن آدم الغلّب الهدّاي" ، هو، في نهاية التحليل، بمثابة أُسّ الإلتباس الوجودي و مبتدأه و منتهاه في آن. الحقيقة لا تكون إلا كما تبدو" كــ .. " كائنة في مقام الحقيقة. و على كاف التشبيه أسوّغ لنفسي القول بأن الحقيقة تبدو لوهلة حين تكون، مثلما تكون، لوهلة أخرى، حين تبدو. و " الوهلة" في لسان العربان هي مبتدأ كل شيئ.و في مشهد الوهلة فالحقيقة [ كما الزيف] لا تبدو و لا تكون إلا في مبتدأ أمرها قبل أن يدركها قدر الإنمساخ الذي يتربص بها عند عتبة كل إستهلال . الحقيقة تبدو ككائنة رهينة بـ " وقف التأويل" ، على وزن " وقف التنفيذ" في رطانة الحقوقيين و الله أعلم. [ شايف " الله أعلم" دي؟]. عبارة سالم موسى تزعزع صورة الحقيقة الكائنة النهائية لتثبتها في صورة الحقيقة البادية المتحولة.و مشكلة الحقيقة" البادية" إنما تكون في شبهة " دوغما" ثباتها على مبدأ التحوّل الأزلي.ذلك ان تثبيت الحقيقة لأي صورة كانت هو ، في نهاية تحليل ما ، مناورة " دينية" مقصود منها تطمين العباد ضد واقع التحوّل المتأصّل في فعل الحياة ، و الذي يؤدّي بالأحياء إلى الموت.
و صورة الله ؟!
" يا زول الله شافوه بالعين و لاّ عرفوه بالعقل؟ !"..
هذا التعبير الشعبي الذي يجسد المنطق الشكلي ينتفع به الأهالي في إرهاب المحاور و إغلاقه في إجابة واحدة لا تحتمل غيرها:" طبعا الله عرفوه بالعقل! ".و فوق منفعة فرض الإجابة على المحاور فالسائل يفرض على المحاور مسـلـّمة زائفة فحواها أن هناك قاعدة للمناقشة في شكل قناعة إيمانية مشتركة مصيرها ان تؤدي بالطرفين للإتفاق و في النهاية فكل شيئ من عند الله و إنا لله و إنا إليه راجعون . لكن موضوعة " الشوف" في هذه العبارة كانت تغريني في سنوات إيماني اليافع بالإجابة الممنوعة:" طبعا الله شافوه بالعين !" ، عين البصر المحسوسة القريبة ناهيك عن عين البصيرة التي ترى في ظلمة الخاطر و عين الخيال الجامح الناهل من تصاوير الفن و الأدب التي لا تستغني عن الصور. مرة قال لنا معلم التربية الدينية في" مدرسة الأبيض الأميرية الوسطى" أن من المستحيل على اي مخلوق ان يتصوّر صوره الخالق و أن الله في النهاية هو بخلاف كل تصوّر قد نتوصل إليه، و أنه من الأنفع لنا أن نتفكر في صفات الله و لا نتفكر في ذاته فنهلك .. و اظننا فهمنا ذلك المنع المصحوب بوعيد الهلاك كدعوة مفتوحة لمتابعة خيالنا الجامح في شعاب تصاوير الله الأدبية و الأيقونية. كنا في طفولتنا نتخيل الله في صورة رجل عملاق أشيب طيّب المحيّا تغطي نصف وجهه لحية بيضاء و عليه ملابس بيضاء واسعة، يحيط به جمع من الملائكة بينما هو مشغول بتصريف أمور الخلق يحيي من يشاء و يميت من يشاء ، يفصل في قضايا الإنس و الجن و يولج الليل في النهار بيد و ينظم الفصول و حركة الأفلاك بيد أخرى و لا يستنكف عن أن يضع سره في اضعف خلقه ، إلى آخر تلك الصور الرائعة التي يبذلها النص الديني لخيال المؤمنين المعاصرين، و التي تستقر على مرجعها الآيقوني في رصيد التصاوير التي بذلها لنا ، عبر مستنسخاته المطبوعة و المبثوثة في السينما و التلفزة ، إعلام حداثة السوق.. و هذه التصاوير تصدر، في أفضل احوالها ، عن صورة الله في التقليد الأيقوني النصراني السائد . كما جسدتها مراجع الرسم النصراني منذ القرن الرابع عشر ، بالذات في تصاوير فناني "عصر النهضة" الإيطالية، و التي بدورها تستلهم ايقونات التقليد الإغريقي. [1]

كل هذه الثروة الأيقونية الغامرة ، انتهت بي إلى تكييف مخيلتي الطفلة لقبول فرصة أن " الله شافوه بالعين ". و حتى حجة أن صورة الله تقيم في ما وراء مقام التصاوير، المعتمدة على ذلك الحيّز المستحيل، حيث " ما لا عين رأت"، و الذي يطرح نفسه كحيّز لا يدركه بصر و لا بصيرة و " ليس كمثله شيئ ". فهي تنتهي بخلق صورة لما لا تطاله الصورة، و هكذا فلا شيء يفلت من طائلة التصوّر.
و العبارة التي تعارض بين" شوف العين" و" شوف العقل" تنطوي على إضمار ظاهر لتسويغ " الشوف" كوسيلة مشروعة لعقلنة وجود الظواهر. و قيل كمكمّل لشوف العقل. لكن شوف العين " البصر" معطوب بحكم خضوعه لأهواء" النفس" الأمّارة بالطيب و الخبيث معا . شوف العين يملك ان يختلق ما لا يمثل في حيز الواقع مثلما يملك أن يحوّر ،أو حتى يلغي بالمرة ، ما هو واقع أمام الحواس. و موضوعة قصور شوف البصر أمام شوف البصيرة تضمر أن شوف العين يتحقق في مستوى فعل حسي يكتفي من الموضوع بظاهره دون ان يتحرّي اسباب وجوده الأخري [ اين؟ و كيف ؟ و كم؟ و متى ؟ و لماذا؟إلخ.].على هذا الإضمار
مال المفكرون المسلمون المنقسمون في المناقشة القديمة حول إشكالية رؤية الله ، مالوا لذلك الطريق الثالث ، طريق العين الثالثة، فيما نسب لابن حزم من " أن الرؤية السعيدة ليست بالقوة الموضوعة بالعين بل بقوة أخرى موهوبة من عند الله" أو كما جرت عبارة الإمام الأشعري : " أن الله لا يُرى بالأبصار و لكن يخلق الله لنا يوم القيامة حاسة سادسة فندركه بها ". [2]


هذه الحقيقة المتوترة بين شوف العين و شوف العقل لا ترتاح إلاّ في ثبات اليقين الديني. لكن اليقين الديني المتصوّر و المتوثـّن صورة معرّض بالضرورة ـ ضرورة حياة الصورة [ و لا بد من العودة لـموضوعة " حياة الصورة " في مقامها ] ـ لمخاطر التحوّل التي يبتلي بها الناظر كل صورة يطالها نظره .كمثل انمساخات الوهم البصري في صورة "الأرنب /البطة" عند "جوزيف جاسترو" و " إرنست غومبريتش" و " فيتغنشتاين" التي تفضح آحادية الرؤية و تفسد شوف العين و شوف العقل معا.[3]. فالناظر للرسم الذي يمثل أرنبا و بطة في نفس الوقت، يعرف أنه يملك أن يقرأ أرنبا أو بطة على التوالي لكنه لا يستطيع ان يرى الأرنب و البطة في نفس الوقت. ذلك ان الشوف يطرح نفسه كخيار ثقافي و كتأويل معقلن محكوم بطبيعة العواقب المترتبة على موضوع النظر. و ليس هناك نظر خام بريئ من حساب المصالح المادية و الرمزية التي يجنيها الناظر من فعل الشوف. و التقابل الذي يقيمه تصنيف فيتغنشتاين بين الشوف الخامل و الشوف المعقلن في العبارة
Seeing / seeing as
Voir/ voir comme
يزكي الشوف المعقلن على حساب شوف خامل لا محل له من الإعراب ، بنفس المنطق الذي يزكي به المشرّع الديني النظرة الثانية الزانية المعقلنة [ و العين تزنى!] [4] على النظرة الأولى " نظرة الفجاءة " العفوية المجانية التي لا تقتل غزال [5]. ذلك ان النظرة الثانية هي النظرة التي تؤوّل موضوعها و تكسب لفعل الشوف فداحته الإجتماعية.
و كلهذا الشقاء اللصيق بإقتصاد الشوف عند الذكور المسلمين هو الذي يجعل من كفاح التصاوير مسارا من الأسئلة المتناسلة بلا نهاية بين صورة الحقيقة و حقيقة الصورة.

سأعود


صورة
.............................................. .

[1] انظر صورة " خلق آدم" لمايكل آنجلو بوناروتي على الرابط
https://ar.wikipedia.org/w/index.php?tit ... 0729181315

[ 2] أنظر جعفر سبحاني " رؤية الله في ضوء الكتاب و السنة و العقل" على الرابط
https://www.shiaweb.org/books/roaya/index.html


[3] انظر الرابط:
https://www.newworldencyclopedia.org/ent ... w_illusion
و حول صور الوهم البصري أنظر الرابط
https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_optical_illusions

[4] عن ابي هريرة أن النبي ص قال " كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعين تزنى و زناها النظر و اليد تزنى و زناها اللمس و اللسان يزنى و زناه المنطق و الفم يزنى و زناه القبل و النفس تتمنى و تشتهي و الفرج يصدق ذلك أو يكذبه " أنظر الرابط
https://www.islamweb.net/hadith/display_ ... pid=335407

[5] " قال رسول الله ص:" يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى و ليست لك الآخرة". رواه الترمذي 2701 و هو في صحيح الجامع 7953
الرابط
https://www.islamqa.com/ar/ref/1774
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 2:46 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 2:46 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



(6)
فن الخط و صراعه ليكون وحدة تشكيلية متماسكة


أولاً نعتذر للأكرم : حسن موسى عن أن مداخلتنا الأخيرة لم تحفر في عمق الدراسة التي يستحقها الملف ،
وليتنا نعود لأصول العلاقة بين الخط العربي وعلاقته باللوحة التشكيلية وأزمته .
لقد أسس الفنان التشكيلي الراحل " الدكتور أحمد عبد العال " مدرسة الواحد " ، وبناء على هذا التأسيس قام بتصميم شعار" تلفزيون السودان" وهو في قمة جرّ المجتمع وإعادة تشكيله " دينياً " ، وهذا الشعار وهو المُشار إليه وفق المرفق (أ) ، والذي تم بناء الشعار من ( لا إله إلا الله ) .
وقمنا بتفكيك التركيب للشعار تبين لنا أن الجملة " المقدسة " التي تم تشكيل عناصر الشِعار منها ، قد أصابتها كما يقول الدكتور" بشرى الفاضل " في قصصه القصيرة " هاء السَكتْ ". فقد لاحظنا عند التشريح أن حرف الـ ( هـ ) قد سقط عن قصد عن كلمة " الله " ، لأن تدوين الهاء بأية صورة قد تُعكِّر صفو القُرص الدائري للشعار.



(أ)صورة
المرفق (أ) تفكيك شعار "تلفزيون السودان" الذي صممه الدكتور أحمد عبد العال



*
*
أضف رد جديد