كل شيء عن هولندا والسودان في هولندا!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

شنو السياسي والما سياسي؟!

ليه المنظمات السودانية بهولندا فاشلة؟!. بعض الناس يقول بذلك وفق خطة موعية... أو يتساءل في منتهى البراءة!...

هل هي بالفعل فاشلة "المنظمات"؟. كيف؟. وما هي مقاييس النجاح والفشل؟.

من وما هو "الزول أو الشي السوداني" الناجح في حل عن المنظمات المعنية؟!.

وقبل كل ذلك ما هو المقصود ب"السودانية" في عبارة " المنظمات السودانية بهولندا"؟..
والإجابة على السؤال الأخير الذي يبدو بدهيآ لأول وهلة أن المقصود منظمات الوجود السوداني بهولندا. وسوداني طبعآ نسبة إلى السودان "البلاد" أي الأمة nation
عند الوقوف على تلك التساؤلات بتمعن ربما حدثت مفاجئات غير متوقعة!.

---

هناك عدة وسائل علمية وعملية للتقييم وقياس الحال من "فشل و نجاح".

وفي هذه العجالة أستطيع أن آتي بالحقائق التالية (عبر المقارنة):

1- لم تستطع أي جنسية في هولندا إقامة منبر موحد (مظلة) لجميع منظماتها الهيكلية غير السودانيين بهولندا.أعني Sudan Forum

2-النشاطات العامة التي أقامها السودانيين عبر كياناتهم المدنية والسياسية بهولندا يساوي ثلاثة أضعاف ما فعل السودانيين بإنجلترا خلال العشرة سنوات الفائتة (حسب إحصائية خاصتي) والشواهد كثيرة.

3-أحد المنظمات السودانية حصلت على المرتبة الأولي (first class)
من حيث الإدارة والتنظيم والركورد المالي ومعاملة المستفيدين.

3- رئيس منبر منظمات المجتمع السوداني أنتخب وأعيد إنتخابه ثلاثة مرات ليرأس منبر منظمات جميع الأجانب بهولندا وما يزال حتى هذه اللحظة نسبة للسمعة الحميدة والإنتشار والإنموذج الحسن الذي حققه منبر منظمات المجتمع السوداني بهولندا Sudan Forum

4- ساعد منسق عام منبر السودان الموحد عدة جنسيات بهولندا في كيفية نقل تجربة السودانيين الناجحة معياريآ من أجل أن يفعلوا مثلنا في الوحدة ومن ضمنهم الأثيوبيين و النجيريين واليوغنديين والغانيين والإكوادوريين والعراقيين والصوماليين وقد نحج منهم فقط الأثيوبيين وكان من حسن الصدف أن كلفت (شخصي الضعيف) بتك المهمة من قبل منظمة أكسفام الهولندية ففعلت جهدي إضافة إلى زميلي في العمل سانتو دينق وعبد الرحيم حلاج.

5- أشادت أمام البرلمان الهولندي وزيرة التعاون الدولي السابقة (أخنس فان أردنا) بالسودانيين بهولندا ومنظماتهم وحسن تنظيمهم وذكرت بالإسم سودان فورم ونصون.

إذآ كيف يقول البعض أن المنظمات السودانية بهولندا فاشلة؟!. تلك منطقة للجدل الكبير. عند هذه النقطة هناك كلام كتير!. سأفعله. إذ أنني بعد لا أقول أن المنظمات السودانية ناجحة إلا بالمقارنة!. هناك فشل كبير وإحباط وألم ومأساة وكارثة وأحكام مسبقة لا حد ولا حصر لها!. سأتحدث عن كل ذلك لا حقآ وبإستفاضة. فصبرآ.


يتواصل... أحزاب ومنظمات ... شنو السياسي والما سياسي؟!

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال


---
من هنا سأبدأ من جديد الحديث عن "شنو السياسي والما سياسي؟! " مع تركيز على "سودان فورام" Sudan Forum

يتواصل... أحزاب ومنظمات ... شنو السياسي والما سياسي؟!

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال

محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

لدى اللنك أدناه هناك حديث تفصيلي حول برنامج و أسماء وصور أعضاء الحكومة الهولندية الجديدة (يوجد فديو باللغة الهولندية) سنتحدث لاحقآ حول برنامج الحكومة الجديدة والتي تشكلت في الأساس من العمال واللبراليين بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها اليمين المتطرف:
https://www.elsevier.nl/web/Nieuws/Polit ... abinet.htm
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


|النشيد الوطني الهولندي (Het Wilhelmus)

هو من أقدم الأناشيد الوطنية في العالم وعلى وجه الإطلاق!.
https://www.youtube.com/watch?v=uIg9VaMBi9o

يرجع تاريخه إلى العام 1568 وأصبح النشيد الوطني الرسمي في العام 1932. تحت عنوان Het Wilhelmus وهو الملك المؤسس للمملكة الهولندية الحالية (هي في الحقيقة من حيث الجوهر جمهورية "ديمقراطية" منذ حوالي مئة وخمسين عامآ خلت)... النشيد فيه بعض الغرائبية نسبة لقدمه والملابسات التاريخية التي حاقت بفترته الزمنية.

أدناه أحاول ترجمة بعض مقاطعه الأساسية إلى العربية وفق طريقتي الخاصة وسأعمل لاحقآ على ترجمته كاملآ (بالحرفية الممكنة) لما به من معاني:


ها أنا وليام ناسو ..، من جذور جيرمانية

أدافع عن المدينة الاصيلة حتى آخر رمق...

انا أمير الأورانج... أنا حر ...و لا أخاف الحاكم الاسباني... لكني قدمت له الولاء والطاعة...

انت يا سيدي الرب ... يا إلاهي: أنت درعي الذي أستند عليه ... عليك آمالي... لا تتركني للتجربة... أنا سأبقى خادمك يا رب كل الزمان ... أرجوك ألطف بي ونور قلبي.

---
كاتب النشيد غير معروف على وجه الدقة لكن لحنه الموسيقار: Adrianus valerius
1575 – 1625
و.. هنا تأرخة مفصلة للحدث باللغة الإنجليزية:
https://www.dordt.nl/diversen/wilhelmus/english.htm

محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

القطاع غير الربحي بهولندا "منظمات المجتمع المدني" بحث جرى في العام 2001 بالتعاون مع
جامعة جونز هوبكنز*

www.scp.nl/english/dsresource?objectid=22125

* سألقى الضوء على هذه الورقة وأقارنها مع أوراق وأبحاث أخرى أكثر حداثة كما سأتحدث عن قوانين وأدوار ونشاطات منظمات الجاليات الوافدة إلى هولندا ومن ضمنهم السودانيين وتواصلآ مع التيمة الجزئية التي أعمل عليها هنا تحت عنوان "أحزاب ومنظمات ... شنو السياسي والما سياسي"

محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

الكرة الشاملة من إختراع الهولنديين!

من أعظم لعيبة كرة القدم في العالم وعلى مر الأزمان هو الهولندي يوهان كرويف " Johan Cruyff (1964-1984)" بجانب بيلي البرازيلي وباكنبور الألماني وماردونا الأرجنتيني

https://www.youtube.com/watch?v=vLN7BaB1 ... ure=fvwrel

كما أن الهولنديين هم أول من أخترع ما عرف بالكرة الشاملة حيث أبتكرها المدرب رينوس ميشلز Rinus Michels في بداية السبعينات . لذا ربما ليس غريبآ أن نجد أن كثيرآ من مدربي كرة القدم الكبار حول العالم هولنديون.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

Alexine Tinné (1835 – 1869) visited Sudan in 1862 ( Haags Historisch Museum ).
https://www.facebook.com/media/set/?set= ... 921&type=1
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

الخواجات وملحمة ود الأمين الإكتوبرية

حاجة صغيرة لكنها غريبة عندي لم استطع لها تفسيرآ علميآ واضحآ بعد، ذاك أن كثيرآ من أصدقائي وجيراني من الهولنديين يطلبون مني كلما حانت المناسبة سماع "مالهما" ويقصدون: "ملحما" ملحمة أكتوبر لمحمد الأمين ... (طبعآ بعد أن سمعوها من قبل عندي) فأحبوها بإحساسهم عكس كل الغناء السوداني الآخر الذي أسمعت لهم من قبل برغم أنهم طبعآ لا يفهمون الكلمات ولا يعرفون شيئآ عن الأمر برمته إلا بعد أن أخبرت بعضهم لاحقآ... يا ترى ما هو السبب؟!.

خطر لي لوهلة أنه الإيقاع وتلك الموسيقى الحية المتفجرة ثم أنه إحساس الثورة "الخيال الإنساني" في أبهى رومانسيته ... الحلم الرهيب.... وهذه هي الملحمة واليوم هو يوم الثورة 21 أكتوبر فلنسمعها من جديد في ذكرى يومها:

https://www.youtube.com/watch?feature=pl ... 8MW8XQfic#!

وعندما جاءتني مرة إحداهن على أثر مناسبة محددة فطلبت سماع "مالهما" ففعلتها لها فلما انتهت أمرتني بإلحاح قائلة: nog een keer وتعني مرة ثانية... فوجدتني أعيد لها "مالهما" وفق أمرها وتتساقط من عينيي الدموع من وقع مشاعر كثيفة مختلطة منوعة و"مشربكة" لا أستطيع لها فهمآ ولا أستطيع منها فكاكآ... فبكيت... بكيت كل الوقت... وأنا رجل لا يخجل من الدموع بل يحتفي بها!... فلما ذهبت عني تلك المرأة إلى شأنها أعدت سماع ال "مالهما" لوحدي من جديد وبكيت nog een keer.

هل هناك سر؟!.

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


قصة موت أبي حين لم يمت!

1-3

الفكي جمال الدين هو أخي من أمي الأولى "الشفة بنت الباترة" وهو الأخ الأصغر في أسرته. وسماه أبي "الفكي" تيمنآ بجده الكبير الفقيه فضل الله.

درس الفكي الهندسة بمعهد الكليات التكنولوجية وتخرج في حدود العام 1969 ثم عمل ثلاث سنوات بخزان سنار قبل أن يغادر إلى السعودية حيث عمل لدى شركة إبن وخيضر في الرياض حتى العام 1982 وقد ساهم بجهده في تأسيس هيئة البريد السعودية وقليلآ وأستقل بذاته مشاركآ بالأصالة في شركة إبن وخيضر للمقاولات.

في العام 1982 قرر مغادرة السعودية والعودة نهائيآ إلى السودان بغرض الإستثمار في مجال النقل البري والزراعة. وتأصيلآ لهدفه في الإستقرار بكل معانيه الممكنة فقد خطب من على البعد أحد بنات أعمامه من قرية اللدية الشيخ حبيب الله . وفي طريقه إلى الخرطوم قرر وفق خطة مسبقة المرور عبر روما وأمستردام بهدف شراء عدد من الشاحنات من ماركة فيات وطلمبات ومضخات للري.

في الأيام السابقة لتاريخ رحيله زار عدة مدن في السعودية بغرض تصفية أعماله ووداع أصدقائه من السودانيين والسعوديين وانتهى بمكة المكرمة ثم هم بمغادرتها إلى الرياض بسيارته الخاصة عبر مدينة الطائف عابرآ شعاب جبالها الضخام وذاك قبل يوم واحد من التاريخ المقرر لرحلته إلى الخرطوم عبر روما فأمستردام وكان بصحبته باكستانيان.

عمل الفكي أيضآ في إستقدام عمالة لمهن مختلفة من السودان أيام فورة النهضة الإقتصادية الجامحة بالمملكة العربية السعودية، وتحديدآ من جبل أولياء "شرق وغرب" والكلاكلات والسجانة والديوم وسنار وبعض قرى مشروع الجزيرة. وكان أحد أهم معاونيه في تلك العملية رجل همام من اللدية الشيخ حبيب الله هو "الهادي الشيخ حبيب الله".

كان للفكي مكانة خاصة عند أبي لعدة أسباب من أولها أنه الإبن الأخير "الحتالة" من شريكته الأولى. والأسباب الآخرى ذاك أن الفكي رجل متعلم ومثقف ولطيف الطباع كما أنه نشط ومنتج إضافة إلى كونه ساهم بفاعلية في مسئولية تربية وتوجيه وتعليم أخوانه الجدد "أشقائي وشقيقاتي" وقد تزوج أبي من أمي وهو في حوالي السبعين من عمره وكان آنها الفكي عند المرحلة الثانوية

2-3

هل هناك جريمة؟!

توقف ركب الفكي جمال الدين على سفوح جبال الطائف مرة واحدة وإلى الأبد. لقد مات إثر حادث حركة ما!. توفي وحده ولم يصب من معه "الباكستانيان" بأذى بل ولم يخدشا!. ترددت أقاويل حول جريمة مدبرة، غير أن التحقيقات المضنية لم تفضي إلى شيء واضح.

في أحد الأيام وعند الصباح الباكر شعر أبي وهو في خريف العمر، بألم في صدره وصداع حاد. وبينما بدأ يتحلق حوله الناس أمرني شقيقي الأكبر بالذهاب إلى المدرسة كالمعتاد، ففعلت. كان هناك شيء ما يخيم على الآفاق!.

عندما عدت نهاية اليوم من المدرسة رأيت من على البعد الجموع الغفيرة تتقاطر وتتدافع وتتزاحم نحو دارنا... وهناك بكاء وعويل وصراخ يشق الآفاق. كان مشهدآ جليلآ في إهاب الرعب.

كنت على يقين من أن أبي قد مات. كان في خاطري هو الشخص الوحيد في دارنا المؤهل لتلك المهمة الفادحة. حتى إذا ما وصلت أعتاب الدار رأيت أبي واقفآ على أمشاطه يرفع "يشيل" الفاتحة أمام أفواج الرجال المتدافعة في لباسهم الأبيض... أصبت بصدمة بالغة في لجة مشاعر متلاطمة من الدهشة والفرحة والتوقعات المفتوحة بلا أفق. فطفقت أجري في أنحاء الدار أتفقد أهل البيت. كانوا لدهشتي كلهم هناك. إذن ماذا؟!. كنت صغيرآ بحيث لا أحد يهتم بي في مثل تلك اللحظات العظيمة. جلست على الأرض في أحد زوايا البيت وأنا مبهوت تمامآ لا أقوى على شيء. لا أفهم!.

لم يخطر ببالي أنه الفكي !... لم أكن بتلك السعة من الخيال!.


3-3

لم أر أخي الفكي وإلا وأنا صغير بطريقة لم تمكنني ذاكرتي من لملمة هيئته بالكامل. قال لي أبي مرة أن: "الفكي سافر بالطيارة". لم يكن لي تصور موضوعي عن الطائرة، فقط آراها من حين إلى آخر تحلق في السماء. إذ لم يكن لدي تصور محدد عن كيفية إقلاع الطائرة وهبوطها من جديد على الأرض. كنت أخالها تذهب إلى النجوم. وربما كانت "السعودية" نجمآ من تلك النجوم البعيدة حيث ذهب الفكي ومن هناك يرسل لأبي الفلوس ويرسل لي أنا الشوكلاتة. وفي زمن آخر متقدم أرسل الفكي مرة رسالة قرأها لي أبي يقول فيها أنني إن حصلت على المرتبة الأولى على الدفعة في إمتحان الشهادة الإبتدائية سيرسل لي "موتر" من السعودية. وقد حدث ما أراده الفكي لكن أبي رفض فكرة "الموتر" بإعتبارة خطرآ على ولد درويش في حالتي وهذا الأمر أحزنني عدة سنوات لاحقة.

عندما جاء خبر وفاة الفكي بتلك الطريقة الدرامية لم أصدق أنا وأعتبرته خبرآ كاذبآ أو مبالغآ فيه، فالفكي لا يموت!. لا بد أنه يربض مبتسمآ في نجم من تلك النجوم اللامعة وهو يلعب معي لعبة "الدسوسية" ... ثم أصبح عندي مثله والإمام الغائب لدى الشيعة. ولا شيء جديد!... فهو عندي في كل الإحوال والظروف مجرد إسطورة صاخبة تسكن خيالي منذ أن رأت عيناي النور فلا شيء جديد... فقط أصبحت الفكرة المجردة أكثر أصالة في غرائبيتها!. وما عزز تلك الفكرة أكثر هو أنهم لم يأتو بجسده إلينا في السودان بل واروه الثرى بمكان ما حول "مكة" كما تقتضي بعض الأعراف والمثل الدينية في مثل تلك الحالات.

نعم، لم يكن عندي ابدآ أن الفكي بشرآ كالبشر ولا شيئآ كالأشياء المعهودة إنه أمر خارق للعادة. وفي مرة من المرات فهو طيف شفيف لكنه فعال ويستطيع كل شي!. كان حلمي أن أتحول إلى إسطورة بالضبط مثل الفكي. ذاك ربما كان أمرآ طبيعيآ في حالة طفل في عمري. غير أن المدهش أن يكون ذاك هو نفسه حال أبي وتصوره لمشهد إبنه في قبضة الموت اللئيم. كان لا يصدق!. ثم رفض إستلام ورثة الفكي من الأموال. رفض أن يستلمها بيده. كان يبكي دمعآ سخيآ. كان أبي صوفيآ من النوع الأصيل "القادري" المخضرم. ترك الرجال جوالآ زنة ثلاثين كليوجرامآ من الريالات السعودية في صحن الدار ثم ذهبوا. بعد عدة ساعات وضع أبي "القروش" مئات الآلاف على أحد الأسرة وغطاها بالقماش على هيئة جنازة. ثم رآه بعض الناس يهم بحرقها فمنعه أحدهم من أن يفعل. قائلآ له: "هذا ملك أخوانه وأخواته". فصمت أبي ثم ذهب إلى خارج الدار... كان مشهدآ موجعآ.

وقرر أبي لاحقآ التصدق بكل تلك الأموال من أجل روح صاحبها في السماء. وما هي إلا عدة شهور وأختفت تلك الأموال مبعثرة في أيادي الأقرباء والغرباء... كان بيتنا لعدة شهور يعج بالناس من كل شاكلة ونوع حتى أنقضت "القروش" فأنفضوا لا يلوون على شيء. ولم يكن أحد من أشقائي آنها في عمر يأهله لإتخاذ أي قرار من أي نوع تجاه ورثة الفكي. وكان أبي سعيدآ بزوال المال!. أحسبه لم يرفع فراش "مأتم" إبنه وإلا بعد أن تبعثر في الفضاء آخر ريال من الريالات التي أرسلها الفكي بعد حادثة إختبائه خلف النجوم.

في مرة من المرات وأنا في المرحلة الثانوية فتحت متلصصآ الصندوق الذي يحفظ به أبي الرسائل التي أرسلها الفكي... أطلعت على خططه المستقبلية وطموحاته وهواجسه الإنسانية وقرأت آخر رسالة متمعنآ في الأفكار التي حوتها ومن ضمنها إعتذاره لأبي عن أن الوابور "طرمبة المياه" التي أرسلها لأبي آخر مرة لم تكن هولندية من حيث الصنع بل هندية فقط الماركة هولندية لهذا لم تعمل بشكل جيد كما أخبره أبي في رسالة سابقة. ووعد أبي أنه في الطريق بنفسه إلى هولندا حيث قرر إبتياع ثلاثة وابورات أصيلة من بلدها الأصيل لا السعودية التي تستورد مثل تلك الآلات من الهند والصين. كنت من بعدها كلما أرى خريطة العالم أتذكر تلك الرسالة فأنظر إلى خريطة هولندا. حتى جاءت بي الأقدار إليها ورأيت بعيني كيف كان الفكي جمال الدين محقآ في تصوره!.

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الثلاثاء سبتمبر 17, 2013 9:12 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

الطعام في هولندا "الأكل" أي العضة : )

صورة

الأجبان والبطاطس والحليب والهارنق همو الحدث الأول في هولندا. و هناك مفاجآت ومفارقات ربما كانت غير متوقعة!.

يتواصل...

الطعام في هولندا "الأكل" أي العضة!

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال


محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


قواعد العشاء الهولندي ... قصة من وحي عشاء اليوم مع أسرة هولندية ...(منقول من صفحتي على الفيسبوك)*.

مساء اليوم كنت في زيارة أسرة هولندية صديقة ... مدعو إلى العشاء. سبق أن تعرفت على الأم منذ عدة سنوات خلت عبر تعاوني العملي مع منظمة "كووس" الهولندية وهي منظمة تعمل في الأساس برسم الخطط والإستراتيجيات للحكومة والبلديات الهولندية كما تعمل كرابطة أهلية بين مؤسسات الدولة الرسمية فيما بينها من ناحية والكيانات المدنية "الشعبية" من الناحية الأخرى. الآن هي تعمل بالغرفة التجارية الهولندية. ثم عرفتني الأم لاحقآ ببقية أفراد أسرتها. الأسرة الوادعة مكونة من الأم "طبعآ" و أب بالمعاش بعد أن عمل 38 عامآ بوزارة العدل الهولندية وبنتين 23 و19 عامآ. الفتاتان ما تزالان بالجامعة، الأولي بجامعة دلفت (هندسة) والثانية بلايدن (قانون دولي).

البنت الصغرى عندما كان عمرها 17 عامآ ذهبت في دورة تدريبية إلى دولة ملاوي لمدة 9 أشهر كاملة. فسألتها مرة متعجبآ: كيف أستطعتي أن تعيشي كل ذاك الوقت لوحدك وانت في هذا العمر وفي بلاد بعيدة وغريبة وذات ثقافة مختلفة. فردت بحزم: "عادي جدآ، أنا مدربة، لقد كانت رحلة موفقة". ولم يكن من بعدها عندي الكثير لأقوله.
هذه المرة مثل كل المرات العديدة السابقة اتصلوا بي هاتفيآ قبل عدة أيام يدعونني إلى العشاء الأسري هذا اليوم "هذا الأحد 18 نوفمبر 2012".

وسألوني ماذا أحب أن آكل "؟". فتشاورت قليلآ مع الأب وقال أنه يحب نوع محدد من "المحار" فتضامنت معه وطلبت مثل طلبه. وعلى كل حال أنا آكل كل شيء حي يخرج من البحار والأنهار بما في ذلك التماسيح والضفادع والثعابين. كانت دعوة روتينية. كل شي كان عاديآ لا شيء مختلف غير شيء واحد صغير لكنه ليس سهلآ بالنسبة لي!. وهو أنهم يودون سماع موسيقى سودانية هذه المرة. على المرء أن يختار ما يناسب الحالة. ذاك ما خطر لي!. لذاك السبب أستعنت ببعض أصدقائي على الفيسبوك فاقترحوا علي في العام والخاص مقاطع موسيقية بعينها. وكان عملآ موفقآ.
فاسمعتهم حافط عبد الرحمن أربعة مقاطع موسيقية وثلاثة أغان لعبد القادر سالم وأغنية واحدة دلوكة لإنصاف مدني و الكانداكا لفرقة ساحور وما إتعودت أخاف من قبلك للهادي الجبل. ولو أن هناك شيئآ لم أنتبه له وذاك أن بعض المقاطع الموسيقية والتي تصادف أن حازت على أكبر قدر من الإعجاب غير معرفة بالإسماء على الإنترنت وهي للموسيقار حافظ عبد الرحمن. لم أكن لأتصور أن أحدهم سيسألني عن إسم أو خلفية المقطوعة الموسيقية، لكنه حدث!.
كل شعب من الشعوب عنده طريقته المختلفة كثيرآ أو قليلآ عن الشعوب الأخرى. كما أن الطبقات والفئات الإجتماعية المختلفة عندها طرقها المختلفة بعض الشي في إطار الثقافة الجماعية الواحدة. لكن هناك قواعد وآداب إجتماعية ومستحبات أو مبغضات شبه مجمع عليها في هولندا.

من أهم القواعد في هذه الحالة (دعوة عشاء مع الأسرة أو الأصدقاء) أن يأتي الإنسان في الميعاد المحدد أو المناسب. في هذه الحالة فهو بين الساعة الخامسة والنصف والسادسة والنصف كحد أقصى. التأخير أمر مقلق جدآ كون الناس يهدفون إلى المشاركة في المائدة وهي أهم لحظات الحميمية والود في هولندا. القاعدة الثانية أن لا تجلس إلى المائدة ما لم يتم النداء إلى ذلك وليس من المحبذ أن تختار موقعك بنفسك من المائدة حتى يؤشر إليك أو يؤذن لك. القاعدة الثالثة لا تبدأ الأكل قبل الآخرين.

القاعدة الرابعة لا تأخذ من الطعام على طبقك أكثر مما تطيق... عندما يبقى طعام على طبقك دون أن تستطيع إتمامه فقد يعني أن الأكل غير شهي وهو أمر محرج لمن حضر الطعام كما أن ذلك يجي ايضآ من مثل مسيحية قديمة وعتيقة تحض على إحترام الطعام وتقديسه. القاعدة الخامسة لا تدخن التبغ أبدآ بينما بقية الناس مازالوا على المائدة لم ينتهو من طعامهم بعد. القاعدة السادسة لا تعلق ابدآ على طريقة أكل أو شرب الآخرين.

القاعدة السابعة والأخيرة لا تتحدث في السياسة أو البزنس أثناء الأكل فتلك اللحظات للأسرة وللصداقة وللود وغالبآ ما تكون هناك ميكنزمات تلقائية لمناقشة وحل المشاكل الأسرية الطارئة. وربما كانت هناك قاعدة ثامنة وهي أنه في الضد من الشفافية الإجتماعية التي يتعامل بها الهولنديون في اليومي ففي الطعام وحده: لا... وجب إما تصمت أو تتحدث عن حسن الطعام مهما كانت رداءته. كما أن القطيعة "النميمة" أثناء الأكل من العادات الهولندية السيئة مثل عديد الشعوب... إذ ليس مبغوضآ ضمنيآ أن تقطع في الناس الآخرين أثناء العشاء... سيسمعك من معك على المائدة بشهية!.

عندما تدخل المنزل عليك أن تحي أفراد الأسرة جميعآ وكل بطريقته. ففي حالتي اليوم فقد وجدت أفراد الأسرة ومعهم إمرأة أخرى وبنتها في العشرين من العمر. فتحت لي ربة المنزل الباب وضمتني إليها بطريقة الجدات "الحبوبات" السودانيات ولو أن الخواجات ما فعلوا يحضوننك كليآ (يدخلون بالجسد كله في الحالات الحميمية الخالصة، ليس معهود عندهم العناق مثل ما عندنا في كل لحظة!) وفي الحقيقة هم يسالمونك باليد "راحة الكف" فقط أو هو الأمر الشائع... (دائمآ أتحدث من واقع تجربتي وملاحظتي الذاتيتين)... وهناك طبعآ التحية عبر القبلات (ثلاثة على الخدين) الرجل يسالم المرأة والمرأة تسالم المرأة الأخرى عبر القبلات. لكن ممنوع غير ممكن أن يقبل الرجل الآخر في الأحوال الطبيعية. الرجال في العادة لا يحتكون بأجساد الرجال الآخرين كما هو عندنا في السودان "هنا عيب"!. كما أنك لا تسالم عبر القبل أي إمرأة أو بنت غريبة وبلا مناسبة لا بد أن تكون معرفة سابقة بالنسبة لك وإلا تصافحها باليد فقط أو تقول "هاااي" من على البعد.
إذ الذي حدث اليوم وفق هذا الفهم إنني حضنت الأم على طريقة "الحنية" السودانية وقبلت البنتين على الطريقة الهولندية وصافحت الأب باليد لكن بحرارة كما صافحت المرأة الضيفة وبنتها باليد فقط معرفآ عن إسمي (ليس من اللائق أن أسلم عليهما أي أحييهما عبر القبل) إذ تلك أول مرة ألتقيهما. كما أن السلام "التحية" عبر القبل ذاتها درجات من حيث الحميمية والشدة إذ تحدث في تقابل طردي مع نوعية العلاقة ودرجتها... وفي العادة لا تنطوي تلك الطريقة من التحية على أي معان جنسية في الثقافة الهولندية وعلى وجه الإطلاق (إنه سلام والسلام).
وعندما تهم بالخروج تفعل نفس الشيء عند لحظة الوداع (سلام الوداع) ولكن هذه المرة ودعت المرأة الغريبة وبنتها أيضآ عبر القبل كوني تعرفت عليهما أثناء العشاء وبدأنا نكون كأصدقاء أو بالأحرى معارف... ذاك أصبح أمرآ لائقآ بل ومطلوبآ! . وعادة ما يجلس الناس على المائدة لمدة ساعة وربما ساعتين بعد الفراغ من الأكل ثم كل يذهب في شأنه... وهكذا دواليك.

تلك كانت خاطرة مقتضبة من وحي عشاء اليوم "الهولندي" وعندما أدعو أنا بدوري أصدقائي من كانوا إلى منزلي للعشاء أتوقع منهم أن يحتكموا للطريقة السودانية في كل الممكن من الأشياء!.


يتواصل...

الطعام في هولندا!

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال

https://www.facebook.com/pages/%D9%85%D9 ... 0119046552
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

بيبرلاند ... بلاد الورق (بلاد الكلام) أو نظرة في سايكلوجية الذات الحرة... حلقة "1"

عندي تصور أن أكثر شعب على وجه الأرض يسرف في "الكلام" هم الهولنديون ولا ينافسهم في ذلك أحد. كما أن أكثر شعب ماهل وهادي وبطيء في أوروبا قاطبة ربما كانوا أيضآ هم الهولنديون!. ليس الشعب وحده بل الحكومة "الدولة" أيضآ تتحدث "تنضم" كثيرآ، كثيرآ، كتيرآ جدآ. الشعب يتحدث مع بعضه البعض ويتحدث مع نفسه. والحكومة تتحدث مع الشعب وتتحدث مع نفسها . كلام، كلام، كلام كثيرآ كثيرآ كثيرآ جدآ. الحكومة تتحدث مع الشعب في الأساس عبر "الورق" الرسائل البريدية. قد لا يستغرب الهولندي ولا يصيبه العجب وينظر إلي المسألة بحكم العادة كأمر طبيعي إن وجد كل يوم خمسين رسالة في بريد منزله من الدولة بمصالحها ومؤسساتها المختلفة وتحديدآ البلديات ومصلحة الضرائب كما أن ليس مصادر الورق الدولة وحدها بل أيضآ من جهات لا حصر لها: العمل، شركات السكن، وشركات أخرى عديدة ومنوعة مثل منظمات إستخلاص الديون والمزيد. حتى أسمى بعض الفكاهيين هولندا ببلاد الورق "بيبرلاند" تحريفآ لإسمها بالهولندية "نيدرلاند" أي الأراضي المنخفضة.

حركة المرور في هولندا أبطأ مقارنة بجيرانها من الدول الأخرى (كل أنواع السيارات والبصات والترامات والقطارات) اٌقل سرعة من نظيراتها في الدول الأخرى. هناك لوحات على الطرقات تحدد لك سرعة السير في كل مرة بما في ذلك الطرق السريعة. هناك كاميرات في كل مكان تتجسس أؤتماتيكيآ على حركة السير وتلتقط صورآ ترسلها إلى مراكز الشرطة تتضمن نمرة السيارة المحددة يتم بموجبها توقيع العقوبة على المخالفات المرورية وهي في الغالب عبارة عن غرامة مالية. حركة السير داخل المدينة محددة ب 50 كيلومترآ كحد أقصى. ويفضل أن لا تستخدم السيارة بل المواصلات العامة أو الدراجة الهوائية. هناك أحزاب سياسية يرتكز برنامجها الإنتخابي في الأساس على تخليص المدن من "عوادم" السيارات بشكل نهائي . في معظم المدن الهولندية الكبيرة يمنع دخول السيارات الخاصة إلى مركز المدينة.

هنا نتحدث عن المهلة بمعناها الحرفي أي العضوي. هناك أنواع أخرى للمهلة أنواع عديدة. مثلآ عندما تذهب إلى البنك أو أي مؤسسة رسمية أو شعبية ويتصادف أن يكون أمامك آخرين (صف) سيرة بلغة الخليج فإن الموظفة (دعها تكون أنثى هذه المرة) فإنها ستجلس مع الزبون كل الوقت حتى يقول كل ما عنده وتقول له كلما عندها بكل هدوء وقبلها تستقبله بمنتهى الود لبعض الوقت ثم في الختام تودعه بالكلمات الجميلة وهي مبتسمة في غاية الرقة ومشرئبة العنق حتى لتخالها في حالة عشق وهيام. ما أدهشني أول مرة أن الناس (في الصف) لا يتذمرون وينتظرون دورهم في منتهى الرضاء والهدوء (الدنيا ما طايرة). ويتكرر هذا المشهد مع الكل بذات القدر، كل الوقت وفي كل الحالات. أمر غريب!. المفترض أن هولندا دولة أوربية صناعية مزدهرة وتمثل جزءآ لا يتجزأ من منظومة "الهكتك" الغربية (الهكتك = السرعة مع القلق). لكن في هولندا، لا... لا بد أن هناك سر؟!.

لم أشهد الناس في هولندا كما شهدتهم في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا يركضون في الإتجاهات المختلفة في سرعة البرق. عندي تصور أن هناك أسباب محددة لهذه المهلة لدى الهولنديين عندها علاقة بطبيعة الإقتصاد الهولندي المنوع المصادر والمريح كما أن النظام الهولندي نظام إقتصاد مختلط (مزيج) بين الرأسمالية المدجنة والإشتراكية المدجنة بدورها وفي مثل هذا النوع من الإقتصاد "لو جريت جري الوحوش غير رزقك ما تحوش". ذاك عندي هو مصدر المهلة الأساس إضافة إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية ومن ضمنها صغر مساحة هولندا وخوف أهلها من التلوث البيئي ذي المصادر الصناعية المختلفة كما خوفهم من البحر وذوبان الثلوج ودستة أخرى من المخاوف التي تجعلهم يمشون بهدوء ويفكرون بهدوء و" الخواف ربى عيالو" وعندهم في المثل الشعبي "هولندا صغيرة ففكر كبير". وعندنا في السودان نقول "المهلة سمحة" مع أن الهولنديين ممهولين فوق عديلهم ولذا ترك السودانيون المهلة وأدركوا واقعهم الذي يلفه البؤس من كل ناحية وصوب... ويرزح الهولنديون في مهلتهم بلا حساب.

كل ذاك الورق وكل ذاك الكلام الشعبي والرسمي جذوره في هذه "المهلة" وكلمة مهلة كلمة عربية فصيحة مستخدمة عندنا في السودان في اليومي بكثافة بمعنى (السير والحركة والتحدث بهدوء وبشويش) ومهلة (إسم بت خالي) وهذه الكلمة موجودة أيضآ في اللغة الهولندية
Respijt
و في الإنجليزية
Respite
الهولنديون يتكلمون... يعشقون الكلام ويكرهون الصمت... هناك مزيد من الأسرار بجانب المهلة التي تحدثنا عنها آنفآ... ولدى هذه النقطة أدعوكم للإطلاع معي على مقطع من قصتي وسيلفيا التي كتبتها قبل عام ونصف خلون... ربما أكتشفتم عندها أن الكلام عنده معاني أخرى أخطر مما تصورناه أول مرة ولا تنطبق عليه هذه المرة أي أقوال ماثورة ومنثورة على قارعة الطريق من قبيل "إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب" و "الصمت حكمة .. والكلام نقمة " ... هذه المرة: لا!. هذا الكلام هذه المرة من ذهب والصمت رماد!. إنه الشفافية وصفاء الذات وعدم إنفصامها... ذات غير مقموعة... ذات لا رقيب عليها ولا عتيد... ذات حرة باطنها هو ظاهرها والعكس صحيح... لذا يكون الحديث هو ذاتها... تتحدث في العلن (لا سرآ) عن كلما يخطر لها وكلما يجول في دواخلها... ذات تتعرى في الفضاء الحر بلا حدود عبر الكلام وعبر اللغة وعبر الإشارة وعبر الفكرة وعبر الجسد. نقرأ لطفآ مشهد 5 "أدناه" من "سلفيا" ونواصل من بعده لاحقآ في سايكلوجية الذات الحرة:


مشهد "5" Mijn Man Kan Alles راجلي بقدر إعمل كل حاجة حتى المستحيل!. (سلفيا تثرثر مع أمها من تلفون القصر).


مرت ثلاثة أسابيع ونحن نعيش ونخدم بنجاح في بيت السيدة نيللي. ننام ونصحو. نغيب ونحضر. وسلفيا تطعم الأسماك وتغسل الأحواض بمادة زرقاء من فصيلة الكلور. وأنا أعتني بالخيول وأدللها من حين إلى آخر وأتأمل الوحش الأسترالي الوديع. بينما أطوع المهر الجامح "بيرا" وأروض المهرة الجامحة "سلفيا" بنجاح لا يخطأه البصر.

وعند الإسبوع الثاني تعرفنا على نادي الحي عبر جارتنا اللطيفة "كاثرينا" وصديقها المهندس "ليونارد". لعبنا الورق والدومينو والبلياردو وكرة المضرب والشطرنج (لعبتي الأثيرة) . والمرة الوحيدة التي ألعب كرة قدم كانت عند مباراة ودية لكنها ساخنة بين فريق حي قصرنا وفريق من حي مجاور بين أهله وأهل قصرنا ثارات كروية قديمة. فتهيأ لي عبر مصادفة نادرة ان أحرز هدفين وأنتهى الماتش 2 ل 1 لمصلحة فريقنا. كنت لوهلة أشعر بالفخر والسعادة كوني نجحت في مجال بعيد من هواياتي الأساسية. صفق لي الناس وعانقتني سلفيا طويلآ وهي لا تحتاج الأعذار لعناقي. وذهبنا ذاك المساء نحتفل في أحد ملاهي هانوفر . فرقصنا وسعدنا ونحن نتبادل الأنخاب. وسلفيا تسقيني التكيلة بالملح والسترون. وحكت لي سلفيا أن الفتيات في الملهى قلن لها أن صديقها وسيم بطريقة غير محتملة ويبدو أنه راقص محترف يتمايل بسلاسة ويتقافز كالنمر. ورددت سلفيا ببرائتها المعهودة: "أنا أكرههن، كن يراقبنك أين ما ذهبت".

سلفيا فتاة رومانسية بطريقة غير ممكنة. لم اقرأ في الكتب ولم أشاهد في الأفلام السينمائية ولا سمعت عبر وسيلة من الوسائل أن كائنآ مثلها يكون حقيقة!. خلال كل الحياة التي عشتها معها لم تكذب ولا مرة واحدة ولم تكذبني ولا مرة.

أذكر مرة أنني وجدت كنزآ قيمآ في احد أدراك نيللي. كانت هدية من السماء: كتاب قديم عن ترويض الخيول الجامحة تحت عنوان "How To Tame and Train Wild and Vicious Horses" لا اذكر إسم مؤلفه لكن كان به معلومات قيمة ويتحدث عن طرق سهلة لترويض الخيول الجامحة. ولا ننسى أن نيللي بإعاز من سلفيا قد ورطتني في مهمة شبه مستحيلة وهي تطويع الحصان الجامح بيرا والذي أعرف أنه ربما يتسبب في قتلي إذا ما ورطت نفسي في أي غلطة فادحة معه. لكنني عازم على تطويعه. فأنا لا أحب أن أخذل أحدآ. فعكفت ثلاثة أيام أطالع الكتاب الذي من خلاله أستطعت أن أنجز المهمة بطريقة باهرة أسعدت نللي في نهاية المطاف فأجزلت لنا العطاء. ولذات السبب دعتني السيدة نيللي للمجيء إلى تكساس الأمريكية في وقت لاحق، لكنني لم أفعل!.
غير أن قراءتي للكتاب لم تكن بلا ثمن!. فقد غضبت مني سلفيا عدة مرات بإعتباري لم أعد أهتم بها ووجدتها مرتين تبكي فوق الأرجوحة كونها تشعر بالأسى لغيابي عنها عدة ساعات في اليوم لمدة ثلاثة أيام وانا أقرأ الكتاب ولو أنها كل الوقت كانت تربض بجانبي وكثيرآ ما كانت تقاطعني بلا أسباب موضوعية وتحك قدمها بين الفينة والأخرى على قدمي.

وعندما بلغت سلفيا من التذمر أقصاه أخذت مني الكتاب عنوة ورمته بعيدآ وهي تقول لي: " أنت لا تحتاجه فأنت صائد تماسيح فما أسهل صيد الخيول على وحش مثلك"!. وكنت قد رويت لسلفيا في زمان سابق حكاية خرافية من أيام الصبا حول صيد التماسيح تنطوي على كثير من الخيال. ولكي أستطيع إكمال الكتاب أخترعت لها خدعة صغيرة فحواها أنني أقرأ الكتاب من أجل الحصول على معلومات صغيرة تتعلق بسلامة الحصان فأنا أخشي مني أن أكسر رقبته فصدقتني!. وسمحت لي بإتمام الكتاب. ووعدتها في المقابل أن أنفذ وعدي لها بأن أعلمها أنواع السباحة التي أجيد وهي عديدة. فسعدت أيما سعادة وهي تعلم أن أمي ولدتني فوق ظهر موجة نيلية صيفية في قلب جزيرة أم أرضة قبالة جزيرة رفيدة من جبل أولياء حيث تتعايش الناس والتماسيح ويبادلون بعضهم البعض التحايا والأشواق. فعلمتها فنونآ من سباحة الصدر والظهر والفراشة والحرة. وعانقتني مرة في المسبح حتي كادت أن تغيب أنفاسني.

عند سلفيا مقدرة فذة على التلاصق والكلام. فإما يدها في يدي أو عينها في عيني وإلا هناك مشكلة. إن لم نكن على تلك الحالة فهي عادة ما تحسبني غاضب منها أو ما عدت أحبها مثل السابق. وعند لحظة الطعام وأثناء الأكل تلاعبني بأقدامها على أقدامي من تحت الطاولة. وإذا ما حدث أن نهضت أنا عند منتصف الليل من أجل الذهاب إلى دورة المياه فأنني عادة ما أحتاج لعدد مقدر من الدقائق كي أفرز نفسي منها وأستطيع أن أتعرف على يديي وقدميي من يديها وقدميها.

وسلفيا تخاف الصمت. هناك مشكلة في الصمت. هي لا تعرف أبدآ أن تحدث نفسها في الداخل. هي شفافة لدرجة أن هواجسها الحقيقية وحقدها كبشر وغضبها وطمعها وجشعها ومؤامراتها وكل ما يحرص البشر العاديون على إخفاءه هي تعلنه. لا شيء مدسوس في دواخلها. صافية. لا يوجد أبدآ مكان في سريرتها معد لإستيعاب مثل تلك الأشياء الفائضة. ليست طبيعية!. لذا إما أن تتحدث هي وكثيرآ ما تفعل أو أتحدث أنا وكثيرآ ما أروي لها من حكاياتي القديمة. سلفيا فتاة عجيبة لم تخطر على خلد الوجود!. كانت صدفة من صدف الطبيعة العمياء. رومانسية، صادقة ، شفافة وجميلة.

لكنها بعد تستطيع أن تتآمر وتخطط!. في يوم السبت الماضي حدثتني عن رغبتها في الصعود إلى قمة الجبل. ليست ببعيدة. وعندما وصلنا إلى هناك وجدتها تحمل ملاية صغيرة ملونة فأستفسرت عنها. فقالت لي خشيت أن تأتيك الحالة فتحملني على الحجارة العارية ، أنا لا أضمن شرك!. فضحكت أنا عندها وضحكت سلفيا و سمعنا الجبل يضحك معنا متخليآ لبرهة عن صمته الرهيب. ضحك ثلاثتنا في نسق الوجود كل بطريقته. وما هي إلا لحظات وتحولنا بالفعل إلى وحشين في مكانهما المناسب من الطبيعة الوحشية. ثلاث ساعات وأنا تتقمصني روح ذئب جائع وسلفيا ظبية يانعة. ثم بكت سلفيا!. بكت بعدها وهي تعانقني وتنظر في البعيد. بكت على حين غرة. بكت على قمة الجبل وقالت أنها سعيدة وهي ما تزال تبكي .وتتساقط الدموع فوق صدرها الوضيء. سعيدة. هي لا تستطيع إلا أن تبكي. تبكي وتسألني متعجبة: من أين جئت أنت!. خلتها تحدث الجبل!. ورأيت حبيبات دموعها اللامعة تختلط بأنوار الليل الوانية التي تنصب علينا من البعيد. فنظرت إلى السماء الصافية. كان ثمة نجوم بعيدة. والفضاء مفتوح على سماوات سبعة. فجاءتني خشية رهيبة من مشهد الكون المهيب. فصليت على شريعتي وناجيت في سري عددآ من الآلهة. وفي دخيلتي هاجس مجنون إذ أنني تصورت لوهلة أن رهطآ من الملائكة أو الجن ربما هبطوا علي من السماء يريدون بي شرآ كوني أضع في أسري كائن من جنسهم!. لكنهم تقاعسوا!. فظل الملاك ملك يدي.

في يوم الأحد التالي لصعودنا جبل الآلهة (هكذا أسمته سلفيا) وعند المساء أتصلت سلفيا على والدتها من تلفون القصر. تحدثا طويلآ. كانت سلفيا جل الوقت تحدث أمها عني بوصفي كائن معجزة. قالت لها "Mijn Man Kan Alles" رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء، حتى المستحيل!. إنه يعلم كل شيء عن الناس والطبيعة والمجرات. ويستطيع أن يلعب كرة القدم والمضرب والبلياردو والورق والشطرنج ويكسبها جميعآ. ويرقص ويسبح كما الأسماك ويروض الخيول ويصطاد التماسيح. أواه ماما... ويستطيع أن يخاطب الملائكة والجن ويكلم الآلهة من قمة الجبل. أواه ماما... مستحيل!. I love him.


يتواصل... بيبرلاند ... بلاد الورق (بلاد الكلام) أو نظرة في سايكلوجية الذات الحرة

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في السبت مارس 16, 2013 11:31 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

قواعد العشاء السوداني (من وحي عشاء اليوم مع اسرة سودانية)!

هاتفني يوم أمس أحد أصحاب المطاعم من المصريين بشاطي لاهاي المسمى "إسخيفنققن" . كلمة إسخيفنققن Scheveningen على وحي هذه المناسبة هي من أصعب الكلمات الهولندية في النطق وربما على وجه الإطلاق فعندما يريد الهولندي التعرف على أحدهم من كونه هولندي الأصل أم لا يقول له قل "الحصيحيصا" أقصد "إسخيفنققن".

قال لي صاحبي المصري وهو رجل يعرف قواعد البزنس إنني مدعو وكل معارفي وصحابي إلى مطعمهم العامر نهاية هذا الإسبوع حيث هناك بجانب الطعام الشهي فرقة موسيقية شرقية مع "رآآآصة" عشرة بلدي. فمازحته بأنني مرتبط هذا الويك إند مع مطعم سوداني ولغرابة الصدف عندهم أيضآ "رآآآصة" فتساءل المصري مستغربآ: هو إنتم عندكو عشرة بلدي؟. فقلت له: لا... نحن عندنا عشرين بلدي أصل كل شيء عندنا غالي في السودان. فضحك صاحبي حتى بانت نواجز الموبايل. وقلت له المزيد: لو إنتم عندكم تلاتة إهرامات نحن عندنا دستة ولو إنتم عندكم ميدان التحرير نحن عندنا ثورة أكتوبر ولو إنتو عندكم النيل نحن ضاربين المية منكير. فبهت الفرعون المزيف في معية الفراعنة الأصل.

ومن بعدها خطر لي سؤال صغير "؟" هل في الحقيقة هناك مطعم سوداني في هولندا؟. لا أذكر!. فأتصلت بأحد أصدقائي وهو رجل ضليع في معرفة الأخبار والشمارات من كل شاكلة ولون استفسره عن مكان مطعم سوداني ما وجد. فأجابني بالنفي. ذاك أن على طول هولندا وعرضها لا يوجد أي مطعم سوداني!. غير أنه في الحال "حلف طلاق" إلا أن آتي للتو لـلغداء معهم في المنزل وهو رجل شهم وفارس تقليدي وصاحب أسرة كبيرة وممتدة .

فذهبت إلى العشاء السوداني كما طلب مني (أقصد الغداء) وكان مدنكلآ من كل ناحية وصوب يتوسط الصينية صحن رجلة طال عهدي بعصفه. فغسلت يدي وبسملت مثل ما بسمل صاحبي وثلة من أصدقائه الذين جاء بهم على شرفي وهرعنا من بعدها على المائدة نعمل أصابعنا فيما لذ وطاب. فأكلنا وحلينا بالكستر وشربنا الشاي الأحمر وتونسنا في كل شي وتحدثنا في الكورة والسياسة وقطعنا في بقية الشعب السوداني نتهمه بالإنهيار السياسي والإقتصادي والأدبي والأخلاقي ونحن نتفرج عبر الدش على قناة الشروق الفضائية. وكانت أصوات النسوة تتسرب خفيضة من الغرفة المجاورة دون أن يراهن أحد وهن كالجنود المجهولة من صنعن الطعام وصنعنا الكستر وصنعنا الشاي وفي هولندا... ويصنعن العيال كما الرؤى والأفكار والشمار ... وإن كيدهن لعظيم!.

لدى هذه الذكرى "وضع النسوة من مثل هذه المناسبات" يحلو لي أن أحكي قصة جديدة صغيرة مع سيلفيا الهولندية. حدث في يوم من الأيام أن ذهبت معي سيلفيا الهولندية لأول مرة للعزاء بوفاة والد أحد السودانيين بمدينة أمستردام. شيء جميل أن تذهب معي سيلفيا لأداء مثل هذا الواجب. لكن هناك أمر لم أحسب له حسابآ إذ لم يخطر بخلدي إلا بعد فوات الأوان. ذاك أننا عندما دلفنا إلى داخل المنزل وجدنا الرجال بناحية والنساء في الناحية الأخرى ولم يكن هناك كثير من الوقت لأشرح لسيلفيا الضرورة الثقافية والإجتماعية لذات التقسيم الفظ. فقط أشرت لها بيدي بينما أهم برفع الفاتحة أن تذهب إلى الجناح المجاور حيث يبكين النساء. فحملقت سيلفيا في وجهي مستغربة وغاضبة بعض الشي وهي تردد كلمة "فارووم" وتعني: لماذا؟. فدخلت إلى بيت الرجال وفوجئت بسيلفيا تمسكني من يدي وتجلس بجانبي مثل قطة وديعة لا توجد في خواطرها أي علامات إستفهام. وكان يأكلني القلق وبعض الإحراج حتى أنقذت نفسي بالهروب.

لماذا لا يوجد مطعم سوداني بهولندا... أعتقد لأن معظم السودانيين لا يجيدون البزنس وتحديدآ " الكاترينق و إتكيته "... ليس من أسبابه ذاك أن الخواجات لا يأكلون الأكلات السودانية التقليدية بل يفعلون ويحبونها جدآ كلما حانت الفرص. تلك هي تجربتي مع كثير من أصدقائي الهولنديين. وعلى وجه العموم فالهولنديون "ما عندهم أكل خاص" لذا كثيرآ ما يعتمدون في الغالب على الريسبتات الأجنبية وبالذات الأسوية والأوروبية الأخرى وأخيرآ الأفريقية.

كل هذا الحديث خطر لي من وحي "الغداء" السوداني نهار اليوم وكنت قد كتبت قبل عدة أيام مقالة صغيرة عن قواعد "العشاء الهولندي" فأحببت أن أكون عادلآ على وحي هذه المناسبة وأتحدث أيضآ عن قواعد الغداء السوداني (وجبة الغداء في السودان تعادل وجبة العشاء الهولندية من حيث الأهمية)... فوجدتني أذكر كل قواعد العشاء الهولندي لكن يبدو أنه غابت عني المعايشة للغداء السوداني بحكم الغياب المادي والقسري و الذي طال وإستطال فلم أعد أذكر الكثير.

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة فبراير 08, 2013 2:49 am، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

معجزات في هولندا: نظرة فيما وراء الطبيعة ... (فكية خواجات "من فكي" يعالجون المرضى في الشوارع)!

بعض الناس يعتقدون أن "الخواجات" علميين وموضوعيين وماديين بشكل مطلق. هذا التصور غير صحيح على علاته. نعم، هناك إختلاف كبير بين الشرق والغرب لكن كثير من الخواجات على علاقة حميمة ولصيقة بما وراء الطبيعة.
ليس بالضرورة أن كل الناس في هولندا يؤمنون بدين محدد لكن معظم الناس يعتقدون في عدد غير محدود من الما ورائيات في الحياة اليومية ومن ضمنها اليوقا و العلاج الروحي والسحر وإمكانية التخاطب والتصادق مع الحيوانات والجمادات وجالبات الحظ والبخت وبعض الناس يؤمنون بأن هناك روح واحدة للوجود يمكن حيازتها في سبيل فعل المعجزات ولكل ذاك بالقطع علاقة بالتأثيرات المسيحية التاريخية كما الإرث الروحي الما قبل مسيحي إضافة إلى إنسجام البعض مع تيارات شرقية وأفريقية عديدة وفدت حديثآ إلى أوروبا.

وعندي ليس الشرق وحده من يعلم الغرب " الروح" والما ورائيات كما درج البعض على تصوره وإشاعته بل الغرب ايضآ يصدر الروح إلى الشرق لا المادية وحدها. انظر هذا الفلم للعلاج الروحي في أحد المدن الهولندية الصغيرة وتسمى زيفنار وبهذه المدينة أكبر مركز للجوء السياسي في أوروبا. هذه المعلومة الأخيرة ليست لها علاقة بمعنى الفلم المعني وليست لها علاقة بمحتوى الفكرة كلها فقط معلومة عامة. تلك الجماعة الدينية "الفكية " ومركزها أمستردام تجوب هولندا كلها من وقت إلى آخر لتثبت للناس مقدرتها على العلاج الروحي " الما وراء طبيعي":

https://www.youtube.com/watch?v=Z-8skeca ... watch-vrec

محمد جمال
صورة العضو الرمزية
íÍíì ÇÈäÚæÝ
مشاركات: 32
اشترك في: الاثنين سبتمبر 17, 2012 10:17 am

مشاركة بواسطة íÍíì ÇÈäÚæÝ »



[align=right]سلام يا محمد جمال الدين كيف الاصدقاء هناك
حاجة جميلة يامحمد كان من المفترض ان نكون انا والمرحوم سامى سالم فى هذا البلد
ولكن رفضناها من أول يوم طرحت فيه الفكره فى 1998
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

يحي بن عوف "هنا" خبر جميل... شوية وأجيك... هناك أشياء لتقال!
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

بيبرلاند ... بلاد الورق (بلاد الكلام) أو نظرة في سايكلوجية الذات الحرة... حلقة "2"

كلما اتسعت العبارة اتسعت الرؤية... والعكس صحيح!... (في الضد من حكمة الإمام النفري)

مقدرة مدهشة على الكلام في هولندا. أي إنسان مهما كان عمره أو نوعه أو موقعه الإجتماعي أو مستواه الأكاديمي يستطيع أن يتكلم. يتكلم في اليومي و في المنابر العامة وفي كل مكان تتاح فيه فرصة للحديث. كلام بلا حدود. كلام بلا تلعثم. الأطفال يتكلمون بقدر قدرة الكبار، عامة الأطفال، إن حدث تحقيق تلفزيوني عشوائي في الشوارع العامة فإن أي طفل عمره سبع سنوات وربما أقل يستطيع أن يتكلم، يستطيع أن يجيب على السؤال بقدر علمه عبر كلمات واضحة غير مرتبكة أو متلعثمة وإن كان لا يعلم يقول لا أعلم ورأسه في عنان السماء. لا يوجد خجل من "لا أعلم"!. هناك كلام كثيف في هولندا!. كلام. ذاك الكلام ليس بلا سبب بل وراءه كلام كبير. هو من حرية التعبير هو من هبة الفردانية شبه المطلقة. كلام من ذهب ضد صمت الرماد. كلام ليس بلغو. تعبير عن خلجات الصدور. إنه تعبير عن الذات الحرة المتحررة من الخوف. كلام ليس بالضرورة فلسفة عميقة أو يحمل منتهى الحكم. لا ليس هكذا، إنه فقط تعبير عن الحالة الفردانية في عالم يسكن في الحرية.

الصمت من الخوف. الكلام من الطمأنينة. الصمت سمة القمع، سمة الذات المقموعة. الكلام هبة الحرية، سمة الذات الحرة. الثيمة الأساس للدستور الهولندي هي "الحرية". حرية التعبير و الحرية بكل معاني الكلمة لجميع الناس المقيمين (وفق الدستور) فوق الأراضي الهولندية بلا فرز (وفق الدستور). في هولندا ليس حرية الكلام وحدها المدهشة بل هناك المزيد من المدهشات للبعض منا. كل شيء تقريبآ حلال!. لا يوجد شيء حرام غير الإعتداء على أجساد أو حقوق الآخرين المادية أو المعنوية. فالإنسان من حقه أن يجد طعامه وملبسه ومسكنه وعلاجه وتعليمه وفق الدستور. وتلك هي الضرورات الحتمية. ثم من حقه أن يعتقد فيما يشاء ويعبد ما يشاء ويفكر بما يشاء ويلبس ما يشاء ويتحدث بما يشاء ويعمل ما أراد وفق القانون وبما لا يتعارض مع حريات الآخرين. ويتجمع ويتفرق ويتظاهر ويكتب ويغني ويرقص كما يشاء. وإن بدى أن ذاك حدآ معقولآ من حقوق الإنسان. ففي هولندا هناك المزيد من الحقوق. فيض من الحقوق. فعلى سبيل المثال فمن حق الإنسان أن يبتاع الحشيش "بنقو" من البقالة مثله والشوكلاتة ومن حق الرجل أن يتزوج الرجل الآخر كما هو حق المرأة وأكثر من ذلك من حق الإنسان أن ينهي حياته في أي لحظة شعر فيها بأنه يتألم أكثر من اللازم وكل ذلك وفق القانون. ومع ذلك فالهولنديون أقل الشعوب إستخدامآ للمخدرات ومستوى الجريمة المنظمة متدن إلى قدر يجعل هولندا من أكثر شعوب الأرض أمنآ وطمأنينة!.

هذه الحريات شبه المطلقة عندها جذورها التاريخية والعملية المؤسسة على تضحيات جسام في الإطار الكلي لنسق الحضارة الغربية الحالية وعندها مبرراتها الأخلاقية كما الإقتصادية. نختلف أو نتفق حولها (تلك الحقوق) ذاك شأن آخر. إنه الواقع الذي أرتآه وإرتضاه الشعب الهولندي لنفسه.

الحضارة الغربية الحالية قامت مثل كل الحضارات السابقة على الأرث البشري العريض. كما قامت مثل كل الحضارات التي سبقتها على قدر مهول من الدماء والخوف ونقص في الأنفس والثمرات. ثم عندما أكتملت دورتها وتشابكت حلقاتها وبلغت ذروتها اعتملت قدرآ آخرآ بدوره فظآ من ظلم الذات والآخرين. وعندك الحربان العالميتان الآخيرتان مثال ساطع. وعندك ثقب الأوزون وإستعباد البشر بأشكاله المتعددة والمنوعة. غير أن هذه الحضارة أنتجت حدثآ فريدآ وعظيمآ ومشرقآ لم يحدث أبدآ من قبل في التاريخ، وهو: الكلام. حرية الكلام.

كل الخيول التي أسرجت في التاريخ وكل الدماء التي أهرقت وكل الصرخات المعلقة في الفضاء كانت في نهاية المطاف من أجل شيء واحد فقط هو "الكلمة"!. الكلام. حرية "الكلام". الكلام الواسع. العبارة. حرية التعبير. العبارة التي كلما اتسعت اتسعت الرؤية!. كلما اتسعت العبارة اتسعت الرؤية والعكس صحيح!. العبارة تصنع الرؤية والرؤية تصنع العبارة في جدلية لا تنفك عن بعضها البعض. إنه الكلام. الكلام الذي تنتهي عنده حكمة "النفري" الشهيرة فيقلب لها الدهر ظهر مجنه فتصبح نافقة وغير سارية المفعول.

هذا الشيء "الكلام" هو قدس الأقداس وسر الإسرار كلها!. إنه مقياس الإنسانية في زهوها المهيب. إن كنت تسطيع "الكلام" فأنت حر العقل وحر الضمير وحر "الجسد". ألم أقل إنه السر كله!.

هذا الجسد هو عقدة البشرية منذ الأزل. العقدة الأولى والحاسمة. حرية الجسد أكثر تعقيدآ من جميع الحريات. عندما تملك جسدك فأنت حر. هو مقياس الحرية في مسيرة الإطلاق. عندما تملك جسدك تستطيع الكلام. الكلام المطلق. الكلام المعبر عن الذات غير الخائفة. الذات الحرة. إن كان الجسد ملك الدولة أو/و العشيرة أو/و الأسرة الممتدة فأنت لن تستطيع الكلام. لك أن تتصور فتاة سودانية لم تقل ثلاثة جمل أي كانت قبل أن تتزوج خلال خمس وعشرين سنة من حياتها لم تتحدث. لأنها كانت تخاف وتخجل. فتاة عادية!. فصوتها (كلامها) عورة وجسدها عورة. تخشى أن تصيب العشيرة في مقتل إن هي أباحت الجسد فتقتل و تخشى أن تخطي في الكلام إن تكلمت فتهين القبيلة بالعبارة فتهان. تلك هي بعض القضية. ذاك مثال الذات المقموعة. الذات غير الحرة. مكانيزمات تلك العبودية المنوعة تشمل الجميع بدرجات مختلفة رجالآ ونساءآ كبارآ وصغارآ. فلا يستطيعون الكلام. يخافون يتلعثمون. يكون حديثهم لغوآ!.

المقياس للتقدم الإنساني عندي هو المقدرة على "الكلام". التفوق التقني والعلمي للحضارة الغربية الحالية وسر إنتصارها على الشرق والعالم أجمعين هو الكلام. مقدرة إنسانها على الكلام.

لن تستطيع الكلام إن لم تكن تعرف ذاتك. تعرف من انت وماذا تريد. تعرف متى تقول لا ومتى تقول نعم. فردانية. الإنسان الحر يعرف ذاته قبل معرفة الآفاق. الذات أولوية صعبة تتقدم الآفاق!. ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) فصلت 53. الإنسان الخائف قد يعرف الآفاق قبل معرفة ذاته (قد لا يعرف ذاته) لا يعرف من هو وماذا يريد. لا يعرف متى يقول لا ومتى يقول نعم. لذا لا يستطيع الكلام. إنسان منفصم. يتكون في دخيلته من عدة طبقات تقوم على شفير الخوف!. لهذا كنت كثيرآ ما أراني وتشهد سيلفيا دائمآ أنني أعرف أفضل منها. ربما كان ذاك صحيحآ جدآ. أعرف الآفاق لكنني لا أعرف نفسي. وكان أصعب الأسئلة التي توجهها لي سيلفيا تلك الحصرية المتعلقة بي شخصيآ. فلا أستطيع الكلام. وسيلفيا تعرف ذاتها أكثر من معرفتها للآفاق. لذا تجيد الكلام أفضل مني بدرجات عديدة. الكلام عن مشاعرها ورؤاها الذاتية "طبعآ".
هنا مقطع من "سيلفيا" مرة ثانية (إشارة إلى الحلقة الأولى) ربما به بعض الإشارات العملية لقولي هنا. أضعه على علاته وما به من رؤى أخرى شتيتة فأرجو لطفآ الإنتقاء بإعمال الإنتباه:

((Migilogy مجيولوجي

حلقة "2"

إبتسامة سلفيا تؤشر إلى شئين جوهريين عندي الأول حدثتكم عنه وهو الهناء والسعادة والثاني أيضآ حدثتكم عنه وهو الإنتقاء الطبيعى في مواجهة نساء الكوكب أجمعين بحسب نظرية داروين وحسن الطالع والأقدار فالطبيعة حنت عليها بحسب نظريتي أنا وربما هي ليست من هنا!.

سلفيا هانئة وقانعة ودائمآ ما تذكرني بمقولة سخيفة أطلقها فرانسس فوكوياما يقول فيما معناه أن الإنسان الأخير إنسان نهاية التاريخ يتحول إلى قطة* وديعة تنام في الظل "إنسان قانع وسعيد بما لديه لا يحلم بالمزيد ولا يتمرد ولا يثور بل ولا يفكر إنما يمارس الحياة في زهوها المهيب ويكون دائمآ مبتسمآ وسعيدآ".

سلفيا تشعر بأنها تملك كل شيء، كل شيء. وتلك حقيقة!. حدثتني مرة ونحن نتسامر على بنش خشبى أقامته على شاطي نهر الراين سلطات مدينة آرنهم كي يسعد فوقه العشاق من أمثالنا. قالت سلفيا أنها تملك كل شيء بينما هي تحدق في خيط الماء. قلت لها أنا أعلم. نعم أعلم!. وكان في ضميري أنها فعلآ تملك أشياء جميلة وهبها لها الله تفردآ دون خلقه أجمعين. فهي جميلة بطريقة باهرة وناجحة وذكية وتملك من المال ما يكفيها وتتحدر من أسرة مستقرة ومحبة لها. غير أن ذاك ليس الأمر. سلفيا تقول أن كل شيء هو حبيبها، هو: أنا. فدوني هي لا شيء ولا تملك شيء!. وكانت تعني ما تقول. سلفيا دائمآ تعني ما تقول وتقول ما تعني وتفعل ما تقول.

وأشياءها بسيطة وجميلة. بسيطة لكنها في بعض المرات مرهقة في بساطتها. لكنني أنا رجل المستحيل. لقد كانت سلفيا في أعماقها محقة عندما قالت لأمها مرة أن رجلها "أنا" يستطيع كل شيء حتى المستحيل. عندما نعود إلى منزلنا كلما مساء من أعمالنا المنوعة عادة ما تجلس سلفيا أمامي فور وصولها البيت وتشرع تحكي لي بالتفصيل الدقيق مذ لحظة خروجها من الدار وإغلاق الباب من خلفها وماذا رأت في شارع بيتنا وكيف رأت جارتنا تنشر الغسيل وفي البص وفي شوارع المدينة وقاعة المحاضرات وفي الشغل وماذا قالت لها زميلتها وكيف علقت على فستانها وحزامها وحين ابتاعت الخيار وسعر الباذنجان وصرير ماكنات العربات وهلمجرا كتير. تحكي لي كل شئ كل شئ وأنا أصغي كطفل غرير إلى أمه التي تحجيه وهي ترضعه. غالبآ ما أستمرت الحكاية الروتينية لمدة ساعتين لا أقل بل أكثر كل يوم every day كدا.

لكن ليس ذاك فحسب الأمر عادة لا ينتهي هنا. هي إمرأة عادلة. عندما تشعر بأنها قالت كلما لديها وأنا يغالبني الروتين تلتفت على وتقول لي: أها حبيبي كلمني جاء دورك. ولا بد أن أكلمها. مافي طريقة!. تلك لحظة حياة أو موت بالنسبة لسلفيا. في بداية حياتي معها كنت كثيرآ ما أحاول التهرب عبر قول الحق الذي أعرف وهو أن لا شيء حدث لي أو رأيته في الشارع ولا في أي مكان يستحق الذكر. لكن تلك كانت حجة فاشلة لدى سلفيا. فهي تعلم لا بد أن هناك أشياء لتذكر وتروى. كما أنها تعلم خط سيري وتبدأ تسألني بالتفصيل وأنا أجيب مثل تلميذ صغير. تسألني عن الشارع، البص، السوق ، العمل، الزملاء والزميلات، الطعام، القهوة، الشاي. ثم تبحث في "الكيس" الذي جئت به معي وتكب الأشياء على الطاولة وتسألني عن كل شيء على حدا بالتفصيل عن سعره ونوعه وحجمه وتخبرني أن هناك أماكن أفضل من التي أتسوق منها وتعقد مقارنات مستفيضة بين ما تعلم ولا أعلم من البقالات والأسواق والأشياء. وغالبآ ما " أطلع كيشة" عندها في عدم تحري الدقة "مثلآ" في إختيار مكونات السلطة وبالذات فشلي المقيم في معرفة "الخيار" السليم.

في البداية لم أفهم ذاك كله لكن بعد فترة وجيزة تعرفت على أشياء مهمة ساعدتني على الصبر على تلك المكاره المضنية وهي أن لا مشاكل كبيرة في هولندا لا توجد حرب في الجنوب ولا الغرب ولا توجد ثورة ولا كوارث كبيرة في تلك الأثناء يكون البشر عاديون مثل سلفيا تمامآ وتكون تفاصيل الحياة العادية هي قضية الناس التي يتنزهون ويمتعون ارواحهم بها إذ تلك هي الحياة!. ماذا يفعلون أيخترعون حياة أخرى!. وأنا من عالم الثورات العظيمة والأحلام الكبيرة والأحداث الجسيمة فالحياة العادية مهما كانت جميلة تبقى غريبة على مخيلتي لا بل مملة . تلك ليست حياتي. أنا لست عاديآ!. أنا لا أنتمي إلى الهنا أنا من الهناك من البعيد حيث أعيش هناك في خيالي وأفكاري وخططي ومشاريعي وأعيش الأزمة الشاملة ولي رهط من شاكلتي يشاركني!. رهط مأزوز، أنا من زمان الأزة. أنا مأزوز. لذلك كثيرآ ما بدأت أنا إنسانآ غير عادي عند سلفيا بل رجلآ خارقآ ويستطيع أن يفعل كل شيء!. يفعل كل شي ويأتي بالعجائب المفارقة للحياة "الحياة العادية"... الحياة الحقيقية... "حياة سلفيا وأهل سلفيا".

عند تلك اللحظة وحدها تكشف لي سر حكاية سلفيا حين كلمت أمها مرة من تلفون قصر السيدة نيللي:

((في يوم الأحد التالي لصعودنا جبل الآلهة (هكذا أسمته سلفيا) وعند المساء أتصلت سلفيا على والدتها من تلفون القصر. تحدثا طويلآ. كانت سلفيا جل الوقت تحدث أمها عني بوصفي كائن معجزة. قالت لها "Mijn Man Kan Alles" رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء، حتى المستحيل!. إنه يعلم كل شيء عن الناس والطبيعة والمجرات. ويستطيع أن يلعب كرة القدم والمضرب والبلياردو والورق والشطرنج ويكسبها جميعآ. ويرقص ويسبح كما الأسماك ويروض الخيول ويصطاد التماسيح. أواه ماما... ويستطيع أن يخاطب الملائكة والجن ويكلم الآلهة من قمة الجبل. أواه ماما... مستحيل!. I love him)).
))


*فوكوياما قال "الكلب" ولم يقل قطة!

يتواصل... بيبرلاند ... بلاد الورق (بلاد الكلام) أو نظرة في سايكلوجية الذات الحرة

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة فبراير 08, 2013 4:36 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


إن كان لديك فكرة مجردة أيآ كانت فهذا أمر جيد... فلتقل بها... غير أنه إن حدث أن جربت (امتحنت) بنفسك عمليآ تلك الفكرة المجردة (تذوقتها حسياً!) فذاك منتهى الفكر... أو هو فهمي الذي أعمل به...قل هو زعمي!.

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

معذرة: مكرر (انظر أدناه)
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الثلاثاء ديسمبر 04, 2012 5:18 am، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


أنا و سونيا وعافية ومستر خيرد!

حلقة "6" Flashback

قصة "الرجل الغريب الميت"!

وجد أبي مرة جثة رجل غريب طافية على شاطي النيل قبالة منزلنا من ناحية اليسار. كانت الجثة واهنة ومتحللة وهناك ثقوب في البطن وفي الظهر والأفدح من ذلك أن الأنف والشفتين كانتا مفقودتين كلية بفعل ما يبدو وكأنه إعتداء أسماك أو كائنات نيلية صغيرة على جسد الغريق، مما جعل الناس الذين تدافعوا من القرى المجاورة إلى حيث الجنازة يتفحصون جسد الغريق بأعينهم المذعورة كثيرآ خشية أن يكون أحد منهم أو شخص ما يعرفونه فلا يستطيعون الوثوق من شيء. تحلق الرجال بجلابيبهم البيضاء حول الجثة من كل ناحية وصوب ومن خلفهم النسوة يبكين الميت في ذعر بين دون أن يتأكدن من هويته وكان الأطفال يتسللون في تلقائية من بين المناكب المتدافعة إلى حيث مكان جثة الرجل الغريب الميت. كان مشهدآ مهولآ من الفوضى و الرعب.

لقد وصل الخبر في لمح البصر إلى كل مكان في البلدة وإلى البلدات المجاورة وربما أبعد من ذلك بكثير. كان الخبر يزحف ناحية الصعيد "الجنوب"، ناحية تيار الماء الذي جاء بالجثة إلى هنا. إلى حيث منزلنا بجزيرة أم أرضة. ظن كل الناس وجزموا أن الغريق قادم من الصعيد، إنه الإحتمال الذي يشبه وقائع الطبيعة ليس إلا!. فليس من المستبعد أن يكون الغريق ذهب إلى الصعيد بمركب شراعية وعاد محمولآ على تيار الماء ناحية أهله في السافل "الشمال" بعد أن تسببت كارثة ما في غرقه. ربما أنتحر، قتل نفسه عمدآ، لا أحد يستطيع أن يجزم بشيء ما أي كان!.

قفل الناس راجعون من حيث أتوا في سرعة البرق يتفقدون ذويهم ويعلنون خبر الجثة التي جاء بها إبي إلى منزلنا ووضعها على طاولة خشبية كبيرة في صحن الدار بعد أن غطاها بعمامته البيضاء في إنتظار ما تسفر عنه الأنباء.

بعد يوم كامل من البحث في كل أرجاء القرى المجاورة تبين جليآ أن الغريق ليس من هنا. ليس من البلدة ولا البلدات المجاورة. إنه رجل غريب. في حوالي الأربعين من عمره. الأمر الوحيد الذي أستطاعه أبي هو تقدير عمر الغريق من تمام أسنانه وتناسقها وبياضها. كان من المستحيل تحديد أي هوية محتملة للرجل الغريب الميت. لا أحد يستطيع تخمين قبيلته أو عرقه كون أهم محددات الهوية العرقية مفقودة وهما الأنف والشفتين. كما أن لا أحد يستطيع أن يتعرف على دين الرجل أو أخلاقه كون ذاك أمر غير مستطاع.

والأدهى من ذلك كله قيل أن أحد الرجال الموتورين شك في أن الرجل الميت ربما كان من رهط الأعداء القبليين، فقالها علانية في وقاحة تضاد أي وقار محتمل لمثل تلك اللحظات العصيبة " هذه السحنة من سحنات قاتلي إبناء عمومتنا في الصعيد". فأنقسم القوم تجاه شكه يعلنون موافقتهم أو رفضهم بغير كلمات، فقط صدرت همهمات كثيرة متشابكة يصعب تحديد مصدرها أو معناها على وجه الدقة. ليس ذاك فحسب، لقد جالت برؤوس القوم الكثير من الخواطر "ربما كان كافرا أو نصرانياً، هناك شعائر مختلفة تجب في حقه"، "ربما كان مجرماً، لصاً أو قاتلاً محترفا" أو "ربما إتهمنا أهله بقتله وطلبوا الثأر".
كانت الظنون والشكوك والهواجس تزحم المكان. ولكن بين الفينة والأخرى تتجلى مسافة زمنية صغيرة شاغرة تشع عندها حالة من الصمت الظاهري في لباس الخشوع، حالة هدوء يكذبها صخب الدواخل ولجاجة الضمائر. إنه هدوء مفروض قسراً بواسطة سلطان الموت الجبار.

على أي حال كل تلك الظنون والتخمينات ليست عبطاً أو بلا معنى!. فعلى أساسها سيتحدد عمليا "أين سيقبر الرجل الغريب الميت وكيف ومتى". المقابر مقسمة على أساس قبلي (عرقي) صارم وديني غير قابلين للجدل. لا توجد مقابر خاصة بالأغراب أو البشر الميتين غير محددي الهوية. تلك كانت أول حالة تواجه الناس في البلدة. دار جدال ساخن بين رجال البلد حول سؤال " مكان دفن جثة الرجل الغريب!". . كان جله جدلآ عقيمآ وبلا جدوى:
"أن يدفن جسد الرجل الغريب الميت مثله وأهل البلد فيغسل ويكفن وفق النظام المتبع في العادة، غير ممكن، أن ترجع الجثة إلى مكانها الذي أتت منه خلسه فيحملها تيار الماء إلى شأنها، غير متفق عليه، أن يتم إبلاغ السلطات الرسمية "الحكومية" ويترك لها حق التصرف في الجثة، غير محتمل، كون الحكومة لا تكترث بالأحياء فما بالك بالموتى".

لقد عطب خيال القوم!.

أخيرآ حسم أبي الأمر. كان رجلآ حكيماً ويتمتع بخواص نادرة. أمر الجميع بالذهاب وترك الجثة له وحده "تلك هي لقيتي التي لقيت، أنا أتبنى هذا الرجل الغريب وأعتبره جزءاً لا يتجزأ من أهلي وأسرتي وليس له علاقة بكم ولا بمقابركم". فأنفض القوم بعد بعض لأي جديد. وعند منتصف تلك الليلة وعلى ضوء القمر الخافت الحزين كفن أبي الجثة وصلى عليها وحده سراً، فقط كانت هناك إمرأة واحدة تبكي بغير دموع ولا صوت تقف بجانبه تعاونه في مهمته الحتمية، تلك المرأة هي أمي، ثم دفن أبي جثة الرجل الغريب في العراء بالقرب من بيتنا حوالي مائتي متر شرقي الدار وصنع فوق القبر كتلة من الجالوص وغرز يمين القبر ويساره عصا صغيرة من أعواد السنط .

وظل أبي لسنوات عديدة لاحقة ومن حين إلى آخر يذهب إلى قبر الرجل الغريب الميت يقف أمامه يرفع يديه إلى السماء راجيآ له الرحمة ومتمنيآ لروحه السلام. كان يفعل ذلك بصورة دؤوبة حتى رحل بدوره إلى العالم الآخر.

وظللنا أنا وأمي بدورنا نفعل مثله كلما تحين الفرص وربما حتى نرحل مثلما رحلا "الرجل الغريب الميت وأبي". كما شرع كثير من الناس الآخرين يجيئون إلى القبر بغرض التحية على روح الرجل الغريب الميت. يبدو أن الرجل الغريب الميت ظل يفرض نفسه على الواقع المعاش كلما مر الوقت. لقد قبله الآن كل الناس الذين رفضوه في البدء كأحدهم، ولو أسكنوه في قبره وحيداً في وحشته الأبدية، وكأنهم الآن يكفرون عن خطيئة ما! . ثم رويداً رويداً أصبح "الرجل الغريب الميت" جزءاً لا يتجزأ من وقائع الطبيعة العادية واليومية كما جزءاً أصيلاً من ألغازها العديدة.

محمد جمال

(( تنبيه: الحلقات من 1 إلى 5 من هذه الجزئية لدى الصفحة الرابعة من هذا الخيط)).

يتواصل... هولندا والسودان في هولندا

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الأحد يوليو 14, 2013 11:15 pm، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

العثور على جثة مصطفي س في في جزيرة أم أرضة

مشاركة بواسطة حسن موسى »


و هذه ربما كانت واحدة من الروايات في سيرة العثور على جثة مصطفى س في جزيرة أم أرضة.ذلك أن الناس ظلوا يعثرون على جثث مصطفى س لعشرات السنين بعد حادثة غرقه في نهاية الرواية المشهورة إلى آخر كلام الرواة...
و الله يا محمد جمال لو بطلت تبذير الكلام في الونسة الإسفيرية و قعدت للكتابة لحقت عليك قولة سيلفيا "ميين مان كان آليس ".
أضف رد جديد