عفيف إسماعيل، مذبحة حديقة البؤســــاء بالقاهرة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

عفيف إسماعيل، مذبحة حديقة البؤســــاء بالقاهرة

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



مذبحة حديقة البؤساء بالقاهرة

30 ديسمبر 2005

عفيف إسماعيل



انظري كلما نمنح الارض من قلبنا/
تصبح الأرض منفى لنا و لأشواقنا/
عبد الرحيم ابو ذكري



حكمة "شيخ العرب" الســـوداني :

تقول السيرة الشفاهية لأحد زعماء الإدارة الأهلية في شرق السودان، مازال أحفاده يحملون أسمه من بعده، الذي تميز بحنكة عالية في معالجة كل القضايا القبلية المعقدة والمتشابكة، تزخر الذاكرة الشفاهية بالكثير من أقواله الحكيمة ذات الطابع الساخر الذي كان يميزه دائماً ويساعده كثيراً في فض الخصومات ورد الظلومات وتخفيف حدة التوتر بين الدوائر المتنازعة ولبسط وصايا سلطته أيضاً.
ذات عيد من الأعياد وكما هي العادة القبلية جاء جميع أهل بلدتة وحجيج القرى المجاورة كي يقدموا له التحايا والتهاني، وكان بين الحضور طفل بالكاد يشب عن العاشرة من العمر يحمل أسم الزعيم عندما جاء دوره قبل التهنئة سأله سؤالاً مباغتاً:
ـ يا شيخ العرب " وهذا لقبه المفضل" كل هؤلاء القوم الأبرار تمنوا لك أمنيات طيبة، أريد أن أعرف ماذا تتمني لنفسك في هذا العيد؟
كانت بديهته حاضرة وثاقبة وساخرة كالعادة ولم ترف عينه وقال له بصوته الضاحك:
ـ أتمني أن أصير قبل العيد القادم السكرتير العام للأمم المتحدة!
اندهش كل الحاضرين لشطحة شيخهم هذه المرة، فهم يعرفون دائماً التفاسير والدلالة المختبئة في قاموسه اللغوي المرتبط دائماً بما هو محلي من مفارقات، ويقرأون ما بين سطور أحاديثه بيسر وسهولة، والحكمة التي تختبئ وراء ردوده، إنما يريد أن يصير السكرتير العام الأمم المتحدة كانت عصية عليهم، فسألوه مستنكرين ماذا تعني بذلك، فقال:
ـ هل ذلك بعيداً علي قدرة الله، أم كثيراً عليًّ؟
فتوالت عبارات الثناء والمديح المسجوعة بمعسولها وزائفها وتملقها، وبحقائقها الناصعة أيضاً.
فقال لهم :
ـ اذن لماذا لا أصير في العام القادم السكرتير العام للأمم المتحدة؟ فهي أسهل وظيفة في العالم، بل أقل من كثيراً من قدراتي المعروفة لكم جميعاً، فأنا شيخ عموم أهل"البطانة" من مجلسي هذا أستطيع فض اعقد القضايا والنزاعات علي امتداد السودان، والدول المجاورة أيضاً، فماذا يفعل الأمين العام للأمم المتحدة وبعد أن تقع" الفأس في الرأس" غير أن يشجب، ويدين، ويستنكر ؟!!!
قهقهة الحاضرون حتي استلقى بعضهم علي ظهره، و اختتموا ضحكاتهم الخالية بذلك الاستغفار المشهود.
فماذا فعل الأمين العام للأمم المتحدة قبل وبعد أن وقعت " الفأس في الرأس" للاجئين السودانيين المعتصمين بحديقة البؤساء بالقاهرة منذ نهاية سبتمبر إلي نهاية ديسمبر 2005م،علي مرمي صرخة طفل يشهق مودعاً الحياة من سوء التغذية والبرد القارس أمام مكاتب مفوضية الأمم المتحدة بجمهورية مصر العربية؟؟!!


أجندة خفيـــــة:

النظام المصري الذي يعاني من ضغوط متعددة علي المستوي الداخلي والإقليمي والعالمي، ويعرف دائماً كيف يحل أزماته بأزمة جديدة لها رنيناً وصدي واسعاً يطمس ما قبلها، وينسي المصريين همومهم الأساسية وأطنان مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهو محاصر داخلياً بالقوي الثورية الناهضة التي بدأت تردد شعارات تمثل نبض الجماهير، وتتمدد في شرايين الشارع المصري.
وبجانب ذلك منظمات حقوق الإنسان الحارس الأمين للحقوق في عالم اليوم، التي تراقب كل ما كانت تفعله الدولة المصرية المستبدة في قديم الخفاء في السجون والأزقة، والحواري، وفي الصعيد البعيد، وفي عمق سيناء وما يطبخ بين قصور "شرم الشيخ" ولم يعد أزلام الدولة المصرية يرهبون أحد، بعد أن ابتدعت القوي المعارضة الجديدة وسائل عمل جديدة جعلت كل أوراق النظام القمعية مكشوفة أمام العالم باستمرار.
وأيضا اعتقال النظام المصري لأحد رموز المعارضة بغير قرائن، في محاولة فاشلة للترهيب وردع المعارضة الشعبية، وكبديل قديم لكسر الحلقات التنظيمية للقوى الناهضة بقطع رأس الحية كي ترتبك الخطوط التنظيمية الخلفية، أحد الوصفات الناجعة مع التنظيمات السياسية القديمة التي تتكئ علي ثقل لجانها العليا فقط ، وهم لا يعلمون بأن الحركات الجديدة تدرس أساليب السلطة قبل نشؤها وتضع خططها التكتيكية والتنظيمية وفق ذلك، فهذه القوي الثورية الجديدة الناهضة كل واحد منهم يستطيع أن يكون قائداً لكل المعارك القادمة.
محاولات فهلوة النظام المصري علي من علموه السحر، عندما دعم الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة كي يوازن المعادلة بوصفة ساداتية لم يتعلم من عواقبها بعد ، ويرسل رسالة صريحة التهديد وطُعم لمراكز البحث والدراسات السياسية الأمريكية الإستراتيجية بأن البديل القادم لأي محاولات إصلاح ديمقراطي في مصر والشرق الأوسط إسلامي متطرف، وله انياب هم خير من يعلمها، فمن يبذر البذرة يعرف طعم الثمرة. وهو يعلم أيضاً من العملاء المزدوجين بينه وبين الـ ـ السي آي أيه_ بأن الخطة القادمة للشرق الأوسط وأفريقيا، بعد سيادة الإمبريالية علي العالم ونظامها العالمي الجديد، منطقة بدون زعماء استفادوا أغراضهم بالنسبة للسياسية الخارجية الأمريكية، أو غير مؤهلين لخططها في المرحلة القادمة، حكام لهم فقط قدرات البقاء علي أنفاس شعوبهم بحنكة الأقدمية، والحماية الأمريكية لهم، والأمثلة أمامه واضحة السطوع لا ريب فيها، اصطياد صدام حسين، تدجين معمر القذافي، أو ممارسة "القتل النظيف" بأكثر من طريقة معلومة لدي أجهزة المخابرات في كل العالم، حيث لا احد يملك دليل مادي معلوم يُقدم للأجهزة القضائية، مثل الشهداء ياسر عرفات، ود. جون قرنق، ورفيق الحريري.
علي المستوي الإقليمي، هذا الجار الطيب الذي اسمه السودان، الذي لا يعرف قيمة نفسه بالنسبة للعالم وأهمية موقعه الجغرافي الإستراتيجي وأهمية نيله والمياه العذبة التي تتدفق بين ضفافه وروافده في الحروب العالمية القادمة بعد خمسين عام من أجلها، وتلك البحيرات المجهولة من الثروات بباطن الأرض، وما فوقها و..و..و..و ..و..و..و.. و..و..و..و ..و..و..و.. و..و..و..و ..و..و..و..و..و..و ..و..و..و.
منه بدأت تهب رياح مختلفة لم تتقن بعد حرفة الحاوي الفرعوني والتعامل معها بألاعيب التي تتكئ علي شعب وادي النيل ووحدته التاريخية، وملفات الضغوط المتبادلة، هناك دويلات صغيرة أخري متناحرة وغير مستقرة أخري قد تكون شريكة في منابع النيل علي حسب المخطط الأمريكي بعد أقل من خمس سنوات ولدي كل قياداتها الحاليين وعي تام تجاه الدور السلبي للنظم السياسية المصرية في السياسية السودانية!!النظام المصري الحاكم الذي لعب ببهلوانية علي كل النُظم السودانية المطوية تحت يده بأساليب متعددة، وتخص الأنظمة الدكتاتورية بحفاوة خالصة لوجه مصالحها، وحتى عندما ابتدر نظام الجبهة القومية الإسلاموية الإرهابي العداء بمحاولة اغتيال حسني مبارك، ودعم كل التنظيمات الإسلامية المصرية المتطرفة بل وتدريبها وكوادرها العسكرية وتمويلها مباشرة من خزانة بنك السودان تحت رعاية أسامة بن لادن شخصياً حين كان يدير شئون تنظيم القاعدة وحركات الإسلام السياسي علي مستوي العالم من الخرطوم لمدة خمس سنوات 1990ـ1995م. حتى تلك القطعية مع هذا النظام لم تخل من غرض مصلحي بعد المطالبة بتسليم المتهمين بقتل حسن مبارك، فقلد ضمنت للنظام المصري أهم الأوراق للمساومة بجانب احتضانه للمعارضة السودانية في المنفي ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي السوداني، وأيضاً رضا العم سأم ومخططاته في المنطقة كلها. بذلك ضمنت سكوت النظام السوداني الإسلاموي عن كل القضايا الخلافية العالقة التي فجرتها الحكومة الديمقراطية بعد انتفاضة 6 ابريل 1985م أبرزها إعادة النظر في اتفاقية مياه النيل، أو محاولة الاستفادة من المياه المتدفقة بمشاريع طموحة تؤثر علي تتدفق المياه مستقبلاً، أو مثلث "حلايب" الملتهب. أو المواصلة في نهج الحكومة الديمقراطية السابقة التي ركلت تلك المعاهدات الكرتونية الفوقية للتكامل والدفاع المشترك التي تمت بينهم والمشير الإمام المخلوع الدكتاتور جعفر نميري 1969ـ1985م. تبادل النظام المصري المهاترات الإعلامية المعلنة مع رصيفه السوداني الإسلاموي لذر رماد التضليل والتغبيش في أعين الشعبين بينما في خفاء الدبلوماسية تم عقد صفقات بينهم وعصابة الخرطوم الحاكمة لغض الطرف من الجانبين.
والآن بعد مرحلة السلام في السودان برزت علي السطح ما لم يكن في التخطيط القديم لسياسة النظام المصري الحاكم تجاه السودان، فالبعبع الإسلاموي الإرهابي في جنوب الوادي يتمتع بحماية وحصانة ورضاء البيت الأبيض و تبادل معه كل أنخاب الود بعد معسكر مخابراتي للتبادل المعلوماتي من جانب واحد كشاهد ملك دام لمدة عام قبل وبعد أحداث 11سبتمبر، وبفضل ذلك استطاعت أمريكا كشف كل العمليات البنكية التي تديرها القاعدة وشبكات غسيل الأموال وترساناتها الاقتصادية، وتحصلت علي معلومات دقيقة حول طرائق تفكير قادتها في كافة الظروف وخططهم الاحتياطية، بالمقابل كان غض الطرف عن ما يحدث في دارفور والملف الأسود لحقوق الإنسان في السودان، إلا عندما احتاجه جورج بوش كدعاية انتخابية عندما نصب نفسه مخلصاً للعالم الجديد من كل طغيان، ومن خلفه ترسانة إعلامية ماكينتها لا تتوقف في عملقة الأقزام وجعل الظل مارداً مرعباً، هكذا فعلوا بأسامة بن لادن فخر الصناعة الأمريكية إبان أغراض الحرب الباردة، وأيضاً بأسلحة العراق للدمار الشامل،وصدام المرعب بين الذي تحول بين يوم وليلة من نمر مرعب إلي جرذ بائس لا يستطيع أن يحفر قبره جيداً تحت الأرض، وعندما أحتاج جورج بوش للسودان المُدرج أصلاً في تخطيطات السياسية الأمريكية الإستراتيجية كمخزون نافع من الثروات بعد العام2050م علي حسب دراسات مراكز قرون الاستشعار الامبريالية، أعلن في عشية بأن هناك تطهير عرقي في دارفور، وأكثر من ذلك وضع ميقات معلوم كي يتم السلام في السودان،وتسأل كل العالم ما الذي جعل هذا البلد المنسي الموبوءة بكافة الويلات الإنسانية أن يكون محط اهتمام الدولة الأولي في عالم ورئيسها لولاية قادمة، أدركوا سريعاً بأن الأمر لا يخلو من تعويض فشل للسياسية الأمريكية الخارجية في التعامل مع حل القضايا الشائكة علي أرض الواقع كما حدث في أفغانستان، والصومال، والعراق، وبورندي، وقديماً فيتنام. فلابد من خارطة سهلة كي يبرز راعي البقر قدراته الخارقة، فكان السودان وحربة الأهلية المزمنة، ونظامه السياسي الإسلاموي الذيلي الذي يتعلق بأي قشة كي يبقي عام آخر في تسلطه، فتم الضغط عليه بكافة المستندات التي تورطه في الإرهاب الدولي، وملف حقوق الإنسان الزاخر بالانتهاكات الموثقة كي تتم صفقة معاهدة السلام بينه والحركة الشعبية لتحرير السودان بأسرع ما يمكن، وكانت المعاهدة في ظاهرها وقف نزيف دم لأطوال حرب في أفريقيا لا احد يستطيع الوقوف ضدها مهما كانت الأسباب التي جاءت به، وفي باطنها بذرة لعينة لتفككيك هذا البلد الآمن لدويلات متناحرة.
عندما اتضحت هذه الرؤية هلل النظام المصري وقال : وجدتها أخيراً، فركض في المارثون من جديد وفق المضمار المرصوف بحوافر راعي البقر مجدداً دماءه وقواه المنهكة، وتحول الملف بكامله ليد حسني مبارك شخصياً، فمارس ضغطه المعلوم علي الحكومة السودانية بكل الملفات القديمة، ووجد التجمع الوطني الديمقراطي السوداني في أضعف حلقاته وبؤسه السياسي وتأكله الداخلي، لم يحتاج كثير جهد حتى جعلهم يقبرون أنفسهم وأحلام شعبهم سياسياً في صفقة سوف تظل مسبة وعبرة لكل من يمارس السياسية بشكل فوقي لا علاقة له بالواقع السياسي علي الأرض السودانية، وفي مراهقة سياسية يحسدون عليها وقع التجمع الوطني الديمقراطي السوداني صكاً ممهوراً بكامل أهليته العقلية التي تمثل نفسها فقط، علي العدو الذي حاربه ست عشر عاماً ومازال يحاربه أن يكتب ما يراه مناسباً، تنفس حسني مبارك الصعداء فقد كان يظن الأمر أعقد بكثير من ذلك، وكان يظن إنه سوف يتنازل للحد الأدنى في سقف التنازلات و التفاوض .
كان النظام المصري يفكر كيف يحل المتاهة الداخلية الإقليمية والعالمية من غير ما يخسر شيئاً بتلك التوفيقية المتقنة التي ظل يمارسها ببهلونية منذ كامب ديفيد، مرة آخري صاح أحد الخبراء في القمع والتنكيل بوزارة الداخلية
ـوجدتها!!! وجدتها!!!
عليكم بحديقة البؤساء بالمهندسين، ومن بها من لاجئين سودانيين يعتصمون بها منذ سبتمبر الماضي يكفي تماماً كي ينقذنا من هذه الورطة التي كان يبدو لا حل لها، فهؤلاء المغضوب عليهم من حكومة بلدهم التي شتتهم في كل البقاع، ومن الأمم المتحدة نفسها، ومن معظم قيادتهم السياسية المعارضة التي تقييم ببلدنا، لا أحد سوف يهتم بهم، علينا أن نسحلهم ونسحقهم بعد منتصف الليل، وخبرات عدسات المصورين والكاميرات التلفزيونية التي تخصنا تستطيع أن تبرز ما نريده للعالم والصحف الداخلية، وهؤلاء الكتاب المحترفين لماذا كنا نعلفهم كل هذه المدة عليهم بكتابة مقالات عن نهاية أوكار الرذيلة الفسق، والخمور البلدية والدعارة العلنية التي كانت تمارس علي مرأى الجميع، والسرقات، والبلطجة، وأكوام الأوساخ والقاذورات، وكل تلك النتانة التي أقلقت سكان المهندسين الراقي، وتفاصيل ضبطنا لمحاولة حرق مبني مفوضية الأمم المتحدة بالقاهرة،بذلك نكون قد أرسلنا رسالة واضحة للمعارضة المصرية الداخلية المتنامية بعد أن نسرب لهم نصف الحقائق بواسطة عملاءنا بينهم بعد أن يروا ماذا فعلت العصي الكهربائية، وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والسحل، وأخذهم إلى أماكن غير معروفة خارج القاهرة وترحيلهم من بعد، سوف يكون ذلك مصيرهم إذا لم يوقفوا طنينهم المزعج باللافتات والشعارات والمسيرات التي يقولون عنها سلمية تلك البدعة الجديدة التي سوف تنخر دعامات نظامنا السياسي كالسوس إن استمرت بغير تأديب يذكرها نحن هنا دائماً . سوف نتصل بالأشقاء في السفارة السودانية ونعلمهم بأننا أخيراً قد وجدنا الحل الذي يريح جميع الأطراف، لا تشغلوا بالكم كثيراً بالأمم المتحدة فكوفي عنان نفسه كان بيننا في شهر نوفمبر الماضي و لم يأبه كثيراً لاعتصام اللاجئين السودانيين بحديقة البؤساء، خوفاً من أن تكون سابقة تحذو حذوها معسكرات لجوء أخر ي ولا يستطيع ان يفعل لها شيئاً، وكذلك لا تنشغلوا بالرأي العالمي، التجاهل الإعلامي الغربي والأمريكي لهم تام طيلة الثلاثة شهور التي اقلقوا بها منامنا، وهم يتمتعون بالنوم في الهواء الطلق.
هكذا...
تواصل رنين التلفونات بين كل الأطراف البربرية حتى تلك التي تتستر تحت لافتة حقوق الإنسان، وتسمي المفوضية العليا للاجئين بجمهورية مصر العربية التي علقت التفاوض مع لجنة اللاجئين، وتركتهم في العراء بلا حماية في مواجهة ذئاب جائعة. وضعوا خططهم كلٍ حسب أجندتة الخفية:

السفارة السودانية بالقاهرة سوف ترتاح من سبة جديدة تشوه وجه نظامها القميء أكثر أمام العالم، وتلطخ ملف السلام الذي يضمن لهم الحكم والثروة لمدة خمس سنوات قادمة، تستعد فيها بقوة لخمسين سنة أخري من الحكم، وخاصة أغلب اللاجئين من جنوب السودان وبياناتهم السياسية تفضح ثنائية اتفاقية السلام التي لا تشمل كل القوي السياسية في جنوب السودان، ومازال الاقتتال قائماً بين بعض الفصائل، وأيضاً يفضحون ملف العودة الطوعية وما طال أهلهم تقتيل وذبح بواسطة"جيش الرب" اليوغندي الذي يمرح طليقاً غير آبه بدعاوي السيادة الوطنية التي يطلقها النظام السوداني في الخرطوم في مواجهة قرار مجلس الأمن رقم 1593 الذي يقضي بتقديم أركانه لمحاكمة دولية .

المفوضية العليا لشئون اللاجئين بجمهورية مصر العربية أيضاً سوف ترتاح من صداع مزمن استمر رهقه لمدة ثلاثة شهور. ويخفف من حرجها أمام العالم عندما تدين الأعمال الوحشية فور حدوثها وتعلن براءتها منها.

الحكومة المصرية، أولاً سوف ترهب معارضيها بالعصي الغليظة، وتتخلص من نموذج معارضة مستوردة خصيصاً من السودان تذخر بمهارات وخبرات السودانيين في النضال بأساليب مختلفة ضد كافة أشكال الدكتاتوريات والعسف ببلادهم الموبوءة بتلك الحلقة الشريرة من الأنظمة الشمولية المتعاقبة، يمكن أن يكون ذلك ملهماً للمعارضة المصرية في مقبل صراعهم ضدها .
ثانياً:تقدم فروض الطاعة والولاء للعم سأم في حرصها علي اتفاقية السلام السودانية التي يرعاها وله فيها مأرب عظمي.
ثالثاً: تقدم خدمة جليلة للنظام الإسلاموي الحاكم في السودان تحتاج مردودها في رصيد السنوات القادمة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدورون في فلكها كثور الساقية الأعمى، كانت لهم مآرب أخري لا علاقة لها إلا بمصالحهم المستقبلية في المنطقة، ورد الصاع صاعين للنظام المصري الذي حاول خداعهم بلعبة الانتخابات الأخيرة ونتائجها، والاحتفاظ بملف جديد للنظام المصري ضد حقوق الإنسان، ليس ضد مواطنيه فقط بل ضد مواطني الدول المجاورة له، والتفريط في المواثيق الدولية، وسوف تنظر بعين الاعتبار للانتهاكات الخطيرة التي لازمت العملية الانتخابية الأخيرة بمصر، سوف يحتاجونه عندما يرتدون قناع حقوق الإنسان للتدخل في شئون مصر ، أو عندما يعلنوا صراحة بأن دور حسني مبارك انتهي في المنطقة بالنسبة لهم. فقد أعدوا منذ عُلموا بتوقيت تنفيذ مجزرة حديقة البؤساء كل الخطة الإعلامية التي تفضح الحدث بعد سكوتهم الإعلامي المتواطئ والمتعمد عن الاعتصام في كافة مراحله طيلة الثلاثة شهور الماضية، فنصبوا فخ من الكاميرات وأجهزة التصنت المرئية والمخفية عالية الحساسية والدقة حول الميدان وفي الشرفات المجاورة والأقمار الصناعية تري بعين لا يراها أحد، وصوروا الحياة العادية لحديقة البؤساء منذ الصباح الباكر إلي حين حدوث المجزرة، كما سوف نشاهد قريباً جداً.. جداً في أجهزة أعلامهم الفيلم التوثيقي لهذا اليوم لإدانة النظام المصري وفق أجندهم الخفية لترتيب العالم وفق أوليات النظام العالمي الجديد، عندما يحين بالضبط وقت إزاحة حسني مبارك، أو الضغط علي نظامه لتنفيذ أحدي قذارتهم في المنطقة. سوف يتم ذلك مثلما شاهدت كل أركان الدنيا الحدث علي الهواء مباشرةً ويتصدر كل الوسائط الإعلامية في كل العالم فور من حدوثه في توقيت موحد.


مشاهد وصور بعد مجزرة حديقة البؤساء:

قد يظن العابر بحديقة البؤساء صبيحة المجزرة بان هناك قبائل همجية من كواكب أخري هاجمت خصيصاً تلك البقعة التي تخلو من أي وجود بشري كان يسكنها طيلة الشهور الماضية فقط مِزق من كل شئ، والحقائب تبدو كبطون أبقار ناهشتها ضواري شرسة شرهة ليلاً، إنجيل ممزق وكذلك مصاحف، وكتب الأواراد والصلوات ،وأشرطة الكاست، الفنان الأمين عبد الغفار يطل من غلاف الألبوم بوجهه الريفي الذي يشبه صوته المشجن بالحنين، مبعثرة كيف ما اتفق أشرطة عقد الجلاد، ومحمد الأمين ، وأغنيات الجالوا، تعاليم الصلاة، والصبر علي البلاء، أوراق ثبوتية لا يستطيع اللاجئ التحرك من غيرها في البلد المضيف، شهادات ميلاد، خطابات، أدوات مطبخية معدنية معجونة كأن قد وطئها قطيع من الأفيال المجنونة ، بقايا أعقاب سجائر كانوا يزفرون وراءها همومهم الدائرية، وصور فوتوغرافية كثيرة ، وللصور في حياة اللاجئ نوافذ للحنين والشجن، والذكري والاجترار، قد تكون هي كل ما استطاع أن يحمله معه من قريته المحروقة من بقايا عائلته التي تحولت إلى رماد، أو لأصدقاء استشهدوا في محرقة الحرب الطويلة، أو لمفقودين يأمل أن يصير العالم قرية صغيرة كما يقولون ويلتقيهم يوما ما مرة أخري، أو لمحبوبة وعدها بالعودة بعد أن تصفو سماء الوطن، ويخلو ليلها من ونهارها من الطفابيع والعسس، أو لرفيق أستشهد قربه في بيوت الأشباح ومازال يسمع صدي هتافه المختلط بسياط الزبانية على جسده، أو لأفراد عائلتها التي تركتها وراءها وفي القلب ألف غصة ورعاف ونزيف لا ينتهي، أو لزميلات دراستها عند التخرج، أو لأبنائها الذين لا تعلم عنهم شيئا حين اقتادوهم بليل، أو لخالة، أو لعمة أو صورة جد وقور يتكئ علي عصاه التي كان يحارب بها الإنجليز..أو..أو..أو أو..أو..أو أو..أو. ..أو..أو..أو أو..أو..أو أو..أو.
عندما ينظر العابر إلي أعلي يري هالة تشبه تلك تحيط بالقديسين تمطر دماءاً ما أن تقترب زخاتها من الأرض حتى تتلاشي متفرقعة، وتخرج منها أصداءً موجعة لأنات نساء مشروخة، وصرخات أطفال فزعه كأنها رأت فجأة أمامها الغول ، وحشرجات مذبوحة، وصياح أشبه بصياح المحاصر بين النيران، وبقايا ترنيمة تبشر بالسلام الذي لم يكن علي الأرض وبالمسرة التي لم تكتمل، معلقة في الفضاء هكذا كأرواحهم المخطوفة فجأة وهي تستقبل تباشير أعياد الميلاد وأمنيات عام جديد. ثم يتردد صدي بصوت جوقة من الأطفال مازالت اللثغة بين أحرفهم يصرخون مثل أمل دنقل:
ضد من..؟
ضد من..؟
ضد من..؟
ومتي القلب في الخفقان اطمأنْ؟!


هدية العيد الخمسين لاستقلال السودان:

في الذكري الخمسين لأستقلال السودان يناير في 1956 – من الإستعمار الثنائي الإنجليزي المصري 1898ـ1956 تقمصت النظام المصري روح الوصايا والعبودية والإذدراء والإستغلال فأعد هدية اليوبيل الذهبي التي تتوافق مع ممارسات نظام الجبهة القومية الإسلاموية في السودان ومشروعها الحضاري الذي أفضي إلي قمع، وتقتييل، ونهب وإذلال، وشتات الشعب السوداني.
عندما طرقوا بوابة عبد القيوم هرول الحاجب إلي الداخل سريعاً مهللاً قال
ـ أضياف، أضياف، يا سيدي السطان.
ـ من أي البلاد؟ عرب أم أعاجم ..أم.. ؟
ـ عرب، عرب،يا سيد من أم الدنيا مصر.
ـ مصر"العشة أم القصر"؟؟
فرد بتنغيم يصحابه طرقعة أصابعة بتوقيع إيقاع رباعي ويهز معه وسطه
ـ القصر، القصر، القصر، القصر، يا سيدي القصر، ويحملون لنا الهدايا ومفرح الأخبار.
اذن لماذا ابقيتهم بالباب، مرحباً بأبناء شمال الوادي
فتقبل السلطان شاكراً وبمزيد من الرضي والتسامح تفاصيل تقتييل ستة وخمسين شهيداً حتي تاريخ التسليم الرسمي للهدية، ضحايا الابادة الجماعية الذي تمت بحديقة البؤساء للاجئين السودانيين المعتصمين بها سلمياً منذ ثلاثة شهور، مساعدة من النظام المصري الحاكم لما يتم في دارفور من إبادة عرقية بمليشيات الجانجويد المدعومة من قبل نظام الجبهة القومية الإسلاموي، ومساندة لإبادة شعب البجا أيضاً في شرق السودان، وتأكيدأ ودعماً لأواصر الأخوة والتكامل وعمق العلاقات الأزلية بين الأنظمة السياسية الشمولية لدولتي وادي النيل.

أول يناير 2006



عفيف إسماعيل
[email protected]
الموقع الفرعي في الحوار المتمدن:
https://www.rezgar.com/m.asp?i=392
الحوار المتمدن ـ العدد: 1419 ـ 3/1/2006


صلاح شعيب
مشاركات: 121
اشترك في: الاثنين مايو 30, 2005 12:06 pm

مشاركة بواسطة صلاح شعيب »

الاستاذة نجاة

شكراً علي بسط راحتنا بهذا المقال الجميل للشاعر والكاتب المبدع

عفيف إسماعيل ونأمل أن ينال العضوية ويجد قلمه مكاناً وسط الزملاء

والتحية للصديق عفيف وزوجه والاولاد وهم يرابط بمنفاه في استراليا
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

عزيزتنا الكاتبة نجاة
تحية طيبة ، والشكر لهذه المادة الثرية ،
والشكر موصول للكاتب عفيف .
ــــــــــــــــــ
أرجو أن أرفق هنا ما كتبته عن المأساة وأوردته في سودانيات
وسودانيزأونلاين وسودانايل ، بالوجه المُحزن :


كلبُ الكآبة الأسود يركُض في شرايين دَمي .

وقف شيخٌ على مِنبَره يقرأ من سورة النساء في النص القُرآني المُقدس : ـ
{ . . . (96) إنَّ الذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمي أَنفُسِهِم قَالُوا فِيمَ كُنتُم قالوا كُنَّا مُستَضعَفينَ في الأرض قالوا ألَمْ تَكُنْ أرضُ اللهِ واسِعةً فَتُهَاجِرُوا فِيها . . . .}
قالوا :
ـ كُنَّا مُستضعَفين و أرض الله واسعةً فهاجَرنا ، تعذبنا ثم متنا .
كنبات الصَّبار ، قليلٌ من الماء يُحييه والكثير يقتُله !.
استغفَرت وبكيت .
عليك اليوم أبكي جَسدي ، فأنا وطنٌ تآمرت عليه أُسود الدُنيا ، بعد أن خربتُه فئران الزمن الآسن . خلعت لهم ثوبي القديم وكان يستُرني ، وما ارتضتْ . خلعتُ لهم عِريي فاستأسدوا يَقضُمون اللحم الطّري ، وأنا أبلّ جُروحي بالقَطِران لأشفى .
كنباتٍ بريّ ينهُض في تِلال المَنافي ، رحل مني بعضُ جسدي فأرض اللهِ واسعة . انسكب الماء القاتِل على الأوردة الصغيرة والكبيرة وشُعيرات الدم ذات صُبحٍ من يوم قبل أن ينقضي العام . أسلمَ بعض الصبَّار الروح و رحل بعضه الآخر على عَجل إلى الموت ثم تبعه من لا نعلم !.
الدُنيا جالسةٌ مُبصِرة تشرَبُ القهوة و تشهَد التلفاز ، وزرافات توجعي كسيل الوديان الغاضِبة جنوب الدُنيا أو كبياض ثلوج الموت في شمال الدُنيا !.
ربي ..
أستأذِنُك لأصرخ من أَوجاعي ، فقد خانتني شجاعة صَبري وكلبُ الكآبة الأسود يركُض في شرايين دَمي كلها . يشهَدُ موت بعض جسدي كل ملائكة الغُفران ، وحاملي الأرواح ، والنأي المَلكوتي صفاً صفا .
صَرخ طفل أخضر العُودِ :
ـ ماذا يَجري يا أُمي ؟
أحِبَّة الصِغار من ملائكة اللُطف سريعاً تخَطَّفوا الأرواح الصغيرة التي لا تعلم . عاجِلاً في رحيلهم إلى المآب سيصبحون وِلداناً مُخلَدين لذوي الأرائك في النعيم المَمدُود في الكُتب السماوية .
من أين أتيت أيها الوَجع الجديد ، وفي أي جنبٍ اجتَرحت شرخاً وفي جسدي دَلفتْ ؟
من مكان ما في جسدي المُترهِل مليوناً بُلُغة الحِساب والخُسران المُبين نَضبت شراييني والشُعيرات ، فهرب بعضُ لحمِي يطلُب اللجوء عند غيري كي لا يسقُط كالطين الجَاف من كَبِدي رماد .. فأرض اللهِ واسعةً !.
فرَّت الخلايا واحدة أو اثنتين أو عائلة قطَع دابرُها سيفٌ بَتار لا يرحَم . لا مكان اليوم لصليل الحناجِر لتُغني أغنيةً .
قال شاعرٌ من جَسدي للاستقلال :ـ
ـ نُغنى اليوم يا موطِني لحريق ( المَكُّ ) في قلب إسماعيل الدَّخيل .
في غضبة شَعبي نهضت الكرامة التي لا تَدوسها أحذية البُغاة .
من ذات الجهة الشمال و من مِصرَ الصَديقة والرفيقة في أغانينا ومجد الخُرافة : عاد حليب الموت يُقطِّر من تحت قُبعة أحفاد الدفتردار !.
من موت بعض القُرى على الضفّة الغربية من جسدي أو تَحتي جنوباً ، لا يُحرِك الموج ساكِناً حين تَخرُج أصدافي إلى الشاطئ دواما . إنها القصيدة وحدها في دُجى الليل تشتَعل ، تأكُل من شمعها وتُضيء لنا الطريق .
قال شاعر آخر من جَسَدي :ـ
ـ نِحنَا السَّاس ونِحنا الرَّاس ..
دوماً يقولون ماضينا أبشَعْ أو أجمَل !
وحده العُشب من حول الصبَّار ، وقفَ وبَكى وأستنصر بالصِغار ،
فالكِبار حَيرَى على مُفتَرق الدروبِ ينظُرون !!.
يا مواجعي ..
أي صفحة من العُمر ترقُد أحشائي لأنام نومة أهل الكهف ، وأنسَ طُهري وفَجيعَتي ونواميس الكون التي لا ترحَم .

عبد الله الشقليني
4/01/2006 م
أضف رد جديد